رواية حديث الهوي ادهم ورغد كاملة جميع الفصول بقلم نونا المصري

رواية حديث الهوي ادهم ورغد كاملة جميع الفصول بقلم نونا المصري

رواية حديث الهوي ادهم ورغد كاملة جميع الفصول هى رواية من تأليف المؤلفة المميزة نونا المصري رواية حديث الهوي ادهم ورغد كاملة جميع الفصول صدرت لاول مرة على فيسبوك الشهير رواية حديث الهوي ادهم ورغد كاملة جميع الفصول حققت نجاحا كبيرا في موقع فيسبوك وايضا زاد البحث عنها في محرك البحث جوجل لذلك سنعرض لكم رواية حديث الهوي ادهم ورغد كاملة جميع الفصول

رواية حديث الهوي ادهم ورغد كاملة جميع الفصول

- تبدأ القصة عندما تخرج تلك الفتاة الجميلة البريئة من ذلك المنزل الضخم في تمام الساعة الخامسة فجراً وهي تبكي بحرقة وتضغط بقبضتها على تلك الحقيبة السوداء التي كانت تحملها بين يديها... وقبل ان تبتعد عن حدود المنزل التفتت اليه حيث كان واقفاً ينظر اليها من خلف نافذة غرفته البلورية وهو عاري الصدر ويمسك بيده كأس مشروب كحولي يرتشف منه بضع رشفات بهدوء مميت الامر الذي جعل غضبها يزداد ، لذا ضغطت على الحقيبة التي بيدها بكل قوة وقالت بنبرة صوت مجروحة : واطي .

ثم بصقت على الأرض وهمت بالمغادرة وهي تمسح دموعها بعنف وتضغط على تلك الحقيبة وكأنها تحاول ان تمزقها ، اما هو فاستمر بمراقبتها وهي تبتعد في تلك الساعة المبكرة من الصباح حتى غابت عن مجرى نظره تماماً ، وما ان تأكد انها لن تراه حتى قذف كأس الخمرة من يده ورماه أرضاً فأصبح حطاماً ثم بدأ يحطم كل شيء تقع يده عليه وهو يصرخ بصوت اشبه بزئير الأسد قائلاً : ليه ... ليه عملتي كدا ، ليه وافقتي بالسهولة دي ... كل دا علشان الفلوس ... مكنتش عايزك توافقي ... كنت عايزك تقولي لا وتضربيني آلم وبعدها تخرجي من هنا !

- قال جملته الاخيرة بنبرة حزينة وهو ينسدل بجسده إلى الاسفل ، فجلس على الأرض سانداً ظهره الى حائط تلك الغرفة الفاخرة والتي تبدو كما لو انها جناح ملكي أكثر من كونها غرفة نوم لشخصٍ واحد ثم رفع ثم وضع رأسه بين يديه غرساً اصابعه بين خصلات شعره الكثيف بقوة واخذ يضغط عليه بعصبيه شديدة جعلت عروق رقبته تظهر ؛ كما ان عيناه تجمرت من شدة الغضب.. بقي على تلك الحال لمدة لا تتجاوز الخمس دقائق وسرعان ما تنهد باستسلام واردف بنبرة حازمة : كلهم كدا ... اهي دي كمان عملت كدا علشان الفلوس وانا اللي كنت فاكر انها غير كل البنات بس صدق اللي قال ان الطبع غلب التطبع وهما طبعهم الطمع والكدب.

قال ذلك ثم هب واقفاً بكل وقار وبعدها دلف الى حمام غرفته وبدأ يستحم وكأن شيئاً لم يحدث ، اما هي فكانت قد استقلت سيارة أجرة وهي تحتضن الحقيبة التي اخذتها منه بعدما عاشت اسوء كوابيس حياتها وهي تتأوه بألم في حضنه في الليلة السابقة ؛ أدمعت عيناها وزادت من شدة الضغط على الحقيبة وهي تردد في داخلها : استحملي يا مرام... استحملي يا حبيبتي انا جبت الفلوس وانتي هتعملي العملية وهتخفي بس استحملي لغاية ما اوصل.

☆ وبعد مدة وجيزة .........

اخبرها سائق سيارة الأجرة انهم وصلوا الى العنوان المطلوب فاستيقظت من شرودها ونظرت من نافذة السيارة لتجد انها وصلت الى المستشفى بالفعل ، تنهدت وسألت السائق : تؤمر بأيه يا اسطه ؟

اجابها : خمسين جنيه يا هانم.

فلم تعلق بأي حرف بل فتحت تلك الحقيبة التي كانت تمسك بها طوال الطريق الامر الذي ادهش سائق الأجرة عندما رأى رزم النقود بداخلها ... أبتلع ريقه وهو ينظر اليها بعيون مفتوحة وهي تمسك بأحدى الرزم النقدية وتسحب منها ورقة نقدية من فئة الـ 200 جنيه وسرعان ما اعطته ايهاها قائلة : مامعيش فكه علشان كدا تقدر تخلي الباقي.

قالت ذلك ثم اغلقت الحقيبة مجدداً وترجلت من سيارة الأجرة تاركة ذلك الرجل يحدق بها بدهشة وهو يحمل ورقة النقود بيده ، فتساءل بتعجب : دي سرقت بنك ولا ايه حكايتها بالزبط ؟!

ولكن سرعان ما نظر إلى ورقة النقود التي اعطته اياها وابتسم قائلاً : وانا مالي... المهم اني كسبت 150 جنيه كدا من غير معملش حاجة.
قال ذلك ثم وضع النقود في جيب سترته وبعدها شغل محرك السيارة وهم بالمغادرة... اما هي فركضت الى داخل المستشفى والى قسم الطوارئ بالتحديد حيث كانت غرفة العناية المركزة التي ترقد بها اختها الصغرى ذات الـ 12 عاماً والتي كانت بحاجة لأجراء عملية زرع قلب جديد بأسرع ما يمكن.

توجهت نحو مكتب الأستقبال وقالت وهي تلهث : انا... انا جبت الفلوس... يلا دخلوا مرام غرفة العمليات بسرعة.

فنظرت اليها موظفة الاستقبال الخاصة بقسم الطوارئ بتوتر شديد وقالت بتلعثم : انا..انا هطلب من الدكتور عماد علشان يجي يكلمك .

أومأت لها برأسها وهي ما تزال تلهث قائلة : طيب.. بس من فضلك خليه يجي بسرعة.

فلم ترد عليها الموظفة بل امسكت المايك واخذت تقول : دكتور عماد شحاته من فضلك تعالى على قسم الطوارئ دلوقتي.

ثم كررت ما قالته وبعدها اطفإت المكبر الصوتي ونظرت إلى تلك التي كانت تناظرها بترقب ثم تنهدت وقالت : اكيد الدكتور سمع النداء وهيجي فوراً .

وما هي الا دقيقة قد مرت حتى جاء ذلك الطبيب الذي يرتدي نظارات طبية ويبدو انه في الاربعين من عمره حيث كان شعره خفيفاً ويكاد ان يصبح اصلع بينما كان جسده ممتلئاً قليلاً ، وما ان رأته حتى ركضت نحوه وهي تمسك الحقيبة ثم قالت بلهفة : انا.. انا جبت الفلوس يا دكتور ... وهدفعهم حالاً علشان تعملوا العملية لأختي الصغيرة.

في تلك اللحظة تغيرت تعابير وجه الطبيب عندما رآها مما جعله يعدل وضع نظارته الطبية ثم تنهد وقال بكل هدوء : خلاص...مفيش داعي انك تدفعي الفلوس.

- رمشت هي عدة مرات ثم سألته بعدم فهم : قصدك ايه يا دكتور ؟

واضافت بقلق : ازاي مفيش داعي اني ادفع فلوس عملية اختي ، مش انتوا اللي قلتوا انكوا متقدروش تعملوا العملية قبل ما ادفع فاتورة العلاج اللي هي 300،000 جنيه ؟!

فاخذ الطبيب يفك ربطة عنقه واردف بتوتر : اسمعي يا بنتي.. الكلام اللي هقولهولك دا اكيد هيبقى صعب بس نعمل ايه بقى دي مشيئة ربنا ولا اعتراض على حكم الله.

في تلك اللحظة تجمد الدم في عروقها وسألته بخوف شديد : هي مرام جرالها حاجة ؟

تنهد الطبيب واجاب : البقية في حياتك...وشدي حيلك.

وبعد ان سمعت ذلك سقطت الحقيبة الجلدية من يدها على الأرض واخذت تحدق به بتعابير غريبة لم يستطيع ان يفهم معناها ثم قالت بعصبية : انت كداب...ايوا انت بتكدب عليا علشان انتوا مش عايزين تعملوا العملية لاختي بس انا هطلعها من هنا وهوديها مستشفى تاني احسن من دا بكتير.

قالت ذلك ثم ركضت باقصى سرعتها الى غرفة العناية المركزة التي كانت تنام فيها اختها فلحق بها الطبيب عماد وهو يقول : استني يا أنسه مريم... مينفعش تعملي كدا.

ولكنها لم تستمع اليه بل اتجهت إلى حيث كانت الغرفة وسرعان ما صدمت عندما لم تجد اختها في السرير فصرخت بالطبيب قائلة : فين مرام ، انتوا ازاي تخرجوها من غير اذني ؟

وبينما كانت تصرخ نظر اليها بعض الاشخاص الذين كانوا متواجدين في ذلك القسم ومنهم صديقتها الحميمة ألهام أمين التي كانت جالسه على الكرسي بصمت ويبدو عليها انها بكت كثيراً ، وعندما سمعت صراخها نهضت من مكانها بسرعة ثم ركضت نحوها وهي تبكي قائلة : كنتي فين يا مريم ، انا اتصلت عليكي كتير اوي بس الموبايل بتاعك مقفول قوليلي رحتي فين ؟

فنظرت مريم اليها وسألتها ببكاء : اختي فين يا الهام ؛ هما عملوا فيها ايه ؟

عانقتها الهام وبكت بحرقة ثم قالت من بين دموعها : شدي حيلك يا مريم ، كلنا على الطريق دا.
في تلك اللحظة انفجرت مريم باكية واخذت تصرخ قائلة : لااااااء... انتوا بتكدبوا... كلكوا كدابين مرام لسه عايشه ، انا مش هصدق اللي بتقولوه دا ابداً

واستمرت بالبكاء حتى عانقتها الهام مجدداً وهي تبكي قائلة : ارجوكي يا مريم متعمليش كدا... دا حرام.

ولكن المسكينة لم تتوقف عن البكاء الا عندما وقعت على الارض فاقدة للوعي... كيف لن تفقد وعيها وهي التي ضحت بنفسها وروحها لذلك الرجل المليونير فقط لكي تستطيع ان تنقذ اختها التي كانت تصارع الموت ولكنها لم تكن تتوقع ان حبل المنية { الموت } سيأتي ويزور اختها مبكراً جداً ويأخذها معه في تلك الرحلة الأبدية.. هي حتى لم تستطيع ان تنسى كيف مات والدها عندما كانت في سن الثامنة عشر لتتبعه امها التي توفيت منذ سنة تقريباً جراء حادث دهس وها هي الان تفقد اختها الوحيدة بسبب المرض ؛ كثير... والله كثير لكي تتحمل كل هذا العذاب وهي ما تزال في الواحد والعشرين من عمرها .

☆ عودة في الزمن / قبل ثلاث سنوات....

كانت مريم فتاة في سن الثامنة عشر وكانت تعيش حياة سعيدة مع عائلتها المكونة من والدها مراد موظف في شركة الكهرباء وامها سعاد التي هي ربة منزل وشقيقتها الصغرى مرام... كانوا عائلة متوسطة الحال ليسوا فقراء وليسوا اغنياء فقط كانوا من الطبقة المتوسطة في المجتمع وبالرغم من ذلك كانت حياتهم سعيدة ؛ والدها كان يحبهم كثيراً ولا يجعل اي شيء ينقصها هي واختها وامها بالرغم من مرتبه الذي بالكاد كان يكفي لدفع مصاريف المدرسة وفواتير الكهرباء والماء وغيرها وكان يحضر لهن كل ما يطلبنه... طعام شهي ملابس جميلة ويعطيهن مصروف المدرسة كل يوم.

ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان حيث ان السيد مراد تعرض لحادث في العمل عندما ارسلته الشركة التي يعمل بها الى احدى الاحياء الشعبية لكي يصلح عمود الكهرباء ، وعندما امسك الكابيل الرئيسي الذي كان غطائه البلاستكي متلف وعليه بضع قطرات من الندى تعرض للصعق بالكهرباء بقوة تزيد عن الـ200 واط مما اسفر عن موته فوراً .

صعقت السيدة سعاد عندما سمعت الخبر وان زوجها الذي تحبه كثيراً قد مات وشعرت بأن روحها التي ماتت ، اما ابنتيها مريم ومرام فسيطر عليهن الحزن لأن الصغيرة قد اصبحت يتيمة الاب وهي ما تزال في سن التاسعة بينما الكبيرة كادت ان تفقد عقلها لان والدها الذي تحبه قد تركها وهي في مرحلة حساسة من العمر ، حيث انها كانت تحتاج من يوجهها ويعلمها التفرقة بين الصح والخطأ ولكنه مات وتركها مع ام مكسور خاطرها واخت صغيرة تعاني من ضعف في القلب لازمها منذ ان ولدت.

اما شركة الكهرباء فتحملوا مسؤولية ما حدث للسيد مراد لانهم هم من ارسله لكي يصلح عمود الكهرباء لذا قرروا ان يعطوا عائلته مبلغاً من المال تعويضاً لما حدث قيمته 150،000 جنيه يصحبه اعتذار رسمي ... ولكن ما فائدة المال حين يخسر المرء شخصاً عزيزاً على قلبه ؟

فبعد تلك الحادثة خيم الحزن على منزل " الأرملة سعاد " التي لم تعد تعرف ما هو طعم الحياة عندما فارقها زوجها الذي تزوجته بعد قصة حب جميلة ، فأصبحت هزيلة ووجهها شاحب على الدوام مما جعل ابنتها الكبرى مريم تخاف عليها كثيراً وتقلق بشأنها ، كما ان احوال المنزل لم تكن تسر حيث ان الديون تراكمت عليهن ومبلغ التعويض الذي اخذنه من شركة الكهرباء لم تشاء السيدة سعاد ان تلمس قرشًا واحداً منه حيث انها تركته لكي تستطيع ان تنفق منه على مصاريف اقساط الجامعة عندما تذهب اليها مريم.

ولكنهن كن بحاجة للمال فالسيدة سعاد اصابها الاكتئاب بعد موت زوجها فتوجب على ابنتها مريم العمل عوضاً عنها لكي تعيل العائلة.. ولكن ماذا تستطيع تلك الفتاة ذات الثامنة عشر عاماً ان تفعل كما انها كانت في الصف الثاني عشر وموعد تخرجها من المدرسة قد اقترب ؟

بحثت كثيراً حتى وجدت عملاً لطيفاً في احدى مقاهي الانترنت بـ دوام جزئي بعد ان تعود من المدرسة... وبالفعل بدأت العمل في ذلك المقهى هي وصديتها المقربة الهام أمين التي لم تكن تستطيع الأبتعاد عنها ابداً ، وخلال فترة عملهن هناك بدأن يحببن عالم الحاسوب و الأنترنت وعالم البرمجة والتطبيقات التكنولوجية لذا حسمن امرهن بأن يدخلن الى كلية علوم الحاسوب والتكنولوجيا التقنية عندما يتخرجن من المدرسة الثانوية.
بعد مرور سنتين.....

اصبحت مريم في سن العشرين ودخلت إلى كلية التكنولوجيا مع صديقتها الهام امين بالفعل كما انهن استمررن في العمل بمقهى الأنترنت كدوام جزئي وقررن ترك العمل عندما يتخرجن من الكلية لكي يذهبن ويعملن في احدى الشركات التقنية المتطورة حيث ان علاماتهن كانت ممتازة كما لو انهن خلقن ليصبحن جزء من عالم التكنولوجيا.

- ومرت الايام والشهور بسرعة حتى جاء اليوم الذي ستتخرج فيه مريم والهام من كلية التكنولوجيا وهندسة التقنيات ، فكانت فرحتهن لا توصف وخصوصاً مريم التي نالت شهادة تقدير على علاماتها الجيدة فهي بالرغم من كل المصاعب المادية التي واجهتها في دفع اقساط الجامعة الا انها كانت من العشر الأوائل في الكلية كلها.

{ ستقولون كيف واجهتها مصاعب ماديه وامها تركت لها حرية التصرف بمبلغ التعويض الذي حصلن عليه من شركة الكهرباء عندما توفي والدها لذا سأخبركم بأن المبلغ لم يكن بالمبلغ الكبير جداً ، فقط مئة وخمسون الف جنيه وبالكاد استطاعت ان تنهي سنتها الثانية بدفع هذا المبلغ... كما انها استعملت قسم من مرتبها الذي كانت تحصل عليه من عملها في مقهى الانترنت لدفع اقساط السنة الاخيرة ، ولهذا السبب كانت تعمل في المقهى لساعات اضافية دون ان تأخذ يوم اجازة واحد حتى في ايام المرض فقط لكي تستطيع دفع اقساط السنة الثالثة من تعليمها وتوفير بعض النقود لمصاريف مدرسة اختها ودفع فواتير الكهرباء والماء وغيرها }

وبعد ان تخرجت مرفوعة الرأس وجعلت امها واختها تفخران بها ...بدأت هي وصديقتها الهام في البحث عن عمل في شركات التكنولوجيا حيث انهن تعاهدن على ان تبقيا سوياً ، فذهبن الى الكثير من الشركات المعروفة ولكن الحظ لم يحالفهن لان جميع الشركات كانت تطلب خبرة في العمل لا تقل عن سنتين وهن كانتا قد تخرجتا حديثاً ولم يسبق لهن ان عملن في شركة.

- فخرجت هي وصديقتها من اخر شركة رفضت ان تقبلهما بخيبة أمل وتنهدت بضيق ثم قالت بتذمر : وبعدين بقى..احنا اتخرجنا من شهر تقريباً ولسه مالقيناش شغل !

فقالت الهام : مهو كل الشركات بيطلبوا خبرة على الاقل لمدة سنتين واحنا معندناش الخبرة دي .

مريم : على الحالة دي احنا مش هنشتغل ابداً ...لازم نشوف لنا حل علشان نلاقي شغل في شركة محترمة والا كل تعبنا هيضيع .

الهام : وهنعمل ايه يا ميمي ؟؟

فأخذت مريم تفكر بحل ولكنها لم تفلح لذا تنهدت ثم اردفت باستسلام : معرفش .

الهام : كويس اننا لسه مسبناش الشغل في الـ Internet cafe والا كنا هنبقى في مشكلة.

مريم : عندك حق...يلا خلينا نرجع لان عندنا شغل كتير اوي.

الهام : ماشي.

ثم ذهبن الى عملهن ...

وما هي الا ساعات قد مرت حتى حل الظلام فعادت كل واحدة الى منزلها... دخلت مريم المنزل ووقفت تخلع حذائها امام الباب قائلة بصوت عالٍ لكي تسمعها امها : انا جيت.

في تلك اللحظة ابتسمت امها التي كانت في المطبخ تعد العشاء اما اختها مرام فكانت جالسة في غرفة المعيشة تذاكر دروسها المدرسية فهي كانت في الصف السابع آن ذاك ...وعندما رأت اختها قالت : جيتي في وقتك يا مريم.

فابتسمت مريم وسالتها : ليه... في حاجة ؟

مرام : تعالي ساعديني...انا مش فاهمة ازي احل مسألة الرياضيات المقرفة دي.

فوضعت مريم حقيبتها جانباً ثم اقتربت منها وجلست على الأرض بجانبها قائلة : ايه اللي مش مفهوم يا حبيبتي ؟

مرام : الاستاذ شرح لنا طريقة الحل كويس بس انا مش عارفه احل المسألة دي اصلها صعبة.

فأخذت مريم القلم من يدها وقالت : طيب انا هشرحها لك ازاي تحليها.

قالت ذلك ثم بدأت تشرح لها ...وفي تلك اللحظة خرجت امها من المطبخ وهي تحمل اطباق العشاء وقالت : يلا يا بنات العشا جاهز.

التفتت كل من مريم ومرام اليها وقالت الاخيرة : ثواني بس يا ماما.. هنخلص المسأله دي الاول.

السيده سعاد : ماشي بس استعجلوا قبل ما الاكل يبرد.

قالت ذلك ثم عادت الى المطبخ لكي تحضر بقية الطعام ، وبعد 10 دقائق جلسن ثلاثتهن حول المائدة وبدأن يتناولن العشاء فقالت السيده سعاد : عملتي ايه النهاردة يا مريم ، انتي لسه مالاقيتيش شغل في شركة ؟

فتنهدت مريم واجابت : لا والله يا ماما... كل الشركات اللي قدمت لهم طلب توظيف قالوا انهم بيوظفوا ناس عندهم خبرة سنتين وانا معنديش الخبرة دي مع الأسف .

فقالت مرام : متقلقيش يا ميمي.. اكيد ربنا هيساعدك علشان تلاقي شغل في شركة كبيرة.

فابتسمت مريم واردفت : ان شاء الله يا حبيبتي.

اما السيدة سعاد فقالت : ربنا ينولك اللي في بالك يا بنتي.

مريم : ربنا يخليكي ليا يا ست الكل... وان شاء الله هلاقي شغل قريب اوي طول ما انتي بتدعيلي كدا .

تسارع في الأحداث...........

استمرت مريم وصديقتها الهام في البحث عن عمل لمدة ثلاثة أيام وكانت النتيجة نفسها ، ولكنهن لم يستسلمن ابداً ، وذات يوم خرجت السيدة سعاد الى السوق الشعبي لكي تشتري الخضراوات من اجل اعداد الغداء وبعد ان تسوقت ارادت ان تعود الى المنزل فحملت اكياس المشتريات وحقيبتها القديمة ثم سارت مبتعدة عن السوق حتى وصلت الى الشارع الرئيسي... ولكن لسوء حظها ان احد الأكياس قد تمزق فوقعت منه الخضراوات على الأرض مما جعلها تقول بتذمر : يوووه ودا وقته ؟

قالت ذلك ثم وضعت بقية الاكياس على الارض واخذت تجمع حبات الطماطم التي تبعثرت على الشارع لانها تعرف ان كل حبة تساوي الكثير وخصوصاً في تلك الفترة حيث كان سعر الخضراوات باهظ جداً ، وفي الوقت ذاته اتت سيارة مسرعة كانت هاربة من الشرطة ولم يستطيع السائق ان يسيطر على السرعة فصدم المرأة التي لم تكن منتبهة مما ادى الى سقوطها على الارض بجراح خطيرة جداً.

وما هي الا دقائق حتى تجمهر الناس حولها واخذوا يتمتمون فيما بينهم ، اما الشرطة فقد استطاعوا ان يمسكوا بالرجل الذي صدمها كما انهم توجهوا نحوها واخذوا يبعدون الناس وقام احدهم بالاتصل بسيارة الإسعاف ولكن الحظ لم يكن حليفها حيث انها توفيت على الفور بعد ان اصطدم رأسها بزجاج السيارة الأمامي وسبب لها نزيفاً حاداً في المخ .

☆ عند مريم.....

كانت تمشي في الشارع بعد ان خرجت من عملها لتذهب الى المدرسة التي تدرس بها اختها مرام من اجل ان تدفع رسوم اخر الشهر ، لقد حصلت على مرتبها من مالك المقهى وطلبت منه الاذن لكي تذهب الى المدرسة وتدفع قسط تدريس اختها ، وبينما كانت تعد المال وردها اتصال هاتفي فوضعت المال في محفظتها ثم اخرجت هاتفها من جيب سترتها وابتسمت عندما قرأت اسم " ست الحبايب " ثم اجابت : ايوا يا ماما.

ولكن الشخص الذي اجابها لم يكن امها بل احد ضباط الشرطة إذ قال : حضرتك مريم بنت الست سعاد صالح ؟
في تلك اللحظة تسلل الخوف الى قلب مريم فقالت : ايوا يا فندم... انا بنتها الكبيرة بس انت تبقى مين وفين أمي دلوقتي ؟

الضابط : انا ابقى الضابط *** مع الاسف والدتك حصل لها حادثة في منطقة *** ومع الاسف هي اتوفت على طول.

في تلك اللحظة نزل ذلك الخبر على مسمع مريم كما لو انه نيزك مدمر سقط من السماء على رأسها ، فقامت بوضع يدها على فمها بصدمة شديدة ، اما الضابط فقال : آلو.. آلو.. حضرتك سمعاني ؟

فأجابته بصوت يكاد يختفي : ا.. ايوا.. ا.. انا سمعاك.

الضابط : من فضلك يا ريت تيجي مستشفى *** دلوقتي علشان تتعرفي على الجثة ... والباقية في حياتك .

قال ذلك ثم اغلق الهاتف ، اما هي فنزلت دموعها كزخات المطر ثم ركضت بأسرع ما يمكن حتى اوقفت سيارة أجرة واخبرت السائق ان يوصلها الى المستشفى... كانت طوال الطريق تبكي وتدعو الله ان يكون ذلك الخبر كذباً وان السيدة التي توفيت ليست امها ، ولكن لا احد يستطيع ان يفعل شيئاً عندما يقضي الله تعالى بأمراً وقد قضى بأن تموت امها بتلك الطريقة وفي ذلك اليوم بالتحديد.

- وعندما وصلت الى المستشفى نزلت من سيارة الأجرة بعدما وضعت المال في يد السائق حتى بدون ان تنظر الى المبلغ ثم ركضت الى داخل المستشفى وذهبت الى قسم الاستقبال ؛ فسألت الموظفة وهي تبكي لو كان قد تم نقل جثة أمرأة في الخمسين من عمرها تعرضت لحادث فأخبرتها بأن تذهب الى قسم الموتى في الطابق السفلي لان ما تقوله كان ينطبق على تلك المرأة التي احضرتها سيارة الاسعاف قبل ساعة.

ركضت الى هناك حيث كان ضابط الشرط التي تحدث معها على الهاتف ثم قالت ببكاء : ماما فين يا حضرة الضابط ، ارجوك قول ان الست اللي جوا مش هي !

فتنهد الضابط وقال : مع الاسف يا بنتي... احنا اتأكدنا من بطاقة الهوية واتضح ان الست اللي جوا دي هي سعاد صالح بس لازم نتأكد من ان الست دي مش وحدة شبها علشان كدا عايزينك تتعرفي عليها.

- وبالفعل دخلت مريم الى تلك الغرفة الباردة والمخيفة حيث كانت جثة امها ممددة على تلك الطاولة وفوقها غطاء ابيض... وقفت ترتجف بشدة قبل ان تنظر الى الضابط وتهز له برأسها لكي يبعد الغطاء عن الجثة... وعندما فعل ذلك ونظرت إلى جثة امها التي تحول وجهها الى اللون الأبيض المائل الى الازرق بكت بكاء شديد واخذت تصرخ قائلة : لاااااااااااااء...دي مش ماما ، ماما لسه عايشة !

ثم انهارت على الارض وهي تبكي بحرقة شديدة.

تسارع في الاحداث.....

مرت ثلاثة ايام على موت السيدة سعاد عاشت مريم واختها مرام خلالها اسوء ايام حياتهن لان امهن قد توفيت ولم يتبقى لهن اي احد سوى بعضهن ، وبعدما انتهى العزاء لم تخلع مريم الاسود حزناً على امها ولم تعد تذهب لكي تبحث عن عمل في الشركات فقط استمرت بالعمل في المقهى واصبح كل همها جمع المال للاعتناء باختها مرام التي سائت حالة قلبها بعد موت امها حيث انها تعاني من قصوراً في القلب منذ ولادتها واي مجهود صغير قد يتعبها.

وهكذا مرت 6 اشهر لم يتغير خلالها اي شيء في حياة مريم واختها مرام ، فقط كانت الكبرى تعتني بالصغرى وتعمل بجد ، اما الهام فلم يعجبها وضع صديقتها المقربة ابداً وقلقت عليها كثيراً حيث ان مريم لم تنزع الاسود ابداً وكأنها فقدت رغبتها في الحياة ، لهذا اخذت الهام تلح عليها لكي تنسى ما حدث وان تتابع البحث عن عمل في احدى شركات التكنولوجيا ولكن لا حياة لمن تنادي .

ومن جهة اخرى وبعيداً عن مشاكل مريم واختها ......

دعونا نذهب الى منزل كبير اشبه بالقصر كان يخص عائلة من اشهر العائلات في القاهرة وهي " عائلة السيوفي " فكانت الحديقة الأمامية كبيرة وجميلة جداً ؛ خضراء ومزينة بالورود يتوسطها طريق اسفلتية رفيعة تمتد من البوابة الرئيسية الى باب المنزل الكبير ..اما في الداخل فكان كل شيء يدل على رفاهية المكان بداية من المدخل الواسع الى غرف المعيشة الفاخرة وغرفة المائدة الطويلة والمطبخ الراقي الذي في الطابق الاول.

اما في الطابق الثاني.. فكانت غرف النوم الخاصة بسكان المنزل ولنذهب الى غرفة نوم " الأبن الأكبر ادهم عزام السيوفي " حيث ان غرفته كانت كلاسيكية وفاخرة وكل قطعة اثاث موجودة فيها كانت مصنوعة من اغلى انواع الخشب وافخرها ، اما مالك الغرفة فكان يدور فيها ذهاباً وإياباً ويبدو عليه انه منزعج للغاية حيث انه كان يتحدث في الهاتف قائلاً : ازاي قدرتوا تضيعوا الصفقة دي ، انا مش قلت اني مش عايز الصفقة تطير ...قلت ولا ماقلتش ؟!

المتصل : ارجوك اهدا يا ادهم... احنا مكناش عارفين ان دا هيحصل بس نعمل ايه لو المبرمج بتاع شركتنا تعب فجأة ومقدرش يكمل برمجة التطبيق ؟

ادهم : انا مليش دعوة بالكلام دا يا كمال... كل اللي بيهمني دلوقتي ان الصفقة طارت ودي كانت اهم صفقة في الشهر دا.

كمال : طيب هنعمل ايه دلوقتي ؟

فتنهد ادهم وقال : من بكرا تدي المبرمج دا تعويض نهاية الخدمة وترفده... وبعدما ترفده عايزك تجيبلي مبرمجين جدد من تحت الارض انت سامع ومش مهم يكون عندهم خبرة او لاء المهم يكونوا بيفهموا في البرمجة ومعاهم شهادة جامعية .

كمال : تحت أمرك يا كينچ ... اعتبر ان دا حصل.

ادهم : كمال... مش عايز اللي حصل النهاردة يتكرر تاني.
كمال : متقلقش يا ابن عمتي.. كل حاجة هتبقى تمام ان شاء الله.

ادهم : هنشوف.. يلا سلام دلوقتي.

قال ذلك ثم اغلق الهاتف وجلس على الكرسي بتعابير وجه منزعجة وتساءل بانزعاج : هو انا لازم اعمل كل حاجة بنفسي !

في تلك اللحظة سمع صوت طرق خفيف على باب الغرفة فقال بصوته الوقار : انا مش قلت مش عايز حد يزعجني ؛ عايزين إيه ؟!

في تلك اللحظة فُتح الباب ودخلت فتاة قصيرة ذات بشرة ناعمة وشعر طويل وكانت تبدو من هيئتها انها لم تتعدى الثامنة عشر بعد ، فقالت بصوت مرتجف : ك.. كوثر هانم بعتتني علشان اقولك ان العشا جاهز يا فندم.

فتنهد ادهم ثم نهض من مكانه وقال : طيب يا وفاء..اطلعي انتي دلوقتي.

وفاء : ح.. حاضر يا بيه.

قالت ذلك ثم خرجت اما هو فأخذ نفساً عميقاً وعاد الى جموده وبروده المميت الذي يقهر الجميع وبعدها خرج من غرفته ونزل الى الأسفل حيث كان افراد عائلته مجتمعين حول مائدة العشاء ؛ كانت أمه السيدة كوثر جالسة على رأس الطاولة بينما كان شقيقه معاذ جالساً بجانب امه من الجهة اليسرى وبجانبه زوجته سلوى اما في جهة اليمين فكانت اخته رغد وكان الجميع ينتظرونه لكي ينزل فتوجه نحوهم وجلس ما بين امه واخته قائلاً : مساء الخير.

رد الجميع عليه بـِ "مساء النور" ثم بدأوا يتناولن العشاء واثناء ذلك سألته السيدة كوثر : مالك يا ادهم يا ابني ، في حاجة حصلت ؟

رد عليها قائلاً : مفيش..شوية مشاكل في الشغل.

فقال معاذ : وان شاء الله كل حاجة بقت تمام ؟

فنظر اليه وقال : متقلقش.. كلو هيبقى زي الفل ان شاء الله .

السيدة كوثر : انا مش عارفه انت ليه مسمعتش كلام ابوك الله يرحمه ورحت اسست الشركة دي.. يعني لو سمعت كلامه كنت هتبقى دكتور قد الدنيا دلوقتي زيه وزي اخوك الصغير.

فتنعد ادهم واردف : من فضلك يا ماما انا مش عايز اتكلم في الموضوع دا لان الحكاية حصلت من 7 سنين يعني خلاص مفيش فايدة نعيد ونكرر نفس الكلام .

قال ذلك والتزم الصمت وفي تلك اللحظة بالذات عاد بذاكرته إلى الماضي حين كاسس شركته بنفسه عندما كان في سن الرابعة والعشرين حيث ان والده " عزام السيوفي " كان طبيباً مشهوراً في البلد كلها ولم يكن يفهم بأمور البرمجة نهائياً بل كان يحلم بأن يصبح اولاده مثله وهو اختار ان يصبح مهندس تقنيات تكنولوجيا في علوم الحاسوب لذا درس ذلك التخصص في أميركا لمدة خمس سنوات منذ ان كان عمرة 19 عاماً حتى اصبح 23 عاماً وبعدها عاد الى مصر وقرر ان يفتتح شركته الخاصة ، فنجح بفعل ذلك واصبح خلال 7 سنوات رئيس اكبر شركة تجارة الإلكترونية في مصر كلها اي انه الان في سن الواحد والثلاثين .

انتشله صوت شقيقته رغد من شروده حيث قالت : معليش يا ماما.. شغلنة ادهم لايقة عليه اكتر من الطب يعني كفايه عندنا اتنين دكاتره في العيلة .

فحركت السيدة كوثر عيناها بشكلٍ دائري اما سلوى زوجة معاذ فابتسمت قائلة بمرح : تخيلوا معايا كدا يا جماعة ان ادهم دكتور....اكيد هيرفع ضغط المرضى بتوعه بدل ما يعالجهم بمعاملته الباردة دي.

قالت ذلك ثم نظرت إلى ادهم وحركت حاجباها وهي تبتسم بلطف ...فضحك الجميع اما هو فرفع بصره عن طبق الطعام ببطء ثم رمقها بنظرة باردة وقال بهدوء : مش هتبطلوا تريقه بقى ؟

فكتم الجميع ضحكهم عندما قال ذلك اما السيدة كوثر فقالت : قولي يا ادهم... انت مش عايز تتجوز بقى ، اظن ان الوقت جيه علشان تستقر وتنسى اللي حصل لما كنت في اميركا.

في تلك اللحظة ضرب ادهم الطاولة بيده بكل قوة جعلت البقية يفزعون ثم هب واقفاً وقال بنبرة يملؤها الانزعاج : انا قلت مش عايز اتجوز يعني مش عايز اتنيل وكفايه تفكريني بالحكايه دي كل شويه يا ماما لأني مش عايز افتكرها تاني .

فسأله معاذ بعصبية : مالك يا ادهم ، ليه بتكلم ماما بالطريقة دي ؟

فنظر اليه وقال : انت ملكش دعوة يا معاذ... خليك في حالك احسن.

قال ذلك ثم تركهم وصعد الى غرفته والانزعاج يسيطر عليه...اما السيدة كوثر فنهضت وقالت بصوت عالٍ لكي يسمعها : والله مش هحل عنك غير اما تنساها يا ادهم... واعلى ما في خيلك اركبه !

ونهضت ابنتها رغد وامسكت بيدها قائلة : خلاص يا ماما... سيبيه براحته.

فجلست السيدة كوثر مجدداً واردفت بتذمر : لحد امتى هسيبه يعمل اللي هو عايزه ، دا زودها اوي.

معاذ : ما انتي عارفه انه مش بيحب حد يجيب سيرة الموضوع دا ابداً يا ماما... علشان كدا متعبيش نفسك يا حبيبتي .

وقالت سلوى : معاذ عنده حق يا ماما ، يعني كل مرة بتحاولي تفتحي معاه موضوع الزواج بتحصل مشكلة في البيت وهو بيكسر كل حاجة علشان كدا سيبيه براحته واكيد هيجي يوم وينسى اللي حصل.

فتنهدت السيدة كوثر وقالت : خلاص يا ولاد ...يلا كملوا اكلكوا.

عند ادهم......

دخل الى غرفته ثم اغلق الباب بقوة كادت ان تكسره وسرعان ما امسك بزجاجة عطره ثم رماها ارضاً فأصبحت حطاماً وبعدها جلس وهو يشتعل غضباً فقال محدثاً نفسه : انساها ... ازاي هقدر انساها وانسى اللي حصلي بسببها ؛ اه لو كانت لسه عايشة دا انا كنت هقتلها بنفسي وشربت من دمها.

تسارع في الاحداث / في صباح اليوم التالي....

ذهبت مريم الى عملها في مقهى الانترنت وما ان دخلت حتى هرعت صديقتها الهام نحوها وقالت باندفاع : جيه الفرج يا ميمي ..
نظرت اليها وسالتها : قصدك ايه ؟

فامسكت الهام يدها وقالت : تعالي...انا هوريكي حاجة.

ثم سحبتها نحو احد الكمبيوترات الموجودة في المقهى وبعدها اخذت تكتب في محرك البحث عدة كلمات حتى ظهرت لها الصفحة الرسمية لشركة " رويال للتجارة الإلكترونية " والتي كانت هي نفسها شركة ادهم السيوفي ، وسرعان ما ابتسمت قائلة : بصي يا ميمي... دي اشهر شركة تكنولوجيا في البلد كلها وهما طالبين مبرمجين تقنيات علشان يشتغلوا فيها ... ايه رأيك نروح المقابله بكرا جايز يقبلونا.

فتنهدت مريم وقالت : ما كفايه بقى يا الهام... يعني احنا جربنا نشتغل في شركات عادية ومحدش قبل يشغلنا لان معندناش خبرة جاية دلوقتي تقوليلي انك عايزه تقدمي طلب للشغل في اكبر واشهر شركة تجارة إلكترونية في البلد كلها !

الهام : وليه لاء يعني احنا مش هنخسر حاجة لو جربنا وبعدين بصي هنا... هما قالوا ان مش مهم لو كان المبرمج عنده خبرة او لا المهم يكون بيفهم في البرمجة ومعاه شهادة جامعية.

في تلك اللحظة شعرت مريم بالفضول لمعرفة المزيد حول هذا الاعلان فقالت لصديقتها : اوعي كدا.

ثم جلست واخذت تقرأ المعلومات التي في اعلان طلب التوظيف ، وبالفعل لم يكن هناك شرط في الاعلان ينص على ان المبرمج يجب ان يكون لديه خبرة فقالت : دول اكيد بيهزروا مش كدا ؛ ازاي شركة كبيرة زي دي مش بيهمها لو كان المبرمج اللي هتوظفه عنده خبرة او لأ ؟

فابتسمت الهام واردفت بحماس : مش قلتلك الفرج جيه... دي فرصتنا انا وانتي علشان نشتغل.

فنهظت مريم وقالت : والنبي بلاش احلامك دي...انا متأكدة انهم كتبوا البند دا في الاعلان بس علشان يوهموا الناس ...يعني بالعقل كدا مين هيصدق ان شركة عالمية زي دي هتقبل تشغل ناس معندهمش خبرة ؟

الهام : حتى لو كان الكلام دا حقيقي احنا مش هنخسر حاجة لو جربنا.. وبعدين احنا منعرفش ايه مخبيلنا القدر مش كدا ؟

كتفت مريم يديها ونظرت الى الهام قائلة : طيب وانا مطلوب مني ايه ؟

الهام : مطلوب منك انك تجهزي الـ CV بتاعك لما ترجعي البيت علشان تروحي معايا مقابلة الشغل بكرا الصبح... بس وحياتي عندك يا مريم بلاش تفضلي لابسه الاسود دا.

في تلك اللحظة تغيرت ملامح مريم لتصبح حزينة وقالت : ارجوكي يا الهام.. بلاش تضغطي عليا .

فامسكت الهام بيدها وقالت : ما خلاص بقى يا مريم... يعني انتي بقالك 6 شهور وانتي لابسه الاسود ورافضة تكملي حياتك... انتي فكرك ان امك هتتبسط منك وانتي بتعملي كدا ؟

ذرفت مريم الدموع وغمغمت بنبرة مقهورة : لسه مش قادرة اصدق انها ماتت ببساطة كدا يا الهام ، انا بحس ان روحها لسه في البيت معانا.

فعانقتها الهام واردفت : خلاص بقى يا حبيبتي... اللي بتعمليه دا حرام ، يعني الحزن في القلب مش في لون اللبس وكفايه بقى تعذبي نفسك وتعذبيني معاكي..وبعدين الحداد على الميت يبقى تلات ايام مش اكتر وانتي بقالك حاده عليها 6 شهور ودا حرام.

فمسحت مريم دموعها ثم قالت : طيب خلاص.. انا هقلع الاسود من بكرا لان بصراحة ماما جتني في الحلم اكتر من مرة وطلبت مني اقلعه .

الهام : شفتي... حتى هي مش عايزاكي تفضلي زعلانه لان الموت حق علينا كلنا وانتي عارفه دا كويس ومامتك الله يرحمها اخدت حقها لان دا امر ربنا ولا اعتراض على حكم الله.

مريم : ونعم بالله.

فابتسمت الهام واستطردت : ايوا كدا... عايزاكي ترجعي مريم القديمة اللي كانت بتضحك على طول وبلاش العكننه دي ماشي .

فابتسمت مريم بلطف ثم اردفت قائلة : متشكره يا الهام ...انا مش هنسى وقفتك معايا ابداً .

الهام : على ايه يا بنتي.. دا اقل واجب وبعدين انتي اختي ومفيش شكر بين الاخوات .

مريم : عندك حق ، قوليلي بقى انتي عرفتي موضوع الاعلان دا ازاي ؟

الهام : كنت بدور على شغل في النت وبالصدفة دخلت الصفحة الرسمية لشركة رويال للتجارة الإلكترونية وشفت الاعلان.

مريم : يبقى احنا لازم نروح هناك قبل موعد المقابلة على الاقل بنص ساعة.

الهام : عندك حق... وكمان متنسيش احنا لازم نلبس حلو علشان المظهر ليه دور كبير في المواضيع دي لان كل الشركات المحترمة بتهتم في المظهر الخارجي للموظفين .
مريم : تمام ..يلا خلينا نبتدي شغل دلوقتي .

الهام : يلا بينا.

تسارع في الاحداث.........

في المساء عادت مريم الى المنزل ، وبعد ان تناولت عشائها مع شقيقتها مرام جلست تساعدها في حل فروضها المدرسية وبعدها ذهبت مرام الى غرفتها لكي تنام اما هي فذهبت الى غرفتها ايضاً وجلست على سريرها وبدأت تكتب سيرتها الذاتية على حاسوبها المحمول ، وبعد ان انتهت ارسلتها عبر البريد الإلكتروني الى الصفحة الرسمية لشركة ادهم ثم نهضت وفتحت خزانتها واخذت تبحث بين ملابسها عن شيء يصلح لكي ترتديه في مقابلة العمل... وجدت ملابساً جميلة بين تلك الملابس السوداء فاخرجتهن ووضعتهن على الكرسي حتى لا تتأخر في الصباح وهي تبحث عن ملابس وبعدها استلقت في سريرها وخلدت الى النوم.

في صباح اليوم التالي......

استيقظت في تمام الساعة السادسة صباحاً فنهضت من سريرها وذهبت الى الحمام وبعد ان فعلت روتينها اليومي ذهبت الى غرفة اختها وإيقظتها لتجهز نفيها من اجل الذهاب الى المدرسة ، فنهظت مرام بالفعل ثم خرجت من غرفتها وهي تحمل ملابسها وذهبت الى الحمام لتستحم...اما مريم فذهبت الى المطبخ وبدأت تعد الفطور وبعد ان تناولت مرام فطورها ووضعت كتبها في الحقيبة نظرت إلى الساعة حيث كانت تشير الى السابعة صباحاً وقالت : مريم الأوتوبيس جيه... انا هروح دلوقتي.

ردت عليها مريم : خلي بالك من نفسك يا حبيبتي.

مرام : حاضر...سلام دلوقتي.

قالت ذلك ثم خرجت... اما مريم فذهبت الى غرفتها واخذت ثيابها وبعدها ذهبت الى الحمام وبقيت فيه لمدة عشر دقائق ثم خرجت وهي تنشف شعرها وتوجهت الى غرفتها ، امسكت مجفف الشعر وجففت شعرها الطويل ثم جلست امام طاولة التزين الخاصة بها ونظرت إلى نفسها مطولاً وسرعان ما بدأت تضع قليلاً من مساحيق التجميل على وجهها فاصبحت فاتنة للغاية ، وبينما كانت تفعل ذلك وردها اتصال من الهام فأجابتها : صباح الخير يا لولو .

قالت الهام : يا صباح العسل..انتي جاهزة ؟

اجابتها مريم وهي تنتعل حذائها : ايوا.. هقابلك كمان شويه.

الهام : اتفقنا... بس متتأخريش لاني مستنياكي في محطة الأوتوبيس .

مريم : طيب انا خارجه اهو.

ثم اقفلت الخط وحملت حقيبتها والقت نظرة اخيره على المنزل قبل ان تخرج لتتأكد انها لم تنسى شيئاً ثم قالت : كدا تمام.

وبعدها خرجت من البناية وتوجهت الى محطة الحافلات حيث كانت الهام تنتظرها ، و عندما رأتها الاخيرة تنهدت وسألتها بتذمر : اسود تاني يا مريم.. انتي مش قلتي انك مش هتلبسي اسود ؟

مريم : خلاص يا الهام.. اهو انا حطيت ميك آب وفردت شعري يبقى عايزه ايه اكتر من كدا ؟

الهام : طيب خلاص... هسيبك على راحتك المهم انك جيتي.

مريم : يلا بينا علشان نروح.

الهام : اتفضلي .

- ثم صعدن في الحافلة وما هي الا فترة زمنية معينة قد مرت حتى وصلن الى تلك الشركة الضخمة... شعرن بالحماس فوراً عندما دخلن اليها ورآين ذلك الكم الكبير من المتقدمين بطلبات توظيف ، فجلسن مع بقية المتقدمين ينتظرن ان يتم طلبهن... مرت ساعة على انتظارهن بينما كان معظم الاشخاص يخرجون ومعظمهم يدخلون الامر الذي جعل مريم تشعر بالضجر لذا نهضت وقالت : انا هروح اشم شوية هوا.. تيجي معايا ؟

ردت عليها الهام : لا انا هستنى جايز ينادوا عليا ومكنش هنا.

مريم : تمام...كلميني لو جيه دوري.

قالت ذلك ثم حملت حقيبتها وخرجت الى الحديقة... وهناك وقفت تستنشق الهواء قائلة : الجو حلو اوي النهاردة.

* وبقيت في الخارج لمدة عشر دقائق حتى وردها اتصال من الهام فأخبرتها انهم ذكروا اسمها لذا نهضت عن المقعد الخشبي بسرعة وركضت الى الداخل... واثناء ركضها اصطدمت بادهم السيوفي الذي كان داخلاً الى الشركة ايضاً ...

يتبع...
- نهضت مريم عن المقعد الخشبي بسرعة وركضت الى الداخل... واثناء ركضها اصطدمت بادهم السيوفي الذي كان داخلاً الى الشركة ايضاً مما جعلها تعود الى الخلف بقوة ، اما هو فلم يتزحزح من مكانه وكأنه جبل لا ينحني سوى لخالقه وكأن التي اصطدمت به ليست سوى ذبابة صغيرة لم يشعر بها حين ارتطمت بجسده العريض .

اما هي فنظرت اليه ولا تعلم لما شعرت بالرهبة عندما رآته حيث كانت الهيبة والفخامة ظاهرة عليه ويبدو من شكله انه شخصية مهمة جداً بـ بدلته السوداء الفاخرة المصنوعة من اغلى انواع الاقمشة ونظارته الشمسية الداكنة ذات الماركة العالمية وقسمات وجهه الوسيم وبطوله الوقار وشعره الاسود المرفوع وكتفيه العريضين اللذان يثبتان مدى صلابتهما وقوتهما ، فقالت باندفاع : أنا اسفه يا فندم...حضرتك كويس ؟

نظر ادهم الى صدره حيث ان بدلته انكمشت قليلاً بسبب اصطدام مريم به ، فاخذ يرتبها دون ان يعير تلك التي تتحدث معه وتعتذر اي ذرة اهتمام... فقط كان الصمت حليفه ولكن ليس لوقتاً طويل ، فبعدما رتب هندامه رفع رأسه ببطء شديد ونظر إليها بعيونه التي تشبه عيون الصقر في حدتهما من تحت نظارته الشمسية ولكن عندما رآها شعر بشيء قد تحرك بداخله ولأول مرة منذ خمس سنوات قد رجف قلبه لمجرد انه رأى هذه الفتاة الجميلة ذات الشعر البني المموج والعيون العسلية البراقة كبريق النجوم وصاحبة البشرة النضرة ذات اللون القمحوي و شفتيها المرسومتين بأحمر شفاة باهت اللون كما لو انهما قطعتي حلوة وجسدها المنحوت وطولها الذي ينتهي الى مستوى صدره حيث انه كان اطول منها بكثير .

نزع نظارته الشمسية تلقائياً وأخذ يتمعن بها بتلك العيون الثاقبة التي ترهب الجميع بسوادها الحالك مما جعلها ترمش عدة مرات قبل ان تبتلع ريقها وتسأله مجدداً : حضرتك كويس ؟

لم يجيبها فقط استمر بالتحديق بقسمات وجهها الناعم بنظرات اربكتها مما جعلها تشيح بنظرها عنه ، وسرعان ما اعاد وضع النظارة الشمسية ليخفي بها عيناه وقال بصوت يغلبه الجمود والبرود : ابقي انتبهي المره الجاية وانتي بتجري والا هتعوري نفسك .

قال ذلك ثم تركها وغادر بكل بساطة ، اما هي فتنفست الصعداء عندما غادر وقالت بصوت اشبه للهمس : اما رجال غريب..بس يطلع مين يا ترى ؟

عند ادهم...

اتجه نحو المصعد ثم ضغط الزر ووقف ينتظر ...وبينما كان ينتظر نزول المصعد وضع يده على صدره وقال في سره : مالك يا ادهم ، ايه اللي حصلك بعدما قابلت البنت دي ؟
في تلك اللحظة اقتربت مريم منه حيث انها كانت تريد ان تستقل المصعد ايضاً ووقفت الى جانبه وهي تحني رأسها فأدرك انها بجانبه ولكنه لم ينظر اليها بل انزل يده عن صدره ووضعها بجيب بنطاله بكل برود... وما هي الا ثواني حتى وصل المصعد وعندما فتح بابه دلف الى داخله اولاً واصبح واقفاً مقابلاً لها فترددت من الدخول ولكنها دخلت في نهاية المطاف ، ضغطت على زر الطابق الثالث بينما ضغط هو على زر الطابق الاخير في الشركة .

واثناء صعود المصعد.....

كانت مريم واقفة امام ادهم وتعبث بهاتفها بينما كان هو واقفاً خلفها يسند ظهره على مرآة المصعد ويكتف ذراعيه فيما ينظر الى ظهرها بتركيز كبير وبكل هدوء...فقط كان يتأمل خصلات شعرها المموج كأمواج البحر بعيونه الثاقبة من تحت النظارة السوداء كما ان رائحة عطرها الساحر اخترقت انفه فسببت له الدوار ، اما هي فأخبرها حدسها بأن هذا الغريب يحدق بها ولا تعلم لما شعرت برغبة في ان تلقي نظرة خاطفة عليه...وبالفعل ادارت وجهها ببطء لتنظر اليه فوجدته على حاله حيث كان ينظر الى الأمام وهو يعقد ذراعيه فوق صدره بهدوء مميت ولكنها لم تعرف الى اين كان ينظر بسبب النظارة التي تغطي عيناه وسرعان ما توترت من النظر إليه لذا ادارت وجهها بسرعة ورفعت يدها اليُمنى ثم اعادت خصلة من شعرها ووضعتها خلف اذنها بارتباك ، وما هي الا دقيقة حتى وصل المصعد إلى الطابق الثالث فخرجت منه بسرعة دون ان تنظر خلفها .

في تلك اللحظة تنفس ادهم الصعداء ونزع نظارته الشمسية ثم مسح وجهه براحة يده وقال : يا ترى مين البنت دي ، انا مشفتهاش هنا قبل كدا.

بينما ذهبت هي الى حيث كانت الهام وقالت لها الاخيرة : يلا بسرعة يا مريم... هما قالوا ان دورك هيجي بعد البنت اللي جوا دلوقتي.

مريم : ماشي.. بس قوليلي الاول شكلي عامل ايه ؟

فابتسمت الهام قائلة : طالعة زي القمر يا روحي.

مريم : متشكره.

وبعد مرور خمس دقائق........

خرجت الفتاة التي دخلت قبلها من الغرفة وبعدها خرجت فتاة اخرى يبدو من مظهرها انها سكرتيرة وقالت بصوت عالٍ : مريم مراد..

فنهضظت مريم قائلة : افندم.

السكرتيرة : اتفضلي لان دورك جيه.

امسكت مريم حقيبتها واردفت : اوك.

ثم نظرت إلى الهام واضافت : ادعيلي يا لولو.

الهام : ربنا يوفقك يا حبيبتي ويوفقني انا كمان.

ابتسمت مريم ثم رتبت هندامها واخذت نفساً عميقاً وبعدها طرقت الباب ودخلت إلى الغرفة حيث كانت ستجري المقابلة مع ذلك الشاب الجالس خلف مكتبه فقالت : صباح الخير يا فندم...ومتشكرة لانكوا قبلتوا تعملوا معايا المقابلة دي.

وبعد تلك الجملة اخذ الشاب عنها انطباعاً جيداً فابتسم وقال : صباح النور ؛ اتفضلي.

اقتربت قائلة : متشكرة.

ثم جلست امامه فسأل : اسمك مريم مراد عثمان ؟

مريم : ايوا يا فندم .

الشاب : انا كمال حسن المسؤول عن تعين الموظفين والمحاسبة المالية في الشركة .

مريم : اتشرفنا.

كمال : قوليلي بقى يا انسه مريم انتي ليه عايزة تشتغلي في الشركة دي ؟

اعتدلت مريم في جلستها ونظفت حلقها ثم قالت : اولاً علشان اجيب اكل عيشي طبعاً وثانياً لاني بحب البرمجة والا مكنتش درست تلات سنين في الكلية علشان ابقى مبرمجة تطبيقات ومهندسة مواقع الكترونية .

كمال : مكتوب في سيرتك الذاتيه انك عمرك ماشتغلتيش في شركة قبل كدا ممكن اعرف السبب ؟

مريم : ايوا ، انا قدمت طلب توظيف في شركات كتيره بس محدش قبل يوظفني ودا لاني ماعنديش الخبرة الكافية اللي هما بيطلبوها وهو دا السبب الوحيد اللي كانوا بيرفضوني علشانه وبس كدا .

كمال : طيب ايه اللي هيخلينا نقبلك وانتي ماعندكيش الخبرة يا انسه ؟

مريم : اولاً انتوا كتبتوا في اعلان التوظيف ان مش مهم يكون عند المبرمج خبرة وانما اهم حاجة انو بيفهم في البرمجة ومعاه شهادة جامعية ، وانا عندي الامكانيات دي وكمان تخرجت من جامعة محترمة وكنت من بين العشرة الأوائل في الكلية كلها ودا غير اني بحب شغلي وملتزمة في مواعيدي جداً واظن ان دا سبب كافي علشان تقبلوني في الوظيفة دي مش كدا ولا حضرتك عندك رأي تاني ؟ .

فابتسم كمال بعد سماع ذلك واردف : عندك ثقة في نفسك ودا كويس...ودلوقتي ممكن تكلميني عن نفسك شوية .

فابتسمت مريم قائلة : اكيد... انا عندي 21 سنه ودرست علوم الحاسوب في معهد التكنولوجيا التطبيقية وتخصصي برمجة التطبيقات والهندسة الألكترونية واشتغلت في Internet cafe لمدة تلات سنين في دوام جزئي وبسبب شغلي انا حبيت عالم البرمجة والانترنت ، وانا مش مرتبطة وعايشه مع اختي الصغيرة لوحدنا في البيت بعد ما اهلي ماتوا يعني انا اللي بصرف عليها.

امسك كمال القلم وكتب شيئاً على الورقة التي امامه وسألها : وبيتكوا بعيد قد ايه عن شركتنا ؟

مريم : مدة نص ساعة في الأوتوبيس .

كمال : طيب معاكي رخصة سواقة ؟

مريم : بصراحة مكنش عندي وقت علشان اتعلم السواقه ودا بسبب المذاكرة والشغل في "الأنترنيت كوفي" بس متقلقش لان الموضوع دا مش هيأثر على شغلي هنا لو قبلتوني يعني..

ابتسم كمال ثم وضع القلم من يده ونظر اليها قائلاً : طيب يا انسه مريم.. السكرتيرة هتتصل عليكي الساعة 18:00 علشان تقولك نتيجة المقابلة...ودلوقتي تقدري تتفضلي واتشرفت بمعرفتك .
قال ذلك ثم نهض ومد يده لكي يصافحها فصافحته قائلة : الشرف ليا انا يا استاذ كمال.. عن اذن حضرتك .

قالت ذلك ثم خرجت من المكتب وهي تشعر بشعور جيد اما كمال فابتسم قائلاً : واثقه في نفسها.. اكيد هتعجب ادهم .

عند مريم....

ذهبت وجلست بجانب صديقتها الهام التي سألتها بسرعة : ها.. طمنيني ...عملتي ايه ؟

فابتسمت وقالت : الحمد لله اتصرفت على طبيعتي وكمان الراجل اللي عملي المقابلة حسيت من طريقة كلامه ان في امل علشان يقبلوني.

ابتسمت الهام بدورها وهتفت : بجد يا مريم ، طب الحمد لله.

مريم : الراجل اللي جوا باين عليه محترم اوي وابن حلال يا لولو وان شاء الله كله هيبقي تمام.

الهام : يسمع من بؤك ربنا.

وبعد مرور عشرين دقيقة اتى دور الهام لكي تجري المقابلة ، فاخذت نفساً عميقاً ثم طرقت باب مكتب كمال ودخلت قائلة : صباح الخير يا فاندم.

كمال : صباح النور... اتفضلي.

الهام : متشكرة.

قالت ذلك ثم تقدمت نحوه وانتظرت حتى يأذن لها بالجلوس ، فنظر إليها وقال : استريحي.

الهام : متشكرة يا فندم.

قالت ذلك ثم جلست مقابلاً له فقال : اسمك الهام أمين صح ؟

الهام : ايوا يا استاذ.

كمال : قوليلي بقى يا انسه الهام...انتي ليه عايزه تشتغلي في الشركة بتاعتنا ؟

فابتسمت الهام بعفوية وقالت : بصراحة الشغل في شركة " رويال للتجارة الإلكترونية " هو حلم كل مبرمج عربي وانا وحده من المبرمجين اللي بيحلموا انهم يشتغلوا في شركة عالمية زي دي.

كمال : هممم فهمت ، بس مكتوب في سيرتك الذاتيه ان ماعندكيش خبره في الشغل يبقى ازاي هتقدري تشتغلي عندنا ؟

الهام : اولاً انا .......

{ وتستمر الأسئلة والأجوبة كما حدث مع مريم }

تسارع في الاحداث / الساعة الرابعة عصراً ..

ذهب كمال الى الطابق الاخير من الشركة حيث كان مكتب ادهم ، طرق الباب وسرعان ما سمع صوت ابن عمته من الداخل يسمح له بالدخول فدخل ووجده جالساً امام حاسوبه المحمول... نظر ادهم اليه ثم عاود النظر إلى حاسوبه وسأله بهدوء : عملت اللي طلبته منك يا كمال ؟

اقترب كمال منه ثم جلس مقابلاً له ووضع مغلفاً من يده على الطاولة وقال : اخيراً المقابلات خلصت وانا اخترت كام واحد شفتهم مناسبين علشان يبقوا مبرمجين الشركة الجدد وجبتلك سيرهم الذاتية لان حضرتك اللي بتشغل الموظفين في النهاية مش انا.

ادهم : كويس... هبقى اشوفهم بعدين.

قال ذلك ببروووود شديييد وهو يتابع عمله على الحاسوب حتى دون ان ينظر الى كمال الذي هز رأسه بقلة حيلة ثم نهض قائلاً : يبقى انا همشي دلوقتي.

فرد ادهم عليه وهو مركز في حاسوبه : ماشي.

تنهد كمال وقال : يلا سلام .

ولكن ادهم اوقفه بقوله : متنساش اجتماع بكرا.

التفت اليه ليجده ما يزال ينظر الى حاسوبه ثم قال : متقلقش.. مش ناسي بس انت ابعد وشك عن الاب توب شويه لحسن هيبقى نظرك ضعيف وتبقى محتاج نظارة لو فضلت كدا.

رسم ادهم ابتسامة خفيفة على محياه ونظر الى كمال ثم اردف : متخفش...مش هيجرالي حاجة.

كمال : هنشوف.. يلا سلام يا كينج.

قال ذلك ثم خرج من مكتب ادهم وهو يتمتم في سره : ياااه ايه البرود دا ؛ تقول جبل تلج مش كدا !

- عند ادهم....

ترك العمل على الحاسوب ثم امسك بالمغلف الذي وضعه كمال امامه وبدأ يتصفحه وهو يقرأ المعلومات الشخصية عن المتقدمين الذي اختارهم كمال حتى وصل الى سيرة الهام الذاتيه..اعجبه الكلام الذي كتبه ابن خاله عنها وانها واثقه من نفسها وتستحق ان تحصل على فرصة للعمل في شركتهم فهي متخصصة في برمجة المواقع الإلكترونية التجارية والتسويق الإليكترونى وهذا ما كانوا يحتاجونه ؛ لذا وضع توقيعه على ملفها الشخصي دليلاً على قبولها للعمل ، وبعدها استمر في فعل ذلك مع كل ملف شخصي كان يقرأه حتى وصل الى اخر ملف والذي كان ملف مريم... نظر إلى صورتها الشخصية مطولاً ثم قال : بقى كدا... هي جت هنا علشان الوظيفة.

قال ذلك ثم قرأ ملفها واعجبته امكانياتها خصوصاً لأنها كانت من بين العشرة الأوائل في الكلية التي درست بها كما انها حاصلة على شهادة تقدير واحترام من الكلية على انجازاتها وتفوقها في امور البرمجة والتكنولوجيا ، ولكن ما لفت انتباهه اكثر هو سنها..وتساءل في نفسه كيف استطاعت فتاة في الواحد والعشرين من العمر ان تعمل وتدرس وتعتني بأختها الصغيرة في الوقت ذاته ومع ذلك تفوقت في دراستها كما انه انتبه على امراً مشتركاً بينها وبين الهام امين وهو انهما درستا في نفس الكلية وعملن في نفس المكان ونفس الوظيفة فخمن انه من الممكن ان تجمعهما صداقه قوية ، كما ان كمال وضع علامة " P " على ملفها باللون الأحمر وتعني perfect / مثالي وذلك دليل على انها ممتازة للعمل ، فوضع توقيعه على ملفها ثم اغلق المغلف ووضعه على الطاولة وتابع عمله على الحاسوب.

وفي الوقت ذاته في الأنترنيت كوفي ... كانت الهام متوترة جداً وتدعو الله ان يتم قبولها في الشركة بينما كانت مريم هادئة للغاية فنظرت اليها وقالت : انا مستغربه منك يا ميمي... ازاي قادره تتصرفي عادي كدا وكأنك واثقه انهم هيقبلوكي ؟!

ابتسمت مريم وقالت : دي اسمها ثقة في النفس يا بنتي يعني انا اتكلمت كويس وكمان مؤهلاتي ممتازه يبقى ليه الخوف من الفشل ؟

الهام : تصدقي عندك حق ؟

مريم : وكمان ماتنسيش انهم هما اللي قالوا في اعلان التوظيف ان مش لازم يكون عند المبرمج خبرة واهم حاجة يبقى فاهم هو بيعمل ايه ومعاه شهادة جامعية ، وانا وانتي عندنا المؤهلات المطلوبة للشغلنه دي.
فابتسمت الهام قائلة : والله العظيم كلامك ريحني...ويا رب يكون عندك حق.

مريم : معرفش هيحصل ايه بس قلبي بيقولي اننا هنتقبل... على العموم احنا هنعرف النتيجة كمان ساعتين.

فقالت الهام بتململ : هيعدوا عليا كأنهم شهرين.

ضحكت مريم وردت عليها : متقليش... ان شاء الله كل حاجة هتبقى تمام.

وبعد مرور ساعة......

عادت مريم الى المنزل فوجدت شقيقتها مرام جالسة امام التلفاز تشاهد مسلسلاً كانت تتابعه ، خلعت حذائها وقالت : ثواني يا حبيبتي وهحضرلك الاكل.

مرام : متعبيش نفسك يا ميمي... انا اكلت مع صحابي في المدرسه.

مريم : بجد ، يعني مش جعانه ؟

مرام : لا مش جعانه..

مريم : طيب انا هروح استريح شويه في الاوضه ولو حسيتي بالجوع قوليلي فوراً .. اه وما تفضليش قاعدة قدام الـ tv كتير اتفقنا .

مرام : حاضر.

- ثم دخلت مريم الى غرفتها المتواضعة ، فوضعت حقيبتها جانباً ثم فتحت خزانتها واخرجت منها ملابس بيتيه مريحة وبدلت ملابسها واستلقت على سريرها لكي تستريح من ارهاق العمل ولكن سرعان ما سقطت ضحية النوم وكانت الساعة لا تزال الخامسة مساءً....بعد مدة رن هاتفها فامسكت به وهي مغمضة العينين ثم اجابت دون ان تنظر الى الشاشة وقالت بصوتها النعس : آلو...

في تلك اللحظة سمعت صوت صراخ صديقتها الهام التي قالت بنبرة سعيدة : الحقي يا ميمي.... انا نجحت وهبتدي شغل في شركة رويال من بكرا الصبح !

فنهضت مريم بسرعة وابتسمت قائلة : بجد يا لولو ؟؟

الهام : والله العظيم.

مريم : الف مبروك يا حبيبتي.

الهام : متشكرة يا روحي... قوليلي بقى انتي ايه اللي حصل معاكي ؟

فنظرت مريم الى الساعة في هاتفها وقالت : الساعة دلوقتي 17:48 هما قالوا هيتصلوا بيا الساعة 18:00 يعني كمان 12 دقيقة.

الهام : طيب انا هقفل دلوقتي بس ابقي طمنيني ماشي .

مريم : اوك... يلا سلام دلوقتي.

قالت ذلك ثم اغلقت هاتفها ونهضت من سريرها وخرجت من غرفتها فوجدت اختها جالسة تنجز فروضها المدرسية سألتها بعتب : ليه سبتيني نايمه يا مرام ، كدا مش هقدر انام في الليل.

فنظرت مرام اليها وقالت : شوفتك تعبانه قلت اسيبك تستريحي شوية .

مريم : طيب انا هروح اغسل وشي وابتدي في تحضير العشا وانتي كملي مذاكرة.

مرام : اوك.

ثم دلفت مريم إلى الحمام لتغسل وجهها وما هي الا دقيقة حتى سمعت صوت رنين هاتفها صادراً من الغرفة.... فقالت لها اختها : موبايلك بيرن يا ميمي.

فخرجت من الحمام بسرعة ثم ركضت نحو غرفتها وامسكت هاتفها واجابت قائلة : آلو.

المتصل : آلو مساء الخير.

مريم : مساء النور.

المتصل : بكلم الانسه مريم مراد ؟

مريم : ايوا حضرتك.

المتصل : انا سكرتيرة كمال بيه وبكلمك من شركة رويال للتجارة الإلكترونية.

ازدردت مريم ريقها وقالت : اتفضلي....انا سامعاكي.

السكرتيرة : الف مبروك يا انسه انتي انقبلتي في الشغل وتقدري تبتدي من بكرا الصبح.

في تلك اللحظة ابتسمت مريم ابتسامة مشرقة وسألت بغير تصديق : حضرتك بتكلمي جد ؟!

السكرتيرة : ايوا يا انسه... بكرا هيبقى اول يوم شغل ليكي في الشركة ولازم تكوني موجودة قبل الساعة 9:00 .

مريم : اوي اوي... متشكره.

السكرتيرة : العفو... تصبحي على خير.

مريم : تلاقي الخير.

قالت ذلك ثم اغلقت هاتفها وقفزت من شدة الفرحة ثم قالت : الحمد لله ... اخيراً هتنحل كل مشاكلنا الماديّة....انا لازم اقول لألهام .

ثم ضغطت رقم الهام وما هي الا ثواني حتى اجابتها قائلة : ايوا يا ميمي.. طمنيني !

مريم بسعادة : جهزي نفسك يا لولو....بكرا اول يوم شغل لينا في شركة رويال للتجارة الإلكترونية.

فابتسمت الهام وقالت : دا اجمل خبر سمعته من 6 شهور ...انتي كان عندك حق في كل كلمة قولتيها.

مريم : انا كنت حاسه انهم هيقبلونا والحمد لله احساسي طلع صح.

الهام : الحمد لله.

مريم : طيب يا حبيبتي انا هقفل دلوقتي وهشوفك بكرا.

الهام : ان شاء الله.. يلا تصبحي على خير.

مريم : تلاقي الخير.

في صباح اليوم التالي .....

استيقظت مريم في تمام الساعه السادسة صباحاً ، وبعد ان فعلت روتينها اليوم من تحضير الفطور لاختها مرام وترتيب البيت والاستحمام دخلت إلى غرفتها وارتدت بنطال جينز فاتح وبلوزة بيضاء بأكمام تصل الى منتصف ذراعيها ثم سرحت شعرها واسدلته على كتفيها ووضعت القليل من الميك آب على وجهها فاصبحت فاتنة ؛ بعدها حملت حقيبتها وخرجت من المنزل متوجهها الى موقف الحافلات حيث كانت صديقتها الهام تنتظرها هناك ، وما ان وصلت حتى ابتمست قائلة : صباح الخير يا لولو.

الهام : صباح العسل...ايه الحلاوة دي يا حبيبتي ؟

فابتسمت مريم واردفت : متشكرة...ها حاسه بأيه ؟

الهام : هموت من الحماس... وانتي ؟

مريم : وانا كمان ....يلا خلينا نمشي.

وبعد مدة زمنية معينة.......

وصلن الى الشركة فدخلن حيث كان جميع الموظفين الجدد واقفين ينتظرون قدوم كمال المسؤل عنهم.. وما هي الا خمس دقائق قد مضت حتى جاء كمال بطلته البهية والتي تسر الناظرين اليه فهو كان وسيماً كالعادة بوجهه البشوش وطوله المعقول وبدلته الرمادية الفاخرة فابتسم وقال : صباح الخير ، انتوا من النهاردة بقيتوا جزء من شركة رويال للتجارة الإلكترونية ودا معناه انكوا لازم تلتزموا بقوانين الشركة وتيجوا الشغل في الوقت المحدد ، وكمان انتوا مش هتبقوا موظفين دائمين لحد ما تعدوا فترة التدريب المهني واللي هي 3 شهور من دلوقتي... يعني الفترة دي هي اللي هتحدد لو كان كل واحد فيكوا هيبقى موظف دائم في الشركة ولا لأ... ودلوقتي حد عندوا اسئلة قبل ما نبتدي التعارف ؟
فرفع احد الشبان يده وقال : انا يا فندم.

نظر كمال اليه واردف : اتفضل...قول اسمك وعمرك وبعدها اطرح سؤالك.

الشاب : انا محمود ياسين وعندي 25 سنه... وسؤالي ممكن حد يترفد خلال فترة التدريب ؟

كمال : سؤالك جميل ...لا اطمنوا احنا مش هنرفد حد خلال فترة التدريب بس لو حد فيكوا عمل اخطاء كبيرة زي تسريب معلومات الشركة لشركة تانيه مثلاً فاكيد هيترفد وهنرفع عليه دعوة كمان... بتمنى ان حاجة زي دي ماتحصلش ابداً .

فقالت الهام : ينفع اسأل حضرتك عن حاجة ؟

كمال : طبعاً ..اتفضلي بس قولي اسمك وعمرك الاول.

قالت : انا الهام أمين وعندي 21 سنه... واللي عايزه اقوله هو احنا نقدر ناخد اجازه في فترة التدريب ؟

كمال : بالنسبة لموضوع الاجازات ف انتوا ماتقدروش تاخدوا اي اجازة في الفترة دي الا اذا كانت اجازه مرضية ...حد عنده اي اسئلة تانيه ؟

فلم يتحدث اي شخص دليلاً على لا مما جعل كمال يصفق بيديه قائلاً : ودلوقتي تعالوا ورايا علشان تتعرفوا على اقسام الشركة.

- ثم بدأت جولة التعرف على الشركة وكان كمال يشرح لهم ما هي وظيفة كل قسم ابتداءً من قسم التخطيط الاستراتيجي الى قسم المحاسبة وقسم تطوير التطبيقات وقسم التنسيق الإلكتروني وقسم التسويق الإليكترونى وقسم المعلومات والاتصالات وقسم السكرتارية حتى وصلوا إلى اخر طابق في الشركة فقال بجدية: الطابق دا انتوا مش لازم توصلوله ابداً ..اساساً مالكوش شغل هنا.

فقال احد الشبان واسمه سرحان عبد التواب : وليه بقى يا استاذ كمال ؟

كمال : لان هنا قسم الادارة ومكتب رئيس الشركة ادهم بيه وممنوع حد من الموظفين يجي هنا الا لو ادهم بيه طلب منه انه يّجي .

فقالت مريم : طيب ولو حد فينا كان عايز يطور تطبيق جديد بس محتاج موافقة ادهم بيه يبقى ازي هنوصله ؟

كمال : في الحالة دي تقدروا تطرحوا افكاركوا في اجتماعات الموظفين اللي بتنعمل كل يوم خميس قبل نهاية الأسبوع .

مريم : اوك.

كمال : ودلوقتي وبعد ما اتعرفتوا على الشركة جيه الوقت علشان تتوزعوا في الاقسام...اتفضلوا ورايا من فضلكوا.

قال ذلك ثم سار مغادراً قسم الادارة فلحق به الشباب السبعة الذين تم قبولهم للعمل في الشركة وهم :
1- مريم مراد 21 سنه.
2- الهام أمين 21 سنه.
3- سرحان عبد التواب 22 سنه.
4- ومحمود ياسين 25 سنه.
5- ياسمين عبدالله 23 سنه.
6- اسيل بدر 21 سنه.
7- سليمان شاهين 24 سنه.

- وتم تعيين محمود وسليمان في قسم المعلومات والاتصالات ، اما مريم وياسمين وسرحان فتم تعينهم في قسم برمجة التطبيقات والهندسة الألكترونية وبالنسبة لالهام واسيل فتم تعينهن في قسم التسويق الإلكتروني.

وفي تمام الساعة العاشرة صباحاً...وصل ادهم الى الشركة وفور دخوله الى مكتبه طلب من سكرتيرته " سلمى " ان تطلب كمال فقالت : امرك يا فندم.

ثم امسكت سماعة الهاتف واتصلت على مكتب كمال الذي كان يعمل على حاسوبه المحمول فاجابها : ايوا يا سلمى.

سلمى : ادهم بيه طلب يقابل حضرتك يا فندم .

كمال : طيب.. متشكر.

قال ذلك ثم اغلق الهاتف ونهض من مكانه ثم خرج من مكتبه وذهب الى مكتب ادهم... فطرق الباب ودخل قائلاً : صباح الخير يا كنج .

فنظر ادهم اليه بنظراته الباردة وقال : صباح النور...عملت ايه مع المتدربين الجدد ؟

جلس كمال امامه واجاب : وزعتهم على الاقسام زي ما انت عايز بعد ما عرفتهم على الشركة.. بس ايه دا دول باين عليهم انهم كويسين اوي.

فقال ادهم وهو يرفع شاشة الكمبيوتر : عارف... علشان كدا انا اخترتهم من بين العشرين واحد اللي انت جبتلي ملفاتهم .

كمال : هقولك على حاجة بس مش عايزك تتريق عليا اتفقنا .

فنظر ادهم اليه ببطء شديد وقال ببرود مميت : وانا من امتى بتريق عليك يا كمال ؟

فابتسم كمال بلطف واستطرد : اه صح انت الراجل الجليدي اللي بياخد كل الامور بجدية.

ادهم : خلصني.. عايز تقول ايه ؟

كمال : بصراحة من بين كل المتدربين اللي قبلتهم انا عجبتني بنت وحده.

فقال ادهم بعدم اهتمام : البنت اللي اسمها مريم مراد مش كدا ؟

كمال : ايوا هي.. بس ازاي عرفت اني كنت بتكلم عنها ؟

فنظر ادهم اليه مطولاً ثم قال : مش حضرتك كتبت على ملفها حرف P يعني المسألة مش محتاجه ذكاء.

أبتسم كمال بسذاجة واردف : اه صحيح.. بس تصدق البنت دي عندها ثقة كبيرة في نفسها وانا عن نفسي استريحتلها اوي وحاسس انها هتبقى احسن وحده من بين المتدربين كلهم .

ادهم : انا مليش دعوة بالكلام دا كله... وكل اللي بيهمني انها هتشتغل كويس ومش ضروري تكون احسن وحده المهم انها هتعرف هي بتشتغل ايه وتبقى ملتزمة بالقوانين زيها زي اي موظف تاني .

في تلك اللحظة زم كمال فمه وقال بتذمر : ايه البرود دا يا اخي ؛ بقولك البنت حصلت على شهادة تقدير من الجامعة وكانت من بين العشرة الأوائل حتى انها جت في المرتبه التانيه من بين عشر احسن مبرمجين في الكلية كلها.

ادهم : وفيها ايه يعني ؛ ما انا كمان احسن منها وكنت الاول على دفعتي.

فتنهد كمال بأستسلام وقال : خلاص انسى... انا همشي دلوقتي.

ادهم : اوك.

قال ذلك وهو يحدق بشاشة حاسوبه بجمود وبرود قاتل مما جعل كمال يحرك عيناه بشكلاً دائري قبل ان يتجه نحو باب المكتب ليخرج ، وما ان خرج حتى اسند ادهم ظهره على الكرسي ووضع يده على ذقنه وكأنه يفكر بأمراً ثم وضع يداه خلف عنقه واسند رأسه اليهما مغمضاً عيناه .

اما في قسم برمجة التطبيقات والهندسة الألكترونية...كانت مريم جالسة خلف طاولة مكتبها الصغيرة وهي تمسك بطاقة عملها المربوطة بخيط احمر يدل على انها متدربة وما تزال في مرحلة التهديد قبل ان تصبح موظفة رسمية ، فابتسمت بسعادة وقالت : اخيراً بقيت موظفة في شركة.
وبينما كانت تحدق ببطاقتها اقتربت منها المتدربة الاخرى ياسمين التي تكبرها بسنتين وابتسمت قائلة : ازيك ؟

فنظرت اليها مريم وبادلتها الابتسامة وردت : الحمد لله.

ياسمين : انا ياسمين وانتي ؟

مريم : مريم مراد .

صافحتها ياسمين وابتسمت قائلة : اتشرفنا..عندك كام سنه ؟

مريم : 21 وانتي ؟

ياسمين : انا اكبر منك بسنتين .

مريم : العمر كله ان شاء الله.

ياسمين : متشكرة.. ينفع نبقى اصحاب بصراحة انا معرفش حد هنا زيك بالزبط .

مريم بابتسامة : طبعاً دا شرف ليا .

ياسمين : ربنا يخليكي .

مريم : في الاستراحة هعرفك على صاحبتي الهام...هي كمان اتوظفت في الشركة دي.

ياسمين : قصدك البنت الاموره اللي كنتي قاعدة معاها الصبح ؟

مريم : ايوا.. دي صاحبتي من واحنا صغيرين.

ياسمين : حلو اوي.

تسارع في الاحداث........

مر اسبوع على عمل مريم والهام وبقية المتدربين في شركة رويال للتجارة الإلكترونية وخلال ذلك الاسبوع اصبحوا اصدقاء ولم يقابلوا رئيس الشركة ابداً لكثرة انشغاله وعدم السماح لهم بالذهاب الى الطابق الاخير حيث يتواجد مكتبه الكبير ؛ كما انهم كانوا ينفذون المهمات مثل طباعة الاوراق وترتيب السجلات ومراجعة الحسابات ولم يسمح لهم في العمل في البرمجة لانهم كانوا جدد وبحاجة الى التدريب ، اما ادهم فكان بارداً للغاية كعادته ولم يتغير في حياته اي شيء سوى ارتفاع نسبة ارباح شركته ولكن دوام الحال من المحال .

وذات صباح....

ذهب ادهم الى الشركة كالعادة فضغط على زر المصعد ليذهب الى مكتبه ثم وقف ينتظر نزول المصعد بكل رقي وبهيئته الفاخرة ؛ في تلك الاثناء اتت مريم ووقفت تنتظر نزول المصعد بجانبه دون ان تنظر اليه حيث انها كانت تعبث بهاتفها ، فتسللت رائحة عطرها الى انفه لتثير في داخله بركان من المشاعر المضطربة وعرف فوراً من صاحبتها لان الرائحة حفرت في ذاكرته بعد أن اشتمها لمرة واحدة عندما اصطدمت به في اليوم الذي ذهبت به لكي تجري المقابله ، حيث ان تلك الدقائق المعدودة التي جمعته بها في المصعد لم تفارق تفكيره ابداً وبقى يفكر بالسبب الذي جعل قلبه يتحرك مجدداً بعد سبات دام لمدة خمس سنوات.

التفت نحوها بسرعة ليجدها واقفه بجانبه وهي ترسل رسالة نصية لصديقتها الهام التي كانت قد تأخرت عن العمل في ذلك اليوم ، وما ان رآها حتى شعر بنفس الشعور الذي انتابه عندما قابلها اول مرة ؛ اما هي فشعرت بأن احدهم كان يحدق بها لذا قررت ان ترى من هو فرفعت رأسها ببطء ولكنه كان اسرع منها حيث انه نظر امامه بكل برود وجمود وفي داخله اعصار ثائر لان رائحة عطرها الخاص سببت له وللمرة الثانية دواراً فهو لا يعلم لما اعجبته تلك الرائحة كما لو انها جرعة خمر قد اسكرته.

نظرت اليه وتذكرته على الفور فهي لم تنسى شعورها بالرهبة منه عندما اصطدمت به اثناء جريها في يوم المقابلة ، كما ان نظرة البرود التي نظر بها اليها لم تفارق تفكيرها لذا ابتلعت ريقها واخفضت بصرها عنه ولكن الشعور بالرهبة منه كان يلازمها ولم تعرف السبب ... وعندما نزل المصعد فتح الباب فانتظرت حتى يدخل قبلها ولكنه اشار لها بيده لكي تدخل اولاً فقالت بصوت اشبه للهمس : متشكره.

ثم تحركت بسرعة ودخلت إلى المصعد ...اما هو فأخرج نظارته الشمسية من جيبه ووضعها على عيناه وبعدها دلف ايضاً الى داخل المصعد بطوله الوقار وهيئته الراقية ، ضغط على زر اغلاق الباب ثم ضغط على زر الطابق الاخير... اما هي فضغطت على زر الطابق الرابع ووقفت في زاوية المصعد متوترة من هذا الشاب البارد الذي اسند ظهره على المرآة داخل المصعد وكان يحدق بها من خلف نظارته الشمسية التي كانت تخفي عيناه السوداوان.

فقالت في نفسها : دي المرة التانية اللي بقابل فيها الراجل دا وفي نفس المكان... بس يطلع مين يا ترى ؟

قالت ذلك ثم نظرت اليه بنظرة خاطفة لتجده مستنداً على المرآة بجانبها وهو يعبث بهاتفه المحمول فشعرت بأن هذا الرجل هو شخصية مهمة حيث ان هيئته الفاخرة كانت تدل على مدى اهميته وخمنت انه قد يكون هو رئيس الشركة الذي لم يقابله اي احد من زملائها المتدربين حتى الان.

اما هو فكان بالكاد يمنع نفسه من الجلوس على الارض بسبب رائحة عطرها التي اسكرته تماماً لانها اصبحت اقوى بسبب تواجدهما في مكان مغلق ، فوضع هاتفه في جيب سترته ثم رفع يده اليمنى وعدل ياقة قميصه مدعياً انه ليس منتبهاً عليها وفي تلك اللحظة اشاحت نظرها عنه بسرعة واصبح الصمت سيد الموقف.. ولكن سرعان ما قال بصوته الرزين وبدون ان ينظر إليها : ريحته قويه .

فنظرت اليه مريم بسرعة وقالت : أفندم !

نزع ادهم نظارته عن عيناه ثم ادار وجهه نحوها ببطء واردف بصوته الجامد : الپارفان بتاعك... ريحته قوية اوي وبسببها دماغي وجعتني.

نظرت اليه ببلاهة لمدة ثواني ثم رمشت عدة مرات امسكت بياقة قميصها فقربته من انفها لتشم رائحة عطرها وبعدها نظفت حلقها ونظرت اليه قائلة : اسفه...بس ريحة الپارفان بتاعك اقوى من ريحة الپارفان بتاعي وجايز لاننا في مكان مقفول الريحتين ضربوا في بعض علشان كدا دماغك وجعتك يعني انا مليش دعوة .

رفع ادهم احد حاجبيه بدهشة عندما تحدثت معه بتلك الطريقة ونظر اليها بنظرة باردة جداً جعلتها ترتبك ثم ادار وجهه ووضع نظارته الشمسية دون ان يعلق اي شيء ؛ ثم عاد الصمت ليخيم على المكان..وما هي الا دقيقة قد مضت حتى توقف المصعد في الطابق الرابع فنزلت منه مريم بسرعة ولم تنظر خلفها لان حدسها الأنثوي اخبرها ان هذا الرجل هو نفسه رئيس الشركة التي تعمل بها وان نظرت اليه اثناء نزولها من المصعد قد تبدو وقحة في نظره وهي لا تريد ان يحدث ذلك... لذا سارت بخطوات ثابتة مبتعدة عن مجرى نظره.

اما هو فنزع نظارته عن عيناه واغمضهما بشده واضعاً يده على عظمة جسر انفه بسبب تأثير رائحة عطر مريم التي خدرته تماماً ثم تنهد بقوه ونظر الى انعكاس صورته في مرآة المصعد وقال في سره : غريب.. دي المرة التانية اللي بحس فيها بنفس الاحساس بسبب البنت دي ، معقول تكون ريحة الپارفان بتاعها هي السبب ... اه وليه لأ دي دوختني !

في قسم برمجة التطبيقات والهندسة الألكترونيه ....

توجهت مريم نحو مكتبها الصغير ثم وضعت حقيبتها جانباً وجلست امام الكومبيوتر ثم كتبت جملة قصيرة في " Google " وسرعان ما ظهرت امامها الصفحة الرسمية للشركة فبحثت في بها عن اسم الرئيس التنفيذي " ادهم السيوفي " وكان حدسها في محله حيث ظهرت امامها صورة للرجل الذي قابلته قي المصعد... وضعت يدها على فمها وقالت بصوت خافت : دا طلع هو بجد !

ثم بدأت تقرأ المعلومات الشخصية عن ادهم وقد انبهرت عندما علمت انه اسس شركته في سن الثالثة والعشرين وانه أصبح الرئيس التنفيذي لاكبر شركة تجارة إلكترونية في مصر كلها خلال 8 سنوات فقط وسرعان ما تساءلت بغير تصديق : معقول يكون الراجل البارد دا هو نفسه ادهم عزام السيوفي اللي سمعت عنه في الكلية ؟

في تلك اللحظة عادت بها الذكرة إلى وقت مضى عندما كان الاستاذ الذي يلقي عليهم المحاضرات يحدثهم عن اشهر مهندس تقنيات تكنولوجيا في علوم الحاسوب بمصر كلها والذي سافر الى اميركا واسس شركته الخاصة في سن صغيرة وكان يدعى " ادهم عزام السيوفي " الذي ينحدر من عائلة اشهر الاطباء في القاهرة حيث كان كل من جده ووالده اطباء مشهورين وكان من المتوقع ان يصبح هو ايضاً طبيب ولكنه اختار ان يصبح مهندس تقنيات عوضاً عن ذلك.
وبينما كانت تقرأ المعلومات الخاصة بـ ادهم.. سمعت صوت مدير القسم الذي تعمل به يقول : يلا يا جماعة..عايز من الكل يروح قاعة الاجتماعات دلوقتي لان ادهم بيه عايز يعمل اجتماع الاسبوع.

فلفت انتباهها ما قاله مدير القسم لذا نهضت وسألته : الاجتماع هيبقى دلوقتي يا استاذ سالم ؟

نظر ذلك الرجل المدعو سالم اليها والذي كان في الخمسين من عمره ثم قال : ايوا يا انسه مريم... علشان كدا عايز الكل يتصرف كويس وخصوصاً المتدربين الجدد.

فقالت ياسمين : واو... انا اتحمست جداً .

رد عليها زميلها سرحان : وانا كمان... دا هيبقى اول اجتماع رسمي نشترك فيه.

اما مريم فوضعت يدها على جبينها وقالت بصوت خافت : فينك يا الهام ، يا رب توصل قبل ما الاجتماع يبتدي.

في مكان اخر....

كانت الهام تركض متوجهها الى القسم الذي تعمل به قائلة بتذمر : الله يحرق السهر وساعة السهر ، كله منك يا ابراهيم .

{ ابراهيم ابن جيرانهم وقد ذهب هو وعائلته لخطبتها في اليوم السابق ولكنها لم توافق على الارتباط بشخص لا تكن له اي مشاعر فاحترم اهلها قرارها ولكنهم شعروا بالخجل لاخبار اهل ابراهيم بعدم موافقة ابنتهم على الزواج من ابنهم لذا احتاجوا وقتاً لتمهيد الامر لهم فسهروا لوقت متأخر}

واثناء ركضها وردتها رسالة نصية من مريم مضمونها كالتالي " الله يخرب بيتك انتي فين ؛ ادهم بيه هيعمل اجتماع لكل الموظفين كمان خمس دقايق وحضرتك مش موجودة لغاية دلوقتي "

في تلك اللحظة سيطر الهلع على الهام فقالت بفزع : يا نهار اسود... لازم استعجل شوية .

ثم زادت سرعة ركضها حتى وصلت الى قسم التسويق الإلكتروني الذي تعمل به فختمت بطاقتها قبل انتهاء موعد الختم بدقيقة واحدة ثم ابتسمت ووقفت تلتقت انفاسها... في تلك اللحظة اقتربت منها زميلتها اسيل وسألتها : اتأخرتي كدا ليه يا الهام ؟

فنظرت اليها وقالت : انا صحيت متأخرة النهاردة بس الحمد لله وصلت في الوقت.

اسيل : طيب يلا خلينا نروح قاعة الاجتماعات بسرعة لان في اجتماع للموظفين.

الهام : عارفه.. يلا بينا.

وعندما وصلت الهام إلى قاعة الاجتماعات وجدت ان مريم قد حجزت لها مقعداً بجانبها فجلست به وسألتها هذه الاخيرة بهمس : جرى ايه يا لولو...اتأخرتي كدا ليه ؟

ردت عليها بالهمس ذاته : دي حكاية طويلة هقولك عليها بعدين.

مريم : اوك .

وبعد مرور خمس دقائق على تجمع الموظفين في قاعة الاجتماعات دخل ادهم بطلته البهية وخلفه ابن خاله كمال حسن مما جعل التوتر يسيطر على الموظفين لعلمهم كم هو صارم هذا الادهم اما مريم فلم تبعد نظرها عنه ولاحقته بعيونها حتى رأته يجلس في مكانه دون ان يتفوه بأي كلمة ؛ اما كمال فوقف بجانبه وقال : صباح الخير... دلوقتي هنبتدي اجتماع الموظفين الاسبوعي ، وبما ان انظم لينا موظفين جدد اكيد هيبقى الاجتماع دا غير عن اللي قبله ... بس خلوني اطلب من المتدربين الجدد انهم يوقفوا الاول علشان باقي الموظفين يتعرفوا عليهم.

فنهظ كل من محمود , سليمان , ياسين , مريم , اسيل , الهام وسرحان وقد سيطر عليهم التوتر لانهم قابلوا رئيس الشركة البارد كما سمعوا عنه اولاً ولان بقية الموظفين كانوا يحدقون بهم ثانياً فتابع كمال كلامه : ودلوقتي... عايز من كل واحد يقول اسمه ايه وعنده كام سنه..وخلينا نبتدي معاك يا محمود لانك اكبر واحد بينهم.

فقال محمود : حاضر يا استاذ كمال... انا محمود ياسين عندي 25 سنه وتم تعيني في قسم المعلومات.

ثم قال سليمان : انا سليمان شاهين وعندي 24 سنه واتعينت في قسم المعلومات كمان.

ياسمين : انا ياسمين عبدالله عندي 23 سنه واتعينت في قسم برمجة التطبيقات والهندسة الالكترونية.

فقال سرحان : وانا سرحان عبد التواب عندي 22 سنه واتعينت في قسم برمجة التطبيقات برضو.

الهام : انا الهام امين عندي 21 سنه واتعينت في قسم التسويق الإلكتروني.

مريم : وانا مريم مراد عندي 21 سنه واتعينت في قسم برمجة التطبيقات كمان.

اسيل : وانا اسيل بدر عندي 21 سنه كمان واتعينت في قسم التسويق الإلكتروني.

فصفق كمال بيديه لمرة واحدة واردف : كويس...ودلوقتي تقدروا تستريحوا.

فجلس الشباب بترقب اما ادهم رفع رأسه بعد ان كان يعبث بقلمه الخاص وبعدها نهض وقال بصوته البارد والذي دب الرعب في نفوس الموظفين جميعاً بمن فيهم مريم : دلوقتي بعد ما اتعرفنا على الموظفين الجدد انا عايز اعمل مسابقة صغيرة بينكوا { يقصد المتدربين } والمسابقة دي هتقوي ثقتكوا في نفسكوا وهتبقوا تعرفوا يعني ايه برمجة وتصميم موقع تجاري الكتروني في شركة رويال للتجارة الإلكترونية...والمسابقة هتبقى كدا ...لازم كل واحد فيكوا انتوا السبعة يصمم موقع تجاري الكتروني خاص فيه واللي هيجيب اكبر نسبة مشتركين خلال شهر واحد في الموقع بتاعه هيبقى الرابح والشركة هتاخد دا بعين الإعتبار وهتزيد مرتبه وهيبقى الموقع بتاعه جزء من المواقع التجارية الرئيسية اللي في الشركة .

فابتسم المتدربين جميعاً بعد سماعهم ذلك الاعلان لان ادهم قدم لهم فرصة ذهبية ليثبتوا جدارتهم في العمل بهذا الشركة الشهيرة... فقال سليمان : ممكن اقول حاجة يا بيه ؟

نظر ادهم اليه وأشار له بيده ليحثه على الكلام فقال : اللي هيكسب المسابقة هيبقى موظف ثابت في الشركة ولا ايه ؟

ادهم : لأ لان القرار دا هنتخدوا بعد ما تخلصوا فترة التدريب واللي هي 3 شهور بس هناخد شغلكوا بعين الإعتبار واللي هيكون الموقع بتاعه سهل الاستخدام وهيعجب الزباين دا هيزيد النقاط في ملفاتكوا .

فرفعت الهام يدها طالبه الاذن لتتحدث فاذن لها ادهم وقالت : طيب لو كان في تعادل بين المتسابقين هنعمل ايه وقتها ؟

في تلك اللحظة اشار ادهم الى كمال ليتحدث عوضاً عنه فقال : دا نادراً ما يحصل بس لو حصل هتبقى النتيجة نفسها يعني هنزيد مرتب المبرمجين وهنظم مواقعهم للمواقع الرئيسية.

فابتسمت مريم وقالت باندفاع وكأنها نسيت نفسها : بتسموا دي مسابقة ، دي هتبقى سهلة اوي زي ما تكون لعبة عيال.

وبعد ان صرحت بذلك نظر الجميع اليها بصدمة مما جعلها تدرك ما قالته لذا وضعت يدها على فمها بسرعة اما ادهم فرفع حاجبة وقال بهدوء مميت : مريم مراد عثمان....انتي شايفه ان الموضوع دا لعبة عيال بالنسبة لك ؟

ارتبكت مريم كثيراً وقالت بتلعثم : لا...انا بس... كنت...

فقاطعها ادهم بصوت تغلب عليه الحدة والجبروت : لما انتي مش عارفه تجاوبي على سؤال صغير زي دا يبقى ازاي اتجرأتي وقلتي ان المسابقة دي هتبقى زي لعبة العيال ؟

ابتلعت مريم ريقها ونظرت اليه بتوتر شديد ثم غمغمت بنبرة مرتجفة : انا....

صاح بها ادهم بنبرة حادة : انتي ايه ، اتكلمي !

يتبع....
أرتعشت مريم بشدة عندما صرخ عليها ادهم السيوفي امام جميع الموظفين وتكومت الدموع في عيونها ولكنها لم تبكي بل سيطرت على نفسها ونظرت اليه مباشرةً بنظرات ثقه ثم قالت : انا مستوايا اعلى من كدا بكتير.. يعني المسابقة اللي اقترحتها حضرتك هتبقى سهلة جداً بالنسبه لي علشان كدا قلت انها هتبقى زي لعبة العيال ومكنش قصدي اني اتريق ابداً .

عاد ادهم الى بروده المميت وكتف يداه ثم قال : بقى كدا... تمام يا انسه ، بما ان مستوى حضرتك اعلى من كدا بكتير وان المسابقة السهلة دي هتبقى زي لعبة العيال بالنسبه لك فانتي هتستبعدي من المشاركة فيها وهتفضلي تشتغلي في مراجعة البيانات والمعلومات لغاية ما الشهر المحدد للمسابقة يعدي .

في تلك اللحظة اتسعت عينا مريم عندما سمعت ذلك واحتجت قائلة : بس دا ظلم ... حضرتك هتظلمني بالطريقه دي.

فقال ادهم بنبرة يملؤها التحدي : لو مش عاجبك النظام هنا تقدري تقدمي استقالتك وتروحي تشتغلي في شركة تانيه بس لازم تدفعي الشرط الجزائي الاول .

قال ذلك ثم نظر إلى باقي الموظفين واضاف بصوت عالٍ وبنبرة حاسمة : الاجتماع دا انتهى.
- نهض الموظفين بتوتر وانتظروه حتى خرج من قاعة الاجتماعات وخلفه كمال وبعدها بدأوا يخرجون واحداً تلو الاخر...اما هي فوقفت مكانها وضغطت على قبضتها بشدة ؛ اقتربت منها صديقتها الهام وسألتها بعتب : عملتي كدا ليه يا مريم ، كان لازمته ايه كتر الكلام ؟

أرادت ان تجيب عليها ولكن مدير قسمها صرخ بها قائلاً : انتي اتجننتي ولا ايه ، ازاي اتجرأت عيله صغيرة زيك متعرفش حاجة انها تتكلم مع ادهم بيه بالطريقة دي ؟

فنظرت اليه وقالت : انا مكنش قصدي اعمل كدا يا استاذ سالم بس...بس انا قلت وجهة نظري واظن ان دا حقي علشان ادافع فيه عن نفسي .

سالم : حقك في بيت ابوكي يا هانم مش في شركة الكينچ ادهم السيوفي.

تساءلت مريم بعجب : كينچ / king ، ليه بتقول عنه كينچ ؟

سألها سالم بدهشة : هو انتي متعرفيش ان الراجل دا لقبو ملك البرمجة ؟!

ثم اضاف بعصبية : وجايه تقولي وبكل وقاحة ان المسابقه اللي اقترحها لعبة عيال ، ولا شفتي نفسك لانك طلعتي الاولى على دوفعتك ... بس لا يا شاطره ذكائك دا ميجيش حاجة قدام عبقرية ادهم بيه يعني اصحي من احلامك الوردية دي واجري وراه علشان يرجعك المسابقة لانك لو معملتيش كدا يبقى مش هتقدري تبرمجي اي حاجة طول ما انتي هنا .

فقالت الهام بذعر : يا نهار مش فايت... يلا يا مريم اجري بسرعة !

انتفضت مريم من مكانها قائلة : طيب ...ماشي.

ثم ركضت بأسرع ما يمكن حتى تلحق بـ ادهم ولكنه كان قد صعد في المصعد بالفعل ؛ ضغطت على زر المصعد الاخرى وعندما نزل صعدت به وضغطت على زر الطابق الاخير في الشركة حيث كان مكتب الرئيس التنفيذي ، وبينما كان المصعد يصعد بها كانت متوترة للغاية اما في الجانب الاخر فكان هو يسند ظهره على المرآة داخل المصعد بجانب سكرتيرته سلمى التي كانت متوترة وكان الصمت حليفه... ولكن عينيه كانتا تظهران عكس ذلك تماماً حيث كان الشرر يتطاير منهما فهو بالرغم من برودة اعصابه الا ان تلك الصغيرة قد استفزته كثيراً بكلامها خصوصاً عندما ردت عليه امام موظفينه بكل ثقة .

وعندما وصل المصعد إلى الطابق الاخير نزل منه ادهم وتوجه نحو مكتبه وكانت السكرتير " سلمى " تسير خلفه بصمت إذ انها كانت تدرك مدى انزعاجه في تلك اللحظة لذا فضلت ان تغلق فمها ولا تنبس بكلمة واحدة مما قد يجعله يثور في وجهها ، وقبل ان يدخل إلى مكتبه اوقفه صوت تلك الصغيرة التي اشعلت النار في صدره عندما قالت له : ادهم بيه..من فضلك استنى .

التفت الى الخلف ونظر اليها من فوق كتفه بعيون حادة عندما اقتربت منه وهي تفرك يديها ببعضهما بتوتر ، ثم تجاهلها تماماً وتقدم بخطوتين نحو باب مكتبه فقالت مجدداً : من فضلك يا بيه انا عايزه اتكلم معاك.

ردت عليها سلمى : من فضلك ارجعي القسم بتاعك لان ممنوع اي حد من الموظفين يجي هنا .

مريم : انا بس عايزه اقول لحضرتك.....

- لم تكمل جملتها لان ادهم فتح باب مكتبه ودخل دون ان يعطيها اي فرصة للتحدث فانزعجت من تصرفه كثيراً مما جعلها تشعر بالإهانة لذلك تجاهلت منصبه واهميته وباغتت سلمى ثم لحقت به إلى داخل المكتب ، اما هذه الاخيرة فلحقت بها قائلة بعصبية : من فضلك مينفعش تعملي كدا..

اما هي فسألت الرجل بانزعاج : انت فاكر نفسك مين علشان تتجاهلني وانا بكلمك ، اوعى تفتكر اني هخاف منك علشان انت الـ Boss هنا .

في تلك اللحظة وضعت سلمى يدها على فمها بصدمة من هول الموقف اما هو فوقف مكانه دون حراك بعد تلك الجملة وهو يعطيها ظهره ولكن سرعان ما اردف قائلاً بهدوء شديد : سلمى...

اجابته بتوتر : افندم ؟

اضاف : اطلعي برا واقفلي الباب وراكي.

سلمى : ح.. حاضر .

- وبالفعل خرجت سلمى من مكتب ادهم واغلقت الباب خلفها.... اما هو فتوجه نحو كرسيه بكل هدوء وجلس عليه ثم نظر الى مريم بنظرات جاده وسألها بصوته البارد : عايزه تقولي حاجة يا شاطرة ؟

- وبسبب ردة فعله الباردة شعرت مريم بالتوتر الشديد خصوصاً عندما نظرت الى عيينه فابتلعت ريقها وقالت بتلعثم : ايوا.. انت... انت متقدرش تستبعدني من المسابقة ابداً لان انا كمان متدربة ومن حقي اشترك فيها.

اسند ادهم ظهره الى كرسيه وكتف ذراعيه وهو ينظر اليها بهدوء مميت مما جعلها تتوتر اكثر فاضافت بنبرة مهتزة : انا... انا درست تلات سنين في احسن الكليات وتعبت اوي علشان ابقى مبرمجة تطبيقات ودلوقتي بعد ما الفرصة جت لحد عندي مش هسمح لاي شخص يحرمني منها حتى لو كان الشخص دا هو حضرتك .

وبعد قولها ذاك رسم ادهم ابتسامة صغيرة على شفتيه ثم نهض من مكانه بكل هدوء مما جعلها تعود بخطواتها للوراء ؛ تحرك بخطواته نحو نافذة مكتبه العملاقة ووقف يتأمل الشارع والمباني الاخرى من خلالها ثم اخرج علبة سجائر فاخرة من جيب سترته واشعل سيجارة وبعدها سألها بصوت رزين جداً ودون ان ينظر اليها حتى : خلصتي كلامك ؟

استغربت هي من ردة فعله الجليدية وقالت بتوتر : ل... لأ لسه.

فقال وهو ينفخ الدخان من فمه : يبقى كملي.

رمشت مريم عدة مرات ولا تعلم لما شعرت بالخوف من هدوئه واخبرها حدسها ان هذا الهدوء قد يكون هو نفسه الذي يسبق العاصفة ؛ ابتلعت ريقها واردفت : انا...انا عايزه اشترك في المسابقة لان دا حقي بما اني بقيت موظفة في الشركة دي .

ألتفت ادهم نحوها ثم وضع يده اليمنى في جيب بنطاله ونظر اليها بنفس الهدوء بينما كان يسحب نفساً من سيجارته الفاخرة ثم نفث الدخان وقال بنبرة حادة يغلبها الجمود : وانا قلت انتي مستبعدة من المشاركة في المسابقة ودا قرار نهائي... ودلوقتي بعد ما خلصتي كلامك اتفضلي ارجعي على شغلك واياكي تتكلمي معايا مرة تانية بالطريقة دي لاني مش صاحبك يا انسه انتي فاهمة ؟

في تلك اللحظة شعرت مريم بالتفاهة عندما تحدث معها بتلك النبرة ولم تستطيع منع دموعها المحبوسة في حدقتيها عن التساقط ، بكت امامه بالفعل ولكن سرعان ما اشاحت بنظرها عنه واستدارت وهي تمسح دموعها ثم قررت الخروج من مكتبه... ولكنه اوقفها بقوله : استني...

توقفت في مكانها ولكنها لم تنظر اليه بل حدقت بالأرض ، اما هو فتوجه نحو طاولة مكتبه و اطفأ سيجارته في مطفأة السجائر ثم اقترب منها بخطوات ثابتة حتى اصبح واقفاً خلفها ... تسللت رائحة عطرها الى انفه لتحرك بداخله بركان المشاعر المضطربة مما جعله يغمض عيناه بشدة ثم تنفس بعمق وقال : لو عايزه تبقي مبرمجة تطبيقات في شركة " رويال " بجد يبقى اللي حصل في الاجتماع بتاع النهارده ما يتكررش تاني انتي سامعه ؟

فنظرت اليه بعيونها الدامعه وسألته : يعني انا... انا هشترك في المسابقة ؟

ألتفت ادهم الى طاولة مكتبه ليتهرب من رؤية دموعها ثم توجه نحو كرسيه ليجلس قائلاً : انا قلت مش هتشتركي يعني مستحيل اغير رأيي ابداً ، ودا علشان اعلمك درس انك متشوفيش نفسك مرة تانية لان معاكي شهادة تقدير من الكلية وطلعتي الاولى على دوفعتك وكمان متنسيش ان في ناس اكبر منك بيفهموا في البرمجة ومعاهم شهادات من اشهر الجامعات في العالم وانتي متجيش قدامهم اي حاجة .

تحركت مريم نحوه حتى اصبحت تقف امامه ثم قالت : انا مشفتش نفسي ابداً ومستحيل اشوف نفسي على اي حد ، بس انا قلت وجهة نظري لان بجد المسابقة دي سهلة اوي بالنسبة لي واقدر اصمم موقع تجاري إلكتروني في اقل من شهر لان دا كان واحد من الامتحانات اللي عملتها في الكلية وصممت موقع لبيع اكل الحيوانات الأليفة وجاب نسبة مشاركة كبيرة.

رفع ادهم حاجبه بعد سماعه ذلك ورمقها بنظرات باردة لم تفهم مغزاها ثم اردف : حلو الواحد يبقى عنده ثقه في نفسه بس خلي بالك لان الثقة الزايدة جايز تتقلب ضدك ، ولو انتي شايفه ان المسابقة دي سهلة اوي بالنسبة لك يبقى ليه عايزة تشتركي فيها ؟

ردت عليه بسرعة : علشان دي فرصة ذهبية ولو فزت فيها اكيد الموقع بتاعي هيبقى مشهور .

ادهم : يبقى انتي عايزه تبقى مشهوره ، قولي كدا من الاول.
مريم : لا مش علشان ابقى مشهورة... انا عايزه اشترك علشان احسن من مستوايا واثبت للكل اني اقدر افوز في المسابقة دي وانا مغمضة عينيا.

ادهم : ما دام هو دا السبب اللي انتي عايزة تشتركي في المسابقة علشانه فانا مش هسمحلك تشتركي فيها ابداً لان شركتي مش مكان للأستعراضات يا انسه وانما انا وظفتك هنا علشان تشتغلي وبس مش علشان تثبتي اي حاجة...بس لو كنتي عايزه تستعرضي نفسك يبقى روحي دوري على مكان تاني وابقي قابليني لو لاقيتي حد هيوظفك بعد ما تسيبي الشركة دي.

فنظرت مريم اليه بحنق ثم سألت : طب.. طب اعمل ايه علشان تسمحلي اشترك في المسابقة ؟

ادهم : متعمليش اي حاجة لان انا اتخذت قراري النهائي وانتي هتفضلي تشتغلي في مراجعة بيانات معلومات السوق الألكترونية لغاية ما الشهر بتاع المسابقة يعدي.

احتجت قائلة : بس.. بس دا ظلم يعني فترة التدريب كلها مدة 3 شهور ولو فضلت شهر كامل اشتغل في مراجعة بيانات السوق الألكترونية فانا مش هستفيد اي حاجة من فترة التدريب وانت هتظلمني كدا.

فنهض ادهم من مكانه وضرب الطاولة بيده لانه سئم من مجادلتها مما جعلها ترتعش خوفاً وقال بنبرة حادة : وبعدين بقى...قلت لك مفيش اشتراك في المسابقة يعني مفيش اشتراك واياكي تتكلمي معايا مرة تانيه بالطريقة دي لانك هتشوفي مني حاجة مش هتعجبك ابداً.. ودلوقتي اتفضلي ارجعي شغلك ومتجيش هنا تاني غير اما انا اطلبك مفهوم .

ابتلعت مريم ريقها بتوتر وقد عادت الدموع الى عينيها فاستدارت ثم توجهت نحو الباب ومسحت دموعها قبل ان تفتحه وتخرج...اما هو فجلس مجدداً على كرسيه واغمض عيناه بشدة محاولاً اخراج صورتها وهي تبكي من رأسه فهو لا يعلم كيف ومتى ولماذا اصبحت صورتها محفورة في ذاكرته حتى ان رائحة عطرها علقت في انفه واصبحت بالنسبة له كالمخدر ، ولكن لا...ربما تكون قد اثرت عليه قليلاً ولكنه ادهم عزام السيوفي الملقب " بجبل الجليد " لبرودة اعصابه لن تؤثر عليه هذه الصغيرة الباكية.

هذا ما كان يخبر نفسه به اما بالنسبة لمريم فقد خرجت من مكتبه بملامح وجه حزينة اكثر من كونها منزعجة وعندما رأتها سلمى نهضت فوراً واقتربت منها قائلة بحنق : انتي ازاي اتجرأتي واتكلمتي مع البيه بالطريقة دي ، انتي اتجننتي ولا ايه ؟

فنظرت مريم اليها وقالت بتذمر : هو انا اتكلمت مع رئيس الجمهورية مثلاً ، مهو انسان عادي زينا زيه دا حتى مش محترم وميعرفش ازاي يتكلم مع الستات.

شهقت سلمى وقالت بفزع : بتقولي ايه الله يخرب بيتك ؟؟

مريم : انا بقول الحقيقة.

سلمى : لا انتي شكلك مجنونة على الاخر.. يلا يا بنت امشي من هنا بسرعة لحسن البيه هيسمعك وهتحصل كارثة في الشركة بسببك.

تمتمت مريم بأنزعاج : انا الحق عليا اللي جيت اشتغل في شركة المجانين دي بس اعمل ايه بقى ؛ مهو بختي المهبب هو اللي رماني هنا ومقدرش اقدم استقالتي دلوقتي لان الشرط الجزائي اللي وقعنا عليه بيقول مينفعش نستقيل الا بعد 6 شهور والا هدفع 100،000 جنيه .

قالت ذلك ثم غادرت وتركت سلمى واقفة تحدق بها بصدمة فتساءلت : مجنونة دي ولا ايه ؟

- في تلك اللحظة سمعت صوت تحطيم صادر من مكتب ادهم وادركت على الفور انه غاضب للغاية وقد يكون حطم حاسوبه المحمول كما يفعل كلما يغضب فأبتلعت ريقها وغمغمت : ربنا يستر بقى.

وما هي الا ثلاث دقائق قد مرت حتى اتاها اتصال منه فاجابت بسرعة : ايوا يا فندم.

قال : تعالي هنا فوراً .

سلمى : ح.. حاضر .

قالت ذلك ثم اغلقت الهاتف ونهضت من مكانها واقتربت من باب مكتبه الذي كان يقع بجانب مكتبها الصغير ثم اخذت نفساً عميقاً وبعدها طرقت الباب فسمح لها بالدخول... دخلت وقد كان تخمينها صحيح لان ادهم قد حطم حاسوبه المحمول بالفعل ولكنه حطم اشياء اخرى اضافية هذه المرة منها المرآة الكبيرة التي كانت في مكتبه ولوحة اسمه الزجاجية التي كانت على طاولة المكتب ، اما هو فنهض من مكانه وقال لها بنبرة أمر : انا هطلع دلوقتي بس لما ارجع عايز كل حاجة اتكسرت ترجع زي ما كانت.

ردت عليه سلمى بصوت مرتجف : ح.. حاضر .

- ثم خرج ادهم من مكتبه وهو يعدل ياقة قميصه وكان الانزعاج ظاهراً عليه بالرغم من برودة اعصابه.. توجه نحو المصعد وضغط على زر الطابق الأول من الشركة حيث كانت الردهة الواسعة فهو كان يريد الخروج لكي يستنشق بعض الهواء النقي عله ينسى رائحة عطر مريم التي علقت في انفه واسكرته.

اما في قسم برمجة التطبيقات والهندسة الإلكترونية فعادت مريم بوجه شاحب محبط ثم توجهت نحو مكتبها الصغير وجلست على كرسيها دون ان تقول اي شيء... أقتربت منها زميلتها ياسمين والتي كانت تكبرها بسنتين وقالت : طمنيني يا مريم.. ايه اللي حصل لما رحتي تتكلمي مع ادهم بيه ؟

رفعت مريم رأسها ببطء ونظرت الى ياسمين التي كانت قلقة بشأنها ثم تنهدت بقوة وقالت : محصلش حاجة.. هفضل اشتغل في مراجعة البيانات والمعلومات لغاية ما شهر المسابقة يعدي.

ياسمين : يعني مش هتشتركي معانا ؟

مريم : لا.. ادهم بيه استبعدني بعد الكلام اللي قلته في قاعة الاجتماعات.

فسألتها ياسمين معاتبة : طب انتي قلتي كدا ليه ، يعني كان ضروري تقولي الكلام دا ؟

وضعت مريم رأسها بين يديها وغرست اصابعها في شعرها واجابت بإحباط : وانا اعرف منين ان حاجة زي دي هتحصل ؟

فتنهدت ياسمين ثم ربتت على كتفها قائلة : طيب خلاص..متزعليش نفسك يا حبيبتي وان شاء الله كل حاجة هتبقى تمام.

تسارع في الاحداث................

مر اسبوعين على مريم وهي تعمل في مراجعة البيانات بينما كان زملائها المتدربين يصممون مواقعهم التجارية وكانوا متحمسين جداً للمسابقة التي لم يتبقى على انتهائها سوى اسبوع واحد... وخلال هذان الاسبوعين جمعتها الصدفة مع ادهم عدة مرات وفي اماكن مختلفة من الشركة ، ولكن اهم الاماكن كان المصعد حيث كانت تشعر بالرهبة كلما تواجدت معه هناك واحياناً كانت تُفضل استعمال سلالم الطوارئ لكي تتفادى مقابلته ولكن الأمر كان متعباً بالنسبة لها لذا خضعت للأمر الواقع وعادت تستقل المصعد .

وكلما كانت تقابله هناك كانت تحني رأسها وتقف في الزاوية دون ان تقول اي شيء بينما كان هو يَدّعي عدم الاهتمام لوجودها ولكن العكس صحيح...لان رائحة عطرها كانت تفقده عقله واصبحت كالأدمان بالنسبة له خصوصاً عندما يتواجد معها في المصعد حيث ان المكان مغلق مما جعله يصبح عصبياً جداً وكان يعود الى المنزل والانزعاج جلياً على وجهه ؛ لانه ادرك بأن هنالك شيء في هذه الفتاة يجذبه اليها غير رائحة عطرها ولاحظ افراد عائلته تغيره وانزعاجه لهذا كانوا يتفادونه خشية من غضبه المدمر .

وذات يوم.......

كانت مريم تريد مغادرة الشركة بعد ان انتهى دوامها حيث انها كانت تغادر قبل زملائها لان عملها كان مختلفاً عن عملهم الذي يتطلب الكثير من الوقت...فتوجهت نحو المصعد في تمام الساعة الخامسة مساءً وكانت تدعو الله في سرها بأن لا تقابل ادهم هناك ؛ ضغطت الزر ووقفت تنتظر نزول المصعد وما ان نزل وفُتح الباب حتى خاب املها لانه كان فيه بالفعل وكان يعبث بهاتفه بكل هدوء فابتلعت ريقها ثم دلفت الى الداخل بصمت وارادت ان تضغط زر الطابق الأول ولكنه كان مضغوط بالفعل... سحبت يدها ثم اعادت خصلة من شعرها ووضعتها خلف اذنها بتوتر شديد ، اما هو فبدأت نبضات قلبه ترقص وتتضارب بداخله حيث ان كل حركة كانت تصدر عنها كانت تسبب له الجنون... اغلق هاتفه ووضعه في جيبه ثم اغمض عيناه ومسح وجهه براحة يده محاولاً تهدئة نفسه لان الوضع بالنسبة له اصبح خطيراً فهو وبالرغم من قوة شخصيته وبرودة اعصابه الا ان هذه الفتاة كادت ان تجعله يفقد عقله بحركاتها البريئة ورائحة عطرها التي تشبه " رائحة الفانيليا المثيرة " والتي تُعد واحدة من أفضل الروائح التي تجذب الرجل وذلك لأنها مثيرة للشهوة حيث انها ناعمة وقوية في نفس الوقت .

- وما زاد الطين بلّة هو تعطل المصعد في تلك الاثناء فعلقا بداخله ما بين الطابق الرابع والطابق الثالث ... وفي تلك اللحظة سيطر الخوف على مريم التي سألت بهلع : في ايه ؟

فنظر ادهم الى سطح المصعد وقال : الظاهر ان الاصنصير وقف واحنا علقنا هنا .

مريم : ايه !

ضغط ادهم على زر الطوارق ثم اخرج هاتفه من جيب سترته واراد ان يتصل بأحدهم ولكن لسوء الحظ لم يكن هنالك تغطية لذا رمى الهاتف على الارض بقوة مما جعل الفتاة ترتعد خوفاً عندما فعل ذلك وقال بانزعاج : ودا وقتك انت كمان !

قال ذلك ثم اعاد شعره الى الخلف ووضع يديه على خاصرته ، اما هي فاخرجت هاتفها من حقيبتها ولكن النتيجة كانت نفسها " لا توجد تغطية " فاقتربت من لوحة المفاتيح الخاصة بالمصعد وبدأت بالضغط على زر الطوارئ مراراً وتكراراً وهي تقول بصوت عالٍ : في حد هنا ، ساعدوناااا ....احنا علقنا !
ثم بدأت تضرب على باب المصعد لكي يسمعها احدهم وهي تكرر ما قالته ولكن لا حياة لمن تنادي فبدأت تبكي ، اما ادهم فلم يكن يتوقع ان شيئاً كهذا قد يحدث وخصوصاً في شركته المتطورة وما ازعجه اكثر هو تواجده مع هذه الباكية التي سلبته عقله برائحة عطرها حيث كان يثمل لمجرد التواجد معها لدقائق قليلة في المصعد فكيف سيتحمل فكرة انه عالقاً معها وفي نفس المكان وقد يستغرقان وقتاً حتى يخرجان ؟

وبعد ان فكر بذلك ضرب جدار المصعد بيده وبكل قوته قائلاً : اشتغل بقى !

ولكن بفعلته تلك تسبب في انقطاع التيار الكهربائي فاصبح المكان مظلماً مما جعل الرعب يتسلل الى قلب مريم التي صرخت بأعلى صوتها وتعالى صوت بكائها الامر الذي زاد من توتر ادهم لذا اخرج هاتفه الاحتياطي لينير المكان ثم نظر إليها وقال : اسكتي شويه ...مفيش داعي للخوف.

ولكنها لم تمتثل لطلبه واستمرت بالبكاء كما لو انها طفلة فصرخ بها بصوت اشبه بـِ زئير الأسد : اكتمي بقى !!

سكتت رغماً عنها واخذت تشهق بخوف اما هو فاخذ تنفسه يتسارع اكثر فأكثر وبدأ صدره يعلو ويهبط من شدة التوتر واصبح كالمخمور تمامًا بسبب رائحة الفانيليا المنبعثة منها في ارجاء المكان .. وبالرغم من ذلك استطاع ان يسيطر على هدوء اعصابه والتفت نحوها ليجدها جالسة في الزاوية تضم قدميها وتبكي بصمت من شدة الخوف ؛ اقترب منها ثم انحنى قليلاً وسلط ضوء الهاتف عليها قائلاً بصوت رزين : اسمعي اللي هقولك عليه كويس...لو عايزه تخرجي من هنا يبقى تنفذي اللي هطلبه منك تمام.

رفعت رأسها ونظرت اليه بعيونها الباكية وبالرغم من الظلام الا انه استطاع ان يرى قسمات وجهها فقالت بتلعثم : ا.. ارجوك طلعني من هنا.

قال بجدية : هطلعك بس بطلي تعيطي الاول لان العياط مش هيجيب نتيجة غير انك هتوجعيلي دماغي .

فمسحت مريم دموعها بينما اضاف هو قائلاً : ودلوقتي امسكي الموبايل ودوريه ناحية باب الأصنصير وانا هاحاول افتحه تمام.

- أومأت له برأسها ثم نهضت وامسكت هاتفه وفعلت ما طلبه منها ، فخلع سترته ورماها ارضاً ثم رفع اكمام قميصه وبدأ في محاولة فتح باب المصعد ولكن دون جدوى ، لذا صب جام غضبه عليه واخذ يضربه بقدمة بكل ما يمتلك من قوة زارعاً الفزع في نفس مريم التي نزلت دموعها مجدداً فهي فكرت بلحظة خوف أنها ستعلق في ذلك المصعد إلى الابد ولن تتمكن من رؤية شقيقتها الصغرى بعد اليوم .

لذا جلست في الزاوية وهي لا تملك لا حول ولا قوة كما ان ادهم استسلم للأمر الواقع ثم جلس ايضاً بالزاوية الاخرى سانداً ظهره على جدار المصعد وامسك سترته ثم اخرج علبة سجائره الفاخرة واشعل سيجارة متجاهلاً التنبيه الموجود في المصعد والذي ينص على عدم التدخين... فشع ضوء سيجارته في الظلام الممزوج بضوء الهاتف واخذ ينفخ الدخان من فمه وكان يبدو متوتراً للغاية... اما هي فتحسست من رائحة الدخان وبدأت تسعل لذا قالت بصوت مرتجف : ارجوك...ينفع تطفي السيجارة ، انا عندي حساسية من الدخان ومقدرش اشم ريحته ابداً .

تجاهل ما قالته واخذ نفساً عميقاً من سيجارته ثم نفث الدخان وقال بصوت هادئ : مش عايز اسمعلك نفس لغاية ما نخرج من الورطة السودة دي انتي سامعة ؟

التزمت الصمت بعد قوله ذاك وحاولت منع نفسها عن السعال ولكنها لم تستطيع ؛ في الواقع لقد اشعل السيجارة حتى تخفف رائحة الدخان من تأثير رائحة عطرها التي ادمنها بالفعل كما انه اشعلها لكي تساعده على التخفيف من شدة توتره...فجلسا بصمت لمدة خمس دقائق وفجأة عاد النور مجدداً فنظرا الاثنان الى السطح ثم نهض هو اولاً ورمى سيجارته على ارضية المصعد وداس عليها ليطفأها ، اما هي فنهضت ايضاً وبدأت تضغط على زر الطوارئ قائلة بلهفة : حد سامعني ، في ناس علقانيين هنا !

وما هي الا ثواني حتى تحرك المصعد مجدداً فشعرت مريم بقلبها يهوي اما ادهم فانحنى والتقط سترته التي رماها على الارض ونفضها من الغبار ثم ارتداها مجدداً والتفت نحو المرآة ليرتب شكله ، وعندما فُتح باب المصعد في الطابق الثالث وجدوا امامهم فريق الصيانة الخاص بالشركة فتوتر الفريق عندما رأوه وسألهما احد الرجال : انتوا كويسين يا فندم ؟

خرج ادهم من المصعد قبل مريم كما لو انه بركان ثائر ، وصرخ بوجه الموظف قائلاً : انت وكل فريق الصيانه بتاعك مرفودين !

قال ذلك ثم توجه نحو مخرج الطوارئ استخدم السلالم لينزل الى الاسفل بنوبة عصبية ... اما مريم فتنفست الصعداء لان تلك الفترة المرعبة قد مرت على خير استخدمت السلالم ايضاً لتنزل ولكنها نظرت إلى يدها ووجدت هاتف ادهم الاحتياطي كان ما يزال معها لذا ركضت لتلحق به وبالفعل استطاعت ان توقفه في ردهة الشركة بقولها : ادهم بيه ، استنى من مفضلك.

التفت اليها وقد عاد الى بروده المميت وبدون ان يقول اي شيء تقدمت نحوه وهي تلهث جراء ركضها على السلالم ثم قالت بصوت متقطع : انت... نسيت... الموبايل بتاعك معايا يا فندم .

قالت ذلك ثم مدت يدها لتعطيه هاتفه فتنهد ثم اشتلف الهاتف من يدها وبعدها غادر دون ان ينبس بحرف واحد .. وقفت تحدق به بغير تصديق ثم قالت : ايه الراجل الغريب دا ، لسه من شوية كان متعصب وشبه البركان اللي هينفجر في اي لحظة ودلوقتي رجع جبل التلج مرة تانيه .. اما راجل عجيب.

اما في سيارة ادهم فكان يقودها بسرعة وهو يركز على الطريق امامه ولكنه كان يفكر بمريم وبالوقت القصير الذي قضاه معها في المصعد وكيف كانت خائفة وكيف اخافها بصراخه عليها وكيف اثارته رائحة عطرها...فضرب المقود بيده وصرخ قائلاً : الله يحرقك.. اطلعي من دماغي بقى !!

قال ذلك ثم نظر إلى هاتفه الذي كان على المقعد بجانبه فانزعج ثم امسك به ورماه من النافذة وبعدها مسح وجهه براحة يده ولكن رائحة عطر مريم التي كانت عالقة في الهاتف قد انتقلت الى يده لذا إنعطف بسيارته يميناً ثم اوقفها بجانب الطريق وقرب يده من انفه قائلاً : ازي انتقلت ريحة پارفان البنت دي على ايدي ؛ انا حتى مقربتش منها ولا لمست ايدها يبقى ازاي بقت ريحة ايدي زي ريحة الپارفان بتاعها ؟

فاخذ يفكر قليلاً ثم ادرك ان الهاتف هو السبب فتنهد بقوة واخرج من جيب السيارة زجاجة عطره الفاخرة والتي كانت من اشهر الماركات ثم رش قليلاً منها على يده ليخفي اثر رائحة عطر مريم وبعدها اعادها الى مكانها في جيب السيارة ومن ثم شغل المحرك وهم بالمغادرة ، وما هي الا مدة زمنية معينة قد مرت حتى وصل الى منزل عائلته الذي كان اشبه بالقصر.... فُتحت البوابة الرئيسية بطريقة إلكترونية ليدخل الى " الكراج " وبعدها ترجل من سيارته حتى دون ان يلقي التحية على ذلك الرجل البدين الذي قال له : اهلاً يا ابني .

فدخل بنوبة غضبه الى المنزل اما الرجل فقال : لا حول ولا قوة إلا بالله...ربنا يهدي سرك يا ادهم يبني.

- كان ذلك الرجل هو نفسه العم محمود الذي عمل مع زوجته امينه في منزل عائلة السيوفي لمدة ثلاثين سنه حتى ان اولاده سمير ووفاء قد كبروا في ذلك المنزل ؛ وفي الداخل دلف ادهم بعصبية وصعد الى غرفته دون ان يتحدث مع اي احد من افراد اسرته اللذين كانوا جالسين في غرفة المعيشة يشربون الشاي ، فقالت امه السيدة كوثر : وبعدين مع الحالة دي ، الولد دا زودها اوي !

اما اخته رغد فقالت : نفسي اعرف ايه هو السبب اللي بيخليه يرجع البيت متعصب كدا كل يوم.

اجابتها سلوى زوجة معاذ : جايز عنده مشاكل في الشغل يا رغد.

فقال معاذ : وهو الشغل يبقى فيه مشاكل كل يوم ، اكيد في سبب تاني واحنا لازم نعرفه .

في غرفة ادهم....

دخل الغرفة ثم اغلق الباب ورمى سترته على الاريكة وبعدها رمى نفسه على السرير مغمضاً عيناه بشدة محاولاً ان يجمع شتات نفسه... ولكن ليس لوقتاً طويل فبينما كان على تلك الحال سمع احدهم يطرق باب غرفته فقال بصوت منزعج : مش عايز اشوف حد دلوقتي.

أتاه صوت شقيقه الاصغر سناً " معاذ " حيث قال من خلف الباب : ادهم افتح الباب.. في حاجة مهمة حصلت وانت لازم تعرفها.

فتح ادهم عيناه ثم نهض عن سريره وتوجه نحو الباب ثم فتحه بقوه قائلاً : عايز ايه يا معاذ ، انا معنديش مزاج اكلم اي حد دلوقتي علشان كدا سيبني في حالي .

فتنهد معاذ ونظر اليه قائلاً : مش انا اللي عايز يا ادهم .. دا كمال.

قال ذلك واشار إلى الهاتف بيده ثم اضاف : هو عايز يكلمك بس انت مبتردش على الموبيال بتاعك علشان كدا اتصل بيا وقال ان في مشكلة حصلت معاه في اميركا .

في تلك اللحظة تذكر ادهم ان كمال سافر إلى اميركا منذ اسبوع لكي يشرف على بعض الاعمال في فرعهم الذي هناك وقد اعتمد عليه بفعل ذلك فقال بتذمر : اهو كدا كملت .

ثم اخذ هاتف شقيقه واجاب قائلاً : ايوا يا كمال ؟

فقال كمال : انت فين يا ادهم ، بقالي ساعة بتصل عليك بس موبايلك خارج الخدمة وكمان الموبايل التاني مقفول.

تنهد ادهم وسأله : في ايه ؟

كمال : احنا في مشكلة يا ادهم... وانت لازم تيجي هنا فوراً .

ادهم : ايه اللي حصل ؟

كمال : في شركة امريكية بتقول ان فرعنا اللي هنا سرق الموقع بتاعهم ورفعوا علينا دعوة علشان كدا انت لازم تيجي بسرعة.

ادهم : طيب متقلش... انا هطلع في اول طيارة .

كمال : تمام وانا هستناك .

- ثم انهى ادهم المُكالمة مع كمال واخذ يسجل رقماً في هاتف معاذ الذي سأله بقلق : في ايه يا ادهم ؟

فاشار له بأصبعه لكي ينتظر ثم وضع الهاتف على اذنه وما هي الا ثواني حتى قال : سلمى... احجزيلي تذكرة على اول طيارة رايحه نيويورك الليلة دي.

سلمى : في حاجة حصلت يا فندم ؟

ادهم : اعملي اللي طلبته منك بدون اسئلة ... ولما تحجزي التذكرة اتصلي على الموبايل دا علشان تقوليي ايه اللي حصل اه وكمان عايزك تجيبلي موبايل جديد بنفس رقم موبايلي .

سلمى : حاضر.

ثم اغلق الهاتف واعاده لاخيه فسأله الاخير : انت هتسافر يا ادهم ؟

فاجابه ادهم وهو يتجه نحو خزانته قائلاً : ايوا...ومعرفش هقعد هناك قد ايه علشان كدا انت هتبقى راجل البيت في غيابي مفهوم ؟

معاذ : متقلقش...يبقى انا هسيبك توضب شنطتك دلوقتي.
قال ذلك ثم خرج من غرفة اخية الاكبر الذي فتح حقيبة السفر وبدأ يضع ملابسه فيها قائلاً : اهي السفريه دي جت فرصة لحد عندي علشان اتخلص من شوفة البنت اللي اسمها مريم دي ... جايز لو بعدت عنها شوية وقت مش هتأثر عليا تاني واكيد هرتاح بعد كدا .

تسارع في الاحداث.........

سافر ادهم الى اميركا حيث كان ابن خاله كمال وبقي هناك لمدة اسبوعين يحل القضية العالقة بين فرع شركته وبين الشركة الامريكية التي ادعت انهم سرقوا احد مواقعها الالكترونية ، اما مريم فكانت على حالها حيث كانت تعمل في مراجعة بيانات السوق الاكتروني ولكنها افتقدت رب عملها الذي اختفى فجأة... فهي لم تراه منذ اخر لقاء جمعها به عندما علقت معه في المصعد لذا انتابها الفضول حول موضوع غيابه عن الشركة لمدة اسبوع كامل وهو الرئيس التنفيذي الذي لا يمكنه التغيب ابداً .

ومن جهة أخرى كان زملائها المتدربين قد انتهوا من تصميم مواقعهم حيث ان الشهر المحدد لتلك المسابقة قد انتهى بفوز "محمود ياسين" البالغ من العمر 25 عاماً حيث انه صمم موقع تجاري إلكتروني متخصص في بيع ادوات التنظيف المنزلية وكان معظم زبائن الموقع نساء وربات بيوت مصريات ، وقد انتظر مدير القسم الذي يعمل به عودة ادهم من اميركا لكي يوافق على امر انظمام الموقع الجديد الى المواقع الرئيسية في الشركة.

وبعد غياب دام لمدة اسبوعين وثلاثة أيام عاد كل من ادهم وكمال الى مصر بعد فوزهم في القضية حيث ان شركتهم قد اظهرت الادلة والبراهين التي تؤكد أن الموقع الإلكتروني خاص بهم ولم يسرقوه من اي شركة كما ان ادهم طالب تلك الشركة المدعية بتعويض عن محاولتها لتشويه سمعتهم فامتثلت المحكمة الأمريكية لطلبه وقامت بإصدار حكم على الشركة المُدعية وهو ان تدفع مبلغ بقيمة 500،000$ لشركة رويال.

وفي مطار القاهرة الدولي ... كان سمير ابن العم محمود وسائق ادهم ينتظره في المطار ، وفور نزول هذا الاخير وكمال من الطائرة توجها نحو السيارة حيث قام الشاب بأخذ حقائبهما ووضعها في صندوق السيارة ثم فتح الباب الخلفي ليصعد ادهم اولاً وبعده كمال ومن ثم ركض وصعد في مكانه امام المقود قائلاً : نروح بيت كمال بيه الاول ولا ايه يا ريس ؟

اجابة ادهم وهو يفك ربطة عنقه : ودينا الشركة يا سمير.

فنظر كمال اليه وسأله بتعجب : معقول انت ؛ عايز تروح الشركة على طول كدا حتى قبل ما تستريح ؟!

فقام ادهم بفك اول زرين من قميصه ليسمح للهواء ان يدخل الى عنقه ثم قال : عندي شغل مهم لازم اعمله قبل كل حاجة.

{ يقصد التأكّد ان كانت مريم ستؤثر عليه بعد هذه الغيبة ام انه قد تجاوز الامر بالفعل }

فنظر كمال إلى ساعة يده وسأل : شغل ايه دا اللي هيخليك تروح الشركة الساعة 14:00 حتى قبل ما تغير هدومك ؟

ادهم : متشغلش نفسك انت في الموضوع دا.

كمال : بس كدا هتعب نفسك يا ادهم ، يعني جسمك مش حجر وجايز تنهار لو فضلت تشتغل طول الوقت...وبعدين مش كفاية انك مكنتش بتنام زي بقية الخلق لما كنا في نيويورك ليه عايز تعذب نفسك ؟

فنظر ادهم اليه واردف : متخفش عليا يا كمال... انا هروح الشركة لمدة ساعة وحدة وبعد كدا هرجع البيت علشان استريح .

فتنهد كمال بأستسلام وقال : والله مش عارف اقولك ايه ، على العموم انت عارف مصلحتك اكتر مني.

فتنهد ادهم ايضاً واستطرد : يلا اطلع يا سمير.

سمير : حاضر يا فندم.

ثم ذهبوا الى الشركة بالفعل فنزل ادهم من السيارة ونظر إلى كمال قائلاً : هقابلك بكرا.

كمال : اوك .

ادهم : سلام دلوقتي.

قال ذلك ثم توجه نحو ردهة الشركة اما كمال فقال لسمير : معليش هتعبك معايا.

رد سمير بسرعة : العفو يا فندم ، دا واجبي.

قال ذلك ثم شغل محرك السيارة وقادها متوجهاً الى منزل كمال... اما ادهم فاخرج نظارته الشمسية من جيب سترته ووضعها على عيناه وبعدها عَدّل سترته وتوجه الى داخل الشركة وهو يقول في نفسه : هنشوف دلوقتي لو كنتي هتأثري عليا ولا لا يا مريم هانم .

في تلك الاثناء كانت استراحة الغداء في الشركة فكانت مريم جالسة مع زملائها الشباب في الكافيتريا ولكنها كانت شاردة الذهن ، اما الهام فقالت : يا بختك يا محمود....دلوقتي مُرتبك هيزيد والموقع بتاعك هيبقى من ضمن المواقع التجارية الرئيسية في الشركة.

فضحك محمود واردف : متزعليش نفسك يا الهام اكيد انتي هتفوزي في المرة الجاية لانك جيتي في المرتبه التانيه والفرق بيني وبينك كان زبون واحد مش اكتر.

اما سليمان فقال : مش مهم مين اللي فاز يا جماعة المهم اننا خدنا فرصتنا وصممنا مواقع الكترونية تجارية في شركة رويال العالمية ودا لوحده انجاز عظيم.

اسيل : سليمان عنده حق... ولا انتي رأيك ايه يا مريم ؟

ولكن مريم لم تجيبها فنظر الجميع اليها وسألتها الهام : مريم.. مريم انتي معانا ؟

نظرت مريم اليهم قائلة : ها... قولتوا حاجة ؟

فقال سرحان : لا دي باين عليها مش معانا خالص.

الهام : مالك يا مريم ، بتفكري في ايه ؟

فتنهدت مريم وقالت : مش ملاحظين حاجة غريبة يا جماعة ؟
ياسمين : حاجة غريبة زي ايه يعني ؟

وارادت ان تتحدث ولكنها لمحت ادهم ماراً في طريقه نحو المصاعد فهبت واقفة بسرعة وقالت : هقولكوا بعدين... سلام دلوقتي.

ثم ركضت حتى تدركه اما زملائها فاستغربوا من امرها وقالت الهام : جرالها ايه دي ، هروح اشوفها.

فقالت اسيل : سبيها يا الهام... جايز انها حست نفسها منبوذة لاننا كنا بنتكلم عن المسابقة واحنا فرحانين بانجازاتنا بينما هي مقدرتش تشترك معانا لان ادهم بيه استبعدها في الاجتماع اللي حصل قبل شهر.

فتنهدت الهام وقالت : طيب هسيبها لوحدها .

عند مريم...

كانت تركض حتى وصلت الى منطقة المصاعد وكما توقعت تماماً... فكان ادهم هناك واقفاً امام باب المصعد ينتظر نزوله وهو يضع نظارته الشمسية... ولا تعلم لما شعرت بالراحة عندما رأته بعد غياب دام لمدة اسبوعين وثلاثة ايام... فاخذت نفساً عميقاً ثم توجهت نحوه بخطوات ثابتة ولكنها كانت متوترة جداً ومع ذلك وقفت بجانبه تنتظر نزول المصعد ايضاً.

في تلك اللحظة شعر ادهم بها فوراً حيث ان رائحة ذلك العطر التي عانى كثيراً حتى ينساها عادت لكي تسكره مجدداً فالتفت اليها بسرعة ونزع نظارته لينظر اليها جيداً وكأنه يريد ان يتأكد ان كانت هذه الواقفة بجانبه هي مريم مراد التي ادمن رائحة عطرها ام لا ، وعندما رأها واقفه بجانبه وهي تحني رأسها وتفرك يديها ببعضهما تعبيراً عن توترها اغمض عيناه بشدة وتنهد بقوة وقد عادت مشاعره المضطربة مجدداً كما ان نبضات قلبه بدأت تتسارع وكأن المدة التي قضاها في نيويورك لم تساعده ابداً بل على العكس تماماً حيث كانت رؤيتهُ لها هذه المرة اقوى من اي وقت والادهى من ذلك انه شعر بشوق كبير لها.

اما هي فكان حالها لا تختلف عن حاله كثيراً حيث انها ادركت بأنه ينظر اليها ولكن لا تعلم لما تزعجه رؤيتها لذا فضلت ان تصمت حتى لا توتر الجو اكثر.. وسرعان ما نزل المصعد فصعد ادهم قبلها ووضع نظارته مجدداً ، اما هي فترددت من الدخول لانها لم تستعمل المصعد ابداً منذ اخر مرة علقت فيها معه مما جعله يدرك انها خائفة من ان يتكرر ما حدث فقال بصوته الهادئ : متخفيش..اللي حصل مش هيتكرر تاني.

نظرت اليه لمدة ثواني وسرعان ما اخفضت بصرها ودخلت الى المصعد ثم ضغطت زر الطابق الرابع حيث كانت تعمل اما هو فضغط زر الطابق الاخير حيث كان مكتبه ، واثناء رحلتهما في المصعد اندلعت النيران داخل قلبه بسبب رائحة عطر الفانيليا التي كانت تضعه مريم وبالكاد منع نفسه عن احتضانها فقد عاد ليدمن على تلك الرائحة الجميلة التي عانى كثيراً ليتخلص من تأثيرها خلال المدة التي قضاها في الغربة .

- توقف المصعد في الطابق الثاني وصعد به احد الموظفين فألقى على ادهم التحية وردها له الاخير بهزة ارستقراطيه من رأسه ، ودام الصمت حتى توقف المصعد مجدداً في الطابق الرابع... نزل الموظف اولاً وارادت مريم ان تنزل ايضاً ولكن ادهم امسك بذراعها فجأة وضغط على زر اغلاق الباب بينما نظرت هي اليه بذهول .

يتبع........
توقف المصعد في الطابق الثاني وصعد به احد الموظفين فألقى على ادهم التحية وردها له هذا الاخير بهزة ارستقراطيه من أسه ، ودام الصمت حتى توقف المصعد مجدداً في الطابق الرابع... حيث نزل الموظف اولاً و أرادت مريم ان تنزل ايضاً ولكن ادهم امسك ذراعها فجأة وسحبها الى الداخل ثم ضغط على زر اغلاق الباب الامر الذي صدمها فنظرت اليه بتوتر شديد وهو يضغط على ذراعها منتظراً باب المصعد حتى يُقفل .
وما ان تحرك المصعد صعوداً الى الاعلى حتى افلت يدها ببطء دون ان يعطيها تبريراً لما فعله وكأنه لم يفعل شيئاً ولم يمسك يدها ويمنعها من الخروج ، فنظرت اليه بعيون تملؤها التساؤلات ورمشت عدة مرات ثم سألته بتلعثم : ل.. ليه عملت كدا ؟
نظر إليها بدوره ودقق النظر بها جيداً مما جعلها ترتبك ثم سأل ببرودة أعصاب : عملت ايه ؟؟
فقالت : ليه منعتني اخرج ؟
أسند ادهم ظهرة على مرآة المصعد وكتف ذراعيه قائلاً : هتعرفي لما نوصل مكتبي.
بعد تلك الجملة توترت مريم كثيراً وتساءلت قائلة : وانا هعمل ايه في مكتب حضرتك؟
فنظر اليها بنظرة فاحصة ثم اردف بسخرية : متخفيش... انا مش بعض ودلوقتي اسكتي لغاية ما نوصل.
قال ذلك ثم اغمض عيناه وهو سانداً ظهره الى جدار المصعد ، اما هي فسيطر عليها التوتر وقالت في نفسها : يا ترى عايز مني ايه ؟
- في الحقيقة ادهم ابقاها في المصعد ليتأكد ان كانت ستؤثر عليه اكثر اما لا ، وبالفعل كانت قد اسكرته تماماً... ليس برائحة عطرها الساحرة فقط بل كل شيء فيها كان يثير جنونه... طولها الذي ينتهي الى حد صدره وشعرها البني المموج كأمواج البحر وسمرة بشرتها التي تشبه لون القمح ولون عيونها العسلي البراق كلنجوم وشفتيها المرسومتين وجسدها المنحوت ... بأختصار كلها على بعضها كانت تعجبه واصبحت " السل " الذي يفتك بقلبه ويشغل تفكيره لليل نهار .
وما ان وصل المصعد إلى الطابق الاخير من الشركة حتى قال دون ان ينظر إليها : تعالي ورايا.
ثم خرج قبلها ، اما هي فأزدردت ريقها واخذت نفساً عميقاً وبعدها لحقت به إلى مكتبه حيث نهضت السكرتيرة سلمى عندما رأته وقالت بدهشة : ادهم بيه !
فقال لها : سلمى ...مش عايز اي ازعاج .
ردت سلمى : حاضر يا فندم.
قالت ذلك ونظرت الى مريم ثم سألتها بخشونة : انتي بتعمليه ايه هنا ، انا مش قولتلك قبل كدا مش مسموح لاي حد من الموظفين يجي هنا ؟
أرادت مريم ان تتحدث ولكن ادهم سبقها بقوله : انا طلبت منها تيجي.
قال ذلك ثم نظر إلى مريم التي ارتبكت من نظرته الحادة واضاف بنبرة امر : تعالي ورايا.
وبعد أن قال ذلك دخل إلى مكتبه الفاخر ، اما مريم فشعرت بثقل في قدمها ولا تعلم لما شعرت بالرهبة منه بالرغم من كونه انساناً عادياً وليس وحشاً الا انها كانت تهابه كثيراً حتى أكثر مما كانت تهاب والدها الراحل... تقدمت نحو باب المكتب بخطوات مرتبكة وهي تفرك يديها وبعدها دخلت ووقفت سلمى تحدق بباب المكتب المغلق بنظرات تملؤها التساؤلات ثم سألت نفسها : هو في ايه ؟
في مكتب ادهم......
جلس على كرسيه الجلدي بكل راحة خلف طاولة مكتبه المستطيلة بينما وقفت مريم على بعد مترين منه وهي متوترة... وما زاد توترها أكثر هو الهدوء المميت إذ ان الرجل لم يقل اي شيء بل اخرج علبة سجائره الفاخرة من جيب سترته واشعل سيجارة واخذ يشعلها بكل استرخاء وبعد ذلك وجه نظره اليها بينما كانت تتلفت حولها وتنظر في ارجاء المكتب حيث كان كل شيء فيه ثميناً جداً ابتداءً من المقاعد المصنوعة من الجلد الطبيعي الى الطاولة الزجاجية والخزانة الضخمة المليئة بالملفات المهمة .
سحب نفساً عميقاً من سيجارته وهو ينظر اليها وبالكاد منع نفسه من الانقضاض على شفتيها وينهال عليهما بالتقبيل ، ثم نفخ الدخان من فمه وقال بصوته الوقور : اقعدي .
فنظرت مريم اليه ثم رمشت عدة مرات وقالت : ح.. حاضر.
بعدها جلست امامه على الكرسي وكانت تبدو متوترة للغاية لذا احنت رأسها ، فأتاها صوته قائلاً : تعرفي انجليزي ؟
نظرت اليه وقالت : افندم !
ادهم : تعرفي تكتبي انجلش ؟
مريم : ا... ايوا .
ادهم : هايل .
قال ذلك وهو ينفخ الدخان.. ثم اظاف بنبرة عملية : دلوقتي هديكي مهمة علشان اختبر قدراتك ولو نجحتي هتبقى السكرتيرة بتاعتي .
في تلك اللحظة نهضت مريم وسألت باندفاع ودهشة : عايزني انا ابقى السكرتيرة بتاعتك ؟!
رفع ادهم احد حاجبيه ثم اسند ظهره إلى كرسيه وقال وهو ممسكاً بسيجارته : عندك اعتراض ؟
فعادت مريم لتوترها وقالت بتلعثم : ب.. بس حضرتك عندك سكرتيرة واكيد عندها خبرة اكتر مني وانا تخصصي برمجة وهندسة اليكترونية يعني مفهمش في شغل السكرتارية ابداً .
أطفأ سيجارته ونظر اليها بجمود ثم اردف : انا عارف دا كويس ومش محتاج انك تفكريني فيه وبالرغم من دا كله انا عايزك تبقى السكرتيرة بتاعتي.
قال ذلك وكأنه يأمرها بأن تصبح سكرتيرة ولا تمتلك مجالاً للرفض فعقدت حاجباها وقالت : في 500 موظف غيري في الشركة ، ممكن اعرف ليه اخترتني انا من بينهم كلهم ؟
في تلك اللحظة نهض ادهم من مكانه قائلاً : مش لازم تعرفي ، ابتداءً من بكرا المكتب اللي برا دا هيبقى مكتبك وخلي بالك انا ما بحبش الغلط ابداً .
مريم : بس...
فقاطعها بقوله : سلمى هتعلمك الشغل وبما انك ذكية اكيد هتتعلمي بسرعة.
قال ذلك ثم ضغط على زر استدعاء السكرتيرة فدخلت سلمى قائلة : امرك يا فندم.
فنظر اليها وقال : سلمى انتي من بكرا هتبقى سكرتيرة كمال لان مريم هتاخد مكانك وهتبقى السكرتيرة بتاعتي.
أتسعت عينا سلمى بعد ذلك الخبر وقالت : بس يا بيه....
فقاطعها بقوله : مش عايز اتناقش في الموضوع دا .. انتي هتعلميها ازاي تبقى سكرتيرة ادهم عزام السيوفي ومش عايزك تفوتي اي حاجة مفهوم ؟
فأحنت سلمى رأسها وقالت مرغمة : حاضر يا فندم.
اما مريم فاعترضت قائلة : قولتلك انا تخصصي برمجة ما ينفعش ابقى سكرتيرة !
رد عليها ادهم : هتتعلمي...انا دلوقتي اديتك فرصة ذهبية وفي مليون بنت بتتمنى انها تكون مكانك علشان كدا استعملي ذكائك واستغلي الفرصة دي .
قال ذلك ثم اظاف : سلمى... انتي تقدري تطلعي دلوقتي.
سلمى : حاضر ، عن اذنكوا.
قالت ذلك ثم خرجت من المكتب وكانت حزينة لان ادهم استغنى عنها... اما مريم فنظرت اليه وهو يتوجه نحو كرسيه ليجلس مجدداً وقالت : طب انا مطلوب مني ايه دلوقتي ، حضرتك قلت هتديني مهمة ولو نجحت فيها هبقى السكرتيرة بتاعة حضرتك .
فجلس ادهم ثم اشار لها بيده لكي تجلس وبعدها قال بهدوء مميت : انا هتكلم بالانجليزي وانتي هتكتبي اللي هقولك عليه.. ومش عايز اي غلطة لان اللي هقوله دلوقتي دا يبقى جواب هتبعتيه في البريد الإلكتروني لفرعنا اللي في اميركا.
مريم : طب ليه التعب دا كله ما حضرتك تقدر تبعته بنفسك.
وبعد قولها ذاك رمقها ادهم بنظرة باردة جعلت مفاصلها ترتعد خوفاً فابتلعت ريقها ونظرت إلى الاسفل بينما اردف هو بجمود : نفذي اللي بطلبه منك وانتي ساكته... وخلي بالك انا ما بحبش الرغي ابداً يعني من دلوقتي تقللي كلامك ومتقوليش اي حاجات ملهاش لازمة.
أومأت مريم رأسها بنعم وهي تنظر إلى الارض ولا تعلم لما خافت وسمحت له بأن يكون المسيطر عليها ... هي فقط وافقت على ان تكون سكرتيرته لئلا تخسر عملها مع العلم انها تعبت كثيراً حتى استطاعت ان تجد ذلك العمل... اما هو فكان همه الوحيد ان يبقيها قريبة منه حيث ادرك انه واقع في حبها تماماً من راسه حتى اخمص قدميه لذا قرر ان يعينها سكرتيرة لكي تبقى تحت نظره وقريبة منه جدا ً...فالسكرتيرة الخاصة ترافق رب عملها الى كل مكان يتعلق بالعمل وهو يقضي معظم وقته في الشركة حيث قابلها هناك ووقع في حبها من النظرة الأولى فأصبحت بالنسبة له كالمرض الذي يحرق جسده.... كان يعشقها حتى النخاع ويعشق كل شيء فيها ، شعرها الذي تمنى لو انه يغرس اصابعه فيه مرات عديدة ... جسدها الفتان الذي تمنى لو انه يسحقه بين احضانه... عطرها الذي سلبه عقله... شفتيها الورديتين اللتان حلم بتمزيقهما وهو يقبلها بشغف وعنفوان ... عيونها البراقة انفها الدقيق.. بأختصار عشق كل تفاصيلها .
اما هي فحالها لم يكن يختلف عن حاله كثيراً.... حيث انها كانت تدرك ان في داخلها مشاعر مضطربة تجاهه ، فهو وبالرغم من برودة اعصابة ووقاحته المميتة وعصبيته المرعبة التي تدب الرعب في النفوس الا انه كان وسيماً جداً في نظرها ورجل بكل ما تعنيه الكلمة ، فكانت تسعد عندما تراه وادركت انها تكن له بعض المشاعر بعد ان غاب عنها لمدة أسبوعين وثلاثة أيام وقد اشتاقت له كثيراً خلال الفترة التي غابها وفي الوقت ذاته كانت قلقه عليه جداً لانه اختفى فجأة وهي لم تكن تمتلك الشجاعة الكافية لكي تسأل عنه ، ولكن عندما عاد ابتسمت روحها من الداخل وشعرت بالارتياح عندما رأته سليماً معافى .
- فجلست بالقرب من طاولة مكتبه وامسكت ورقة وقلم وبدأت تكتب باللغة الإنجليزية ما كان ادهم يمليه عليها ؛ اما هو فكان يتحدث ويجوب المكتب ذهاباً وإياباً وعيناه لا تبتعدا عنها فهي كانت فاتنة بنظره في تلك اللحظة وهي تحني رأسها وتكتب بكل هدوء.
وبعد نصف ساعة.......
انتهى ادهم من املاء الكلمات وقال : دلوقتي هتكتبي الجواب دا في الاب توب وهتبعتيه في البريد الإلكتروني للفرع بتاعنا اللي في اميركا .
فنهضت مريم وهي تمسك الورقة التي كتبت عليها الرسالة ثم نظرت اليه وقالت : حاضر.
وبعدها ارادت ان تغادر فإوقفها بقوله : استني....
تجمدت مكانها قبل ان تفتح الباب لتخرج والتفتت اليه بتوتر ثم سألته : عايز حاجة تانية يا فندم ؟
فنهض ادهم من مكانه واقترب منها بخطوات ثابتة ثم قال بصوت هادئ : هتبعتيه من البريد الإلكتروني بتاعي .
قال ذلك ثم سحب الورقة من يدها بكل خفة وبعدها افسح لها مجالاً للعودة إلى حيث كانت طاولة مكتبة فأبتلعت ريقها ثم اعادت خصلة من شعرها ووضعتها خلف اذنها ولا تعلم انها فجرت بركاناً في قلب الرجل بعد حركتها تلك ؛ اغمض عيناه بشدة لمدة ثانية واحدة ثم لحق بها نحو طاولة المكتب وارادت ان تجلس في مكانها حيث كانت جالسة منذ برهة لكنه اوقفها بقوله : مش هنا... اقعدي مكاني.
فنظرت اليه بدهشة وقالت : افندم !
فقال : اقعدي مكاني كدا هيبقى الشغل اسهل عليكي .
ردت بسرعة : مايصحش حضرتك.
امرها بنبرة حاسمة : اعملي اللي بقولك عليه وانتي ساكته.
فقالت بتلعثم : ح... حاضر.
ثم توجهت نحو كرسيه وجلست مكانه بالفعل وكانت متوتره للغاية ، فرسم ادهم ابتسامة صغيرة على شفتيه عندما رأها جالسة مكانه ولكن سرعان ما عاد لبروده واردف : ودلوقتي تقدري تبتدي.
فنظرت اليه بعيونها البراقة وسرعان ما اشاحت نظرها عنه ورفعت شاشة حاسوبه المحمول ثم شغلته ولكن كانت تحتاج لوضع كلمة السر وطبعاً هي لم تكن تعرفها لذا نظرت اليه مجدداً وغمغمت بتلعثم : م.. من فضلك يا فندم ممكن تقولي ايه هو الباسوورد ؟
ولكن ادهم لم يجبها بل توجه نحوها ووقف خلفها ثم انحنى بجسده قليلاً حيث اصبح قريباً جداً منها لدرجة انها شعرت بأنفاسه الدافئة تلامس عنقها وصدره العريض لامس كتفيها وهو يكتب كلمة السر في حاسوبه ورائحة عطره الجذابة سكنت انفها فشعرت بان الارض تدور بها ؛ أنكمشت على نفسها وحاولت ان تسيطر على توترها بينما كان هو عكسها تماماً... اخذ يكتب كلمة المرور ببطء شديد لان قربها منه افقده عقله فبدأت دقات قلبه تتسارع واصبح تنفسه يثقل شيئاً فشيئاً ولكن بالرغم من ذلك استطاع كبح نفسه وابتعد عنها سائلاً : عايزه حاجة تانيه ؟
هزت له رأسها بالنفي لعدم قدرتها على النطق حيث ان لسانها قد عجز عن الكلام عندما كان قريباً منها فقال ببرود مصطنع : كويس.. انا هقعد على الكنبة اللي هناك دي ولو في حاجة مش فهماها اسأليني.
اومأت برأسها دليلاً ثم نظرت إلى الحاسوب بسرعة لكي تتجنب النظر إليه ، فتوجه نحو الأريكة بخطوات رزينه وفي داخله اعصار هائج...ثم خلع سترته وجلس بعيداً عنها لما يقارب العشرة امتار حيث ان مكتبه كان واسعاً للغاية بعكس باقي المكاتب التي كانت في الشركة ، قام بفك ازرار كميه ورفعهما وهو يقول في نفسه : اهدا يا ادهم...ما ينفعش تبقى ضعيف بالشكل دا...حتى لو كانت البنت دي حلوه اوي في نظرك وريحة الپارفان بتاعها جننتك ما ينفعش تعمل حاجة غلط لانك هتندم بعدين وجايز تخسرها .
وفي الجهة الأخرى كانت يد مريم ترتجف وهي تعمل على الكمبيوتر حيث انها كانت متوترة جداً خصوصاً بعد ان اقترب ادهم منها فقالت في نفسها : ما تفكريش فيه يا مريم... انتي هنا علشان الشغل وبس.
وبعد نصف ساعة....
انتهت مريم من كتابة الرسالة وارسالها في البريد الإلكتروني وقررت ان تغادر مكتب ادهم... اطبقت شاشة الكمبيوتر ثم نهضت ونظرت فوراً نحو الأريكة حيث كان مستلقياً عليها وهو يغط في نوم عميق ؛ في الحقيقة لقد كان يشعر بالتعب والإجهاد وما ان جلس على الاريكة حتى غلبة النعاس وسقط بالنوم الأمر الذي جعلها تندهش عندما رأته على تلك الحال لذا اقتربت منه بخطوات خفيفة خشية ان يستيقظ ثم وقفت تحدق به وهو نائم بينما كان يضع ذراعه اليمنى خلف عنقه واليسرى على صدره وكانت قسمات وجهه مسترخية مما جعله يبدو وسيماً لأبعد الحدود.
أبتسمت بعد ان رأته نائماً بهدوء فهو كان يبدو لطيفاً للغاية ولم تصدق ان هذا الذي امامها هو ادهم عزام السيوفي الملقب " بجبل الجليد " والذي يرعب الجميع بمجرد نظرة واحدة من عيناه ... وبدون ان تشعر انحنت تلقائياً على مستواه واخذت تتأمل قسمات وجهه بتمعن وتركيز كبير وكأن حياتها تعتمد على فعل ذلك ، ثم سمحت لنفسها بأن تلمس خده الأيمن بلطف وكأنها تحاول التأكد من شيء مهم للغاية وبعدها قالت بصوت خافت جداً ويكاد ان يُسمع : ادهم عزام السيوفي... اديك طلعت انسان عادي زينا ومش بتخوف زي ما بيقولوا عنك .
ثم سحبت يدها عن خده ببطء ونظرت إلى سترته التي وضعها جانباً فامسكتها وبعدها غطته بها ثم توجهت نحو باب المكتب وخرجت...وما ان خرجت حتى فتح ادهم عيونه ثم اعتدل بجلوسه وابعد السترة عنه ورفع يده ليلمس خده الذي لمسته مريم وابتسم ابتسامة عريضة زادته وسامة وقشعت عنه البرود والجمود .
اما هي فعادت الى القسم الذي تعمل فيه فوقف امامها المدير سالم وكان غاضباً للغاية ثم سألها بزمجرة تشبه زئير التنِّين : كنتي فين يا ست هانم ؟
واضاف بنبرة عصبية : انتي فاكرة ان الشركة دي بتاعة ابوكي علشان تخرجي منها على كيفك ؟
فنظرت اليه وقالت بأنزعاج : من فضلك يا استاذ سالم بطل تجيب سيرة ابويا كل شوية لاني مش هسمحلك تتكلم عنه مرة تانيه بالطريقة دي ؟
في تلك اللحظة نظر موظفين القسم اليها بتعجب فهي رفعت صوتها على المدير سالم الذي كان يكبرها بسنوات كثيرة حتى ربما كان أكبر من والدها الراحل ...اما هو فاتسعت عيناه وقال بصدمة : انتي اتجننتي يا انسه مريم ، ازاي اتجرأتي وعليتي صوتك عليا .. مش عيب عليكي ؟!
ردت عليه مريم : انا اسفه لاني عليت صوتي بس انت كمان زودتها اوي ...يعني مش ضروري تجيب سيرة ابويا كل شوية ولعلمك انا مكنتش برا الشركة وانما كنت بشتغل علشان كدا اتأخرت.
فكتف الاستاذ سالم ذراعيه وقال بسخرية : بجد ، ويطلع ايه الشغل دا بقى يا استاذة مريم ؟
فقالت مريم بكل ثقة : انا كنت بشتغل في مكتب ادهم بيه وهو كلفني في مهمة وكمان من بكرا انا هسيب القسم دا وهبقى السكرتيره بتاعته .
فضحك جميع من في القسم بعد سماعهم لذلك وقال الاستاذ سالم بسخرية : والله العظيم ؛ ومطلبش منك تاخدي مكانه كمان ؟
ردت عليه بثقة اكبر : ايوا... انا قعدت مكانه فعلاً .
فاستمر الموظفين في الضحك عليها مما جعلها تنزعج كثيراً لذا قطبت حاجباها وجلست في مكانها ؛ في تلك اللحظة سمعوا صوت رجولي مألوف دب الرعب في نفوسهم جميعاً بالرغم من هدوئه عندما سأل : بتضحكوا على ايه ؟
فألتفت جميع الموظفين نحو الباب حيث كان ادهم واقفاً بكل هدوء وهو يضع يديه في جيب بنطاله ويرفع احد حاجبيه بوجه جامد ، وعندما رأته مريم نهضت فوراً اما الاستاذ سالم فتملكه التوتر وتوجه نحوه بأبتسامة مصطنعة وقال : ا.. ادهم بيه ، حضرتك رجعت مصر ايمتى يا فندم ؟
تجاهله ادهم تماماً ثم توجه نحو مريم بمراقبة الجميع له ووقف امامها بكل هدوء بينما كانت هي ترفع رأسها قليلاً لتنظر اليه بتوتر ولم تنبس بكلمة واحدة إذ انها لم تستوعب ما يحدث لانها تركته منذ 10 دقائق نائماً في مكتبه وكان يبدو انه يغط في نوم عميق لن يستيقظ منه الا بعد مرور ساعات على الاقل ولكن ها هو الان يقف امامها بطوله الفارع وجسده العريض وسألها بصوت مسموع : خلصتي الشغل اللي طلبته منك ؟
أومأت برأسها دليلاً على نعم فقال : كويس..
ثم اخرج هاتفاً لونه زهري من جيبه واضاف : دا الموبايل بتاعك... نسيتي في مكتبي لما كنتي تبعتي الايميل .
- قال ذلك واخذ يراقب ردة فعل الموظفين بطرف عينيه إذ أنه تعمد ان يقول تلك الجملة " لما كنتي تبعتي الايميل " حتى يصدق الموظفين ان مريم كانت تعمل في مكتبه بالفعل لانه سمع مناقشتها مع الاستاذ سالم وشهد سخرية الجميع منها وذلك ازعجة كثيراً ؛ فاخذت مريم الهاتف منه وبينما كانت تفعل ذلك لامست اصابعها يده فشعرت بالقشعريرة لذ سحبتها بسرعة وقالت بتلعثم : م.. متشكره .
فأردف ببرودة اعصاب : بكرا الصبح هتبتدي شغلك الجديد وخلي بالك انا مبحبش التأخير ابداً يعني عايز اشوفك مزروعة في مكتبك اللي فوق قبل الساعة 9:00 كلامي مفهوم ؟
مريم : ح... حاضر يا فندم.
ادهم : ودلوقتي ارجعي كملي شغلك.
قال ذلك ثم استدار بجسده لكي يغادر وسط دهشة الجميع ...فهم ولأول مرة شهدوا على شيء لم يحدث في الشركة من قبل حيث ان ادهم عزام السيوفي الملقب بـِ " جبل الجليد " والمعروف عنه انه لا يهتم لاي شخص قد نزل من مكتبه وزار قسمهم لأول مره فقط من اجل ان يعيد لمريم الموظفة البسيطة هاتفها الذي نسيته في مكتبه !
رمقهم بنظرة زرعت الخوف في قلوبهم وكانت توحي على " تابعوا عملكم " لذا عاد الجميع ليتابع عمله بينما سأله الاستاذ سالم بتوتر : الكلام دا حقيقي يا فندم ؟!
فنظر ادهم اليه وقال ببرود : اي كلام ؟
الاستاذ سالم : ان الموظفة مريم مراد هتبقى سكرتيرة حضرتك ؟
ادهم : انت سمعتني وانا بقولها الكلام دا صح ؟
فأرتبك الاستاذ سالم وقال : ا.. ايوا سمعتك.
ادهم : ما دام سمعتني يبقى ليه كتر الأسئلة ؟
فاحنى الاستاذ سالم رأسه وقال : انا اسف يا فندم .
ادهم : تقدر تشوف شغلك.
قال ذلك ثم نظر إلى مريم بنظرة اخيرة فوجدها تنظر اليه ايضاً ولكن سرعان ما اشاحت بنظرها عنه وجلست في مكانها... فخرج من قسم البرمجة وتوجه الى خارج الشركة لكي يعود الى المنزل ؛ في تلك الاثناء اقترب كل من الاستاذ سالم وموظفين قسم البرمجة من مريم وسألها الاول : ازي بقيتي سكرتيرة ادهم بيه يا مريم بين يوم والليلة ؟
وقالت زميلتها ياسمين : ايوا لسه من ساعتين كنا قاعدين مع بعض في الكافيتريا وبعد كدا انتي اختفيتي وفجأة بقيتي سكرتيرة ادهم بيه !
فتنهدت مريم وقالت : والله يا جماعة انا ذات نفسي معرفش ليه ادهم بيه اختارني علشان ابقى السكرتيرة بتاعته ...ربنا يستر بقى.
في اليوم التالي....
ذهب ادهم الى الشركة وتوجه فوراً نحو مكتبه في الطابق الاخير حيث وجد مريم ترتب ملابسها بارتباك وهي تتمتم قائلة : يا رب اللبس دا يبقى مناسب لشغل السكرتيرة لاني مش ناقصة بهادل من الصبح.
فأبتسم عندما رأها على تلك الحال ونظف حلقه قائلاً ببرود : صباح الخير.
أرتعدت عندما سمعت صوته ثم نظرت اليه فوراً وقالت بتلعثم : ص.. صباح النور يا فندم.
فنظر اليها نظرة متفحصة من رأسها حتى اخمص قدميها وقال : كويس.. شكلك مناسب للشغلنه دي.
قال ذلك ثم دخل إلى مكتبه دون ان يضيف شيئاً الامر الذي جعلها تتنفس الصعداء وابتسمت قائلة : الحمد لله.
وسرعان ما حملت دفتر ملاحظاتها ولحقت به إلى المكتب فوقفت تحدق به وهو واقف بالقرب من النافذة العملاقة يحدق في المباني الاخرى وقالت بصوت مرتبك : ا.. الانسة سلمى ادتني جدول أعمال حضرتك بتاع النهارده يا فندم وكمان ساعة عندك اجتماع مع كمال بيه وبعدها لازم توقع على الموافقة عشان نضيف موقع المتدرب محمود ياسين ضمن المواقع الرئيسية في الشركة لان هو اللي كسب في المسابقة اللي حضرتك اقترحتها .
ابتسم ادهم دون ان تراه لانه حقق مراده بأن يجعلها قريبة منه ثم التفت اليها وقال بجدية : كويس... دلوقتي عايز فنجان قهوة من غير سكر .
مريم : حاضر.. عايز حاجة تانيه ؟
ادهم : لا.. تقدري تشوفي شغلك.
مريم : عن اذن حضرتك.
قالت ذلك ثم خرجت من المكتب فأبتسم هو مجدداً وجلس على كرسيه قائلاً : واخيراً هتبقي جنبي يا مريم... يا رب اقدر امسك نفسي و معملش حاجة غلط.
- ومرت الايام والشهور بسرعة وكانت مريم قد اعتادت على عملها الجديد بالقرب من ادهم الذي كان يعشقها حد الجنون حيث ان حبها كان يكبر في قلبه كل يوم اكثر من اليوم الذي قبله لدرجة انه تعدى مرحلة العشق واصبح مهوساً بها... كان يريد ان يتملكها لتصبح له وحده وكانت تزعجة فكرة انها تمتلك اصدقاء ذكور تجلس معهم في اوقات الفراغ ، وكم من مرة رأها جالسه تضحك مع زملائها فأتته فكرة ان يسحبها من يدها ويحتضنها امام الجميع بقوة لدرجة تكسر عظامها حتى يعلموا انها له وحده ولن يسمح لأي شخص من ان يقترب منها ولكن كبريائه المغرور منعه من فعل ذلك فهو لن يكون ادهم عزام السيوفي ان استسلم لرغبته ؛ لذا كان سريع الغضب واحياناً كثيرة كان يصب جام غضبه عليها وكأنه يحملها ذنب هذا الحب الذي اهلك روحه.... فهي كانت قريبة منه جداً ولكن بالرغم من قربها الا انها كانت بعيده ايضاً ..وكم تمنى ان يمسك يدها ان يقبلها ان يضع رأسها على صدره ولكن تجري الرياح بما لا تشتهيه السفن.
اما هي فكانت تتعذب ايضاً ... لقد وقعت في حبه خلال الثلاثة اشهر التي عملت فيها كسكرتيرته الخاصة ولكنها خبأت ذلك الحب في اعماق قلبها ولم تخبر اي احد بشأن مشاعرها تجاهه لانها كانت تعتقد انه من سابع المستحيلات ان يلتفت ذلك الجبل الجليدي اليها في يوم من الايام خصوصاً بعد أن شهدت في كثير من الاحيان على نوبات غضبه الجنونية حيث انه كان يتحول من شخص هادئ وبارد كالثلج الى بركان ثائر وهائج لأتفه الأسباب ؛ لم تكن تعرف انها السبب الرئيسي في عذابه وغضبه وانزعاجه وان عدم قدرته على الاقتراب منها والبوح لها هي ما كانت تحرق روحه وليس العمل كما كانت تعتقد.
وذات مرة....
كانت مريم جالسة في مكتبها الذي بجانب باب مكتب ادهم وكانت تكتب تقريراً عن عمل الشركة في الاسبوع الاخير ، وبينما كانت تعمل تفاجأت بظهور احد موظفين قسم المحاسبة المالية واقفاً اماها وكان يدعى " هاني " ويبلغ من العمر 27 عاماً حيث كان شاباً وسيماً ولطيفاً ويبدو من مظهره انه حسن الاخلاق ومحترم فأبتسم قائلاً : ازيك يا انسه مريم ؟
بادلته مريم الابتسامة وقالت : الحمد لله... انت ازيك يا استاذ هاني ؟
هاني : تمام والحمد لله بس بقيت كويس بعد ما شفتك.
فابتسمت مريم بعفوية وقالت : متشكرة.
هاني : ادهم بيه في مكتبه ؟
مريم : ايوا.
هاني : تمام... يبقى يا ريت تقوليله اني عايز اقابله.
مريم : في حاجة ؟
هاني : محتاج توقيعه على الملف دا.
مريم : اه اوك... من فضلك استنى هنا .
قالت ذلك ثم نهضت من مكانها ورتبت هندامها ثم اخذت نفساً عميقاً قبل ان تطرق باب مكتب ادهم وكأنها ذاهبة لساحة المعركة وبعدها طرقت الباب بخفة ودخلت... فوجدته جالساً خلف طاولة مكتبه خالعاً سترته ورافعاً اكمام قميصه الاسود ويعمل على حاسوبه المحمول بتركيز كبير...وما ان دخلت حتى شعر بوجودها فوراً وبدون ان ينظر اليها سألها ببرود : عايزه ايه ؟
فاقتربت بخطواتها من طاولة مكتبه حتى اصبحت واقفة امامه مباشرة ثم قالت : الاستاذ هاني من قسم المحاسبة عايز يقابل حضرتك يا فندم .
قال دون ان ينظر اليها : ليه ؟
مريم : عايز توقيع حضرتك على ملف.
فقال وهو على نفس الوضعية : دخليه.
مريم : حاضر.
قالت ذلك ثم ارادت ان تغادر المكتب فإوقفها بقوله الحاد : استني...
فتجمدت مكانها ثم التفتت اليه ووجدته يحدق بتنورتها بنزعاج واضح وهو يعقد ما بين حاجبيه وسرعان ما نهض من مكانه واقترب منها قائلاً : ايه اللي انتي لبساه دا يا انسه ؟
فنظرت مريم الى نفسها حيث انها كانت ترتدي تنورة سوداء لم تكن قصيرة جداً كانت تصل الى ما فوق الركبة بقليل ومعها قميص لونه اسود بأكمام تصل الى نصف الذراع وعليه اكسسوار لونه ذهبي فسألته بتوتر : مال لبسي يا فندم ؟
فضغط ادهم على قبضة يده بقوة شديدة ثم زجرها بعصبية : اللبس الملط دا ما يتلبسش في شركتي تاني انتي سامعة ؟
استغربت مريم من الذي سمعته فهي لم تكن الفتاة الوحيدة التي ترتدي التنانير في الشركة لذا قالت باستغراب : افندم !
ادهم : مش عايز اكرر كلامي...انتي هتروحي البيت دلوقتي وهتغيري المهزلة اللي انتي لبساها دي وبعد كدا هترجعي هنا فوراً ومش عايز اشوفك لابسه قصير مرة تانيه كلامي مفهوم ؟
في تلك اللحظة قطبت مريم حاجباها حيث انها شعرت بالإهانة ثم قالت تدافع عن موقفها : عفواً يا فندم بس اظن ان دي حرية شخصية ولا مؤخذة يعني انت مش من حقك تتكلم معايا بالشكل دا لاني حرة البس اللي انا عايزاه ، وبعدين الجيبة بتاعتي مش قصيرة ابداً ومناسبه للشغل .
فاقترب ادهم منها بحركة سريعة ثم امسك ذراعها بقوة اجفلتها وضغط عليها قائلاً بنبرة حادة : انا قلت تروحي تغيريها فوراً يعني مش عايز مناقشة في الموضوع دا.
- لا تعلم مريم لما شعرت بالخوف منه ولكن خوفها هذه المرة كان ممزوجاً ببعض التساؤلات فهو لم يسبق له وان تدخل بأمورها الشخصية او ان امسك ذراعها بهذا الشكل ولكنه انزعج فوراً عندما رأها ترتدي تنوره لاول مرة منذ ان بدأت العمل في الشركة حيث انها كانت دائماً ترتدي البناطيل ولبسها كان دائماً محترماً لذا احنت رأسها وقالت بشيء من التوتر : حاضر يا فندم ... هروح البيت حالاً وهغير هدومي.
فترك يدها وعاد لبرودة اعصابه المعتادة بعد ان سمعها تستسلم لطلبه ثم قال : كويس.. ودلوقتي تقدري تمشي.
- لقد هدأ ظاهرياً ولكن الحقيقة انه لم يحتمل فكرة ان تبقى محبوته بتلك التنورة ويراها الرجال في الشركة فهو كان يغار عليها من نسمة الهواء ولو كان بمقدوره ان يفتح صدره ويحتويها في داخله لكي يخفيها عن كل الناس لما تردد بفعل ذلك ابداً ، اما هي فقالت : عن اذن حضرتك.
وبعدها خرجت من المكتب وقالت لهاني : اتفضل..البيه مستنيك.
ابتسم هاني لها واردف : متشكر يا انسه مريم.
قال ذلك ثم طرق باب مكتب ادهم ودخل فوجده جالساً خلف مكتبه ويبدو عليه الانزعاج ، ازدرد ريقه وقال : بتوتر : اسف على الازعاج يا فندم بس محتاج توقيعك على الملف دا.
فنظر ادهم اليه ثم اخذ الملف من يده ووقع عليه دون ان يقول اي شيء ثم اعاده الى هاني قائلاً : تقدر تمشي.
هاني : عن اذن حضرتك .
قال ذلك ثم استدار وسار حتى خرج من المكتب وابتسم عندما رأى مريم ثم سألها : انسه مريم هو انا اقدر اعزمك على الغدا النهاردة ؟
فنظرت مريم اليه وقالت : انا اسفه يا استاذ هاني بس لازم ارجع البيت دلوقتي...خليها مره تانيه.
هاني : خير... في حاجة ؟
مريم : متشغلش بالك...مفيش حاجة مهمة.
هاني : طيب تحبي اوصلك.
مريم : متشكرة بس مش عايزه اعطلك عن شغلك .
هاني : ولا هتعطليني ولا حاجة... اساساً دلوقتي استراحة الغدا يعني مفيش عندي شغل.
فابتسمت مريم وقالت : وبرضو مش عايزه اتعبك معايا.
هاني : الله يسامحك... ودا كلام برضو ، احنا زملاء في الشغل ودا اقل واجب اعمله .
مريم : خلاص... ماشي.
فأبتسم هاني واردف بحماس : يلا اتفضلي .
فحملت مريم حقيبتها ثم قالت : متشكرة.
- وعندما ذهبا الى موقف السيارات وصعدا في سيارة هاني قادها حتى اوصل مريم الى منزلها بعد ان اعطته العنوان وكانت الساعة آن ذاك تُشير الى الواحدة ظهراً... فنزلت من السيارة ونظرت اليه من النافذة وهي تبتسم قائلة : متشكرة يا استاذ هاني.
هاني : العفو... تحبي استناكي.
مريم : مفيش داعي... مش عايزه اتعبك معايا اكتر .
هاني : براحتك... يلا سلام دلوقتي.
قال ذلك ثم شغل محرك سيارته وهم بالمغادرة اما هي فنظرت الى نفسها مجدداً ثم تنهدت تنهيدة عميقة وصعدت الى الدور الثاني من العمارة التي كانت تسكن بها مع اختها الصغيرة مرام ؛ توجهت نحو شقتهم واخرجت مفتاح الباب من حقيبتها وبعدها دلفت الى الداخل وذهبت لتبدل ملابسها ، وبعد ان فعلت ذلك خرجت من المنزل ونزلت من البناية وهي في غاية الروعة بملابسها البسيطة المكونة من بنطال رسمي باللون الأسود وقميص ابيض ذو ياقة ذهبية مزركشة ... اوقفت سيارة أجرة وعادت الى الشركة فرأها ادهم وشعر بالرضا لانها نفذت ما طلبه منها بالحرف الواحد.
تسارع في الاحداث............
في صباح اليوم التالي استيقظت كعادتها مبكراً فذهبت الى غرفة اختها لكي تُيقظها من اجل الذهاب الى المدرسة وبالفعل فعلت ذلك ولكنها انتبهت ان اختها مرام كانت تبدو مريضة ووجها شاحب فسألتها بقلق : انتي كويسه يا حبيبتي ؟
ابتسمت مرام وقالت : ايوا... انا كويسه متخافيش ؟
وضعت مريم يدها على جبين اختها ثم قالت : غريب... مفيش حرارة يبقى ليه شكلك تعبانه ؟
مرام : متقلقيش يا مريم... انا كويسه وزي الفل.
مريم : قوليلي يا حبيبتي... قلبك بيوجعك ، حاسه في وجع ... طمنيني !
فهزت مرام رأسها بالنفي واردفت : لاء يا ميمي ...مش حاسة بحاجة.
مريم : اوك... يلا قومي علشان تجهزي نفسك وانا هحضرلك الفطار.
مرام : حاضر.
ثم خرجت مريم من غرفة اختها لكي تُعد الفطور وما ان خرجت حتى تغيرت ملامح وجه مرام ووضعت يدها على صدرها واغمضت عيناها بألم فهي اخفت امر ألم قلبها عن اختها الكبيرة لئلا تجعلها تقلق لانها كانت تعرف مريم حق المعرفة وما ان تشعر بالقلق حتى تصبح كالمجنونة تماماً ومن المؤكد انها ستأخذها الى المستشفى فوراً وهي لم تشاء الذهاب الى المستشفى حتى لا تكلف اختها دفع فاتورة الفحوصات الطبية حيث انها كانت تدرك مدى حاجتهما الماسة للمال .
وبعد ان فعلت كل منهما روتينها اليومي... ذهبت الكبيرة الى عملها برفقة صديقتها الهام كالعادة اما الصغيرة المريضة فذهبت الى مدرستها ؛ وفي الشركة ... توجهت مريم نحو مكتبها قبل ان يصل ادهم بقليل فوجدت هاني ينتظرها هناك فابتسم فور رؤيته لها وقال : صباح الخير يا انسه مريم.. عاملة ايه النهاردة ؟
استغربت من امر وجوده بالقرب من مكتبها منذ الصباح حيث ان جميع الموظفين يعلمون ان الطابق الاخير من الشركة خاص بـ بالإدارة وقسم السكرتارية فقط ولا يسمح للموظفين العاديين ان يذهبوا إلى هناك... فاقترت منه وقالت : صباح النور..بتعمل ايه هنا يا استاذ هاني ؟
وقف هاني يعبث بشعره وابتسم ببلاهة قائلاً : بصراحة كنت مستنيكي.
مريم : خير.. في حاجة ؟
هاني : في الحقيقة انا مش عارف ازي هفتح معاكي الموضوع بس.. تقبلي تخرجي معايا النهاردة ؛ انا عايز اعزمك على الغدا وبتمنى انك تقبلي.
فابتسمت مريم بعفوية وقالت : ان شاء الله... ولو اني انا اللي لازم اعزمك لانك وصلتني البيت امبارح.
هاني : لا العفو... دا واجب عليا.
مريم : يبقى هقابلك في استراحة الغدا.
فاتسعت ابتسامة هاني واردف : وانا هستناكي...يلا مش عايز اعطلك اكتر ، عن اذنك.
قال ذلك ثم اراد ان يغادر ولكنه توقف عندما رأى ادهم واقفاً امامه على بعد خطوات ويبدو من ملامح وجهه المنزعجة انه سمع حديثهما كله ...فابتلع الشاب ريقه ثم ابتسم بإرتباك وقال : ص.. صباح الخير يا فندم.
ولكن ادهم رمقه بنظرة مخيفة وكأنه كان يريد ان يأكله حياً وبعدها تجاهله تماماً ثم توجه نحو مكتبه بدون ان يلقي التحية على مريم التي قالت : صباح الخير يا فندم.
فدخل مكتبه بصمت مميت وفي داخله تسونامي يتخبط بجدران صدره ...وما ان دخل المكتب حتى ارخى ربطة عنقه بقوة واخذ صدره يعلو ويهبط نتيجة الغضب الشديد الذي سيطر عليه في تلك اللحظة بعد أن سمع حديث مريم مع هاني وعرف انها صعدت معه في نفس السيارة عندما اوصلها الى البيت واخذت الافكار تتخبط في رأسه فقال : ركبت معاه في نفس العربيه والنهارده عايزه تخرج معاه علشان يتغدوا ، لا دا كتير... كتير اوي .
قال ذلك ثم ضغط على زر استدعاء مريم ثم جلس على كرسيه... وما هي الا ثواني حتى دخلت الى المكتب وقالت : امرك يا فاندم ؟
فنظر اليها بنظرات غاضبة دبت الرعب في اوصالها ثم قال بعصبية : عايزك تعملي تقارير لكل المبيعات والارباح اللي حققتها الشركة في الخمس سنين اللي فاتوا وعايز التقارير تبقى على مكتبي الساعة وحده...ومتخرجيش من الشركة لغاية ما تخلصيهم انتي فاهمة ؟
فقالت مريم : بس انا عندي معاد الساعة وحدة .
نهض ادهم وضرب طاولة مكتبه بقوة مما جعلها ترتعش خوفاً وقال بلهجة أمر : انا قلت متخرجيش من الشركة قبل ما تخلصي شغلك.
اردفت بتلعثم : ب.. بس يا فندم..
فقاطعها بقوله : اتفضلي على مكتبك .
قال ذلك ثم استدار لينظر من خلال النافذة فتنهدت مريم وقالت : حاضر ...عن اذنك.
ثم خرجت من المكتب و لا تعلم لما اتتها رغبة تحثها على البكاء فبكت بصمت ولكن سرعان ما مسحت دموعها وجلست في مقعدها لتبدأ عملها الذي طلبه منها ادهم.
تسارع في الاحداث........
- انتهت من كتابة التقارير التي طلبها ادهم قبل موعد الغداء فإبتسمت ثم نهضت من مكانها وطرقت باب مكتبه وبعدها دخلت فوجدته يعمل على حاسوبه كالعادة ، اقتربت منه قائلة : انا خلصت كتابة التقارير يا فندم.
فنظر اليها ببطء ثم نظر إلى ساعة يده وبعدها قال : كويس... خلصتي قبل الوقت .
مريم : وبما اني خلصت قبل الوقت ينفع اخرج ، يعني دلوقتي استراحة الغدا وكل الموظفين بيخرجوا في الوقت دا وانا عندي معاد ومحتاجة اخرج .
في تلك اللحظة تجمرت عينا ادهم بعد سماعه لما قالته مريم فهب واقفاً وسألها بخشونة : عايزه تخرجي مع الاستاذ هاني مش كدا ؟
نظرت اليه بتعجب وسالته : حضرتك بتقصد ايه ؟
فصاح بها قائلاً : عاملة نفسك مش عارفه ؟؟
عقدت مريم حاجباها بعدم فهم واردفت : انا مش فاهمة انت بتتلكم عن ايه !
فسألها : انتي بتحبيه ؟
وبعد ان سمعت ذلك أتسعت عيناها فقالت بصدمة : ايه ؟
اما هو صرخ بها قائلاً : بتحبيه ولا لأ ، انطقي !
في تلك اللحظة شعرت مريم بالخوف منه كثيراً لانها رأته غاضباً جداً ولاول مرة رأت الشرر يتطاير من عيناه فلم تعد قادرة على الوقوف لذا جلست على الاريكة وهي تنظر اليه بفزع... فاقترب منها وامسك فكها السفلي بحركة اجفلتها قائلاً بصوت اشبه لهمس الشياطين : انا سألتك سؤال فالاحسن انك تجاوبي عليه بسرعة يا مريم .
نزلت دموعها من شدة الخوف فهي لم تكن تتوقع ان يخيفها ادهم الى ذلك الحد فتحدثت بصوت يكاد يختفي : ا.. انا.. ما..
ولكن ادهم خشي ان يسمع اجابتها فأسكتها بقبلة شرسة كادت ان تمزق شفتيها...نعم قبلها بكل شغف وكأن حياته تعتمد على ذلك وكأن شفتيها ترياق الحياة وان لم يتناوله سيموت حتماً ، وبينما كان يقبلها بعمق كانت هي تحت تأثير الصدمة حيث انها تجمدت في مكانها تماماً حتى انها لم تستطيع ان ترمش فقط كانت عيناها مفتوحتين على وسعهما وتنظر اليه وهو يقبلها كلوحش الذي انقض على فريسته ، واستمر في تقبيلها حتى كادت ان تفقد وعيها لعدم قدرتها على التنفس لذا بدأت تحاول ابعاده عنها و اخذت تضربه على صدره وهي تغمض عيناها بشدة ولولا حاجتهما للتنفس لما ابتعد عنها .
اخذ صدرهها يعلو ويهبط بشدة ودموعها انسابت على وجنتيها بينما اعاد هو شعره الى الخلف وادار ظهره لها واغمض عيناه بشدة وكان جسده يرتجف بالكامل وكأنه اخذ جرعة مخدرات زائدة سببت له النشوة ، فنهضت مريم من مكانها ثم وجهت نظرها اليه وسألته بنبرة مرتجفة : ل... ليه عملت كدا ؟
التفت اليها ثم امسك كتفيها بقوة وقال باندفاع : لانك بتاعتي....مش مسموحلك تخرجي مع اي حد تاني انتي فاهمة ؟؟
واضاف بعصبية شديدة : انا عايزك وهقتل كل واحد يحاول يقرب منك لانك ملكي انا وبس .
فقالت بصدمة : ايه ؟
ضغط ادهم على كتفيها بقوة أكبر مما جعلها تتأوه من شدة الألم وقال : ايوا انا عايزك... عايز كل حته فيكي تبقى بتاعتي انا ....ريحتك... شعرك... شفايفك جسمك... كل حاجة هتبقى ملكي من النهاردة حتى دماغك وتفكيرك .
عقدت مريم حاجباها باستنكار شديد عندما سمعت ذلك وشعرت بالإهانة لذا قالت بتهور : سيبني ؛ انت مجنون وانا مش هشتغل عندك بعد النهاردة ابداً .
لكنه لم يتركها بل قبلها مرة اخرى بقوة اكبر هذه المرة حتى نزفت شفتيها ....
يتبع.....
- ضغط ادهم على كتفي مريم بقوة أكبر مما جعلها تتأوه من شدة الألم وقال بانفعال شديد : ايوا انا عايزك... عايز كل حته فيكي تبقى بتاعتي انا ....ريحتك... شعرك... شفايفك جسمك... كل حاجه هتبقى ملكي من النهاردة حتى دماغك وتفكيرك .
فعقدت الفتاة حاجباها عندما سمعت ذلك وقالت بعصبية : سيبني....انت مجنون وانا مش هشتغل عندك بعد النهاردة ابداً .
ثم حاولت أن تتملص منه ولكنه قبلها مرة اخرى بقوة اكبر حتى نزفت شفتها وعلى اثر ذلك ذرفت الدموع ، فدفعته بعيداً عنها ثم نظرت اليه بعيونها الباكية واردفت بحنق : انت مريض نفسي وانا مقدرش اشتغل عندك بعد اللحظة دي.
قالت ذلك ثم ركضت وخرجت من المكتب وهي تبكي بحرقة شديدة فتوجهت نحو مكتبها واخذت حقيبتها وبعدها خرجت من الشركة وهي ما تزال تبكي... اما هو فلم يعد قادراً على كبح غضبه الشديد اكثر من ذلك لذا ثار كالبركان وبدأ يحطم كل شيء تقع يده عليه....بأختصار جعل الفوضى تعم مكتبه بينما كان الشرر يتطاير من عيناه وهو يصرخ ويلعن حظة تحت انفاسه المتسارعة .
عند مريم........
خرجت من الشركة وهي تبكي بشدة...و بينما كانت تحاول انكار ما حدث في عقلها ردها اتصال هاتفي... فمسحت دموعها ثم اخرجت هاتفها من حقيبتها واجابت بصوت مرتجف تحت الدموع : ايوا يا استاذ علي.
فقال الاستاذ علي بلهفة : انسه مريم الحقي اختك.... مرام تعبت اوي ونقلناها المستشفى !
في تلك اللحظة اتسعت عينا مريم على وسعهما وتجمد الدم في عروقها ثم هتفت ببخوف ايه !
الاستاذ علي : هي تعبت اوي علشان كدا اتصلنا في الاسعاف وقالوا نخبر ولي أمرها لان وضعها خطير جداً.
بدأت مريم ترتجف بعد ما سمعت الخبر وسألته بصوت يكاد يختفي : في... في انهي مستشفى هي دلوقتى ؟
الاستاذ علي : المستشفى الوطني وانتي لازم تيجي هنا بسرعة.
- انهت المكالمة دون ان تقول اي شيء آخر ثم ركضت نحو الشارع لكي توقف سيارة أجرة وقد سيطر على الهالع تماماً... استقلت اول سيارة أجرة قابلتها وذهبت الى المشفى الذي نُقلت اليه اختها مرام ، وما ان وصلت حتى ترجلت من السيارة بعد ان رمت ما يوجد في حقيبتها من مال على السائق دون ان تنظر الى المبلغ وبعدها ركضت الى قسم الطوارئ كالمجنونة وسألت احدى الممرضات عن اختها فاخبرتها انها في غرفة العناية المركزة ؛ ذهبت إلى هناك حيث كان مدرس الرياضيات الاستاذ علي الذي اتصل بها واقفاً امام باب غرفة العناية... ركضت نحوه وسألته بفزع : فين اختي يا استاذ علي... هي حصل لها ايه ؟
الاستاذ علي : وضعها حرج يا انسه مريم... الدكتور قال انها لازم تعمل عملية بسرعة.
فوضعت مريم يدها على فمها جراء الصدمة ونزلت دموعها فوراً وتساءلت بقلق شديد : قولت عمليه ؟
الاستاذ علي : بصي... الاحسن انك تروحي تسألي الدكتور المشرف على حالتها.
مريم : طب... طب هو اسمه ايه ؟
الاستاذ علي : اسمه عماد سالم .
مريم : طيب... متشكره يا استاذ.
الاستاذ علي : العفو... انا لازم ارجع المدرسة دلوقتي... الف سلامه عليها.
قال ذلك ثم غادر اما هي فذهبت الى قسم الاستقبال وسألت الموظفة عن الدكتور عماد سالم فاخبرتها انها ستجده في مكتبه الذي في الطابق الثالث لذا ذهبت الى هناك وطرقت الباب فسمح لها بالدخول...دخلت وهي ترتجف قائلة : ح.. حضرتك الدكتور عماد سالم ؟
نظر الطبيب اليها وقال : ايوا انا... ازاي اقدر اساعدك يا انسة ؟
دلفت مريم الى المكتب وهي تبكي ثم قالت : انا... انا اخت البنت الصغيرة اللي نقلوها من المدرسة في سيارة الاسعاف وجيت.. وجيت اسألك عن وضعها .
ابعد الطبيب نظارته الطبية عن عيناه ثم قال : اتفضلي استريحي.
فجلست مريم امامه واردفت : قولي بصراحة يا دكتور.. هي اختي ممكن تموت !
تنهد الطبيب واجابها : انا مش عايز اخبي عليكي يا انسة بس وضع اختك خطير جداً ولازم تعمل عملية زرع قلب في اسرع وقت ممكن وإلا هتفقد حياتها.
وضعت مريم يدها على فمها وبدأت تبكي ثم قالت باندفاع : طب.. طب مستنين ايه ؛ ما تعملولها العملية فوراً وانا هدفع التكاليف كلها بعدما اطمن على اختي.
رد عليها الطبيب بنبرة عملية : كان بودي اني ادخلها غرفة العمليات حالاً بس مع الاسف منقدرش نعمل كدا غير اما تدفعي تكاليف العملية الاول .
فمسحت مريم دموعها وسألته : طب يطلعوا كام ؟
قال : 300،000 جنيه ولازم تدفعيهم كلهم علشان نقدر ندخلها غرفة العمليات.
في تلك اللحظة شعرت مريم بأن الدنيا اغلقت ابوابها في وجهها فهي لم تكن تمتلك حتى ربع ذلك المبلغ فقالت بدهشة : قلت 300،000 جنيه ، واجيبهم منين دول ؟؟
ثم اضافت بنبرة خائفة جداً : انا مامعيش المبلغ دا يا دكتور وهيكون تأمينه صعب اوي بالنسبة لي .
الطبيب : اسف... دا نظام المستشفى... انتي لازم تدفعي تكاليف العملية علشان نقدر نعملها بسرعة... وانا بنصحك يا انسه انك تلاقي حل بسرعة لان التأخير مش في صالح اختك ابداً وهي لازم تعمل العملية في اسرع وقت ممكن ولو امكن انها تعملها حالاً لان وضعها مش بيطمن ابداً.
مريم : يعني ايه ؟؟
الطبيب : يعني احنا قدرنا نسيطر على الوضع دلوقتي بشوبة اجهزة بس هي محتاجة تزرع قلب والا من الممكن انها هتموت في اي دقيقة .
مريم : طب انا اقدر انقلها على مستشفى تاني ؛ بصراحة المبلغ اللي انتوا طالبينوا كبير اوي وانا مش هقدر ادفعوا ابداً...جايز لو نقلتها على مستشفى تاني هيكون المبلغ اقل من كدا.
الطبيب : انا ما بنصحكيش تعملي كدا لان المستشفى بتاعنا ارخص مستشفى في البلد كلها ولو نقلتيها على مستشفى تاني اكيد هيطلبوا منك ضعف المبلغ لان العملية دي صعبة جداً .
فاخذت مريم تفكر قليلاً ثم نظرت إلى الطبيب وقالت : خلاص... انا هحاول اخد قرض من البنك وهدفع تكاليف العملية.
الطبيب : يستحسن انك تعملي دا بسرعة لان زي ما قولتلك ان التأخير مش في صالح اختك ابداً .
فنهضت قائلة : يبقى انا هروح البنك حالاً .
الطبيب : ماشي .
- خرجت من مكتب الطبيب وهي تمسح دموعها ثم امسكت بهاتفها واتصلت على صديقتها المقربة الهام امين فاجابتها : ايوا يا ميمي...انتي فين يا بنتي ؟
في تلك اللحظة أنفجرت مريم بالبكاء ما ان سمعت صوت صديقتها وقالت : مرام في المستشفى يا الهام.
الهام بقلق : بتقولي ايه ؛ طب ازاي حصل كدا ؟
مريم : هي كانت تعبانه الصبح انا لاحظت عليها بس مكنتش متخيله انها حتنهار في المدرسة وحينقلوها بسيارة الاسعاف والالعن من كدا انها محتاجة تعمل عملية زرع قلب بسرعة والا حتموت.
فوضعت الهام يدها على فمها تعبيراً مجازياً ثم اردفت باهتمام : يا ساتر استر يا رب... طيب انتي في انهي مشفى دلوقتي ؛ قوليلي العنوان وانا هاجي فوراً .
مريم : المستشفى الوطني... انا اتصلت بيكي علشان تجي وتقعدي عندها لغاية ما اروح البنك.
الهام : وهتروحي البنك ليه ؟
مريم : العملية بتكلف كتير اوي وانا هروح اقدم على قرض من البنك.
الهام : قولتي بتكلف كتير ... قد ايه يعني ؟
مريم : 300،000 جنيه.
الهام : ايه !
مريم : مفيش وقت الكلام دلوقتي يا الهام... ارجوكي تعالي وافضلي عند اختي لغاية ما ارجع.
الهام : طيب متقلقيش... انا جايه فوراً.
قالت ذلك ثم اغلقت هاتفها واردفت : يا دي المصيبة... انا لازم استعجل بس اطلب اذن خروج من الاشغل الاول.
ثم توجهت الى مكتب مدير القسم الذي تعمل به لكي تطلب اذن الخروج ، اما مريم فخرجت من المستشفى واستقلت سيارة اجرة وطلبت من السائق ان يوصلها الى احد فروع بنك القاهرة ، وما هي الا مدة زمنية معينة قد مضت حتى وصلت فدخلت الى البنك وانتظرت حتى يحين دورها على احر من الجمر....ولكن كل انتظارها كان بلا فائدة حيث ان ادارة البنك رفضوا ان يمنحوها القرض لانها لم تكن تمتلك مالاً كافياً في حسابها المصرفي واخبروها انهم لا يعطون القروض لمن كان رصيده المصرفي اقل من خمسة آلاف جنيه وهي كانت تمتلك فقط ثلاثة آلاف جنيه ادخرتهم للأيام الصعبة حيث انها كانت تصرف راتبها الذي تتقاضاه من عملها في شركة ادهم على دفع مصاريف مدرسة اختها واجار المنزل والملابس والطعام وغيرها من الفواتير ولم يكن يتبقى في جيبها سوى ما يكفيها لكي تستقل الحافلة ودفع فتورة هاتفها.
فخرجت من المبنى محبطة جداً وبوجه حزين يكاد يغرق تحت الدموع المنهمرة من عينيها كالسيل الجارف ... وقفت تحدق في الفراغ ثم قالت بنبرة يغلبها اليأس : هعمل ايه دلوقتي ؛ هجيب الفلوس دي كلها منين ... مين ممكن يقدر يسلفني المبلغ الكبير دا وانا معرفش حد ممكن اطلب منه غير الهام وانا عارفه انها على قد حالها ومستحيل يكون معاها المبلغ دا .
وبعد ان اغلقت كل الابواب في وجهها وشعرت بأنها ستخسر شقيقتها الصغرى خطر على بالها ادهم... فنظرت الى ساعة يدها حيث كانت الساعة تُشير إلى الثالثة عصراً فقالت : هو اكيد لسه في الشركة.. يبقى لازم اروح له حالاً .
قالت ذلك ثم اوقفت سيارة اجرة واردفت بنبرة متلهفة : اطلع ياسطه على شركة رويال للتجارة الإلكترونية.
وعندما وصلت........
ركضت الى داخل الشركة فصادفت هاني في طريقها وإستوقفها قائلاً : انسه مريم... انتي كنتي فين ، مش على اساس هنتغدا سوى النهارده ؟
فقالت : انا اسفه يا استاذ هاني.. بس انا مستعجلة دلوقتي ، عن اذنك.
- قالت ذلك ثم ركضت حتى استقلت المصعد وضغطت على زر الطابق الاخير....وبينما كان المصعد يصعد بها كانت تفكر كيف ستواجه ادهم بعد الذي حدث بينهما... فهي وبغض النظر عن حبها له الا انها شعرت بالإهانة الشديدة عندما قبلها بتلك الطريقة الوحشية وشعرت بأنها رخيصة حين اخبرها قبل ساعتين انه يريد تملكها وذلك ما جرح قلبها لانها ليست دمية لكي يمتلكها اي شخص حتى لو كان هذا الشخص هو ادهم نفسه الذي كان اول حب في حياتها... ولكن كما يقولون للضرورة أحكام فهي مضطرة لكي تراه مجدداً حيث انه املها والشخص الوحيد القادر على اعطائها المال .
وعندما توقف المصعد في الطابق الاخير من المبنى نزلت منه بسرعة وتوجهت فوراً نحو المكتب ولكنها شعرت بنبضات قلبها تتسارع عندما اقتربت من باب مكتب ادهم ؛ فاخذت نفساً عميقاً ثم طرقت الباب بخفة وبعدها دخلت ، وعندما اصبحت في الداخل فتحت عيناها على وسعهما لان الفوضى كانت تعم المكان حيث ان الرجل قام بتحطيم كل شيء رأته عيناه بعد ان تركته وغادرت وهي تبكي.
فنظرت في ارجاء المكان باحثة عنه بنظرها واخيراً وجدته جالساً على كرسيه وهو يضع قدماه على طاولة المكتب والدخان يتصاعد من سيجارته التي كان ممسكاً بها وهو مغمض العينين ، كما كان رافعاً اكمام قميصة الى الاعلى ويبدو عليه انه تخطى نوبة غضب مدمرة بعد ان دخن علبتين من السجائر .
أبتلعت ريقها ثم اتجهت نحوه بخطوات خفيفة حتى وقفت امامه... فتملكها الغضب عندما تذكرت كيف قبلها بشراسة وكأنها خلقت لكي يفعل بها ما يشاء ، اما هو فشعر بوجودها فوراً لذا فتح عيناه بسرعة وكان تخمينه صحيحاً حيث كانت واقفة امامه بالفعل لذا هب واقفاً بسرعة وقال بلهفة : انتي رجعتي !
ثم تجاوز طاولة المكتب واقترب منها وكان يريد ان يعانقها ويخبرها بأنه يحبها وانه ندم على كل كلمة قالها وانه اسف لأنه اخافها وجعلها تتألم عندما ضغط على كتفيها ...ولكنها عادت بخطواتها الى الخلف بحركة تنم عن الخوف وقالت بنبرة صوت حادة : انا عايزه فلوس..
في تلك اللحظة تجمد ادهم في مكانه ونظر اليها بصدمة فأكملت قائلة : لو عايزني ابقى ملكك بجد وتعمل فيا كل اللي انت عايزه يبقى تديني فلوس...وانا عايزه 300،000 جنيه النهارده دفعة أولى وبعدها هبقى صاحبتك زي ما انت عاوز .
بعد قولها ذاك شعر ادهم بالخيانة العظمى واحس بأن قلبه قد تحطم الى اشلاء صغيرة ..فهو لم يتوقع ان يسمع منها ذلك الكلام حيث انه احب براءتها وصدقها وطيبة قلبها ولكنها ذبحته بقولها لتلك الكلمات التي تنطقها العاهرات وتمنى لو انه مات قبل ان يسمعها تقول ذلك .... فعاد للوراء وهو ينظر اليها بنظرات قاسية يغلبها الغضب الشديد ثم جلس على كرسيه مجدداً بكل هدوء ونظر اليها باحتقار قائلاً بنبرة صوت يملؤها الألم : رجعتي... علشان الفلوس !
فضغطت مريم على قبضتها لانها رخصت نفسها وشعرت بروحها تتمزق ولكنها اخفت ذلك ونظرت اليه بكل ثقة واردفت قائلة : ايوا رجعت علشان الفلوس ...ولو عايز تمتلكني زي ما قلت يبقى تديني 300،000 جنيه النهاردة .
في تلك اللحظة برزت العروق في رقبة ادهم وتحولت عيناه الى جمرات مشتعلة من شدة الغضب ولكنه سيطر على نفسه ولم يصرخ بها بل امسك علبة سجائره واخرج سيجارة ثم وضعها بفمه واشعلها وبعدها نظر إلى الفتاة بنظرات ثاقبة ونفخ الدخان من فمه قائلاً : افهم من كلامك انك مستعدة تعملي اي حاجة علشان الفلوس ؟
اجابته بثقة مزيفة : ايوا ... هعمل كل حاجة.
ادهم : حتى لو طلبت منك تنامي معايا هتوافقي ؟
وبعد ان قال ذلك ارتعش قلبها بشدة ونظرت إليها بعيون مفتوحة من هول ما سمعته وشعرت بأنها حقيرة للغاية لذا فضلت ان تبقى صامتة ولم تجبه ، اما هو فاخذ نفساً من سيجارته وبعدها نفخ الدخان وقال : سكتي كدا ليه ؛ جاوبيني...انتي مستعد تبيعي نفسك علشان الفلوس ؟
احنت مريم رأسها حتى لا يرى ادهم دموعها التي تكومت في عيناها ...وما ان استجمعت شجاعتها حتى قالت بكل جرأة وبنبرة مقهورة : ايوا... انا جاهزة اعمل كدا.
فاغمض ادهم عيناه بشدة بعد سماعه ذلك وكأنه تعرض لإطلاق نار اصاب قلبه وحطمه فهو كان يتمنى من اعماق قلبه ان يسمع منها اجابة مختلفة لكي تثبت له انها مختلفة وانه لم يخطئ عندما احبها بكل جوارحه وانها ليست كباقي النساء ؛ حيث كان يعتقد ان جميعهن خائنات ولا يهمهن سوى اغراء الرجال للحصول على المال ، ولكنها خيبت ظنه تماماً لذا تنفس بعمق ثم فتح عيناه مجدداً ونظر اليها بنظرة غريبة لم تعرف معنها حيث كانت نظرة حزينة ممزوجة بالغضب الشديد والاحتقار وسرعان ما نهض من مكانه ثم استادر وامسك سترته وارتداها بكل هدوء بينما كانت هي تراقبه والحزن ينهش قلبها لانها رخصت نفسها وقالت ذلك الكلام .
اقترب منها حتى وقف امامها مباشرةً مما جعلها ترتبك ثم نظر في عينيها مطولاً وبعدها اردف قائلاً : مدام انتي جاهزة تعملي اي حاجة علشان الفلوس يبقى اتفقنا .. يلا تعالي ورايا.
قال ذلك ثم تجاوزها وخرج من المكتب... اما هي فتملكها الخوف مما سيحدث ولكنها تجاهلت كل شيء ولحقت به حتى خرجا من الشركة وتوجها نحو موقف السيارات...فنظر اليها ثم اشار لها بأن تصعد في السيارة فصعدت دون تردد ووضعت حزام الأمان وصعد هو ايضاً ثم شغل محرك سيارته الفاخرة وقادها بسرعة جنونية مما جعل الفتاة تتشبث بمقعدها من شدة الخوف ؛ بينما كان هو يحدق بالطرق بتركيز كبير ويبدو عليه الانزعاج الشديد ولم يتفوه بكلمة واحدة طوال الطريق.
وبعد مدة زمنية اوقف السيارة امام البنك ثم قال دون ان ينظر إليها : خليكي هنا.
قال ذلك ونزل من السيارة وتوجه الى داخل المبنى ... وما ان غاب عن انظارها حتى أنفجرت بالبكاء فوراً واخذت تضرب صدرها بقوة وكأنها تعاقب نفسها على الامر السيء الذي ستقدم على فعله ولكن ماذا عساها ان تفعل وهي لا تملك لا حول ولا قوة بينما اختها تصارع الموت ؟
هي حتى لم تفكر ولو مجرد تفكير بأن تطلعه على حالة مرام الراقدة في المستشفى تصارع الموت ولأنها لا تعرف حقيقة مشاعره نحوها ظنت انه لن يصدقها ان عادت إليه وطلبت منه النقود بل اعتقدت وكما يقولون الغاية تبرر الوسيلة وهي كانت على استعداد بأن تموت من اجل ان تعيش اختها .
وبعد نصف ساعة.......
عاد ادهم وهو يحمل حقيبة سوداء ، فرأته مريم لذا مسحت دموعها بسرعة ونظرت إلى الجهة الأخرى اما هو ففتح الباب الخلفي للسيارة ثم رمى الحقيبة على المقعد بقوة وبعدها اغلق الباب وصعد ...وبدون ان ينظر اليها او يقول اي شيء سحب حزام الأمان وربطه بعدها شغل المحرك وقاد سيارته بنفس السرعة الجنونية حيث انه توجه نحو حي بسيط في وسط المدينة ، نظرت م حولها وأستغربت لأنه اخذها الى هناك فقد كانت تعتقد بأنه سيأخذها الى غرفة في احدى الفنادق الكبرى او الى احدى الشقق الفاخرة لذا نظرت اليه ثم سألته : احنا جينا هنا ليه ؟
ولكنه لم يجيبها بل أوقف السيارة بجانب الطريق ونزع حزام الامان ثم قال بنبرة أمر : انزلي.
قال ذلك ونزل قبلها فنزعت حزام الأمان عنها ثم لحقت به وهي تكرر سؤالها وكانت النتيجة نفسها حيث كان يتجاهلها لذا قررت ان تسير خلفه بصمت ....وما هي الا مسافة قصيرة قد مشياها حتى وصلا إلى مسجد الامر الذي جعلها تندهش كثيراً لأنه فاق كل توقعاتها وأثار فضولها بعد ان احضرها الى مسجد فوقفت امامه وسألته بفضول : انت جبتني هنا ليه ؟
فنظر إليها بتمعن لمدة ثلاثين ثانية ثم قال بكل برود وبدون اي مقدمات : انا هتجوزك علشان كدا جينا نكتب كتابنا عند المأذون.
اتسعت عيناها بصدمة شديدة عندما سمعت ذلك وقالت بغير تصديق : ايه ؟؟
رد عليها ادهم بجفاء : انا ما بكررش كلامي ابداً .
فسألته بشيء من الأمل : انت... انت عايز تتجوزني بجد ؟!
اجابها بعصبية : ليوم واحد بس وبعدها هطلقك .
في تلك اللحظة حطم كل انطفأ شعاع الأمل الذي انار قلبها لثواني معدودة وشعرت بخيبة كبيرة لذا سألته بتوتر شديد : ازاي يعني ، انت قصدك هتتجوزني ليوم واحد بس وبعدها هطلقني ؟؟
قال : بالضّبط كدا.
فسألته والدموع تملأ حدقتيها : طب عايز تعمل كدا ليه ؟
في تلك اللحظة أمسك ادهم فكها السفلي بحركة اجفلتها وضغط عليه بقوة قائلاً بنبرة غاضبة : علشان انا راجل بجد ومش فاجر زيك وهنام معاكي على اساس انك مراتي وبعدها هطلقك والفلوس اللي بعتي نفسك علشانهم هتخديهم بعد ما اطلقك ودا هيكون متأخرك وبعدها مش عايز اشوف خلقتك مرة تانيه انتي فاهمة ؟
{ في الحقيقة هو اتخذ ذلك القرار لئلا يجعلها تصبح عاهرة فان اقام معها علاقة محرمة فهي ستصبح كذلك حتماً وهو احبها بصدق ولم يشاء ان يهين نفسه ويرخصها لتلك الدرجة لذا قرر ان يتزوجها ليوم واحد فقط حتى لا يشعر بالندم ان لمسها لان علاقتهما ستكون شرعيه بعد كتب الكتاب }
فترك وجهها وسار امامها اما هي فشعرت بالإهانة لانه نعتها " بالفاجرة " ولكنها شعرت بالطمأنينة والراحة ايضاً لانها ستقيم معه علاقة شرعية وليست محرمة فمسحت دموعها ولحقت به حيث اوقفها بقوله : ماينفعش تدخلي الجامع كدا... لازم تغطي شعرك .
قال ذلك ثم نظر حوله فوجد امرأه كبيرة في السن كانت تفتتح متجراً بجانب المسجد لبيع ملابس المحجبات فتوجه نحوها ثم اشترى حجاباً بنفسجياً وبعدها عاد حيث كانت مريم واقفة تحدق به ؛ رمى الحجاب عليها لكي تغطي شعرها ...وبالفعل فعلت ذلك ثم دخلت خلفه الى المسجد بعد ان خلعا نعليهما فتوجها حيث كان المأذون جالساً يقرأ القرآن..
- السلام عليكم .
قالها ادهم فقام المأذون بتقبيل المصحف ووضعه على رأسه ثم نظر اليه ورد السلام قائلاً : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته.
جلس ادهم بجانبه واشار لمريم لكي تجلس ايضاً فأمتثلت لطلبه وجلست بصمت... اما المأذون فقال : خير يا ابني ؟؟
ادهم : انا اسمي ادهم عزام السيوفي يا حضرة المأذون ودي مريم مراد عثمان واحنا عايزين نتجوز يا وجينا لحد عندك علشان نكتب كتابنا .
فنظر المأذون الى مريم التي كانت تحني رأسها ثم ابتمسم وقال : على بركة الله... بس لازم اسمع رد العروسة الاول .
ادهم : اتفضل اسألها.
فوجه المأذون كلامه لمريم قائلاً : تقبلي تتجوزي الراجل دا يا بنتي بدون ما يكونش غصبك على حاجة ؟
أدمعت عينا مريم وهي تحني رأسها وأومأت له بالموافقة دون ان تتكلم فقال لها المأذون : عايز اسمع ردك يا بنتي ...انتي موافقة تتجوزي الراجل دا ؟
فقالت بصوت خنقته العبرات : ايوا يا حضرة المأذون... انا موافقه اتجوزه .
المأذون : يبقى انتوا محتاجين شهود علشان يكتمل كتب الكتاب.
فنظر ادهم من حوله ورأى رجلين كانا قد اتيا من اجل الصلاة فنهض من مكانه ثم تقدم نحوهما وقال : السلام عليكم..
رد عليه الرجلان : وعليكم السلام.
ادهم : ينفع اطلب منكوا خدمة يا حضرات ؟
احد الرجلين : اتفضل يا بني.
ادهم : بصراحة انا والبنت اللي قاعدة هناك دي عايزين نكتب كتابنا ومحتاجين شهود علشان كدا ينفع تبقوا الشهود على جوازنا بعد اذنكوا يعني؟
فقال الرجل الاخر : وماله ..على بركة الله.
ادهم : متشكر... اتفضلوا .
- ثم توجهوا حيث كانت مريم جالسة ونهض الماذون ثم غاب قليلاً وبعدها عاد وهو يحمل وثيقتين فقام بعقد القران واصبحت مريم زوجة ادهم على سنة الله ورسوله وقد اخذت وثيقة الزواج التي وقعا عليها كلاهما ووضعتها في حقيبتها وهي تبكي بصمت... خرجا من المسجد وتوجه هو نحو سيارته بينما كانت ما تزال تذرف الدموع لانها بدت في نظر من تحب فتاة حقيرة ولم تكن تعلم حقيقة مشاعره نحوها فظنت انه تزوجها بسبب كبريائه وغروره وسيطلقها بعد ان ينتهي منها كما اخبرها وتلك الفكرة اوجعت قلبها واحرقته.
لحقت به نحو السيارة ثم صعدت بجانبه بينما كان هو قد اشعل سيجارة وبدأ يدخنها بصمت... وما ان صعدت حتى شغل محرك سيارته وقادها بهدوء هذه المرة متوجهاً الى مكان اخر غير منزله وكانت الساعة آن ذاك تُشير إلى الخامسة والنصف مساءً ؛ طوال الطريق لم يتحدث اي منهما حيث كان هو يدخن السجائر بإستمرار بينما كانت هي تحدق من نافذة السيارة بصمت وتفكر بشقيقتها التي تركتها بعهدة الهام وما زاد قلقها هو ان شحن هاتفها قد نفذ .
وبعد ساعة ..........
وصل ادهم بسيارته الى فيلا كانت في ضواحي القاهرة وكانت هذه الفيلا خاصة به لوحد ولا يعلم بوجودها اي شخص حيث كان يذهب اليها عندما يشعر بالضيق وعندما يرغب بأن يختلي بنفسه ، اوقف السيارة في مكانها المخصص ثم اطفأ سيجارته وقال بجمود : انزلي.
قال ذلك ثم نزل اولاً وفتح الباب الخلفي للسيارة حيث وضع حقيبة النقود وبعدها حملها وتوجه نحو باب الفيلا بينما كانت مريم تسير خلفه وقلبها ينبض بسرعة من شدة التوتر الممزوج بالخوف... قام بفتح الباب ثم دلف الى الداخل واشعل الاضواء وبعدها وضع الحقيبة على احدى الأرائك في غرفة المعيشة ومن ثم توجه نحو احدى الخزائن واخرج منها زجاجة خمر وكأس وجلس يشرب بإستمرار بينما كانت هي تحدق به بترقب فهو كان واضحاً عليه الضيق والانزعاج لدرجة انه لجأ الى شرب الكحول ونادراً ما كان يشربه اي عندما يكون في ذروة غضبه فقط .
- بعد ان شرب عشرة كؤوس من الخمر دفعة واحدة نظر اليها حيث كانت واقفه بتوتر ثم نهض من مكانه وهو شبه ثمل وسار نحوها وهو يتمايل مما جعلها تخاف...وفجأه امسك بشعرها وقال بصوت غاضب : عايزه فلوس مش كدا ؛ يبقى هتاخديهم بس بعد ما اخلص منك الاول .
قال ذلك ثم حملها فشعرت بقلبها يهوي لانها كانت خائفة جداً ولكن لا مجال للتراجع حيث انها قد تورطت بالفعل واصبحت زوجته الشرعية وله كل الحق بأن يلمسها كما يحلو له فهي وافقت على ان تكون دميته فقط من اجل ان يعطيها المال لكي تنقذ اختها ؛ لذا احاطت عنقه تلقائياً وهي ترتجف بينما صعد على الدرج وهو يحملها والشرر يتطاير من عيناه...اخذها الى غرفة نومه الفاخرة ثم رماها على السرير بقوة وقال بزمجرة : دلوقتي هوريكي مين هو ادهم السيوفي ، اللي كنتي عايزة تضحكي عليه.
فنهضت مريم عن السرير بسرعة وقالت : استنى !
عاد ادهم بخطواته الى الخلف وقد شع شعاع من الامل في قلبه حيث ظن انها تراجعت في كلامها فسألها : عايزه ترجعي البيت ؟
فاستغربت هي من سؤاله وقالت : لا مش عايزه اروح .. انا بس عايزه ....
وقبل ان تكمل جملتها قام بصفعها بكل قوته لانها خذلته مجدداً فهو اعطاها فرصة أخرى لكي تتراجع ولكنها لم تستغلها فسقطت على السرير جراء ذلك ووضعت يدها على خدها ونظرت إليه بصدمة كبيرة ؛ اما هو فقد ادمعت عيناه واصبح لونهما احمر من شدة الغضب وقام بخلع سترته ثم اقترب منها وبدأ يقبلها بقسوة وكأنه يعاقبها لانها باعته نفسها بينما كانت هي تبكي ولم تقاومه مما زاد غضبه حيث انه تمنى لو انها تبعده عنها او حتى تحاول ان تقاومه فاستمر بمعاملته القاسية معها وكان الامر اشبه بالاغتصاب مما جعلها تبكي بألم وهي بين احضانه.
تسارع في الاحداث...........
بعد تلك الليلة الطويلة والقاسية التي مرت على ادهم ومريم وكأنها كابوس مفزع شعر كل واحد منهما بان روحه قد ماتت بالفعل...فهو كان جالساً على الاريكة وهو يرتدي بنطاله فقط ويمسك رأسه غارساً اصابعه بين خصلات شعره وينظر الى الاسفل بصمت بينما كانت هي مستلقية على السرير وتغطي نفسها وهي تبكي بصمت ايضاً ....كانت الساعة آن ذاك تُشير الى الثالثة صباحاً ، فقام ادهم باشعال سيجارة وبدأ يدخنها وهو يرتجف من شدة الغضب وغضبه ذاك لم يكن من مريم بل من نفسه لانه جعلها تتألم كثيراً فهو وبغض النظر عن كل شيء ما زال يعشقها حد الجنون ولكنها جرحته في الاعماق عندما عرضت عليه نفسها مقابل المال حيث انها ذكرته باكبر غلطة ارتكبها في حياته وهي " عشقه لميرا " الفتاة النصف اجنبية والتي خانته من اجل المال و بسببها اصبح بارد الاعصاب الى حد مميت حيث انها اوقعته في حبها عندما كانت تدرس في نفس جامعته وأوهمته بأنها تحبه ايضاً حتى اصبح مفتوناً بها لمدة سنتين.
ولكن في نهاية المطاف اتضح انها كانت على علاقة بشاب اخر مدمن مخدرات وخططا منذ البداية بأن يسرقان امواله بعد ان يخدعاه فقامت بالادعاء ان والدها مهدد بالقتل لانه تورط مع عصابه وان لم يدفع لهم مبلغ قيمته نصف مليون دولار فسوف يقتلونه حتما ً...لذا قام ادهم وبنية صافية بأعطائها شيك بالمبلغ واخبرها انه لن يسمح لاي شخص بأن يجعلها حزينة فاخذت الشيك وذهبت الى البنك برفقة حبيبها المدمن وسحبوا المال وبعدها قرروا الهرب ولكن القدر سخر منهما حيث انهما تعرضا لحادث سير مرعب عندما كانا يحاولان الهرب بالنقود وانفجرت بهما السيارة ، اما هو فكانت صدمته كبيرة لانه اكتشف ان حبيبته كانت تخدعه طوال الوقت من اجل الحصول على امواله فقط كما انها كانت على علاقة غرامية مع شخص اخر في الوقت الذي ادعت به انها تحبه وذلك ما سبب له ندبة كبيرة في قلبه فاصبح يحتقر جميع النساء وتحول من شخص سعيد ومحب الى شخص وقح وبارد للغاية .
- وبعد ان تذكر تلك القصة التي مر عليها اكثر من خمس سنوات ازداد غضباً وخصوصاً لان الامر تكرر حيث انه وقع في حب مريم وعشقها لدرجة الهوس حتى اكثر مما احب ميرا ولكنها اظهرت له ان حكمه على النساء كان صائباً تماماً فهن في نظره مخلوقات خائنة وطماعة لا تستحق الحب ابداً ...لذا استمر في التدخين والشرب حتى الفجر لعله يثمل وينسى كل احزانه بينما كانت مريم تبكي بألم وتترقب اللحظة التي سيطلقها بها بفارغ الصبر حتى تأخذ المال وتذهب إلى المستشفى.
وعندما شع شعاع الفجر نهض ادهم الذي لم يستطع أن يثمل حتى بعدما شرب الكثير والكثير من الخمر وكأن الكحول لم يعد يؤثر فيه ابداً ؛ اخذ نفساً عميقاً وقال بصوت هادئ موجهاً كلامه لمريم التي كانت تبكي بصمت : انا عارف انك صاحية علشان كدا اسمعيني كويس.. انا عايز اخش الحمام دلوقتي ومش عايز اشوف خلقتك هنا لما اخرج تاني.... وانتي هتلاقي فلوسك في الشنطة اللي تحت خدُيهم وامشي من هنا بسرعة وانسي انك قابلتيني في يوم من الايام ويا ويلك مني لو فتحتي بؤك بحرف واحد وحكيتي لاي شخص عن اللي حصل بينا لاني هقتلك لو اتجرأتي وعملتيها .
قال ذلك ثم دخل إلى حمام غرفته دون ان يضيف اي شيئاً اخآخر ر... نعم دخل الى الحمام دون ان يرمي عليها يمين الطلاق وكأنه تعمد فعل ذلك فهو كان على يقين بأنه سيلتقيها مجدداً بغض النظر عن الكلام الذي قاله حيث ان فضوله حرضه لمعرفة السبب الذي دفعها لتبيعه نفسها وتتظاهر بانها فتاة مادية بينما خوفها منه ونظرة الألم في عينيها اظهرت عكس ذلك تماماً لذا لم يشاء ان يطلقها قبل معرفة اسبابها... اما هي فلم تهتم ان كان سيطلقها ام لا وكل همها كان ان تأخذ المال وتذهب الى المستشفى بأسرع مايمكن ، فنهضت عن السرير بصعوبة وارتدت ملابسها وهي تبكي بصوت مسموع مما جعله يتألم كثيراً بينما كان واقفاً في الحمام ويسند ظهره على الباب.
بعدها نزلت عن الدرج وهي تمسح دموعها ثم توجهت نحو الحقيبة السوداء وامسكت بها ويدها ترتجف ثم خرجت من ذلك المنزل الضخم في تمام الساعة الخامسة فجراً وهي تبكي بحرقة وتضغط بقبضتها على تلك الحقيبة التي كانت تحملها بين يديها ، اما ادهم فخرج من الحمام بعد ان تأكد من مغادرتها وقام بسكب كأس ثم امسك به واقترب من نافذة غرفة ... وقبل ان تبتعد مريم عن حدود المنزل التفتت اليه حيث وجدته واقفاً ينظر اليها من خلف نافذة غرفته البلورية وهو عاري الصدر ويمسك بيده كأس مشروب يرتشف منه بضع رشفات بهدوء مميت ..فازداد غضبها وهي تنظر اليه مما جعلها تضغط على الحقيبة التي بيدها بكل قوة وقالت بنبرة صوت مجروحة : حقير...مش هسامحك ابداً.
قالت ذلك ثم بصقت على الارض وهمت بالمغادرة وهي تمسح دموعها بعنف وتضغط على تلك الحقيبة وكأنها تحاول ان تمزقها ، اما هو فاستمر بمراقبتها وهي تمشي في تلك الساعة المبكرة من الصباح حتى ابتعدت عن مجرى نظره تماماً ، وما ان تأكد انها لن تراه حتى قذف كأس الخمرة من يده ورماه ارضاً فأصبح حطاماً ثم بدأ يكسر كل شيء تقع يده عليه وهو يصرخ بصوت اشبه بزئير الأسد قائلاً : ليه .. ليه عملتي كدا ؛ ليه وافقتي بالسهولة دي ... كل دا علشان الفلوس ، مكنتش عايزك توافقي ... كنت عايزك تقولي لا وتضربيني آلم وبعدها تخرجي من هنا ؟!!
- قال جملته الاخيرة بنبرة حزينة وهو ينسدل بجسده الى الاسفل ، فجلس على الأرض سانداً ظهره الى حائط تلك الغرفة الفاخرة والتي تبدو كما لو انها جناح ملكي اكثر من كونها غرفة نوم لشخص واحد ، ثم رفع كلتا يديه وغرس اصابعه بين خصلات شعره بقوة ثم اخذ يضغط عليه بعصبية شديدة جعلت عروق رقبته تظهر كما ان عيناه تجمرت من شدة الغضب.. وبقي على تلك الحال لمدة لا تتجاوز الخمس دقائق ليتنهد بعدها بأستسلام وابعد يديه عن رأسه وقال بنبرة حازمة : كلهم كدا ... اهي دي كمان عملت كدا علشان الفلوس وانا اللي كنت مفتكر انها غير كل البنات بس صدق اللي قال ان الطبع غلب التطبع وهما طبعهم الطمع .
{ ملاحظة : بعد كدا حصلت الاحداث اللي قرأتوها في البارت الاول لما راحت المستشفى واكتشفت ان اختها ماتت وفقدت وعيها .. يعني دي نهاية الفلاش باك ^^ }
تسارع في الاحداث........
مرت خمسة ايام بعد انتهاء عزاء مرام ولم تخرج خلالها مريم من غرفة اختها ابداً ، حيث انها كانت تستلقي على سريرها وتمسك بقطعة من ثيابها تشم رائحتها وتبكي بإستمرار فأصبحت هزيلة بسبب عدم تناولها الطعام وكانت الهام تبقى عندها لكي تخفف وحشتها بينما كانت تتساءل عن امر حقيبة النقود التي كانت في غرفة المعيشة حيث انها ادركت ان صديقتها قد فعلت شيئاً لكي تحصل على هذا المبلغ من اجل اجراء عملية اختها الراحلة ولكنها لم تعرف ما هو هذا الشي... ومن جهة اخرى كان ادهم يفكر في احداث الليلة التي قضاها مع مريم بإستمرار حيث انها حفرت في ذاكرته واصبح نسيانها مستحيلاً بالنسبة له لذا زادت عصبيته لدرجة لا تطاق ابداً واصبح مصدر رعب لمن حوله وخصوصاً لانه لم يسمع اي خبر عن الفتاة بعد تلك الليلة وذلك ما زاد غضبه فهو اشتاق لها بغض النظر عن كل الافكار السلبية التي اخذها عنها عندما باعته نفسها.
وفي اليوم السادس ......
كانت الهام جالسه بجانب مريم وتتوسلها لكي تأكل ولكن الاخيرة كانت ترفض تماماً فنزلت دموع الهام وقالت : ابوس ايدك يا مريم... بطلي تعملي كدا انتي بتخوفيني عليكي !
نزلت دموع مريم وسرعان ما انفجرت باكية : انا مافضليش حد يا الهام ، بقيت لوحدي حتى مرام سابتني !
فعانقتها الهام بقوة قائلة : متقوليش كدا يا مريم... انا معاكي ومش هسيبك ابداً.
واستمرت مريم في البكاء حتى جفت دموعها وما ان هدأت قليلاً حتى سألتها الهام : قوليلي بقى يا مريم.. انتي جبتي شنطة الفلوس دي منين ؟
فمسحت مريم اثار دموعها وازدردت ريقها ثم اردفت : انا هقولك على كل حاجة... بس اوعديني ان اللي هقولهولك دلوقتي هيبقى سر بينا.
الهام : انا بوعدك.
- وبدأت مريم تحكي لصديقتها الهام عن كل ما جرى بينها وبين ادهم منذ ان قابلته لأول مرّة حتى بعد ان غادرت منزله وهي تحمل حقيبة النقود... حيث اخبرتها عن حقيقة مشاعرها نحوه وانها احبته بصدق ولكن الظروف اجبرتها على ان تبيعه نفسها فتزوجها وعاملها بقسوة مما جرح مشاعرها ، وقد شعرت وكأنها عاهرة فصدمت الهام من الذي سمعته وقالت بفزع : قولتي ايه ؛ انتي اتجوزتي ادهم السيوفي ليوم واحد وبعد كدا.... !!
اومأت مريم برأسها دليلاً على نعم ، اما الهام فوضعت يدها على جبينها واضافت : وبعد... وبعد ما حصل اللي حصل طلقك ؟؟
مريم : لأ لسه...انا مشفتوش تاني بعد اللي حصل ومش عايزه اشوفه ابداً .
الهام : طيب هتعملي ايه دلوقتي ؟
مريم : هرجعله فلوسه وبعد كدا هسيب مصر لاني مش هقدر اعيش هنا تاني.
الهام : ايه ؛ عايزة تسيبي مصر وتروحي فين ؟
مريم : معرفش... اي حته غير البلد دي وبعيد عن الراجل البارد اللي اسمه ادهم السيوفي دا.
الهام : طب وانا... عايزه تسيبيني لوحدي يا مريم ؟
مريم : انتي مش لوحدك يا الهام... انتي عندك عيلتك بينما انا .. انا مفضليش حد.
فصمتت الهام قليلاً وكأنها كانت تفكر في امراً ما وفجأة قالت : لاقيتها...
فنظرت مريم اليها وسألتها : ايه هي ؟
الهام : ايه رايك نسافر عند عمي عمر اللي ساكن في اميركا ، انتي تعرفيه دا كان صاحب بباكي الله يرحمه ومش هيعترض لو رحنا عنده .
مريم : قصدك انك عايزه تسافري معايا !
الهام : طبعاً لأنك صاحبيتي الوحيدة وانا مقدرش ابعد عنك ابداً .
مريم : طيب وعيلتك وشغلك في الشركة ؛ انتي عايزة تسيبي كل حاجة بعد ما تعبتي اوي علشان تلاقي الشغل دا ؟
فأمسكت الهام بيد صديقتها وقالت : انتي عندي اهم من كل حاجة يا مريم...اما بالنسبة للشغل اساساً انا مش هقدر اكمل فيه بعد ما انتي مشيتي واكيد هنلاقي شغل تاني لما نروح اميركا وانا متأكدة ان حياتنا هتبقى احسن هناك .
مريم : طيب وبباكي ومامتك ؛ ازاي هيقبلوا انك تسافري وتبعدي عنهم ؟
الهام : هما مش هيعترضوا...اساساً كان نفسهم اني اسافر عند عمي علشان يجوزوني لابنه سعيد اللي كان في فصلنا.. انتي فكراه ؟
فابتسمت مريم بالرغم من حزنها عندما تذكرت سعيد ذلك الفتى الخجول الذي يكون ابن عم الهام والذي كان معجباً بها ولكنه سافر مع والده منذ سنوات طويلة فقالت : ايوا فاكراه .
الهام : يبقى مفيش مشكلة... انا هقول لبابا وماما اني عايزه اسافر معاكي وهنروح عند عمي عمر واكيد هما هيتبسطوا اوي.
مريم : يبقى اتفقنا... انا هروح اسحب كل الفلوس اللي في حسابي علشان اشتري التذكرة و التأشيرة وهنسافر على طول بس لازم ارجع للراجل اللي اسمه ادهم دا فلوسه الاول .
تسارع في الاحداث.............
مر يومان اخران وقامت مريم بسحب جميع المال الذي كان في حسابها المصرفي ولم يكن بالمال الكثير وجمعت اغراضها لكي تسافر مع صديقتها الهام التي قدمت استقالتها من العمل في شركة رويال والتي تبرعت بأن ترجع المال لادهم عوضاً عنها... فذهبت الى مكتبه حيث عادت السكرتيرة سلمى لكي تصبح سكرتيرته الخاصة مجدداً وقالت لها : ازيك يا مدام سلمى ؟
سلمى : خير يا انسه الهام ، انتي جيتي هنا ليه ؟
فوضعت الهام حقيبة النقود السوداء على الطاولة امام سلمى وقالت : من فضلك تقدري تدي ادهم بيه الشنطة دي ؟؟
فنظرت سلمى الى الحقيبة وسألتها : ايه الشنطة دي ؟
الهام : هو هيعرف ايه اللي جواها بعد ما تقوليله انها من مريم وانها مش محتجاها بعد النهاردة .
فرفعت سلمى حاجبها وقالت : قولتي مريم ؟
الهام : ايوا... الشنطة دي تخص ادهم بيه وهو سابها مع مريم صاحبتي بس هي حتسافر ومش حترجع هنا تاني علشان كدا طلبت مني ارجعها له وبما انه مش موجود دلوقتي فهسيبها عندك.
سلمى : طيب... انا هقول له الكلام دا.
الهام : متشكرة.. عن اذنك دلوقتي.
قالت ذلك ثم غادرت... اما سلمى فإنتابها الفضول لمعرفة ماذا يوجد داخل الحقيبة لذا قررت ان تفتحها... وبالفعل فعلت ذلك فشهقت عندما رأت النقود وقالت : فلوس ، بس ليه ادهم بيه ساب فلوسه مع مريم !
وفي اليوم التالي ....توجهت مريم برفقة صديقتها الهام وابويها الى المطار وبعد حفلة التوديع التي حدثت بين الهام وامها صعدن في الطائرة وما هي الا نصف ساعة حتى اقلعت من مطار القاهرة الدولي فكانت الهام متحمسة جداً جداً لانها كانت ستسافر لأول مرّة في حياتها بينما كانت مريم جالسه بجانب النافذة على بعد خمسة مقاعد من مقعد صديقتها وكانت تحدق بالفراغ بصمت وبوجه حزين.
اما في شركة رويال....
فذهب ادهم الى هناك وكان منزعج كالعادة حيث انه اصبح سريع الغضب بعد ما حدث بينه وبين مريم ، صعد الى مكتبه في الطابق الاخير بعد ان تغيب عن العمل في اليوم السابق اي عندما اعادت الهام الحقيبة لأنه كان متعب وقرر البقاء في الفيلة الخاصة به بعيداً عن ازعاج الجميع.. وعندما وصل نهضت سلمى وقالت : اهلاً يا فندم.
فقال لها ببرود : مش عايز اي ازعاج يا سلمى وماتحوليش اي اتصال والغي كل مواعيدي .
سلمى : حاضر يا فندم بس في...
فقاطعها بقوله : مش عايز اسمع اي حاجه دلوقتي.
قال ذلك ثم دلف الى مكتبه ، اما سلمى فتنهدت وجلست في مكانها مجدداً ...وعندما اصبح في مكتبه وقع نظره فوراً على الحقيبة السوداء التي كانت على طاولة المكتب ، فتوجه نحوها بسرعة وعقد حاجباه عندما رأها قائلاً : ايه اللي جاب الشنطة دي هنا !
قال ذلك ثم فتحها بسرعة... وما ان فتحها حتى اتسعت عيناه عندما رأى نقوده بداخلها ولا ينقص منها اي شيء حيث ان مريم اعادت الـ 200 جنيه التي اخذتهم لكي تدفع لسائق سيارة الاجرة عندما ذهبت الى المشفى في يوم وفاة اختها ؛ فترك الحقيبة وخرج من مكتبه بسرعة وسأل : مين اللي رجع شنطة الفلوس اللي في مكتبي يا سلمى ؟
فنهضت سلمى وقالت : جابتها الهام امين صاحبة مريم يا فندم... هي قالت ان مريم حتسافر ومش محتاجة الشنطة دي وطلبت منها ترجعها لك .
في تلك اللحظة تحولت تعابير وجه ادهم الى الجمود وقال في نفسه : تسافر ، لا مش هسمح لها.
قال ذلك ثم ركض نحو المصعد دون ان يقول اي شيء تاركاً خلفه سلمى في حيرة من امرها فقالت : هو ايه اللي بيحصل في الشركة دي !
اما هو فاستقل المصعد حتى نزل الى الطابق الاول وبعدها خرج فصادف كمال في طريقه حيث استوقفه الاخير قائلاً : ادهم... انت كنت فين امبارح ؟
ولكنه تجاهله تماماً وركض حتى خرج من الشركة متوجهاً نحو سيارته ، فاستقلها وقادها راجعاً للخلف وبعدها انطلق بها بأقصى سرعته... اما كمال فحاول ان يلحق به ولكن لم يستطيع فوقف يحدق بالسيارة وهي تبتعد قائلاً : يا ترى ايه اللي حصل ، ربنا يستر بقى.
ثم عاد إلى داخل الشركة بينما كان ادهم يقود سيارته بسرعة جنونية دون ان يعرف وجهته حيث انه قرر الذهاب الى منزل مريم ولكنه نسي أنه لا يعرف عنوانها ....وسرعان ما ادرك ذلك لذا اوقف السيارة بجانب الطريق وامسك هاتفه واتصل على سكرتيرته سلمى فاجابته فوراً : ايوا يا فندم .
ادهم : عايزك تبعتيلي عنوان البنت اللي اسمها مريم مراد عثمان دي حالاً .
سلمى : حاضر يا فندم.
- فاغلق ادهم هاتفه وانتظر حتى ترسل له سلمى عنوان مريم على احر من الجمر... اما هي فقامت بالبحث عن سيرة مريم الذاتية بين الملفات لكي تعرف عنوانها...وعندما وجدتها ارسلت له رسالة هاتفية تخبره بالعنوان... ففتح الرسالة ثم شغل محرك سيارته مجدداً وتوجه إلى البناية التي كانت تسكن فيها مريم بأقصى سرعته ... وما هي الا مدة قصيرة قد مرت حتى وصل الى العنوان فنزل من سيارته وركض بسرعة ثم اقترب من البواب وقال : السلام عليكم.
البواب : وعليكم السلام .
ادهم : لا مؤاخذة تعرف في انهي دور ساكنه البنت اللي اسمها مريم مراد عثمان ؟
فنظر البواب اليه من الاسفل حتى الاعلى ثم سأله : وحضرتك تبقى مين يا استاذ ؟
ادهم : انا جو ... رئيسها في الشغل.
البواب : اه فهمت...شقتها في الدور التاني بس انت مش هتلاقيها في البيت دلوقتي .
ادهم : امال هلاقيها فين ؟
البواب : دي سابت الشقة ولغت عقد الإيجار امبارح وسابت مصر كلها بعد ما اختها الصغيرة ماتت من اسبوع .
فعقد ادهم حاجباه بشدة وسأله بدهشة : قلت ايه ؟؟
البواب : قلت انها سابت من مصر كلها.
فهز ادهم رأسه نفياً وقال بصدمة : قلت ان اختها الصغيرة... ماتت !
البواب : ايوا يا استاذ...المسكينه كانت محتاجة تعمل عملية زرع قلب بسرعة بس لان الانسه مريم اتأخرت ومدفعتش تكاليف العملية الدكاتره مقدروش يدخلوها غرفة العمليات علشان كدا جسمها ما تحملش وماتت الخميس اللي فات .
في تلك اللحظة شعر ادهم بشعور مؤلم للغاية حيث ان قلبه تحطم الى اشلاء واستحقر نفسه كثيراً بعدما ادرك الحقيقة كاملة وان مريم ضحت بنفسها من اجل ان تنقذ اختها الوحيدة ولكن حبل المنية فرق بينهما... ودون ان يشعر نزلت دموعه مثل زخات المطر لانه ظلم محبوبته كثيراً وعاملها بقسوة في اليوم الذي تزوجها به وظن بها سوء وجرحها بكلامه كما انه صفعها بقوة ... فتوجه نحو سيارته بخطوات ثقيلة ودموعه تنساب على وجنتيه بصمت ، وما ان صعد في السيارة حتى فجر بركان المشاعر الذي كان مكبوتاً بداخله وصرخ صرخة عالية عبر بها عن كل حزنه العميق وبعدها اخذ يضرب المقود ويلعن نفسه .
اما في الطائرة المتوجهة إلى نيويورك... كانت الهام تغط في نوم عميق بينما كانت مريم تحدق من النافذة وكان جالساً الى جانبها شاب وسيم للغاية ذو شعر اسود وقسمات وعيون خضراء وذقن خفيفة اعطته رونقاً خاصاً وقد كان يعمل على حاسوبه المحمول بصمت مما جعل منه جذاباً للغاية ؛ فجأة شعرت مريم بالأعياء فوضعت يدها على فمها وحاولت ان تمنع نفسها من التقيء فنظرت حولها ووجدت قارورة ماء امامها لذا ارادت ان تفتحها وتشرب القليل ولكن الأمر ازداد أكثر عندما اهتزت الطائرة لذا نهضت من مكانها ثم ربتت على كتف الشاب فنظر إليها وقال : خير يا انسه ، انتي كويسه ؟
اشارت له بيدها اليسرى لكي يفسح لها مجالاً من اجل ان تمر وتذهب إلى حمام الطائرة بينما كانت تضع يدها اليمنى على فمها ... فنهض بسرعة واضاف : اه... اتفضلي.
فذهبت بسرعة وكان وجهها شاحباً للغاية ، تقيأت وبعدها غسلت وجهها وعادت الى مكانها فنهض الشاب مجدداً لكي يفسح لها مجالاً لتجلس مجدداً فنظرت اليه وقالت بصوت ضعيف : متشكره.
ثم جلست وارادت ان تفتح قارورة الماء لكي تشرب ولكنها كانت مغلقة بشدة لذا لم تستطيع ان تفتحها لانها كانت ضعيفة ولا تمتلك القوة لتضغط على نفسها بسبب قلة الأكل ، فنظر اليها الشاب ثم وضع حاسوبه جانباً ودون اي تردد اخذ قارورة الماء من يدها قائلاً : خليني اساعدك.
فنظرت اليه وهو يفتح القارورة وغمغمت : م.. متشكره... تعبتك معايا.
اعطاها الشاب الماء وابتسم بعفوية قائلاً : على ايه... دا اقل واجب.
فشربت مريم بعض الماء بينما كان هو يحدق بها وبعد ان انتهت سألها : احسن !
اومأت برأسها قائلة : ايوا... متشكره.
الشاب : العفو...شكلك اول مرة تسافري في الجو مش كدا ؟
مريم : ايوا... دي اول مره اركب طياره واخرج برا مصر .
الشاب : وليكي حد عايش في نيويورك ؛ طبعاً لو مش هزعجك بسؤالي.
مريم : لا ابداً ..هروح اقعد عند صاحب بابا انا وصاحبتي اصله يبقى عمها...وحضرتك يا استاذ !
فابتسم الشاب وقال : خلينا نتعرف الاول...انا خالد... خالد نجم رجل أعمال حره .
يتبع...
قراءة ممتعة للجميع ♡
- صافحت مريم الشاب المدعو خالد وقالت : وانا مريم مراد ....مصممة مواقع الأيكترونية ومبرمجة تطبيقات .
خالد : اتشرفنا .
مريم : الشرف ليا انا .
وابتسم خالد ثم استطرد : متقلقيش ، طبيعي تحسي بدوخة علشان دي اول مرة تسافري في الطيارة وكمان شوية وقت هتتعودي وكل حاجة هتبقى تمام .
مريم : باين على حضرتك انك مقضيها سفريات في الطيارة مش كدا يا استاذ خالد ولا انا غلطانة ؟
خالد : عندك حق , انا فعلاً بسافر كتير ودا بحكم شغلي لأني راجل اعمال وبقضي معظم وقتي برا مصر .
مريم : وعيلتك بيسافروا معاك برضو ولا بتسافر لوحدك ؟
في تلك اللحظة تغيرت تعابير وجه خالد فقال بنبرة حزينة : الوالد والوالدة...تعيش انتي ، وانا كنت ابنهم الوحيد ومعنديش قرايب غير عمة وحده عايشه معايا في نيويورك وانا بعتبرها امي التانية لان هي اللي ربتني من وانا صغير .
وبعد قوله ذاك شعرت مريم بالحزن لانها تذكرت افراد عائلتها الذين ماتوا واحداً تلو الآخر وتركوها وحدها فذرفت دمعتين رغماً عنها وقالت بنبرة مخنوقة : اصعب حاجة في الدنيا لما الموت يخطف منك اعز انسان على قلبك... بس هنعمل ايه بقى ، هي دي الحياة... محدش بيدوم وكل الناس هيموتوا في الاخر.
قالت ذلك ومسحت دموعها فأنتبه عليها خالد واردف بتوتر : الظاهر انا فكرتك بحد كان غالي على قلبك جداً بس هو... مات مش كدا ؟
ازدردت مريم ريقها واجابت : ايوا... عيلتي.
فسألها خالد بغير تصديق : كلهم... ماتوا !
ردت عليه بنبرة مرتجفة للغاية : في الاول ...بابا توفى قبل تلات سنين بحادثة شغل وبعدين... ماما ماتت من سنة تقريباً..ومفضلش غيري انا واختي الصغيرة بس هي ... هي كمان راحت الاسبوع اللي فات وسابتني لوحدي...
قالت ذلك واجهشت بالبكاء الامر الذي اربك خالد ولم يعد يعلم ما الذي يجب أن يفعله ، فقال بتلعثم : انا...انا اسف يا انسة مريم ، مكنش قصدي افكرك بحزنك بتمنى انك تسامحيني.
فمسحت مريم دموعها مجدداً وهزت رأسها بالنفي قائلة بصوت مخنوق : ولا يهمك... اساساً انا مستحيل انسى الموضوع دا ابداً ، يعني انت مفكرتنيش فيه.
اخرج الشاب منديله الحريري من جيب سترته وقدمه لها قائلاً : اتفضلي... امسحي دموعك وانا اسف مرة تانية .
فنظرت مريم اليه لتجد في عينيه نظرة صادقة وحزينة يغلب عليها بعض الندم لانه جعلها تبكي فابتسمت واخذت المنديل من يده واردفت : متشكره...وارجوك بلاش تعتذر لانك مغلطش في حاجة .
ثم مسحت دموعها وابتسم هو لها وقرر ان يغير الموضوع إذ قال بعفوية : قوليلي بقى ...هي فين صاحبتك اللي سافرت معاكي ؟
اشارت مريم نحو مقعد الهام التي كانت بعيدة عنها قليلا ًوتغط في سبات عميق ثم اجابت : شايف البنت اللي نايمة هناك ، هي دي بقى صاحبتي واسمها الهام أمين ودي تبقى اجدع واروع صاحبة في الدنيا كلها وانا بعتبرها اختي مش بس صاحبتي .
في تلك اللحظة تحركت الهام اثناء نومها وعبثت بشعرها فأصبح فوضوياً مما جعل خالد يبتسم وقال : دي باين عليها طيبة اوي.. بتشتغل ايه ؟
مريم : برضو مصممة مواقع إلكترونية .
خالد : جميل... انتوا بتشتغلوا نفس الشغلانه وكمان صحاب حاجة حلوه.
مريم : ايوا بس انا تخصصي هندسة الكترونية وبرمجة تطبيقات بينما التخصص بتاعها برمجة مواقع والتسويق الإلكترونى.
خالد : وانتي تعرفيها من امتى ؟
مريم : من وحنا صغيرين اصلها....
{ ويستمر الحديث والتعارف بينهما }
عوده الى مصر ...
كان يقود سيارته بسرعة جنونية ويبحث عنها كالمجنون الذي يبحث عن آبره في كومة قش ، عيناه تشتعل وكأنها جمرات غارقة بالدموع كما كان يعقد ما بين حاجبيه بشدة فتكون بينهما شق عميق وكان وجهه مشدوداً للغاية مما جعل عظمام فكيه وعروق رقبته تظهر للعلن ، ويديه كانتا تضغطان على مقود السيارة بقوة كبيرة وكأنه يحاول ان يحطمه ... وبينما كان على تلك الحال صاح بنبرة غاضبة : ازاي اتجرأت ؟
ثم ضرب المقود بيديه واردف : مين اداها الاذن علشان تسيبني وتخرج برا مصر .. مين سمح لها تبعد عني ببساطة كدا ؛ هي فاكره لو انها قدرت تسيب مصر مش هعرف الاقيها يعني ، دا انا ادهم عزام السيوفي وهلاقيكي يا مريم لو كنتي تحت سابع ارض ومش هسمحلك تسيبني ابداً ...مش المرة دي ودا وعد مني .
قال ذلك وزاد من سرعة سيارته ولكن سراعان ما تذكر شيئاً مهماً لذا ضغط بقدمه على الفرامل واوقف السيارة في منتصف الطريق فجأة مما سبب عرقلة سير في الشارع فاخذت ابواق السيارات تصدر اصواتاً وسمع شتائم السائقين.. فقال احدهم : ايه انت مجنون ؟!
وآخر : وقفت كدا ليه يا متخلف ، عايز تعمل حادثه ؟!
وآخر : انت اعمى ولا ايه ؟!
وآخر : لما انتوا متعرفوش تسوقوا تركبوا عربيات ليه ؟!!
ولكنه لم يهتم لاي شخص منهم بل قام بتدوير السيارة وعاد بها الى البناية حيث كانت تسكن مريم... وما هي الا مدة قصيرة قد مرت حتى وصل فترجل وركض متوجهاً نحو البواب وسأله بلهفة : متعرفش هي سافرت فين ؟
فنظر البواب اليه بغرابة وقال : لا يا بيه... محدش يعرف لانها سافرت فجأة.
اشاح ادهم بنظره عن الرجل كما لو كان يفكر بشيء وسرعان ما عاد ونظر اليه قائلاً : متشكر.
ثم عاد الى سيارته وهو يقول في سره : اكيد البنت اللي اسمها الهام دي تعرف مريم راحت فين ، انا لازم اسألها .
قال ذلك ثم صعد في السيارة وشغل المحرك وقاد بنفس السرعة الجنونية حتى وصل إلى الشركة وتوجه فوراً إلى القسم الذي كانت تعمل فيه الهام ؛ وقف جميع الموظفين عندما رأوه وقد شعروا بالتوتر لانه دخل دون سابق إنذار واخذ يبحث عن احدهم بين المكاتب... فاقترب منه مدير القسم وسأله بتردد : عايز.. عايز حاجة يا فندم ؟
نظر ادهم اليه وسأله : فين الموظفة اللي اسمها الهام أمين ؟
المدير : الهام أمين ، هي استقالت من الشغل بقالها يومين .
قطب ادهم حاجبيه بشدة وسأل بدهشة : استقالت ؟!
المدير : ا.. ايوا يا فندم.
فصاح ادهم بغضب : وانا ليه معرفش ، هو انا رجل كنبة في الشركة دي ولا ايه ؟
ارتعش المدير من شدة التوتر وقال بتلعثم : ح.. حضرتك م.. مكنتش هنا لما هي قدمت استقالتها ومحدش قدر يوصلك ابداً.
في تلك اللحظة اعاد ادهم شعره الى الخلف وبعدها خرج من القسم كما لو انه اعصار ، اما الموظفين فتنهدوا بقوة لان الخطر زال عنهم.... فذهب هو الى مكتبه في الطابق الاخير حيث نهضت سلمى بسرعة عندما رأته وقالت : نورت يا فندم.
فأقترب منها وقال بلهجة أمر : اتصلي على البنت اللي اسمها الهام أمين دي وخليها تيجي الشركة حالاً.
سلمى : تحت امرك يا فندم.
- ثم دخل ادهم الى مكتبه اما سلمى فوقفت تحدق بالباب وقالت بتساؤل : هو ايه اللي بيحصل بالضبط ؛ في الاول مريم ودلوقتي الهام ... يا ترى ايه اللي عملوه البنتين دول لادهم بيه ؟
قالت ذلك ثم تنهدت وبدأت تبحث في هاتفها عن رقم الهام الشخصي وعندما وجدته حاولت الاتصال بها ولكن النتيجة كانت ان الهاتف خارج نطاق الخدمة...فحاولت مره ثانية وثالثة ورابعة وكانت النتيجة نفسها فتنهدت مجدداً ثم نهضت من مكانها واقتربت من باب مكتب ادهم ؛ اخذت نفساً عميقاً وبعدها طرقت الباب ودخلت فوجدته واقفاً امام النافذة ينظر من خلالها إلى الشارع والمباني الاخرى بتركيز كبير وكان يدخن سيجارة والدخان يتصاعد من حوله ؛ اقتربت قليلاً ووقفت خلفه ثم اردفت : انا جربت اتصل عليها يا فندم بس الموبايل بتاعها مقفول.
نفث ادهم الدخان من فمه وقال بهدوء : جربي تتصلي بأهلها ...اكيد هتلاقي رقمهم في الـ CV بتاعها.
سلمى : حاضر.
قالت ذلك ثم خرجت من المكتب وعادت الى مكتبها وبدأت تبحث في الكومبيوتر عن سيرة الهام الذاتية وعندما وجدتها اكتشفت ان الفتاة لم تكتب في سيرتها الذاتية رقم هاتف منزلهم وانما سجلت رقم هاتفها الشخصي فقط بالاظافة الى العنوان ؛ لذا دونت العنوان على ورقة صغيرة وعادت الى مكتب ادهم حيث وجدته واقفاً بنفس الوضعية فقالت : انا اسفه يا فندم بس الانسة الهام مكتبتش رقم تليفون البيت في الـ CV بتاعها وانما سجلت رقم الفون الشخصي والعنوان ...وانا سجلتهولك على الورقة دي .
فالتفت ادهم اليها ثم اخذ الورقة من يدها والقى عليها نظرة واحده فقط وبعدها اعادها الى سلمى ومر من جانبها متوجهاً نحو باب مكتبه دون ان ينبس ببنت شفة ، فخرج واستقل المصعد... اما هي فتنهدت وقالت : الظاهر ان البنتين دول عملوا حاجة كبيرة والا مكانش ادهم بيه هيدور عليهم بنفسه ...ربنا يستر بقى.
تسارع في الأحداث ......
أصبحت مريم صديقة لخالد نجم حيث انهما تعرفا على بعضهما البعض اكثر بعد جلوسهما لعدة ساعات بجانب بعضهما في الطائرة كما انه راق لها وشعرت انه شخص صادق وحنون ولا تعلم لما شعرت بالراحة لانها تحدثت معه ، وبالنسبة له فهو اعجب بها وبشخصيتها ورقتها وشعر انهما سوف يلتقيان مجدداً وان هذا اللقاء لن يكون الاول والاخير بينهما... فقام بأعطائها بطاقة عمله وقال : دي البطاقة بتاعتي وفيها كل ارقام تليفوناتي وعنوان شركتي ... لو احتجتي اي حاجة لما نوصل بتمنى انك تتصلي بيا.. وكمان يا ريت تفكري بموضوع الشغل اللي عرضته عليكي .
فاخذت مريم البطاقة منه وقالت : متشكره يا استاذ خالد... ولو احتجت مساعدة اكيد هتصل بيك عارف ليه ؟
فابتسم خالد وسألها : ليه ؟
مريم : علشان انت شخص كويس وانا استريحتلك اوي.
اتسعت ابتسامة الشاب واردف : دي شهادة بعتز فيها.
مريم : اما بالنسبة للشغل فانا محتاجة افكر.. يعني زي ما حضرتك عارف اني معرفش اي حاجة في نيويورك ومحتاجة شوية وقت علشان اتعود على جوها وناسها وكمان موضوع تدقيق الحسابات دا هيبقى صعب شوية لان دا مش تخصصي .
خالد : طبعاً دا حقك... وانا بتمنى انك توافقي لان زي ما قولتك شركتي محتاجة الناس الاذكية اللي زيك وزي صاحبتك مع اني لسه ما قابلتهاش.
فضحكت مريم بخفة وقالت : متقلقش... انا عارفه الهام كويس ، هي مجنونة شوية وبتحب تهزر وتضحك على طول بس وقت الشغل هي تبقى حاجة تانية خالص ولو حصل نصيب علشان نشتغل في شركة حضرتك اكيد هيعجبك شغلها اوي لانها بتشتغل من كل قلبها .
- وبينما كانا يتحدثان سمعا صوت انثوي يقول بالانجليزية : يرجى من السادة المسافرين ربط الاحزمة لان الطائرة ستهبط بعد عشر دقائق في مطار جون إف كينيدي الدولي { في ولاية نيويورك }
فنظرت مريم الى خالد وابتسمت قائلة : يا خبر.. احنا وصلنا ومحسيناش بالوقت !
خالد : جايز لاننا اتكلمنا مع بعض الوقت عدى بسرعة .
ابتسمت مريم بإشراقة ونظرت من نافذة الطائرة إلى تلك المدينة الرائعة ذات المباني العالية وبلد الحرية " مدينة نيويورك "وبينما كانت تحدق بـِ اضواء المباني المتلألئة اتسعت ابتسامتها اكثر مما جعل خالد يبتسم ايضاً بعد ان رآها تبتسم بالرغم من الحزن الذي كان ظاهراً على وجهها فسألها : عجبتك نيويورك ؟
التفتت اليه وهي تبتسم وقالت بلهفة : تجنن...انا كنت بشوفها في الانترنت وبسمع عنها بس لما تبص عليها من فوق كدا تحس بالحرية والراحة .
خالد : يبقى هفسحك فيها... ايه رأيك ؟
هتفت بلهفة : بجد !
رد عليها بابتسامة : طبعاً في اي وقت تحبي.
فقالت : ميرسي اوي يا استاذ خالد.
قالت ذلك ثم شردت قليلاً واردفت بتساؤل : الهام.. معقول لساها نايمة ؟!
ثم التفتت بجسدها قليلاً لتلقي نظرة على صديقتها وكان تخمينها صحيحاً حيث كانت الهام ما تزال نائمة وكأنها جثة هامدة الامر الذي جعل مريم تشهق قائلة بدهشة : معقول ، دي مصحيتش من ساعة ما الطيارة طارت !
فنظر خالد نحو الهام ايضاً وسألها : هي صاحبتك نومها تقيل ولا ايه حكايتها ؟
مريم : لا ابداً دي بتصحى لو سمعت دبة النملة بس جايز شربت منوم علشان تنام اصلها عندها ارق الفترة دي ومش بتنام الا بعد ما تشرب المنوم .
خالد : اه فهمت.
مريم : هروح اصحيها علشان تربط الحزام.
خالد : ماينفعش تقومي دلوقتي لاننا على وصول.. انا هقول لمضيفة الطيران انها تصحيها.
مريم : تمام.
- وبالفعل قام خالد بالتحدث مع مضيفة الطيران باللغة الإنجليزية وطلب منها ان تقوم بإيقاظ الهام فأومأت له برأسها وذهبت نحوها ، وعندما ايقظتها شعرت الهام بان جسدها متشنج للغاية لانها نامت لساعات طويلة دون ان تشعر باي شيء يجري من حولها... فنظرت إلى مقعد مريم ووجدتها تلوح لها بيدها فقامت بفرك عيناها ورفعت يدها لتلوح لها قائلة بداخلها : يخرب بيت ام النوم... اهو انا سبت مريم قاعدة لوحدها جنب الراجل الغريب دا ومعرفش لو كانت استريحت ولا لأ .
وما هي الا مدة قصيرة قد مرت حتى هبطت الطائرة في " مطار جون إف كينيدي الدولي " بسلام فنزل منها المسافرون وتوجهوا نحو البوابات ، اما الهام فركضت نحو مريم التي كانت واقفة مع خالد وقالت : انا اسفه يا ميمي بس شربت منوم ومابقتش حاسه بحاجة.
مريم : ولا يهمك المهم اننا وصلنا بخير وسلامة .
الهام : عندك حق .
ثم التفتت الى خالد وما ان رأته حتى سحرها بوسامته وجاذبيته وطوله وكل شيء فيه ، فابتسمت ببلاهة وكأنها نسيت العالم من حولها وسألت بصوت هائم : مين المز دا يا ميمي ، هو القمر ساب السما ونزل الارض ولا ايه ؟!
ابتسم خالد حتى ظهرت غمازته عندما سمع ذلك اما مريم فشعرت بالاحراج من تصرف صديقتها الطائشة لذا ركضت نحوها بسرعة واغلقت فمها بيدها وقالت بصوت خافت : يا مجنونة ؛ انتي تهبلتي ولا ايه ؟!
فعادت الهام الى طبيعتها واستيقظت من هيامها وادركت ما قالته فشعرت بالاحراج الشديد... اما خالد فمد يده ليصافحها قائلاً : ازيك يا انسه الهام ؟
صافحته الهام مستغربة لانه عرف اسمها وقالت بدهشة : الحمد لله ... بس حضرتك تبقى مين ؟!
اجابتها مريم : اعرفك...خالد نجم رجل اعمل وتجارة حره...ودي بقى صاحبتي الهام اللي حكيتلك عنها يا استاذ خالد.
فابتسم خالد وقال : اتشرفت بمعرفتك يا انسه الهام.
الهام : الشرف ليا يا استاذ .
قالت ذلك ثم اقتربت من مريم وهمست لها : انتي يا بنت.. اتعرفتي على القمر دا فين ؟
فتنهدت مريم وردت عليها بالهمس ذاته : كان قاعد جنبي في الطياره ...بطلي عبط وخليكي تقيلة لحسن هيفتكر انك بنت من البنات الطايشه اللي بتعاكس الرجاله .
قالت ذلك ثم نظرت إلى خالد وابتسمت كما فعلت الهام المثل.. اما هو فاستطرد قائلاً : ا... بما اننا وصلنا تحبوا اوصلكوا بطريقي ؟
مريم : متشكرين جداً يا استاذ خالد بس مش عايزين نتعبك معانا .
الهام : ايوا .
خالد : ولا تعب ولا حاجة...انا عايز اوصلكوا لان مينفعش اسيبكوا لوحدكوا في بلد اجنبية وانتوا متعرفوش حد فيها.
الهام : لا انا عمي عايش هنا وهو قال انه هيبعت ابنه علشان ياخدنا من المطار .
مريم : اه صحيح... سعيد قال انه هيجي ياخدنا من هنا بس الظاهر انه نسي .
الهام : انا هتصل بيه
خالد : ملوش لازمة...رجاءً خلوني اوصلكوا بيت عمك يا انسه الهام... متقلوش انا مش هخطفكوا.
قال جملته الاخيرة ممازحاً فابتسمت الهام وقالت : لا العفو..مش دا قصدنا ابداً .
مريم : مكنش القصد يا استاذ خالد بس بجد احنا مش عايزين نتعبك معانا.
خالد : ولا تعب ولا حاجة... وبعدين مش انا اللي هسوق دا السكرتير بتاعي يعني مش هتعبوني ابداً.
فتنهدت مريم وقالت : دا هيبقى كرم منك يا خالد بيه.
ابتسم خالد قائلاً : يلا اتفضلوا.
- قال ذلك ثم امسك بمقبض حقيبته وجرها متوجهاً خارج المطار فلحقت به كل من مريم والهام.. وما هي الا دقيقة حتى اتى شاب طويل القامة وعريض الكتفين وكان يبدو من هيئته وشعره الاشقر انه اجنبي فتوجه نحو خالد واخد الحقيبة من يده قائلاً بالانجليزية : اهلاً بعودتك سيدي.
رد عليه خالد : شكراً لك ديميتري.. هل السيارة جاهزة ؟
ديميتري : اجل سيدي.
خالد : حسناً ، ساعد هاتان الانستين ايضاً وافتح لهما باب السيارة.
ديميتري : حاضر سيدي.
- ثم اخذ حقائب مريم والهام ووضعهن في صندوق سيارة الـ BMW الخاصة بخالد وبعدها فتح لهن الباب الخلفي فنظرت الهام الى مريم ووجدتها تتصرف على طبيعتها كما لو كانت تعرف خالد منذ زمن طويل ؛ فتنهدت وصعدت ايضاً في السيارة وجلست بجانب صديقتها اما خالد فجلس في المقعد الأمامي بجانب سكرتيرة ديميتري وقال له : let's go / هيا انطلق.
اما في مصر.....
فكان الوقت يختلف عن الولايات المُتحدة حيث كانت الشمس ما تزال ساطعة وفي كبد السماء ...وبالنسبة لادهم كان قد وصل إلى منزل عائلة الهام ليسألها عن مريم حيث انه لم يكن يعرف بأنها سافرت مع صديقتها ، ولكنه خرج من البناية بخيبة أمل كبيرة فهو لم يجد احداً في المنزل لان اهلها قد ذهبوا الى الإسكندرية لزيارة بيت اهل السيدة صفية { ام الهام } وقرروا المكوث هناك لمدة طويلة ومن سوء حظه انهم تركوا منزلهم دون ان يخبروا اي احد من جيرانهم اين ذهبوا فظن ان ابنتهم سافرت معهم لذا قال بتذمر : وبعدين بقى ... انا لازم الاقي مريم بأسرع ما يمكن والا هتضيع مني يجد !
وبينما كان واقفاً امام البناية ورده اتصال من شقيقته رغد فاجابها : ايوا يا رغد..
فقالت له ببكاء : الحق ماما يا ادهم.... دي تعبت اوي ونقلناها المستشفى !
في تلك اللحظة اتسعت عينا ادهم وقال بهلع : بتقولي ايه ؛ تعبت... ازاي تعبت ؟
رغد : مش وقت الكلام دلوقتي....تعالى بسرعة !
فاغلق ادهم هاتفه وركض نحو سيارته ثم صعد بها وقادها بأقصى سرعة الى المستشفى الذي يعمل فيه شقيقه معاذ وزوجته سلوى... وعندما وصل نزل من سيارته دون ان يطفئ المحرك وركض بأسرع ما يمكنه الى داخل المبنى حيث كانت رغد واقفة بجانب غرفة العمليات برفقة العم محمود وزوجته امينه وابنيهما سمير ووفاء ، فتوجه نحوها وسألها بقلق : ايه اللي حصل يا رغد ، وفين ماما ؟
وما ان رأته رغد حتى عانقته بقوة وانفجرت بالبكاء قائلة بصوت متقطع : احنا كنا قاعدين في الجنينة... و.. وهي تعبت فجأة وفقدت وعيها ...ومعاذ قال انها اتعرضت لنوبة قلبيّة ولازم تعمل عمليه بسرعة.
ادهم : ايه !
فاقترب العم محمود منهما ووضع يده على كتف ادهم قائلاً : متقلقش يا ابني ... اخوك ومراتوا دخلوا اوضة العمليات وهما اللي هيعملوا العملية للست هانم وان شاء الله هتعدي على خير.
ادهم بقلق : ازاي معاذ دخل العملية ، دا ممكن يغلط في حاجة لان اللي جوا تبقى ماما وهو اكيد خايف عليها دلوقتي.
اجابته امينة زوجة العم محمود : هو اصر انه يعمل لها العملية بنفسه وسلوى قالت انها هتساعده.
فاخذ ادهم يربت على ظهر شقيقته التي كانت تعانقه وهي تبكي وقال لها : خلاص يا رغد...متعيطيش لان العايط مش هيجيب نتيجة دلوقتي.
ردت عليه رغد بنبرة باكية : انا خايفه يا ادهم... خايفه على ماما اوي.
فمسح ادهم دموعها قائلاً : متخفيش يا حبيبتي...ان شاء الله كل حاجة هتبقى تمام.
في نيويورك........
قام خالد بتوصيل مريم والهام الى عنوان منزل عمها " السيد عمر" حيث كان المنزل بسيطاً وجميلاً مكون من طابقين وحديقة صغيرة ، فنزلن من السيارة كما فعل هو المثل وقالت مريم : متشكرين جداً يا استاذ خالد...تعبناك معانا.
خالد : ولا تعب ولا حاجة... هو دا البيت ؟
فالتفتت الهام واجابته : ايوا... هو دا العنوان اللي بعته عمي.
خالد : يبقى انا همشي دلوقتي... اتشرفت بمعرفتكوا.
مريم : واحنا اكتر... ومتشكره مرة تانية .
خالد : العفو...ومتنسيش تفكري في الموضوع اللي تكلمنا عنه .
مريم : ولا يهمك.
خالد : يلا سلام.
- ثم غادر وهو يرسم على محياه ابتسامة مشرقة ، اما الهام فقالت : يا لهوي على الجمال ؛ مش بس جمال دا طلع اخلاق برضو وباين عليه شخص طيب اوي.
فنظرت مريم اليها وضربتها على جبينها بخفة واردفت : يا مجنونه... ازاي قدرتي تعاكسي الراجل كدا عيني عينك لما كنا في المطار ؟
فابتسمت الهام وردت بعفوية : يمكن لو قلتلك مش هتصدقيني يا ميمي بس والله العظيم دا دخل على قلبي زي العسل اول ما قبلته ...تقولي هو دا الشخص اللي كنت بدور عليه طول عمري وفجأه ظهر قدامي .
فتنهدت مريم واردفت : لا انتي باين عليكي اتجننتي على الاخر... يلا خلينا ندق باب بيت عمك احسن ما نفضل برا طول الليل .
الهام : اه صحيح...يلا بينا.
- قالت ذلك ثم حملت حقيبتها وسارت برفقة صديقتها مريم حتى دخلن الى فناء المنزل حيث كان المكان هادئ بأستثناء صوت التلفاز الذي كان صادراً من الداخل...فقامت بقرع جرس الباب ونظرت إلى مريم وما هي الا دقيقة حتى فتحت لهن فتاة جميلة ، ابتسمت وقالت بلكنة مصرية مكسرة : اكيد انتوا الهام ومريم مش كدا ؟
استغربت الهام من امر هذه الفتاة الاجنبية لانها كانت تعلم ان لديها ابن عم واحد وهو سعيد فقالت : وانتي تبقي....
الفتاة : جين ... انا جين مرات سعيد ابن عمك .
في تلك اللحظة ارتسمت ابتسامة عريضة على وجه الهام وهتفت بنبرة حماس : هو سعيد اتجوز !
ردت عليها جين : ايوا.
الهام : الحمد لله ، تعالي في الحضن يا حبيبتي .
قالت ذلك واخذت تعانق جين بطريقة مبالغ فيها فسحبتها مريم من ذراعها وعاتبتها قائلة : مالك يا الهام ؛ ما تهدي شوية.. الله !
اما جين فابتسمت وقالت : اتفضلوا.
فدخلت الهام واردفت بسعادة غامرة : يا حبيبتي يا جين ؛ اسمك جين برضو مش كدا ؟
أومأت جين برأسها دليلاً على نعم واجابت : ايوا.
الهام : انتي متتخيليش انا فرحتلكوا قد ايه.
جين : متشكره.
في تلك اللحظة سمعن صوت سيدة كانت تنادي قائلة : جين.. انتي فين يا بنتي ؟
فقالت جين بلكنتها المكسرة : انا.. هنا يا ماما.
وعندما ظهرت السيدة واذ بالهام تصرخ قائلة : طنت سهيله... وحشتيني..
قالت ذلك وركضت نحو المرأة المدعوة سهيلة والتي تكون زوجة عمها ثم عانقتها باندفاع ، اما هذه الاخيرة فابتسمت وسالتها : انتوا جيتوا امتى يا بنتي ؟
ابتعدت الهام عنها واجابت : من شوية.
فابتسمت سهيله وسألتها : ازيك يا روحي ؟؟
الهام : الحمد لله بس انا زعلانه منك.
سهيلة : ليه بقى ؟
الهام : كدا برضو يا سوسو متسأليش عني طول السنتين اللي فاتوا ؛ هو انا مش بنتك كمان ولا ايه ؟
فابتسمت سهيلة وقالت : ومين قلك اني مكنتش اسأل عنك ؛ انا كنت بكلم مامتك كل اسبوع تقريباً علشان اطمن عليكوا بس انتي كنتي بتتأخري في الشغل ومكنتش عارفه اوصلك ابداً .
الهام : مادام كدا يبقى هعديها لك المره دي... ودلوقتي بصي انتي فاكرة مريم يا طنت مش كدا ؟
فنظرت سهيلة إلى مريم وابتسمت قائلة : هو حد يقدر ينسى القمر دا ، بسم الله ما شاء الله... انتي كبرتي اوي يا مريم عن اخر مرة شفتك فيها .
ابتسمت مريم وسألتها : ازيك يا طنت ؟
فعاتبتها سهيلة قائلة : عايزه تسلمي عليا كدا من غير ما تحضنيني برضو ؟
مريم : ودا كلام ؟
قالت ذلك ثم اقتربت منها وعانقتها... وما ان عانقتها حتى انفجرت بالبكاء لانها تذكرت والدتها حيث ان سهلية كانت صديقة امها سعاد منذ زمن ...فقالت : وحشتيني اوي يا طنت...انتي متتخيليش انا محتاجالك قد ايه.
فبكت سهيلة ايضاً وقالت : الله يرحم امك يا بنتي.. انا زعلت اوي لما سمعت الخبر...وكمان قلبي اتقطع على اختك اللي راحت كدا زي نسمة الهوا ، بس هنعمل ايه بقى دا كأس حتشرب منه كل الناس.
في تلك اللحظة نزلت دمعة الهام ولكنها سيطرت على نفسها ومسحت دموعها ثم استطردت : جرى ايه يا جماعة ؛ احنا هنفضل واقفين على الباب كدا ؟
واخذت تتلفت حولها ثم اضافت : وبعدين فين عمي ؛ دا وحشني اوي وكمان سعيد انا مش شايفاه .
فاجابتها جين بلكنه مكسره : بابا أومر قاعد جوا وسئيد نزل الشغل بس مش هيتأخر .
فنظرت الهام اليها بغرابة وسألتها : بابا... مين ؟
فضحكت سهيلة وقالت : الله عليكي يا جين.. بقالي سنة بعلمك وبرضو مش قادرة تلفضي حرف العين كويس !
قالت ذلك ثم نظرت إلى مريم والهام واضافت : جين مرات ابني ، اصلها اجنبية وهما اتجوزوا من سنة تقريباً وهي اسلمت علشان بتحب سعيد واتعلمت تتكلم مصري بس لسه متعرفش تلفظ اسمه واسم عمكوا عمر كويس.
فابتسمت مريم وقالت : اتشرفت بمعرفتك... انا مريم مراد .
جين : اهلاً ..م.. مريم .
واستطردت سهيلة قائلة : يلا اتفضلوا... اكيد عمكوا عمر هيفرح اوي لما يشوفكوا.
- وبالفعل دخلن الى غرفة المعيشة حيث كان السيد عمر عم الهام جالساً على الاريكة يشاهد التلفاز.. وما ان دخلت الهام الى الغرفة حتى احدثت ضجة عالية بصراخها قائلة : عموووووو... وحشتني يا حبيبي !
فنهض الرجل وقال بدهشة : مين .. الهام ؛ مش على اساس انك هتيجي بكرا يا بنتي ؟
ركضت الهام وعانقته قائلة : جرى ايه يا عموره ؟، انا ما وحشتكش ولا ايه ؟
ضحك السيد عمر وقال : ودا كلام برضو ؛ انا مبسوط انك هتقعدي معانا يا حبيبتي.
قال ذلك ثم نظر إلى مريم وابتسم قائلاً : نورتينا يا مريم يا بنتي... اخبارك ايه ؟
فابتسمت مريم وقالت : الحمد لله يا عمي.. انتي عامل ايه ؟
السيد عمر : انا كويس والحمد لله بس بقيت احسن بعد ما شفتكوا.
واضافت سهيلة : اهلك كلمونا يا الهام وقالوا انكوا هتوصلوا بكرا هو ايه اللي حصل بالزبط ؟
فضحكت الهام واردفت : الظاهر ان ماما اتلخبطت في الوقت لان زي ما انتوا عارفين ان التوقيت بيختلف بين مصر واميركا.
واستطردت جين قائلة : انا جهزت لكوا اوضة النوم اللي هتقعدوا فيها من امبارح ...هروح اطلع شنطكوا.
فقالت مريم : ميرسي اوي يا جين ...تعبناكي معانا.
فابتسمت جين وقالت : أفواً .
فصححتها سهيلة بقولها : عفواً يا جين مش أفواً ...قولي ورايا عفواً .
جين : أفواً .
سهيلة : عفواً ..ع. ع. مش أ.
فقال السيد عمر : خلاص بقى يا سهيلة... سيبي البنت في حالها انا زهقت عنها.
نظرت اليه زوجته وقالت : مهو لازم افضل اصححها علشان تتعلم.
فقالت الهام : ولا يهمك يا طنت...انا هعلم جين بدالك ومن بكرا كمان.
جين : متشكره يا الهام مش كدا ؟
الهام : ايوا يا حبيبتي انا الهام وتقدري تعتبريني اختك من اللحظة دي .
فقالت سهيلة : طيب يلا قوموا علشان تستريحوا وانا هروح اجهز العشا... اكيد سعيد هيتبسط اوي لما يعرف انكوا وصلتوا بخير وسلامة .
- وبالفعل ذهبت الهام ومريم برفقة جين التي ارشدتهن الى غرفتهن وقالت : انا رتبت السرير وجهزت الحمام ألشان تاخدوا راحتكوا.
الهام : متشكره يا قمر.
ابتسمت جين وقالت : هسيبكوا بقى تستريحوا.
قالت ذلك ثم خرجت من الغرفة اما الهام فقفزت من شدة الفرحة مما جعل مريم تنظر اليها بتعجب وسألتها : انتي اتجننتي ولا ايه ؟
فامسكت الهام بيدها وابتسمت قائلة : سعيد طلع متجوز يا ميمي يعني احتمال ان عمي يجوزهولي بقى زيرو...انتي سامعاني زيرو.
مريم : وانتي فرحانه كدا ليه ؟
الهام : علشان انا عمري بعتبر سعيد زي اخويا بس اهلي كانوا عايزيني اتجوزه ... لكن دلوقتي خلاص هو طلع متجوز وبيان ان مراته طيبة اوي.
مريم : بس ازاي مكنتيش تعرفي ان ابن عمك اتجوز... طنت سهيلة قالت انه اتجوز جين من سنة يعيني انتي واهلك مكنتوش تعرفوا ولا انتي بس اللي مكنتيش تعرفي ؟
الهام : فعلاً دي حاجة غريبة... محدش قال لي ان ابن عمي اتجوز ؟
مريم : جايز علشان جين اجنبية محبوش حد يعرف .
الهام : معقول ؟
مريم : كل حاجة جايزه يا بنتي.
الهام : خلاص ..المهم ان فكرة جوازي من سعيد بقت مستحيلة ودا معناه اني هقدر اتجوز فارس احلامي المز خالد نجم .
قالت ذلك بلهجة هيام وعشق ورمت نفسها على السرير وهي تبتسم وكأنها في عالم آخر... فنظرت مريم اليها وهزت رأسها قائلة : الصبر يا ربي ، انتي لسه شايفاه من ساعتين بس ازاي بقى فارس احلامك ؟
الهام : هو دا الحب من اول نظرة يا بنتي... انتي مسمعتيش عنه قبل كدا ولا ايه ؟
في تلك اللحظة تغيرت تعابير وجه مريم واصبحت حزينة لانها تذكرت ادهم...فهو كان حبها الاول والاخير ولكن الظروف لم تسمح لها بأن تعيش ذلك الحب وقتلته قبل ان يبدأ ... فادمعت عيناها وقالت : مفيش حاجة اسمها حب يا الهام... جايز يكون في الافلام والروايات بس مش في الحقيقة .
صرحت بذلك ثم فتحت باب الحمام ودخلت وبدأت تبكي بصمت ، اما الهام فجلست على السرير وتنهدت قائلة : اكيد افتكرت ادهم بيه... دي باين عليها انها بتحبه اوي والا مكانتش سابت مصر كلها علشان تقدر تنساه .
عودة الى مصر...........
كان ادهم واخته رغد وعائلة العم محمود ينتظرون امام باب غرفة العمليات بترقب وقلق خوفاً على السيدة كوثر التي دخلت إلى العملية منذ ثلاث ساعات...وبينما كانوا ينتظرون جاء كمال وهو يركض فسألهم بقلق : ايه اللي حصل لطنت كوثر ؟
اجابه ادهم : نوبة قلبية يا كمال وهي لسه في العملية.
في تلك اللحظة خرج معاذ من غرفة العمليات فهرع الجميع نحوه وسأله ادهم بقلق : ماما كويسه يا معاذ ؟
فتنهد معاذ وقال : الحمد الله العملية نجحت وهي عدت مرحلة الخطر ، انا سبت سلوى تخيط لها الجرح وهنخرجها كمان شوية بس لازم تفضل في العناية لغاية ما حالتها تستقر .
فتنفس الجميع الصعداء واقترب ادهم من شقيقه ثم عانقه قائلاً بنبرة متأثرة : متشكر يا معاذ لأنك مغلطش في حاجة والعملية نجحت.
اجابه معاذ : متشكرنيش ابداً دا انا معملتش غير واجبي تجاه امي وحمد الله على سلامتها.
وسأل كمال : بس ازاي حصلت لها النوبة القلبية يا معاذ ؟
معاذ : الظاهر ان ماما كانت مخبية علينا مرضها وتعبت فجأة.
في تلك اللحظة عاد ادهم إلى شخصيته القوية وسأل بشيء من الانزعاج : ومخلتوش بالكوا منها ليه ، مش على اساس دكاتره قاعدين معاها في نفس البيت ازاي سبتوها تتعب ؟
فقالت رغد : مش وقت الكلام دا دلوقتي يا ادهم ...انت مش شايف اننا خايفين على ماما ؟
اما كمال عاتبها قائلاً : رغد... مايصحش تتكلمي مع اخوكي الكبير بالشكل دا.
ردت رغد بانزعاج : مهو حضرته كمان مذنب... يعني عايز يحملنا المسؤولية لوحدنا وهو منعرفش بيروح فين ومع مين ... اساساً بقاله اسبوع مرجعش البيت والله واعلم هو بيعمل ايه وبينام عند مين .
صرخ ادهم عليها بصوت اشبه بزمجرة الاسد : رغد ؛ قسماً بالله العظيم لو رجعتي وقولتي الكلام دا تاني فانا هقطع لسانك انتي سامعه ؟
فتجمعت الدموع في عيون رغد وسرعان ما بكت لذا عانقتها امينة زوجة العم محمود واخذت تهدأ من روعها اما معاذ فقال : هدي نفسك يا ادهم...رغد بس خايفه على ماما ومكانتش قاصده تقول الكلام دا وبعدين الغضب مش هيجيب نتيجة دلوقتي .
رد عليه ادهم بعصبية : انت مسمعتش هي قالت ايه ، دي فكراني عماله العب وهيص ومتعرفش اني....
قال ذلك ثم صمت فقال كمال : خلاص يا ادهم...دي اختك الوحيدة برضو ومينفعش تتزعلها في وقت زي دا.
أراد ادهم ان يتحدث ولكن سلوى خرجت من غرفة العمليات وقالت : العملية خلصت يا جماعة .
فنظر الجميع اليها وقال لها زوجها : جهزوا اوضة العناية علشان ننقل ماما عليها ومش عايز حد يدخل هناك يا سلوى ماشي.
سلوى : متقلقش .
اما رغد فمسحت دموعها وامسكت بيد شقيقها الثاني معاذ وقالت : انا عايزه اشوف ماما يا معاذ.
فوضع معاذ يده على خدها وقال : مينفهش تشوفيها دلوقتي يا حبيبتي..استني اما تصحى ماشي.
رغد : ارجوك خليني اشوفها.
فقال لها ادهم : بطلي عبط بقى.. قالك ممنوع تشوفيها دلوقتي يعني ممنوع .
فنظرت اليه بانزعاج وسرعان ما اشاحت بنظرها عنه وكتفت ذراعيها قائلة : طيب خلاص..هستنى اما تصحى.
اما هو فقال : كمال... تعالى انا عايز اكلمك .
كمال : ماشي.
ثم ابتعدا عن البقية قليلاً وسأله كمال : في ايه يا ادهم ؟
ادهم : انا مش هروح الشركة اليومين دول علشان كدا عايزك تخلي بالك من الشغل.
كمال : متقلقش...بس علشان خاطري يا ادهم متزعلش رغد وصالحها ماشي.
فتنهد ادهم وقال : انت مسمعتش هي قالت ايه .. دي طلعتني مش مسؤول قدام الكل ، الظاهر انا دللتها اوي علشان كدا لازم ارجع اربيها من اول وجديد.
كمال : معليش يا ادهم...اكيد هي كانت خايفة على طنت كوثر وزي ما انت عارف انها بتخاف من الموت اوي بعد ما بباك الله يرحمه مات قدامها .
فعاد ادهم بذاكرته إلى اليوم الذي توفي فيه والده السيد عزام السيوفي جراء ازمة قلبية مفاجئة امام ابنته رغد عندما كانوا جالسين معاً في حديقة منزلهم لهذا السبب اصبحت الفتاة تخاف من فكرة الموت كثيراً بالرغم من قوة شخصية الا ان قلبها ضعيف تجاه هذا الموضوع ؛ فتنهد بقلة حيلة وقال : خلاص..هبقى اصالحها بعدين.
تسارع في الاحداث...........
- مر ذلك اليوم الشاق على ادهم كما لو انه عام ...فهو كان خائف على امه التي اجرت عملية خطيرة وكادت ان تفقد حياتها لولا ان الله امد بعمرها ونشلها من قبضة ملاك الموت ، كما انه كان دائم التفكير بحبيبته مريم التي كانت السبب في هيجانه على الاخرين وغضبه من نفسه لانها هاجرت وتركته بعد ان اصبح مهووساً بها فخرج الى حديقة المستشفى لكي يدخن حيث اصبحت السجائر رفيقته الدائمة ؛ اشعل سيجارة وجلس على احد المقاعد واخذ يسحب الدخان منها ويدخله الى رئتيه وبعدها يخرجه من انفه وفمه وهو شارد الذهن... واستمر على تلك الحال حتى انهى تدخين خمس سجائر الواحدة تلو الأخرى مما جعله يسعل فرمى اخر سيجارة على الارض وداس عليها بقدمه لكي يطفأها وبعدها وضع يده في جيب بنطاله واخرج منها قلادة مصنوعة من الفضة ؛ كانت دائرية الشكل ويبدو من شكلها انها تحتوي على صورة...فقام بفتحها وبالفعل كانت تحتوي على صورة لمريم وهي تحتضن اختها مرام وتبتسم بعفوية وسعادة .
- وهذه القلادة تعود لوالدة مريم السيدة سعاد وكانت ترتديها دائماً لانها تحتوي على صورة ابنتيها ، ولكن بعد ان ماتت اصبحت لمريم التي وضعتها حول عنقها في جنازة امها ولم تنزعها ابداً الا عندما وقعت منها في غرفة ادهم عندما تزوجا وهو وجدها في اليوم التالي بعد ان غادرت هي مع حقيبة النقود لذا احتفظ بها لانها تحتوي على صورة حبيبة قلبه كما يدعوها ولعنته الأبدية التي لن يتخلص منها ابداً .
رفع القلادة قليلاً حتى أصبحت أمام عيناه وفتحها ثم نظر إلى صورة مريم واختها وقال بنبرة حزن : انا محتاجلك... انتي فين ؛ ارجوكي ارجعي انا مقدرش استحمل غيابك عني.
وقال ذلك ثم ذرف دمعة دون ان يشعر فمسحها فوراً عندما سمع صوت شقيقه معاذ يناديه لذا وضع القلادة في جيبه والتفت إليه قائلاً : في ايه يا معاذ ؟
فاقترب معاذ منه وسأله : انت كويس يا ادهم ؟
ادهم : ايوا.
معاذ : مش هترجعوا البيت ؛ الوقت اتأخر اوي وانتوا لازم تستريحوا.
فنهض ادهم وقال : هخلي سمير يوصل رغد البيت وانا هفضل هنا.
معاذ : متقلقش يا خويا انا وسلوى هنفضل هنا وانت لازم ترجع البيت لان ما ينفعش نسيب اختنا لوحدها ، وبعدين انت شكلك تعبان اوي ومش هتقدر تعمل اي حاجة لو فضلت هنا لانك مش دكتور.
فتنهد ادهم واردف : طيب خلاص... انا هاخد رغد ونروح وانت ابقى طمنا لما ماما تصحى.
معاذ : متشلش هم.
ادهم : معاذ... انا مش عايز اوصيك... خلي بالك من ست الكل يا خويا لان مالناش غيرها ماشي .
فشعر معاذ بأن اخيه حزين لانه نادراً ما كان يتحدث معه بتلك الحنية فوضع يده على كتفه وقال : هحطها جوا عنيا يا ادهم.. بس انت متزعلش نفسك بسبب اللي قالته رغد لانها مكانتش قاصده تزعلك منها ابداً .
ادهم : انا مش زعلان من رغد... بصراحة هي عندها حق يعني انا المسؤول عن العيلة ولازم اخلي بالي منكوا كويس بس... بسبب الشغل اضطريت اني ابعد عنكوا شوية .
معاذ : انا عارف انك مشغول في مشاكل الشركة والموظفين بتوعك بس انت كمان لازم تستريح شويه لان جسمك ليه حق عليك ولو فضلت تتعب نفسك كدا أكيد حتنهار.
ادهم : متقلقش عليا... انا عندي مشكلة صغيرة ومش هستريح غير اما احلها.
فتنهد معاذ وقال : ربنا يهدي سرك يا خويا.
قال ذلك ثم تركه وعاد لمناوبته... اما ادهم فأخرج القلادة من جيبه مجدداً ونظر اليها قائلاً : ايوا يا مريم.. انا مش هقدر ارتاح غير اما الاقيكي ساعتها مش هسيبك تبعدي عني ابداً.
تسارع في الاحداث.............
- في صباح اليوم التالي في نيويورك استيقظت مريم قبل الهام وكانت تشعر بشعور غريب...حيث ان جسدها كان خاملاً وتشعر بالتعب والإرهاق ، فنهضت عن سريرها بتكاسل وفجأة شعرت بالدوار ورغبة في التقيء لذا ركضت بسرعة نحو الحمام وبدأت تتقيء في المرحاض مما جعل صديقتها الهام تشعر بها فنهضت بسرعة وذهبت لكي تستفقدها في الحمام قائلة : مريم ؛ انتي كويسه يا حبيبتي ؟
قالت ذلك وهي تربت على ظهر مريم التي كانت تتقيء ، وعندما انتهت رفعت السيفون ونهظت ثم غسلت وجهها بالماء البارد وبعدها نظرت إلى الهام وقالت : انا كويسه متقلقيش.. بس جايز تعبت لان الرحلة كانت متعبة .
فوضعت الهام يدها على جبين مريم وقالت : حرارة جسمك طبيعية... يبقى مفيش عندك سخونية.
ابتسمت مريم واردفت : قولتلك انا كويسه...وهبقى احسن بعد ما اعمل شاور .
قالت ذلك ثم توجهت نحو الخزانة واخرجت بعض الملابس من رفها ثم دخلت الى الحمام مجدداً لكي تستحم.. اما الهام فقالت : وانا هرجع انام شويه لغاية ما تخلص الشاور بتاعها.
قالت ذلك وعادت الى سريرها...اما في الاسفل فكانت جين تساعد السيدة سهيلة بتجهيز مائدة الإفطار بينما كان كل من سعيد ووالده السيد عمر يجلسان في الحديقة فقال الاول : ماما باين عليها انها مبسوطة لان الهام ومريم هيقعدوا معانا.
فابتسم والده وقال : هي دي امك... قلبها طيب وبتحب كل الناس ودا اللي بحبه فيها .
سعيد : ربنا يخليها لينا .
اما في مكان اخر من نيويورك ؛ وفي منزل كبير بالتحديد.. نزلت الى الاسفل سيدة انيقة وجميلة وكانت تبدو في الخمسين من عمرها فابتسمت عندما رأت التلفاز مشغلاً في غرفة المعيشة وقالت : اكيد خالد رجع .
قالت ذلك ثم توجهت نحو المطبخ ووقفت على عتبة الباب تراقب ذلك الشاب الوسيم الذي كان مشغولاً في تجهيز الفطور فابتسمت وقالت : good morning يا حبيبي.
فالتفت اليها وسرعان ما ابتسم قائلاً : وحشتيني يا سوسو .
قال ذلك ثم توجه نحوها وعانقها فبادلته العناق وبعدها ابتعدت عنه وسألته : رجعت امتى يا خالد ؟
خالد : امبارح بالليل .
سحر : طيب ليه ما صحتنيش ؟
خالد : محبتش ازعجك...قلت اعملهالك مفاجأة.
فقامت بقرص وجنتيه وابتسمت قائلة : ودي اجمل مفاجأة يا حبيبي.
فضحك خالد وقال : ما خلاص بقى يا سوسو ..انا كبرت ومابقتش عيل صغير .
سحر : حتى لو بقى عندك تسعين سنه انت هتفضل ابني الصغير وحبيب قلبي الوحيد.
فأمسك خالد يدها وطبع عليها قبله صغيرة ثم قال : ربنا ما يحرمنيش منك... يلا قعدي انا جهزتلك الفطار.
توجهت سحر الى مائدة الإفطار وابتسمت قائلة : هتفضل تحضر الفطار بنفسك لغاية امتى يعني ؟
فوضع خالد امامها كأس عصير وقال : لغاية ما اتجوز وجيبلك عروسه تعكنن عليكي العيشه .
فضحكت وقالت : لا بجد يا خالد انت لازم تتجوز علشان يبقى عندك عيلة .
خالد : ما انا عندي عيلة... انتي عيلتي الوحيدة يا سوسو .
قال ذلك ثم ابتسم لها واستدار لكي يحضر الخبز المحمص اما هي فاردفت : متتهربش من الموضوع يا حبيبي...لاني بتكلم جد وانت لازم تتجوز.
فنظر اليها وقال : متقليش يا عمتي... انا اكيد هتجوز بس لازم الاقي البنت المناسبة في الاول.
سحر : وهتلاقيها امتى دي ؟
في تلك اللحظة شرد خالد قليلاً واخذ يتذكر مريم والساعات القليلة التي قضاها برفقتها اثناء رحلتهما في الطائرة ثم ابتسم تلقائياً وقال : قريب جداً ...انا متأكد اني هلاقيها .
فتنهدت سحر وقالت : ربنا يتمملك على خير يا بني... يلا خلينا نفطر.
تسارع في الاحداث...........
خرجت مريم والهام برفقة جين لكي يتعرفن على نيويورك وكانت السعادة ظاهرة على وجوههن لان المدينة اعجبتهن ومن حسن حظهن ان السماء كانت صافية في ذلك اليوم... فقالت جين بلكنتها المكسرة : انا هبقى المرشد بتأكوا النهاردة وهفسحكوا في أماكن جميلة .
فضحكت الهام وقالت : مش المرشد بتأكوا... قولي بتاعكوا يا حبيبتي .
ابتسمت جين وكررت : بتأكوا.
فصححتها الهام : بتاعكوا..
في تلك اللحظة قالت مريم : خلاص يا لولو سيبيها تقول اللي هي عايزاه، اساساً دا انجاز عظيم انها قدرت تتكلم عربي وهي اجنبية .
فقالت جين : ماما سهيلة كانت بتألم دايماً وكمان سأيد .
الهام : وانا كمان هفضل وراكي لغاية ما تبقى تتكلمي عربي احسن مني.
فابتسمت جين وقالت : اوكي.
فاستطردت
اما مريم : انا عايزه اتفسح في البلد كلها النهاردة... يلا يا جين ورينا الاماكن الحلوه اللي هنا.
جين : يلا.
- وبالفعل تنزهن واستمتعن في وقتهن طوال اليوم وتعرفن على جين اكثر حيث انهن اصبحن صديقات وخصوصاً لان جين كانت تكبرهن بسنتين فقط اي انها كانت في الثالثة والعشرين من عمرها.
اما في مصر ، فكان اولاد السيدة كوثر جالسين برفقتها في غرفة المستشفى حيث كانت رغد جالسة بجانبها وتطعمها بيدها بينما كان معاذ ممسكاً بيد زوجته سلوى وكانا جالسين على الأريكة ينظران اليها ، اما بالنسبة لادهم فكان خارج الغرفة يتحدث في هاتفه وكان يبدو عليه انه منزعج إذ قال بنبرة عصبية خافتة : انا مليش دعوة يا عاصم... عايزك تلاقيها وتعرف هي راحت فين انت سامع ؟
أجابه المدعو عاصم : بس يا فندم احنا مش مباحث علشان نعرف المعلومات دي... يعني احنا يا دوب شركة أمن صغيرة وشغلنا اننا نحافض على الامان في شركة حضرتك .
ادهم : افهمني يا عاصم... انا لازم الاقي البنت دي بأي ثمن والا مش هقدر ارتاح.
عاصم : طيب حضرتك متعرفش هي سافرت فين ؛ يعني على الاقل لو نعرف البلد اللي راحت لها هنقدر نلاقيها.
ادهم : لو كنت اعرف مكنتش طلبت منك انك تدور عليها اساساً.
فتنهد عاصم وقال : خلاص يا فندم... احنا هنحاول نجيب معلومات عنها وبكدا يمكن نقدر نلاقيها.
ادهم : هستنى منك خبر.
قال ذلك ثم اغلق الهاتف وزفر تنهيدة طويلة قائلاً : فينك يا مريم ؟
اما عاصم والذي يكون رئيس الفريق الأمني الخاص بشركة رويال فقال محدثاً نفسه : مريم مراد عثمان... تطلعي مين يا ترى علشان تخلي ادهم عزام السيوفي يدور عليكي كدا ؟
تسارع في الاحداث........
- مر ثلاثة أسابيع على سفر مريم والهام واصبحت نيويورك موطنهن الجديد حيث انهن كانتا سعيدتين بالمكوث عند عائلة السيد عمر وما خفف وحشتهن هو ان جين زوجة سعيد اصبحت بمثابة اختهن الكبيرة كما ان سهيلة والبقية كانوا يعاملوهن بلطف كبير ومحبة ؛ اما بالنسبة لادهم فكان يفصل بينه وبين الجنون خيطاً رفيعاً لعدم تمكنه من ايجاد زوجته حتى بعدما وكل فريقاً أمنياً لكي يبحثوا عنها ، ولكنهم لم يتمكنوا من ايجادها لأنها سافرت دون ان تترك خلفها اي دليل يدل على مكانها... لذا قرر عاصم " رئيس فريق الأمن في الشركة " ان يذهب الى المطار ويستخرج قائمة بأسماء المسافرين الذين خرجوا من مصر في الاسابيع الاخيرة ولكن لسوء الحظ لم يسمح له جهاز الأمن الخاص بالمطار بمعرفة اي معلومات بأدعائهم ان ما يطلبه هو انتهاك لخصوصية المسافرين لذا عاد إلى الشركة بخيبة امل وما زاد الطين بلة هو اتصال ادهم به فتنهد بقوة كما لو كان يجهز نفسه لتلقي التوبيخ وبعدها اجاب قائلاً : ايوا يا فندم.
فقال ادهم الذي كان جالساً في مكتبه في الشركة : ها... عملت ايه يا عاصم ؛ جبت المعلومات ؟
عاصم : مع الاسف مقدرتش ؛ الامن في المطار مسمحليش اعمل كدا لان دي تعتبر انتهاك خصوصية .
فضغط ادهم على الهاتف بيده حتى كاد ان يكسرة وسأله بنيرة غضب : يعني افهم من كلامك انك مقدرتش تلاقي مريم لغاية دلوقتي ؟!
عاصم : انا اسف يا فندم.
ادهم : لو مش هتعرف تلاقيها يبقى انا هدور عليها بنفسي.
قال ذلك ثم اغلق الخط وسرعان ما رمى الهاتف على الارض حتى اصبح حطاماً وصرخ : وبعدين بقى ، هي اتبخرت ولا ايه ؟
عند مريم ، كانت تساعد سهيلة في تجهيز العشاء وبينما كانت تقطع الخضار شعرت بالأعياء فجأة لذا ركضت الى الحمام بسرعة وبدأت تتقيء في المرحاض الامر الذي جعل سهيلة تستغرب من امرها ولحقت بها ثم وقفت امام باب الحمام واخذت تطرقه قائلة : مريم.. انتي كويسه يا بنتي !
سحبت مريم السيفون ونهضت ثم قالت بصوت مرتجف : ايوا يا طنت بس معدتي وجعاني شوية .
سهيلة : اكيد اكلتي حاجة مش كويسه... هروح اعملك كباية عصير برتقان جايز تخفي بعد ما تشرييها.
قالت ذلك ثم غادرت اما مريم فغسلت وجهها وبعدها نظرت إلى نفسها في المرآة ثم احنت رأسها قليلاً ونظرت إلى بطنها ووضعت يدها عليه قائلة : معقول انا... حامل !
يتبع.
قراءة ممتعة للجميع ♡
- دخل ادهم إلى غرفة امه في المستشفى بعد ان كان يجري مكالمة هاتفية في الشرفة ثم امسك سترته التي كان يضعها على الأريكة وارتداها قائلاً : انا عندي شغل مهم دلوقتي ولازم امشي... مش عايز اوصيك في ماما يا معاذ.
فنهض معاذ من جانب زوجته وقال : متشغلش بالك اساساً هي هتخرج بكرا بأن الله.
اما السيدة كوثر فانتهت من تناول الحساء من يد ابنتها رغد وقالت : في حاجة يا ادهم ؛ انت شكلك متعصب اوي.
فاقترب ادهم منها وقبل جبينها قائلاً : متشغليش بالك بالحاجات دي يا ست الكل...انتي بس خفي بسرعة علشان ترجعي وتنوري البيت زي زمان اصله وحش اوي من غيرك.
فابتسمت السيدة كوثر واردفت : ربنا يخليك يا حبيبي.
ادهم : خلي بالك منها يا رغد.
رغد : حاضر .
ادهم : ومش عايز اسمع انها زعلت من اي واحد فيكوا لان مش هيحصل طيب لو حد زعلها انتوا سامعين !
فقالت سلوى : مخلاص يا ادهم... يعني حد يقدر يزعل القمر دا .
فضحكت السيدة كوثر قائلة : يا حبيبتي يا سلوى... وانت يا ادهم بطل تهدد خواتك لان محدش هيزعلني.
ادهم : انا مش بهددهم يا ماما وانما بنبه عليهم بس .
قال معاذ بسخرية : لا مهو واضح انك بتنبه علينا... على العموم متقلقش.
فتنحنح ادهم واستطرد : طيب انا همشي وجايز اتأخر في الرجعة النهاردة ...سلام دلوقتي.
قال ذلك ثم غادر الغرفة فخرج من المشفى وتوجه نحو سيارته وهو يتحدث في الهاتف مع سكرتيرته سلمى قائلاً : عايزك تلغي كل اجتماعاتي بتاعة الاسبوع الجاي لاني مش هاجي الشركة في الفترة دي .
سلمى : بس يا فندم ما ينفعش نلغي كل الاجتماعات والا الشغل هيوقف وهنتحط في موقف محرج احنا في غنى عنه .
فتنهد ادهم وقال : طيب ماشي متلغيهمش وانا هخلي كمال ينوب عني في الموضوع دا.
سلمى : حاضر يا فندم.
- ثم اغلق ادهم الهاتف وقال محدثاً نفسه : لو الامن في المطار مسمحوش لعاصم انه يجب معلومات عن مريم لان دي تعتبر انتهاك خصوصية يبقى انا اكيد هقدر اجيب المعلومات دي لانها مراتي حسب الشرع ، والقانون بيقول انها ما ينفعش تسافر من غير موافقتي وبكدا اكيد هعرف هي راحت فين وهقدر ارجعها لحضني تاني .
وبعد ان عث في نفسه شعاع من الأمل بقوله لتلك الكلماتِ وضع نظارته الشمسية لتخفي عيناه المتلألئة كما لو انها بلورات سوداء حالكة ممزوجة بالحزن ؛ بعدها صعد في سيارته الفاخرة وانطلق بها متوجهاً الى المطار ليطالب بحقوقه المشروعة بمعرفة مكان زوجته التي هاجرت دون سابق إنذار ، وعندما وصل سُلطت الأضواء عليه كونه احد اشهر رجال الأعمال في البلاد واخذت العيون تتبعه بترقب وهو يمشي بشموخ كما لو كان اسداً عزيز النفس مرفوع الهامة بحلته السوداء الداكنة ونظارته الشمسية التي تخفي تحتها بحر من الحزن الممزوج بالحدة ، فتوجه نحو مكتب الاستقبال وقال للموظف بنبرة صوت واثقة : انا كنت بعت واحد من الرجالة اللي بيشتغلوا عندي علشان يجيبلي شوية معلومات عن وحدة ست سافرت برا مصر من تلات اسابيع بس مع الاسف ماقدرش يعرف هي راحت فين... ممكن تقولي ليه ما اديتهوش المعلومات دي يا...
قال ذلك ثم نظر إلى بطاقة الاسم المثبتة على قميص الموظف واضاف : يا تامر .
ازدرد المدعو تامر ريقه من شدة التوتر بسبب هذا الوحش الذي اخافه حتى وهو يتحدث بهدوء فقال بتلعثم : ا.. انا اسف يا فندم بس... النظام بيقول اننا مينفعش ندي اي حد معلومات عن المسافرين لان دا يعتبر انتهاك للخصوصية بس نقدر نعمل كدا في حالة وحدة بس لو كان الشخص اللي سافر برا البلد واحد من عيلة حضرتك فأكيد هقدر اساعدك.
في تلك اللحظة رسم ادهم شبح ابتسامة على زاوية شفتيه ثم رفع يده ببطء ونزع نظارته عن عيناه ونظر إلى تامر بنظرة اربكته ومن ثم قال : يبقى كدا احنا هنقدر نتفاهم... انا عايز اعرف مراتي سافرت فين وعايزك تساعدني في الموضوع دا وانا هكرمك متقلقش.
رمش تامر عدة مرات محاولاً استيعاب ما قاله ادهم لأنه يعرف كما تعرف البلد كلها ان ادهم عزام السيوفي لم يسبق له وان تزوج ابداً ولكن ها هو الان يطالب في معرفة اين ذهبت زوجته ...فنظر اليه بنظرات تملؤها التساؤلات وسأله بدهشة وتوتر : هو حضرتك اتجوزت يا فندم ؟!
وضع ادهم يده اليسرى في جيب بنطاله واشار لتامر بيده اليمنى لكي يقترب منه وبالفعل اقترب قليلاً فأمسك الاول بربطة عنقه بلطف وهدوء لكن جعله يرتعب عندما قال بنبرة تهديد واضحة : لو حد تاني عرف عن الموضوع دا اعتبر ان نهايتك قربت ماشي.
أومأ تامر برأسه والعرق يتدفق من جبينه كما لو انه تعرض لإطلاق نار في خاصرته وقال بتوتر شديد : اعتبر اني مسمعتش حاجة يا فندم .
ترك ادهم ربطة عنقه وابتعد للخلف قائلاً : كويس... ودلوقتي عايزك تديني المعلومات اللي بتخص مراتي مريم مراد عثمان وعايز اعرف هي سافرت فين .
فاخذ تامر يعدل ربطة عنقه واردف : اكيد طبعاً ...بس من فضلك اديني شوية وقت لغاية ما الاقي المعلومات اللي حضرتك طلبتها.
أشار ادهم له بيده ليباشر دون ان يتفوه بكلمة واحدة... وبالفعل بدأ تامر يبحث في الحاسوب الذي امامه عن اسم مريم مراد التي جعلت ادهم عزام السيوفي يتخطى الحدود ويقوم بتهديده من اجل اخفاء سر زواجه بها ...وما هي الا مدة وجيزة حتى نظر اليه وقال : لاقيتها يا فندم.
فنظر ادهم اليه ثم اقترب منه وسأله بلهفة شديدة : هي فين ؟؟
تامر : نيويورك .
وبعد ان سمع ادهم ذلك ابتسم ابتسامة مشرقة كما لو انه حصل على احد كنوز الأرض النادرة وقال بنبرة صوت يغلبها الحب والعشق : نيويورك...هي في نيويورك دلوقتي !
فنظر تامر اليه بتعجب شديد واقسم في داخله ان هذا الذي امامه ليس ادهم عزام الملقب بجبل الجليد وانما عاشق ولهان يبحث عن معشوقته فقال : تمام كدا يا فندم ؟
وفي تلك اللحظة انتبه ادهم الى انفعاله فسيطر على نفسه وعاد إلى جموده المعتاد ونظر الى تامر قائلاً : تمام .
قال ذلك ثم اخرج محفظته من جيبه واخرج منها رزمة نقود لم يكلف نفسه عناء النظر اليها حتى وبعدها امسك يد الشاب ووض النقود فيها ثم شد عليها قائلاً بنفس لهجة التهديد : دي مكافأة صغيرة علشان ساعدتني بس خليك فاكر ...لو فتحت بؤك وقلت لأي شخص كلمة واحدة عن الموضوع دا فاعتبر انك مش هتشم هوى مصر تاني لاني هنفيك من هنا فاهمني ؟
ابتلع تامر ريقه وقال : م... متشغلش بالك يا فندم ، اساساً انا مسمعتش من حضرتك اي حاجة.
فابتسم ادهم شبح ابتسامة وقال : كويس... يلا سلام.
ثم اعاد وضع نظارته الشمسية وغادر تاركًا خلفه تامر مرعوباً من تهديده الجدي ...وعندما خرج من المطار توجه نحو سيارته ثم وقف يحدق في الفراغ قائلاً : نيويورك...هي ليها حد عايش هناك ولا ايه ؟!
قال ذلك ثم اخرج هاتفه من جيب سترته واتصل على عاصم وعندما اجابه قال : عاصم انا عرفت مريم راحت فين ... هي في نيويورك ، عايزك تجيبلي معلومات عنها ولو كان عندها قرايب عايشين هناك وعايز عنوانهم النهاردة انت سامع.
فقال عاصم : حاضر يا فندم.
ثم اغلق ادهم هاتفه وصعد في سيارته الفاخرة وابتسم قائلاً : هلاقيكي يا مريم... هلاقيكي يا حبيبتي ومش هسيبك تبعدي عني مرة تانية ابداً .
اما عاصم فبدأ يبحث عن معلومات شاملة تخص مريم مراد عثمان والتي اصبحت شغله الشاغل في الفترة الأخيرة حيث ان ادهم اوكلة مهمة ايجادها مهما كلف الأمر .
في نيويورك..........
كانت الساعة قد تجاوزت الحادية عشر قبل منتصف الليل وكان جميع سكان منزل السيد عمر نيام الا هي حيث انها كانت مستلقية على ظهرها في الغرفة التي تتشاركها مع صديقة دربها الهام وكانت تفكر بعمق في موضوع اشغل بالها طوال فترة المساء بعد ان تقيئت ...فوضعت يدها على بطنها بلطف وقالت في نفسها : معقول انا حامل... حامل بأبن ادهم السيوفي ، انا لازم اتأكد من الموضوع دا بسرعة والا مش هقدر استريح ابداً.
تسارع في الاحداث .......
حل الصباح فنهضت مريم من سريرها وهي تشعر بالخمول كالعادة وقد لاحظت ان وزنها ازداد قليلاً في الآونة الاخيرة كما انها كانت ترغب بالنوم اكثر واصبحت تكره معظم الروائح وكانت تصاب بالأعياء كثيراً حيث انها كانت تتقيء كل صباح منذ ثلاثة أسابيع تقريباً وذلك ازعجها كثيراً لذا حسمت امرها وقررت ان تجري فحصاً لتكتشف ان كانت حاملاً بالفعل ام انها مجرد تخمينات و تكهنات ليس لها اساساً من الصحة ؛ أرتدت ثيابها وخرجت من الغرفة قبل ان تستيقظ الهام حيث انها استيقظت مبكراً لعدم قدرتها على النوم بسبب تفكيرها بهذا الموضوع... ومن ثم مشت على رؤوس أصابع قدميها لئلا يستيقظ سكان المنزل ويشعرون بخروجها في تلك الساعة المبكرة من الصباح وما هي الا ثواني حتى نزلت من الطابق العلوي وتوجهت نحو الباب الرئيسي ثم فتحته برفق وبعدها خرجت وهي ترتدي معطفها لكي يحميها من برودة الجو.
وعندما خرجت بسلام تنهدت بقوة وقالت : لازم اروح المستشفى علشان اتأكد لو كنت حامل فعلاً ولا لأ... بس هعمل ايه لو طلعت حامل ؛ معقول ادهم هيعرف بالموضوع دا ولو دا طلع حقيقي انا ازاي هقدر اربي البيبي لوحدي ؟
وبعد تلك الحرب النفسية خرجت من فناء المنزل وتوجهت نحو الشارع ثم اوقفت سيارة أجرة وتحدثت مع السائق باللغة الإنجليزية وطلبت منه ان يوصلها إلى اقرب مستشفى وهي تدعو الله في سرها وتتمنى انها اخطأت في تخمينها ولكن ما زاد قلقها هو ان دورتها الشهرية قد تأخرت كثيراً بالإضافة إلى تصرفاتها التي تدل على انها حامل ولكن لا ضير من الدعاء لعل الله يسمع منها .
وبعد فترة قصيرة.....
وصلت إلى المستشفى فاخرجت بضع دولارات من حقيبتها واعطتها لسائق سيارة الأجرة ثم نزلت وتوجهت الى الداخل والى قسم النساء والولادة بالتحديد فسألتها موظفة الأستقبال : كيف استيع ان اساعدكِ يا انسه ؟
مريم : اريد اجارء فحص لأتأكد أن كنتُ حاملاً ام لا.
الموظفة : حسناً ، إملأي هذه الإستمارة من فضلكِ وانتظري هنا قليلاً ريث ما يتم استدعائكِ لأجراء الفحص.
مريم : حسناً شكراً لكِ.
ثم جلست وبدأت تملأ الإستمارة وبعد ان انتهت من فعل ذلك اخذت تنتظر ان يستدعيها الطبيب من اجل اجراء فحص الحمل ؛ وما هي الا عشرين دقيقة قد مضت حتى استدعتها الممرضة وقالت : تفضلي ان الطبيب في انتظارك.
فاخذت مريم نفساً عميقاً ثم دلفت الى داخل الغرفة وهي تشعر بدقات قلبها تتسارع كما لو انها في مضمار سباق مع الحياة ، وما ان دخلت حتى تنفست الصعداء عندما وجدت ان الطبيب الذي سيقوم بفحصها ما هو الا امرأه شقراء ذات عيون زرقاء ؛ ابتسمت تلقائياً وحمدت الله في سرها لان الطبيب لم يكن رجلاً حيث انها لم تسمح لاي رجل ان يلمسها طوال سنوات عمرها الواحدة والعشرين سوى ادهم الذي تزوجها بحكم الظروف وسخرية القدر وخلف في قلبها جرحاً مريراً بسبب معاملتها القاسية والعنيفة معها عندما كانت بين احضانه تتأوه وتبكي بحرقة شديدة.
مسحت دمعتها التي خانتها ونزلت بعد ان تذكرت تلك الليلة الموحشة بالنسبة لها وتقدمت من مكتب الطبيبة ثم قالت : مرحباً ايتها الطبيبة.
فابتسمت الطبيبة الشقراء وقالت : اهلاً ...تفضلي بالجلوس رجاءً.
مريم : شكراً لكِ.
الطبيبة : لقد اخبرتني الممرضة ان فتاة عربية جميلة قد اتت لكي تجري فحصاً هنا ولكنها اخطأت عندما قالت عنكِ جميلة فأنتِ فائقة الجمال يا عزيزتي.
فابتسمت مريم بلطف وقالت : اشكركِ .. هذا من كرم اخلاقكِ .
الطبيبة : اخبريني اذاً هل انتي متزوجة ؟
في تلك اللحظة شعرت مريم بغصة مريرة في قلبها وتمنت ان تقول لا... ولا.. ولا... ولكن كيف تقولها وهي الحقيقة المرة فأومأت برأسها دليلاً على نعم دون ان تتفوه بأيّ حرف اخر فهمهمت الطبيبة قائلة : وهل اجريتي الفحص المنزلي ؟
مريم : لا لم افعل.
الطبيبة : حسناً... استلقي من فضلكِ على السرير حتى اتمكن من اجراء فحص الدم لكِ .
مريم : حسناً.
قالت ذلك ثم نهضت من مكانها وخلعت معطفها ووضعته على الكرسي وبعدها استلقت على السرير كما طلبت منها الطبيبة التي نهضت من مكانها ايضاً ثم اقتربت منها وقالت : ارفعي كم قميصكِ من فضلكِ .
فقامت مريم برفع كم كنزتها الصوفية حتى تتمكن الطبيبة بسحب الدم من ذراعها وما ان قامت بغرس الأبرة في ذراعها حتى شعرت بالقشعريرة تسري في جسدها ولكن سرعان ما اعتادت على الوضع... وبعدما انتهت الطبيبة من سحب كمية الدم المناسبة نظرت إليها واردفت : النتيجة ستخرج خلال فترة قصيرة لذا ارجو ان تنتظري بصبر .
مريم : حسناً شكراً لكِ.
- قالت ذلك ثم اخذت معطفها وحقيبتها وخرجت من الغرفة وهي تضع قطنة بيضاء على مكان غرس الآبرة حتى تمنع خروج قطرات الدم الصغيرة من عروقها البارز لشدة نحافتها ثم جلست في الردهة الواسعة تنتظر نتيجة تحليلها... وسرعان ما مر الوقت بسرعة حتى استدعتها الطبيبة مجدداً ثم قالت بابتسامة عريضة : تهاني لكِ فأنتِ حامل بالفعل.
- في تلك اللحظة صمت كاسح اخترق ارجاء الغرفة بعد تلك الجملة القصيرة ذات المعاني الكثيرة ...فهي تجمدت في مكانها كتمثال رخامي ولولا صعود وهبوط صدرها جراء تنفسها لأقسمت الطبيبة على ان هذه الفتاة العربية قد فارقت الحياة بعد تلقيها لذلك الخبر المفرح... او المحزن بالنسبة لها... فنهضت من مكانها وعلامات القلق واضحة على وجهها ثم توجهت نحوها وسألتها : ارجو المعذرة ولكن هل انتي بخير ؟
رمشت مريم مرتين وكأنها كانت ميتة وعادت إلى الحياة مجدداً بعد ان لمستها يد الطبيبة وسرعان ما ذرفت بلورتين شفافيتين من عينيها العسلية المخضرة وقالت بصوت يكاد يختفي : هل... انا حامل حقاً ؟
أحتارت الطبيبة من امرها وقالت : اجل عزيزتي... بناء على تحليل الدم الذي اجريتيه اتضح انكِ حامل منذ اربعة أسابيع تقريباً لذا يجب ان تهتمي لصحتكِ جيداً وانا سوف أصف لكِ بعض الفيتامينات لأن التحليل اظهر انكِ تعانين من فقر دم ايضاً وهذا ليس جيداً من اجل الطفل.
فخرجت شهقة مكتومة من حنجرة مريم المجروحة وقالت بصوت مخنوق : ح.. حسناً.
وبالفعل قامت الطبيبة بوصف الدواء لها واخبرتها بأنها يجب ان تأتي إلى المستشفى مرة اخرى لأجراء الفحوصات اللازمة للإطمئنان عليها وعلى الجنين ... وبعد تلك الصاعقة التي تعرضت لها خرجت من المستشفى وكأنها زومبي خالي من الروح وهي تحمل بيدها كيس بلاستيكي يحتوي على علبة فيتامينات ولم تصدق انها حامل حقاً ومن من.. من ادهم عزام السيوفي الذي سبب لها جرح كبير في المشاعر عندما عاملها بقسوة شديدة كما تعامل العاهرات .
لقد أصبحت ملكه بالفعل حتى ولو انكرت ذلك مئات المرات وانكرت زواجها السري به الا انه سيأتي يوم ويعلم العالم أجمع بأنها قضت لليلة جامحة مرعبة مع ادهم عزام السيوفي حبيبها الأزلي الذي لم تسنح لها الفرصة بأن تعيش معه الحب حيث صدمت به عندما قبلها بوحشية في مكتبه وهو يخبرها برغبته في تملكها لتصبح دميته ، ولكنها وبالرغم من جرح قلبها وحقدها عليه لانه عاشرها بشراسة كما لو كان مغتصباً الا انها ممتنة له لأنه تزوجها ولمسها شرعاً ولم يجعلها تصبح رخيصة باعت نفسها من اجل المال.
فاخذت تمشي في شوارع نيويورك بخطوات ثقيلة ودموعها لا تتوقف عن الانهمار ولا تعلم ان كانت حزينة لأنها ستضطر لمواجهة حبيبها القاسي الذي هربت منه وقررت ان تدفن حبها له في اعماق قلبها وان تنساه ام انها سعيدة لأنها حملت بأبنه... بقطعة منه تكونت داخل رحمها لتصبح روحاً طاهرة نقية لا يتعدى عمرها سوى اربعة أسابيع.... اربعة أسابيع لم تراه خلالها ولو لمرة واحدة ....اربعة اسابيع عاشتها كما لو كانت جسد يتحرك بلا روح لشدة حزنها على موت أختها مرام التي تبخرت من الدنيا كنسمة الهواء النقية ، ولكن بغض النظر عن هذه الحزن الا انها شعرت ببعض السعادة خلال الفترة التي قضتها برفقة عائلة السيد عمر حيث انهم خففوا من وحشتها وحزنها العميق ولكن ها هي تعود لذلك الحزن المستبد الذي اقسم بأنه لن يفارقها ما دامت حية ترزق .
فلم تحتمل كبت مشاعرها اكثر من ذلك لذا انفجرت باكية في الشارع امام المارة الذين اخذوا يحدقون بها وعلامات الاستفهام تعلو وجوههم ، فمنهم من ظنها مجنونة ومنهم من شعر بالأسى عليها وخصوصاً لأنها هوت جالسة على الرصيف وهي تبكي بمرارة وقهر شديد... وبقيت تبكي وتبكي وتبكي حتى جفت الأنهار في حدقتيها العسليتين فمسحت اثار الفيضان الذي سال على وجنتيها وهي تشهق ثم نهضت وحملت كيس الدواء ووضعته في حقيبتها وبعدها قررت ان تعود إلى منزل السيد عمر لترتمي بين احضان صديقتها المخلصة الهام التي تخلت عن حلمها في العمل بشركة رويال العالمية لتتبعها الى هذه البلد الغريبة لذا مشت بضع خطوات حتى توقفت بالقرب من جانب الطريق واخذت تحاول ايقاف سيارة اجرة.
ومن جهة اخرى .....
جاء ذلك الشاب المفعم بالحيوية الذي كان يقود سيارته السوداء المكشوفة متجاهلاً برودة الجو ليسمح للهواء النظيف ان يلامس بشرته الحليبية ويتغلقل داخل خصلات شعره الاسود الناعم وهو يتراقص بأصابع يديه على مقود السيارة مستمعاً لتلك الموسيقى الكلاسيكية الهادئة... فوقع نظره عليها وهي تحاول ايقاف سيارة أجرة ولا يعلم لما رفرف قلبه بعد ان رآها وما هق الا ثواني حتى انحرف بسيارته عن الطريق متجهاً نحوها ، ثم توقف بالقرب منها وضغط على البوق ليفزعها صوته فأنتفظت من مكانها والتفتت الية لتجده يبتسم لها وهو يضع نظارته الشمسية الداكنة التي زادته وسامة... في تلك اللحظة لا تعلم لما شعرت بالأرتياح لمجرد ان رأته يبتسم... نعم هي لم تقابله سوى مرة واحدة ولكنه استطاع بخفة دمه وشهامته ان يترك لديها شعوراً عذباً فابتسمت وكأنها نسيت الحزن الذي كان يأكل قلبها منذ لحظات قليلة وقالت بصوتها العذب : استاذ خالد.
فأتاها صوته الحنون يسألها : ازيك يا مريم ؟؟
أقتربت من السيارة قليلاً ثم قالت : الحمد لله ، وحضرتك ؟
خالد : كنت كويس بس دلوقتي بقيت زي الفل...طبعاً بعد ما قابلتك مرة تانيه.
مريم : متشكره.
خالد : شكلك محتاجة توصيلة ، وانا معنديش حاجة دلوقتي هقدر اوصلك.
فابتسمت وقالت : ميرسي بس مش عايزة اتعبك معايا.
خالد : ولا تعب ولا حاجة...دا اقل واجب اعمله تجاه بنت بلدي .
فاتسعت ابتسمتها ثم فتحت باب السيارة وصعدت الى جانبه دون تردد ونظرت إليه مادة يدها لتصافحه قائلة : انا مبسوطة اني شفتك مره تانيه.
فصافحها بدوره وقال : متشكر ... ودلوقتي رايحه فين ؟
مريم : راجعة البيت.
خالد : اوك.
قال ذلك ثم انطلق بالسيارة مجدداً وهو ما يزال مبتسماً فالتفت اليها وسألها : ها ...عجبتك العيشة في نيويورك ؟
فنظرت اليه ثم ابتسمت ايضاً وقالت : ايوا... مع اني لسه معرفش كل الاماكن فيها بس جميلة.
خالد : انا قولتلك هفسحك لما نوصل بس مع الاسف ماتقابلناش مرة تانية وانتي ما اتصلتيش بيا علشان موضوع الشغل فقولت جايز تكون نسيتني.
فشعرت مريم بالحرج من نفسها لذا تردفت بتوتر : انا اسفه يا استاذ خالد بس مكنتش عايزة اتعبك معايا اكتر من كدا يعني.
فابتسم خالد وقال : ما تخديش كلامي بجد... انا بهزر معاكي وكمان انتي عندك حق... يعني ما ينفعش وحدة بنت زيك تتصل براجل غريب عنها علشان يفسحها في بلد متعرفش فيها اي حاجة.
فأحنت مريم رأسها ولم تعلق لان كلامه كان صحيحاً بالنسبة لها فهي وجدت انه من غير اللائق أن تتصل به لكي يتنزه معها ويعرفها على معالم نيويورك وهو غريب عنها قابلته لمرة واحدة اثناء رحلتها الجوية ؛ اما هو فقال لكي يكسر حاجز صمتها : امل فين صاحبتيك التانية ، اسمها الهام برضو مش كدا ؟
رفعت مريم رأسها مجدداً وقالت : ايوا اسمها الهام... هي في بيت عمها دلوقتي ، البيت اللي حضرتك وصلتنا عليه لما جينا هنا لاول مرة .
خالد : اه فاكره كويس .
مريم : هو انا عطلتك عن حاجة يا استاذ خالد ؟
فابتسم خالد وقال : لأ ابداً ؛ انا في إجازة النهارده وقلت اتفسح شوية بما ان الجو حلو وبعدها قابلتك.
ميرم : بسم الله ما شاء الله... عربيتك تحفة اوي..باين عليها غالية مش كدا ؟
فضحك خالد وقال : مش كتير.. عجبتك ؛ لو عجبتك اعتبريها هدية.
فضحكت مريم على سخافة الموقف وقالت : لا مكنش القصد... اساساً انا معرفش اسوق وما عنديش شهادة سواقه .
خالد : خسارة...كانت هتبقى اجمل لو سقتيها انتي.
فشعرت مريم بالخجل لانه تغزل بها بطريقة غير مباشرة لذا أحنت رأسها مجدداً ولكن سرعان ما تلاشت ابتسامتها عندما نظرت إلى بطنها وعادت ملامح الحزن لتخيم على وجهها البريء وسرعان ما تجمعت الدموع في حدقتيها مجدداً وما لبثت حتى تمردت عليها دمعتها السجينة ونزلت رغماً عنها ؛ في تلك اللحظة انتبه عليها خالد وهي تحاول مسح دموعها بينما تنظر إلى الجهة الأخرى حتى لا يراها ، فغابت الابتسامة عن وجهه وحل محلها ملامح القلق فسألها بينما ينظر ثانية اليها وثانية الى الطريق امامه قائلاً : خير يا مريم...هو انا قلت حاجة تزعلك علشان كدا بتعيطي دلوقتي ؟
فهزت مريم رأسها بالنفي دون أن تنبس بكلمة واحدة...فقط كانت تنظر إلى اصابعها وهي تعبث بسلسة حقيبتها التي في حضنها بينما كانت خصلات شعرها تتطاير مع الهواء العليل ؛ فسألها خالد مجدداً : امال بتعيطي ليه دلوقتي ؟
استرجعت مريم رباطة جأشها ونظرت اليه ولم تجد خياراً آخر سوى الكذب إذ قالت : اصلي افتكرت اختي الصغيرة... هي كانت بتحب العربيات المكشوفة اوي.
فشعر خالد بالذنب لذا قال بسرعة : انا اسف... مكنش قصدي افكرك.
مريم : ولا يهمك.
ثم دام الصمت قليلاً ولكن ليس لأمد طويل حيث اراد الشاب ان يخرجها من حزنها لذا اردف بنبرة مرحة : قوليلي يا مريم هو انتي وراكي حاجة النهاردة ؟
فنظرت اليه وهزت رأسها بالنفي قائلة : لأ.. مفيش حاجة معينة.
فابتسم وقال : كويس.... يبقى انا هفسحك النهاردة زي ما وعدتك لما كنا في الطيارة ، قولتي ايه ؟
فنظرت مريم اليه مطولاً ولا تعلم لما أومأت له بالموافقة.. هل لأنها لم تريد احراجه ام لأنها كانت فعلاً تحتاج لهذه الفسحة لكي تمحي قسماً من احزانها وترميها خلف ظهرها ... فابتسمت وقالت : ماشي...بس عندي شرط واحد.
خالد : وايه هو ؟
مريم : عايزاك توديني عند تمثال الحرية... اصلي هموت وشوفه من قريب.
خالد : بس كدا... حاضر يا ست مريم ، اعتبري نفسك هناك.
- وبالفعل اخذها خالد الى منطقة تمثال الحرية واستمتعت بمشاهدته من بعيد كما انه اخذها الى عدة مناطق جميلة في نيويورك وانتهى بهما المطاف واقفين على رمال شاطئ المحيط الأطلنطي ، فاخذت نسائم الهواء الباردة تلفح وجهها وهي تحدق بالأمواج المتضاربة وتبدو انها سرحت في خيالها وسافرت بأفكارها الى مكان اخر بعيد كل البعد عن نيويورك... اما خالد فكان واقفاً خلفها على بعد عدة خطوات واضعاً يديه في جيب بنطاله ويراقبها بأهتمام كبير حيث انه لم يشاء ان يعكر عليها خلوتها مع نفسها فتركها تفكر بصمت وكأنه غير موجود اساساً .
وسرعان ما حسمت امرها والتفتت اليه قائلة : لسه عايز مدققة حسابات في شركتك يا استاذ خالد ؟
فابتسم خالد شبح ابتسامة وقال : تقدري تبتدي شغلك من دلوقتي لو تحبي... وكمان مكانك في الشركة محفوظ انتي وصاحبتك .
تنهدت مريم بعمق وقالت : يبقى احنا هنبتدي شغل من بكرا...وبتمنى اننا نبقى عند حسن ظنك .
تسارع في الاحداث..........
بعد تلك النزهة الغير متوقعة برفقة خالد اعادها الى منزل السيد عمر فاوقف السيارة ونظر اليها قائلاً : هقابلك بكرا الصبح في الشركة .
فابتسمت قائلة : ان شاء الله...و دلوقتي عن اذنك.
قالت ذلك ثم نزلت من السيارة ووقفت تراقبه وهو يهم بالمغادرة وبعدها دخلت إلى فناء المنزل ثم فتحت الباب فوجدت سهيلة وكنتها جين جالستين في غرفة المعيشة برفقة الهام التي كانت قلقة للغاية فقالت : انا رجعت يا جماعة.
نهضت الهام بسرعة وقالت معاتبة : كنتي فين يا مريم ؛ انا اتصلت عليكي اكتر من عشرين مرة بس الموبايل بتاعك كان مقفول .
فابتسمت مريم ابتسامة حزينة اثارت القلق في قلب الهام وقالت : زهقت من قعدة البيت وقلت اخرج شوية علشان اتمشى.
سهيلة : طيب ليه قفلتي موبايلك ؛ قلقتينا عليكي يا بنتي.
مريم : انا متقفلتوش بس شحنه خلص.
فقالت جين بلكنتها المكسرة : حمد لله على سلامتك يا مريم... متتخيليش الهام كانت خايفة عليكي قد ايه.
مريم : مفيش داعي للخوف يا لولو... انا بس كنت عايزه اخرج من البيت شوية ودلوقتي هطلع علشان استريح... عن اذنكوا.
قالت ذلك ثم صعدت إلى الغرفة...فلحقت بها الهام وعندما دخلت سألتها : مالك يا مريم ، شكلك مش مطمني ابداً ايه اللي حصل ؟
في تلك اللحظة لم تمنع مريم نفسها عن البكاء فبكت وهي ترمي نفسها على صديقتها التي اصابها الذعر وقالت : انتي بتعيطي ؛ ليه بتعيطي يا حبيبتي ؟
فقالت مريم ببكاء مرير وهي تحكم عناق الهام : انا حامل يا الهام... حامل بأبن ادهم السيوفي.
فتحت الهام فمها بصدمة واتسعت عيناها قائلة : بتقولي ايه ؛ حامل ؟!
أومأت مريم برأسها دليلاً على نعم واردفت : انا روحت المستشفى وعملت تحليل واكتشفت اني حامل بقالي اربع اسابيع.
فتنهدت الهام بقوة واخذت تربت على ظهر صديقتها بلطف قائلة : خلاص يا حبيبتي... متزعليش نفسك ابداً بلعكس انتي لازم تبقي مبسوطة لأنك هتبقي ام بعد 8 شهور.
فابتعدت مريم عنها قليلاً وقالت : ازاي هقدر اربي ابني لوحدي يا الهام ؛ انا لو خلفت الواد دا أكيد هظلمه لانه مش هيعرف ابوه ابداً .
فأمسكت الهام بيدها واجلستها على السرير ثم قالت بنبرة صوت حنونة : اوعي تفكري انك تجهضي يا مريم لأنك لو عملتي كدا هتندمي طول عمرك... دا روح ربنا خلقها وجايز عمل كدا علشان يعوضك عن خسارة اختك وانتي لازم ترضي في اللي قسمه ربنا وصدقيني مش هتخسري اي حاجة...ولو كان على ازاي هتربيه فانتي تقدري تربيه لوحدك وتخلي بالك منه كويس زي ما كنتي بتخلي بالك من اختك مرام الله يرحمها بعد ما مامتك ماتت وسابتكوا لوحدكوا.
فنزلت دمعة متمردة من عيون مريم التي اردفت بمرارة : وادهم... لو عرف اني حامل بأبنه أكيد هياخده مني بعد ما اخلفه وانا مش هقدر استحمل ان دا يحصل.
الهام : ازاي هيعرف وانتي بعيدة عنو يا حبيبتي ، دا انتي سبتي مصر علشانه وكمان مقولتيش لحد انتي رايحة فين يعني هو مش هيعرف ابداً الا لو انتي عايزه تخليه يعرف.
فهزت مريم رأسها بالنفي قائلة : لأ مش عايزاه يعرف اي حاجة.... اساساً انا قررت اطلعه من حياتي نهائياً وهبتدي حياة جديدة هنا وهقدر اخلي بالي من ابني كويس.
فابتسمت الهام ابتسامة حزينة وقالت : بس... بس انتي لسه مراته يا مريم ، حتى لو رحتي اخر الدنيا وهربتي منه انتي هتفضلي مراته بالشرع والقانون ومن حقه يعرف انك حامل بأبنه .
فقالت مريم بنبرة صوت مجروحة يملؤها الغضب : هو ملوش اي حق عندي... اساساً انا معتبرتوش جوزي ابداً لانه....لانه ما يستهلش اعتبره كدا بعد معاملته القاسية واللي سببت جرح كبير في قلبي ، علشان كدا انا قررت انساه ومش هسيب الجوازه المزيفة دي تأثر عليا ابداً وهقدر اعيش هنا مع ابني لوحدنا.
فابتسمت الهام واستطردت : مش لوحدكوا... انا معاكوا كمان .
فعانقتها مريم وغمغمت : انتي اجدع انسانه انا عرفتها في حياتي يا الهام... وعمري ماهنسى انتي عملتي ايه علشاني.
الهام : انتي اختي يا مريم ودي اقل حاجة ممكن اعملها.
قالت ذلك ثم ابتعدت عنها واظافت : بس هتعملي ايه دلوقتي ؛ انتي هتقولي لبيت عمي انك حامل ؟
مريم : لا مش هقول... مش عايزه احملهم همي انا وابني... وكمان انا لاقيت لينا شغل وهنبتدي من بكرا لان ما ينفعش نفضل هنا من غير ما نشتغل.
الهام : شغل ، فين ؟
مريم : انتي فاكرة الراجل المصري اللي تعرفنا عليه في الطيارة ؟
فقالت الهام بلهفة : قصدك المز حبيب قلبي خالد نجم !
فضحكت مريم رغماً عنها وقالت : ايوا هو... انا قابلته النهاردة وقررت اقبل الشغل عنده وهو فرح اوي وقال انك انتي كمان تقدري تبتدي شغلك وان مكانا في شركته محفوظ.
فاتسعت ابتسامة الهام وسألتها : بجد يا مريم ؛ هو قال كدا ؟!
مريم : ايوا يا حبيبتي.
الهام : دي هتبقى اسعد ايام في حياتي كلها... باين ان ربنا هيعوضني عن كل حاجة سبتها في مصر بحاجات اجمل هنا في نيويورك .
تسارع في الاحداث............
في مصر ......
كان جالساً في غرفة المكتب التي في منزل العائلة ذات الأضاءة الخافتة يهز قدمه اليمنى دون توقف ويبدو عليه التوتر ونفاذ الصبر ؛ عيناه كانتا تحدقان بهاتفه بأستمرار وكأنه ينتظر مكالمة هاتفية ستحدد مصير العالم ، وفجأه رن الهاتف بيده فأنتفض من مكانه مثل المجنون واجاب عليه بسرعة : ها يا عاصم...لاقيت اي معلومات عنها ؟
فقال عاصم : ايوا يا فندم ؛ انا لاقيت معلومات بس....
فصاح ادهم به بنفاذ صبر : بس ايه ؛ اتكلم !
فتنهد عاصم وقال : بس المعلومات اللي لاقيتها مش هتساعدنا علشان نلاقيها في نيويورك لان محدش يعرف هي ليه راحت هناك.
ادهم : انت فين دلوقتي ؟
عاصم : انا بقيت قريب من بيت حضرتك يا فندم .
ادهم : قدامك عشر دقايق يا عاصم علشان اشوفك مزروع قدامي انت سامع ؟
عاصم : حاضر يا فندم.
ثم اغلق ادهم هاتفه ورماه على طاولة المكتب وبعدها غرس اصابعه في شعره بعنف وكأنه يحاول ان يقطلعه من جذوره وهو يعيده للخلف ثم قال بصوت مجروح : فينك يا مريم ؛ ايه اللي وداكي نيويورك يا حبيبتي ؟
وبعد مرور عشر دقائق بالفعل....
كان عاصم واقفاً امامه ويبدو عليه التوتر وهو يراقبه بينما كان يقرأ المغلف الذي بين يديه وهو يعقد حاجبيه بشدة ويبدو من ملامح وجهه المتجهمة ان المعلومات التي كان يقرأها لم تسره ابداً ، فقال بزمجرة : ايه دا يا عاصم ؟!
ابتلع عاصم ريقة وقال : المعلومات اللي طلبتها يا فندم.. انا اسف بس دا كل اللي قدرت الاقيه عن البنت اللي اسمها مريم مراد عثمان.
فرمى ادهم المغلف بعنف على الأرض وهب ناهضاً وهو يضرب طاولة المكتب بيديه ثم صاح بزمجرة مشتعلة : دا كل اللي قدرت تلاقيه ؛ امال فين شطارتك يا استاذ ...انت حتى معرفتش تلاقي بنت وحده مع اني اديتك معلومه مهمة وقلتلك انها سافرت نيويورك وجاي دلوقتي تقولي ان دا كل اللي قدرت تلاقيه ؛ ازاي هتقدر تحمي شركة فيها 500 موظف وانت مش قادر تنفذ مهمة صغيرة زي دي ؟
فاحنى عاصم رأسه قائلاً : انا اسف يا فندم بس زي ما قولتلك قبل كدا اننا مش مباحث ولو تحب انا هقدم استقالتي فوراً .
فتنهد ادهم بقوة بعد ان سيطر على انفعاله وقال : روح شوف شغلك يا عاصم ...ومش عايز حد يعرف حاجة عن الموضوع دا انت فاهم ؟
عاصم : حاضر يا فندم.
قال ذلك ثم انسحب من الغرفة بسرعة... اما ادهم فجلس مجدداً على كرسيه واسند ظهره عليه واعاد رأسه إلى الوراء مغمضاً عيناه بشدة مكون شق عميق بين حاجبيه , وسرعان ما اطلق تنهيدة طويلة جعلت قسمات وجهه تسترخي ثم فتح عيناه مجدداً ونظر إلى المغلف الذي رماه على الارض بلحظة غضب وبعدها التقطه واخذ يتصفحه بأهتمام كبير فهو يحوي كل المعلومات عن حبيبة قلبه مريم منذ ان كانت صغيرة حتى اصبحت شابة جميلة... وما شد انتباهه اكثر من بين جميع هذه المعلومات هو خبر وفاة والدها وبعده امها ومن ثم اختها الامر الذي جعله يشعر بالألم يأكل قلبه لمجرد انه تذكر كيف باعته نفسها لكي تنقذ اختها.
وضع المغلف من يده واسند يديه على الطاوله بملامح حزينة ثم اخرج القلادة الفضية من جيبه وفتحها لينظر إلى صورتها بألم وشوق فهو لم يراها ابداً بعد اخر لقاء لهما في الفيلا الخاصة به ، فلم يستطيع منع دمعته الخائنة التي تسللت من عيناه لتسيل على وجنته مخلفة اثار خلفها وهي تحرق خده بسخونتها وملوحتها ... بعد ان وجد شعاع الأمل عاد ليفقده مجدداً لانه لا يعلم اين تمكث معشوقته في ولاية نيويورك الكبيرة التي يبلغ تعداد سكانها أكثر من 8,100,000 نسمة ...كيف سيجدها وهو لا يمتلك اي فكرة عن مكان اقامتها ؛ فبات البحث عنها بالنسبة له كمن يبحث عن آبرة في كومة قش لذا استوطنت الاحزان في قلبة وجعلته يصبح كالاسد الجريح .
- جلس لمدة ساعة يفكر ويفكر وعندما عجز عن ايجاد حل قام بفتح درج مكتبه الذي كان مغلقاً منذ خمس سنوات واخرج منه دفتر قديم غلافه كان مصنوعاً من الجلد فوضعه على الطاولة امامه ؛ نظر إليه مطولاً وكان يبدو متوتر للغاية ولكن سرعان ما فتحه واخذ يحدق بقصائد الشعر التي كتبها على اسطر هذا الدفتر عندما كان اصغر سناً مفعماً بالأمل والحياة حيث كان شاعراً رقيق المشاعر عاشقاً لكتابة القصائد المعبرة بعيداً كل البعد عما هو عليه الان ، فامسك بقلمه الذي هجره منذ اكثر من خمس سنوات وكأن الشاعر العاشق النائم في داخله قد استيقظ اخيراً بعد سبات عميق ..فتح صفحة جديدة فارغة وبدأ يكتب على سطورها قصيدته التي تعبر عن ألم الشوق لمعشوقته الحبيبة " مريم " التي اسرته فاصبح سجين بمحراب عينيها الجميلتين.
فكانت قصيدته كالتالي :
يا من في صوتها أسمع أعذب التغاريد ..
وفي بريق عينها أرى بهجة الحياة وفتنة المواعيد ..
قولي لي بربكِ يا مريم كيف سأحتمل اشتياقي الشديد ؟
وألون دفتر حياتي بعد رحيلكِ إلى الرغيد.. ؟
يا منْ سافـرتي وحُبَّكِ متأصل فـي قلبي الى المَـدى البعـيدْ..
و تغلغلَ حُبُّـكِ فـي المَسَامَاتِ حتى الـوَريدْ
و قــدّمتُ روحــي بينَ يديْكِ كمـا الــوَلـيدْ ...
و جَعلـتُ لكِ القلــبّ قِــلادةً علــى الجِـيدْ
وبكلماتٍ جعلتْني بُركاناً ، وأنْتِ كمـا الجليد ْ!
وكُـنتُ إليكِ ايتها الجميلة كمــا تُـريـدي ، لا كـمــا انا أريـدْ
و كُــنتُ فـــي حُبِّك مريمتي كمـا العَاقـــلِ الرشـيدْ
أقِفُ هَائِماُ في مِحرَابِ عينيكِ كما المُـريدْ
فكُـنتُ إذ ْمـا رأيْتُـكِ كأنّــي فــي يــومِ عـيدْ
أدنــو إليــكِ بلهفــةٍ ملْئَــى بِعــْشق جـديـدْ
و أنقِـشُ فــي حُبِّـكِ تُحفَـةَ الحـرفِ الفريـدْ
وأقـــولُ لـكِ فـــي الشِّعـرِ أعْــذَبَ القصيدْ
و أصــدقّ مشـــاعـــرّ أتـى بنَبـضها وريــدْ
فإن غنّيتُ آهاتــي أتــى الكـونُ فـي ترديدْ
أسكـبُهُ كما المُـزنِ حُبِّـيَ و تطلُبينَ المزيـدْ
حتــى أمْسيتُ فـــي حُبِّـــكِ يـا مـريـم هائِـمـاً كَــشَريدْ..
فكيفَ لكِ أنْ تَهْجُري ولقلْبِكِ عنّي أن يميد ْ؟
وكــيفَ لـيْ يا فتْنتـي ان أوقِـفَ نَبضَـاتِ قلبـيَ عن حبكِ ، و أقْطَـعَ الـوريـدْ ؟
عوديِ يا وَردتّيِ فَأنا فّي بعدكِ أصّبحتُ حقاً جَبلٌ من الجليدْ !
☆☆☆☆☆
- وبعد ان افرغ ما في قلبه من احزان على تلك الورقة ذات اللون الباهت اغلق دفتره واعاده الى الدرج ثم نهض من مكانه ومسح دموعه المتمردة التي رافقته مع كل كلمة كتبها ثم اطفأ ضوء الغرفة الخافت وخرج منها متوجهاً الى غرفة نومه ؛ اوقفه صوت امه عن صعود السلالم حين سألته وهي جالسة برفقة اخوته في غرفة المعيشة : رايح فين يا ادهم ؟
نظر اليها وقال : هطلع انام.
رفعت السيدة كوثر حاجبها بتعجب وسألته بدهشة : عايز تنام دلوقتي ؟!
فتنهد بقوة واردف : انا تعبان يا ماما وعايز اطلع علشان استريح.
فقالت اخته رغد والتي كانت جالسة برفقة امها وشقيقها الاخر معاذ وزوجته سلوى : طيب مش عايز تتعشى معانا ؟
رد عليها : مش جعان... تصبحوا على خير.
قال ذلك ثم صعد إلى غرفته الكلاسيكية الراقية ورمى نفسه على السرير ولكنه لم يستطع النوم ابداً واخذ يفكر بحبيبة قلبه ودمعته تسيل على وجنته ، اما شقيقه معاذ فقال : انتوا مش ملاحظين يا جماعة ان ادهم اتغير اوي في اخر فترة ؟
فقالت سلوى : ايوا انا لاحظت تغيره فعلاً ...حتى اني بقيت خايفه عليه اوي.
فقالت رغد : وانا كمان ملاحظه انه مابقاش زي الاول... دا حتى مابقاش يقعد معانا وكل ما يرجع من الشغل يقفل على نفسه في المكتب وما يخرجش منه غير وقت العشا بس النهاردة حتى مش عايز يتعشى !
فقالت السيدة كوثر : انا لازم ادور له على عروسة تنسيه البنت اللي اسمها ميرا دي... هو بقى كدا بسببها ومعرفش ليه مش عايز ينساها.
فقال معاذ : مظنش ان ميرا السبب في تغيره الاخير...بس لو كانت هي السبب بجد يبقى احنا لازم نخليه ينساها لانها ماتت من خمس سنين وجيه الوقت علشان يحب وحدة تانيه.
تسارع في الاحداث.................
مر اسبوعين آخرين وكانت مريم سعيدة لحصولها على عمل برفقة صديقتها الهام في شركة خالد نجم الذي كان يعاملهن بلطف شديد وسمح لنفسه بأن يصبح صديقهن اكثر من كونه رب عملهن الوسيم والطيب ... كما ان مريم قررت ان تخفي امر حملها عن عائلة السيد عمر لئلا تجعلهم يحملون همها وهم طفلها وقررت ان تبحث عن شقة صغيرة لتستقر فيها هي وصديقتها حيث انها شعرت بنفسها تشكل عبئاً عليهم ، وبالفعل بدأت تبحث عن عدة شقق سكنية قريبة من مكان عملها.
وذات يوم.....
كانت جالسة في مكتبها الذي في شركة خالد ولكنها لم تكن تعمل بل كانت تبحث عن شقة للإيجار تناسب مستواها المادي...وبينما تحدق في شاشة الكمبيوتر سمعت صوت رجل يقول : مريم... انتي عايزة تنتقلي من بيت عم الهام !
رفعت رأسها لتجد خالد واقفاً خلفها وقد عرف انها تنوي الانتقال من منزل السيد عمر.. فقالت بتلعثم : انا ... بصراحة اه ، عايزه استقر لوحدي في شقة صغيرة بس كل الشقق اللي لاقيتها اجارها عالي وبعيدة عن الشركة.
خالد : طيب ليه ما قولتيليش الكلام دا ؟
مريم : انا مش عايزة اتعبك معايا.
خالد : تعب ايه يا بنتي... انتي متعرفيش ان عندنا نظام في الشركة واننا ملزمين نوفر للموظفين اماكن سكن قريبه علشان ما يلاقوش صعوبة في شغلهم ؟
مريم : قصدك ايه ؟
خالد : قصدي ان الشركة هتديكي شقة صغيرة قريبة من هنا زي بقية الموظفين وكمان مش هتحتاجي انك تدفعي الإيجار لان الشركة هتتكفل بكل المصاريف ، انتي بس هتوقعي على شرط جزائي انك ممنوع تسيبي الشغل هنا لمدة سنتين وبكدا الشقة هتبقى ملكك .
فابتسمت مريم ثم نهضت وسألته بدهشة : بجد ، هو في نظام زي دا هنا ؟
خالد : لو مش مصدقة رئيس الشركة تقدري تسألي بقية الموظفين.
فضحكت مريم بعفوية وقالت : لأ العفو انا مقصدش كدا...
فابتسم خالد وقال : تحبي تروحي علشان تشوفي شقتك الجديدة يا هانم ؟
أومأت له برأسها دليلاً على الموافقة وقالت : طبعاً.
خالد : يبقى يلا بينا.
مريم : استنى... انت كنت عايز تقولي حاجة علشان كدا جيت هنا صح.
خالد : مش مهم... هبقي اقولك بعدين .
مريم : في حاجة تانيه كمان.
خالد : ايه هي ؟
مريم : هو ينفع ان اتنين من الموظفين في الشركة يسكنوا في نفس الشقة ؟
خالد : ينفع في حالتين بس.. لما يبقوا اتنين متجوزين بيشتغلوا في نفس الشركة او صحاب ، يعني اتنين رجاله او اتنين ستات زيك وزي الهام مثلاً.
فابتسمت مريم بأشراقة وقالت : يعني الهام تقدر تعيش معايا في نفس الشقة.
خالد : طبعاً .
مريم : يبقى انا هتصل بيها علشان تيجي معانا... اصلي مقدرش اعمل حاجة من غيرها.
فابتسم خالد واردف : ماشي... وانا هستناكوا في العربيه .
مريم : تمام.
- ثم ذهب خالد بالفعل اما هي فاتصلت على الهام التي كانت تعمل في قسم اخر من الشركة فأجابتها : ايوا يا ميمي.
مريم : جهزي نفسك يا لولو علشان نروح نشوف شقتنا الجديدة.
فتنهدت الهام وقالت : يعني خلاص قررتي اننا نسيب بيت عمي ونسكن لوحدنا .
مريم : ايوا لان الشركة هتدينا شقة قريبه من هنا ومش هنحتاج ندفع الإيجار .
الهام : انتي بتتكلمي جد !
مريم : مش هينفع اشرحلك على التليفون لان الاستاذ خالد عماله يستنانا علشان نروح معاه.
فنهضت الهام وابتسمت قائلة : هو اللي هياخدنا نشوف الشقة !
مريم : ايوا... يلا اجهزي وانا هستناكي تحت.
الهام : ثواني وهكون عندك.
قالت ذلك ثم اغلقت الهاتف وعلى وجهها ابتسامة عريضة ثم حملت حقيبتها ومعطفها وركضت نحو المصاعد وما هي الا ثواني حتى وصلت الى حيث كانت مريم تنتظرها ؛ خرجن وذهبن الى حيث كان خالد ينتظرهن في سيارته امام الشركة فصعدن وقامت مريم باخبار صديقتها بما اخبرها خالد وان الشركة ملزمة ان توفر وسائل الراحة للموظفين فابتسمت وقالت : دا كرم من حضرتك يا استاذ خالد .
فابتسم خالد ونظر إليها بواسطة المرآة العاكسة في السيارة وقال : دا واجبنا.. وبعدين احنا مش في الشركة دلوقتي يعني بلاش استاذ دي وبتمنى تقولولي بس يا خالد .
فابتسمت الهام وقالت : ماشي.
وبعد مدة وصلوا ثلاثتهم الى مجمع سكني قريب من الشركة فنزلوا من السيارة ثم توجهوا الى احدى العمارات السكنية ؛ صعدوا الى الطابق الخامس حيث كانت الشقة الممنوحة من الشركة فقام خالد بفتح الباب وقال لهن : اتفضلوا.
فدخلت مريم وبعدها الهام وسرعان ما ابتسمن لشدة جمال الشقة التي اختارها خالد لهن من بين جميع الشقق الموجودة في العمارة فهي كانت واسعة ومفروشة بها غرفة للمعيشة مرتبة باجمل الاثاث وبجانبها مطبخ فسيح وايضاً غرفتين نوم وحمام وشرفة كبيرة.
فنظرت اليه الهام وقالت بسعادة : الشقة تجنن يا استاذ خالد... بجد دي تحفة.
فابتسم خالد وقال : قلنا ايه بقى... مش استاذ خالد وانما خالد.
فضحكت وقالت : ماشي يا خالد.
اما مريم اردفت قائلة : معقول الشركة تدينا الشقة دي من غير ما ندفع الإيجار ؟
خالد : زي ما قلتلك يا مريم... شركتنا ملزمة انها توفر كل وسائل الراحة للموظفين بس بشرط واحد انكوا توقعوا الشرط الجزائي اللي ينص على انكوا ممنوع تستقيلوا من الشركة لمدة سنتين.
فقالت الهام : طيب وبعد ما السنتين يعدوا الشركة هتاخد الشقة مش كدا ؟
خالد : تقدروا تجددوا العقد.. متقلقيش من الناحية دي.
مريم : يبقى اتفقنا.. الشقة مناسبة لينا اوي وكمان قريبة جداً على الشركة.
خالد : يبقى تقدروا تنتقلوا من دلوقتي واهو المفتاح.
قال ذلك ثم اعطى مريم مفتاح الشقة فاخذته قائلة : مش هينفع ننتقل دلوقتي احنا لازم نقول لعمك عمر يا الهام ونجهز نفسنا.
الهام : النهاردة هنقلهم واكيد هما هيتفهموا وضعنا.
خالد : لو احتجتوا اي مساعدة انا في الخدمة.
تسارع في الاحداث...........
انتقلت كل من مريم والهام للعيش في شقتهن الجديدة بعد ان شكرتا عائلة السيد عمر على حسن ضيافتهم لهن طوال الاسابيع السابقة فاخدت كل واحدة منهن غرفة خاصة ورتبن اغراضهن ، اما في مصر فكان ادهم قد اصبح انطوائي اكثر من قبل بعد ان اصابه اليأس في ايجاد حبيبته التي قرر ان يعيش على امل ان يجدها يوماً ما لانه لا يملك لا حول ولا قوة خارج ارض مصر فهو ليس مخابرات حتى يتمكن من ايجادها في ولاية نيويورك التي تعتبر اكبر ولاية في الولايات المتحدة الأمريكية من حيث تعدد السكان ، وبالرغم من انه اصبح انطوائي الا انه اصبح عصبي اكثر وينزعج من اتفه الاسباب وكأنه ينتظر اي شيء يحثه على الغضب ويثور البركان الملتهب في داخله ..
وهكذا مر شهرين آخرين على هذه الحالة وكان خالد قد تأكد من مشاعره تجاه مريم وانها هي الفتاة التي احبها خلال فترة قصيرة فقرر ان يتقدم لخطبتها ، لذا دعاها لتناول العشاء بينما ذهبت صديقتها الهام لزيارة بيت عمها.. وبالفعل ذهبا إلى احد اشهر المطاعم في نيويورك وبعد ان تناولا العشاء قرر ان يفتح معها الموضوع فاخذ نفساً عميقاً وقال : مريم... بصراحة انا جبتك هنا النهاردة علشان افتح معاكي موضوع مهم جداً.
فنظرت اليه وقالت : خير يا خالد..ايه هو الموضوع دا ؟
دس خالد يده في جيب سترته واخرج منها علبة مخملية تحتوي على خاتم من الماس وضعها امامها على الطاولة وقال بجدية : انا بحبك يا مريم وعايز اطلب ايدك للجواز.
في تلك اللحظة صدمت مريم بعد أن سمعت ذلك وقالت : ايه !
خالد : انا عارف اني فاجأتك اوي واننا نعرف بعض من تلات شهور تقريباً وان دي مدة قصيره ، بس صدقيني انا نيتي صافية تجاهك وحبيتك من اول مرة شفتك فيها ولو وافقتي تتجوزيني فأنا بوعدك اني هسعدك طول عمرك.
فقالت مريم بعد ان استعادت رباطة جأشها : خالد ارجوك متزعلش مني بس انا ماينفعش اتجوزك ابداً.
خالد : متتسرعيش يا مريم وفكري كويس وبعد كدا اديني جوابك.
مريم : المسألة مش محتاجة تفكير ابداً ..انا ما ينفعش اتجوزك نهائياً
شعر خالد بخيبة الآمل وقال : هو انتي شايفة اني مش مناسب ليكي ولا انتي مش عايزه تتجوزي دلوقتي ؟
فتنهدت مريم وقالت : خالد انا...بصراحة انا حامل .
يتبع.....
قراءة ممتعة للجميع ♡
- شعر خالد وكأن احدهم القى عليه سهم قاتل اصاب قلبه عندما اخبرته مريم انها حامل فنظر اليها بصدمة وشل لسانه عن الكلام حيث لم يستطيع ان يتفوه بكلمة واحدة... فقط نظر اليها بعيون مفتوحة على وسعها اما هي فتنتدت وقالت : انا عارفه انك مصدوم دلوقتي بس قبل ما تفتكر اني بنت فاجرة هحكيلك حكايتي كلها.
وبعد تلك الجملة عاد خالد من صدمته وابتلع ريقه قائلاً بصعوبة : ا.. اتفضلي وانا هسمعك.
اخذت نفساً عميقاً واردفت : انا ما ينفعش اتجوزك يا خالد لأني متجوزه اساساً...ايوا انا اتجوزت و... والراجل اللي اتجوزته من تلات شهور تقريباً يبقى اب ابني اللي في بطني وانا سبت مصر من غير ما يطلقني... تقدر تقول اني هربت منه بس حتى لو رحت اخر الدنيا ما ينفعش اتجوز حد تاني لاني لسه على ذمته فاهمني .
في تلك اللحظة فقط رتاح قلب خالد لانها اخبرته انها حامل من زوجها وابعد عن ذهنه تلك الافكار السلبية التي تخيلها بها وقال : طيب ..طيب ممكن اعرف ليه اتجوزتيه لو مكنتيش تحبيه وهربتي منه ؟
نزلت دمعة ملتهبة من عيون مريم احرقت وجنتيها وقالت بنبرة حزينة : ومين قالك اني مش بحبه ؛ اساساً انا عمري ما حبيت راجل غيره ومش هينفع احب حد تاني بعده بس الظروف هي اللي جبرتني اهرب بعيد واسيبه بعد ما اتجوزني ليوم واحد بس.
خالد بدهشة : اتجوزك ليوم واحد بس !
فمسحت مريم دمعتها ونظرت اليه ثم اومت له برأسها وغمغمت : ايوا... انا هحكيلك على كل حاجة .
- وبالفعل بدأت تحكي لخالد قصتها مع ادهم وكيف تزوجته مقابل ان يعطيها المال لتنقذ اختها وكيف انتهى بها المطاف بالهرب من مصر... ولكنها لم تذكر اسم ادهم ابداً بل اخبرته انها تزوجت رجل اعمل ولم تخبره ما هو اسمه فنظر اليها ثم امسك بيدها وقال : انا اسف يا مريم...لو كنت اعرف انك متجوزة وبتحبي جوزك للدرجة دي مكنتش سمحت لنفسي اني احبك ابداً ولا كنت فكرتك بالحزن اللي هربتي منه ...ارجوكي سامحيني.
فهزت مريم رأسها والدموع في عينيها واردفت : انت ملكش ذنب... انا الحق عليا كان لازم اقولك الحكاية دي من البداية.
سحب خالد يده وغمغم بنبرة صوت مخنوقة : انسي كل حاجة قلتها لك النهاردة ومن اللحظة دي انا... انا هبقى اخوكي الكبير وهفضل واقف جنبك وهساعدك وبالنسبة لمشاعري تجاهك هدفنها جوا قلبي ومش هبصلك غير انك اختي الصغيرة ودا وعد مني.
ابتسمت مريم ابتسامة مريرة واستطردت : انت انسان رائع يا خالد...واكيد ربنا هيبعتلك وحدة احسن مني وهتحبك وتسعدك .
فابتسم خالد بألم وقال : احسن منك...مظنش ان في انسانه احسن منك ضحت بنفسها علشان اختها بس عندي سؤال واحد... هو الراجل اللي اتجوزك ليه ما طلقكيش بعد... يعني هو قال انو هيتجوزك ليوم واحد علشان مش عايز يلمسك بالحرام يبقى ليه ما طلقكيش الصبح ؟
بعد قوله ذاك شردت مريم بتفكيرها واخذت تفكر بكلام خالد ثم نظرت اليه وقالت : لما الصبح جيه هو قالي انه عايز يخش الحمام ومش عايز يلاقيني في بيته بعد ما يخرج وبعدها انا خدت الفلوس ورحت المستشفى على طول واكتشفت ان اختي ماتت ومعرفش ازاي الايام عدت عليا وبعدها مشفتوش لغاية دلوقتي.
خالد : طيب هو ما حولش يدور عليكي او يزورك في البيت ؟
مريم : بعد ما مرام ماتت انا مخرجتش من البيت ابداً ولا رحت شفته وكمان هو ما سألش عني خالص وبعدها قررت اسيب مصر وطلبت من الهام انها ترجعله الفلوس قبل ما نسافر بيوم ومن ساعتها معرفش عنه حاجة .
خالد : طيب وهتعملي ايه دلوقتي ؛ يعني عايزة تفضلي كدا لا معلقة ولا مطلقة ومش عايزة جوزك يعرف انك حامل ؟
فقالت بشيء من العتب : لو كان امري بيهمه كان دور عليا.. انا اعرف انو يقدر يلاقيني لو عايز بس معملش كدا اما بالنسبه لأبني فانا هقدر اربيه لوحدي ومن غيره كمان.
خالد : بس كدا ما ينفعش... انا اسف على اللي هقوله بس انتي هتظلمي ابنك لما تحرميه من بباه وكمان القانون بيقول انك لازم تقولي لجوزك انك حامل لان من حقه يعرف ان هيبقى عنده ابن .
مريم : ارجوك يا خالد بلاش تضغط عليا في الموضوع دا... انا اتخذت قراري وهقدر اربي ابني لوحدي وزي ما قولتلك ان... جوزي لو كان مهتم بيا ولو حتى شوية كان دور عليا.
خالد : بس انتي سافرتي من غير ما تقولي لاي حد عن المكان اللي انتي رايحه عليه.
فابتسمت مريم ابتسامة مريره وقالت : هو لو كان معني انه يلاقيني كان يقدر يروح المطار علشان يعرف انا رحت فين بما اني مراته ومن حقه يعرف مكاني بس مع الاسف اهي عدت تلات شهور وهو مكلفش نفسه انه يدور عليا .
فتنهد خالد وقال : بصراحة مش عارف اقولك ايه...بس ولا يهمك انا هفضل جنبك على طول وزي ما قولتلك انك بقيتي اختي الصغيرة وهحميكي انتي وابنك متخافش .
فابتسم مريم وغمغمت : متشكره اوي.
- وعادت إلى الشقة بعد ان تناولت العشاء مع خالد واخبرته بكل شيء عنها فدخلت ووجدت ان الظلام يخيم على المكان لأن الهام قررت المبيت في منزل عمها عمر ؛ اشعلت الانوار ثم خلعت معطفها وجلست على الاريكة وكانت تشعر بفراغ كبير ولا تعلم ان كانت سعيدة لانها اعترفت لخالد ام حزينة لانها رفضت حبه الصادق لها... ولكن كيف تقبل به وهي تحب ادهم زوجها ؟
فهي وبغض النظر عن كل ما فعله بها لا تستطيع ان تحب احداً غيره لانه كان حبها الاول والاخير وكانت على يقين تام بأنه من المستحيل إن تحب بعده اي رجل حيث اصبح جميع الرجال في نظرها سواء الا هو حبيبها الواحد والوحيد رجل بكل ما تعنيه الكلمة ، وبينما كانت تفكر شعرت برغبة في اخذ حمام دافئ لذا توجهت نحو الحمام وملأت حوض الاستحمام بالماء الدافئ ووضعت بداخله غسول الجلد الذي برائحة الخوخ ثم خلعت ثيابها ودخلت في الماء وسرعان ما شعرت بالأسترخاء .
بقيت مستلقية داخل حوض الاستحمام لمدة نصف ساعة وهي تفكر وتفكر بأمور كثيرة اشغلت بالها... امور لا بد وان تضع لها حداً لكي تستطيع المضي قدماً في حياتها وان تركتها معلقة لن تستطيع ان تشعر بالراحة ابداً ...واهم هذه الامور كانت علاقتها بـ ادهم عزام السيوفي لذا حسمت امرها ثم نهضت من حوض الاستحمام وامسكت المنشفة المعلقة بجانبها ثم لفت جسدها بها وخرجت متوجها إلى حقيبتها التي تركتها على الاريكة في غرفة المعيشة ؛ اخرجت هاتفها ونظرت إلى الساعة حيث كانت تشير إلى العاشرة وتسعة وثلاثون دقيقة ليلاً وبعدها قالت : الوقت بيختلف بين مصر وهنا ودا معناه ان هو صاحي دلوقتي وفي الشغل... يبقى لازم اتصل بيه حالاً.
اما في مصر.....
فكان جالساً في اجتماع مهم للغاية برفقة شريكة وابن خاله كمال وبعض الموظفين يناقشون صفقة كبيرة ، وبينما كان يتحدث ويبدو عليه الجدية والانضباط رن هاتفه بصوت عالٍ حيث انه نسي ان يضعه على الوضع الصامت.... عم الصمت في غرفة الاجتماعات الا من صوت رنين الهاتف الذي ازعج ادهم لانها كانت المرة الأولى التي ينسى فيها وضع هاتفه على الوضع الصامت فامسك به وهو يعقد ما بين حاجبيه دليلاً على انزعاجه وقال بصوت مسموع : Sorry ؛ ثواني وهنكمل الاجتماع.
وعندما اراد ان يغلق الهاتف تفاجأ بظهور رقم دولي يتصل به فشرد للحظة واحدة ثم هب واقفاً كما لو انه تعرض للسعة افعى وبدون تفكير اجاب بلهفة قائلاً : آلو....
- صمت تام خرق اذنه ولا يعلم لما رغب في نطق اسمها فقال بنبرة صوت تحمل الكثير والكثير من المشاعر المجروحة : مريم !
اما هي فلم تستطيع ان تمنع شهقتها الصغيرة الناتجة عن حبس دموعها فقالت بصوت مخنوق : ا..ايوا.
في تلك اللحظة شعر وكأن وَتَد ملتهب اخترق قلبه المجروح و اشعل النيران فيه فاغمض عينا بألم شديد وضغط على الهاتف بيده وسألها بصوت كاد ان يختفي : انتي فين !
أتاه صوتها الخافت وهي تشهق قائلة : نيويورك .... انا... انا عايزه اقبلك ضروري... تقدر تيجي هنا ؟
فحمل ادهم سترته دون ان يحسب حساب لاي احد من الموجودين في غرفة الاجتماعات وقال : انا هاجي على اول طيارة...بس اديني عنوانك.
في تلك اللحظة نهض الجميع فوراً وعلامات الاستفهام تعلو وجوههم وخصوصاً كمال اما هي فقالت : لما توصل انا هتصل بيك وهقولك هنتقابل فين.
ادهم : تمام.
مريم : سلام دلوقتي.
فتوقف ادهم عن السير وقال بتردد : استني.... انتي... كويسه مش كدا ؟
شعرت مريم بغصة في قلبها ولكنها استرجعت رباطة جأشها وقالت بنبرة صوت واثقة : عمري مكنتش كويسه زي النهاردة... انا هستناك.
قالت ذلك ثم انهت المكالمة وما هي الا ثانية حتى انفجرت بالبكاء المرير واخرجت كل ما في قلبها ؛ اما هو فالتفت الى الاخرين وقال بلهجة امر : كمال انا لازم اسافر نيويورك ...خلي بالك من الشركة .
فاستغرب كمال وقال بدهشة : نيويورك !
ثم سأله بفضول قآتل : وهتروح هناك ليه يا ادهم ، وبعدين ازاي هتسيب الاجتماع دا ؟؟
رد عليه ادهم بنبرة جدية : السفريه دي اهم من الشركة كلها بالنسبة لي وانا لازم اروح هناك...وبالنسبة للصفقة انا واثق انك هتقدر تكسبها... سلام دلوقتي .
كمال : بس يا ادهم.....
- ولم يستطيع اكمال جملته لأن ادهم المتهور قد خرج من قاعة الاجتماعات وهو يركض نحو المصاعد كما لو كان مجنون يتحدث في الهاتف مع سكرتيرة سلمى قائلاً : سلمى عايزك تسيبي كل حاجة في ايدك دلوقتي وتحجزيلي تذكرة في اول رحلة رايحه نيويورك انتي سامعه ، ولو ما قدرتيش تلاقي تذكرة جيبيلي طيارة خاصة .
فقالت سلمى بأرتباك : ح... حاضر يا فندم.
ثم اغلق هاتفه وركض الى موقف السيارات اما سلمى فقالت بتعجب : نيويورك ؛ وهيروح يعمل ايه هناك !
بعد مرور نصف ساعة...
وصل ادهم الى المنزل وقبل ان ينزل من السيارة ورده اتصال من سكرتيرته سلمى فاجابها : ايوا يا سلمى.
فقالت : انا حجزتلك تذكرة للشخصيات المهمة يا فندم وهتكون رحلتك بعد ساعتين من دلوقتي .
ادهم : طيب يا سلمى متشكر.
قال ذلك ثم اغلق هاتفه ونزل من السيارة فنظر اليه العم محمود وهو يركض نحو الداخل حتى دون ان يلقي التحية فهز رأسه وتابع عمله ؛ اما في داخل المنزل لم يكن هناك احد سوى السيدة كوثر والشغالة امينة حيث كان البقية في اشغالهم.... معاذ ويوسف في المستشفى... رغد في الجامعة حيث كانت ماتزال طالبة حقوق آن ذاك وكذلك اولاد العم محمود اي ان المنزل كان شبه خالي من سكانه ما عدى السيدة كوثر التي كانت تشرب القهوة في غرفة المعيشة مع إمينه ويتحدثن بأمور كثيرة.
- فدخل ادهم من الباب مثل الاعصار الهائج ولم ينتبه إلى امه وامينه اللتان كانتا تحدقان به بغرابة... بل صعد إلى غرفته امام نظرهن دون ان يتفوه بكلمة واحدة مما جعل والدته تشعر بالقلق فنهضت ونهضت امينه خلفها وصعدن الى الطابق العلوي من المنزل وتوجهن الى غرفة ادهم وعندما دخلن كان هو يبحث في درج الخزانة الصغيرة التي بجابن السرير عن جواز سفره فسألته امه : ادهم في ايه يا ابني ؟
اجابه بدون ان ينظر اليها : بعدين يا ماما... انا لازم الاقي الـ Passport بتاعي دلوقتي .
السيدة كوثر : انت هتسافر يا ادهم !
فنظر إليها وقال : ايوا... عندي شغل مهم برا مصر وطيارتي بعد ساعتين من دلوقتي... علشان كدا ارجوكي يا ماما سيبيني اجهز نفسي .
فتنهدت السيدة كوثر وقالت : طيب يا حبيبي...طريق السلامة وخلي بالك من نفسك .
ادهم : ان شاء الله.
ثم نظرت السيدة كوثر الى امينه وقالت : يلا يا امينه.. خلينا ننزل.
امينه : حاضر يا ست هانم..
وما هي الا دقيقة قد مرت حتى وجد ادهم جواز سفره فوضعه في جيب سترته ثم توجه نحو خزانته واخرج منها حقيبة سفر صغيرة ؛ بدأ يضع فيها بعض الملابس ومن ثم خرج من غرفته وهو يجرها متوجهاً إلى الاسفل.... فنزل وخرج من المنزل مجدداً وصادف سمير في طريقه فاستوقفه قائلاً : سمير اجري وجهز العربيه علشان توصلني المطار.
قال ذلك ثم القى عليه مفاتيح السيارة فالتقطها سمير وقال : حاضر يا بيه.
- قال ذلك وصعد في سيارة ادهم وشغل المحرك ؛ اما هذا الاخير فوضع حقيبته في صندوق السيارة وصعد بجانبه قائلاً : يلا بينا.
بعد ساعة ونصف ...
كان ادهم جالساً في المطار ينتظر موعد رحلته بفارغ الصبر وهو يهز قدمه بأستمرار دليلاً على نفاذ صبره ويحدق كل خمس دقائق في ساعة يده والتوتر كان واضحاً على وجهه... لقد سمع صوتها... اخيراً وبعد ثلاثة اشهر استطاع ان يسمع صوتها العذب وها هي الان قد اتصلت به بملئ إرادتها وطلبت ان تقابله مما جعله يشعر بالخوف قليلاً من السبب الذي جعلها تتصل به فجأة ، فاخذت التساؤلات والافكار تدور في رأسه مسببه له صداع نصفي ولكن بغض النّظر عن ذلك لقد كان سعيد... سعيد لانه سيراها اخيراً بعد كل ذلك العذاب الذي تحمله في بعدها فاخذ يفكر كيف سيتصرف عندما يقابلها ؛ هل يأخذها في حضنه ويخبرها انه يحبها ام يركع على ركبته ويطلب منها ان تسامحه لانه جرحها كثيراً ؟
وبعد تلك الحرب النفسية نهض عندما سمع نداء رحلته فتوجه نحو البوابة وهو يحمل حقيبته... وبعد الإجراءات القانونية صعد على متن الطائرة وجلس في درجة الـ VIP حيث كان مقعده ؛ بعد عدة ساعات وصل إلى نيويورك في الصباح فخرج من المطار وهو لا يعلم اين سيقابل مريم... اما هي فكانت تحاول الاتصال به مراراً لكن هاتفه كان مقفلاً لذا عرفت انه على متن الطائرة فقررت ان تتصل به في الصباح حين يصل ...وبالفعل فعلت ذلك فأجابها فوراً وهو يحاول ايقاف سيارة أجرة وسألته : انت وصلت مش كدا ؟
اجابها : ايوا... اديني عنوانك علشان اقدر اوصلك.
قالت : لأ احنا هنتقابل في محطّة غراند سنتر كمان ساعة.
ادهم : طيب...هقابلك هناك.
مريم : تمام.
قالت ذلك ثم اغلقت الهاتف ونظرت إلى نفسها بالمرآة التي في غرفة نومها حيث كانت تجهز نفسها للخروج من المنزل بعد ان اخذت إجازة من العمل لكي تقابل ادهم... اخذت نفساً عميقاً ووضعت يدها على بطنها وقالت : متقلقش يا ابني... انا عارفه ان دا احسن حل لينا كلنا وبكدا انت هترتاح وانا كمان.
ثم حملت حقيبتها وارتدت معطفها وخرجت من الغرفة فصادفت الهام التي عادت من زيارة بيت عمها وسألتها : انتي رجعتي امتى يا لولو ؟
الهام : من شويه... انتي رايحه الشغل ؟
مريم : لا انا خذت إجازه النهاردة... لان عندي معاد عند الدكتورة.
الهام : تحبي اروح معاكي ؟
مريم : ملوش لازمة...يلا سلام دلوقتي.
الهام : سلام.
- ثم خرجت مريم من الشقة اما الهام فتنهدت وقالت : وانا هروح اجهز نفسي عشان انزل الشغل بقى .
قالت ذلك ثم دخلت إلى غرفتها وفي الوقت ذاته اوقفت مريم سيارة أجرة وطلبت من السائق ان يوصلها إلى محطّة غراند سنتر حيث ستقابل ادهم ؛ وبعد مرور اربعين دقيقة تقريباً اخرجت هاتفها واتصلت به فأجابها بسرعة : انتي فين ؟
قالت : انا وصلت من شوية وهتلاقيني في قاعة الانتظار اللي جنب المترو....هتعرف توصلها ؟
ادهم : ايوا.. انا جنبها دلوقتي .
مريم : انا لابسه مانطو ابيض وقاعدة في الكوفي شوب اللي هناك.
ادهم : تمام... ثواني وهكون عندك.
قال ذلك ثم اغلق هاتفه وركض نحو المقهى حيث كانت هي جالسة ، وعندما وصل توقف عن الركض حين رآها من بعيد تتلفت حولها فبدأت نبضات قلبه تتسارع وكأن احدهم حقنه بـِ الأدرينالين ؛ اخذ يمشي ببطء شديد وهو يضغط بيده على مقبض حقيبته التي كان يحملها وسرعان ما وقف خلفها وقال بصوت حنون : مريم ...
اما هي فشعرت بقلبها يهوي بعد سماعه ينطق باسمها بصوته الذي حرك بركان من المشاعر بداخلها فاغمضت عيناها بشدة وابتلعت ريقها ثم نهضت والتفتت اليه ببطء شديد حتى اصبحت تنظر إليه مباشرةً ... وقفا يحدقان ببعضهما البعض بصمت رهيب لمدة من الزمن وسرعان ما رمى ادهم حقيبته ارضاً واراد ان يعانقها ولكنها عادت بخطواتها الى الوراء مما جعله يتجمد في مكانه ... فوقف يحدق بها بصمت وهي تحني رأسها كما ان شيئاً في داخله قد تحطم بعد تصرفها ذاك إذ انها اظهرت له عدم رغبتها في ان يلمسها ابداً ، لذا عاد خطوتين للوراء وهو يضغط على قبضته وسألها بنبرة آلم : ازيك ؟
رفعت رأسها بعد ان سيطرت على نفسها حتى لا تضعف امامه ومنعت دموعها من النزول ونظرت اليه بنظرة واثقة ثم قالت بصوت يخلو من العواطف : الحمد لله... وحضرتك ؟
اجابها بصوته المخنوق : انا... بقيت كويس دلوقتي .
فابتلعت ريقها واشاحت بنظرها عنه لثانية ثم عادت ونظرت اليه وقالت بنفس الجفاء : اتفضل خلينا نقعد .
ثم جلست اولاً اما هو ازداد آلمه لانها تعامله بجفاء وبطريقة رسمية ، فمرر اصابعه بين خصلات شعره وسار قليلاً حتى جلس على الكرسي الذي امامها بصمت فنظرت اليه وقالت : انا اسفه لاني طلبت من حضرتك انك تيجي هنا بس كان غصب عني لاني مقدرش اسيب البلد دي دلوقتي.
نظر اليها وفي داخله بركان يشتعل ولكنه سيطر على نفسه وقال بهدوء : اكيد عايزه تقولي حاجة مهمة والا مكنتيش طلبتي مني اقطع المسافة دي كلها .
فاخذت مريم تضغط بيدها على سلسلة حقيبتها التي في حضنها من شدة التوتر دون ان يراها ادهم ولكنها قالت بصوت عادي : ايوا.
ادهم : اتفضلي... انا بسمعك .
فنظرت الى عيناه اللتان لطالما عشقتهما وسرحت في سوادهما الحالك لثواني معدودة كما فعل هو المثل ثم قالت دون مقدمات : طلقني .
في تلك اللحظة اغمض ادهم عيناه بألم ظهر على ملامح وجهه وكأنه كان يتوقع ان تطلب منه ذلك... كيف لن يتوقع وقد عبرت عن نفورها منه بطريقة مباشرة حين عادت للخلف عندما اراد ان يعانقها ؟
ذلك التصرف اكد له انها لا ترغب به ابداً وانها لا تريد ان يقترب منها مجدداً فنظر اليها بعيونه التي تحولت إلى جمرات ولكنه لم يقل اي شيء بل اشاح بنظره عنها مما جعلها تشعر بالرعب من ردة فعله فقالت باصرار : انا طلبت منك تيجي هنا علشان نحل المسألة العالقة بينا ... اظن ان كفايه لحد كدا والمفروض انك تتطلقني من زمان زي ما قولت بس...
فقاطعها بصوته البارد والذي يدب الرعب في النفوس عندما سألها : ليه عايزاني اطلقك يا مريم ؟
ارتبكت وقالت بتلعثم : علشان... علشان...
ادهم : علشان ايه ، اتكلمي.
فاخذت نفساً عميقاً ونظرت اليه بنظرة قوية ثم قالت بثقة ودون تفكير : علشان انا بحب واحد تاني وعايزه اتجوزه بس مش هينفع اعمل كدا لو فضلت على ذمتك ... وطلبت منك تيجي هنا علشان تطلقني.
- بعد قولها ذاك شعر ادهم بقلبه قد تحطم تماماً فهي اصابته في الصميم بقولها لتلك الكلمات ولو انها قتلته او خسر كل ثروته لكان اهون عليه من سماعها تطلب منه الطلاق لكي تتزوج من غيره.. كيف سيتركها لغيره وهي التي اسرته بهواها وجعلته شبه الميت في جسد بارد طوال الفترة التي ابتعدت عنه فيها فسألها بصوت مرتجف وبعدم تصديق : عايزه تتجوزي واحد تاني ؟!
فقالت بنفس النبرة القوية : ايوا.. عايزه اتجوز الراجل اللي بحبه ...علشان كدا طلقني.
ضرب ادهم الطاولة بكل قوة مما جعلها تفزع وقد استيقظ الوحش الذي في داخله فقال بنبرة اشبه بفحيح الثعابين : وحبيبك دا اللي عايزة تتجوزيه يعرف انك بعتي نفسك علشان الفلوس وسبتيني اعمل فيكي كل اللي انا عايزه ؟
- لقد شعر بالإهانة والخيانة فأراد ان ينتقم منها لذا قال لها ذلك الكلام الجارح وهو يعلم بأنها سلمته نفسها من اجل انقاذ اختها ولكن كبريائه لم يتحمل ما سمعه منها وانها تحب غيره ؛ استفزها بما قاله فادمعت عينيها بعد ان جرحها مرة اخرى بكلامه الذي نزل عليها كالسم فلم تستطيع منع نفسها عن البكاء لذا ذرفت الدموع وقالت بصوت مقهور مليئ بالإصرار : ايوا ...هو يعرف عني كل حاجة زي ما انا اعرف عنه كل حاجة ، ولأننا بنحب بعض عايزين نتجوز بس في مشكلة وحده واقفه في طريق سعادتنا واللي هي حضرتك يا استاذ يا محترم.
وبعد ان ردت له الصاع صاعين بقولها لتلك الكلمات الجارحة اكثر من حد السيف والتي جعلت الغضب يأكل قلبه اظافت بعصبية : وبعدين احنا اتفقنا انك تتجوزني ليوم واحد وبعدها هتطلقني بس محصلش كدا وكمان انا رجعتلك فلوسك يعني مفضلش في حاجة ممكن تمنعك انك تطلقني وتسيبني اشوف حياتي بقى لاني زهقت من الحكاية دي وعايزه استقر هنا .
فنظر اليها بنظرة واحدة ولكنها تحوي على معاني كثيرة... منها الشعور بالألم والخيانة العظمى والحزن الشديد والغضب المدمر الذي اعمى بصيرته ، بعدها اغمض عيناه وتنفس بعمق وبعد ان استعاد رباطة جأشه نظر اليها مجدداً بعيونه الحادة بصمت طويل مما جعلها تحني رأسها بارتباك ثم قال اخيراً بنبرة هادئة : انتي طالق.
قال ذلك وانتصب واقفاً ثم حمل حقيبته عن الارض وسار بها بعيداً دون ان ينظر اليها مجدداً ًوقد سمح لدموعه التي حبسها كثيراً ان تنزل... فنزلت واحرقت وجنتيه ، اما هي فكانت ما تزال جالسة في مكانها وقد شعرت بأن روحها فارقتها بعد تلك الكلمة الصغيرة التي القاها على مسمعها " طالق " كلمة صغيرة مكونة من اربع حروف ولكن تأثيرها كان اقوى مما تتصور.... لقد شعرت بالفراغ فوراً بعد ان طلقها وغادر بتلك البساطة وكأنه لم يأتي اساساً... وسرعان ما نزلت دموعها مثل زخات المطر ولا تعلم لما اتاها احساس الندم الشديد لانها طلبت منه ان يطلقها بعد ان رأت في عيناه مشاعراً صادقة تجاهها وكان على استعداد بأن يغير مجرى الأمور لو سمحت له بمعانقتها... ولكن كيف تفعل ذلك وقد عزمت امرها لكي تنساه وتخرجه من حياتها الى الابد ؟
حتى بعدما كذبت عليه بقولها انها ستتزوج من غيره كانت على يقين انه لن يصدقها ابداً ولكنه خيب املها وصدق تلك الكذبة التي دمرت كل شيء... تلك الكذية التي ندمت عليها اشد الندم وتمنت لو ان لسانها شل عن الحركة قبل ان تنطق بها ؛ اما هو فكان يسير في شوارع نيويورك بخطوات ثقيلة وهو يحمل حقيبة ملابسه والدموع لا تفارق عيناه...فبعد ان وجد شعاع الأمل وقطع مسافات طويلة لكي يلتقي بها انتهى به المطاف بأن يتركها مجدداً ولكنه طلقها هذه المرة وقتل برعم الحب الذي كان من الممكن ان يمنحها ايه حتى دون ان يعرف انها حامل بأبنه وكما يقول المثل تجري الرياح بما لا تشتهي السفن وهو سفينته قد غرقت في بحر حبها وقد جرحته اكثر من ميرا نفسها عندما قالت انها تحب غيره وتريد الزواج ولكنه يقف عقبة في طريق سعادتها هي وحبيبها الوهمي .
احتقر نفسه كثيراً لدرجة جعلته يشعر بالاشمئزاز لأنه سمح لفتاة تصغره بعشر سنوات ان تفقده عقله وتأسره بمثل هذه الطريقة المخزية حيث انه نسي من يكون وكم هو شخصية مهمة وكثيرون من يرتعبون لمجرد سماع اسمه.. فنظر الى المحيط وقال بنبرة صوت يملؤها الغضب الممزوج بالألم : خلاص يا ادهم ؛ هي عايزه كدا يبقى سيبها تغور في ستين داهية ومش انت اللي تجري ورا وحده ست اختارت انها تبعد عنك علشان واحد تاني.. اساساً كان لازم تتعلم من غلطتك الأولى وتقفل قلبك ومتسبش اي حد يهزك.
ثم سالت دمعة ملتهبة على خده الأيمن عندما قال بنبرة حاسمه : هنساكي يا مريم... هنساكي وهقفل قلبي علشان مايحبش حد تاني... هنساكي يا اجمل غلطة حصلتلي.
قال ذلك ثم مسح دمعته الخائنة وقرر العودة إلى موطنه بأسرع مايمكن حتى لا يغدر به قلبه ويحرضه على العودة اليها عندها سيخسر كل ما تبقى له من كرامة... فتوجه نحو المطار دون ان يستريح او يبدل ملابسه وحجز تذكرة عودة إلى مصر...اما هي فنهضت من مكانها بعد نوبة بكاء عاصفة وقررت العودة إلى شقتها لكي تنام قليلاً وتريح جسدها الذي انهكه الحزن وبعدها ستخبر صديقتها الهام بكل ما حدث معها لعلها تخفف عنها .
- وهكذا مرت اربع سنوات وخمسة أشهر حدث خلالها كثير من الامور والتغيرات التي طرأت على ابطال هذه الحكاية .. فأصبحت مريم في سن الخامسة والعشرين كما انها اصبحت ام لطفل صغير يبلغ من العمر اربعة اعوام وكان شديد الجمال ولطيف للغاية واسمته " ادهم " فكان بالنسبة لها الحياة التي تعيش من اجلها والامل الذي ضاع منها وقد عاد مجدداً حيث انها كانت ترى فيه صورة ابيه " ادهم عزام السيوفي " الذي لم تراه منذ اخر لقاء لهما عندما طلقها وغادر بصمت فقررت ان تسمي ابنهما ادهم لكي يذكرها بحبيبها الوحيد .
وخلال هذه السنوات القليلة الماضية اصبحت ماهرة في عملها في شركة خالد نجم الذي عينها لتصبح مديرة قسم المحاسبة ووقف الى جانبها وقفة الاخ الاكبر الذي لم تلده امها حيث ساعدها هو وصديقتها الهام بالاعتناء بطفلها الذي بعث البهجة والسرور في حياتها البائسة واستطاع ببسمته العذبة ان يمحو جزء كبير من الحزن الذي استوطن في قلبها ؛ اما الهام فقد مرت عليها هذه السنوات الاربع بالتنقل ما بين نيويورك والقاهرة فهي كانت تزور عائلتها شهراً كاملاً كل سنة لكي تشبع من رؤيتهم كما ان حبها لخالد كان يكبر كل يوم في قلبها بالرغم من حزنها عندما اخبرتها مريم انه اعترف لها ولكنها استطاعت ان تتقبل الأمر بعدما علمت انه قرر ان يدفن مشاعر الحب التي يكنها لصديقتها في قلبه وذلك ما اعطاها أملاً في ان ينظر اليها ذات يوم ويعتبرها حبيبة اكثر من كونها صديقة وفيه وصادقه.
اما هو { خالد } فبلغ من العمر اثنان وثلاثون عاماً وخلال تلك السنوات استطاع وبكل جدارة ان يكبر في الوسط الاقتصادي واصبح من اكبر التجار وافتتح فرع من شركته في موطنه الأصلي " مصر الحبيبة " بعد ان كان كل عمله في الخارج ، كان يعتبر مريم وابنها ادهم وصديقتها الهام جزء من عائلته حيث كان يهتم بهم ويحميهم كما لو كان هو المسؤول عنهم بالإضافة إلى ان عمته سحر كانت تحبهم ايضاً وقد اخبرها قلبها ان الهام تكن لأبن اخيها مشاعراً من نوع خاص وذلك كان واضحاً وضوح الشمس في نظرها .
وفي مصر .....
- فاصبحت رغد في سن الـ 26 كما واصبحت محامية بارعة تدافع عن المظلومين ولا تصمت عن قول الحق ابداً... وخلال تلك الاربع سنوات عاشت قصة حب لطيفة مع ابن خالها كمال البالغ من العمر 33 عاماً والذي كان ينتظر حتى تتخرج لكي يتقدم لخطبتها وبالفعل طلب يدها وتزوجا بعد شهر من تخرجها .. وبالنسبة لشقيقها الثاني معاذ ذو الـ 31 ربيعاً فكانت شهرته تزداد يوماً بعد يوم حيث انه اصبح من اشهر الأطباء في البلاد كلها كما اصبحت زوجته سلوى في سن الثلاثين وكانت شهرتها لا تقل عن شهرة زوجها لانها طبيبة بارعة ايضاً ، ولكن بالرغم من شهرتهما وغنى عائلتهما الا انهما كانا غير سعيدين لانهما تزوجا منذ 6 سنوات ولم يرزقا بطفل واحد على الاقل....وذلك أوجع قلب سلوى التي كانت تلح على زوجها معاذ بأن يتزوج عليها ان شاء من اجل الحصول على طفل ولكنه كان رافضاً تماماً لتلك الفكرة لانه يحبها كثيراً وقد اوكل امرهما الى الله تعالى على امل ان يرزقهما بطفل ذات يوم .
ولهذا السبب كانت السيدة كوثر تقلق على مستقبل العائلة فهي لا تمتلك وريثاً يحافظ على اسم آل السيوفي وقد قطعت الامل من ان تزوج ابنها معاذ مجدداً لانها وجدت انه من الظلم فعل ذلك واجباره على جرح مشاعر زوجته التي كانت كالجوهرة في قصرهم ومحبه للجميع وتستحق كل خير ؛ لذا قررت ان تعكر صفو حياة شخصاً آخر بفكرة الزواج هذه من اجل الحصول على وريث وهذا الشخص هو ابنها الاكبر " ادهم " الذي اصبح في سن الخامسة والثلاثين ووصلت شهرته لدرجة ان اكبر التجار ورجال الأعمال كانوا يخشون اغضابه .
لقد اصبح خلال الاربع سنوات الماضية امبراطور الاقتصاد والتجارة الألكترونية بعد ان كان لقبه ملكاً في ذلك المجال وازدادت ثروته بشكل مرعب وكان الناس يحسبون له مليون حساب والجميع يتمنون ارضائه ولا احد يجرؤ على ازعاجه بسبب مزاجه المتقلب ، كان بارد لدرجة ان من ينظر اليه يشعر بالنقص والعجز وإذا صمت جللّه الوقار , وإن تكلَّم سماه و علاه البهاءُ ، وبالرغم من ذلك كان دائماً عصبي المزاج كما لو انه قنبلة نووية من الممكن ان تنفجر في اي لحظة وتدمر كل من حولها وقد اصبح هكذا بعد اخر لقاء له مع معشوقته " مريم " التي سببت له جرحاً عميقاً في قلبه عندما طلقها وغادر بصمت وقرر ان ينساها... ولكن كيف ينسى من كانت السبب في جنونه ؟
كيف ينسى من كانت السبب في ان يستيقظ الشاعر النائم في داخله ليخط لها اجمل القصائد ؛ كيف ينسى من أسرته بمحراب عينيها وجعلته يذوق طعم الهزيمة لأول مرة .. كيف ينسى من اصبح حبها متأصلاً في قلبه كما لو كان جزء منه والتي ضحت بنفسها من اجل انقاذ اختها ، كيف ينساها وهو يراها كل يوم في احلامه ويتألم كل يوم لانه تركها تذهب لغيره كما ادعت ؛ كيف ينساها وقد اصبح مهووس بها ورائحة عطرها الساحرة لا تفارق انفه ومخيلته لدرجة انه يأخذ حبوباً منومة كل لليلة لكي ينام ؟؟!
وبالرغم من عذاب الأشتياق والحب الذي كان يشعر به الا ان كبريائه منعه من العودة اليها مجدداً... فهي قد اختارت حياتها لذا قرر ان يعيش على ذكراها واقسم ان لا يحب بعدها وان لا يتزوج غيرها فهي حبيبته الأبدية حتى بالرغم من بعدها الا انها تسكن قلبه وبين ضلوعه ، وقلادتها الفضية كانت تحاوط عنقه طوال اربع سنوات ولم ينزعها ولو ليوم واحد لكي يذكر نفسه بأخر لقاء وكيف اصبحت غريبة عنه بعد ان نطق كلمة صغيرة كانت السبب في عذابه كل هذه السنوات.
وذات يوم....
كان يجهز نفسه في غرفة نومه لكي يذهب إلى الشركة كالعادة وكان في غاية الوسامة خصوصاً بعد ان نمى له شاربين وخسر بعض من وزنه فاصبحت هيبته الرجولية واضحة وضوح الشمس ، وبينما كان يعقد ربطة عنقه سمع قرع على باب غرفته فقال بصوته الوقور : اتفضل.
فدخلت امه الى الغرفة وهي تبتسم ابتسامة ذات مغزى وتحمل في يدها مغلفاً ...وعندما رآها في المرآة تنهد وكأنه يعرف لما اتت واردف بتوسل : ارجوكي يا ماما ما تحاوليش لاني زهقت من الموضوع دا.
اقتربت السيدة كوثر منه وقالت بغنج وهي تعقد له ربطة عنقه : انت بص على الصور الاول وأكيد العروسة المرة دي هتعجبك... انا متأكدة وخصوصاً لانها من عيلة محترمة جداً.
ابعد يديها عنه بلطف وامسك سترته واخذ يرتديها قائلاً : قولت لك مليون مرة مش عايز اتجوز يا ماما ... ارجوكي بلاش تلحي عليا لاني مش هغير رأيي ابداً .
قال ذلك ثم امسك هاتفه وحقيبة عمله التي تحتوي على حاسوبه المحمول ثم خرج وهو يتمتم بكلمات غير مفهومة وكان من الواضح انه منزعج... اما امه فوقفت تحدق بظهره وهو ينزل السلالم وقالت محدثة نفسها : والله ما هسيبك يا ادهم غير اما اجوزك وبكرا هتشوف.
- نزل ادهم وخرج من المنزل دون ان يتناول الفطور لانه فقد شهيته بسبب ازعاج امه المستمر بشأن تزويجه فهي كانت تحضر له كل يوم صور لفتاة مختلفة ولا تعلم انه قطع على نفسه وعداً واقسم بأن لا يلمس أمرأة اخرى بعد مريم ، فخرج الى الحديقة حيث كان سائقه الخاص سمير ابن العم محمود ينتظره فقال له بنبرة جافة خاليه من التعابير : جهز العربيه يا سمير.
سمير : حاضر يا فندم.
قال ذلك ثم ركض نحو السيارة وصعد بها اما ادهم فوضع نظارته الشمسية الداكنة لتحجب نور الشمس عن عيناه وبعدها سار حتى وصل الى موقف السيارات فقام سمير بفتح باب السيارة الخلفي له ؛ صعد بالفعل ثم اخرج حاسوبه المحمول من الحقيبة وبدأ يراجع بعض الاعمال بينما كان الشاب يقود بهدوء ويستمع للأغاني الهادئة ... وبينما كان يعمل على الحاسوب تسللت الى مسامعه كلمات اغنية اثرت به مما جعله يطبق الشاشة وينظر من خلال نافذة السيارة بصمت من تحت نظارته الداكنه.
وكانت الاغنية كالتالي :
نصيبي اعيش عشانك يروووح قلبي لمكانك و اشوفك من بعيد
في ناس كتير معايا كل مناهم رضااااايا و برضوا.. بعيش وحيد
حبيبي ارجع تعالا أنا دبّت من الغياب
بعدك فرحي استحااااالة ارحمني من العذااااااب
*****
قوللي بعد حبك اااااايه يا غاااالي
غير جراااااح .... و ااااآه فوق احتمالي
غبت عني ليه ؟ رحت مني ليه؟
السنين علّيا تفوت و لسّه حبي ليك بيزيد !
وعمري ما انسى معقول أنسى إااااايه ؟ ؟ ؟
*****
اللي روحي فيه حبيبي يحرم علّيا بعدك تفرح عنّيا
مهما يطووووول الزمان.. لو كان نصيبي بعدك
برضوا حتفضل لوحدك حبيبي الجاي و كان
حبيبي ارجع تعااالا أنا دبّت من الغياب
بعدك فرحي استحااالة ارحمني من العذاااب
*****
- وبعد ان سمع تلك الاغنية شعر وكأن كلماتها كُتبت من اجله هو... لكي تعبر عن اشتياقه ومعاناته بسبب بعد حبيبته عنه فنزلت دمعة متمردة من عيناه و تدحرجت على خده الايمن من تحت النظارة السوداء وهو ينظر من خلال النافذة بصمت رهيب وكأنه عبر المحيطات بتفكيره وذهب إلى مكان آخر ولكن ليس لوقت طويل فقد ايقظه صوت سمير عندما قال : احنا وصلنا الشركة يا فندم.
رفع ادهم يده ومسح اثار دمعته التي تسللت من سجنها ثم وضع حاسوبه في حقيبته ونزل من السيارة بعد ان قام سمير بفتح الباب له ؛ سار بكل شموخ حتى دخل الى ردهة الشركة حيث قام الموظفين بتحيته وبعدها توجه إلى مكتبه في الطابق الاخير فنهضت سلمى عندما رأته وقالت : صباح الخير يا فندم.
أجابها بجمود : صباح النور.
ثم دخل إلى مكتبه واغلق الباب ، اما هي فتنهدت وقالت : نفسي اشوفك بتضحك مرة وحده ، دايماً عابس ومكشر بس مز اوي يا بختها اللي هتتجوزك .
قالت اخر كلمة وهي تبتسم ببلاهة فسمعت صوت يقول لها : اوعي يسمعك يا سلمى لحسن هتروحي في ستين داهية.
انتفضت الفتاة من مكانها مثل الحمقاء والتفتت الى صاحب الصوت ويا ليتها لم تفعل فقالت بتوتر شديد : ا.. انا اسفه يا كمال بيه انا بس كنت ....
ضحك كمال واردف : خلاص ولا يهمك ، اعتبري اني مسمعتش حاجة بس خلي بالك علشان هو ميسمعش.
قال ذلك ورسم على محياه ابتسامة لطيفة ثم توجه نحو مكتب ادهم وطرق الباب مرة واحده وبعدها دخل.. اما سلمى تمنت لو ان الارض تنشق وتبتلعها لانها تفوهت بكلام تافه امام كمال الذي يعتبر اهم شخص في الشركة بعد ادهم لذا ضربت فمها وقالت بتذمر : الله يخرب بيت ام لسانك يا سلمى.. ضروري تقولي الكلام دا وانتي عارفه انك مش لوحدك في الشركة دي وان ممكن اي حد يسمعك !
وفي نفس الوقت داخل مكتب ادهم ......
كان هو واقفاً ينظر من خلال نافذة مكتبه العملاقة على الشوارع والسيارات بينما كان يدخن سيجارة بصمت مرعب... فدخل كمال وقال بصوت مرح : ايه يا عم.. انت ابتديت تدخين من الصبح كدا ؟؟
التفت إليه وقال : اهلاً يا كمال... عملت ايه في موضوع شراكتنا احنا وصاحبك الامريكي دا ؟
جلس كمال ووضع قدم فوق الاخرى قائلاً : كل حاجة جاهزه ومفضلش غير اننا نسافر علشان نوقع العقد مع خالد.
فجلس ادهم ايضاً ثم اطفأ سيجارته وسأل : انت متأكد اننا نقدر نثق في الراجل دا ؟
ابتسم كمال وقال : متقلقش ، خالد نجم دا راجل كويس وانا اعرفه من ايام الجامعة... صح هو اصغر مني بسنه وحده وعاش معظم وقته برا مصر بس تقدر تقول انه راجل عنده خبره كبيرة في مجال التجارة وكمان هو بنى شركته بنفسه زيك بالزبط لان بباه كان مهندس معماري ومكانش بيفهم في ادارة الاعمال ابداً .
فاسند ادهم ظهره الى الكرسي وكتف ذراعيه ثم قال : ما دام انت اللي بتقول كدا انا هثق فيه لاني عارف انك دايماً بتختار الصح.
كمال : متشكر وان شاء الله هبقى عند حسن ظنك فيا .
ادهم : وامتى هنسافر ؟
كمال : بعد بكرا... هنروح شركته اللي في نيويورك.
في تلك اللحظة شعر ادهم بغصة في قلبه لانه تذكر اخر تجربة له في نيويورك حين طلق مريم قبل اربعة سنوات وخمسة اشهر فعبس وجهه وقال : نيويورك !
كمال : ايوا...شركته الاساسية هناك وهو بيعقد كل الصفقات المهة في الفرع الرئيسي بتاع الشركة.
فتنهد ادهم وقال : تمام .
- مر الوقت سريعاً وجاء موعد سفرهما ومعهما مدير قسم المالية محمود ياسين البالغ من العمر 29 عاماً والذي كان زميل مريم في السابق ، فهو عمل بجد حتى ترقى من مبرمج ومصمم مواقع اليكترونية واصبح مدير قسم المالية في شركة رويال ، فذهبوا ثلاثتهم الى نيويورك من اجل اتمام الصفقة مع خالد .
وفي الجهة الاخرى لم تكن مريم تعلم من هو العميل الذي سيوقعون معه عقد شراكة الا انها كانت تعرف بأنه رجل اعمال مصري شهير كما أنها لم تكبد نفسها عناء الاستفسار عن هذا العميل المصري حيث كانت واثقة من قرارات صديقها خالد وانه لا يفعل شيئاً دون ان يتأكد من نسبة النجاح الكبيرة التي ستؤثر ايجاباً على شركته.
وعندما وصل كل من ادهم وكمال ومحمود الى نيويورك.... كانت تنتظرهم سيارة ليموزين امام المطار وكان سائقها ديمتري مساعد خالد الخاص فتكلم معهم باللغة الإنجليزية قائلاً : مرحباً بكم في نيويورك... لقد ارسلني السيد خالد لكي اصطحبكم الى الفندق.
فابتسم كمال وقال : شكراً لك.
ثم التفت إلى ادهم واستطرد : شايف... اهو خالد راجل بيفهم وبعت المساعد بتاعه علشان يوصلنا .
ادهم : وانا قلت حاجة ؟
ثم صعدوا في السيارة واخذهم ديميتري الى واحد من اشهر الفنادق الكبرى في نيويورك وكان قريب من شركة خالد ؛ اما في الشركة فكانت مريم جالسة مع الهام في الكافتيريا وقالت الاخيرة : ماما كلمتني من شويه وبعتتلك سلام.
فابتسم مريم وقالت : الله يسلمك ويسلمها...اخبارها ايه ؟
الهام : هتموت وتجوزني.
ضحكت مريم واردفت : واكيد متعرفش انك بتحبي خالد مش كدا ؟
فتنهدت الهام بضيق وغمفمت : لأ متعرفش اصلي مقلتش لحد غيرك عن الموضوع دا.
امسكت مريم بيدها قائلة : اسمعي مني يا لولو وصارحي خالد بمشاعرك... انتي بقالك اربع سنين بتحبيه وعمره ما هيلاقي وحده احسن منك.
الهام : وانا قولتلك مليون مرة اني مستحيل اعمل كدا لو هو محسش بيا الاول.. حتى لو فضلت كل عمري بتعذب كدا مش هقول له اي حاجة .
مريم : انا معاكي ان كرامتك اهم حاجة وان مش لازم انتي اللي تبتدي في اول خطوة بس جايز هو كمان بيحبك وخايف يعترفلك.
فرسمت الهام ابتسامة مريرة على وجهها واردفت بنبرة حزينة : بيحبني ؛ ايوا بيحبني على اني اخته مش اكتر من كدا.
مريم : لا انتي غلطانه يا الهام... خالد عنده اخت وحده واللي هي انا وانما انتي بيعتبرك صديقة كويسه وجدعه وجايز مشاعره اتغيرت ناحيتك وبقي بيحبك مش بس كصديقة .
الهام : وانتي تعرفي منين ؟
ابتسمت مريم واجابت : من نظرته ليكي يا عبيطة.... انا شفت في عينيه نظرة الحب لما بيبصلك وانتي مش واخده بالك ابداً.
شع شعاع الأمل في قلب الهام وابتسمت قائلة : تفتكري ان خالد بيحبني بجد يا ميمي !
مريم : والله انا رأيي انه بيحبك .
في تلك اللحظة سمعن صوت خالد يسألهن : هو مين اللي بيحب مين ؟
أرتبكت الفتيات عندما التفتن ووجدنه واقفاً خلفهن وقالت مريم بتلعثم : ا... دا واحد ساكن في نفس العمارة اللي ساكنين فيها اهل الهام وكان عايز يطلب ايدها من اهلها في مصر وامها اتصلت بيها علشان تقولها ان ابن الجيران اتقدم لها.
فقالت الهام مؤكدة : ايوا..ابن جيرانا.
عقد خالد حاجبيه وسألها بنبرة جدية : وانتي رأيك ياه يا الهام ؟
فنظرت الهام الى مريم التي ابتسمت لها ثم عادت ونظرت إلى خالد وقالت بخجل : انا قولت لماما اني مستحيل اتجوز حد ما بحبوش...وابن جرانا دا انا مابطقهوش خالص.
بعد قولها ذاك تغيرت ملامح وجه خالد ورسم ابتسامة صغيرة على زاوية شفتيه وقال : كويس..
سألته مريم : انت كنت عايز تقول لنا حاجة مش كدا يا خالد ؟
خالد : اه صحيح... انا جيت اقولك ان عندنا اجتماع بكرا مع العميل المصري يا مريم وعايزك تبقي موجودة معانا.
مريم : اوك... متشلش هم.
فابتسم واستطرد قائلاً : اسيبكوا بقى تكملوا حديثكوا عن ابن جيرانك اللي ما بطيقهوش يا الهام ، سلام .
قال ذلك ثم غادر وهو يبتسم فنهضت الهام وعانقت مريم قائلة باندفاع : كان عندك حق يا ميمي.. انا حسيت من طريقة كلامه انه بيحبني كمان.
فابتسمت مريم وقالت : مانا قولتلك.
- ثم مر اليوم بسرعة وجاء اليوم التالي فذهب خالد الى شقة مريم والهام كما يفعل كل صباح لكي يصطحبهن معه الى العمل حيث ان شقتهن كانت على نفس طريق منزله... فصعد الى البناية وطرق الباب وما هي الا دقيقية حتى فتحت له الهام وابتسمت فوراً قائلة : صباح الخير يا خالد.. اتفضل.
فدخل وقال : صباح الفل... هي مريم لسه مجهزتش ؟
تنهدت الهام وقالت : بص بنفسك.
قالت ذلك ثم اشارت الى مريم التي كانت تركض خلف ابنها الصغير في ارجاء الشقة وهي تحمل كأس الحليب وتقول : ادهم ، بقولك تعالى اشرب اللبن فوراً.
فقال الطفل بلكنة مكسرة : مش عايز.. انا ما بحبوش.
قال ذلك ثم ركض نحو خالد واختبأ خلف قدمه قائلاً : خالو.. انا مش عايز اشرب اللبن ارجوك قول لماما تبعده عني .
فضحك خالد ثم حمله قائلاً : لازم تسمع كلام ماما يا ادهم لان اللبن هيخليك تكبر بسرعة.
واقتربت مريم منهم قائلة : والله العظيم الواد دا هيجنني ، كل يوم نفس المشكلة ومش عايز يشرب اللبن ابداً .
فقالت الهام : مش جايز ما بيحبوش فعلاً .
مريم : حتى لو كان مابيحبوش هو لازم يشربه علشان يساعده في النمو زي ما قال الدكتور والا انتي نسيتي انه اتولد قبل أوانه واني بخاف عليه جداً ؟
فقال خالد مخاطب الطفل : اسمع كلام ماما يا ادهم وانا هاخدك علشان افسحك لما ترجع من الروضة يا حبيبي اوك .
فابتسم ادهم الصغير وقال : بجد يا خالو ؛ انا بحبك اوي.
قال ذلك وعانق خالد الذي يعتبره خاله كما اخبرته امه اما هي فتقدمت منهم وانزلته قائلة : مهو بسبب دلعك ودلالك الزايد ليه يا خالد بقى مقرود بالشكل دا.
فضحك خالد وقال : اعمل ايه يا مريم ؛ ابنك حتت سكره ومقدرش ازعله ابداً .
واستطردت الهام : ولو فضلتوا تتكلموا في الموضوع دا احنا هنتأخر على الشغل.
ردت عليها مريم : عندك حق... ادهم يلا تعالى اشرب اللبن بسرعة علشان نمشي.
فاضطر ادهم الصغير بأن يشرب الحليب لان خاله خالد قد وعده بأن ينزهه ان فعل ذلك ومن ثم خرجوا جميعاً من الشقة وصعدوا في السيارة ؛ توجهوا اولاً الى الروضة وبعدها ذهبوا إلى الشركة كما يفعلون كل يوم .
الساعة الثانية بعد الظهر...
حان موعد الاجتماع في شركة خالد فذهب كل من ادهم وكمال ومحمود الى هناك وكانت الهيبة تقطر منهم.. ارشدهم ديمتري الى قاعة الاجتماعات حيث كان رئيسه وبعض الموظفين ينتظرونهم الا مريم التي كانت تجهز بعض الاوراق من اجل اتمام الصفقة ..فقام كمال بتعريف ادهم على خالد وصافحه الاخير قائلاً : شرف كبير اني قابلت حضرتك اخيراً يا ادهم بيه .
فابتسم ادهم ابتسامة رسميه وقال : متشكر يا استاذ خالد.
خالد : اتفضلوا... هنبتدي الاجتماع لما تيجي مساعدتي وهي مش هتتأخر.
لم يكمل جملته حتى اتت مريم بطلتها الأنيقة وقالت : انا اسفة على التأخير يا حضرات.
في تلك اللحظة تفاجئ كل من كمال ومحمود عندما ظهرت امامهم وقال كمال بدون وعي : مريم مراد !
اما ادهم فنهض من مكانه وكان يحدق بها بغير تصديق كما فعلت هي المثل وما هي الا ثواني حتى أوقعت الاوراق من يدها وقالت بصدمة شديدة : ادهم !
يتبع......
قراءة ممتعة للجميع ♡
- نهض ادهم من مكانه عندما رأى مريم وكان يحدق بها بغير تصديق كما فعلت هي المثل ، وما هي إلا ثواني حتى أوقعت الاوراق من يدها وقالت بصدمة شديدة : ادهم !
اما خالد فاستغرب من الامر وقال بتساؤل : انتوا... تعرفوا بعض !
في تلك اللحظة شعر ادهم برغبة طاغية مستبدة تحرضه لكي يقترب منها ويعانقها بشدة فشوقه لها كان يفوق الخيال حيث انه تعذب لمدة اربع سنوات وخمسة اشهر بعد ان طلقها ولم يصدق انها تقف امامه حقاً... اخذ ينظر إليها بتمعن وهو مذهول من التغير الكبير الذي طرأ عليها ، لقد اصبحت اجمل عن ذي قبل كما ان مظهرها الخارجي يوحي بأنها اصبحت اكثر وعياً ونضجاً عن تلك الفتاة التي عرفها في السابق حيث كانت ترتدي ملابس انيقة اظهرتها بمظهر أمرأة قوية ومثقفة وملامح وجهها كانت تشع نوراً ويبدو انها كانت تعيش حياتها براحة كبيرة او ان امراً جيداً قد حصل لها.
اما هي فعادت بخطواتها للوراء وهي تحدق به بصدمة كبيرة وسرعان ما خرجت من قاعة الاجتماعات تحت انظار الجميع فانتفض ادهم من مكانه قائلاً : مريم.... استني !
قال ذلك ولحق بها دون أن يعير اهتماماً لأي شخص من الموجودين الامر الذي جعل الجميع يستغربون من تصرفهما وخصوصاً خالد الذي لحق بهما ايضاً كما فعل كمال ومحمود ذلك ولم يصدقا ان هذه المرأة الناجحة هي نفسها المبرمجة الصغيرة مريم مراد التي كانت تعمل معهم في السابق والتي اختفت فجأة دون سابق إنذار .
فذهبت مريم تمشي بخطوات سريعة اشبه بالركض وهي تُحدث نفسها قائلة : لأ... مش هضعف قدامه ومش هسيبه يأثر عليا من تاني...لأ يا مريم انتي مينفعش تقابليه مرة تانية والا هيكتشف سرك .
في تلك اللحظة شعرت بيد قوية تمسك بذراعها وتسحبها للوراء وعندما التفتت كان ذلك ادهم الذي سألها : رايحه فين يا مريم ؛ مش عايزه تسلمي عليا ولا ايه ؟
فنظرت إليه وحاولت التملص من قبضته خصوصاً لانه كان يمسك بها في ردهة الشركة امام جميع الموظفين فقالت بصوت اشبه للهمس : من فضلك سيب إيدي ...احنا في مكان شغلي دلوقتي ومينفعش تعمل كدا .
فضغط ادهم على ذراعها بقوة اكبر وقال : ليه ، انتي خايفه جوزك يعرف عن علاقتنا ولا ايه ؟
مريم : ملكش دعوة بالموضوع دا ومن فضلك سيب إيدي بسرعة.
ادهم : مش هسيبها... وهشوف هتعملي ايه.
في تلك اللحظة شعر ادهم بيد رجولية ابعدت يده عنها وعندما التفت رأى خالد الذي سحب مريم من ذراعها وقال : انا معرفش انتوا ازاي تعرفوا بعض بس مش هسمح لأي شخص انه يلمس مريم غصب عنها لانها في حمايتي انا والكلام دا ينطبق على حضرتك انت كمان .
رسم ادهم شبح ابتسامة على زاوية شفتيه وقال بسخرية : قلت ايه !
وسرعان ما انفجر ضاحكاً كما لو كان مجنوناً مما جعل خالد ومريم وكمال ومحمود يندهشون من ردة فعلة فسيطر على نفسه ونظر الى مريم بنظرة مرعبة ثم سألها : هو دا مش كدا ؟
اما هي فقد فهمت قصده على الفور لذا ابعدت يد خالد عنها وقالت : ملكش دعوة.. واظن انك جيت هنا علشان الشغل يبقى متدخلش نفسك في اللي مالك فيه .
فصرخ بها قائلاً : مريم !!
اما كمال فقال : في ايه يا جماعة ؛ متفهمونا ايه اللي بيحصل ؟
نظرت مريم اليه وقالت : انا اسفه يا استاذ كمال بس مفيش حاجة مهمة لان الموضوع تافه ومش محتاج انك تتعب نفسك وتعرفه اصلاً .
بعد قولها ذاك تشنج وجه ادهم من شدة الغضب وبحركة واحدة امسك ذراعها وسحبها نحوه متجاهلاً الجميع وقال : احنا لازم نتكلم.
فتأوهت هي بألم اما خالد فقال بأنزعاج : انت مفتكر نفسك مين علشان تعمل كدا ؟
رمقه ادهم بنظرة مرعبة وقال بلهجة أمر : لو مش عايز تسمع خبر افلاسك بكرا في الاخبار يبقى خليك بعيد احسن .
قال ذلك ثم سحب مريم من يدها قائلاً : وانتي تعالي ورايا .
وبعدها خرجا من الشركة فحاول خالد ان يلحق بهما ولكن كمال اوقفه بقوله : لأ يا خالد ، خليك برا الموضوع احسن لان ادهم متعصب اوي دلوقتي والظاهر انه كان بيتكلم جد لما هددك من شوية ، يعني بلاش نعمل مشكله من ولا حاجة .
رد خالد بانزعاج : مش خالد نجم اللي بيتهدد يا كمال ولو كان ادهم دا ميعرفش..
- لم يكمل جملته لأنه ادرك شيئاً كان غائباً عن ذهنه فسأله كمال بقلق : انت كويس يا خالد ؟
فوضع خالد يده على جبينه وقال : ازاي مفكرتش بالموضوع دا قبل كدا ، دا هو ادهم ...هي حتى سمت ابنها على اسمه يبقى اكيد هو.
عقد كمال حاجبيه وقال بتساؤل : انت بتتكلم عن ايه يا خالد ؟
فنظر خالد اليه وقال : ادهم بيه يبقى جوز مريم يا كمال... حتى انها سمت ابنها على اسمه .
في تلك اللحظة اتسعت عينا كمال وقال بفزع : بتقول ايه !
اما في الخارج.....
فكان ادهم يجر مريم خلفه وهو يضغط على ذراعها بينما كانت هي تعترض وتحاول التملص منه قائله : سيبني ...انت عايز مني ايه ؟
التفت اليها والغضب يعلو وجهه وقال : الراجل اللي اسمه خالد نجم دا يبقى جوزك مش كدا ؟
مريم : قولتلك ملكش دعوة في الموضوع دا.
فامسك كتفيها وضغط عليها بقوة وصاح قائلاً : سألتك سؤال يبقى تجاوبي عليه بشكل صحيح...انتي متجوزه الراجل دا ولا لأ ؟
شعرت مريم بالخوف لانها رأته غاضب بشدة فقالت بتلعثم : ل.. لأ.. خالد مش جوزي.
ادهم : يبقى مين السافل اللي اتجوزك ؟
فعقدت حاجبيها وقالت بعصبية : ويهمك في ايه انك تعرف وبعدين انت ماسكني كدا ليه ؟
قالت ذلك ثم حاولت ان تتملص منه قائلة : سيبني بسرعة لان مش من حقك تلمسني يا ادهم.
فضغط ادهم على كتفيها وقال بتهور : ازاي مش من حقي ...انتي نسيتي انك...
فقاطعته بقولها : اني طليقتك مش كدا ؟
تركها فوراً بعد سماع ذلك وكأنه كان منوماً مغناطيسياً وقد استيقظ اخيراً اما هي فأضافت : جرى ايه ، دلوقتي عقلك رجعلك واستوعبت اننا متطلقين ؟!
اغمض ادهم عيناه بشدة وتشنج وجهه فظهرت عظام فكه وهو يضغط على قبضته اما هي فسألته بحدة : ممكن اعرف انت ليه عملت المهزلة دي ؛ يعني استفدت ايه بعد كل اللي عملته دلوقتي ؟
فنظر إليها وقال : انا حر.. اعمل كل اللي انا عايزه وانتي ملكيش دعوة.
أومأت برأسها وقالت : كويس... اعمل كل اللي انت عايزه وبراحتك خالص بس خليك بعيد عني.
ثم ادارت ظهرها وارادت ان تغادر ولكن رنين هاتفها اوقفها ، فاخرجته من جيبها وعندما قرأت الاسم اجابت بسرعة باللغة الإنجليزية : اجل سونيا... ما الامر ؟
فقالت سونيا بنبرة باكية والتي كانت معلمة الاطفال في الروضة : اوه مريم ... انه ابنكِ ادهم ... لقد... لقد...
سيطر القلق على مريم وسألتها بقلق شديد : ما الذي حدث لأبني.. تكلمي !
في تلك اللحظة صدم ادهم عندما سمع ان لديها ابن اما سونيا فقالت : لقد كان يلعب ولكنه وقع من فوق الأرجوحة وتعرض لإصابة خطيرة في ساقه لذا نقلناه الى المستشفى التي بقرب الروضة ...ومع الاسف هو بحاجة للدم بسرعة لذا يجب على افراد عائلته ان يتبرعوا له حالاً ...هذا ما قاله الطبيب.
اوقعت مريم الهاتف من يدها ووضعت يديها على فمها وسرعان ما نزلت دموعها فاقترب ادهم منها ثم ربت على كتفها وسألها بقلق : في ايه يا مريم ، انتي كويسه ؟
ابعدت يده عنها وركضت بسرعة الى داخل الشركة اما هو فلحق بها وهو يناديها ..فصادفت خالد بطريقها ، وقد شعر بالقلق فوراً عندما رأها تبكي فاوقفها قائلاً : مالك يا مريم ، ليه بتعيطي ؟
فامسكت بقميصه وانفجرت بالبكاء قائلة : ابني يا خالد...ابني !
فسألها بخوف : حصله حاجة ؟
مريم ببكاء : دلوقتي سونيا اتصلت وقالت انه وقع وهو بيلعب وانهم نقلوه المستشفى .
فقال خالد بهلع : بتقولي ايه ، طيب هو.. هو كويس ؟
ازدادت مريم ببكائها وقالت : هي قالت ان حالته خطيرة وانه محتاج دم بسرعة والمصيبة انا زمرة دمي AB ومختلفة عن زمرة دمه...هنعمل ايه دلوقتي ؟
خالد : متخفيش.. اكيد الدكاترة هيلاقوا حل .
قال ذلك ثم مسح دموعها فاقترب ادهم منهما وسألها مجدداً : ايه اللي حصل يا مريم ؛ هو انتي عندك ابن ؟!
التفتت اليه وسرعان ما شع شعاع الأمل في وجهها فتشبثت بذراعه فجأة كما لو انها صمغ وقالت ببكاء وتوسل : ارجوك يا ادهم ...ابني محتاج دم ومحدش هيقدر ينقذه غيرك... علشان كدا انت لازم تروح معايا المستشفى حالاً.
فنظر ادهم اليها بغرابة وسأل بشك : ا.. ازاي محدش هينقذه غيري ، وانتي عرفتي دا ازاي ؟
ازدادت بالبكاء قائلة : علشان.... علشان اكيد انت عندك نفس زمرة دمه ...لانه...لانه...
قالت ذلك ثم انفجرت بالبكاء فامسك ادهم بكتفيها واخذ يهزها قائلاً بصراخ : لانه ايه... انطقي !
فقال خالد دون تردد : لان ابنها يبقى ابنك كمان وهو محتاجلك دلوقتي .
في تلك اللحظة اتى كمال ومحمود وسمعا ما قاله خالد فصدما وخصوصًا كمال الذي لم يكن يتوقع حدوث كل هذا ... اما ادهم فتسمر بمكانه وكأن صاعقة رعدية قوية قد صعقته بشدة ، أتسعت عيناه وترك مريم ثم عاد للخلف بخطوتين وقال بصوت يكاد يختفي : ق... قولت ...ايه !
اما كمال فقال : يا نهار اسود.
وتشبثت مريم بقميص ادهم واخذت تهزه قائلة : ارجوك مش وقت انك تنصدم دلوقتي... انت لازم تنقذه ابوس ايدك يا ادهم.
فنظر اليها بعيونه التي تجمعت بها الدموع وقال بعدم تصديق : ابني !!!
فصفعته بكل قوتها امام نظر الجميع الذين صدموا وخصوصاً محمود وقالت بصراخ : فوق بقى معندناش وقت للكلام دا دلوقتي .
في تلك اللحظة امسك خالد بكتفها وقال : ارجوكي اهدي يا مريم... وبالراحة على الراجل مش كدا ....هو دلوقتي عرف ان عنده ابن وفوق كل دا محتاج دم يعني اكيد صدمته كبيرة .
فاقترب كمال وامسك بذراع ادهم ثم قال : ادهم... انت كويس !
عاد ادهم الى وعيه وسأل : هو فين ؟
ثم امسك بكتف مريم وصرخ عليها قائلاً : انطقي !
اجابته بنبرة مرتجفة : في المستشفى اللي جنب الروضة.
فأمسك بذراعها وضغط عليها بشدة ثم نظر إلى خالد وقال : المفاتيح...اديني مفاتيح عربيتك.
خالد : مفيش داعي انك تتعب نفسك ، انا هوصل....
صاح به ادهم بزمجرة : بقولك اديني المفاتيح بسرعة !
فقال كمال : ادهم... ارجوك اهدا لان مينفعش تعمل كدا.
ادهم : ملكش دعوة يا كمال.
قال ذلك ثم نظر إلى خالد واضاف : لو مش هتديني مفاتيح عربيتك دلوقتي انا هقلب المكان دا فوق دماغك انت سامع ؟
فاخرج خالد مفاتيح سيارته من جيبه واعطاها لأدهم قائلاً : على فكره تهديداتك دي ما بتجبش معايا نتيجة... انا هديك المفاتيح علشان خاطر مريم لان ابنها الوحيد في خطر وانا مش عايز يجراله اي حاجة.
فاخذ ادهم مفاتيح السيارة منه وضغط على يد مريم التي كانت تبكي ثم قال : تعالي.
وبعدها اخذها وتوجه بها إلى موقف السيارات فوقف ينظر من حوله وسألها : اي وحده عربيته ؟
اشارت بيدها نحو سيارة سوداء وقالت وهي تبكي : اللي واقفة هناك.
فوجه جهاز التحكم عن بعد نحو السيارة واصدرت صوت يدل على انها فتحت ابوابها ثم سحبها من يدها والشرار يتطاير من عيناه وبعدها افلت يدها وصعد قائلاً : اركبي.
فصعدت بجانبه دون تردد وسرعان ما انطلق بالسيارة بأقصى سرعة ممكنة مما جعلها تتشبث بالكرسي لأنه لم يعطيها مجال لكي تضع حزام الأمان فسألها دون ان ينظر : انهي طريق ؟
فقالت : اللي على اليمين .
أنحرف بالسيارة لدرجة انها كدات ان تنقلب بهما وبعدها سألها مجدداً : ودلوقتي اروح منين ؟
مريم : افضل ماشي على طول وبعدها لف على جهة الشمال.
عودة إلى شركة خالد......
كان كمال يدور كالمجنون غير مصدق الامر فقال : ازاي حصل كل دا ؛ هو ادهم اتجوز مريم بجد وكمان عنده ابن منها طيب ليه محدش يعرف ؟
فامسك خالد بذراعه وقال : اهدا يا كمال وخلينا نلحقهم دلوقتي لان شكل ابن عمتك دا مجنون وجايز يأذي مريم في اي لحظة.
رد عليه كمال بعصبية : ادهم مش مجنون يا خالد...من فضلك متقولش عليه كدا.
فتنهد خالد وقال : طيب مش مجنون ؛ يلا خلينا نمشي .
- وبالفعل ذهب كل من كمال ومحمود برفقة خالد الى المستشفى بأحدى سيارات الشركة ، اما عند ادهم وريم... فكانا قد وصلا إلى المشفى بالفعل فنزلا من السيارة وركضت هي الى قسم الطوارئ وخلفها ادهم وعندما وصلا كانت سونيا هناك ؛ هرعت مريم نحوها وسألتها بلهفة وهي تبكي : ما الذي حدث لأبني يا سونيا واين هو الان ؟!
أجابتها سونيا الشقراء ذات العيون الزرقاء والتي كانت ترتجف : لقد... لقد ادخلوه الى العملية منذ قليل ولحسن الحظ انهم تمكنوا من ايجاد كيس دم في بنك الدم ولكن الطبيب قال ان كيساً واحداً لن يكفي.
هوت مريم على الارض بعد ان خارت قواها واخذت تبكي فكان على ادهم ان يتصرف لذا امسك بكتفيها وسألها : زمرته ايه ؟
فنظرت إليه بعيونها الباكية وقالت : A+
ادهم : زمرتي A+ ؛ هتتوافق مع زمرته.
قال ذلك ونظر إلى سونيا ثم سألها : اين استطيع التبرع بالدم ؟
اجابته : اذهب من هذا الاتجاه نحو الغرفة التي في نهاية الرواق.
فركض نحو الغرفة التي ارشدته سوينا عليها ووجدت ممرضة تحضر اكياس دم لاحد المرضى الاخرين فقال لها : ارجو المعذرة ولكن اخبروني بأنني استطيع التبرع بالدم هنا.
فنظرت اليه وسألته : ومن الشخص الذي ستتبرع له يا سيدي ؟
ادهم : انه ذلك الطفل الصغير الذي اصيب في الروضة .
الممرضة : حسناً... تفضل بالجلوس هنا من فضلك.
ادهم : حسناً.
- وبالفعل جلس وبدأت الممرضة تسحب منه الدم... اما مريم فكانت جالسة امام غرفة العمليات وهي تبكي بشدة بينما كانت سونيا جالسة بجانبها و تهدئ من روعها وفي تلك الثناء وصل كل من خالد وكمال ومعهما محمود الذي لم يكن يفقه شيئاً من كل ما حدث سوى ان ادهم تزوج من مريم وعندهما ابن ؛
ركضوا ثلاثتهم نحوها بسرعة اما هي فنهضت ورمت نفسها على خالد وهي تبكي قائلة : شفت اللي حصل يا خالد... هما دخلوه العملية.
فاخذ خالد يربت على كتفها قائلاً : شششش... خلاص متعيطيش وان شاء الله كل حاجه هتبقى تمام.
اما كمال فسألها : فين ادهم يا مريم ؟
اجابته وهي تشهق : هو راح علشان يتبرع بالدم.
في تلك اللحظة عاد ادهم وهو يضع قطنه بيضاء على ذراعه الأيمن وعندما رأى مريم تسند رأسها على كتف خالد تجمعت الشياطين حوله فرمى القطنه على الارض وتوجه نحوهم كما لو انه تسونامي هائج وبلمح البصر سحبها من يدها لتستقر بجانبه وصاح بخالد قائلاً : متلمسهاش !
تنهد خالد بنفاذ صبر وقال : اظن ان مش من حقك تعمل كدا بعد ما طلقتها.
فنظر ادهم الى مريم التي كانت بين نارين وامسك فكها وسألها بعصبية : حكيتيله على الموضوع دا كمان ؟
فابعدته عنها وصرخت وهي تبكي : كفايه ؛ انت مش شايف الحالة اللي احنا فيها دلوقتي ... ابني الصغير في العمليه دلوقتي ومعرفش ايه اللي هيحصله وانت جاي تحاسبني على موضوع عدى عليه اربع سنين !
وبسبب قولها ذاك ازدادت الحيرة عند كمال ومحمود اما ادهم فصاح بها قائلاً : لو كنت اعرف انك حامل مكنتش طلقتك و مكنش دا حصل اساسا ً، بس انتي خدعتيني وكدبتي عليا لانك اكتر وحده انانية انا شفتها في حياتي ومش هسامحك لانك حرمتيني من ابني كل السنين اللي فاتت.
ازدادت مريم بالبكاء ولم تقل اي شيء اما خالد فقال : كفايه بقى ، انت مش شايف انها تعبانه دلوقتي ؟
فنظر ادهم اليه بنظرة ثاقبة وقال بصوت اشبه لفحيح الافاعي : انت بالذات ملكش دعوة... دي امور عائلية علشان كدا خليك بعيد.
فابتسم خالد بسخرية واردف : بما ان الموضع بقى عائلي يبقى انا مش هسمحلك تغلط في اختي اكتر من كدا.
استغرب ادهم وكمال من قول خالد وسأله الاخير : اختك ؟
فاحاط خالد كتف مريم بذراعه وقال بثقة : ايوا... مريم تبقى اختي الصغيرة وهكسر ايد كل واحد يأذيها.
وبعد قوله ذاك امسكه ادهم من ياقته وسأله بعصبية : هتكسر ايد مين يلاه ؛ انت مش عارف انا مين ؟
فتدخل كمال ومحمود عندما تأزم الوضع بين خالد وادهم الذي اصبح كالاسد الهائج وابعداهما عن بعضهما وصاح كمال بانزعاج : كفايه لحد كدا ، انتوا مش عيال صغيرين علشان تعملوا مشكلة من ولا حاجة.
فقال خالد : قول الكلام دا لأبن عمتك يا كمال مش ليا انا.
اما ادهم فسحب مريم من ذراعها وقال : انتي هتقفي هنا ومش عايز اسمعلك صوت.
فانتزعت يدها من قبضته وزجرته بحدة : متلمسنيش .
في تلك اللحظة خرج الطبيب من غرفة العمليّات فهرع الجميع نحوه وسألته مريم بلهفة : كيف حال ابني ايها الطبيب ؟؟
الطبيب : لحسن الحظ اننا تمكنا من ايقاف النزيف بسرعة والا لكان الأمر سيزداد سوءاً .
فتنفس الجميع الصعداء وسأله ادهم : متى نستطيع ان نراه ؟
الطبيب : هل انت والده ؟
فنظر ادهم الى مريم بنظرة يملؤها الغضب ثم اجاب : اجل... انا والده.
الطبيب : سنضعه في غرفة العناية لفترة قصيرة وبعدها سيتم نقله إلى غرفة خاصة عندها سوف تتمكنوا من رؤيته.
فقال خالد : وهل حالته مستقرة ، اقصد لا يوجد خطر على حياته الان اليس كذلك ؟
الطبيب : لحسن الحظ ان الشريان في فخذه لم يقطع لذا لا يوجد اي خطر على حياته الان ولكن يجب ان نراقبه جيداً فجسده صغير ومن المحتمل ان يدخل في صدمة ما بعد الحادثة ، والان عن اذنكم.
- ثم غادر الطبيب اما مريم فجلست على المقعد بجانب غرفة العمليات واخذت تحمد الله وهي تذرف الدموع لان الخطر قد زال عن ابنها وانحنى خالد على مستواها وامسك يدها قائلاً : خلاص يا مريم...متعيطيش ، اهو ابنك كويس والحمد لله وهيصحى قريب جداً.
ولكنها لم تتوقف عن البكاء ابداً واخذ الجميع يراقبها بصمت وخصوصاً ادهم الذي انتابته رغبة كبيرة في معانقتها ولكنه لم يفعل ذلك لان غضبه منها كان اكبر من اشتياقه لها فسألها بصوت أجش : اسمه ايه ؟
ألتفت الجميع اليه بمن فيهم مريم التي كانت تبكي فنهض خالد ثم نظر اليه واجابه بكلمة واحدة : ادهم.
نظر ادهم الى مريم وضحك كما لو كأنه فقد عقله ثم قال : يا بجاحتك والله ، وكمان مسمياه على اسمي !
فنهضت مريم وقد ضاقت ذرعًا به ثم ضربته بقوة على صدره لدرجة انه عاد للخلف من قوة دفعتها وصاحت به قائلة : امشي من هنا... انا مش عايزه اشوفك ولا عايزه اعرفك ابداً... كفايه اللي حصلي بسببك.
فأمسك بذراعها ولواه حتى اصبح خلف ظهرها و اراد خالد ان يتدخل ولكنه اوقفه بقوله : خليك مكانك.
قال ذلك ثم سحب مريم بعيداً وذهبا الى دَرّج الطوارئ وهناك افلت يدها ودفعها بقوة ثم قال : عايزاني امشي ، عايزه تحرميني من ابني مره تانيه يا مريم ؟
فجلست مريم تبكي على حافة الدرج وقالت : ارجوك كفايه لحد كدا.. انا تعبت من كل حاجة ومبقتش قادره استحمل اكتر من كدا.
قالت ذلك وانفجرت بالبكاء مجدداً فذرف ادخم دمعة وقال بنبرة حزينة : طيب وانا....ازاي قدرتي تبعديني عن ابني ؟
نظرت إليه ولم تنبس بكلمة واحدة فتابع يعاتبها : ازاي قدرتي تعملي فيا كدا يا مريم ، ليه قسيتي قلبك وبقيتي انانية وحرمتيني من ابني كل المدة دي ؟؟
قال ذلك ثم انحنى على مستواها وامسك بكتفيها واخذ يهزها قائلاً : قولي انك كدبتي وانك معملتيش كدا علشان تتجوزي... ارجوكِ يا مريم ريحي قلبي وقولي انك مخبتيش عليا حملك علشان اطلقك وتتجوزي واحد تاني.
فنظرت إليه بعيونها التي تحولت إلى اللون الأحمر من كثرة البكاء وقالت بصوت يكاد يختفي : انا... انا متجوزتش يا ادهم....انا مش متجوزه.
قالت ذلك ثم اغمضت عيناها وبكت اما هو فترك كتفيها ونهض وهو مصدوم وسألها : يعني ايه ؛ انتي كدبتي عليا علشان اطلقك ؟!
أومأت له برأسها دون ان تقول اي شيء فصرخ بها قائلاً : ليه ... ليه عملتي كدا ودمرتي كل حاجة ؟
فقالت بصوتها المبحوح : انا عملت كل حاجة علشان ابني... مكنتش عايزاه يتربى بين اب وام اتجوزوا بسبب الفلوس.
فنزلت دموع ادهم مثل زخات المطر وقال بغضب : ومين قلك اني اتجوزتك علشان الفلوس ، دا انا عملت كدا عشان...
قال ذلك ولم يكمل جملته اما هي فنهضت وقالت : انا عملت كل حاجة علشان ابني ومكنتش عايزه اسبب لحضرتك المشاكل واخليك تحمل همنا ، وقررت اطلع من حياتك واعيش لوحدي انا وابني من غير ما نحملك مسؤوليتنا.
فامسك ادهم ذراعيها مجدداً وضغط عليهما بكل قوة وصرخ بها قائلاً : ومين سمحلك تتخذي قرارات مهمة زي دي لوحدك ؛ مين اداكي الحق علشان تحرميني من ابني انطقي ؟!
تألمت مريم من قبضته فقالت : سيبني يا ادهم...انت بتوجعني.
ادهم : وجعتك ... امال اللي انتي عملتي فيا دا مش بيوجع ؛ ازاي قدرتي تخدعيني بالسهولة دي وانا علشان بحب....
قال ذلك والتزم صمت وهو ينظر اليها ثم دفعها بعيداً عنه واضاف بنبرة انكسار : مش هسامحك يا مريم...دلوقتي هوريكي ايه هو المعنى الحقيقي لغضب ادهم عزام السيوفي وهخليكي تندمي لانك حرمتيني من ابني .
قال ذلك ثم غادر بخطوات سريعة فلحقت به وهي تركض قائلة : هتعمل ايه ؛ اوعى تفكر اني هسمحلك تبعدني عن ابني.
فالتفت اليها وقال : هنشوف يا مريم.
فتسمرت في مكانها بينما تابع هو طريقه نحو غرفة العناية المركزة والغضب الشديد اعمى بصيرته فنظر اليه كل من كمال وخالد ومحمود ومعهما سونيا التي لم تفهم شيئاً مما حدث ولكي يكتمل العرض اتت الهام راكضة فتوجهت نحو خالد دون ان تنتبه لاي شخص آخر وسألته ببكاء : ايه اللي حصل لادهم يا خالد ؛ انا سمعت انه تعور اوي هو كويس ؟
امسك خالد يدها وقال : اهدي يا الهام... هو بقى كويس دلوقتي.
الهم : مريم... فين مريم !
قالت ذلك ثم التفتت حولها وعندما وجدت البقية يحدقون بها اتسعت عيناها بصدمة شديدة وخصوصاً عندما رأت ادهم فوضعت يدها على فمها اما هو فقال : اهي الحكاية وضحت بقى... انتي كمان هنا يبقى اكيد كنتي تعرفي كل حاجة وفضلتي ساكته !
فقالت الهام بتلعثم : انا... مكنتش..
فقاطعها ادهم بقوله : مش عايز اسمع صوتك دلوقتي وهحاسبك بعدين.
نظر اليه خالد وقال : مش شايف انك زودتها اوي...الهام دخلها ايه في الموضوع ؟
فاراد ادهم ان يرد عليه ولكنه صمت عندما سمع مريم تقول : خلاص يا خالد...متعبش نفسك .
التفت الجميع اليها اما الهام فركضت نحوها وعانقتها قائلة : انتي كويسه يا حبيبتي ؟
أجابتها مريم بصوت مبحوح وقد جفت الدموع في عيونها : متقليش يا الهام... كل حاجة هتبقى تمام.
ابتعدت الهام عنها قليلاً وسألتها بهمس : ايه اللي جاب ادهم السيوفي هنا يا مريم ؟
مريم : دي حكاية طويلة.
فاقترب خالد منهما ثم قال : تعالوا...خلونا نقعد ...اكيد انتي تعبانه يا مريم ولازم تستريحي.
قال ذلك ثم امسك ذراعها وقادها حتى جلست على المقعد اما محمود فاراد ان يلطف الجو المتكهرب لذا قال بتوتر : وانا هروح اشتري حاجة ساقعه ... حد عايز اجيبله معايا.
فقال كمال : جيب عصير لمريم ...شكلها تعبانه ولازم تشرب حاجة.
محمود : حاضر.
وفي تلك اللحظة نظر ادهم إلى خالد وقال : تعالى ورايا... احنا لازم نتكلم.
قال ذلك وغادر فتنهد خالد ثم اراد ان يلحق به ولكن مريم امسكت ذراعه وهزت رأسها قائلة : مترحش يا خالد.
فابتسم لها وقال : متقلقيش... هرجع على طول.
قال ذلك ثم نظر إلى كمال والهام واضاف : خلو بالكوا منها.
وبعدها لحق بادهم الى الخارج فوجده واقفاً ويعطيه ظهره وبيده سيجارة كان يدخنها دون توقف فقال : انا بسمعك.
نفث ادهم الدخان من فمه وسأله بهدوء مميت : ايه هي علاقتك بمراتي ؟
ابتسم خالد باستهزاء ورد عليه : مبقتش مراتك... انت طلقتها من زمان.
فالتفت ادهم اليه ورمقه بنظرة مرعبة ولكن قال بهدوء : سألتك سؤال ولو مش عايز تشوف سنانك بيرقصوا قدامك دلوقتي يبقى تجاوب عليه بسرعة.
أتسعت ابتسامة السخرية على وجه خالد واردف : ممكن اعرف انت مفتكر نفسك مين علشان تهددني كل شوية بالطريقة الرجعية دي ؟
فاجابه ادهم وهو ينفث الدخان من فمه : اظن انك عارف انا مين وعارف اني مبهزرش ابداً علشان كدا جاوب على سؤالي بسرعة.
فتنهد خالد وقال : انا هجاوب على سؤالك مش لاني خايف من تهديدك ابداً وانما علشان انا انسان متحضر ومقدر الموقف اللي انت فيه وانك بتمر بحالة نفسية صعبة دلوقتي .
ادهم : متكترش كلام وقول ايه هي علاقتك بمراتي.
خالد : انا وهي زي الاخوات بالزبط...واحنا نعرف بعض بقالنا تقريباً خمس سنين وقابلتها هي والهام هنا في نيويورك وبقينا صحاب اوي وهما الاتنين بيشتغلوا في شركتي.
ادهم : وانت عايزني اصدق الكلام دا ؟
خالد : انت حر لو كنت عايز تصدق او لأ بس انا قولتلك كل اللي عندي.
ادهم : وهي قالتلك عن حكاتي معاها ؟
خالد : طبعاً... هي ما بتخبيش عليا اي حاجة حتى ابنها بيعتبرني خاله ولو مش مصدق تقدر تتأكد من الكلام دا بنفسك .
فرمى ادهم السيجارة من يده ثم دعس عليها بحذايه وقال : انت كداب.
قطب خالد حاجبيه وغمغم : مش هرد عليك لان مستوايا اعلى من كدا.
فانزعج ادهم من كلامه المستفز و انقض عليه ممسكاً بياقته وقال بصوت اشبه للهمس يبعث الرعب بالنفوس : متعصبنيش يا خالد نجم لاني ممكن احرقك دلوقتي ومش هعمل حساب لا لحكومة ولا لاي حد تاني .
في تلك اللحظة شعر خالد بالتوتر فقد ادرك اخيراً من هو امبراطور التجارة ادهم السيوفي الملقب بجبل الجليد وانه استفزه كثيراً لذا اراد ان يهدئ من روع هذا الاسد الهائج الذي انقض عليه في جزء من الثانية فقال : من فضلك سيبني لان اللي بتعمله دا مابيلقش ابداً براجل اعمال محترم .
فشعر ادهم بالرضا لانه استطاع ان يؤثر على هذا المتمرد فتركه وعاد للخلف قائلاً : ودلوقتي هتحكيلي على كل حاجة حصلت مع مريم خلال الاربع سنين اللي فاتوا وبكدا هتبقى صفحتك بيضه عندي.
عدل خالد ياقة قميصك ونظف حلقه قائلاً : هقولك كل حاجة بس بشرط واحد.
رفع ادهم حاجبه وسأله : وايه هو ؟
خالد : مش عايزك تجرح مشاعر مريم مرة تانية لانها مش ناقصه ابداً .
ادهم : انا اللي هقرر لو كنت هجرح مشاعرها ولا لأ .. ودلوقتي اتكلم.
- وبالفعل قام خالد بأخبار ادهم كيف تعرف على مريم والهام وكيف اصبحوا اصدقاء ولكنه لم يخبره عن الجزء المتعلق بحبه القديم لمريم وانه كان يرغب بالزواج منها لانه ادرك ان فعل ذلك فسوف يقتله ادهم لا محالة وخصوصاً لانه كان من الواضح عليه انه شديد الغيرة على طليقته .. كما واخبره ان ابنه ادهم الصغير قد ولد قبل اوانه وان مريم تعتبره كل شيء بالنسبة لها وانه حياتها التي تعيش من اجلها وكم تحبه وتخاف عليه من نسمة الهواء وعندما انتهى اضاف : ودلوقتي بقيت تعرف كل حاجة وازاي عاشت مريم كل السنين اللي فاتت من غيرك.
فقال ادهم وهو يكتف ذراعيه : انا هصدقك... بس لو اكتشفت انك خبيت عليا حاجة كدا ولا كدا فانت بقيت تعرف مين هو ادهم عزام السيوفي وممكن يعمل فيك ايه .
فتنهد خالد وقال : قلتلك ان تهديداتك مش هتنفع معايا فالاحسن انك توفرهم لحد تاني .
رسم ادهم ابتسامة خبيثة على زاوية شفتيه وقال : هنشوف.
ثم ادار ظهره وعاد إلى حيث كان البقية فتنفس خالد الصعداء وكأن حجر كبير قد ازيح عن صدره ثم لحق به الى حيث كانت مريم والبقية جالسين امام غرفة العناية المركزة.
تسارع في الاحداث........
مر الوقت وكأنه دهور على مريم التي لم تجف لها دمعة وهي تنظر إلى ابنها الصغير النائم في غرفة العناية ، بينما كان خالد والهام جالسان بجانب بعضهما ويبدو عليهما التعب اما كمال ومحمود فقد عادا إلى الفندق لان ادهم طلب منهما ذلك ولم يستطيعا المجادلة معه ، وبالنسبة له فكان واقفاً في الزاوية يحدق بها بنظرات لم يستطع اي احد ان يفسر معناها وقد كان عابساً ويعقد حاجبيه بغضب واضح وفي الوقت ذاته كان وجهه حزين جداً ويبدو عليه التعب والإرهاق ، ولكن بغض النّظر عن كل هذا الا ان جزء من قلبه كان يشعر بسعادة لا توصف لانه اكتشف ان محبوته لم تخنه ولم تتزوج من غيره ابداً وما زاد فرحته هو اكتشاف وجود ابنه الذي انجبته هي واسمته بأسمه ايضاً.
فاراد ان يخفف عنها لان حبه لها تفوق على غضبه منها لذا اقترب منها قليلاً ووقف خلفها ثم قال بصوت اشبه للهمس : متخفيش...الدكتور قال ان مابقاش في خطر على حياته وهيصحى بعد ساعتين.
اغمضت مريم عيناها ونزلت دمعتها ولم تعلق بأي شيء ولكن قشعريرة سارت في جسدها عندما شعرت بيده الدافئة تحط على كتفها بلطف وخصوصاً عندما سألها بهمس : لسه كتفك بيوجعك بسببي ؟
استعادت رباطة جأشها ورفعت يدها ثم مسحت دموعها والتفتت اليه وقالت بقوة مصطنعة : من فضلك متلمسنيش ابداً ويا ريت تفضل بعيد عني وانا هبقى كويسه .
فعادت تعابير الغضب تعلو وجه ادهم لانها كانت مصرة على ان تبني جدار محصن يفصل بينهما ولا تريد ان تعطي علاقتهما اي فرصة... ابعد يده عن كتفها و الشرر يتطاير من عيناه ثم قال بانزعاج واضح : الحق مش عليكي .
قال ذلك ثم ادار ظهره وغادر مبتعداً عنها فنهض كل من خالد والهام وتقدما منها وقالت الاخيرة : ليه مصرة انك تعذبي نفسك يا مريم ؛ انتي بتحبيه وبتموتي فيه واضح انو بيحبك كمان يبقى ليه عايزه تبعديه عنك ؟
مريم : مش بيحبني يا الهام وانما عايز يحمل مسؤوليتي انا وابنه... بس مش هسيب اي حد يفرقني عن ابني حتى لو كان الشخص دا هو ادهم عزام السيوفي ذات نفسه.
فقال خالد : عايزه نصيحتي يا مريم بلاش تعملي عداوة مع الراجل دا لان باين عليه مش سهل ابداً وجايز لو كبرتي دماغك هيحرمك من ابنك فعلاً .
ردت مريم عليه بصراخ : ادهم ابني انا ومحدش هيقدر يحرمني منه ...انا اللي حملت فيه سبع شهور وتعذبت لما خلفته مش هو.
فامسكت الهام بيدها وقالت : طيب خلاص يا حبيبتي... متعبيش نفسك والا حتنهاري دلوقتي .
خالد : الهام عندها حق... انا هروح اجيبلك حاجة تاكليها لانك ما كلتيش حاجة من الصبح.
قال ذلك ثم غادر وترك الفتيات لوحدهن... اما ادهم فكان واقفاً في الخارج يدخن السجائر بصمت مرعب بينما كان هواء الصيف العليل يلفح وجهه ، وكان يفكر بعمق وسرعان ما رمى سيجارته وعاد إلى الداخل ثم جلس بصمت على بعد اربعة امتار من مريم التي كانت جالسة وتسند رأسها على كتف الهام .
تسارع في الاحداث......
حل الليل وتم نقل ادهم الصغير الى غرفة خاصة وتجمع حوله كل من امه وابوه بينما غادر كل من خالد والهام لانهما ادركا ان مريم لا تحتاجهما خصوصاً لان حبيبها ادهم كان معها ؛ اما هو فابتسم بحنان بعد رؤيته لطفله الصغير الذي كان نائماً بعمق كما لو انه ملاك فاقترب منه ببطء ثم جلس بجانبه على السرير وقد نسي نفسه ونسي جبروته وقوته عندما سمح لدموعه بالنزول وهو يمسك باليد الصغيرة والتي ذكرته بيده عندما كان صغيراً فهو يشبهه بكل شيء... حتى طريقة نومه كانت نفسها .
قام بتقبيل يد ابنه وهو يغمض عيناه ودموعه لا تتوقف ثم اقترب من وجهه وقبله على جبينه وابتسم عندما تحرك الطفل فمسح على شعره وقال بصوت حنون : دا صغير اوي.
اجابته مريم التي كانت واقفه بقربه : انا خلفته قبل اوانه علشان كدا حجمه صغير.
فنظر إليها وقال : انا عايز ارجعه مصر...جيه الوقت علشان يعرف اصله و بلده الحقيقية.
فقالت مريم بقلق : عايز تاخدو مني ، انت... انت متقدرش تعمل كدا.
نهض ادهم من جانب ابنه ووقف امامها ثم قال : اظن ان دا حقي ، ابني لازم يتربى في بيت ابوه وفي بلده مش بين الاجانب.
مريم : مش هسمحلك تبعده عني يا ادهم.
ادهم : متقدريش تعملي اي حاجة لاني اتخذت قراري ومش هغيره ابداً.
فاخذت مريم تبكي وامسكت ذراعه قائلة : حرام عليك ، ازاي هتقدر تبعد طفل صغير عن امه !
فنظر ادهم الى يدها التي تحاوط ذراعه ثم نظر إلى وجهها واجابها بعصبية : زي ما انتي قدرتي تبعديه عني انا هقدر ابعده عنك ومش هسمحلك تشوفيه مره تانية ابداً .
في تلك اللحظة امسكت مريم بياقته وقالت بنبرة قوية : هقتلك يا ادهم ؛ والله العظيم هقتلك لو جربت تعمل كدا.
فابتسم ادهم شبح ابتسامة وقال : لا والله... طيب انا عندي حل هيرضي الطرفين.
سألته وهي ما تزال تمسك بياقة قميصه : ايه هو ؟
فرفع ادهم يديه ثم امسك كلتا يديها اللتان كانتا تمسكان بياقته وقال وهو ينظر في عينيها : لو عايزه ابنك يفضل في حضنك يبقى لازم تتجوزيني من تاني.
أتسعت عيناها المحمرتين وقالت : ايه !
رد عليها : اللي سمعتيه يا مريم.
يتبع......
قراءة ممتعة للجميع ♡
قال ادهم لمريم : لو عايزه ابنك يفضل في حضنك يبقى لازم تتجوزيني من تاني.
فأتسعت عيناها المحمرتين وقالت : ايه !
رد عليها قائلاً : اللي سمعتيه يا مريم ؛ لو عايزه ابننا يفضل معاكي يبقى لازم تتجوزيني مرة تانية وترجعي معايا مصر...وانا بقصد اننا نتجوز بجد المرة دي يعني الناس كلها هتعرف انك مراتي وهنعيش كلنا في بيت واحد وهتعملي كل اللي بقولك عليه يا اما تنسي ادهم الصغير لاني مش هسمحلك تشوفيه مرة تانية .
فنزعت مريم يديها من قبضته وقالت بنبرة صوت غاضبة : نجوم السما اقرب لك من انك تبعدني عن ابني وبحب اقولك ان البنت الضعيفة اللي عرفتها زمان ماتت وجت بدالها وحده تانية ومش هتقدر تخوفني المرة دي ابداً يا ادهم بيه لاني انا وابني معانا الجنسية الأمريكية ومتقدرش تجبرنا اننا نرجع مصر معاك ابداً .
فابتسم ادهم بثقة كبيرة وقال : صدقيني يا مريم انا لو عايز كنت سحبتك من ذراعك دلوقتي ورجعتك مصر بالعافية ومش ح يهمني لا حكومة ولا اي حد تاني ، وخليكي فاكرة اني مستحيل اسيب ابني يتربى في بلد اجنبية وينسى اصله.
مريم : مش هينسى اصله... انا هعرف اربيه لوحدي ومش محتاحينك معانا.
فتغيرت ملامح وجه ادهم من الابتسامة الى الانزعاج.... وبحركة واحدة امسك فك مريم بيده القوية وقال بعصبية : جايز انتي مش محتجاني وانما ابني اه... لان مفيش طفل في الدنيا دي مش هيحتاج بباه يفضل جنبه وخصوصاً لما يبقى متعور كدا زي ابني اللي مقدرتيش تخلي بالك منه !
ارتعدت مريم من هذا الرجل الذي كان يمسك بفكها لدرجة انها شعرت بعظامها تسحق تحت قبضته القوية فنزلت دمعتها وقالت بتلعثم : ط.. طيب انا مطلوب مني ايه دلوقتي ، انت.. انت متقدرش تبعدني عن ابني لاني هموت لو عملت كدا.
فعادت ابتسامة الانتصار تعلو وجه ادهم وترك فكها ثم مسح دموعها بلطف وقال بصوت حنون اشبه للهمس : المطلوب منك انك تجهزي نفسك علشان نتجوز من تاني وبعدها نرجع مصر وهتبقي مراتي المره دي بجد...يعني هعرفك على عيلتي وهتبقى جزء منها وهيبقى ليكي مكانتك الخاصة .
في تلك اللحظة كادت مريم ان تضعف امام حنيته وكانت على وشك رمي كل شيء خلف ظهرها وتعانقه وتبكي في حضنه ولكنها فكرت انها لو فعلت ذلك فسوف تعترف بالهزيمة امامه بعد ان عزمت على عدم الاستسلام والخضوع له مجدداً ، لذا تماسكت وابعدت يده عن وجهها ثم مسحت اثار دموعها التي نزلت عندما امسك بفكها وضغط عليه بقوة وقالت : موافقة بس عندي شرط .
فابتسم ادهم وكتف ذراعيه قائلاً : اللي هو...
مريم : هفضل اشتغل .
ادهم : وانا مش همنعك .
فنظرت اليه مطولاً وهي ترفع حاجبها ثم اردفت : يبقى اتفقنا .
فتقدم ادهم منها بخطوة واحده حتى اصبح قريب جداً مما جعلها ترتبك ثم احنى رأسه بالقرب من اذنها وهمس لها قائلاً : قريب جداً...هتنوري بيتك الجديد يا.... مريم .
قال ذلك وسرعان ما ابتعد عنها وهو يبتسم وعاد ليجلس بجابن ابنه كما لو انه لم يفعل شيئاً ؛ اما هي فشعرت بأنه كان يقصد شيئاً اخر بكلامه ولكنها لم تعرف قصده فابتلعت ريقها وغمغمت : انا هطلع اشم شوية هوا.
قالت ذلك وارادت ان تخرج فأوقفها ادهم بقوله : استني.
التفتت اليه وسألته : عايز ايه كمان ؟
فنهض دون ان يعلق بشيء ثم خلع سترته واقترب منها والبسها اياها قائلاً : الجو في نسمة ساقعه ... لو خرجتي وانتي لابسه هدومك الخفيفة هتاخدي برد علشان كدا البسي دي .
اما هي فكادت تذوب كالزبده عندما عبقت رائحة عطره الرجولية في انفها وهو يلبسها سترته وكادت ان تفقد وعيها من شدة التوتر ولكنها استطاعت كبح نفسها واحنت رأسها قائلة بصوت خافت : متشكره.
ثم ابتعدت عنه بسرعة وخرجت من الغرفة... وما ان خرجت حتى وضعت يدها في على صدرها وشعرت بقلبها يخفق بشدة كما لو ان احدهم حقنها بحقنة أدرينالين ، فاخذت تتنفس بصعوبة وصدرها يعلو ويهبط بسرعة... رفعت يديها ولمست وجنتيها اللتان كانتا تحترقان وقالت في نفسها : مالك يا مريم ؛ مينفعش تسيبي مشاعرك تسيطر عليكي والا هيكتشف انك بتحبيه ساعتها هيقدر يهزمك وهيبقى شكلك وحش قدامه.
اما في الغرفة.....
فكان ادهم جالساً بجانب ابنه الصغير على السرير وبينما كان يمسح على شعره بحنان كان يبتسم بلطف وهو يفكر بمريم وانها ستعود اليه مرة أخرى فقال محدثاً ابنه النائم : عارف ان مامتك عذبتني اوي...هي وصلتني لمرحلة اني كنت هتجنن من غيرها بس دلوقتي خلاص... هي رجعتلي مرة تانية و مستحيل اسيبها ابداً وهنعيش كلنا مع بعض وانت هتبقى الشمس اللي بتنور حياتنا يا حبيبي.
قال ذلك ثم قبل يد ابنه واخذ يتأمله وهو نائم بعمق فتحرك الصغير وحرك فمه بشكل لطيف مما جعل ابتسامة ادهم تتسع اكثر .
في فجر اليوم التالي....
كانت مريم نائمة على الاريكة في غرفة ابنها في المستشفى وكانت تغطي نفسها بسترة ادهم الذي كان نائماً على الكرسي بجانب سرير ابنه ...اما الصغير فاستيقظ اخيراً وبدأ يبكي لان جرح العملية قد سبب له الالم فاستيقظ والداه على صوت بكائه وهرعت مريم نحوه واخذته في حظنها قائلة : ششش... متخفش يا حبيبي... ماما هنا .
ولكن ادهم الصغير لم يتوقف عن البكاء فجلس والده بجانبه على السرير ولكنه لم يعرف كيف يتصرف فأدركت مريم ذلك لذا قالت لابنها : بص مين هنا يا ادهم... لو هتفضل تعيط كدا بابا هيزعل منك اوي وهيرجع يسافر ومش هيقعد معاك ابداً .
في تلك اللحظة توقف الطفل عن البكاء وكأن مريم القت عليه تعويذة سحرية فالتفت الى والده وسرعان ما ابتسم لتظهر اسنانه الصغيرة التي كان بعضها مفقوداً وقال بصوته المبحوح : بابا... انت رجعت من السفر !
قال ذلك واقترب منه ثم عانق ذراعه بقوة وهو يبتسم اما ادهم فأستغرب لان ابنه تعرف عليه فنظر إلى مريم التي تنهدت وقالت : متستغربش...انا كنت بكلمه عنك كل يوم وكمان هو شاف صورتك وحفظها كويس وعارف انك بباه.
فابتسم ادهم ابتسامة مشرقة ونزلت دمعته وسرعان ما احتوى ابنه بين ذراعيه وكاد ان يسحق عظامه الصغيرة وهو يعانقه بقوة قائلاً : ايوا يا حبيبي... انا رجعت من السفر ومش هسيبك بعد كدا ابداً.
ذرفت مريم الدموع بدورها وهي تنظر اليهما لذا اشاحت بنظرها بعيداً ومسحت وجنتيها ثم عادت لتراقب لم شمل الاب والابن وهي تبتسم ؛ اما ادهم الصغير فكان يصدر ضحكات رنانه وهو بين احضان ابيه وكأنه نسي كل الألم الذي كان يشعر به فابعده والده عنه ثم نظر إلى وجهه وهو يبتسم واخذ يقبل وجنتيه بعمق بينما كانت دموعه تنهمر ، فقال الصغير بلهجته المكسرة : انت هتفضل معانا انا وماما مش كدا يا بابا ؟
لم يستطيع ادهم ان يجيبه بل امسك بيده الصغيرة وقبلها ثم أومأ له برأسه دليلاً على نعم فأتسعت ابتسامة الطفل ورفع يده الصغيرة الناعمة ثم مسح دموع والده وقال : طب انت ليه بتعيط دلوقتي ؛ خالو خالد قال ان الرجالة ما ينفعش يعيطوا ابداً والا مش هيبقوا رجاله.
فضحك ادهم ومسح اثار دموعه وقال : انا مش بعيط...بس في حاجة دخلت في عيني .
اما مريم فعادت واحتضنت ابنها بقوة واخذت تبكي بصمت عندما رأته بخير فاقترب ادهم منها ثم مسح دمعتها بلطف وبعدها نهض قائلاً : هروح انادي الدكتور.
أومأت له برأسها ثم قبلت رأس ابنها الذي كان سعيداً بعودة والده فامسك يده وسأله : انت رايح فين يا بابا ؟
فابتسم ادهم ثم قرب يد ابنه من فمه وطبع عليها قبله قائلاً : مش هروح على اي مكان ..انا بس هطلع انادي الدكتور وبعد كدا هرجعلك على طول .
هز الصغير رأسه والابتسامة تعلو وجهه فقبله والده على جبينه بينما كان في حضن أمه وبعدها ذهب لكي ينادي الطبيب بالفعل ، وما ان خرج حتى سأل الطفل امه : هو بابا هيفضل معانا على طول يا ماما ؟
ابتسم مريم ابتسامة دافئة وهي تمسح على شعر ابنها بحنان وقالت : ايوا يا حبيبي .
قالت ذلك ثم شردت بفكرها وغمغمت : الظاهر ان بباك قرر يفضل معانا على طول المرة دي بجد ومش هيسيبك ابداً.
- وما هي الا دقيقة قد مرت حتى عاد ادهم برفقة احد الاطباء وممرضة جميلة فنظر الطبيب الاجنبي الى الصغير الذي تعلق بذراع امه عندما رأى الحقنة بيد الممرضه وقال بخوف : هما هيدوني حقنه يا ماما ، انا مش عايزها.
فابتسمت مريم وقالت : متخفش يا روحي.. هي مش هتوجعك ابداً .
لكنه دفن رأسه في حضنها واعترض قائلاً : لأ مش عايز.... ارجوكي بلاش الحقنة.
فنظرت مريم الى ادهم واشارت له لكي يتصرف فنظر إلى الطبيب وطلب منه ان ينتظر قليلاً ثم توجه نحو ابنه وجلس بجانبه على السرير وامسك بيده قائلاً : متخفش يا حبيبي... انا وماما هنفضل جنبك ومش هنخليك تحس بالوجع ابداً.
فنظر الطفل إلى والده وسأل وهو يلوي فمه بطريقة لطيفة : بجد مش هتوجعني ؟
ابتسم ادهم ووضع يده على خد ابنه قائلاً : ايوا...بص انا هعلمك طريقة مش هتخليك تحس بالوجع ابداً تمام ....انت هتمسك ايدي دلوقتي وايد ماما كمان وهتغمض عينيك وتعد للعشره وبكدا مش هتحس بالوجع ابداً.
فابتسم الصغير وقال : تمام.
فنظرت مريم الى ادهم الكبير بتعجب لانها كانت تعاني الأمرين عندما يتعلق الامر بأعطاء ابنها حقنة حيث كان يرفض ذلك بشدة كلما مرض ولكن بمجرد ان والده قد اخبره بخدعة سخيفة جعلته يتحلى بالشجاعة وقبل ان يخوض ذلك التحدي المرعب بالنسبة لطفل في مثل سنه... فقالت : هايل..اديك طلعت أب شاطر وبتعرف تتعامل مع العيال كويس...جايز عندك ولاد غير ادهم علشان كدا تعرف ازاي تتعامل معاهم.
فنظر ادهم اليها وقد لمس شيء من السخرية في كلامها ولكنه لم ينزعج ابداً بل ابتسم بخبث وقال بهدوء : مع الاسف انا متجوزتش في حياتي كلها غير مره وحده وكمان ملمستش غير ست وحده واللي هي انتي...يبقى اكيد معنديش ولاد غير ادهم علشان كدا اطمني .
في تلك اللحظة تمنت مريم لو ان الارض تنشق وتبتلعها ، فهو قد وجه لها ضربة مباشرة جعلت الدم يحرق وجنتيها من شدة الخجل فاخذت ترمش كثيراً واشاحت بنظرها عنه بسرعة الامر الذي جعله يدرك انها شعرت بالخجل لذا ابتسم ابتسامة صفراء ونظر إلى الطبيب والممرضة ثم تحدث معهما باللغة الإنجليزية لكي يباشرا عملهما في فحص ابنه ؛ فاقترب الطبيب وهو يبتسم ثم تحدث بالانجليزية قائلاً : يا لكم من عائلة لطيفة.
وابتسمت الممرضة وقالت : ان الطفل يشبه اباه كثيراً ...اقصد انه ورث نفس الوسامة كما ان لون العينين نفسه.
قالت ذلك واخذت تنظر إلى ادهم بنظرات اعجاب واضحة الامر الذي ازعج مريم كثيراً ولكنها حاولت ان تخفي انزعاجها بينما ابتسم ادهم قائلاً : هل الشبه بيننا واضح لهذه الدرجة ؟
قال ذلك ونظر الى مريم وكأنه كان يحاول ان يجاكرها لان ابنهما يشببه هو وليس هي فأبتسمت الممرضة وقالت بغنج : طبعاً... انكما متشابهين للغاية وانا متأكد من ان الصغير سيصبح رجلاً وسيماً ومفتول العضلات عندما يكبر مثلك تماماً.
أتسعت ابتسامة النصر على وجه ادهم الذي قال : انا اعتقد انه يشبه امه اكثر.
فقالت الممرضة : لا ابداً... قد تكون بشرته نفس لون بشرة امه ولكنه يشبهك انت .
قالت جملتها الاخيرة بنبرة صوت مغرية جعلت مريم تنزعج اكثر لذا نظفت حلقها وقالت بنبرة جافة : من فضلكِ باشري بعملكِ ؛ ان ابني يتألم ولا وقت لمثل هذا الكلام الان.
فقال الطبيب : حسناً... لا تقلقي يا سيدتي ، سوف نعطيه حقنة لتخفيف الألم .
اما ادهم فكتم ضحكته وهو يدرك ان موضوع الشبه بينه وبين ابنه قد ازعج مريم التي رمقته بنظرة ذات مغزى وكأنها تعنفه لان الممرضة كانت تغازله ، فرفع حاجبه وتنحنح ثم اقترب من ابنه وجلس بجانبه وابتسم قائلاً : متخفش.
- وبالفعل تمكن الطبيب من اعطاء ادهم الصغير حقنة مسكنة للآلام فابتسمت مريم وقبلت جبين ابنها قائلة : شاطر يا بطل... انا مبسوطة منك اوي لانك معيطش النهاردة.
فابتسم الطفل وقال : انا مخفتش ابداً لانك انتي وبابا كنتوا جنبي.
ابتسم ادهم بدوره ثم عبث بشعر ابنه وقال : قولتلك ان الحقنة مش هتوجعك ابداً ومن هنا ورايح مش هسيبك تاخد اي حقنه من غير مكنش جنبك .
ادهم الصغير : دا وعد ؟
ادهم : وعد يا حبيبي .
قال ذلك ثم نظر إلى الطبيب وسأله : اخبرني ايها الطبيب... كيف حال ابني ؟
فابتسم الطبيب وقال : حمداً لله ان الاصابة كانت بعيدة عن عضلات فخذه والا لكانت ستسبب له اعاقة في قدمه .
فقالت مريم : اذاً هو بخير الان اليس كذلك ؟
الطبيب : لا نستطيع الجزم في هذا الامر حتى يشفى الطفل لذا يجب ان يبقى في المشفى لعدة ايام لكي نراقبه جيداً.
ادهم : وكم من الوقت سيتطلب علاجه ؟
الطبيب : يمكنكم اخراجه بعد ثلاثة ايام فحالته مستقرة ، ولكنه بحاجة للعلاج الفيزيائي حتى يتمكن من السير بشكلٍ أفضل لذا سأحدد لكم موعداً مع الاخصائي.
ادهم : نحن سنعود الى موطننا في اقرب فرصة وسنجعله يتلقى العلاج الفيزيائي هناك لذا لا داعي بان تحديد موعد .
فنظرت مريم الى ادهم وقالت : مينفعش نفضل هنا لغاية ما ادهم يخف ، على الاقل نسيبه يستريح شوية وبعد كده نسفره.
فنظر إليها وقال بنبرة حاسمة : لأ احنا هنقعد هنا اسبوع واحد بس علشان اجهز لكوا اوراق السفر وبعدها هننزل مصر.
مريم : بس احنا ممكن....
قاطعها ادهم بقوله : مش عايز اسمع اي مناقشه في الموضوع دا.. احنا هنقعد هنا اسبوع واحد وبعدها هنرجع مصر ودا قرار نهائي.
تأفأفت مريم بضيق ولم تعلق بشيء لانها كانت تدرك بأن لا طائل من المجادلة مع حبيبها العنيد والذي ان عزم على امر سينفذه بكل تأكيد... لذا فضلت الجلوس بصمت بجانب صغيرها واخذت تنظف له انفه بمنديل ورقي بينما رفع ادهم رأسه بكل شموخ وغرور لانه تمكن من فرض سيطرته عليها وجعلها تمتثل لأوامره كما في الماضي ، اما الممرضة الاجنبية فكانت وقحة جداً وسمحت لنفسها بأن تتعمق في مغازلته حيث قالت : يبدو ان شخصيتك قوية جداً يا سيدي... لقد لاحظت انك المسيطر في هذه العلاقة اكثر من السيدة .
فضحك ادهم ونظر إلى مريم التي كانت على وشك الانفجار من شدة الغضب وقال : لطالما كنت انا المسيطر في كل شيء... حتى في قرار زواجنا ومن الان فصاعداً لن اتخلى عن عائلتي ابداً .
فاحنت مريم رأسها وادعت عدم الاهتمام به اما الممرضة فشعرت بأنه وضع لها حداً بكلامه فابتسمت بخيبة أمل ثم قالت : ارجو لكم التوفيق.
قالت ذلك وبعدها خرجت من الغرفة وبقيت العائلة الصغيرة لوحدها ، فكانت مريم تمسح على شعر ابنها الذي غفى بسرعة بعد ان اخذ الحقنة وكانت تبدو منزعجة بينما وقف ادهم يراقبها وهو يلوي شاربيه بطريقة مغرية فابتسم بخبث وسألها : هو انتي غرتي ولا ايه ؟
رفعت رأسها ببطء ونظرت اليه بطرف عينها ولكنها لم تقل اي شيء لمدة خمس ثواني وبعدها تنهدت وقالت : وهغير من ايه ؛ اساساً مفيش حد يستاهل اني اغير عليه.
رفع ادهم حاجبه واراد ان يقول شيئاً ولكن صوت قرع الباب اسكته فالتفت وقال : تفضل .
فَفُتح الباب ودخل كل من خالد وكمال ومعهما الهام التي ركضت نحو مريم بسرعة وعانقتها قائلة : ازيك يا حبيبتي ؟
فابتسمت مريم وقالت : الحمد لله.
اما ادهم فتغيرت ملامح وجهه إلى الانزعاج عندما رأى خالد الذي سأل : ايه الاخبار يا مريم ؟
مريم : كلها تمام والحمد لله...من شوية الدكتور كان هنا وقال ان حالة ادهم الصغير مستقرة وقال اننا نقدر نخرجه من المستشفى بعد تلات أيام.
ابتسم خالد وغمغم : طب الحمد الله.
اما كمال فقال : حمد لله على سلامته يا مريم.
مريم : الله يسلمك يا استاذ كمال.
فنظر ادهم الى كمال وقال : كمال... انا عايز اكلمك برا .
أومأ كمال برأسه واردف : اوك .
ثم خرجا من الغرفة وسأله : ايه اللي بيحصل يا ادهم ؛ امبارح مقدرتش اسألك لان الوضع مكنش بيسمح بس مقدرتش انام طول الليل وانا بفكر في الحكاية دي...هو انت اتجوزت مريم بجد !
فتنهد ادهم وقال : ايوا... وابنها يبقى ابني.
كمال : طيب ليه محدش يعرف حاجة عن الموضوع دا ، وبعدين انت ازاي وافقت ان ابنك يبعد عنك كل المدة دي ؟
فتنفس ادهم بعمق واردف : الحكاية معقدة يا كمال... انا مكنتش اعرف ان عندي ابن لحد امبارح .
كمال : يعني ايه .. هي خبت عليك حملها ولا ايه وازاي قدرت تخبي الحمل وهي مراتك ؟
ادهم : انا طلقتها من اربع سنين.
فعقد كمال حاحبيه وقال : استنى... استنى ...انت عايز تفهمني انك اتجوزت مريم وبعد كدا طلقتها وهي خبت عليك حكاية حملها لغاية ما اكتشفت دا امبارح !
فتنهد ادهم ولم يقل اي شيء بل اكتفى بهز رأسه دليلاً على نعم اما كمال فسأله : بس ليه عملت كدا ؟؟
ادهم : دي حكاية طويلة وانا هحكيلك على كل حاجة لما نبقى وحدنا بس دلوقتي عايزك تجهز كل الاوراق الازمه علشان مريم وادهم يرجعوا مصر معايا.
كمال : هما هيرجعوا !
ادهم : امال عايزني اسيب ابني يفضل في البلد الاجنبية وميعرفش هو مين ؟
كمال : طيب ومريم... رأيها ايه في الموضوع دا ؟
ادهم : هتجوزها.
فسأله كمال بانفعال : هتتجوزها مرة تانية بجد ؟
ادهم : اساساً انا مكنتش ناوي اطلقها ابداً بس الظروف اجبرتني اني اعمل كدا.
نظر كمال اليه مطولاً ثم قال : بتحبها يا ادهم ؟
فنظر ادهم اليه ثم اشاح بنظره وقال بصوت حزين : اكتر من روحي يا كمال...عمري ما حبيت حد زيها ومش هتقدر تتخيلش انا تعذبت قد ايه وهي بعيدة عني وخصوصاً بعد ما طلقتها...حسيت ان روحي طلعت مني لما سبتها .
كمال : طيب وهي بتحبك كمان ولا ايه ؟
ادهم : على الاغلب لأ...انا اذيتها اوي وجرحت مشاعرها كتير ومظنش انها بتحبني... اساساً هي وافقت تتجوزني من زمان لان الظروف اجبرتها تعمل كدا زي ما حصل المرة دي كمان... يعني لو مكنتش هددتها اني هبعدها عن ابنها ماكنتش وافقت ابداً...بس هفضل وراها لغاية ما تحبني زي ما بحبها والايام هتثبت كلامي.
كمال : طيب وهتعمل ايه مع العيلة ؛ دي هتبقى صدمة كبيرة بالنسبة لهم.
ادهم : مش صدمة وانما مفاجأة...بص ...بما ان موضوع الشغل اللي جينا هنا علشانه مكتملش يبقى انا عايزك ترجع مصر وتقول للكل ايه اللي حصل واكيد ماما هتفرح اوي لما تعرف ان عندها حفيد.
كمال : طيب...انا هعمل كل اللي انت عايزه بس عايزك توعدني الاول انك مش هتخبي عني اي حاجة بعد كدا ماشي.
فابتسم ادهم ثم ربت على كتف كمال بخفة وقال : خلاص...مش هخبي عليك اي حاجة بعد كدا ابداً بس الاول عايزك تبعتلي شنطة هدومي لاني زهقت وانا لابس نفس الهدوم من امبارح.
كمال : حاضر ، هكلم محمود وهو هيبعتها.
ادهم : تمام... يلا خلينا نرجع لاني بصراحة مش مستريح لصاحبك اللي اسمه خالد نجم دا ابداً .
قال ذلك ثم عاد الى غرفة ابنه قبل كمال الذي تنهد بقلة حيلة ولحق به... وعندما دخلا وجدا مريم جالسة بجانب ابنها بينما كانت الهام جالسة في الطرف الآخر من السرير اما خالد فكان مستنداً بجسده على الحائط بالقرب من الهام ؛ رمقه بنظرة مرعبة ولكنه لم يقل اي شيء بل توجه نحو مريم ووقف بجانبها قائلاً : كنتوا بتتكلموا عن ايه ؟
فارادت مريم ان تتحدث ولكن خالد سبقها بقوله : هي حكتلنا انك اجبرتها علشان تتجوزك من تاني.
رفع ادهم حاجبه ونظر اليه ببطء ثم قال بهدوء مميت : اظن اني سألت مراتي مش حضرتك... يبقى متدخلش.
فنهضت مريم وقالت : لسه بدري على الكلام دا ، احنا لسه مكتبناش الكتاب يعني انا مش مراتك دلوقتي .
فابتسم ادهم بخبث واردف : اولاً واخيراً هتبقي مراتي يعني المسألة مسألة وقت مش اكتر...يعني من دلوقتي انتي بتاعتي وممنوع حد يبصلك انتي سامعه ؟ .
قال ذلك ثم نظر إلى خالد وكأنه يوجه له تحذير بعدم الاقتراب منها اما هي فقالت بانزعاج : ايه انتي بتاعتي دي ؛ هو انت فاكرني قطعة أرض عندك وخايف حد يسرقها منك ولا ايه !
نظر اليها بنظرة اسكتتها وقال : على فكرة انا ما بحبش اكرر كلامي اكتر من مرة وانتي عارفه عشان كدا لازم تتعودي انك تسمعي الكلام على طول .
فعقدت مريم حاجبيها وكتفت ذراعيها ولم تعلق بينما تدخل خالد بقوله : مش ملاحظ انك زودتها شوية ؛ يعني مفيش راجل محترم بيتكلم مع ست رقيقة بالطريقة دي.
فابتسم ادهم بثقة وقال : عايز تعلمني ازاي بتكلم مع مراتي يا... استاذ خالد ؟
خالد : مش عايز اعلمك اي حاجة بس يكون في علمك ان مريم تبقى اختي الصغيرة ومش هسمح لاي حد يدوس لها على طرف .
فابتسم كمال واخذ يراقب الوضع بصمت بينما كانت الهام تراقب نظرات خالد التي تحولت من نظرات هادئة الى نظرات جادة اما ادهم فرفع يده ببطء ولوى شاربيه ونظر إليه بصمت جعل مفاصله ترتعش من تلك النظرة ولكنه تمالك نفسه ولم يظهر ارتباكه بل قال : الهام... احنا لازم نمشي دلوقتي..اظن ان مريم كويسه ومش محتجانا حاليًا.
الهام : تمام.
اما مريم فقالت : معليش يا لولو هتعبك معايا بس تقدري تجهزيلي شوية هدوم ليا ولادهم الصغير لما ترجعي البيت ؟
فامسكت الهام بيدها واردفت : ولا يهمك... انا هبعتلك الشنطة وهتلاقي فيها كل حاجة وانتي ابقي طمنيني عنكوا.
أومأت مريم برأسها ثم نظرت إلى خالد وقالت : خالد... انا عايزه اكلمك لوحدنا.
فقال : اوك.
ولكن ادهم قال : اتكلموا هنا.
فنظر الجميع اليه اما مريم فتنهدت واردفت : عايزه اكلموا عن الشغل.
ادهم : كويس... تقدروا تتلكموا هنا ...اظن ان مفيش حد غريب.
فتدخل كمال بقوله : خلاص يا ادهم... سيبهم يتكلموا لوحدهم.
ولكن ادهم قال بنبرة حادة : انا قولت هنا ، غير كدا مفيش كلام.
فتنهد خالد قائلاً : خلاص يا مريم ؛ بما ان حضرته مش عايزك تكلميني لوحدنا يبقى قولي اللي عندك هنا .
نظرت مريم الى ادهم بانزعاج وقالت بتحدي : وانا غيرت رأي وهبقى اتصلك وقولك اللي كنت عايزه اقوله في التليفون .
ادهم : بقى كدا.
في تلك اللحظة تدخلت الهام وحاولت ان تلطف الجو فضحكت بسذاجة وقالت : يا خبر...انتوا نسيتوا ان ادهم الصغير نايم هنا يا جماعة ولا ايه ؛ يالا بينا يا خالد قبل ما نعلق في الزحمة ساعتها مش هنقدر نروح الشغل .
قالت ذلك ثم سحبت خالد من يده وخرجا من الغرفة فقال كمال : وانا كمان همشي ومتقلقش يا ادهم ؛ انا هزبط كل حاجة ومحمود هيجيبلك شنطتك علشان تبقى هنا مع...حبايب القلب.
فقال ادهم بصوت يملؤه الوقار : كمال...امشي قبل ما... تعلق بالزحمة انت كمان.
فابتسم كمال وقال : تمام عن اذنكوا .
قال ذلك ثم لحق بخالد والهام اما مريم فنظرت إلى ادهم بطرف عينها ولم تقل اي شيء بل اخذت تغطي ابنها جيداً بينما قال هو : هروح اشتريلك حاجة علشان تفطري.
فقالت بدون ان تنظر اليه : متشكره بس مش عايزه منك حاجة.
ادهم : مش بمزاجك يا مريم... وهتفطري يعني هتفطري.
قال ذلك وخرج من الغرفة اما هي فقالت بصوت عالٍ حتى يسمعها : هنشوف.
ثم ابتسمت تلقائياً وتنفست بعمق وكأنها كانت تستمتع بتحكم ادهم بها فقالت مخاطبة ابنها النائم : شفت يا حبيبي... بباك عامل سي السيد عليا ومش عايزني اقرب من اي راجل... دا حتى مكنش عايزني اكلم خالك خالد لوحدنا !
وسرعان ما تغيرت ملامح وجهها وقالت : بس يا ترى دي غيرة بجد ولا هو عايز يمتلكني زي ماكون حاجة من ممتلكاته فعلا ًوعايز يعدمني شخصيتي بسبب الجوازه دي ؟؟
تسارع في الاحداث..........
مرت ثلاث ايام وخرج ادهم الصغير من المستشفى برفقة امه وابوه الذي لم يتركهما ولو للحظة واحدة , فتوجهوا نحو ردهة المستشفى وكان ادهم يحمل ابنه بيد واحده وكان الطفل مستمتع كثيراً لان والده بدى له قوياً كما لو انه احد الابطال الخارقين وخصوصاً لانه كان يحمله هو والحقائب معاً بينما كانت مريم تسير خلفه وقلبها يخفق بشدة خوفاً من الاتي.
وعندما خرجوا من المستشفى قالت : تمام لحد كدا... انا وادهم هنركب في تكسي ونرجع البيت وانت تقدر ترجع الفندق علشان تستريح .
فقال ادهم : انا هقعد معاكوا.
فصرخت مريم بدون وعي : ايه ، تقعد معانا فين ؟!
رفع ادهم حاجبه وقال : في الشقة طبعاً... ولا انتي كنتي فاكرة اني هسيبك تقعدي انتي وابني في شقة الراجل اللي اسمه خالد نجم لوحدكوا.. لا يا ماما دا انتي هتبقي تحلمي لو افتكرتي كدا.
مريم : وانت عرفت منين ان الشقة اللي قاعدين فيها تبقى لخالد ؟
ابتسم ادهم باستهزاء واردف : عيب...دا انا ادهم عزام السيوفي ومفيش حاجة تخفى عليا ، يعني مفيش تقعدي لوحدك في شقة الراجل دا.
فقالت مريم : بس احنا مش لوحدنا والهام عايشه معانا في الشقة... وبعدين احنا لسه ماتجوزناش يعني ازاي هتقعد مع اتنين ستات في شقة وحده بالساهل كدا !
ادهم : متقلقيش.. انا حسبت حساب الموضوع دا .
فقطبت مريم حاجبيها وسألته بقلق : قصدك ايه ؟
رد عليها : يعني احنا هنروح السفارة المصرية دلوقتي وهنتجوز رسمي وبعدها هتبقى قعدتي معاكي في مكان واحد شرعية اما بالنسبة لألهام فانا سمعت ان بيت عمها عايشين هنا علشان كدا طلبت منها انها تبقى عندهم لغاية ما الاسبوع يخلص ونرجع مصر ، يعني مفيش اي مشكلة الا لو غيرتي رأيك ومش عايزه تتجوزيني فانا مش هجبرك بس هاخد ابني وارجع مصر واسيبك تعيشي هنا براحتك خالص.
مريم : الكلام دا على جثتي ؛ انتوا مش هتروحوا على اي مكان من غيري .
فنظر ادهم اليها وقال ببروده المميت : يبقى قرري بسرعة لان الجو حر اوي النهاردة ومينفعش نفضل واقفين في الشارع كدا والا الشمس هتحرقنا .
قال ذلك واخذ يداعب ابنه وهو يبتسم بينما كان الطفل سعيداً للغاية اما هي فكادت ان تفقد وعيها بسبب بروده الذي كاد ان يشلها فتنهدت وقالت : طيب خلاص... احنا هنروح السفارة علشان نتجوز.
فابتسم ادهم بخبث وقال : انا كنت متأكد انك هتقبلي...علشان كدا جهزت كل حاجة والشهود كمان جاهزين وعماله يستنوا في السفارة.
فنظرت اليه وقالت : بقى كدا... انت كنت مخطط لكل حاجة وانا اخر من يعلم !
ادهم : انتي مسمعتيش المثل اللي بيقول " لا تؤجل عمل اليوم الى الغد " يعني ما دام احنا متفقين اننا نتجوز وابننا يكبر في وسطنا يبقى ليه التأخير اللي ملوش لازمة ؟
مريم : طيب مين الشهود ؟
ادهم : كمال ومحمود.
مريم : مش على اساس انهم رجعوا مصر !
ادهم : هما هيرجعوا النهاردة بعد ما يشهدوا على الجواز.
فتنهدت مريم ثم اخذت ابنها من بين يديه وقالت : طيب ايه رأيك اننا مانستعجلش كدا... يعني خلينيا نستنى لما ننزل مصر وبعدها نكتب الكتاب.
ادهم : لأ... احنا هنتجوز النهاردة وبكدا مش هيبقى عندك اي عذر لما اقعد معاكي في الشقة لغاية ما الاسبوع يخلص.
قال ذلك ثم اوقف سيارة أجرة اما هي فقالت في نفسها : وبعدين مع الورطة دي ؛ هو مستعجل على ايه ؟
فنظر اليها وسألها : مش هتركبي ؟
فقالت : بصراحة انا... ممعيش الباسورد بتاعي دلوقتي يعني مش هينفع اتجوزك.
فابتسم ادهم ثم وضع يده في جيبه واخرج جواز سفرها قائلاً : متقلقيش.. انا اخدته من شنطتك وانتي نايمة لاني كنت عارف انك هتكذبي وتقولي انك نسيتيه.
قال ذلك وصعد في السيارة قبلها اما هي فوقفت تحدق به وهي تحمل ابنها دون حراك وقالت بدهشة : عفريت دا ولا ايه ؟؟
ثم تنهدت باستسلام وصعدت الى جانبه ووضعت ابنها في حضنها دون ان تنظر اليه او ان تقول اي كلمة اما هو فارتسمت على وجهه علامة الرضا وقال للسائق : السفارة المصرية من فضلك.
وما هي الا مدة زمنية معينة قد مضت حتى وصلوا إلى السفارة حيث كان كمال ومحمود ينتظرون بالفعل ، فنزل ادهم من سيارة الاجرة اولاً ثم فتح الباب لتنزل مريم وابنها ايضاً فنزلا وتوجها الى الداخل بينما قام محمود باخذ الحقائب من السيارة ...اما كمال فقال : كل حاجة جاهزه يا ادهم.
ادهم : كويس.
قال ذلك ثم نظر إلى مريم التي كانت تحمل ابنها وسألها : جاهزه ؟
أومأت له برأسها وسألته : بس هنخلي ادهم الصغير فين !
فنظر ادهم الى ابنه الذي نام اثناء طريقهم إلى السفارة بعد ان تناول الدواء وقال : سيبيه في حضنك...وجوده مش هيأثر على اي حاجة.
مريم : ماشي.
ثم دخلوا جميعاً الى القنصلية المصرية حيث سيتم الزواج... وقبل ان يبدأوا امسكت مريم بذراع ادهم وقالت : استنى..
فنظر اليها وسأل : في ايه تاني ؟
فسحبته بعيداً وقالت بهمس : هو احنا مش هنحتاج وثيقة الطلاق ولا ايه ؛ يعني لو كنا عايزين نتجوز مرة تانية فاكيد هما هيحتاجوا وثيقة تثبت اننا مطلقين واحنا اساساً مسجلناش جوازنا في المحكمة بس كتبنا الكتاب عند المأذون وبعدها انت رميت عليا يمين الطلاق من غير وثيقة .
فاثار ذلك الموضع فضول ادهم فقال : استني... خلينا نسأل.
وبالفعل قام بالسؤال عن امر وثيقة الطلاق وهل يصح زواجهما بدونها فابتسم الموظف الذي سأله وقال : في الحالة دي انتوا مش مطلقين اساساً .
فنظر كل من ادهم ومريم الى بعضهما لمدة خمس ثواني وبعدها قال ادهم بفضول : ازاي مش مطلقين ؛ انا رميت عليها اليمين قبل اربع سنين وخمس شهور يعني طلقتها.
فابتسم الموظف وقال : انتوا اطلقتوا شرعاً وانما قانوناً لأ... يعني لازم توثقوا الزواج في وزارة الداخلية الاول وبعدها تتطلقوا في المحكمة وهي تديكوا وثيقة الطلاق... وبما انكوا اتجوزتوا عند مأذون وطلقتها قبل ما توثقوا الزواج في وزارة الداخلية فانتوا مش محتاجين وثيقة طلاق ابدا ً، يعني مفيش مشكلة وهتقدروا تتجوزوا مرة تانية بشكل قانوني طبعاً لو العروسة موافقة .
فالتفت ادهم الى مريم وقال : طبعاً موافقة مش كدا ؟
فقالت بتلعثم : ا.. ايوا.
الموظف : يبقى على بركة الله.
- فابتسم ادهم بأشراقة لان الأمور سارت على نحو جيد وخصوصاً لان موضوع وثيقة الطلاق لم يشكل عائقاً امام زواجه من حبيبة قلبه وام ابنه مريم ، فتم الزواج بشكلٍ قانوني وعلى اكمل وجه بتوفير الامكانيات اللازمة لإتمام الزواج بالقنصلية ؛ وبعد ان تزوج ادهم مجدداً من المرأة التي يعشقها حد الجنون والتي تكون ام طفله شعر وكأنه امتلك العالم بأسره من شدة الفرحة والسعادة بينما كانت هي على عكسه.
نعم كانت سعيدة للغاية في داخلها لانها عادت له مجدداً ولكنها كانت خائفة من فكرة الزواج بهذا الرجل الذي تعتبره غامضاً جداً وخصوصاً بعد كل ما حدث بينهما في ما مضى ، كما ان فكرة غبية قد راودتها وجعلتها تخاف من الدخول الى عالمه الخاص بصفتها زوجته حيث انه يُعتبر شخصية مهمة للغاية في موطنهم وانها هي الفتاة البسيطة قد اصبحت زوجته الشرعية ، واكثر ما اخافها هو ادراكها بأنه اصبح حلالها ويحق له ان يملي عليها كل ما يرغب وانه اصبح المسؤول الأول عنها وعن ابنها ولا يجب ان تفعل شيئاً دون الرجوع إليه اولاً .
فكانت تسير بجانبه وهي تحمل ابنها بينما كانت مخطوفة اللون بسبب الافكار السلبية التي تسللت إلى رأسها واخذت تعث السم في عقلها وتبث الرعب في قلبها خصوصاً عندما تذكرت الليلة المرعبة التي قضتها معه في السابق ، فانتبه عليها عندما خرجا من السفارة لذا طرقع لها باصابعه مما جعلها تستيقظ من شرودها ونظرت اليه دون أن تقل اي شيء اما هو فحمل ابنه بالنيابة عنها لكي يجعلها تستريح وقال : انتي رحتي فين ؛ شكلك تعبانه مش كدا ؟
فنظرت مريم الى الساعة في يدها وكانت قد تجاوزت الرابعة عصراً فقالت : خلينا نرجع البيت .
ثم اخذت ابنها النائم من والده مجدداً وتوجهت نحو السيارة التي استأجرها كمال لهم قبل ان يتوجه إلى المطار برفقة محمود من اجل العودة إلى مصر ، فصعدت في المقعد الخلفي دون ان تنبس ببنت شفة اما هو فأبتسم وقال : ومالو... نرجع البيت.
قال ذلك ثم صعد امام المقود وقبل ان يشغل محرك السيارة عدل المرآة فنظر إلى مريم التي كانت جالسة خلفه وتحتضن ابنها ، فنظرت اليه بدورها وسرعان ما اشاحت بنظرها فابتسم ثم شغل محرك السيارة وقادها نحو العنوان الذي اعطته ايه ، وعندما وصلا الى البناية نزل هو اولاً من السيارة ثم فتح الباب الخلفي لتنزل هي وقبل ان تفعل ذلك حمل الصبي عنها وقال : انا هحمله عنك.
فتنهدت ثم فتحت صندوق السيارة واخذت الحقائب وقالت دون ان تنظر اليه : الشقة في الدور الخامس.
قالت ذلك ثم سارت امامه فلحق بها وعندما وصلا إلى الطابق الخامس ابتسم ادهم بسخرية وقال : الظاهر ان اخوكي المحترم غني حبيتين ولا انا غلطان ؛ البناية دي بتاعته مش كدا ؟
فنظرت اليه وهي تفتح باب الشقة وقالت : اطمن... مش اغنى منك.
هز ادهم رأسه بثقة وهو يحمل ابنه ثم اردف : كويس انك عارفه.
فتنهدت مريم وحركت عينيها بشكل دائري ثم دخلت الى الشقة فدخل ادهم خلفها وسرعان ما وضعت الحقائب من يدها والتفتت اليه ثم اخذت ابنها منه وتوجهت به إلى غرفتها حيث لم يكن في الشقة سوى غرفتين نوم احدهما لصديقتها الهام والاخرى كانت لها ولأبنها كما كانت غرفة المعيشة واسعة ومريحة وبجانبها المطبخ والحمام ، فقامت بوضع الصغير على السرير بينما وقف ادهم عند عتبة باب غرفتها يحدق بها فسألها : هي دي اوضة نومك ؟
اجتبته بدون ان تنظر : ايوا.
فابتسم وقال : كويس.. يبقى انا هنام هنا اصلي تعبان وعايز استريح شوية.
قال ذلك وخلع سترته ولكن مريم التفتت اليه بسرعة وصاحت به قائلة : استنى !
توقف ادهم في مكانه وسأل : في ايه ؟
فنظرت هي الى ابنها الذي ظنت انه استيقظ بسبب صراخها وعندما وجدته ما يزال نائماً بهدوء تنفست الصعداء واقتربت من ادهم ثم سحبته من يده الى خارج الغرفة وقالت بهمس : انت عايز تنام في أوضتي بجد !
ادهم : امال هنام فين لو منمتش في اوضة مراتي ؟
فقالت بتلهثم : م... معرفش... لاقي حته تانية بس اوعى تفتكر اني هسيبك تنام في الاوضة بتاعتي لان نجوم السما اقرب لك .
قالت ذلك ودخلت إلى غرفتها بسرعة واغلقت الباب بوجهه حتى قبل ان تترك له مجالاً لقول اي شيء ، اما هو فرفع حاجبه ونظر الى باب غرفتها فوضع يديه على خاصرته وقال : بقى كدا... طيييب يا مريم...عايزه تبني سد بينا بما ان الشقة بتاعتك مش كدا ؛ استني عليا اما نرجع مصر ساعتها هعرفك ازاي تقفلي الباب في وشي .
قال ذلك ثم اخذ ينظر في ارجاء الشقة بينما كانت مريم تدور في غرفتها ذهاباً وإياباً وكان التوتر يسيطر عليها فقالت بصوت خافت جداً : هعمل ايه دلوقتي ... ازاي هقعد انا وهو في نفس البيت لمدة خمس ايام والهام ليه سمعت كلامه وراحت تبات عند بيت عمها ؟!
ثم بعثرت شعرها واضافت بتذمر : اااه ايه الورطة اللي رميت نفسي فيها دي ؟
تسارع في الاحداث.......
مر الوقت سريعاً وحل المساء فكانت مريم ما تزال في غرفتها بينما استيقظ ابنها الصغير بعد زوال تأثير الدواء الذي اعطته ايه لكي يخفف الألم فنظر اليها وهي واقفه امام النافذة وتحدق من خلالها وقال بصوت ناعس : ماما...
التفتت اليه ثم اقتربت منه وقبلته على جبينه وقالت : صح النوم يا بطل .
فسألها : بابا فين ؟
تنهدت وقالت في نفسها : صحيح...هو راح فين ؛ انا مسمعتش صوته من ساعة ما قفلت الباب في وشه.. معقول يكون مشي !
ثم نظرت الى ابنها وابتسمت قائلة : هروح ادور عليه حالاً بس عايزاك توعدني انك مش هتقوم من على السرير لغاية ما ارجعلك والا رجلك هتوجعك واحنا مش عايزين حيصل كدا اتفقنا.
أومأ لها برأسه فابتسمت وامسكت باحدى الدمى واعطته ايها لكي يسلي نفسه بينما تذهب وتتفقد اين ذهب والده ...فتحت باب غرفتها ببطء كما لو كانت لصه اتت لكي تسرق ثم خرجت من الغرفة على رؤوس اصابع قدمها ومشت بخطوات خافتة واخذت تتلفت وهي تبحث عنه فتساءلت في نفسها : هو فين يا ترى ؟
في تلك اللحظة شعرت بيد رجولية تربت على كتفها فالتفتت واذ بادهم واقفاً خلفها فسألها ببرود : بدوري على حد ؟
اما هي فعادت للواء بسرعة ونظفت حلقها قائلة : ل.. لا وهدور على مين عيني ؟
رفع ادهم حاجبه وقال : مش عارف.
فاشاحت بنظرها عنه ثم استجمعت افكارها المشتتة ونظرت إليه قائلة : ادهم صحي.. روح اقعد جنبه وخلي بالك منه لغاية ما احضر العشا .
فتنهد ادهم وقال : مفيش داعي انك تتعبي نفسك.. انا جبت اكل جاهز .
مريم : وليه عملت كدا ؛ احنا متعودين اننا ناكل اكل البيت لانه صحي اكتر.
فكتف ادهم ذراعيه وقال موضحاً : ليه عملت كدا ؛ انا هقولك ...لان في وحده خافت اني اعمل لها حاجة زي ما تكون اتجوزت مجرم هربان من الحكومة وسجنت نفسها في أوضتها من اربع ساعات ونسيت تعمل عشا لابنها اللي خرج من المستشفى النهاردة.
تنحنحت مريم واردفت : على العموم...انا هعديها المرة دي لانك لسه متعرفش نظامنا بس انت لازم تعرف اني ما بأكلش ابني اكل جاهز ابداً لان دا مش كويس لصحته .
ادهم : كويس...اساساً انا كمان ما بكُلش اكل جاهز ابداً بس بما ان حضرتك قفلتي على نفسك الاوضه من ساعة ما جينا هنا ومخرجتيش منها ابداً فهضطر اني استحمل الليلة دي.
فاعادت مريم خصلة من شعرها وقالت : طيب انا هروح اجهز الاطباق وانت روح وخليك جنب الواد.
قالت ذلك ثم دخلت إلى المطبخ اما هو فابتسم وقال بصوت منخفض : حاضر يا ست هانم... من عينيا.
ثم دخل إلى غرفتها حيث كان ابنه جالساً على السرير ويلعب بلعبته الالية التي كانت عبارة عن الرجل الحديدي " ايرون مان " فابتسم وسأله بصوت مفعم بالحيوية : ازيك يا بطل ؟
فنظر الصغير اليه وابتسم تلقائياً وقال بلهجته المكسرة : انت كنت فين يا بابا ؟
جلس ادهم بجانبه وقبله على رأسه قائلاً : كنت بستناك اما تصحى .
فقال الصغير : طيب ليه مكنتش بتستننى مع ماما في الاوضه ؟
- في تلك اللحظة لمعت فكرة خبيثة في رأس ادهم فرسم شبح ابتسامة على وجهه وامسك اللعبة قائلاً : انا كنت عايز اعمل كدا بس ماما منعتني وقالت اني لازم انام في حتة تانية لان الاوضه دي بتاعتك انت وهي .
ادهم الصغير : يعني انت مش عايز تنام جنبي على السرير النهاردة ؟
ادهم : طبعاً عايز انام جنبك يا حبيبي بس ماما قالت لأ ..
ادهم الصغير : طب انا هقولها اني عايزك تنام معانا هنا.
فاتسعت ابتسامة ادهم وعبث بشعر ابنه قائلاً : شاطر يا حبيبي... اديك طالع لبباك ذكي وبتعرف تتصرف صح .
في تلك اللحظة دخلت مريم الى الغرفة وقالت : العشا جاهز .
قالت ذلك ثم اقتربت من ابنها وارادت ان تحمله ولكن الطفل ابى ان تقترب منه فقال : مش عايز.
قطبت حاجبيها وسألته : ليه يا حبيبي ؟
نظر اليها وقال : علشان انتي قلتي ان بابا ما ينفعش ينام جنبي النهاردة.
فنظرت مريم الى ادهم الذي كانت الابتسمة الخبيثة واضحة على وجهه وضوح الشمس وسألته بدهشة قالت : انت قولتله ؟!
حرك ادهم كتفيه الى الاعلى ولم يعلق فتنهدت وقالت : فاكر اني هسيبك تعمل اللي يريحك لانك استغليت النقطة دي ؟
فاجابها بابتسمة صفراء : هنشوف.
اما الطفل فقال : انا عايز بابا ينام جنبي هنا .
فنظرت مريم الى ادهم وقالت بحنق : ماشي يا ادهم... انت اللي كسبت .
يتبع......
- قال ادهم الصغير لأمه بنبرة امرة : انا عايز بابا ينام جنبي هنا النهاردة.
ثم كتف ذراعيه بطريقة لطيفة وكأنه اصدر حكم قضائي يجب ان تنفذه مريم دون مناقشة ، اما هي فنظرت الى زوجها ادهم وقالت بحنق : ماشي يا ادهم... انت اللي كسبت ، انت وابنك برطعوا في الأوضة وانا هروح انام في أوضة الهام الليلة دي .
رسم ادهم ابتسامة صفراء على زاوية شفتيه وقال بهدوووء مميت : وهتنامي هناك ليه ؛ مهي أوضتك موجوده وتقدري تنامي فيها .
فلم تحتمل مريم بروده الذي كاد ان يسبب لها ازمة قلبية لذا تنهدت وقالت باستسلام : لو عايز تتعشا انا جهزت الاكل... ادهم الصغير لازم ياكل علشان ياخد الدوا.
قالت ذلك ثم حملت ابنها واضافت : يلا يا شقي ؛ جيه وقت الاكل.
- ثم خرجت من الغرفة وتركت ادهم خلفها فضحك بخفة حتى لا تسمعه ثم اخذ ينظر في ارجاء غرفتها... وبينما كان يفعل ذلك وقع نظره على زجاجة عطر كانت على طاولة التزين الخاصة بها ؛ نهض بسرعة ثم امسك بها ونزع الغطاء ومن ثم قربها الى انفه ولكن سرعان ما ابعدها وعقد حاجبيه قائلاً : هي ليه غيرت الپارفان بتاعها ؛ انا فاكر ان ريحته كانت اجمل من دا.
في تلك اللحظة سمع صوتها قادم من خارج الغرفة تقول : لو مش عايز تتعشا انا هشيل الطبق بتاعك.
فاغلق زجاجة العطر واعادها الى مكانها ثم خرج من الغرفة وذهب حيث كانت مائدة الطعام فوجد ابنه جالساً في حضن امه ووجهه ملطخ بالصلصة بينما كانت هي تطعمه ؛ ابتسم تلقائياً عندما رأى ذلك المنظر وجلس مقابلاً لهما وقال بصوت مرح : انتي بتأكليه ولا ايه ، بصي على وشه ازاي اتبهدل !
فنظرت مريم اليه لمدة ثواني ثم عادت لتكمل اطعام ابنها قائلة : هو ميعرفش ياكل غير كدا...بيحب يوسخ وشه في الاكل وانا هبقى احممه بعدين .
فنظر ادهم الى ابنه وقال : ها يا بطل... الاكل عجبك ؟
أومأ الطفل برأسه وهو يمضغ الطعام بسعادة اما مريم فقالت : حتى لو عجبه مش هياكل الاكل دا مره تانيه لانه مش صحي.
ادهم : وانا بقول كدا برضو بس للضرورة أحكام .
قال ذلك ثم امسك طبقه ووضع بعض الطعام فيه ولكنه لم يأكل بل اكتفى بمراقبة مريم وهي تطعم ابنها وتأكل بهدوء فاخذ يلوي شاربيه وهو يبتسم بلطف ... اما هي فكانت تحاول جاهدة ان لا تنظر إليه وكانت تتمنى ان يمر الوقت سريعاً حتى يأتي الصباح لأنها لم تكن تتخيل فى أقصى أحلامها بأن تجلس مع حبيبها البارد ذات يوم على نفس المائدة ولكن ها هي قد اصبحت زوجته مجدداً وجمعهم سقف واحد ولا احد يعلم كيف ستمر هذه الليلة .
وبينما كانت تفكر سمعته يسألها : انتي ليه غيرتي الپارفان بتاعك ؟
أندهشت عندما سمعت ذلك ونظرت اليه مباشرةً ثم سألته : وانت ازاي عرفت اني غيرت الپارفان بتاعي !
فاسند ادهم ظهره إلى الكرسي وامسك كأس الماء الخاص به ثم قربه من فمه وقال : انا فاكر ان ريحته كانت غير ريحة الپارفان الجديد .... كانت قوية وناعمة في نفس الوقت.
قال ذلك ثم شرب رشفة صغيرة من الكأس اما هي فقد شعرت بسعادة غامرة في قلبها لان ادهم لم ينسى كيف كانت رائحة عطرها ولكنها لم تظهر سعادتها بل قالت بهدوء : انت لسه فاكر ؟
فنظر اليها وقال بجدية : هو في حد يقدر ينسى حاجة علقت في دماغه ؟
في تلك اللحظة بدأ قلب مريم يرتعش من شدة التوتر فاخدت ترمش كثيراً لانها لم تفهم قصده وما حيرها انه قال جملته الاخيرة وکأنه كان يحاول ان يوصل لها رسالة ، فادرك انها استغربت من كلامة لذا قال : بس كويس انك غيرتي الپارفان ...لان ريحته كانت قوية جداً وكانت بتجيبلي صداع لما كنتي بتشتغلي معايا .
تنفست مريم بعمق وقالت : انا غيرت الپارفان بتاعي لما كنت حامل ... اصل ريحته كانت بتدوخني ومن ساعتها اتعودت على الپارفان الجديد... بس الظاهر اني هرجع اجيب من القديم لان الريحة بتاعته اجمل وبتعجبني .
قالت ذلك وكأنها كانت تحاول ان تستفزه بكلامها فخيب ظنها عندما ابتسم وقال بهدوء : كملي اكلك.
فاشاحت بنظرها عنه ثم تابعت تناول طعامها بصمت ولكن قلبها كان يرقص فرحاً لان ادهم كان يتذكر رائحة عطرها القديمة والتي كادت هي نفسها ان تنساها لذا قررت ان تعاود شراء نفس العطر علها تلمس قلبه ولو قليلاً و لا تعلم بأنه لا يحبها بل مهوساً بها الى حد الجنون وقد تخطى مرحلة الحب منذ امد بعيد ، اما الطفل فكان منهمكاً في تناول الطعام الغريب الذي لم يتناوله من قبل وكأنه استغل الفرصة بينما كان والداه منهمكين في الكلام .
تسارع في الاحداث.........
بعد ان انتهوا من تناول العشاء ذهبت مريم وجهزت الحمام من اجل ابنها الذي وضعته بلطف في حوض الإستحمام وبدأ فوراً يلعب بفقاعات الصابون وهو يصدر ضحكات رنانه تسر كل من يسمعها ، اما هي فكانت تفكر بأمر زوجها الذي ادهشها لانه لم ينسى رائحة عطرها طوال ما يقارب الخمس سنوات ... اما بالنسبة له فكان جالساً في غرفة المعيشة يراجع بعض الاعمال المهمة على حاسوبه المحمول ولم يشعر بالوقت يمضي الا حين خرجت مريم من الحمام وهي تحمل ابنهما الذي كانت تلفه بمنشفة كبيرة ولم تلتفت اليه بل ذهبت الى الغرفة والبسته ملابس النوم النظيفة ثم وضعته في السرير فقال : انا عايز بابا ينام جنبي يا ماما.
فتنهدت مريم وقالت : نام يا حبيبي... بابا عنده شغل دلوقتي ومش هينفع ينام جنبك.
في تلك اللحظة سمعت صوت ادهم يقول : الشغل يقدر يستنى لان ابني اهم من كل حاجة.
فالتفتت اليه ورأته يتقدم نحو السرير بخطوت رزينة بينما ابتسم الصغير وهتف بمرح... وسرعان ما جلس ادهم بجانبه على السرير من الجهة الأخرى وامام نظر مريم التي ارتبكت ونهضت بسرعة ثم ادارت ظهرها واعادت علبة كريم الاطفال الى مكانها فابتسم وقال : تحب اقرالك حدوته يا حبيبي ؟
أومأ الطفل برأسه وامسك يد ابيه قائلاً : عايز حدوتة سوبر مان يا بابا .
في تلك اللحظة صدرت ضحكة صغيرة عن مريم التي تخيلت منظر ادهم عزام السيوفي وهو يقرأ قصص الاطفال فنظر هو اليها وعرف انها ضحكت عليه ولكنه لم يبالي بل نظر إلى ابنه وابتسم قائلاً : لا ياحبيبي....انا عايز اقرالك حدوتة الجميلة والوحش لاني معرفش الحدوته التانية .
اما مريم فالتفتت اليهما وقالت وهي تكتم ضحكتها : هروح اغسل الاطباق.
قالت ذلك ثم خرجت من الغرفة وتركت ابنها مع والده الذي بدأ يقص عليه قصة الحسناء والوحش بطريقة كوميدية وهو يقلد صوت الوحش فكان الطفل يضحك بسعادة غامرة وخصوصاً عندما كان والده يدغدغه ، وبقيا على تلك الحال حتى غط ادهم الصغير بنوم عميق فقام والده بتغطيته وقبل جبينه ثم نهض من جانبه وخرج من الغرفة بخطوات بطيئة حتى لا يستيقظ الصغير وبعدها ذهب إلى غرفة المعيشة ، فالتفت ناحية المطبخ ولم يجد مريم بل وجدها نائمة على الاريكة بينما كان التلفاز مشغلاً ، فابتسم ابتسامة دافئة واقترب منها رويداً رويداً حتى لا تستيقظ ثم انحنى بجسده وجلس القرفصاء امامها بعدها وضع يده على خدها بلطف وقال بصوت حنون : وحشتيني يا روحي...انا مش مصدق انك رجعتيلي بجد .
فتحركت مريم قليلاً مما جعله يرتبك خوفاً من ان تستيقظ ولكنها لم تفعل بل اتكأت برأسها على ذراع الأريكة وتابعت نومها ، فابتسم ثم وضع يديها حول عنقه وحملها بلطف واخذها الى الغرفة فوضعها على السرير بجانب ابنهما وقام بتغطيتها ايضاً ومن ثم جلس بجانبها واخذ يتأملها بعيون عاشقة ... ولكن سرعان ما اعتلت محياه ملامح الحزن عندما تذكر انه قام بصفعها في الماضي فاخذ يمسح على شعرها براحة يده وقال بصوت خافت : انا اسف يا قلبي... مكنش قصدي اضربك بس كنت اعمى وقتها ومعرفش ازاي تجرأت وعملتها.
قال ذلك ثم قبل خدها الذي صفعه سابقاً وابتعد عنها وبعدها اطفأ الضوء وخرج من الغرفة فتوجه نحو الأريكة التي في غرفة المعيشة واستلقى عليها واضعاً ذراعه اليمنى خلف عنقه وما هي الا دقائق معدودة حتى استسلم للنوم ايضاً.
تسارع في الاحداث........
- انطوى الليل بعتمة ظلامه منسدلاً خلف أستار الكون الفسيح ... ودبت الأرض ضياءً حين أرسلت الشمس شعاعها الذهبي بعد أن غاصت في أغوار المحيط معلنة عن صباح يوم جديد ، فتسللت خيوطها الذهبية من نافذة غرفتة مريم وانعكست على وجهها واعطته لوناً ذهبياً زادها جمالاً ؛ شعرت بدفء لطيف يغزو بشرتها الصافية وجعلها تفحت عيونها ببطء ولكن سرعان ما اغمضتهما ورفعت يدها لتحجب ذلك الوهج الذهبي عن عيناها ثم التفتت الى جانبها ووجدت ابنها مايزال نائماً بجانبها وهو كالحمل الوديع ، ابتسمت باشراقة وقبلت وجنته بكل حنان ولكن سرعان ما ادركت انها في غرفتها فهبت جالسة على السرير وقالت : انا جيت هنا ازاي ؟؟
ثم اخذت تبحث عن ادهم بنظرها في ارجاء الغرفة ولكنها لم تجده فنهضت عن السرير ثم توجهت نحو الباب وفتحته لتخرج الى غرفة المعيشة ؛ وجدته ما يزال نائماً بعمق على تلك الاريكة وسرعان ما أرتسمت ابتسامة صغيرة على وجهها فتحركت نحوه بخطوات بطيئة حتى اصبحت واقفة بالقرب منه ؛ انحنت قليلاً واخذت تتأمل قسمات وجهه الذي لطالما أحبته... فلم تشعر بنفسها عندما انحنت بجسدها وجلست القرفصاء مقابلاً لوجهه الوسيم ووضعت يدها على خدها الأيسر بينما كانت تنظر اليه بتمعن وكأنها تحاول ان تشبع من رؤيته فقالت بصوت اشبه للهمس : وزنك نقص عن اخر مرة شفتك فيها... وكمان بقى عندك شنب بس كدا اجمل .
قالت ذلك وسمحت ليدها اليمنى ان تتسلل الى شعره الاسود ونزلت بها الى حاجبيه فابتسمت عندما عقدهما تعبيراً عن انزعاجه من يدها التي عكرت صفو نومه فسحبتها بسرعة وهبت واقفة ثم استدارت وحاولت الابتعاد عنه وهي تتسلل على رؤوس اصابع قدميها حتى لا يستيقظ ولكنها تجمدت في مكانها عندما سمعت صوت رجولي تعرفه جيداً يقول لها : كنتي كملي اللي بتعملي...انا مش همنعك.
في تلك اللحظة تجمد الدم في عروقها واتسعت عيناها على وسعهما وبدأ صدرها يعلو ويهبط وشعرت بالبرودة تسري في جسدِها بالرغم من دفء المكان ؛ ابتلعت ريقها وحاولت ان تلتفت ولكن حركتها شُلت تماماً عندما سمعت صوت خطوات رجولية تقتربت منها وفجأة وقف خلفها .... وما زاد الطين بلّة شعورها بيد قوية دافئة امسكت ذراعها بلطف فأغمضت عيناها بشدة اما هو فابتسم وهمس في اذنها بصوت شجي قائلاً : صباح الخير يا مريم .
في تلك اللحظة شعرت مريم بجسدها يذوب كقطعة سكر تذوب في فنجان شاي بسبب ذلك الصوت الرجولي الذي اخترق مسامعها وتسللت كلماته لتصيب قلبها الذي كان ينبض بسرعة كما لو كان طبل واحدهم يقرعه بقوة ... فقالت بصوت يكاد يختفي وبدون ان تتحرك شبراً واحداً : ص.. صباح النور.
فاتسعت ابتسامة ادهم وسمح ليده التي كانت تمسك بذراعها ان تصعد إلى كتفها فادارها ليصبح وجهها مقابلاً لوجهه ولكنها احنت رأسها ولم تنظر إليه فلم يشاء ان يخجلها اكثر لذا ابتعد خطوتين للوراء وقال : اكيد اتفجأتي لاني نمت هنا مش كدا ، يعني احنا قررنا اني هنام جنب ادهم بس شفتك نايمة على الكنبة فقلت مينفعش اسيبك تنامي هنا وانا انام على السرير علشان كدا شلتك وسبتك تنامي جنب ابننا .
نظرت مريم اليه وقالت بدهشة : ش.. شلتني !
فابتسم بخبث وقال : ماتخفيش مكنتيش تقيله... بصراحه استغربت اوي لما شلتك لاني كنت فاكر ان وزنك اتقل من كدا .
فاشاحت بنظرها عنه واستطردت قائلة : هروح اعمل شاور ؛ عن اذنك.
قالت ذلك ثم تحركت بخطوات سريعة نحو الحمام فدخلت واغلقت الباب خلفها ثم وضعت يدها على صدرها وشعرت بأن قلبها كان على وشك الفرار من بين ضلوعها ، اما هو فحاله لم يكُن يختلف عن حالها ابداً.. بل حتى انه كان متوتراً اكثر منها. لأنه اراد ان يعانقها ويقبلها بكل قوته تعبيراً عن حبه العظيم لها ولكنه استطاع ان يسيطر على مشاعره ويكبح نفسه عن احتضانها حتى لا يجعلها تجفل فهو كان يدرك انها مضطربة للغاية بسبب كل ما حدث وانها تخاف منه بعد تلك الليلة التي قضتها معه منذ خمس سنوات تقريباً... فرفع يده ومررها في شعره المشعث وتنفس بعمق وقال في سره : انا اسف يا حبيبتي... عارف انك بقيتي تخافي مني بعد كل اللي حصل بينا زمان بس بوعدك اني هنسيكي كل حاجة وهحاول اخليكي تحبيني زي ما بحبك علشان نقدر نكمل حياتنا مع بعض ونربي ابننا احسن ربايه.
في الحمام.....
كانت مريم ما تزال جالسة على كرسي المرحاض تفكر بأمر ادهم الذي صدمها بتصرفاته التي لم تستطيع ان تستوعبها ابداً.... فهي كانت تعتقد بأنه لا يحبها وانما تزوجها حتى يتحمل المسؤولية لانها ام طفله بالإضافة إلى الرغبة في تملكها فقالت في سرها : طيب هو ليه اتغير كدا ؛ دا بقى لطيف اوي وكمان حسيت ان نظرته ليا اتغيرت ، معقول يكون ادهم الصغير هو السبب ؟
قالت ذلك واخذت تفكر وسرعان ما اضافت : معتقدش ... معقول بقى... بيحبني !
وبعد تفكير طويل هزت رأسها بنفي وقالت : متوهميش نفسك يا مريم... دا اتجوزك علشان ابنه وبس وجايز بقى لطيف معاكي علشان يبان كويس قدام ادهم الصغير ولو افتكرتي انك بقيتي مهمة بالنسبة له تبقي مجنونة .
قالت ذلك ثم نزعت دبوس شعرها فانسدل على كتفيها ثم ملئت حوض الاستحمام بالماء وغسول الجلد الذي برائحة الورد ومن ثم خلعت ملابسها وجلست في الحوض ، ولكي تبعد الافكار من رأسها انزلقت بجسدها حتى غمرتها المياه وبقيت على تلك الحال لمدة ثواني ولولا حاجتها للأوكسجين لما اخرجت رأسها ابداً فاخذت تفرك شعرها بالشامبو وتحاول جاهدة ان تبعد ادهم عن اطار تفكيرها.
وبعد مدة زمنية محددة .....
انتهت من الاستحمام فارادت ان ترتدي ملابسها ولكنها لم تجدها فاتسعت عيناها عندما تذكرت انها دخلت إلى الحمام بسرعة دون ان تاخذ ملابسها فوضعت يدها على فمها وقالت : يا نهار اسود.... ازاي نسيت الهدوم ؛ هعمل ايه دلوقتي ، ازاي هطلع من هنا وهو في البيت ؟
فاخذت تتلفت حولها ووقع نظرها على منشفة كبيرة كانت معلقة بجانب الباب... اخذتها ولفت جسدها بها ولكن بالكاد اخفت قدميها وكتفيها بينما كانت قطرات الماء تتساقط من شعرها ووجهها ، فأمسكت بمقبض الباب ثم فتحته وعندما ارادت ان تخرج اصطدمت بصدر ادهم وتفاجأت بوجوده امامها مما جعل عيناها تتسع وسرعان ما عادت واغلقت الباب في وجهه فوراً وصاحت به قائلة : انت جيت هنا ليه ؛ متعرفش اني هنا !!
اما هو فرمش عدة مرات محاولاً استيعاب ما حدث فقال : انا.... جيت اطمن عليكي.... اصلك بقالك كتير في الحمام .
فابتلعت مريم ريقها وقالت بتلعثم : ا... انا كويسه ومش محتاجة حد يطمن عليا ...
ادهم : طيب مادام انتي كويس يبقى اطلعي علشان انا كمان عايز اعمل
مريم : انا كنت هطلع بس...
فعقد ادهم حاجبيه وقال من خلف الباب : بس ايه ؟
فاغمضت مريم عيناها بشده وقالت بأندفاع : انا نسيت هدومي.
فتنهد ادهم وقال : طيب ....تحبي اجيبلك الهدوم ؟
فصرخت به من خلف الباب : لاء... اوعى تعمل كدا.
ادهم : امال عايزه تفضلي جوا يعني ؟
فابتلعت مريم ريقها وقالت بتلعثم : انا... انا .
فتنهد ادهم قائلاً : خلاص ... انا هروح اقف في البلكونة لغاية ما تطلعي.
قال ذلك ثم توجه نحو الشرفة بالفعل اما هي فلم تخرج فوراً بل انتظرت قليلاً حتى سمعت خطواته تبتعد ومن ثم فتحت باب الحمام قليلاً فلم تجده فتنهدت وخرجت بسرعة متوجها إلى غرفتها... وعندما دخلت اغلقت الباب خلفها وتنفست الصعداء قائله : الله يخرب بيتك يا مريم... في حد عاقل يخش يستحمى من غير ما ياخد هدومه معاه ؛ لأ والألعن انك مش لوحدك في البيت !
قالت ذلك ثم فتحت خزانتها واخرجت ملابسها... اما ادهم فكان واقفاً في الشرفة واضعاً يديه في جيوب بنطاله وارتسمت على وجهه ابتسامة صغيرة عندما تذكر ذلك الموقف المحرج بالنسبة لكليهما فقال : مجنونة ، قلقانه على ايه يعني ما انا شفت كل حاجة قبل كدا .
صرح بذلك بينه وبين نفسه وبعدها عاد إلى الداخل فتوجه نحو حقيبته التي كانت في غرفة المعيشة ومن ثم فتحها واخرج منها منشفة وبعض الملابس و الشامبو الخاص به ثم توجه نحو الحمام ؛ اما هي فانتهت من تسريح شعرها ونظرت الى ابنها النائم فتوجهت نحوه ، قبلت جبينه وذهبت الى المطبخ لتعد الفطور .
اما في مكان اخر من نيويورك......
فكان خالد يعد الفطور من اجل عمته سحر كالعادة فنزلت هي وتوجهت نحو المطبخ ثم ابتسمت قائلة : صباح الخير يا حبيبي.
فالتفت خالد اليها وابتسم بدفء قائلاً : صباح الفل...ثواني والفطار هيجهز.
جلست سحر وقالت : اخبار مريم وابنها ايه ، انا سمعت ان الواد اتعور .
فتغيرت ملامح وجه خالد وقال وهو يتابع تحضير الفطور : مريم اتجوزت امبارح.
في تلك اللحظة دهشت سحر للغاية وسألت بتعجب : اتجوزت...اتجوزت مين وازاي ؟!
التفت خالد اليها واجاب : رجعت لجوزها... قصدي الراجل اللي خلفت منه ابنها.
سحر : هو هنا ، طب يطلع مين دا ؟
ابتسم بسخرية واردف : لو قلتلك مش هتصدقي.
سحر : قلقتني يا خالد...مين الراجل دا ؟
خالد : ادهم عزام السيوفي.
اتسعت عينا سحر وسألته بدهشة : قصدك امبراطور التجارة الإلكترونية !
فتنهد خالد قائلاً : ايوا... هو.
سحر : معقول... ادهم عزام السيوفي يبقى جوز مريم اللي منعرفش عنه حاجة !
جلس خالد وقال : ايوا هو...وباين عليه راجل خطير اوي ومش سهل ابداً .
سحر : والله دي مفاجأة كبيرة... يعني هي كانت متجوزه مليونير مشهور جداً في مصر وثروته متتقدرش ابداً بس سابت كل حاجة وجت تعيش هنا !
خالد : اهو دا اللي حصل بقى.
فنظرت سحر بشك اليه وسألته : لسه بتحبها يا خالد ؟
اجابها بصدق : الموضوع دا اتقفل من زمان اوي يا عمتي يعني انا بقيت اعتبرها اختي الصغيرة وبس وكمان انا بحب وحده تانية .
فابتسمت سحر وقالت : الهام مش كدا ؟
ارتبك خالد وسألها : وانتي عرفتي ازاي انها هي ؟
امسكت سحر بيده وقالت : عيب يلاه... انا سوسو اللي تعرفك اكتر ما انت تعرف نفسك.
فابتسم خالد وقال : ايوا...انا بحبها هي... بصراحة انا بحبها من زمان يعني بعد ما قررت اني ابقى اخ مريم حسيت ان الهام هي البنت المناسبة ليا واللي حببني فيها اكتر تضحيتها يعني هي سابت اهلها وكل حاجة علشان مريم ودي تُعتبر صاحبه مخلصة وانا بحب الناس المخلصين.
سحر : طيب ومستني ايه ؛ ليه ما تتقدم لها ؟
فتنهد خالد وقال : بصراحة مش عارف...يعني انا حاسس انها كمان بتحبني بس خايف يبقى احساسي غلط وكمان مش عايز افرض نفسي عليها لانها بتعتبرني زي اخوها .
سحر : لا يا حبيبي...انا متأكدة انها بتحبك ، انا شفت دا في عينيها.
خالد : قصدك ايه ؟
سحر : انا ست كمان واقدر افرق بين نظرة الحب عند الستتات من النظرة العادية... والهام بتبصلك بنظرة حب يابني ومش من دلوقتي وانما من زمان اوي.
شرد خالد بتفكيره واخذ يتذكر المواقف التي جمعته مع الهام خلال السنوات التي عرفها بها وكيف كانت تنزعج كلما رأته يقترب من فتاة اخرى في الشركة وكيف كانت تقلق عليه عندما يمرض و تشعر بالخجل كلما اثنى على جمالها او عندما كانت تصطدم به عن غير قصد فابتسم وقال : عندك حق يا سوسو... انا دلوقتي اكتشفت انها بتحبني كمان.
فابتسمت سحر وقالت : يبقى اسمع كلامي يا خلوده وروح اتقدم لها قبل ما اهلها يجوزوها لواحد تاني.
خالد : خلاص... انا هعمل كدا في اقرب فرصة.
تسارع في الاحداث..........
مر نصف النهار وكانت مريم برفقة ابنها في الشقة بينما عادت الهام ايضاً لتطمئن عليهما اما ادهم فخرج منذ الصباح ولم يعد بعد ذلك مما جعل زوجته تتساءل عن سبب تأخره بالعودة ، فكانت جالسة هي وصديقتها في الشرفة بينما كان الصغير يحظى بقيلوله صغيرة في الغرفة وقالت الهام : قوليلي بقى يا ميمي... ايه اللي حصل ؟
فنظرت مريم اليها وقالت : وهيحصل ايه يعني ؛ محصلش حاجة.
الهام : انتي فاهمة قصدي كويس يبقى متعمليش نفسك عبيطه.
فتنهدت مريم وقالت : اطمني... ملمسنيش... اساساً هو نام على الكنبة وانا وابني في الاوضه.
رفعت الهام حاجبها وقالت بدهشة : معقول ادهم عزام السيوفي ينام على الكنبة !
مريم : وفيها ايه يعني ؛ مهو انسان زينا زيه ومش هينقص حته لو نام على الكنبة وبعدين متفكريش في حاجات مش هتحصل ابداً لان الراجل دا اتجوزني علشان ابنه وبس.
الهام : بس انتي بتحبيه يا مريم.
فقالت مريم بنبرة حزينة : بحبه اه بس مقدرش اسامحه على اللي عمله فيا ... هو جرحني اوي يا الهام .
الهام : متزعليش مني يا مريم بس الحق عليكي انتي... يعني لو كنتي قولتي للراجل انك عايزه الفلوس علشان اختك الله يرحمها تعمل العملية جايز محصلش كل دا وكان من الممكن ان نظرته ليكي تبقى مختلفه بس انتي اللي اخترتي مصيرك بنفسك.
فنزلت دمعة مريم وقالت : انا عارفه اني غلطت لما رخصت نفسي قدامه بس والله العظيم انا كنت عايزه اقوله قبل ما.... بس هو ضربني ألم ومسمعش انا كنت عايزه اقول ايه.
قالت ذلك وتذكرت كيف صفعها ادهم في قبل سنوات عندما تزوجته اول مرة ؛ اي عندما كانوا في الفيلا الخاصة به ؛ وقتها كانت تريد ان تخبره انها تريد النقود لأجل انقاذ اختها ولكنه صفعها في غرفة النوم قبل ان تتمكن من اكمال جملتها وذلك ما جرحها كثيراً .
انتشلتها الهام من افكارها حين قالت : بس دلوقتي الوضع اتغير يا مريم... يعني انتي تقدري تقوليله انك عملتي كل حاجة علشان اختك مش علشان الفلوس وانا متأكدة انو هيصدقك لانك رجعتي الفلوس قبل ما نسافر.
هزت مريم رأسها نفياً ومسحت دموعها ثم قالت : لأ .. خلاص مابقتش فارقة معايا لو كان فاكر اني بعت نفسي علشان الفلوس او علشان حاجة تانية... اساساً هو مش بيحبني وانما كان عايز يمتلكني وبس.
الهام : ايه اللي بتقوليه دا ؟!
مريم : متستغربيش لان هو اللي قال الكلام دا.
فتنهدت الهام وقالت : انتي غلطانه يا مريم... يعني لو تفكري شوية تعرفي ان ادهم عزام السيوفي بيعتبرك مميزة وغير عن كل الستات والدليل على كلامي انه جيه هنا من اربع سنين علشان انتي طلبتي تقابليه وجايز لو مكنتيش طلبتي الطلاق مكنش طلقك ابداً.
في تلك اللحظة اخذت مريم تفكر بكلام الهام وشعرت في اعماق قلبها ان ما تقوله صديقتها صحيح ولكنها لم تشاء ان تصدق الامر لان ادهم طلقها بالفعل وغادر بكل برود ولو كان يحبها حقاً لما فعل ذلك او كان اتصل بها ولو لمرة واحدة على الاقل خلال السنوات الماضية ولكنه لم يفعل... فتنهدت وقالت : خلاص... اقفلي على الموضوع دا دلوقتي وقوليلي هتعملي ايه بعد ما انا ارجع مصر ؟
تنهدت الهام بعمق واردفت : هرجع معاكي انا كمان.
اتسعت عينا مريم عندما سمعت ذلك وسألتها بدهشة : وتسيبكي كل حاجة هنا ؟
الهام : انتي عارفه اني مقدرش ابعد عنك انتي وادهم الصغير... وبعدين يعني لحد امتى هفضل متغربه عن اهلي بالشكل دا ، اظن ان جيه الوقت علشان ارجع بقى.
مريم : طيب وخالد يا الهام... عايزه تتخلي عنو بجد دا انتي بتحبيه اوي .
الهام : ايوا بحبه وبموت فيه كمان بس الظاهر ان هو مش هيحس بيا ابداً ويعني مقدرش استناه لغاية ما يحس بيا يعني العمر ماشي بسرعة ولو كان ليا نصيب مع خالد فهو هيعرف يلاقيني في مصر .
فتنهدت مريم وقالت : فكري يا الهام... معقول تسيبي كل حاجة تعبتي علشانها وترجعي بالسهولة دي ؟
ابتسمت الهام ابتسامة مريرة واجابت : ما انا عملت كدا من زمان وسبت كل حاجة في مصر علشان اجي هنا وهقدر اعمل كدا مرة تانية علشان ارجع بلدي...اساساً بابا كلمني امبارح وحسيت من طريقة كلامه انه عايزني ارجع مصر وبصراحه انا زهقت من البلد دي.
فامسكت مريم بيدها وغمغمت : طيب يا حبيبتي... انا مش هقولك غير اسمعي صوت قلبك لانه هيدلك على الصح دايماً.
الهام : وقلبي بيقولي اني لازم ارجع بلدي.
في تلك اللحظة سمعن صوت باب الشقة يُفتح فابتسمت الهام واستطردت قائلة : الظاهر ان جوزك رجع.
أنكمش قلب مريم ونهضت من مكانها عندما سمعت ذلك ثم دخلت إلى غرفة المعيشة فوجدت ادهم قد عاد بالفعل اما هو فنظر اليها وقال بدون مقدمات : احنا هنرجع مصر بكرا.
اتسعت عيناها وسألته : مش على اساساً هنحتاج اسبوع لغاية ما الاوراق تجهز ؟
ادهم : متشغليش بالك انتي في الحجات دي لاني زبطت كل حاجة وهنرجع بلدنا بكرا.
في تلك اللحظة دخلت الهام ايضاً وسألته : ازاي حضرتك يا ادهم بيه ؟
فنظر إليها وقال : الحمد لله.
ثم اضاف قائلاً لمريم : معندناش وقت كتير علشان كدا وضبي شنطتك وشنطة ادهم واعملي كل اللي انتي عايزه قبل ما نرجع .
فسألت الهام : هترجعوا امتى ؟!
نظرت إليها مريم وقالت : حضرتوه عايزنا نرجع بكرا.
الهام : يبقى انا هقدم استقالتي النهاردة علشان اقدر ارجع معاكي.
فنظر ادهم اليها بتعجب وسألها : هترجعي انتي كمان ؟
الهام : ايوا يا فندم...اصلي بصراحة مقدرش ابعد عن مريم.
أعجب ادهم بالصداقة القوية التي تجمع بين مريم والهام وقال : كويس.
ثم نظر إلى زوجته وسألها : فين ادهم ؟
فتنهدت وقالت : نايم جوا.
ادهم : هروح اطمن عليه.
قال ذلك ثم دخل إلى الغرفة اما الهام فنظرت إلى مريم وقالت : وانا هروح الشركة بقى علشان اقول لخالد اننا هنرجع مصر بكرا وبعدها هرجع علشان اوضب شنطتي.
أومأت لها مريم برأسها قائلة : اوك.
- وبالفعل خرجت الهام من الشقة وذهبت إلى الشركة فكتبت استقالتها ثم توجهت نحوه مكتب خالد ، وقبل ان تدخل اخذت نفساً عميقاً ثم طرقت الباب ودخلت فابتسم هو فوراً عندما رأها ونهض قائلاً : والله انتي بنت حلال... من شوية كنت هتصلك.
ابتسمت الهام بحزن وقالت : خير ..في حاجة ؟
خالد : اقعدي علشان نتكلم.
فجلست الهام مقابلاً له وقال : بصراحة عايز اكلمك في موضوع مهم.
قاطعته الهام : من فضلك خليني اتكلم الاول.
فابتسم واردف : اوي اوي.. اتفضلي.
وضعت استقالتها امامه وقالت : دي الاستقالة بتاعتي.
في تلك اللحظة تغيرت ملامح وجه خالد وسألها بدهشة : عايزه تستقيلي يا الهام ، طيب ليه ؟!
الهام : عايزه ارجع مصر مع مريم وهنسافر بكرا.
خالد : ه.. هترجعي مصر !
الهام : بصراحة جيه الوقت علشان ارجع عند اهلي واكمل حياتي معاهم .
خالد : انتي متأكدة انك عايزه ترجعي ؟
الهام : ايوا...اساساً انا مقدرش ابعد عن مريم وابنها وبما انها هترجع فانا هرجع معاها لانها هي السبب اللي خلاني اجي هنا يعني لا مؤاخذة لولا مريم كنت رجعت مصر من زمان ، وكمان بابا عايزني ارجع وقال ان مش كويس افضل قاعدة لوحدي هنا بما اني بنت وانا لاقيت ان كلامه صح.
شعر خالد بخيبة أمل كبيرة عندما قالت له الهام ان سبب تواجدها في نيويورك هو مريم فحسب لذا تراجع عما كان سيقوله وابتسم ابتسامة مريرة ثم اردف برباطة جأش : بما انك قررتي انك ترجعي فانا هحترم قرارك ومش هقولك غير اني بتمنالك كل خير في مصر .
فنظرت اليه بنظرة حزينة ولكنها ابتسمت وقالت : متشكره... قولي بقى انت كنت عايز تقولي ايه ؟
خالد : متشغليش بالك.... كنت هسألك عن مريم لاني مشفتهاش بعد اخر مرة كنا فيها في المستشفى.
الهام : هي كويسه... ما انت عارف انها بتحب جوزها بس بتكابر وانا متأكدة انها هتبقى احسن بعد ما ترجع مصر.
خالد : ان شاء الله.
وحملت الهام حقيبتها ثم نهضت قائلة : يبقى انا همشي دلوقتي لان لازم اروح اجهز نفسي .
فنهض خالد ايضاً ثم قال : اوك.
ومد يده لكي يصافحها قائلاً : بتمنى انك اتخذتي القرار الصحيح يا الهام.
صافحته قائلة : انا متأكدة ان اللي بعمله هو الصح.
فابتسم حتى يخفي حزنه وقال : يبقى خلاص ، بتمنالك التوفيق والنجاح في حياتك.
فبادلته الهام الابتسامة وقالت : متشكره... ودلوقتي عن اذنك.
قالت ذلك ثم غادرت مكتبه وهي تشعر بألم كبير في قلبها كما كان حال خالد كذلك حيث انه شعر بقلبه يتمزق ولكنه قرر ان يحترم قرارها الذي اتخذته .
تسارع في الاحداث.......
مر الوقت سريعاً واخيراً عادوا إلى مصر ...فنزلوا من الطائرة وكانت مشاعر مريم مضطربة للغاية حيث انها شعرت بالحزن الشديد فوراً عندما تذكرت كيف هاجرت هذه البلد منذ ما يقارب الخمس سنوات وكيف انها هربت إلى الجهة الأخرى من العالم فقط لتتخلص من حزنها ؛ ذرفت الدموع بصمت وهي تحمل ابنها الذي كان مستمتعاً بعد نزوله من الطائرة التي استقلها لأول مرة بينما كان والده ينظر إليها بتمعن وشعر بحزنها وادرك انها تذكرت اختها التي ماتت وهي برعم صغير لم يشبع من الحياة ، اما الهام فكانت سعيدة برجعتها وفي نفس الوقت كانت حزينة لانها تخلت عن خالد وقررت بدأ حياة جديدة في بلدها .
وعندما خرجوا من المطار كانت سيارة ليموزين سوداء بأنتظارهم وكان سائقها سمير ابن العم محمود واقفاً والبسمة ظاهرة على وجهه ، فركض نحوهم بسرعة وقال : حمد لله على السلامه يا ادهم بيه.
ثم التفت إلى مريم التي كانت تحدق به وعرف انها هي زوجة ادهم التي حدثهم كمال عنها لانها كانت تحمل طفلاً فقال بنبرة سعيدة : نورتي يا ست هانم.
مريم : متشكره.
سأله ادهم : اهلي عاملين ايه يا سمير ؟
فابتسم سمير قائلاً : دول هيطيروا من الفرح يا فندم خصوصاً بعد ما كمال بيه قال لهم ان حضرتك عندك ابن.
فلاش باك.......
عندما عاد كمال الى مصر توجه فوراً إلى منزل عائلة السيوفي فرحبت به زوجته رغد بسعادة حيث عانقته قائلة : نورت يا حبيبي.
ابتسم وعانقها بدوره قائلاً : بوجودك يا روح قلبي... عامله ايه ؟
فابتسمت رغد وابتعدت عنه قائلة بغنج : بقيت كويسه بعد ما شفتك.
فامسك يدها وطبع عليها قبله ثم لمس بطنها المنتفخ قليلاً وسألها : اميرتي الصغيرة اخبارها ايه ؟
ابتسمت واجابت : هي كمان كويسه بس بقت شقية شوية وبتعذبني.
قبلها على جبينها واردف : معلش يا روحي ، استحملي مفضلش غير خمس شهور وهتنورنا بنتنا الحلوة.
رغد : ان شاء الله.
كمال : قوليلي بقى فين طنت كوثر ومعاذ ؟
فاحاطت رغد يديها حول ذراعه وقالت : جوا... تعالى خلينا ندخل.
وعندما دخلوا المنزل حيث كان افراد العائلة جالسين قال كمال : مساء الخير.
فابتسمت السيدة كوثر وقالت : كمال ؛ ارجعت امتى يا حبيبي وفين ادهم ؟!
فجلس كمال قائلاً : ادهم فضل في نيويورك يا طنت وانا رجعت النهاردة.
عقد معاذ حاجبيه وسأله : وهو فضل هناك ليه ؟
كمال : يا جماعة في حاجة حصلت وانا رجعت علشان اقولكوا عليها.
فقالت السيدة كوثر بقلق : خير ان شاء الله...
فابتسم كمال قائلاً : متخفيش يا طنت ، خير .
فقالت سلوى : شوقتنا يا كمال.
رغد : ايه اللي حصل يا روحي ؟
كمال : يا جماعة ادهم اتجوز.
فقال الجميع في آن واحد : ايه !
ثم انهالوا عليه بالاسئلة فضحك قائلاً : اهدوا وانا هحكيلكوا على كل حاجة.
- ثم اخبرهم ان ادهم كان متزوجاً من قبل ولكن الظروف قد اجبرته على ان يطلق زوجته وانه اكتشف حديثاً بأن لديه ابن لذا تزوج الفتاة مجدداً وسوف يعودون إلى مصر في القريب العاجل... فكانت فرحة العائلة لا توصف وخصوصاً السيدة كوثر التي كادت ان تطير من الفرح لمعرفة ان لديها حفيد من ابنها البكر فلم تتمالك نفسها لذا نهضت وزغردت بأعلى صوتها بينما كانت البسمة تعلو وجوه الاخرين.... وسرعان ما اصدرت اوامرها بتجهيز غرفة لحفيدها بأسرع مايمكن.
نهاية الفلاش باك.......
كانت مريم جالسة في سيارة الليموزين بجانب صديقتها الهام وهي تحتضن ابنها بينما كان ادهم جالساً على المقعد الاخر... فقال : هنوصل الهام الاول وبعدها نروح البيت.
فقالت الهام : متشكره يا ادهم بيه... تعبتك معايا.
اجابها ببرودة اعصاب : مفيش تعب... اساساً مش انا اللي بسوق العربيه.
اما مريم فقالت : ابقي سلمي على مامتك وبباكي يا لولو... اصلي مش هقدر اروح اسلم عليهم دلوقتي.
فابتسمت الهام واردفت : متقلقيش يا حبيبتي... انا هوصل لهم سلامك.
تسارع في الأحداث .......
وبالفعل اوصلوا الهام الى منزلها فكانت فرحة والديها بعودتها لا توصف اما هم فذهبوا الى قصر عائلة السيوفي العريق حيث كان الجميع ينتظرون قدوم ادهم وزوجته على احر من الجمر... وعندما نزلوا من السيارة.. فتحت مريم فمها لشدة فخامة المنزل فهو كان اشبه بالقصر حرفياً تتحوطه الاشجار والورود وكاميرات المراقبة في كل مكان وقد اعجبها كل شيء فيه ابتداءً من البوابة الرئيسية حتى الحديقة الكبيرة وحمام السباحة الى مدخل المنزل .
اما عائلة ادهم فقد استقبلوها هي وابنها بترحيب لا يمكن وصفه فهرعت السيدة كوثر نحوهم وقالت وهي تبكي بسعادة غامرة : الف حمد الله على السلامة... نورتي يا بنتي.
ابتسمت مريم فوراً عندما رأت هذه السيدة الطيبة التي كان وجهها يشع نوراً وقالت : الله يسلمك يا طنت.
فنظرت السيده كوثر الى ادهم الصغير الذي كان نائماً في حضن امه وسألت : هو دا حفيدي مش كدا ؟
فابتسم ادهم وقال : ايوا يا ماما... دا ابني ادهم ودي مريم... مراتي.
قال ذلك ثم نظر إلى مريم واضاف : مريم... دي امي واللي جنبها دي تبقى اختي الصغيرة رغد مرات كمال ودا اخويا معاذ ومراته سلوى.
فابتسمت مريم قائلة : اتشرفت بمعرفتكوا يا حضرات.
فقالت رغد : الشرف لينا يا مريم..
اما سلوى فابتسمت قائلة : بسم الله ما شاء الله.... انتي حلوه اوي.
مريم : تسلمي يا سلوى هانم.
سلوى : لأ بلاش هانم دي.. قوليلي بس سلوى احنا بقينى عيلة وحده خلاص .
اما معاذ فقال : سلوى عندها حق... يعني انتي بقيتي وحده مننا.
اما السيدة كوثر فاقتربت منها وقالت : من فضلك يا بنتي ؛ اديني الواد اصلي هموت على ما احضنه.
فابتسمت مريم قائلة : متقوليش كدا يا طنت... دا ابن ابنك ومن حقك تشيليه زي ما انتي عايزه.
قالت ذلك ثم اعطتها ادهم الصغير فحملته جدته وسرعان ما بدأت تقبله وهي تذرف الدموع بينما كان الجميع ينظر إليها... اما رغد فقالت : قوليلي بقى يا مريم انتي عندك كام سنه باين عليكي صغيرة.
ارادت مريم ان تجيبها ولكن ادهم سبقها قائلاً : عندها 25 سنه.
فنظرت اليه ولكنها لم تعلق اما معاذ فقال : في فرق عشر سنين بينكوا !
ادهم : ايوا.
واردفت السيده كوثر : قولولي بقى انتوا ليه خبيتوا موضوع زواجكوا عن الكل ؟
ارتبكت مريم ونظرت إلى ادهم اما هو فنظر اليها وتنهد قائلاً : انا السبب يا ماما...بصراحة دي حكاية قديمة وانا هحكيهالكوا.
في تلك اللحظة شعرت مريم بالتوتر الشديد بينما قال ادهم : مريم كانت موظفة في شركتي من خمس سنين تقريباً يعني لما كان عمرها 21 سنه ولانها كانت شاطره اوي في شغلها انا عينتها السكرتيرة بتاعتي وبعد كدا لاقيت انها البنت المناسبة علشان كدا طلبت ايدها بس هي كانت خايفه ان الناس تنتقدها لو اتجوزتني عشان كدا قررنا اننا نتجوز من غير محدش يعرف وفعلاً اتجوزنا بس حصل سوء تفاهم بينا وبسببه طلقتها وهي سابت الشغل في الشركة وسافرت نيويورك ومكانتش تعرف انها حامل بس لما عرفت مكانتش عايزه تحملني المسؤولية علشان كدا خبت موضوع حملها عني وهو دا الغلط الوحيد اللي عملته .
قال ذلك ثم نظر اليها حيث كانت تحدق به بغرابة دون ان تقول اي شيء ثم اضاف قائلاً : وبعد كدا هي خلفت ادهم الصغير في الشهر السابع وقدرت تربيه لوحدها ومكانتش متخيله انها هتقابلني تاني وانا اكتشفت ان عندي ابن من كام يوم بس... وبعدها قررنا اننا نتجوز مرة تانية علشان ابننا يكبر في وسطنا وهي دي كل الحكاية.
فتنهدت السيدة كوثر وقالت : مكنش لازم تخبي حملك عن ادهم ابداً يا بنتي بس اللي حصل حصل بقى واهم حاجة انكوا عملتوا الصح لما رجعتوا لبعض لان زي ما قال ادهم ان ابنكوا لازم يتربى وسطكوا.
فقالت مريم : انا....
لم تكمل لان ادهم امسك يدها وضغط عليها ؛ نظرت اليه بتساءول فهز رأسها بالنفي لذا عرفت انه لا يريدها ان تقول الحقيقة لذا تنهدت وقالت : انا اسفه يا طنت... بس كنت صغيرة وقتها وافتكرت اني بعمل الصح.
السيدة كوثر : ولا يهمك يا حبيبتي واهم حاجة انك قررتي تخلفي وما نزلتيش الجنين زي ما بيعملوا معظم البنات.
فقالت سلوى : طنت كوثر عندها حق واهم حاجة ان عيلتنا زادت اتنين دلوقتي.
فابتسم معاذ قائلاً : فعلاً يا مريم انتي متتخيليش احنا فرحانين قد ايه لانك خلفتي ابن اخويا.
فقالت مريم : انا عمري مفكرتش انزله لان... لان بصراحة هو كان الامل اللي بعيش علشانوا.
فسألتها رغد : طيب وعيلتك رأيهم ايه في الموضوع دا ؟
في تلك اللحظة تغيرت تعابير وجه مريم وغمغمت : بابا وماما.... تعيش انتي.
رغد : انا اسفه.
اما السيدة كوثر فقالت : البقاء لله يا بنتي وربنا يرحمهم.
مريم : تسلمي.
فاراد معاذ ان يغير الموضوع إذ قال بمرح : بس تصدقوا يا جماعة ؛ انا مكنتش متخيل ان ادهم هينسى ميرا ويتجوز ...برافو عليكي يا مريم قدرتي توقعيه .
في تلك اللحظة شعرت مريم بيد ادهم تضغط على يدها بينما قال هو بحدة : معاذ... متجبش سيرة البنت دي تاني كلامي واضح ؟
فقال معاذ بتوتر : انا اسف يا ادهم.
اما مريم فنظرت إلى زوجها الذي بدى عليه الغضب من شقيقه بعد ان نطق اسم تلك الفتاة " ميرا " فقالت في نفسها : ميرا.. تطلع مين البنت دي وهو ليه مش عايز يسمع اسمها ؟
وبينما كانت تفكر سمعت صوت السيدة كوثر تقول : خلاص يا ولاد... ادهم انتوا لازم تستريحوا دلوقتي علشان كدا خد مراتك واطلعوا الاوضه وانا هبقى انيم ادهم الصغير في الاوضة بتاعته .
هب ادهم واقفاً وقال : ماما عندها حق... انتي تعبتي اوي علشان كدا خلينا نطلع نريح شوية.
فنظرت اليه مريم وابتلعت ريقها من شدة التوتر لمجرد انها تخيلت نفسها معه في نفس الغرفة فلم تعرف كيف تتصرف وخصوصاً لانه امسك بيدها واضاف : يلا بينا.
شعرت بجسدها يخونها ولم تستطيع الحراك الامر الذي جعله يدرك انها متوترة لذا اقترب منها وهمس في اذنها قائلاً : لازم نقعد في نفس الاوضه لاننا متجوزين يا مريم ولو معملناش كدا اكيد عيلتي هيسألوا عن السبب وانا مش عايزهم يعرفوا ايه اللي حصل.
فنظرت اليه وسرعان ما اشاحت بنظرها وقالت : عن اذنكوا يا جماعة.
ثم ذهبت برفقة ادهم الى غرفته وكان قلبها ينبض بسرعة فائقة من شدة التوتر.... وعندما دخلا الى الغرفة اغلق ادهم الباب ثم التفت اليها ....
يتبع.........
قراءة ممتعة للجميع ♡
- ذهبت مريم برفقة ادهم الى غرفته وكان قلبها ينبض بسرعة فائقة من شدة التوتر ، وعندما دخلا الى الغرفة اغلق هو الباب ثم التفت اليها حيث كانت تعطيه ظهرها وتفرك يديها بتوتر شديد فابتسم ولم يقل شيئاً بل خلع سترته ومر من جانبها قائلاً : من هنا ورايح احنا هنقعد في الاوضة دي مع بعض ، يعني دي بقت أوضتك انتي كمان وتقدري تعملي فيها كل اللي انتي عايزه .
قال ذلك بينما كان جالساً على الاريكة الفاخرة يفك رباطات حذائه فنظرت اليه وقالت بتلعثم : م.. ممكن اعرف انت ليه خبيت الحقيقة على عيلتك ؛ كنت تقدر تقولهم السبب الحقيقي اللي اتجوزنا علشانه ومكنش في داعي انك تكدب عليهم وتخترع حكاية ملهاش اساس .
فنهض ادهم ثم نظر اليها بجدية وقال : اولاً انا مخترعتش اي حكاية يعني انا قولت ايه اللي حصل بس بطريقة غير مباشرة وبعدين انا عارف بعمل ايه علشان كدا متفتحيش السيرة دي قدام اي حد انتي سامعه ؟
قال ذلك ثم فك اول زرين من قميصه فظهرت في عنقه سلسلة فضية ولكن مريم لم تتمكن من رؤيتها لانها اشاحت بنظرها عنه بسرعة بينما تابع هو قائلاً : ودلوقتي هخش اعمل شاور وبعدها ... هنكمل كلامنا.
قال جملته الاخيرة بصوت هامس وكأنه يحاول ان يوصل لها رسالة بكلامه المعقد فارتبكت ورمشت عدة مرات ثم اخذت تحرك نظرها في ارجاء الغرفة بينما ابتسم هو وخلع قميصه ثم دلف الى الحمام ، وما ان اغلق الباب حتى تنفست بعمق ووضعت يدها على صدرها قائلة في سرها : يا دي المصيبة... هعمل ايه دلوقتي ؛ ازاي هقدر اقعد معاه تحت سقف واحد ؟!
- وبينما كانت تتحدث مع نفسها سمعت صوت انسياب الماء صادر من الحمام المرفق بالغرفة ، فاستغلت الفرصة ثم تابعت استكشاف غرفة نومه التي تغيرت تغيراً جذرياً بأمر من السيدة كوثر لتصبح عش زوجية بعد أن كانت غرفة كئيبة وقد كانت واسعة جداً تتميز بديكور أنيق وهاديء تغلب عليه لمسة كلاسيكية واثاث ومنسوجات تأخذ الطابع الإمبراطوري العثماني العريق حيث كان السرير كبير ومصنوع من اغلى انواع الخشب " خشب المهوجاني " وظهره من الجلد الاصلي باللون البني الغامق الفاخر وعليه مفروشات حريرية مطرزة باللون الكريمي الممزوج بالذهبي وكانت في غاية الجمال والروعة ، اما الخزانة فكانت عملاقة تغطي معضم الحائط مصنوعة من نفس نوعية الخشب وفي الجهة الأخرى كانت مرآة طويلة مزخرفة ملتصق بها طاولة تزين باربعة ادراج كان عليها عدة زجاجات من العطور بانواع واشكل مختلفة وبعض الكريمات الخاصة بالرجل ، كما ان الستائر كانت طويلة وتتمتع بأناقة وفخامة وترف ألوان الاحمر البرغندي الغني کلون النبيذ المعتق لتعطي الغرفة اجواء رومانسية مع ثرية كريستالية ضخمة معلقة في السقف ينبعث منها شعاع ذهبي ساحر ينعكس على تلك السجادة الخمرية العملاقة التي اتخذت من ارضية الغرفة الرخامية موقعاً لها وحولها ثلاث أرائك مصنوعة من نفس نوعية خشب السرير بمفروشات مخملية فاخرة باللون الكريمي الممزوج بالذهبي وطاولة خشبية مربعة الشكل عليها اناء زهور فاح عبيرها في ارجاء المكان ، كما كانت الجدران ملبسة باجود وافخر انواع ورق الحائط الذي تغلب عليه عذوبة اللون الفضي الفاخر الذي يتعانق مع اللون الابيض معلقاً على احداها تلفاز كبير شاشتة رقيقة جداً ، بالاضافة إلى الشرفة الواسعة والتي عليها ارجوحة ومقاعد مريحة مصنوعة من القش وطاولة زجاجية .
فاخذت تجوبها بنظراتها التي غلبت عليها الدهشة لفخامة الديكور وقالت : بسم اللّه ما شاء الله... ايه العز دا كله ؛ دي أوضة نوم ولا متحف ؟!
- وبينما كانت تستكشف الغرفة التي ستعيش فيها منذ الان فصاعداً وقع نظرها على طاولة التزين فاقتربت منها ثم امسكت احدى زجاجات العطر الخاصة بزوجها ادهم ؛ رفعت الغطاء عنها ثم قربته من انفها فأغمضت عينيها وابتسمت ابتسامة واسعة وكأنها مدمن مخدرات اخذ حقنة وسببت له النشوة ، فابعدت غطاء الزجاجة عن انفها ثم اعادتها مكانها وبعدها اقتربت من الخزانة ... فتحتها واخذت تحدق بملابس حبيبها الفاخرة والتي كان معظمها باللونين الأبيض والأسود فمررت اصابعها على القمصان المرتبة حسب درجات الالوان ابتداءً من الابيض مروراً بالازرق الفاتح يليه الكحلي ثم الاسود ... وبعدها فتحت الشقة الاخرى حيث كانت البدلات الرسميّة المصنوعة من افخم انواع الاقمشة ومن تصمصم اشهر المصممين المحترفين وتساءلت بصوت خافت : هو ما بيلبسش غير الالوان الغامقة ولا ايه ؟
في تلك اللحظة سمعت مقبض باب الحمام يدور لذا انتابها التوتر فوراً فاغلقت الخزانة بسرعة ولم تعرف الى اين تذهب وسرعان ما خطرت على بالها فكرة غبية حيث انها استلقت على السرير وادعت النوم ؛ اما ادهم فخرج من الحمام وهو يرتدي روب الاستحمام الذي كان باللون الكحلي بينما كان ينشف شعره بمنشفة اخرى فابتسم تلقائياً عندما رآها مستلقية على سريره وتعطيه ظهرها ، ادرك على الفور انها تكذب فلم يعلق بل فتح خزانته واخذ يرتدي ملابسه بينما كانت هي تغمض عينيها بشدة وقد شعرت بقلبها يهوي خصوصاً لانه رمى المنشفة بجانبها على السرير فبدأت دقات قلبها تخفق بسرعة فائقة .
سرعان ما ارتدى ادهم ملابس عادية ومريحة مكونة من بنطال اسود وتيشرت رمادية ضيقة تبرز عضلات بطنه وكانت بأكمام طويله ثم امسك زجاجة العطر التي امسكتها مريم سابقاً ورش منها رشتين ثم اعادها الى مكانها والتفت الى تلك الكاذبة التي كانت تستلقي على سريره وتتنفس بسرعة فابتسم ثم قال بصوت رزين : انا هطلع دلوقتي علشان تعملي شاور براحتك والعشا هيبقى الساعة تمانيه ؛ متتأخريش .
قال ذلك ثم تحرك نحو باب الغرفة بخطوات رزينه وما ان خرج حتى فتحت مريم عينيها ثم اعتدلت بجلوسها على السرير وتنفست الصعداء قائلة : يا دي الكسفة... دا كان عارف اني مكنتش نايمة بس كدا احسن بكتير دلوقتي هقدر اتصرف على طبيعتي وهخش اعمل شاور بقى .
قالت ذلك ثم توجهت نحو حقيبة سفرها التي كانت في الزاوية بالقرب من الباب ثم حملتها ووضعتها على السرير وبعدها فتحتها واخذت تحدق بملابسها محتارة ما الذي يجب ان ترتديه على العشاء برفقة عائلته زوجها فهي ارادت ان تظهر امامهم بمظهر لائق ومحترم ، لذا اخرجت فستان اسود بسيط يصل الى حد الركبة باكمام طويلة مخرمة بالاضافة الى ملابسها الداخلية والشامبو الخاص بها ثم دلفت إلى الحمام الفاخر ؛ وضعت ملابسها جانباً واخذت تحدق بأرجاء المكان كما لو انها لم ترى حماماً من قبل فقالت بدهشة : هو دا حمام ولا ايه بالزبط ؟
وفي الاسفل حيث كان افراد عائلة السيوفي مجتمعين في غرفة المعيشة اقترب ادهم منهم وجلس مقابلاً لامه قائلاً : مريم هتنزل بعد ما تعمل شاور.
فابتسمت السيدة كوثر وقالت : مراتك باين عليها بنت حلال.. برافو عليك يا ابني عرفت تنقي .
اما رغد فقالت : قولي يا ادهم ...ايه شعورك بعد ما اتجوزت اخيراً وبقى عندك ابن ؟
فتغيرت تعابير وجه ادهم واصبحت جدية حيث قال : عارفه الشعور الحلو اللي يبقى معاه شعور الخوف والقلق.. هو دا شعوري دلوقتي ، انتي اكيد تعرفيه لأنك هتبقي ام بعد خمس شهور.
فسأله معاذ بقلق : ليه بتقول كدا يا ادهم ؟
اجابه ادهم : لان ابني خلق قبل آوانه يا معاذ يعني النمو عنده بطيء علشان كدا حجمه صغير اوي ، وكمان هو عمل عملية من كام يوم بس وكان من الممكن يجراله حاجه علشان كدا انا خايف عليه جداً اما مريم... فهي عاشت برا مصر لفترة طويلة وانا خايف انها مش هتقدر تتأقلم هنا وخصوصاً لانها لسه صغيرة .
فابتسمت سلوى قائلة : خوفك دا شيء طبيعي يا ادهم علشان انت اكتشفت ان عندك ابن من فتره قصيرة بس وكمان بقيت راجل متجوز دلوقتي و مسؤوليتك كبرت يعني طبيعي انك تقلق ...بس انا متأكدة ان الجاي هيبقى احلى لان مريم باين عليها بنت طيبة اوي ، دي حتى سمت ابنكوا على اسمك ودا لوحده دليل على انها بتحبك جداً .
في تلك اللحظة شرد ادهم بفكره واخذ يفكر بكلام سلوى فقال في سره : اه صحيح... هي مريم ليه سمت ابننا على اسمي ؛ كانت تقدر تسميه اسم تاني يبقى ليه اختارت تسميه بنفس الاسم ؟
وبعد تفكير تساءل : معقول تكون بتحبي زي ما قالت سلوى ؟!
وبينما كان يفكر قطع حبل افكره صوت امه التي قالت : متقلقش يا ابني...وزي ما قالت سلوى ان قلقلك دا شيء طبيعي واهم حاجة دلوقتي ان اخيراً بقى عندي حفيد هينور حياتنا .
في تلك اللحظة شعرت سلوى بالحزن حيث انها لم تنجب اي طفل خلال سنوات زواجها الستة فظهر ذلك على وجهها بينما كان حال زوجها معاذ كحالها وقد انتبه عليها فامسك بيدها قائلاً بهمس : متزعليش يا روحي.. دا امر ربنا وانتي مالكيش ذنب .
فقالت بصوت خافت : ونعم بالله.
بينما سأل ادهم اخته : امال فين جوزك انا مشفتوش من ساعة ما جينا.
فقالت رغد : هو قال ان عنده شغل وجايز يتأخر عشان كدا قال لي افضل عندكوا الليلة دي وهو هيجي يروحني بكرا الصبح.
وفي تلك الاثناء نزلت مريم من الغرفة وكانت جميلة كالعادة بذلك الفستان الأسود البسيط وتسريحة شعرها الناعمة كما انها لم تضع اي مستحضرات تجميل بل تركت جمالها الطبيعي يُظهر أنوثتها وبرائتها ؛ توجهت نحوهم بخطوات بطيئة وقالت بصوت مرتبك : مساء الخير يا جماعة.
فنظر الجميع اليها وابتسموا بينما ردت عليها السيدة كوثر قائلاً : مساء النور يا حبيبتي... تعالي اقعدي جنبي علشان ابصلك كويس .
شبكت مريم يديها ببعضهما ثم نظرت تلقائياً إلى ادهم الذي كان يحدق بها بهدوء وبنظرات تحمل الكثير من التساؤلات مما جعلها ترتبك اكثر لذا اشاحت بصرها عنه بسرعة ونظرت الى السيدة كوثر وابتسمت بلطف قائلة : حاضر يا طنت.
قالت ذلك ثم جلست بجانبها باحترام فاخذت السيدة كوثر تثني على جمالها وامسكت ذقنها بلطف قائلة : بسم اللہ ما شاء الله...ايه الحلاوة دي كلها يا حبيبتي انتي تاكلي ايه علشان تبقي حلوه بالشكل دا ؟
شعرت مريم بالخجل يعتلي وجنتيها فابتسمت وغمغمت : ربنا يكرمك.. دي عينيكي الحلوه علشان كدا بتشوف كل حاجة حلوه .
ابتسمت رغد وقالت ممازحة : ايه دا ايه دا...الظاهر ان ست الكل نسيتني انا وسلوى بعد ما قابلتك يا مريم .
فضحكت السيدة كوثر وسألت : هي الغيرة اشتغلت ولا ايه ؟
اما سلوى فابتسمت بلطف واردفت : ماما كوثر عندها حق ؛ انتي حلوه اوي يا مريم واكيد بناتك هيبقوا حلوين زيك .
فنظرت مريم الى ادهم وارتبكت بعد قول سلوى وسرعان ما التفتت اليها قائلة : ميرسي يا سلوى دا انتي اللي حلوه بس بصراحة انا مبفكرش اني اخلف تاني.
في تلك اللحظة سمعت صوته الرجولي يقول : بس انا عايز كمان ولاد .
التفت الجميع اليه حيث كان جالساً على نفس الوضعية واضعاً قدمه اليمنى فوق اليسرى ويكتف ذراعيه ولم يتحرك شبراً واحداً ، ونظرت مريم اليه بصدمة شديدة بينما اضاف قائلاً : يعني ابني لازم يبقى عنده اخ او اتنين علشان يلعب معاهم وميحسش بالوحده مش كدا يا ماما ؟
ابتسمت السيدة كوثر وصفقت بيدها مرة واحده قائلة بحماس : طبعاً يا حبيبي ...دا هيبقى على قلبنا احلى من العسل.
قالت ذلك ثم امسكت بيد مريم واضافت : علشان كدا عايزاكي تخلفيلنا بنوته حلوه زيك يا حبيبتي ماشي.
احنت مريم رأسها لان الخجل وصل بها الى ذروته فاحمرت وجنتيها وضاق تنفسها فابتلعت ريقها ولم تعلق بينما قالت رغد : مخلاص بقى يا جماعة... انتوا مش شايفين ان مريم مكسوفه ؟
فابتسم معاذ قائلاً : وتتكسف ليه دا شيء طبيعي بما انها متجوزه .
في تلك اللحظة اتت وفاء ابنة العم محمود وقالت : العشا جاهز يا طنت كوثر .
فنظرت السيدة كوثر اليها وقالت : ماشي يا وفاء.. يلا بينا يا جماعة .
- فنهض افراد العائلة بمن فيهم مريم التي كانت ما تزال مصدومة بسبب ما سمعته من ادهم بشأن انجاب المزيد من الاطفال ثم توجهوا جميعاً الى غرفة المائدة حيث كانت مرتبة بشكلٍ جميل وعليها أشهى المأكولات والمشروبات بانواع مختلفه ؛ جلست السيدة كوثر على رأس الطاولة بينما جلس ادهم مقابلاً لها وبجانبه من جهة اليمين جلست مريم اما على جهة اليسار فجلس معاذ وبجانبه زوجته سلوى ومعهما رغد وكانت مريم تشعر بالتوتر يسيطر عليها ولم تستطيع رفع رأسها ابداً فنظر الجميع اليها وقال معاذ : متتكسفيش يا مريم.. انتي بقيتي وحده من عيلتنا دلوقتي يعني اتصرفي على طبيعتك.
فنظرت اليه وقالت : متشكره.
اما رغد فقالت : يلا يا جماعة اتفضلوا.
وبدأوا يتناولون طعامهم بينما كانوا يتحدثون بأمور مختلفه ويضحكون الا مريم وادهم حيث كانا يتناولا طعامهما بصمت... فهو كان يفكر بما قالته سلوى وان كانت مريم تحبه حقاً ام لا اما هي فكانت تشعر بالرعب بسبب ما قاله بشأن انجاب أطفال اخرين حيث ان الفكره ارعبتها جداً خصوصاً لان علاقتهما كانت معقدة للغاية.
وبعد العشاء جلسوا في غرفة المعيشة فقالت رغد : قوليلي بقى يا مريم... انتي خريجة ايه ؟
مريم : انا خريجة برمجة تطبيقات وهندسة إلكترونيّة بس محصلتش على فرصة علشان اشتغل في البرمجة لغاية دلوقتي .
معاذ : ازاي يعني ؟
فقال ادهم : هي كانت متدربه في شركتي بس اقبل ما تبقى مبرمجة عينتها السكرتيرة بتاعتي وبعدها هي سافرت نيويورك وبقت تشتغل في شركة تجارية .
نظرت مريم اليه ثم ابعدت نظرها واضافت قائلة : ايوا...انا اشتغلت مدققة حسابات في شركة صديق ليا وبعد كدا بقيت مديرة قسم المالية في الشركة بس اضطريت اني اقدم استقالتي علشان ارجع مصر.
فسألتها سلوى : ومش ناويه تشتغلي هنا ؟
ارادت مريم ان تتحدث ولكن ادهم سبقها بقوله : هي هترجع تشتغل في شركتي وهتبقى السكرتيرة بتاعتي مرة تانية .
نظرت مريم إليه وقالت بدون وعي : عايزني ارجع وابقى السكرتيرة بتاعتك ؛ احنا متفقناش على كدا.
فرمقها بنظرة حادة لانها نسيت نفسها وقال بصوت يغلبه الجمود : هنتكلم في الموضوع دا بعدين.
في تلك اللحظة انتبهت الى الاخرين الذين كانوا يحدقون بها ورمشت عدة مرات ثم نهضت قائلة : هروح اطمن على ادهم الصُغير ، هي فين الاوضة بتاعته ؟
فقالت السيدة كوثر : جنب الاوضه بتاعتك انتي وادهم.
فنظفت مريم حلقها لان وقالت : متشكره ، عن اذنكوا يا جماعة.
قالت ذلك ثم تحركت بخطوات سريعة نحو السلالم وصعدت الى الطابق العلوي بينما كان في قلبها امواج تسونامي تتخبط في جدران صدرها... اما ادهم فنهض ايضاً وقال : وانا كمان هطلع انام اصلي تعبان اوي... تصبحوا على خير.
رد البقية عليه : تلاقي الخير.
- ثم صعد إلى غرفة ابنه حيث كانت مريم جالسه بجانب الصغير على السرير بينما كان هو نائماً بعمق في ذلك الفراش المبهج بالنسبة للاطفال حيث كان عليه رسومات لأبطال خارقين كما ان غرفته كانت مليئة بالألعاب بأشكل وانواع مختلفه وكان يغلب عليها اللون الازرق السماوي والابيض ؛ وقف عند عتبة الباب يحدق بها وهي تربت على صدر ابنها بلطف بينما كانت شاردة الذهن وكأنها سافرت بخيالها الى مكان بعيد ولم تسمعه عندما تحدث سألها : عجبك البيت ؟
بل استمرت بشرودها بينما كان يتحدث معها الى حين اقترب منها ووضع يده القوية على كتفها... وحين شعرت به شهقت شهقة صغيرة وسرعان ما انتفضت من مكانها ونظرت اليه وقالت باندفاع : خضيتني يا ادهم !
سحب ادهم يده وقال : بقالي ساعة بكلمك وانتي مش سمعاني !
قالت بارتباك : انا ...انا... كنت...
فقاطعها حين امسك معصمها فجأة وقال : خلاينا نتكلم في الاوضه بتاعتنا لان ادهم ممكن يصحى لو سمع صوتنا .
قال ذلك وسحبها خارج غرفة ابنهما ثم دخلا الى غرفتهما فاغلق الباب وقال : لو عايزه تسألي عن حاجة فانا هجاوبك دلوقتي.
نظرت اليه بينما كان نفسها على وشك الانقطاع من شدة التوتر ولكنها استجمعت رباطة جأشها وسألته : ممكن اعرف كان لازمته ايه هزارك البايخ اللي قولته قدام اهلك ؟
رفع ادهم حاجبه الايسر وقال : هزار ، بس انا مهزرتش خالص.
مريم : قصدي موضوع الخلفة دا... حضرتك كنت تقصد ايه لما قولت انك عايز ولاد غير ادهم ؟
كتف ادهم ذراعيه واجابها بثقة : انتي كنتي فاكره اني بهزر ، لا يا مريم انا كنت بتكلم جد وجد اوي كمان.
قطبت مريم حاجبيها وقالت بتلعثم : ق.. قصدك... انت عايز ...
فقاطعها بقوله : ايوا..
فقالت باندفاع : بعينك ، انا مش هسمحلك تلمسني مرة تانية ابداً... علشان كدا متقربش مني خالص انت فاهم !
قالت ذلك وهي ترتجف اما هو فشعر بالحزن لانها كانت تخاف منه فسألها بصوت تشوبه الحسرة والندم : لسه بتخافي مني بعد اللي حصل ؟
ذرفت الدموع وقالت : وانت نسيت اللي عملته فيا ؛ انا مش هقدر اسامحك ابداً ولا هسيبك تقرب مني وحط كلامي دا حلقه في ودانك.
ادهم : بس اللي حصل زمان كان اتفاق بينا وانا اتجوزتك علشان تبقى علاقتنا شرعية ولا انتي نسيتي الكلام دا ؟
اجابته بصوت مجروح وينزف ألم : انسى ... انا عمري ما هنسى ازاي عاملتني زي الـ ... المجرمين علشان كدا انا مش هسامحك ابداً ولا هسيبك تقرب مني خالص .
فاقترب ادهم منها بخطوة واحدة وقال : بس دا حقي الشرعي بما انك مراتي .
اما هي فعادت خطوتين للوراء وقالت بنبرة متألمة : حقك الشرعي وانا مش عايزه اديهولك... ايه رأيك بقى واعلى ما في خيلك اركبه يا ادهم بيه .
بعد قولها ذاك شعر ادهم بقلبه يتمزق لان محبوبته بدت خائفة منه للغاية لذا لم يريد ان يضغط عليها اكثر فتنهد وقال : ماشي يا مريم... عاندي ﺑﺮﺍﺣﺘﻚ دلوقتي بس مصيرك ﻫﺘوقعي ﻓﻰ ﺍﻳﺪي ساعتها هتديني كل حقوقي انا بوعدك .
قال ذلك ثم خرج من الغرفة كلها بوجه متألم وملامح حزينة وذهب الى غرفة ابنه ، جلس بجانبه ثم قال بصوت خافت : هتسامحيني يا مريم... وبكرا هتشوفي .
اما هي فجلست على احدى الارائك وبدأت تبكي بصمت فوضعت يدها على صدرها وقالت : انا اسفه يا ادهم.. بس عمري ما هقدر انسى معاملتك القاسية اللي عاملتني بيها... انت جرحتني اوي حتى انك ضربتني ومسبتنيش اكمل كلامي ولا سمعت مني .
في منتصف الليل....
عاد ادهم الى غرفته فاغلق الباب بهدوء ثم التفت فوجد زوجته نائمة على الاريكة بعد ان بدلت فستانها بملابس النوم ، وقف يحدق بها بتمعن ثم تنهد واقترب منها بخطوات هادئة وسرعان ما حملها بلطف ووضعها على السرير ثم استلقى بجانبها واخذ يتأمل وجهها الذي يعشقه بتمعن وبعدها حرك يده اليمنى ليبعد خصلة من شعرها الناعم حيث التصقت على جبينها فتنهدت اثناء نومها وسرعان ما اقترب منها ثم خطف قبلة صغيرة من شفتيها واستمر بالنظر إليها حتى غلبه النعاس وسقط في النوم .
اما في مكان اخر وبعيداً عن قصر عائلة السيوفي.....
كانت الهام مستلقية في سريرها ولكن لم يغمض لها جفن طوال الليل لانها كانت تفكر بحبيبها الذي فارقته فنزلت دمعة مريرة من عينها وقالت في سرها : معقول هقدر انساك يا خالد ؛ ازاي هقدر انسى حب دام اربع سنين ويا ترى انت هتفتكرني لو تقابلنا تاني في يوم من الايام ؟
وفي صبيحة اليوم التالي .....
ً
اشرقت الشمس لتملأ الكون نوراً وضياء معلنة عن بداية صباح يوم جديد تنبعث منه رآئحة الاشتياق يمتلىء بالحنين ، ففتحت مريم عيونها ببطء حتى أستقر نظرها على سقف الغرفة وسرعان ما بدأت تتذكر احداث اليوم السابق ولم تستوعب بعد انه كان نائماً الى جوارها ، ولكنها ادركت اخيراً ان ذراعاً قوية مألوفة كانت تعانق خصرها وتتشبث بها فتجمدت مكانها واتسعت عيناها على وسعهما دون أن تجرؤ على الاستدارة الى الجانب الآخر من السرير ؛ حركت رأسها ببطء لتتوقف عينيها على التيشرت الرمادية التي كانت ملتصقة بصدره العريض وفتحتهما أكثر لترتفع بنظرها الى عنقه ثم ذقنه حتى توقفت اخيراً عند وجه حيث كان نائماً بعمق وهو يحتضنها .
كتمت شهقتها بيدها بينما كاد قلبها يفر هارباً من بين ضلوعها لشدة تسارع نبضاته حيث بدأ صدرها يعلو ويهبط جراء تنفسها الغير منتظم واخذت تحدق به بغير تصديق ؛ ارادت ان تنهض بسرعة ولكن سرعان ما لفتت نظرها السلسلة الفضية التي كانت معلقة حول عنقه ، فرمشت عدة مرات ثم استجمعت شجاعتها وحركت يدها ببطء شديد وامسكت السلسلة بينما كانت عيونها تراقب وجهه بترقب وحذر شديدين .
وما ان اصبحت بيدها واخرجتها من تحت التيشرت حتى تغيرت ملامح وجهها واتسعت عيناها وعقدت حاجبيها وسرعان ما فتحت القلادة الملتسقة بها لتصبح صدمتها اكبر حيث ظهرت امامها صورتها هي وشقيقتها مرام عندما كانتا اصغر سناً ، فتجمدت حركتها تماماً وشل لسانها عن الكلام محاولة ان تستوعب ما الذي تفعله قلادتها حول عنق ادهم عزام السيوفي فهي فقدتها منذ خمس سنوات تقريباً حتى انها نسيت امرها تماماً لذا حركت نظرها نحو ذلك الرجل الذي كان يعانقها وهو نائم بهدوء واخذت تحدق به وعلامات الاستفهام تعلو وجهها ولكن ليس لوقت طويل ؛ فهو تحرك اثناء نومه وابعد يده التي كانت تحتجزها وسرعان ما فتح عيناه ببطء ليجدها جالسة بجانبه على السرير تحدق به بصدمة واضحة الامر الذي جعله يرسم ابتسامة صغيرة على شفتيه وقال : صباح الخير .
ثم ابعد الغطاء عنه وانتصب واقفاً بينما كانت هي تلاحقه بنظراتها بصمت مرعب وهو يتوجه نحو الحمام ، وسرعان ما انتفضت من مكانها كما لو ان افعى سامة قد لدغتها ثم لحقت به ووقفت امام باب الحمام بينما كان هو يغسل وجهه ودون أي مقدمات سألته : ايه اللي جاب السلسة بتاعتي لرقبتك يا ادهم ؟
في تلك اللحظة توقف ادهم عن غسيل وجهه لمدة ثواني ولكن سرعان ما تابع فعل ذلك دون ان يعلق اما هي فقالت مجدداً : انا سألتك سؤال يبقى جاوب عليه بسرعة !
اغلق ادهم صنبور المياه ثم امسك بالمنشفة الصغيرة ونشف وجهه وبعدها التفت اليها وقال بهدوء : دي بقالها معايا تقريباً خمس سنين وعمري ما شلتها عن رقبتي ابداً .
فنظرت اليه بغير تصديق وسألته بتلعثم : لاقيتها فين ؟
نظر اليها مطولاً ثم تحرك نحوها بخطوات ثابتة قائلاً : دي وقعت منك في الفيلا بتاعتي لما....
فقاطعته بقولها وهي تعود بخطواتها للوراء : طيب ليه احتفظت بيها ؛ ليه مارجعتها لي في اليوم اللي طلقتني فيه !
اجابها وهو يتقدم نحوها بخطوات بطيئة قائلاً بصوت ينبعث منه ألم الحنين والأشتياق : لاني كنت عايز حاجة تفكرني فيكي على طول .
فسألته بصوت يكاد يختفي : ليه ؟
أقترب منها اكثر وبحركة واحدة امسك بخاصرتها مما جعل قلبها يهوي ثم شدها اليه حتى اصبحت قريبة منه جداً وهمس لها بصوت عاشق ولهان : عشان بحبك يا مريم.
في تلك اللحظة اتسعت عيناها بشدة واخذت البرودة تسري في جسدِها بالرغم من دفء المكان وشعور مخيف تسلل الى اعماق قلبها عندما سمعت ما قاله فسبب لها دوار شديد وبالكاد حملتها اقدامها مما جعلها تمسك بالتيشرت التي كان يرتديها وعيونها المصدومة لا تفارق عيناه فقالت بصوت كاد ان يختفي : ق.. قولت... ايه !
لم يعلق بل امسك وجهها بكلتا يديه وجذبها نحوه دون ادنى اعتراض منها ووضع شفتيه على شفتيها مقبلاً اياها في عناق طويل ، وكل ما شعرت به بعد ذلك رعشة عنيفة ضربت اوصال جسدها وكأن النار اشتعلت فيها فحاولت ابعاده عنها ولكنه امسك بمؤخرة رأسها وغرس اصابعه بين خصلات شعرها الطويل ثم تابع تقبل شفتيها بتملك اوهنها واضعف ساقيها وكأنه عطشان منذ سنوات وجد ضالته اخيراً ليرتوي من شهد شفتيها دون توقف ؛ في تلك اللحظة اغمضت عيناها بشدة ونزلت دموعها ثم سمحت لمشاعر الحب ان تتحكم بها لذا ضغطت بيدها على التيشرت التي كان يرتديها بقوة ولولا حاجتهما للأوكسجين لما حرر شفتيها ، فابتعد عنها قليلاً ليعطيها مجالاً للتنفس بينما كان صدره يعلو ويهبط بسرعة ، بينما احنت رأسها بصمت واخذت الدموعها تنساب على وجنتيها فامسك بذقنها ثم رفع رأسها لتنظر اليه ومسح دموعها قائلاً بهمس : بحبك يا مريم... مش بس بحبك وانما بموت فيكي والكلام دا مش من دلوقتي ...انا حبيتك من اول مرة شفتك فيها وعارف انك طاهرة و بريئة وانك عملتي كل حاجة علشان تنقذي اختك الله يرحمها وكنت هقولك اني بحبك بس انتي سافرتي من غير ماتقوليش اي حاجة .
فاستمرت دموع مريم بالانهمار غزيرة وهي تنظر إلى عيناه وتستمع الى كلامه فقالت بصوت مبحوح : بتحبي ؛ امال ليه جرحتني يا ادهم ... ليه عاملتني بقسوة وسبت جرح كبير في قلبي ؟
فعانقها بقوة كادت ان تسحق عظامها وقال بنبرة متألمة : غصب عني... مكنتش اعرف الحقيقية وقتها وافتكرت انك... عملتي كل حاجة عشان الفلوس بس قلبي مقبلش يصدق اي حاجة علشان كدا اتجوزتك ومطلقتكيش لاني كنت عايز اعرف السبب اللي خلاكي ترخصي نفسك يا حبيبتي .
بعد قوله ذاك اجهشت مريم بالبكاء الشديد وانهمرت الدموع من عينيها كالسيل الجارف فغسلت وجهها وبللت جسمه وهو يحتضنها بقوة ولم تستطيع التحدث او قول اي شيء فقط تعالت أصوات شهقاتها لتخترق قلبه كما لو انها سهام ملتهبة اشعلت النار في صدره فانسابت دمعة من عينه جعلته يحكم عناقها بقوة اكبر وهمس في اذنها قائلاً : ششش... متعيطيش ، انا اسف .. والله العظيم اسف.
ولكن مريم استمرت بالبكاء في حضنه حتى اخرجت كل الألم والحزن الذان كانا يعتصران قلبها منذ سنوات ، واخذت تعبر عما في نفسها من لوعة وحسرة لذا بكت وبكت وبكت حتى احمرت عيناها وانفها واغرقت التيشرت التي كان يرتديها بالدموع... وبعد ان هدأت قليلاً ابعدها عنه لمسافة قصيرة ثم امسك ذقنها ورفع رأسها لتنظر اليه ثم مسح اثار دموعها عن وجنتيها قائلاً : انا اسف... اسف على كل حاجة....اسف لأنك سبتي مصر بسببي ، واهم حاجة اسف لاني طلقتك وسبتك تتعذبي لوحدك.
تدحرجت دمعة حارة من عينها اليسرى وهي تنظر اليه ثم رفعت يدها وابعدت يده عن وجهها ببطء قائلة بصوت مبحوح : لما انت بتحبني زي ما بتقول وكنت عارف الحكاية من الاول يبقى ليه اتعمدت تجرحني مرة تانية لما طلقتني في نيويورك .. ليه جرحتني بكلامك يا ادهم ؟
في تلك اللحظة احنى ادهم رأسه ولأول مرّة في حياته كلها وقف صامتاً لا يعلم ماذا يقول...عجز لسانه عن الكلام ووقف يحدق بالارض كوقفة سجين ينتظر حكم اعدامه ولم يبقى من عمره الا القليل واصابعه تعد ايامه فلم يقل اي شيء سوى كلمة واحدة مجروحة متوسلة نطق بها لتخترق قلب مريم وتصل إلى اعماق اعماقها " سامحيني "
قال ذلك ثم رفع رأسه ونظر اليها بعيون حمراء اغرقتها الدموع وسرعان ما انسابت على وجهه فذهلت مريم عندما رأت ان ذلك الرجل القوي البارد الجبار قد بكى من اجلها هي ..لقد كانت تظن انه اقوى شخص قابلته في حياتها ومن المستحيل ان يذرف الدموع في يوم من الايام امام اي احد ولكنه بشر ايضاً بالاضافة لكونه رجل قوي... واذا بكى رجل مثله لاجل امرأه فهذا يعني انه يحبها ولا يعيش الا لاجلها ..اذا بكى لاجل الحب فهذا هو الحب الصادق النبيل الذي يسمو فوق الكرامة وفوق كل الكلمات التي نصوغها عندما نقرر الفرار من الحب... نعم يبكي ليس ضعفاً ولا خذلان وانما لانه بشر فليس البكاء كما يقال دوماً هو للنساء فقط ، بل يبكي الرجل لان له قلبا ًوروحاً واحاسيس ، يبكي لان البكاء يريح القلب وقلبه هو ارهقته مآسي الحب‏ ...حبه لها اصبح هوس بل اكثر وقد تعدى الجنون حيث انه احبها اكثر من نفسه واكثر من اي شيء في الوجود والشخص الوحيد الذي من الممكن ان ينافسها على حبه لها هو ثمرة حبهما الصغيرة ابنهم الذي زرع برعم الفرح والسرور في حياتهما الكئيبة.
- فلم تشعر بيدها الناعمة عندما ارتفعت ببطء لتمسح دموعه النادرة التي كانت اغلى من الماس بالنسبة لها وسرعان ما احتوته بين ذراعيها واخذت تربت على ظهره بلطف مما جعله يجهش بالبكاء قائلاً من تحت انفاسه الملتهبة : سامحيني يا مريم.. سامحيني يا حبيبتي.
احكمت مريم عناقه وكأنها نسيت كل شيء حدث او فقدت ذاكرتها وقالت : ششش متعيطش... معقول انت تعيط يا ادهم .. ليه ... مفيش حاجة في الدنيا دي كلها تستاهل انك تعيط علشانها.
فابتعد عنها قليلاً ثم نظر إلى وجهها قائلاً : لأ في... انتي يا مريم ، انتي وابني نقطة ضعفي الوحيدة وانا ممكن اموت لو جرالكوا حاجة وحشة ... انتي ما تتخيليش ازاي كنت عايش وانتي بعيدة عني... كنت شبه الميت لا بعرف انام ولا بعرف اصحى من غير ما افكر فيكي .
فنزلت دمعة اخرى من عيون مريم وقد شعرت بسعادة غامرة حيث ارتسمت علامات الفرح على محياها وانقشع عنها الشعور بالهزيمة وأصبحت تشعر بالنخوة والانتصار وكاد قلبها يقفز من بين ضلعوعها فرحاً وسروراً فملأ كيانها فرح فريد لم تعرفه من قبل وفيض من السعادة لا يوصف لان حبيبها الازلي الذي ظنت انه تزوجها من اجل ابنه قد اعترف بحبه لها واتضح أنه كان مغرماً بها منذ زمن بعيد فابتسمت ابتسامة غمرتها السعادة وتهللت أساريرها وبرقت عيناها وقد فاضتا دموعاً فازدادت جمالاً وقالت متلعثمة بكلماتها : للدرجة دي بتحبني يا ادهم ؟
شعور مفرح استوطن في قلب ادهم عندما رأى ابتسامتها الجميلة التي افقدته عقله فابتسم لها بدوره وگأنه مراهق صغير منفعل سيخرج مع حبيبته في أول موعد غرامي وامسك يدها مقبلاً اياها وكأنها ترياق خلصه من تأثير سم الاشتياق لها واردف قائلاً : حب ايه دا ... انا عديت المرحلة دي من زمان اوي وبقيت بعشق كل تفاصيلك مش بس بحبك... ضحكتك.. شعرك عينيكي الحلوه .. صوتك ، حتى ريحة الپارفان بتاعك لسه فاكرها وبتقوليلي حب !
فاحمرت وجنتاها خجلاً بعد سماع ذلك وتهدجت انفاسها وطاطات بنظرها الي الارض وقالت بينما كانت تبتسم : وانا كمان..
اتسعت ابتسامة ادهم واقترب منها اكثر قائلاً : قولتي ايه ؛ مسمعتش انتي قولتي حاجة ؟
ازدادت مريم خجلاً ولكن ذلك لم يمنعها من تكرر ما قالته فاردفت قائلة بينما تحني رأسها : وانا كمان... بحبك.
في تلك اللحظة صدرت ضحكة رنانه عن ادهم عندما اخذها في حضنه وقال بنبرة تملؤها السعادة : واخيراً...دا اسعد يوم في حياتي كلها.
قال ذلك وهو يعتصرها بين ذراعيه بينما كانت هي سعيدة ايضاً ولكن ليس لوقت طويل فلا بد للقدر من ان يلعب لعبته المعتادة حيث رن هاتف ادهم فتجاهله تماماً لكنها قالت له : موبايلك بيرن يا ادهم.
اجابها وهو يحكم عناقها : انسيه وخلينا في اللي احنا فيه دلوقتي.
فابتسمت وابتعدت عنه قليلاً ثم اردفت : لازم ترد... جايز مكالمة مهمة.
تأفأف ادهم وقال بتذمر : طيب هرد بس هنرجع نكمل كلامنا تاني ماشي .
قال ذلك وغمزها فاحمرت خجلاً وابتسمت اما هو فتوجه نحو هاتفه وعندما قرأ الاسم اجاب قائلاً : ايوا يا كمال .. عايز ايه من الصبح كدا ؟
فقال كمال بدون مقدمات وبنبرة جادة : احنا في مشكلة يا ادهم...
يتبع......
- اجاب ادهم على هاتفه قائلاً : ايوا يا كمال ، عايز ايه من الصبح كدا ؟
فقال كمال بدون مقدمات وبنبرة جدية : احنا في مشكلة يا ادهم... لازم تيجي الشركة بسرعة.
تغيرت تعابير وجه ادهم وسأله : في ايه ؟
كمال : في هاكر اختراق نظام المعلومات في الشركة ودمر الموقع الإلكترونية اللي كنا هنصدره اخر الشهر دا .
فقال ادهم باندفاع : بتقول ايه !!
مما جعل مريم تدرك ان امراً خطيراً قد حدث لذا أنتابها القلق اما هو اضاف متسائلاً : وقدرتوا تسيطروا على المشكلة ؟
كمال : احنا قدرنا نوقفوا بس مع الاسف بعد ما دمر الموقع.
ادهم : طيب يا كمال.. انا جاي حالاً.
قال ذلك ثم اغلق الهاتف والتفت الى مريم التي سألته بقلق : في ايه يا ادهم ؟؟
اجابها : في هاكر اخترق نظام الشركة وعمل مشكلة...علشان كدا لازم اروح هناك بسرعة.
مريم : هاكر ؛ طيب الخسارة كبيرة ؟
ادهم : السافل دمر الموقع اللي كنا هنصدره اخر الشهر دا يعني سبب لنا خسارة كبيرة.
مريم : طيب انا ممكن اساعد في حاجة ؟
ادهم : متقلقيش نفسك انتي... انا هتصرف.
فتنهدت قائلة : ماشي.
قبلها ادهم على جبينها ثم اردف : هروح اجهز نفسي بقى.
قال ذلك ودخل إلى الحمام اما هي فاعادت خصلة من شعرها ووضعتها خلف اذنها قائلة : وانا هروح اطمن على حبيب قلبي.
ثم خرجت من الغرفة وذهبت إلى غرفة ابنها فلم تجده في سريره مما جعل القلق يتسلل إلى قلبها لذا اخذت تبحث عنه في ارجاء الغرفة مثل المجنونة ولكنها لم تجده الامر الذي زاد قلقها ؛ فنزلت الى الاسفل حافية القدمين وجسدها يرتعش خوفاً بتلك البيجامة الحريرية ، ولكن سرعان ما تلاشى خوفها عندما رأته يصدر ضحكات رنانه بينما كان عمه معاذ يدغدغه والبقية جالسين حوله والفرحة تغمرهم والبسمة تعلو وجوههم وخصوصاً السيدة كوثر.
تنفست الصعداء عندما رأت ابنها يتأقلم مع عائلته الجديدة وبدى لها سعيد للغاية ، فأنتبهت عليها سلوى التي ابتسمت قائلة : صباح الخير يا مريم..
وفي تلك اللحظة نظر البقية إليها مما جعلها تشعر بالحرج لانها نزلت بملابس النوم اما السيدة كوثر فقالت : صباح الخير يا حبيبتي... اكيد جيتي تدوري على ادهم مش كدا ؟
نظفت مريم حلقها وقالت : صباح النور... انا اسفة يا جماعة بس كنت خايفه عليه وافتكرت ان جراله حاجة وحشة علشان كدا مخدتش بالي من هدومي... هروح اغيرهم بسرعة.
قالت ذلك ثم ركضت بسرعة نحو الدرج وصعدت الى غرفة زوجها فضحكت سلوى قائلة : البنت دي عسل والله .
معاذ : عندك حق ، دي حتى مغيرتش هدومها من الخوف !
فقالت السيدة كوثر : طبيعي تخاف يا يا ابني ؛ الامومة بتجبرها انها تفضل دايماً خايفة على ولادها حتى لو بقى عندهم 100 سنة .
لم يعلق معاذ على كلام امه بل اخذ يدغدغ الصغير الذي كان يضحك بسعادة غامرة ، اما مريم فعادت الى الغرفة حيث كان ادهم قد انهى حمامه بالفعل وكان واقفاً أمام المرآة يعقد ربطة عنقه ، فنظر إلى انعكاس صورتها عندما دخلت وابتسم تلقائياً ثم سألها : كُنتي فين يا روح قلبي ؟
ابتسمت بخجل وقالت : كنت بتطمن على ادهم بس ملقتهوش في الاوضه ولما نزلت ادور عليه كان قاعد مع اهلك ؛ الظاهر انه حبهم اوي لانه كان بيضحك جامد.
فالتفت اليها وقال : طب دا كويس...بس انتي نزلتي.... كدا !
قال ذلك واخذ يحدق بملابسها الحريرية التي تصل إلى ركبتها وتكشف عنقها وكتفيها فتحركت نحو الاريكة وجلست غير منتبهة لذلك الكائن الذي تحولت عيناه الى لهب مدمر وقالت : شوفت الكسفة ؛ انا قلقت اوي لما دخلت أوضة ادهم ومالقتهوش ومخدتش بالي اني لسه مغيرتش هدومي بس الحمد لله انهم مدققوش في منظري .
قطب ادهم حاجبيه بشدة وقال بنبرة حادة يغلبها التهديد والغضب : دي اول واخر مرة تعملي غلطة زي دا انتي سامعة ؛ ولو كررتي اللي عملتيه هيبقى ليا معاكي تصرف تاني يا مريم ومش هيعجبك ابداً .
بعد قوله ذاك شعرت مريم بالخوف منه لذا اشاحت بنظرها عنه بسرعة وقالت بصوت اختنق تحت الدموع : انا اسفه .. مكنش قصدي بس خفت على ابننا علشان كدا جريت ادور عليه .
اما هو رفع حاجبه الايسر وارتسمت ابتسامة صغيرة على زاوية شفتيه ثم اقترب منها بخطوات بطيئة بينما كانت هي تحني رأسها وتحاول منع دموعها عن النزول ؛ أمسك ذقنها بلطف ثم رفع رأسها لتنظر اليه وابتسم قائلاً بنبرة هادئة : انتي زعلتي مني ولا ايه يا روحي ؟
حركت مريم رأسها جانباً لتتجنب النظر اليه ولم تقل شيئاً بل دموعها هي التي تحدثت فعاد وامسك بذقنها واضاف : طيب انتي عارفه انا ليه مش عايزك تعملي كدا تاني ؟
هزت رأسها نفياً فتابع : لان البيت دا في رجالة تانين وممنوع حد يشوفك بالمنظر دا غيري انا لاني بغير عليكي جداً ومش هقدر استحمل فكرة ان حد غيري هيبص على الجمال دا كله .
أحمرت وجنتيها خجلاً وابتسامة صغيرة لونت شفتيها عندما ادركت قصده واحنت رأسها قائلة بغنج : حاضر... مش هكرر الغلطة دي ابداً .
اتسعت ابتسامة ادهم الساحرة ثم طبع قبلة لطيفة على خدها الايمن بالقرب من فمها وتعمد ان يجعلها بطيئة حتى شعر بجسدها يرتعش ؛ فابتسم ابتسامة النصر ثم ابتعد عنها قليلاً وقال بصوت اشبه للهمس امام شفتيها : هروح الشغل دلوقتي لاني مضطر بس لما ارجع هيبقالنا كلام تاني لان في دين عليكي ولازم تدفعيه .
وبعد قول تلك الجملة التي جعلتها تذوب خجلاً ابتعد للوراء فقالت بصوت يكاد يختفي : ادهم...
فنظر اليها وقال بحب فائق : ايوا يا روح ادهم.
احنت رأسها بخجل وسألته : مش هتديني السلسلة بتاعتي بقى ؟
ابتسم ادهم بإشراقة على خجلها واردف بخبث : لو عايزاها يبقى تعالي خديها بنفسك .
فنظرت اليه مباشرةً ولكن ليس لوقت طويل حيث ان خجلها قد اذابها تماماً فهي تعلم علم اليقين ما الذي سيحدث لها ان اقتربت منه وحاولت نزع القلادة عن عنقه لذا ابتسمت بخجل شديد ثم نهضت وركضت نحو الحمام وتركته خلفها يضحك على لطافتها الممزوجة بالخجل ؛ فقال بصوت مسموع : هديكي فرصة علشان تاخديها النهاردة بالليل بس ما يتهيأليش انك هتقدري تعملي كدا لان اديكي هتبقى مشغولة بحاجات تانية .
قال ذلك وخرج من الغرفة وتركها تتصارع مع نبضات قلبها الذي كاد ان يخرج من بين ضلوعها بينما اكتست وجنتيها بحمرة الورد لتزيد من جمالها جمالاً ؛ وقد نزل الى حيث كان افراد عائلته وابتسم تلقائياً عندما رأى ابنه جالساً في حضن عمه معاذ الذي كان يعلمه كيف يلعب بأحدى الألعاب الالية ، فقال برقة : صباح الخير.
قال ذلك ثم توجه فوراً نحو ابنه فاجابه الجميع بـ صباح النور ؛ اما ادهم الصغير فاعتلت البسمة وجهه عندما رأى والده الذي حمله قائلاً : عامل ايه يا بطل ؛ مبسوط لان عمو معاذ بيلعب معاك ؟
فضحك الصغير وقال : بابا انا حبيت الالعاب والبيت دا اوي .
ابتسم ادهم وهو يحمله ثم قبله على خده بقوة وقال : علشان كدا عايزك تخف بسرعة وتلعب بكل الالعاب اللي في أوضتك ماشي يا بطل .
أومأ الصغير برأسه اما معاذ فقال مبتسماً : الواد دا عسل يا ادهم... دا شبهك اوي لما كنت صغير.
اما سلوى فقالت ممازحة : شبهك في الشكل بس وانما الطبع ؛ انا بقول هو طالع حنين لمريم .
فضحك الجميع اما ادهم فاعاد وضع ابنه في حضن معاذ قائلاً : فكرك هزعل يعني لو قلتي كدا ؛ لأ اطمني يا حضرة الدكتورة.
وقالت امه بتعجب : ياااه انت تغيرت اوي يا ادهم...والله برافو عليكي يا مريم قدرتي تغيري جبل التلج .
فابتسم ادهم واستطرد : طيب يا جماعة انا لازم اروح الشغل دلوقتي.
وسألته امه : مش عايز تفطر الاول ؟
فتنهد ادهم وقال بجدية : معنديش وقت لان حصلت مشكلة في الشركة ولازم اروح هناك حالاً .
معاذ : خير ان شاء الله ، مشكلة ايه دي اللي حصلت ؟
ادهم : في هاكر اخترق نظام امن الشركة وسبب لنا مشكلة.
معاذ : طيب وهتعملوا ايه ؟
ادهم : مش عارف لغاية دلوقتي... علشان كدا لازم اروح الشركة والاقي حل للمشكلة دي بسرعة .
فقالت السيده كوثر : طيب يا حبيبي... روح شوف شغلك ومتقلقش على مراتك وابنك لاني هحطهم جوا عينيا.
ابتسم ادهم قائلاً : ربنا يخليكي يا ست الكل... سلام دلوقتي.
قال ذلك ثم غادر وما ان صعد في سيارته متوجهاً إلى شركته الضخمة حتى تغيرت تعابير وجهه لتعود باردة من جديد وكأنه لم يبتسم منذ دهور لا بل اصبح وجهه متشنجاً كثيراً حتى برزت عظام فكيه القوية وكانت عيناه مشتعلة يكاد اللهب يخرج منهما وهو يركز على الطريق .
وسرعان ما وصل حتى ركن سيارته في مكانها المعتاد ثم نزل منها كالأسد الهائج ودخل إلى الشركة كأنه اعصار اقسم على ان يدمر كل شيء يقف في طريقه بينما كان الموظّفين يرتعدون خوفاً من بطشه حيث مر في ردهة الشركة كما لو ان هالة شيطانية قد تلبسته وذهب إلى قسم المراقبة الالكترونية حيث كانت المشكلة ؛ ما ان وطأت قدماه ذالك القسم حتى قال بصوت اشبه بهزيم الرعد : ايه اللي سمعتو دا ، ازاي قدر الهاكر الحقير دا انه يخترق نظام شركة ادهم عزام السوفي ويتسبب في مشكلة ؟
- رعب مميت تسلل إلى قلوب الموظفين المساكين وخوف مهلك خيم على وجوههم التي شحب لونها تماماً جعل ألسنتهم تُشل فعم الصمت في ارجاء القسم الا من صوت انفاسه الملتهبة التي عبرت عن مدى غضبه الشديد ؛ فأتاه صوت كمال الذي قال بتوتر : اهدا يا ادهم.... احنا قدرنا نتعامل مع المشكلة دي وقدرنا نحمي باقي المواقع بس مع الاسف مقدرناش نعرف مين السافل اللي عمل كدا او ايه هي الغاية بتاعته .
فصاح ادهم بصوت هادر كصوت ضرب المياه على الصخور قائلاً : ازاي دا يحصل في شركتي انا ؛ كنتوا فين لما الكلب دا اخترق نظام الشركة ؟؟؟
زاد خوف الموظفين ولم يجرؤ أحد على النطق بأي كلمة لان ادهم كان في ذروة غضبه المرعب اما كمال فازداد توتره وقال بارتباك شديد : ارجوك يا ادهم اهدا لان العصبية مش هتحل المشكلة دلوقتي وقولنا هنعمل ايه .
فرفع ادهم يده اليمنى وغرس اصابعه في شعره الاسود الكثيف وشد عليه بشدة حتى كاد ان يقتلعه من جذوره بينما اغمض عيناه وتنهد بقوة وكأنه يحاول السيطرة على غضبه قبل ان يثور ويسبب كارثة داخل الشركة ، وبالفعل استطاع أن يحافظ على هدوئه ونظر إلى كمال قائلاً بنبرة حادة : عايز كل حاجة ترجع زي ما كانت بسرعة يا كمال وكأن محصلش اي اختراق ، يعني الموقع هيتصدر في معاده انت فاهم !
قطب كمال حاجبيه وقال : بس يا ادهم انت عارف ان دا مستحيل... يعني ازاي هنرجع نصمم الموقع بسرعة ؛ دا هيحتاج على الاقل تلات اسابيع ومعاد العرض بتاعه بعد اسبوع واحد !
رمقه ادهم بنظرة ثاقبة واردف بصوت اجش : اللي قلته يتنفذ بالحرف الواحد يا كمال والا اعتبروا ان المسألة دي مش هتعدي على خير ابداً والاحسن انكوا تبتدوا شغل من دلوقتي علشان نرجع الخسارة اللي حصلت بسبب فريق المراقبة الفاشل اللي حضرتك مشغله.
فتنهد كمال بضيق وقال : حاضر يا ادهم ؛ واحنا اسفين على الغلطة دي وبوعدك انها مش هتتكرر.
في تلك اللحظة شعر ادهم بالغضب من نفسه لأنه تحدث بعصبية مع زوج اخته وشريكه وصديقه وبئر اسراره امام الجميع ولكن لا مجال للتهاون في ما يخص العمل بالنسبة له لذا قال بصوت عادي ولكن يغلبه الجمود : اتفضلوا على شغلكوا.
ثم غادر المكان بأنزعاج اما كمال فكان يشعر بداخل اعماقه بالهزيمة والانكسار لان فريق عمله كان مهملاً للغاية وتسبب في مشكلة كبيرة للشركة لذا صاح بهم بصوت هز ارجاء المكان : يكون في علمكوا لو الغلطة دي اتكررت تاني فاعتبروا ان نهايتكوا قربت انتوا سامعين !!!
قال جملته الاخيرة وهو يشدد عليها ثم خرج من القسم وذهب إلى قسم التصميم لكي يخبر الموظفين بأن يبدأوا في تصميم موقع جديد قبل ان يبطش بهم ادهم الذي ذهب إلى مكتبه مع نوبة غضب مرعبة ؛ وهناك انتصبت سكرتيرته سلمى واقفة وقد لاحظت فوراً الهالة الشيطانية التي كانت تحيط به فلم تتجرأ وتتكلم بل صمتت واخذت تلاحقه بنظراتها وهو يدفع باب مكتبه بقوه ثم يعاود اغلاقه بقوة اكبر كادت ان تكسره مما جعل جسدها يرتجف ؛ تنفست الصعداء بعدما دخل وقالت بصوت خافت : يا نهار اسود... اليوم دا باين انه مش هيعدي على خير ابداً .
- دخل ادهم ثم اخذ يفك ربطة عنقه بعنف وكأنها كانت تمنع عنه الهواء وسرعان ما صب جام غضبه على محتويات الغرفة المسكينة فاخذ يحطم كل شيء من حوله وهو يصرخ بزمجرة كزئير التنِّين الغاضب بينما كانت سلمى ترتعد خوفاً في الخارج وهي تسمع صوت التحطيم ...
عودة إلى قصر عائلة السيوفي......
كانت مريم جالسة برفقة السيدة كوثر وأمينة وابنتها وفاء بعد ان غادر معاذ وزوجته الى عملهما فابتسمت امينة وقالت بنبرة اعجاب : بسم اللّه ما شاء الله... انتي قمر منور يا ست هانم .
ابتسمت مريم بخجل وقالت : متشكرة يا طنت امينة.
اما وفاء فقالت وهي تلعب مع ادهم الصغير : اخيراً بقى في حد اتسلى معاه في البيت الكئيب دا.
فضحكت السدة كوثر بينما نهرت امينة أبنتها بقولها : بت انتي... اتأدبي بدل ما اقطع لسانك.
ردت عليها السيدة كوثر من بين ضحكاتها : سيبيها يا امينه... دي لسه صغيرة وبعدين معاها حق يعني... احنا فعلاً كنا عايشين في كآبة لحد ما اكتشفنا ان عندنا حفيد وكنة حلوه زي القمر نوروا البيت من ساعة ما جم.
أبتسمت مريم واردفت : ربنا يخليكي يا طنت... دي انتي اللي زي القمر وحنينه.
فقالت امينه : ياااه جمال وادب واخلاق... فعلاً ادهم بيه اختار جوهرة.
في تلك اللحظة شعرت مريم بالخجل يكسو وجنتيها من فرط المديح والثناء الذي سمعته من امينة والسيدة كوثر منذ الصباح فأرادت ان تفتح موضوعاً اخر لذا استطردت : قوليلي بقى يا وفاء... انتي عندك كام سنه يا حبيبتي ؟
فأبتسمت وفاء قائلة : يناير الجاي هتم 18 سنه.
مريم : يعني بقيتي عروسه.... خلي بالك اكيد العرسان هيتجننوا عليكي.
احنت وفاء رأسها وابتسمت بخجل دون ان تعلق بينما تدخلت امها قائلة : وفاء لسه صغيرة يا مريم هانم يعني لسه قدامها طريق طويلة لغاية ما تفكر في الموضوع دا وبعدين اهم حاجة دلوقتي انها تتخرج من المدرسة علشان تخش الكلية لان دي رغبة بباها.
قالت جملتها الاخيرة وهي تشد على كلماتها وتنظر إلى ابنتها التي كانت بجانبها وكأنها تهددها بأن لا تفكر في موضوع الزواج قبل التخرج من الجامعة حتى ؛ فأدركت مريم ما كانت تقصده هذه المرأة العنيدة لذا ابتسمت بلطف وقالت : عندك حق... اهم هاجة دراستها.
اما السيدة كوثر فضحكت قائلة : الله عليكي يا امينه...عمرك ما هتتغيري ابداً وهتعملي اللي في دماغك دايماً... يعني فيها ايه لو لاقيتي عريس كويس لبنتك وجوزتيها صغيرة ؛ مهو انا كمان اتجوزت لما كنت في سنها واديني عايشة مبسوطة والحمد لله وعيالي حوليا.
ابتسمت امينة واردفت : زمنهم غير زمنا يا ست هانم يعني هي لازم تتعلم ويبقى عندها خبرة في الحياة قبل ما تتجوز .
فقالت وفاء بجرأة : متقلقيش يا ماما... انا هكمل دراستي الاول وبعدها لو حصل نصيب هتجوز يعني اكيد مش هتخلليني جنبك صح.
في تلك اللحظة انفجرت السيدة كوثر ضاحكة بينما ابتسمت مريم بلطف اما امينة فنظرت إلى بنتها وقالت بدهشة : يخرب بيتك... انتي جبتي البجاحة دي منين يا بنت !
ابتسمت وفاء بسذاجة وردت عليها : دي مش بجاحة يا ماما دي اسمها ثقه.. على العموم انا هروح اعمل شوية اكل لادهم بيه الصغير علشان باين عليه جعان اوي .
فقالت مريم : خليكي يا وفاء...انا اللي هقوم اعمله الأكل.
فقالت امينة باندفاع : والله ما هتعبي نفسك... هي اللي هتعمله .
واضافت السيدة كوثر : ايوا يا مريم... متعبيش نفسك يا حبيبتي .
فابتسمت مريم قائلة : معلش يا جماعة بصراحة انا عايزه اتفرج على البيت اصلي لسه معرفش حاجة فيه.
السيدة كوثر : قولي كدا من الاول... يلا يا وفاء يا بنتي قومي فرجي مريم على البيت وانا ومامتك هنخلي بالنا من ادهم الصغير .
فنهضت وفاء قائلة : حاضر يا طنت... يلا يا مريم هانم علشان افسحك في البيت ، دا هيعجبك اوي وخصوصاً الخيل .
فابتسمت مريم كما لو انها مراهقة وسألتها باندفاع : هو في خيل هنا ؟!
ابتسمت وفاء بدورها لمريم التي شعرت وكأنها تعرفها منذ ازل وقالت : طبعاً ...دول بتوع ادهم بيه وهما اربع حصنه... تعالي علشان تشوفيهم.
فتشبثت مريم بيدها وكأنهما صديقتين بنفس السن ثم ابتسمت قائلة : يلا بينا.
اما في منزل اهل الهام فكانت هي جالسة بملل امام التلفاز في غرفة المعيشة بينما كانت امها تقوم بخياطة بعض الملابس وكان الصمت حليفهما ما عدا صوت التلفاز ، ولكن الامر لم يطل حيث قالت امها : مالك يا الهام يا بنتي ، شكلك تعبانه اوي.
فنظرت الهام اليها قائلة : متقلقيش يا ست الكل انا بس زهقانه شويه لاني سبت مريم.
الأم : آن الآوان علشان ترجع لجوزها يا حبيبتي يعني اكيد مش هتفضل قاعدة معاكي طول العمر وانتي كمان لازم تتجوزي وتبقى زيها.
فابتسمت الهام ابتسامة مريرة عندما تذكرت حبها الطويل لخالد وقالت بتعب : ارجوكي يا ماما بلاش تفتحيلي موضوع الزواج دلوقتي لاني مش عايزة اتجوز حد.
قالت ذلك ثم هبت واقفة وتوجهت إلى غرفتها فاغلقت الباب خلفها وسرعان ما خانتها دموعها وانسابت على وجهها رغماً عنها حيث تذكرت السنين الماضية التي اضاعتها عبثاً في اخفاء عشقها لخالد حبيبها الاول والاخير فقالت بنبرة منكسرة : ربنا يسعدك يا خالد.. ربنا يسعدك يا حبيبي.
اما امها فتنهدت بقوة وهي تحدق بباب الغرفة وقالت بصوت متألم : ربنا ينولك اللي في بالك يا بنتي ويجمعك باللي يقدرك ويحبك.
تسارع في الاحداث...........
حل المساء وعاد ادهم الى المنزل بعد يوم طويل متعب حافل بالمشاكل ونوبات الغضب الجنونية التي كان يفرغها على موظفيه المساكين فكانت ملامح وجهه متشنجة جداً وباردة يغلبها الجمود والانزعاج الشديد ، دخل الى المنزل بعد ان فتحت له وفاء الباب قائلة بابتسامة : نورت يا بيه.
في تلك اللحظة انجلا الانزعاج عن وجهه عندما رأى ابتسامة تلك الصغيرة الشقية التي قام بتربيتها بنفسه منذ ان وعت على الدنيا ويعتبرها اخته الصغرى لا بل ابنته فهو من يتكفل بمصاريف دراستها وكل شيء متعلق بها ؛ قرص وجنتها بصمت ثم دلف الى الداخل فشعرت هي بأنه مهموم ولكنها لم تعلق بل اغلقت الباب وعادت إلى المطبخ حيث كانت امها تعد العشاء للعائلة .
اما هو فأخذ يبحث بنظره في ارجاء المنزل عن مريمته التي اصبحت كالمخدّرات بالنسبة له ولا يهدأ ان لم يراها ولكنه وجد امه جالسة برفقة معاذ وسلوى في غرفة المعيشة بينما كانت مريم في غرفة ابنها تعطيه الدواء حتى ينام بعد أن تناول عشائه ، اقترب منهم على مضض وقال بصوت خالي من المشاعر : مساء الخير.
نظر الجميع اليه ومن قسمات وجهه المتجهم عرفوا انه منزعج فلم يشاء احد ان يزعجه في تلك الساعة لذا ردت عليه امه بصوت هادئ : مساء النور يا حبيبي.
اقترب منهم ولكن لم يجلس بل سأل : فين مريم ؟
ردت ت عليه سلوى : فوق مع ادهم الصغير.
فتنهد بقوة ثم قال : طيب انا تعبان وعايز اريح شوية يا ريت محدش يزعجني.
قال ذلك وصعد إلى الطابق العلوي تاركاً خلفه افراد عائلته في حيرة من امرهم حيث قال معاذ : باين ان مشاكل الشغل جامده اوي والا مكنش ادهم قلب من تاني ورجع فيها جبل التلج.
ردت عليه سلوى قائلة : عندك حق... دا حتى مسألش عن ابنه هو بس سأل عن مريم !
فتنهدت السيدة كوثر وقالت : الراجل لما يبقى تعبان يا بنتي ما بيسألش عن حد غير مراته لانها هي الوحيدة اللي بتفهمه ويقدر يرتاح معاها.
في تلك الاثناء كانت مريم قد البست ابنها ملابس نوم نظيفة جداً ثم وضعته في السرير واخذت تقص عليه قصة جزيرة الكنز حتى ينام وبالفعل ما هي الا عشر دقائق حتى غفى الصغير فقبلته على جبهته ثم احكمت تغطيته وقررت ان تنزل لتناول العشاء مع البقية وقلبها ينبض شوقاً لحبيبها الذي غادر منذ الصباح ولم تسمع منه خبراً بعد ذلك ؛ خرجت من غرفة نوم ابنها وتوجهت إلى غرفتها هي وزوجها حيث انها قررت الاتصال به لتسمع صوته العذب فامسكت بالهاتف مترددة هل تضغط رقمه اما لا ولكنها حسمت أمرها بعدم الاتصال لذا اعادت الهاتف الى الشاحن وتوجهت نحو باب الغرفة لتخرج .
صادف انها خرجت من الغرفة في نفس الوقت الذي وطأت أقدام ادهم اخر درجات السلم فنظرت اليه ثم ابتسمت تلقائياً لانها فكرت به وها قد رأته امامها ، اما هو فشعر بشعور غريب ممزوج بالاشتياق والحنين لذا تقدم نحوها بخطوات اشبه بالعدو وبحركة واحدة احاط خاصرتها ودفن رأسه بين خصلات شعرها المتناثرة وهو يدفعها الى داخل الغرفة واغلق الباب بقدمه مما جعلها تندهش من ردة فعله فقالت بقلق : مالك يا ادهم ؛ انت كويس ؟!
لم تسمع منه رداً الا ان ذراعيه القويتان اللتان كانتا تحاوطانها بشدة كانتا كفيلتين بأن تخبرانها مدى حاجته لها في تلك اللحظة حيث شدها اليه اكثر وكأنه يستمد طاقته منها ، فتنهدت بعمق ثم عانقته بدورها واخذت تربت على ظهره برفق قائلة : خلاص يا حبيبي... انسى كل حاجة حصلت في الشغل النهاردة ومتعبش دماغك بالتفكير ماشي .
احكم ادهم عناقها اكثر وهمس في اذنها بصوت متعب قائلاً : متتخيليش انتي وحشتيني قد ايه يا حبيبتي... اوعي تسيبيني تاني يا مريم لاني هضيع من غيرك...انتي سامعة ، انا ممكن اموت لو سبتيني مرة تانية .
قال ذلك وهو يشدها الى صدره وكأنه يحاول ان يسكنها بين ضلوعه ويخفيها عن العالم أجمع ، فتعجبت هي من هذا الضعف المفاجئ الذي اظهره لذا همست له قائلة بصوتها العذب : انا مستحيل اسيبك يا ادهم لو انت ما سبتينيش الاول... خلي كلامي دا حلقة في ودانك لاني مستحيل احل عنك بعد ما قررت اني اصلح كل حاجة انت فاهم ؟
قالت كلمتها الاخيرة بنبرة مرحة وضربته بخفة على كتفه فشعر بالطمأنينة بعد ان سمعها توعده بالتواجد معه دائماً لذا ارتسمت إبتسامة صغيرة على وجهه وقال بهمس اشبه بفحيح الافاعي : خلكي فاكرة كلامك دا كويس وتأكدي اني عمري ما هسيبك يا قلبي .
قال ذلك وهو يستنشق عبير عنقها الذي لطالما عشقه بجنون فشعرت بنبرة خبيثة امتزجت في حروف كلماته التي كانت تلامس عنقها بلطف لذا تسللت إلى عقلها فكرة جعلتها تبتعدت عنه بسرعة وسرعان ما تلونت بـ لون الخجل وقالت بأرتباك دون ان تنظر اليه : احم... انا... انا هنزل دلوقتي وانت ريح شويه وبعدها تعالى علشان العشا بقى جاهز .
ثم حاولت ان تغادر الغرفة باسرع مايمكن ولكنه امسك معصمها قائلاً : مش بالسرعة دي .
فنظرت اليه لتجد ابتسامة صفراء ممزوجة بالخبث قد خيمت على زاوية شفتيه وكأنه اسد جائع ينظر إلى غزالة صغيرة اغرته بأن ينقض عليها ويلتهمها دفعة واحدة ؛ ابتلعت ريقها واشاحت بنظرها عنه بسرعة ولكنه امسك بذقنها وقال بصوت هامس : مش كنتي عايزة السلسة بتاعتك يا مريم ، اهي قدامك بقى يلا تعالي علشان تاخديها..
قال ذلك ثم اخرج القلادة من تحت قميصه واخذ يحركها يميناً ويساراً امام نظر مريم التي زاغت عيناها وقالت بارتباك : لو... لو كانت عجباك يبقى خليها في رقبتك انا مش عايزاها.
قالت ذلك وارادت التملص من قبضته القوية التي كانت تمسك بمعصمها فاتسعت ابتسامة الخبث على وجهه واقترب منها بخطوتين حتى اصبح واقفاً امامها كالجدار البشري بذلك الجسد الرياضي المثالي وطوله الفارع وحلته السوداء التي زادته جاذبية مما جعل الكائن الصغير الذي كان يختبئ خلف ضلوعها يكاد يفر هارباً من صدرها ؛ تجمدت اطرافها وكاد نفسها ان ينقطع حين انحنى بوجهه بالقرب من وجهها الاحمر وهمس لها قائلاً : طيب مش عايزه نكمل كلامنا بتاع الصبح ؟؟
وبعد قول ذلك مباشرةً شعرت مريم بيده تحاوط خاصرتها مجدداً بينما ابتعدت يده الاخرى عن معصمها لتصعد الى ذقنها وامسك به برفق ورفعه لتنظر اليه بنظراتها المرتعبة اكثر من كونها خجلة وسرعان ما طبع قبلة صغيرة على جبينها اجبرتها بأن تغمض عينيها الجميلتين ثم نزل بقبلته الى جفونها المغلقة وقبلها وهي ما تزال ترتجف بين يديه ثم وصل إلى شفتيها المكتنزتين ... ابتسم عندما رأى حمرة الخجل تكسوهما فلم يستطيع منع نفسه من تقبيلها بشغف كبير جعل الرعشة تسري في داخلها بينما أرادت هي ان تبتعد ولكنه تشبث بها واخذ يقبلها بلطف وقلبه يفيض حباً وعشقاً وهوساً بها حيث كانت قبلته تلك ناعمة جداً على عكس قبلة الصباح التي كانت جامحة للغاية وكادت ان تمزق شفتيها.
وبعد حرب المشاعر تلك أبتعد عنها ببطء ثم نظر إلى وجهها وهي تحني رأسها بخجل شديد مما جعله يبتسم ويعانقها برقة هامساً في اذنها : هنكمل كلامنا بعد العشا يا حلوه ، خليكي فاكرة الكلام دا كويس.
قال ذلك ثم قبل جبينها للمرة الثانية وبعدها ابتعد عنها وهو يبتسم ثم دلف الى حمام الغرفة بسعادة انسته كل مشاكل العمل ؛ اما هي فكانت واقفة في مكانها وكأنها تعرضت لصاعقة كهربائية شلت حركتها تماماً حيث انها كانت مرعوبة مما تخبئه لها هذه الليلة ؛ رفعت يدها ببطء ولمست شفتيها المتورمتين بغير تصديق لأن ادهم البارد والذي عاشرها سابقاً بقسوة كبيرة لن تنساها أبداً قد قبلها بلطف وهدوء هذه المرة لا بل كان رومانسياً جداً وهو يهمس في اذنها بكلام اذابها كقطعة سكر .
ارتسمت ابتسامة صغيرة على شفتيها ممزوجة بالخوف والقلق وافكار كثيرة تسللت إلى عقلها جعلتها تذهب برحلة الا وعي الفكري ولكن سرعان ما سمعت طرقعة اصابع اعادتها الى الواقع حيث رأته واقفاً امامها بعد أن خلع سترته السوداء ورفع اكمام قميصه الابيض ؛ نظرت إليه ولم تقل شيئاً بينما امسك هو بيدها اليمنى وطبع عليها قبلة لطيفة وبعدها ابتسم قائلاً : يلا عشان ننزل نتعشا.
رمشت مريم عدة مرات وهي تنظر إليه وسرعان ما نظفت حلقها وقالت بتوتر : اوك.
- نزلا الى حيث كان الجميع جالسين حول مائدة الطعام الفاخرة فجلس كل من ادهم ومريم بجانب بعضهما في جهة اليمين ومن ثم بدأوا يتناولون العشاء وهم يتحدثون بأمور كثيرة اهمها المشكلة التي حدثت في الشركة ....
تسارع في الاحداث / الساعة العاشرة مساءً .....
صعدت برفقته الى الغرفة بينما كانت خائفة جداً او لنقول مرعوبة كما لو انها شاة تم جرها الى المسلخ ليذبحوها ، وما ان اغلق باب الغرفة حتى تحرك نحوها بخطوات رزينة ثم وقف خلفها واحاط خاصرتها بينما استقر رأسه على كتفها وانفه يداعب خصلات شعرها الذي يشكل له هوساً برائحته الخلابة ؛ همس في اذنها : بحبك يا مريم... وعايزك تبقى جنبي على طول.
اما هي فكانت خائفة جداً...نعم تحبه لا بل تعشقه ولكن فكرة ان يتكرر ما حدث سابقاً في تلك الفيلا الكئيبة جعلتها تخافه كثيراً وما زاد الطين بلّة هو جرأته التي سمحت له بأن يقبل عنقها نزولاً إلى كتفها الذي انزل عنه قطعة القماش التي كانت تغطيه مما جعلها تنتفض من قبضته كمن لدغته افعى وقالت بنيرة مرتبكة وهي تعاود تغطية كتفها : انا تعبانه يا ادهم وعايزه انام .
قالت ذلك ثم استلقت على السرير وأعطته ظهرها ولكن تصرفها كان متوقعاً بالنسبة له فلحق بها وجلس بجانبها ثم قبل كتفها قائلاً : مالك يا حبيبتي ، ما احنا كنا كويسين من شوية.
اجابته دون ان تنظر : من فضلك يا ادهم انا عايزه انام دلوقتي.
ابتسم ادهم وهو يمرر يده على ذراعها قائلاً : انتي مكسوفه يا مريم ؛ متتكسفيش يا عبيطة انا جوزك !
اغمضت مريم عيناها بشدة وقالت بصوت مرتجف : مش مكسوفه .
فاتسعت ابتسامته ثم اقترب منها وهمس في اذنها : اساساً مفيش حاجة بتكسف احنا متجوزين ودا شيء عادي.
قال ذلك ثم هبط بوجهه ليقبلها فضغطت على نفسها وهي تغمض عينيها وخرجت الكلمات من فمها على شكل صراخ حيث قالت : ارجوك مش دلوقتي.
ابتعد ادهم عنها بسرعة عندما سمع صوتها المرتجف واستشعر الخوف الذي سرى في جسدها فنظر إلى وجهها ووجد الدموع تغطيه مما سبب له صدمة فسألها بنبرة متألمة : انتي لسه بتخافي مني يا مريم ؟!
ضغطت مريم على الغطاء بينما كانت تغمض عينيها ولم تعلق بل اكتفت بالبكاء الصامت الذي اثار جنون ادهم فاستلقى بجانبها فوراً وعانقها بشدة هامساً في اذنها : ششش متعيطيش يا حبيبتي... لو انتي مش عايزه مش هقرب منك ابداً بس ارجوكي بلاش تعيطي.
ازدادت مريم بالنحيب بين ذراعيه مما جعله يعانقها اكثر قائلاً : اسف... والله العظيم مكنتش عايز اخوفك مني بس اللي حصل كان غصب عني لاني كنت متعصب اوي.
فقالت من بين شهقاتها : ارجوك اديني فرصة لغاية ما انسى اللي حصل...انا بوعدك لما ابقى جاهزه هقولك بس بلاش تضغط عليا.
قبل ادهم جبينها وغمغم بصوت يغلبه الانكسار : بوعدك يا مريم... مش هلمسك طلما انتي مش موافقة ودا وعد شرف مني ليكي بس ارجوكي بلاش تبعديني عنك.
فقالت بعد ان هدأ روعها قليلاً : مش هبعدك يا ادهم بس ايه رأيك اننا نتعرف على بعضنا الاول ؛ احنا مخدناش الفرصة دي في علاقتنا وفي حاجات كتيرة متعرفهاش عني زي ما انا معرفش عنك كتير .
أبعدها ادهم عنه قليلاً ثم نظر إلى وجهها وقال : لو دا هيخليكي تبقى مبسوطة فانا هعمل كل اللي انتي عايزه.
احاطت يديها حول صدره واسندت رأسها عليه قائلة بنبرة حزينة : متزعلش مني يا حبيبي بس انا عايزاك تصبر عليا لغاية ما اعدي المرحلة دي.
ادهم : قولتك مش هلمسك يا مريم غير اما تطلبي انتي ؛ ثقي فيا يا روحي .
مريم : انا واثقة فيك.
- أخذ ادهم يملس شعرها بيده وعلامات الانكسار تعلو وجهه لان مريمته... معشوقته الصغيرة ما تزال خائفة منه بسبب معاملته الخشنة التي عاملها بها سابقاً فكره نفسه في تلك اللحظة حد الموت لأنه جعلها تتألم في ما مضى وتمنى لو انه مات قبل ان يفعل ذلك فاحاطها بيديه اكثر وهمس لها قائلاً : قوليلي بقى انتي عايزه تعرفي عني ايه؟
رفعت رأسها قليلاً ثم نظرت اليه قائلة : لو سألتك عن حاجة مش هتزعل مني ؟
ابتسم ثم امسك انفها واخذ يداعبه قائلاً : انا مستحيل ازعل منك يا قمر.
فابتسمت واردفت : طيب قولي مين هي ميرا ؟
في تلك اللحظة تغيرت تعابير وجهه ادهم لتصبح متشنجة وجادة فأبتعد عنها وجلس وسألها : انتي سمعتي اسمها فين ؟
جلست مريم ايضاً وقالت : فاكر لما رجعنا من السفر انا سمعت معاذ قال انك اخيراً قدرت تتجوز وتنسها....كنت بتحبها مش كدا ؟
فنظر ادهم اليها مطولاً ثم تنهد وغطى وجهه بيديه قائلاً بتعب : كانت اكبر غلطة في حياتي كلها ، بسببها بقيت بكره كل الستات وبقى قلبي قاسي مبفكرش غير في نفسي وبس.
امسكت مريم يده وسألته بنبرة متألمة : للدرجة دي بتحبها يا ادهم ؟
شعر ادهم بالحزن الذي كان يرافق صوتها لذا نظر اليها فوجد عيناها اغرقت بالدموع فما كان منه سوى ان يحتويها بذراعيه قائلاً : کنت بحبها من زمان اوي يعني من تسع سنين بس بعد ما قابلتك بقيتي كل حاجة بالنسبة لي... انتي حبيبتي الوحيدة وهتفضلي كدا لغاية ما يجي اليوم اللي هموت فيه.
شعرت مريم بالراحة من كلامه فقالت وهي تسند رأسها على صدره : طيب ايه اللي حصل بينك وبينها ؟
قال وهو يملس شعرها براحة يده : اللي حصل انها كانت ماتستهلش الحب والثقة اللي اديتهم ليها وطلعت وحدة خاينه وكانت.... كانت بتخدعني طول الوقت علشان فلوسي وانا لاني بحبها وثقت فيها ...
- ثم اخذ يحكي لها قصته مع ميرا عندما كان في اميركا واخبرها كيف خدعته لتحصل على المال وكيف هربت هي وحبيبها المدمن وكيف سخر منهما القدر وجعلهما يتعرضان لحادث سيارة مروع اسفر عن مقتلهما معاً ، فأبتعدت مريم عنه بسرعة وقالت بدهشة : هي ماتت !
أومأ لها برأسه قائلاً : ايوا... ودا اللي قهرني انها ماتت ببساطة كدا من غير ما اخد حقي منها ومن ساعتها وانا قفلت على قلبي ومقربتش على اي ست غيرك انتي لانك الوحيدة اللي حبيتها من كل قلبي حتى اكتر من ميرا نفسها.
بعد قوله ذاك تجمعت الدموع في عيون مريم ولم تشعر بنفسها عندما عانقته بقوة وغمغمت قائلة : انا بوعدك اني هعوضك عن كل اللي حصلك بسببها بس اصبر عليا يا ادهم.... مش عايزه منك غير انك تصبر عليا وتديني شوية وقت لغاية ما انسى .
فعانقها ادهم بدوره واردف : وانا قولتلك يا حبيبتي مش هقرب منك ابداً غير اما تبقي جاهزه.
قال ذلك ثم قبل جبينها واضاف : يلا علشان ننام.
أومأت له برأسها واستلقت بجانبه وهي تحاوط صدره بينما كانت يده تربت على كتفها بحنان كما لو انها طفلة نائمة في حضن ابيها وقد اعادته لذكرى مؤلمة جعلته يغمض عيناه بشدة وقسمات وجهه اصبحت متشنجة للغاية .
تسارع في الاحداث......
انطوى الليل بظلامة وحل مكانه فجر يوم جديد فاشرقت الشمس لتبعث شعاعها الذهبي الذي انتشر في سماء مصر ، استيقظت مريم قبل ادهم الذي كان نائماً بعمق وارتفعت بجسدها قليلاً ثم اخذت تحدق به بنضرات تفيض حباً ؛ مدت يدها واخذت تملس شعره الكثيف قائلة بهمس : بوعدك يا حبيبي... هنسيك كل الوجع اللي عشته بسببي وبسبب البنت اللي اسمها ميرا دي ومن النهاردة مش هتشوف غير السعادة والفرح.
قالت ذلك ثم طبعت قبلة صغيرة على جبينه وبعدها نهضت ودلفت الى حمام الغرفة حتى تستحم بينما استمر هو في نومه وكأنه سقط في غيبوبة من شدة التعب والإرهاق حيث كان اليوم السابق مرهق جداً بالنسبة له.
اما في منزل العم أمين.....
فخرجت الهام من غرفتها وهي ترتدي ملابس الخروج ونظرت إلى امها التي كانت تضع الفطور على الطاولة وقالت : انا هخرج يا ماما.
نظرت اليها امها وسألتها : هتروحي فين يا بنتي ؟
الهام : هروح ادور على شغل بدل ما افضل قاعدة كدا من غير ما اعمل حاجة.
الأم : ومالو... ربنا يسهلك بس ليه ما تطلبي من مريم انها تكلم جوزها علشان يرجعك تشتغلي في شركته ؟
الهام : لا يا ماما... هيبقى شكلي وحش لو عملت كدا... متشغليش بالك انتي بس ادعيلي.
رفعت المراة يديها تدعي لأبنتها قائلة : ربنا يوفقك يا الهام يا بنتي ويبعتلك ابن الحلال اللي يسعدك ويحفظك.
فابتسمت الهام ثم قبلت جبين امها وقالت : ربنا يخليكي ليا... سلام دلوقتي.
قالت ذلك وخرجت تبحث عن عمل بينما كان قلبها دائم التفكير بحبيبها الذي لم تحب احداً كما احبته.
عودة الى منزل عائلة السيوفي.....
استيقظ ادهم في تمام الساعة التاسعة صباحاً وكانت هذه المرة الأولى التي يستيقظ متأخراً بهذا الشكل حيث كان دائماً يستيقظ في تمام السادسة صباحاً ، فنظر الى الساعة بجانبه ثم هب واقفاً وقال : يا نهار مش فايت...ازاي فضلت نايم لغاية دلوقتي !
قال ذلك ثم نظر حوله ولم يجد مريم فتنهد ودلف الى الحمام ، وما هي الا ربع ساعة قد مضت حتى خرج من غرفته وهو يرتدي حلته الرمادية والقميص الكحلي ولانه كان متأخراً لم يضع ربطة عنق بل فتح اول زرين من قميصه لتظهر السلسلة الفضية التي اصبحت تشكل جزءاً من جسده ؛ نزل الى الاسفل حيث كانت وفاء تنظف الارض لانها كانت في العطلة الصيفية ولا يوجد مدرسة فنظرت إليه وابتسمت قائلة : صباح الخير يا فندم ؛ تحب احضرلك الفطار ؟
ادهم : لأ يا وفاء انا مش جعان ، قوليلي فين مريم ؟
وفاء : الهانم قاعدة في الجنينة مع البيه الصغير وطنت كوثر.
ادهم : طيب متشكر.
قال ذلك وخرج الى الحديقة حيث كانت مريم جالسة على الارجوحة الخشبية وابنها في حضنها بينما كانت السيدة كوثر جالسة بالقرب منهما على المقاعد الخشبية تشرب الشاي وتبتسم على منظر الصغير الذي كان سعيداً ، فأقترب منهم وقال : صباح الخير.
نظرت مريم اليه وابتسمت قائلة : صح النوم...نمت كويس يا حبيبي ؟
حمل ادهم ابنه من حضنها وقبله على وجنته قائلاً : ودي عملة تعمليها يا مريم ؛ انا عمري ما صحيت متأخر بالشكل دا بس لانك ضبطي المنبه على الساعة تسعه هضطر اجري زي المجنون علشان اوصل الشركة.
فضحكت مريم والسيدة كوثر التي قالت : وفيها ايه يعني لما تتأخر شوية ؛ مهي شركتك يابني ومحدش هيحاسبك.
اجابها ادهم وهو يعيد ابنه الى حضن امه قائلاً : الشركة بتمر في ظروف صعبة الفترة دي يا ماما و ماينفعش اسيب كل حاجة لكمال لان المسكين بيستحمل فوق طاقته .
مريم : انا اشفتك تعبان وقلت اسيبك تنام كمان شويه .
ادهم : طيب يا حبيبتي انا لازم اروح الشغل دلوقتي ومن بكرا جهزي نفسك علشان تبتدي شغل انتي كمان.
مريم : لسه عايزني ابقى السكرتيره بتاعتك ؟
ادهم : اظن اننا اتكلمنا في الموضوع دا.
قال ذلك ثم قبل وجنتها واضاف : يلا سلام دلوقتي.
ثم اخذ قبله من خد ابنه وغادر وهو يضع نظارته الشمسية لتحجب اشعة الشمس عن عيناه وبعدها صعد في سيارته الفاخرة وخرج بها من حدود القصر متوجهاً إلى الشركة ؛ ما هي الا مده معينة قد مضت حتى وصل فنزل من السيارة وصادف كمال في طريقه وادعى هذا الاخير عدم رؤيته لذا استمر بالمشي ولكنه ناداه قائلاً : كمال... استنى.
فتنهد كمال وتوقف عن السير بينما ركض ادهم قليلاً حتى ادركه وسأله دون مقدمات : لسه زعلان مني يا كمال ؟
اجابه كمال معاتباً : ايوا يا ادهم لاني هنت عليك وبهدلتني قدام الموظفين بالساهل كدا.
تنهد ادهم بتعب واردف : متزعلش مني يا صاحبي انت عارف اني مكنش قصدي اعمل كدا بس كنت متعصب اوي بسبب الهاكر الواطي وانا لما بتعصب مبفكرش ابداً ما انت عارفني كويس.
كمال : خلاص انسى.. محصلش غير الخير.
فابتسم ادهم وضربه على كتفه بخفه قائلاً : يعني مش زعلان ؟
ابتسم كمال ايضاً واردف : لا مش زعلان... قولي بقى مريم والامير الصغير عاملين ايه ؟
اتسعت ابتسامة ادهم واجاب بسعادة غامرة : كويسين والحمد لله والجميل ان ابني مبسوط اوي لان بقى عندنا عيلة كبيرة اما مريم... فهي كمان مبسوطة اوي.
قال جملته الاخيرة وهو يتنهد بعشق فانتبه عليه كمال لذا ابتسم بخبث وقال : الظاهر ان في واحد اعترف بحبه اخيراً ولا ايه ؟
وضع ادهم يديه بجيوب بنطاله قائلاً بابتسامه : ايوا... اخيراً قدرت اقولها اني بحبها..
كمال : هايل طيب وهي كان ردها ايه ؟
اجابه ادهم بضحكة : وهي كمان بتحبي يا كمال.
فاتسعت ابتسامة كمال وعانقه قائلاً : الف مبروك يا صاحبي....فرحتلك من كل قلبي والله.
ادهم : متشكر... يلا خلاينا نشوف شغلنا.
كمال : يلا .
تسارع في الاحداث / الساعة الثانية بعد الظهر...
اتصلت مريم على الهام وعندما اجابتها قالت : ازيك يا لولو ، وحشتيني يا بت .
فقالت الهام ممازحة : معقول وحشتك وحبيب القلب الحمش جنبك يا مريم !
ابتسمت مريم قائلة : متقوليش كدا... انتي اختي يا بت واكيد هتوحشيني.
فضحكت الهام واردفت : انا بهزر معاكي.... وانتي كمان وحشاني موت .
مريم : طيب ايه رأيك نتقابل ؟
الهام : وماله بس هيسمحلك جبل التلج انك تخرجي من البيت ؟
فقالت مريم بحدة : انا مش سجينة عنده يا الهام.
- وسراعان ما تغيرت نبرة صوتها لتقول بدلع : وبعدين ليه بتقولي عنه جبل تلج ؛ دا طلع رومانسي جداً وكمان حنيّن اوي .
ضحكت الهام وقالت : الله...كل اللي قعدتيهم في بيته يومين بس وبقيتى بتقولي عنه رومانسي ؛ الظاهر ان عم ادهم دا كان رقيق اوي ومش بعيد اني هسمع ان في بيبي تاني جاي في السكة.
فقالت مريم بخجل : تأدبي يا بت وقوليلي هنتقابل فين.
فضحكت الهام قائلة : طيب ماشي.... فاكرة الكوفي شوب اللي كنا بنقعد فيه ايام الجامعة ؛ انا قريبه منه دلوقتي وينفع اقبلك هناك.
مريم : طيب مسافة السكة وهكون عندك.
الهام : تمام وانا هستناكي.
- اغلقت مريم هاتفها وتوجهت نحو غرفة المعيشة حيث كانت السيدة كوثر جالسة تداعب حفيدها فقالت : ماما ينفع اخرج من البيت علشان اقابل صاحبتي ؟
نظرت السدة كوثر اليها وابتسمت قائلة : طبعاً يا روحي اساساً انتي مش محتاجة اذني علشان تخرجي بس قولي لجوزك الاول لان دي الاصول يا بنتي.
فابتسمت مريم واردفت : اكيد... هروح اكلمه دلوقتي بس ينفع اسيب ادهم عندك لاني مش هقدر اخده معايا والا هيتعب بسبب الحرارة.
السيدة كوثر : طبعاً... دا هيبقى على قلبي احلى من العسل.
مريم : ربنا يخليكي ، عن اذنك.
قالت ذلك ثم ابتعدت لتهاتف ادهم وما ان طلبت رقمه حتى اجابها فوراً وقال بصوته الشجي : جرى ايه ، هو انا وحشتك بالسرعة دي ؟
فابتسمت بخجل وقالت : بصراحة انا اتصلت بيك علشان اقولك على حاجة.
ادهم : ايه هي ؟
مريم : انا عايزه اخرج من البيت عشان اقابل الهام صاحبتي بس قلت اخد اذنك الاول .
فأبتسم ادهم وقال : برافو عليكي وانا مبسوط لانك طلبتي مني قبل ما تخرجي.
مريم : يعني انت موافق اني اخرج ؟
ادهم : ايوا يا حبيبتي اخرجي براحتك وزي ما انتي عايزه بس اطلبي من سمير يوصلك وبلاش تلبسي حاجات ملفته عشان بغير.
فابتسمت مريم قائلة : حاضر .
ادهم : وكمان بلاش ضحك ومهيصة انتي والهام دي واقعدوا في مكان محترم ويا ريت ميكونش فيه رجاله وكمان متتأخروش.
فضحكت مريم وقالت : جرى ايه يا ادهم ، عايز تديني محاضرة زي ما كون عيلة صغيره !
ادهم : اسمعي الكلام يا مريم.
مريم : حضار... مش هنتأخر ومش هلبس حاجات ملفته وهنقعد في مكان محترم.... في حاجة تانية ؟
فابتسم ادهم بغرور وقال : لا بس وحشتيني.
ردت عليه بخجل : وانت كمان.
ادهم : هتاخدي ادهم معاكي ؟
مريم : لأ هسيبه في البيت.
ادهم : طيب كويس... يلا روحي دلوقتي.
مريم : اوك.. سلام .
- ثم اغلقت الخط وتوجهت الى غرفتها ، بدلت ملابسها وخرجت حيث اوصلها سمير الى وجهتها حيث كانت الهام تنتظرها وما ان رأتها حتى نهضت وعانقتها بابتسامة فبادلتها العناق ثم جلسن وقالت الهام : وشك منور يا مريم.. ايه الحكاية يا بت ؟
فابتسمت مريم بخجل واعادت شعرها خلف اذنها قائلة : ادهم بيحبني يا لولو... هو قالي انه بيحبي من زمان اوي و ماكنش عايز يطلقني اساساً.
الهام : بجد يا مريم !
هزت رأسها بالموافقة فقالت الهام : الف مبروك يا حبيبتي... فرحتلك من كل قلبي .
مريم : تسلمي يا روحي... قوليلي انتي اخبارك ايه ؟
تنهدت الهام بضيق شديد وسرعان ما تجمعت الدموع في عينيها مما جعل مريم تقلق فسألتها : مالك يا الهام ؟؟
في تلك اللحظة انفجرت الهام باكية وقالت : مش قادرة استحمل بعده عني يا مريم... انا بحبه والله العظيم بحبه اكتر من روحي .
يتبع..........
- أنفجرت الهام بالبكاء قائلة : مش قادره استحمل بعده عني يا مريم ....انا بحبه , والله العظيم بحبه اكتر من روحي .

قالت ذلك وغطت وجهها بيديها وأجهشت بالبكاء فاخذتها مريم بحضنها وقالت معاتبة : طب مادام بتحبيه للدرجة دي سبتيه ليه ؛ ليه رجعتي مصر وسبتي قلبك متعلق في نيوينرك معاه ؟

اجابتها الهام من بين شهقاتها : وهفضل هناك ليه ، مهو لو كان حاسس بيا ماكنش سابني امشي ببساطة كدا , ايوا انا بحبه بس مقدرش اهين كرامتي وافرض نفسي عليه .

فتنهدت مريم بقلة حيلة واردفت : والله مش عارفه هقولك ايه ... يعني من جهة انتي عندك حق وجيه الوقت عشان تستقري هنا في بلدك وجنب اهلك ومن جهة تانية انتي غلطتي لما سبتي حب حياتك كدا واديكي عماله تتعذبي وانا مش عارفه اعملك حاجة ودا بيعذبني انا كمان .

مسحت الهام دموعها وقالت بنبرة منكسرة : خلاص يا مريم ...بكرا هقدر اتعود على غياب خالد عني وكل الوجع دا هيخف مع الوقت ، اساساً انا ابتديت ادور على شغل علشان انساه .

فتنهدت مريم للمرة الثانية واستطردت : طيب ايه رأيك ترجعي تشتغلي في شركة ادهم ، انا ممكن اتكلم معاه علشان يرجعك الشغل وبكدا هنقدر نشوف بعض دايماً لاني هرجع اشتغل معاه انا كمان .

هزت الهام راسها بالنفي قائلة : لا يا مريم ... هيبقى شكلي وحش قدام جوزك وخصوصاً بعد ما سبت الشغل زمان من غير سبب ولو كلمتيه علشان يرجعني هيفتكر اني بستغل صداقتنا لمصالح شخصية وانا مش عايزه يحصل كدا .

مريم : بتقولي ايه يا عبيطة ؛ ادهم عارف كل حاجة وعارف انك ضحيتي بالوظيفة بتاعتك وبكل حاجة علشان تروحي معايا وانا متأكدة انه بيعتبرك بنت جدعة ومش هيفكر في اي حاجة وهيشغلك على طول .

الهام : بس ....

فقاطعتها مريم بقولها : متعترضيش يا لولو اساساً عمرك ما هتلاقي شركة احسن من شركة ادهم لان الشغل فيها كان حلم حياتك وبعدين بيني وبينك الشركة محتاجه لنا في الفترة دي لان في هاكر واطي اخترق النظام وسبب مشكلة كبيرة وخسايرها اكبر .

الهام : يا ساتر استر يا رب , طيب هو عمل ايه ؟

مريم : دمر الموقع الأكتروني اللي كانت الشركة هتصدره اخر الشهر دا ولو ما رجوش صمموا واحد تاني بسرعة فأكيد الشركة هتخسر فلوس كتير اوي .

الهام : عارفة , دا فكرني في المسابقة اللي عملناها في فترة التدريب لما كنا بنشتغل في شركة ادهم بيه , فاكره ان جوزك المحترم استبعدك منها بسبب طول لسانك وفضلتي تشتغلي شهر كامل في تجميع المعلومات مش كدا ؟

قالت جملتها الأخيرة بنبرة مرحة فضحكت مريم و استأنفت الحديث بقولها : ايوا , يومها انا تحديت ادهم وقلت ان المسابقة دي زي لعبة العيال بالنسبالي علشان كدا استبعدني منها .

الهام : طب ليه ما تصممي الموقع انتي يا مريم ، دا هيبقى سهل بالنسبه لك لأنك عملتي كدا لما كنا في الكلية وقدرتي تصممي موقع لبيع اكل الحيوانات خلال اسبوع , يعني تقدري تنقذي الشركة من الخسارة .

مريم : انا فكرت في الموضوع دا بس ادهم عايزني ارجع السكرتيرة بتاعته بس لو انتي وافقتي انك ترجعي الشغل فاكيد هتقدري تساعديهم لأنك جيتي في المرتبة التانية في المسابقة اللي عملتوها زمان .

فتنهدت الهام وقالت : طيب خلاص , انا موافقة ارجع اشتغل في شركة رويال بس جايز ان ادهم بيه مش هيوافق .

فابتسمت مريم بثقة وقالت : لا انتي سيبي الحكاية دي عليا انا , ودلوقتي قومي علشان نروح .

الهام : هنروح فين ؟

مريم : الشركة .

تسارع في الأحداث ..........

كان ادهم جالساً في مكتبه يعمل على حاسوبه بتركيز كبير بينما كان خالعاً سترته ورافعاً اكمام قميصه لكي يتحرك براحة اكبر , سمع صوت طرق على باب مكتبه فقال بدون ان يرفع نظره عن الحاسوب : اتفضل .

دخلت السكرتيرة سلمى وقالت بارتباك شديد : انا اسفه على الازعاج يا فندم بس ... البنت اللي اسمها مريم مراد رجعت وعايزه تقابل حضرتك .

في تلك اللحظة ارتسمت ابتسامة صغيرة على شفتيه عندما سمع اسمها فنظر الى سلمى وقال : وانتي مستغربة كدا ليه يا سلمى ؟

سلمى : دي...دي رجعت بعد كل السنين اللي فاتت وجايه تقابل حضرتك كدا بكل بساطة !

ادهم : وفيها ايه يعني مهي جايه تقابل جوزها مش حد غريب , علشان كدا دخليها بسرعة .

قال جملته الأخيرة بهدوء مميت وعاد ليكمل عمله بكل بساطة مما جعل سلمى تقف مشدوهة في مكانها محاولة استيعاب ما قاله , فرمشت عدة مرات وسألته بغير تصديق : قولت ايه يا فندم ؟!

نظر اليها مجدداً وقال : ومن امتى انا بكرر كلامي يا سلمى ، بس لو دا هيريحك هرجع اقولك ان مريم مراتي علشان كدا دخليها بسرعة .

ازدادت دهشة سلمى التي لم تعلم كيف ولما ومتى تزوج ادهم من مريم التي سافرت قبل 5 سنوات تقريباً ولم يراها أحد بعد ذلك , فحاولت السيطرة على دهشتها وقالت : ح...حاضر يا فندم .

ثم خرجت من المكتب وفي رأسها مليون سؤال ، فنظرت الى مريم التي كانت واقفة برفقة صديقتها الهام ثم اردفت قائلة : اتفضلي ... ادهم بيه مستني حضرتك .

ابتسمت مريم قائلة : متشكره يا مدام سلمى .

ثم التفتت الى الهام واضافت : انا هروح اكلم ادهم الاول وانتي استنيني هنا اوك ؟

الهام : تمام .

- أخذت مريم نفساً عميقاً ثم طرقت باب مكتب ادهم وبعدها دخلت فنهض هو وابتسم تلقائياً عندما رآها واقترب منها قائلاً بشقاوة : الظاهر ان في وحده مقدرتش تستحمل وهي بعيدة عني علشان كدا جت هنا مش كدا ؟

قال ذلك ثم امسك بيدها وطبع عليها قبله لطيفة جعلتها تذوب خجلاً ، فسحبت يدها وقالت : لا مش كدا... انا جيت علشان عايزه اطلب منك طلب صغير .

ادهم : انتي مش بتطلبي ، انتي تؤمري يا قمر وانا بنفذ.

فابتسمت مريم بإشراقة وسألته : بجد يا ادهم ؟

ابتسم هو ايضاً وامسك بكلتا يديها وقال : طبعاً بس كل حاجة بثمنها ، يعني بعمل كل حاجة انتي عايزاها بس في المقابل تعملي اللي بطلبه منك ماشي .

مريم : طيب وانا موافقة.

ادهم : طيب ايه هو طلبك يا روحي ؟

فقالت بغنج وكأنها تحاول أن تخدعه وهي ترتب له ياقة قميصه : انا عايزه اطلب منك انك ترجع الهام صاحبتي الشغل في شركتك لانها سابته زمان بسببي انا مع ان الشغل هنا كان حلمها ومش هاين عليا انها تفضل قاعدة كدا .

ابتسم ادهم بلطف وقال : بس كدا ؛ انا افتكرت انك عايزه حاجة تانية.

فنظرت اليه قائلة : يعني ؛ انت موافق انها ترجع الشغل ؟
ادهم : مش انتي عايزاها ترجع يبقى خلاص اعتبري انها رجعت ومن دلوقتي لو دا هيريحك.

فابتسمت بإشراقة ولم تشعر بنفسها عندما عانقته قائلة : متشكره اوي يا حبيبي ، انا عمري ما هنسى معروفك دا ابداً .

ضحك بدوره وابعدها عنه قائلاً : حيلك.. حيلك... دا مش معروف يا مريم اساساً انا كنت عايز اطلب منك تكلميها علشان ترجع الشغل لان الشركة محتاجه مهارتها دلوقتي.

مريم : بجد يا ادهم ، الكلام دا هيسعدها اوي.

ادهم : ايوا يا حبيبتي ، وكمان انتي هتساعدينا علشان نقدر نحل المشكلة دي لاني واثق بقدراتك .

مريم : مش على اساس هبقى السكرتيرة بتاعتك ؟

ادهم بخباثة : طبعاً دا موضوع لا مفر منه وهتبقي السكرتيرة بتاعتي علشان تفضلي قريبه مني وجنبي على طول بس بعد ما نحل مشكلة الموقع الإلكتروني ونصدره في المعاد.

فابتسمت قائلة : يبقى اتفقنا...هنبتدي شغل من دلوقتي ايه رأيك ؟

ابتسم بدوره قائلاً : اوي اوي.

مريم : يبقى انا هخرج علشان اقول لالهام اصلها مستنياني على نار.

ادهم : وانا هكلم كمال علشان يضبط موضوع رجعة الهام ويقول لها تعمل ايه.

مريم : تمام ، يلا عن اذنك.

قالت ذلك ثم ارادت ان تخرج ولكن ادهم اوقفها بقوله : مش ناسيه حاجة يا مريم ؟

فالتفت إليه وسألت بعدم فهم : حاجة زي ايه ؟

نظر اليها ورفع حاجبه الايسر ثم تنهد وفتح ذراعيه ففهمت قصده وابتسمت بخجل شديد قائلة بهمس : ادهم... احنا في الشركة دلوقتي ميصحش تعمل كدا .

فابتسم هو بخباثة واقترب منها بخطوات سريعة وسرعان ما استقرت يديه على خاصرتها فقربها من صدره قائلاً : وايه يعني اننا في الشركة.

فقالت بغنج ممزوج بالخجل وهي تلعب باحد ازار قميصه : افرض حد دخل مكتبك ولقانا كدا.

ادهم : وفيها ايه ، ما انتي مراتي ومش بنعمل حاجة غلط .

قال ذلك ثم قرب وجهه من وجهها وطبع قبله صغيره على شفتيها جعلتها تشعربقلبها يكاد يفر من بين ضلوعها ولكنها تداركت نفسها وقالت : خلاص كدا كفاية.. هروح دلوقتي.

ثم ابعدت يديه عن خاصرتها فابتسم قائلاً : طيب يا قلبي.

مريم : يلا سلام.

قالت ذلك ثم خرجت من مكتبه وهي تكاد تطير فرحاً بعلاقتها الجميلة مع زوجها وحبيبها واب طفلها ، فنهضت سلمى عندما رأتها تخرج ونظرت إليها بغير تصديق قائلة في سرها : دي بقت مرات ادهم بيه والله مش قادره اصدق ، طيب ازاي وامتى ؟!

اما الهام فكانت جالسة بعيداً عن سلمى التي كانت ترمقها بنظرات استفهام بين الفينة والأخرى ، وعندما خرجت مريم نهضت بسرعة وتوجهت اليها بسؤال : ها... قلك ايه ؟

فابتسمت مريم ثم احاطت ذراع صديقتها وقالت : قال ان الشركة محتاجة مهارتك وانك تقدري تبتدي شغل من دلوقتي وانا معاكي.

ابتسمت الهام وهتفت بلهفة : بجد يا مريم !

أومأت مريم برأسها وقالت : ايوا يا حبيبتي ولو مش مصدقاني اهو مكتبه قدامك تقدريه تروحي وتسأليه بنفسك.

اتسعت ابتسامة الهام وعانقت صديقتها المقربة قائلة : ميرسي اوي يا ميمي... انتي متتخيليش قد ايه انا محتاجة الشغل دا دلوقتي.

ابعدتها مريم عنها قليلاً واردفت بجدية : لا يا الهام... انا عارفه انتي حاسه بأيه دلوقتي علشان انا حسيت نفس احساسك لما كنت بعيده عن ادهم وكنت بشغل نفسي بحاجات تانية علشان اقدر انساه .

توقفت قليلاً عن الكلام ثم استطردت بنبرة مرحة : انسي كل حاجة دلوقتي وخلينا نروح ندور على الاستاذ كمال علشان يقولنا نعمل ايه.

فابتسمت الهام وغمفمت : يلا بينا .

تسارع في الاحداث.........

مرت عدة ايام على مريم والهام وهن يعملن على تصميم الموقع الإلكتروني في شركة ادهم وكان خبر زواج ادهم من مريم قد انتشر في الشركة كما لو انه وباء خطير وأخذ جميع الموظفين يتساءلون عن الموضوع وكيف استطاعت تلك الفتاة البسيطة ان توقع ادهم عزام السيوفي الملقب بالجبل الجليدي في حبها لدرجة أنه تزوجها وانجب منها طفلاً .

وخلال هذه الايام كانت حالة الهام افضل بكثير لانها اشغلت نفسها في العمل واثمر مجهودها هي وصديقتها مريم في النجاح الكبير الذي حققته الشركة لان الموقع الإلكتروني قد اصدر في موعده المحدد وحقق نسبة ارباح عالية جداً ، فكانت النتيجة ان تصبح هي احدى المبرمجات الرئيسية في الشركة بينما عادت مريم لتصبح سكرتيرة زوجها الخاصة وكانت سعيدة بذلك خصوصاً لان ادهم كان يعاملها معاملة خاصة عندما يكونا لوحدهما ولكن اثناء العمل كان يقسو عليها احياناً لان لا مجال للتهاون في شركته حتى وان كانت مريم حبيبته يبقى العمل عملاً .

وذات يوم......

كانت سلوى تجهز نفسها لکي تدخل إلى احدى العمليات برفقة زوجها معاذ ، وبينما كانت تعقم يديها شعرت بالدوار من رائحة المعقم القوية فكادت ان تفقد توازنها ولكن زوجها اسندها قائلاً : فيكي حاجة يا حبيبتي ؟

فنظرت اليه بوجه شاحب وقالت : حسيت بدوخة بس هبقى كويسه متقلقش .

شعر معاذ بالقلق عليها لذا وضع يده على جبينها وقال : مفيش سخونيه ، بس شكلك تعبانه اوي ومش هينفع تدخلي العملية وانتي بالحالة دي .

سلوى : انا كويسه يا معاذ.

رد معاذ بجدية : انتي عارفه النظام يا سلوى ، ماينفعش تدخلي اي عملية وانتي تعبانه لان دا هيعرض حياة المريض للخطر ، علشان كدا انتي روحي ريحي وانا هطلب دكتور تخدير تاني.

فتنهدت سلوى باستسلام ووغمغت : حاضر زي ما انت عايز.

نظر إليها قائلاً : لو تعبانه اوي خلي الدكتورة سما تكشف عليكي لغاية ما اخلص العملية واجيلك اوك.

ابتسمت سلوى بلطف لان زوجها الذي تحبه يخاف عليها حتى من نسمة الهواء فامسكت بيده وقالت : متخفش يا حبيبي ، انا كويسه بس جايز حسيت بدوخة لاني منمتش كويس امبارح.

معاذ : طيب يا قلبي ؛ انا لازم اروح دلوقتي وانتي متعبيش نفسك اتفقنا.

سلوى : ان شاء الله .

معاذ : ادعيلي.

سلوى : ربنا يقويك .
- ثم دخل معاذ الى العملية بعد ان طلب من احد اطباء التخدير المتفرغين ان يحل محل سلوى التي كانت ترافقه في كل عملية جراحية يجريها ، اما هي فنزعت الثوب الاخضر وارادت ان تخرج من غرفة التعقيم ولكنها شعرت بالأعياء الشديد ؛ وضعت يدها على فمها لتمنع نفسها عن التقيوء ثم ركضت نحو الحمام وبدأت تتقيأ ، وعندما انتهت شعرت بصداع خفيف فغسلت وجهها ونظرت إلى انعكاس صورتها في المرآة مطولاً وفي تلك اللحظة شع شعاع الأمل في قلبها المنكسر واخفضت نظرها لتنظر إلى بطنها ثم وضعت يدها عليه وقالت بعدم تصديق : معقول انا.....حامل !

قالت ذلك ثم خرجت من دورة المياه بسرعة حتى توجهت إلى عيادة المستشفى ؛ اشترت جهاز كاشف للحمل وسرعان ما عادت الى دورة المياه حتى تختبر الجهاز وكانت النتيجة ايجابية حيث اظهر الاختبار انها حامل بالفعل ، تجمعت الدموع في حدقتيها ووضعت يدها على فمها غير مصدقة انها حامل اخيراً بعد انتظار 6 سنوات طويلة ولكن الله جبار السماوات قد جبر بخاطرها المنكسر بعد ان صبرت طويلاً ورضيت بحكمه وقسمته وقد زرع في جوفها روحاً طاهرة نقية ستعوضعها هي وزوجها الذي رفض رفضاً قاطعاً بأن يتزوج غيرها حتى ينجب وفضل ان يعيش بدون اطفال على ان يكسر قلبها.

بعد مرور عدة ساعات.....

خرج معاذ من غرفة العمليات وهو منهك القوى حيث كانت العملية التي اجراها صعبة جداً ولكنها نجحت في نهاية المطاف ، أراد ان يتصل على زوجته لكي يطمئن عليها ولكنه تفاجأ بوجودها جالسة في مكتبه فتوجه نحوها بسرعة وسألها بلهفة : انتي كويسه يا حبيبتي ؟

نظرت سلوى اليه بعيون تملؤها الدموع مما زاد قلقه وخوفه عليها فأمسك بوجهها قائلاً بقلق : مالك يا سلوى ؛ انتي بتعيطي كدا ليه ؟!

ولكنها لم تقل شيئاً بل امسكت يده ووضعت بها اختبار الحمل دون ان تبعد نظرها عن وجهه فنظر هو الى الجهاز الذي وضعته بيده وسرعان ما قطب حاجبيه عندما رأى أن النتيجة ايجابية ؛ فنظر الى وجهها بسرعة بعيون مفتوحة حيث ابتسمت له ثم وضعت يدها على خده قائلة : الحمد لله يا حبيبي...احنا صبرنا وربنا كرمنا وهيبقى عندنا ابن.

في تلك اللحظة شعور غريب سرى في جسد معاذ الذي تفجرت دموعه لتسيل على خده كالطوفان وكأنها كانت تنتظر خلف رموشه وسألها بصوت يكاد يختفي : انتي... متأكدة يا سلوى ؟

أومأت له مبتسمة وقالت : انا عملت تحليل دم علشان اتأكد والنتيجة طلعت اني حامل في الشهر الاول.

فضحك معاذ بسعادة غامرة وعانق زوجته بقوة بينما كانت دموع الفرح تنساب على وجههما ، ثم ابتعد عنها قليلاً وامسك رأسها بكلتا يديه ثم قبلها قبلة عميقة مليئة بالحب وبعدها قال : الف مبروك يا روحي ؛ متتخيليش انا مبسوط قد ايه دلوقتي.

ابتسمت هي ايضاً ووضعت يدها على يده التي كانت على خدها ثم غمفمت : الحمد لله اننا عشنا وشفنا اليوم دا اخيراً.

فوضع معاذ جبينه على جبينها واغمض عيناه الدامعة قائلاً : بحبك يا سلوى ، بحبك اكتر من اي حاجة في الدنيا دي وربنا يقدرني علشان اسعدك انتي وابننا اللي جاي .

تسارع في الاحداث......

عادت الهام الى المنزل في تمام الساعة الخامسة والنصف مساء وكانت متعبة لذا فتحت باب المنزل وقالت بنبرة مرهقة : ماما... انا رجعت وعايزه اكل بسرعة لاني هموت من الجوع.

فاسرعت امها نحوها وقالت بصوت خافت : وطي صوتك يا عبيطة عندنا ضيوف.

سألتها الهام بصوت منخفض : مين دول ؟

الام : لو عايزه تعرفيهم يبقى خشي هما في الصالة سلمي عليهم واقعدي معاهم انتي وبباكي لغاية ما جيب الضيافة.

تنهدت الهام وقالت بعدم اكتراث : انا تعبانه اوي يا ماما وعايزه اكل.

فضربتها امها على كتفها بخفة وزجرتها من بين اسنانها : يا عبيطة افهمي... بباكي قاعد معاهم لوحده وفي ست كمان علشان كدا اقعدي معاهم لغاية ما جيب الواجب.

الهام : طيب خلاص خلاص... هقعد معاهم وهنشوف اخرتها ايه.

قالت ذلك ثم توجت نحو غرفة المعيشة فابتسمت والدتها وقالت : اخرتها خير ان شاء الله.

وعندما دخلت الهام الى الصالة ارادت ان ترمي السلام ولكن لسانها شل عندما رأت خالد وعمته سحر جالسين مع والدها الذي نظر اليها وابتسم قائلاً : اهي العروسة جت.

فنظر خالد اليها ثم نهض وابتسم ابتسامة تحمل الكثير من المعاني اهمها الحب والاشتياق وسألها بصوت هادئ : ازيك يا الهام ؟

اما سحر فنهضت وابتسمت قائلة : ازيك يا حبيبتي ؟؟

ولكن الهام لم تستطيع الرد حيث كانت تحدق بـ خالد بغير تصديق فوكزتها امها التي عادت من المطبخ وهي تحمل الفاكهة وغمغت بهمس : اتقلي يا بت قدام الراجل.

ثم ابتسمت وقالت للمرة السابعة : اهلاً وسهلاً.

اما العم امين فقال : الهام... مش عايزه تسلمي على الجماعة يا بنتي ؟

فعادت الهام الى طبيعتها ولكن عيناها امتلأت بالدموع وقد لاحظ خالد ذلك ولكنها تداركت الامر وابتسمت ثم توجهت نحوهم قائلة : ايه المفاجأة الحلوه دي ؟؟

قالت ذلك ثم مدت يدها لتصافح خالد فصافحها بيده الدافئة وما ان لمست يده حتى شعرت بقلبها يرقص فرحاً ومع ذلك سألته بهدوء : ازيك يا خالد ؟

ابتسم خالد وقال : دلوقتي بقيت كويس.

اربكها بكلامه لذا سحبت يدها بسرعة ثم توجهت نحو سحر التي عانقتها وقالت : وحشتيني يا لولو.. بقى كدا يا شقية ترجعي مصر من غير ما تودعيني ؟

في تلك اللحظة انسابت دمعة من عين الهام ، مسحتها بسرعة واردفت : انا اسفه يا طنت بس السفرية جت فجأة وكان لازم ارجع.

واستطرد والدها قائلاً : سيبوا العتب واللوم لوقت تاني يا جماعة وخلونا نرجع لموضوعنا.

- جلس الجميع مجدداً وقال العم امين لابنته الهام التي جلست بجانبه : بصي يا بنتي... انتي بقيتي كبيرة دلوقتي وانا بحترم كل قراراتك بس لانك بنتي الوحيدة انا بخاف عليكي ونفسي اشوفك عروسه وتزيني بيت جوزك والراجل المحترم دا قطع مسافة طويلة علشان يجي هنا ويطلب ايدك مني ، قوليلي انتي موافقه تتجوزيه على سنة الله ورسوله الكريم ؟

فنظرت الهام الى خالد بصدمة وفي تلك اللحظة حرك شفتيه وتمتم لها بكلمة كانت تنتظرها منذ سنين إذ همس لها قائلاً : بحبك.

ذرفت دموعها بعد ان كانت حبيسه واحنت رأسها دون ان تقول اي شيء فعاد والدها وسألها مجدداً : قولتي ايه يا الهام ، انتي موافقة انك تتجوزي الاستاذ خالد يا بنتي ؟

احمرت وجنتيها خجلاً وقالت بصوت خافت : اللي تشوفه يا بابا.

فابتسمت امها وقالت : اهو السكوت علامة الرضا يا جماعة.

واضافت سحر بابتسامة عريضة : مادام كدا خلونا نقرا الفاتحة على نية التوفيق .

فقال العم امين : على بركة الله.

ثم قرأوا الفاتحة وعندما انتهوا نهض خالد وصافح امين الذي قال : الف مبروك يابني .

خالد : ربنا يخليك يا عمي.

اما الهام فقد حاصرتها امها وعمة خالد بالعناق والتهنئة بينما كانت هي تنظر اليه بسعادة كبيرة ولكن خجلها لم يسمح لها بأن تتحدث بأي شيء الى حين قال خالد لوالدها : تسمحلي اقعد مع الهام على البلكونة يا عمي ؟

فنظرت هي الى والدها الذي قال : ومالو يابني... اتفضلوا.

نظر خالد اليها ثم ابتسم ومد لها يده حتى تمسك بها قائلاً : يلا يا عروسة.

نظرت الهام الى امها وكأنها تستأذنها للذهاب مع زوج المستقبل فأومأت لها بابتسامة جعلتها تستجمع شجاعتها ووضعت يدها في يده بلطف وخجل ثم خرجت برفقته الى الشرفة ، وما ان وطأت أقدامهم أرض الشرفه حتى سحبها وعانقها بقوة وكأن حياته معلقة على ذلك ثم همس لها قائلاً : وحشتيني.

ذرفت الدموع مجدداً وغمغت بصوت مخنوق : وانت كمان .

ثم ابعدها عنه قليلاً ونظر إلى وجهها الباكي وقال بجدية : بحبك.

فابتسمت بينما استمرت بذرف الدموع ولم تقل شيئاً بينما سألها بابتسامة : تقبلي تتجوزيني يا الهام ؟

أومأت له برأسها بالموافقة وكأن لسانها قد شُلت حركته تماماً فابتسم بإشراقة وعانقها مجدداً ولكن سرعان ما ابعدته عنها قائلة بهمس : ميصحش تعمل كدا ، اهلي والجيران هيشوفنا.

فابتسم خالد وسألها : مكسوفه يا لولو ؟؟

ابتسمت بخجل واحنت رأسها قائلة : والمفروض اني متكسفش ؟

قبل خالد يدها واردف : لأ اتكسفي لانك تبقى زي القمر وانتي مكسوفة.

فازداد خجلها ولم تصدق نفسها لان حبيبها الذي تخلت عنه قد قطع مسافات طويلة حتى يطلب يدها ، فنظرت اليه قائلة : قولي يا خالد انت متأكد من اللي بتعمله دا ؟
اقترب خالد منها ثم طبع قبلة ناعمة على جبينها وقال : عمري مكنتش متأكد من حاجة زي ما انا متأكد من حبي ليكي... ايوا بحبك وعايز اتجوزك ونعيش مع بعض تحت سقف واحد .

فقالت الهام بنبرة قلقة : بس انا مقدرش ابعد عن اهلي تاني يا خالد... يعني لو تجوزتك هرجع معاك نيويورك لان حياتك هناك.

فابتسم خالد بلطف ورد عليها بقوله : حياتي كانت هناك بس دلوقتي بقت في مصر.

الهام : ازاي يعني ؟

خالد : انا بعت شركتي اللي في نيويورك والفيلا وكل حاجة ورجعت علشان اعيش في مصر وهوسع شركتي اللي هنا وكل دا علشانك انتي ومريم لاني مقدرش اعيش من غير حبيبتي واختي وابنها.

تأثرت الهام كثيراً بما قاله لدرجة ان دموعها نزلت مجدداً فابتسمت وقالت : بجد يا خالد ، انت بعت كل ممتلكاتك في نيويورك علشاني انا ومريم ؟

مسح خالد دمعتها بلطف واجاب : مش بس علشانكوا... انا عشت في الغربة كتير اوي وآن الآوان علشان ارجع بلدي وبصراحة عمتي كان نفسها ترجع مصر من زمان بس ماكنتش عايزه تسيبني لوحدي هناك علشان كدا انا قررت ارجع ومش هسيب مصر بعد كدا ابداً .

في منزل عائلة السوفي......

عاد ادهم ومعه مريم الى المنزل في نفس الوقت الذي عاد به معاذ وزوجته سلوى وكانت السعادة ظاهرة على وجههما ، فدخلوا الى المنزل وكان كمال ورغد عندهم جالسين في غرفة المعيشة مع السيدة كوثر.

فقال ادهم : مساء الخير.

رد البقية عليه السلام ثم قال معاذ بنبرة تنم عن السعادة : انا عندي خبر حلو يا جماعه.

فقالت امه : خير ان شاء الله.

ابتسم وامسك بيد سلوى وهتف بسعادة غامرة : سلوى حامل يا ماما.

- شعور رائع للغاية شعر به افراد العائلة وسعادة وفرح كبيرين غطيا وجوههم بعد سماع ذلك الخبر المفرح فنهضت السيدة كوثر وقالت بغير تصديق : بجد يا ابني ؟؟

فابتسم معاذ قائلاً : والله العظيم.

نزلت دموع امه وعانقته هو وزوجته بقوة بينما سمعا التهنئة من الاخرين وكان الجميع سعيد لأجلهما ، وبعد التهنئة والضحك والسعادة اجتمعوا حول مائدة الطعام ليتناولوا العشاء ، فأخذوا يتحدثون بأمور كثيرة ويمزحون في ما بينهم حتى انهم لم يشعروا بالوقت يمضي بسرعة واصبحت الساعة العاشرة مساءً ، فاغادر كمال وزوجته الى منزلهما اما معاذ فكان يعامل سلوى كما لو انها اميرة حتى لا ترهق نفسها وقد بالغ بردة فعله كثيراً لدرجة أنه حملها الى غرفة النوم قائلاً : من النهارده مفيش تطلعي السلم لوحدك ، انا هشيلك علشان متعبيش نفسك .

فضحكت وهي تحاوط عنقه بذراعها قائلة : مش للدرجه دي , انا اقدر اطلع السلم لوحدي .

معاذ : ان اتخذت قراري وهشيلك كل يوم كدا لغاية ما تقومي بالسلامة يا روح قلبي.

سلوى : مبسوط يا حبيبي ؟

توقف معاذ عند الدرجة الأخيرة ونظر اليها قائلاً بجدية : الكلمة دي متقدرش توصف السعادة اللي جوايا يا سلوى , انا استنيت كتير علشان يبقى عندي ابن منك انتي ومقبلتش اتجوز غيرك علشان انتي حبيبتي الوحيدة حتى لو كنت هعيش طول عمري من غير عيال بس الحمد لله ربنا كرمنا وهتبقي اجمل ام في الدنيا دي كلها يا روحي .

ذرفت سلوى دمعة وهي تسمع كلامه مما جعلها تسند رأسها على صدره وقالت : وانا بحبك يا معاذ والحمد لله اني هبقى ام لأبنك .

فابتسم معاذ ثم انزلها واستطرد بمرح : يلا يا سمو الأميرة ، اتفضلي على الجناح الملكي بتاع حضرتك وانا هروح اجيب لك كوباية لبن دافية.

اما في مكان اخر من المنزل ....

كان ادهم في غرفة المكتب ينظر من خلال النافذة فسمع طرق خفيف على باب الغرفة فابتسم قائلاً : اتفضلي يا حبيبتي .

فدخلت مريم وهي تحمل فنجان شاي وسألته : ازاي عرفت ان دي انا ؟

نظر اليها واجاب : محدش هيزعجني في الوقت دا غير حبيبة قلبي .

مريم : بقى كدا ... انا جبتلك كوباية شاي بس لو مش عايزها هرجعها على طول .

فابتسم ادهم وقال : لا عايزها .

فابتسمت بدورها وأعطته فنجان الشاي قائلة : بالهنا والشفا .

فأخذ ادهم فنجان الشاي من يدها ثم وضعه على الطاولة وعاد ليمسك يدها وقربها منه قائلاً : متشكر لأنك جيتي دلوقتي .

قال ذلك وعانقها بلطف فشعرت انه ليس على مايرام لذا سألته بقلق : مالك يا ادهم ؟

فأغمض عيناه وأحكم عناقها وهمس بصوت أجش : ششش ، خلينا نفضل كدا من غير كلام .

قال ذلك واخذ يستنشق عبير شعرها وهو يغمض عيناه فتنهدت وأخذت تربت على ظهره بلطف وبقيا على تلك الحال لمدة ثلاث دقائق ثم ابعدها عنه وقال : متتخيليش انا فرحان قد ايه ، واخيراً ربنا كرم معاذ وسلوى وهيبقى عندهم ابن بعد كل السنين دي .

مريم : هما بقالهم متجوزين قد ايه ؟

ادهم : تقريباً من سبع سنين ، اتجوزوا بعد ما تخرجوا من الجامعة على طول .

مريم : يااه ...دي مدة طويلة اوي .

فتنهد ادهم قائلاً : انا كنت بدعي ربنا كل يوم علشان يجبر بخاطرهم ويرزقهم الخلفة لأن سلوى بنت حلال وبتستاهل كل خير ومعاذ بيحبها اوي .

مريم : عندك حق ، دول طيبين اوي والحمد لله ان ربنا كرمهم وهيخلفوا .

ادهم : على سيرة الخلفة ، ابننا فين ؟

فابتسمت مريم قائلة : نام من شوية ، دا بقى شقي اوي وطلع عيني لغاية ما نام .

ادهم : يبقى هروح اطمن عليه .

قال ذلك ثم امسك فنجان الشاء وشرب منه رشفة ثم قبلها على خدها وخرج من غرفة المكتب وتركها خلفه ، فابتسمت ثم اخذت تنظر في ارجاء الغرفة حيث كانت تلك اول مرة تدخلها منذ ان عاشت في القصر ... أخذت تستكشف العالم الخاص بحبيبها وبينما كانت تنظر في ارجاء المكان وقع نظرها على دفتر مذكرات قديم ذو غلاف جلدي أثار فضولها كثيراً لذا امسكت به وفتحته وسرعان ما تفاجأت من محتواه حيث كان مليء بقصائد الشعر التي كتبها ادهم لها خلال السنوات التي عاشتها في نيويورك وقرأت ما يلي :

عرفت الناس والدنيا وطريقي * وعرفت إن الهوى كذب وأماني ...

أخذني الشوق والحب الحقيقي * لذاك الذي بعد الحب جفاني ...

انزلني للأسف في عز ضيقي * وأنا في غمرة جراحي أعاني ..

****

بكيت وهل بكاء القلب يجدي ... فراق أحبتي وحنين وجدي ..

فما معنى الحياة إذا افترقنا ... وهل يجدي النّحيب فلست أدري ؟!

فلا التّذكار يرحمني فأنسى ... ولا الأشواق تتركني لنومي !!

فراق محبّوبتي كم هزّ وجدي ... وحتّى لقائها سأظلّ أبكي .

****

حبيبتي إسمُها مريم , بل و الحب مريم ...

أبداً لن اتوقف عن القيام بمراسم حبي المُقَدَّس لكِ محبوبتي

فأنتِ الحبيبة و العَشِيقة .. مريم

أنتِ الهوس والجنون ... مريمتي

أنتِ الغضب و الثورة ..

انتِ الوَطَن و الأمان ..

الراحة و الحَنان فأنتِ بكل بساطة مريم

****

أحببتكِ وظَنَنت أبداً أنكِ لن تُفارقيني ولكنكِ فعلتِ ...وها أنا ذا في شِدَّة إحتيَاجي إلَيكِ ..

كي أعُد إلى توازني البَيلوجيّ كي أعُد إلى إتزاني الروحيّ ..
فقد تَعِبت من دُونِك يا مريمتي حقاً تَعِبت ...اليَوم كالبارِحة ، منذ يَوم فراقِك و أنا أُعَاني ..

منذ أن أثرتي بقَلبِي هَذا البركَان الخَامِد ... و كُل يَومٍ فِي فراقِك يزدَاد غَليَاني !

خَرَّت كُل قُواي و لا أستَطِع التَحَمُل فَإما لِقَائكِ ... أو فِراق لِحَيَاتي وأحزاني ...

****

ها أنا ذا اسطُر إليكِ هذه الكلمات مُعلناً على الملأ ان هذا الجبل الجليدي قد وقع في شباك حبكِ لتُزِيدني ناراً على نَاري

نيران عشقِِ تشعل قلب لم يذق ابداً مثل هذه المشاعر ، مثل هذا الحب ، مثل هذا الاحتواء عَفواً محبوبتي فَقَد أدمَنت هَوَاكِ

****

- وبعد ان قرأت ما خطته يداه من اجلها واستشعرت الألم الذي كان يعانيه مع كل حرف كتبه ، اغلقت الدفتر ودموعها قد بللت اوراقه الباهتة وشعرت بضيق شديد في صدرها لأنها كانت سبب معاناته لما يزيد عن الأربع سنوات ؛ جلست على الأريكة وأخذت تبكي بصمت على سنين قد اضاعتها وهي بعيدة عنه بسبب حماقتها وتفكيرها الساذج فهي كانت تشعر بأنه يحبها منذ البداية ... منذ ان قبلها في مكتبه واراد ان يمتلكها ولكن شيطان الكبرياء الأنثوي الذي بداخلها ابعدها عنه وجعلها تُسيء فهمه لمدة طويلة ولكن ها هي الأن قد عرفت الحقيقة كاملة وعرفت كم يحبها ... كم يعشقها ... كم هو بها مغرم .

فمسحت دموعها ثم نهضت وأخذت دفتر المذكرات وبعدها خرجت من غرفة المكتب ولم تعرف كيف وصلت الى غرفتهما ، هل ركضت ام حلقت ... لم تشعر بقدميها عندما كانت تصعد درجات السلم الذي يؤدي الى غرفة نومهم وأثناء جريها رن هاتفها فكان الشخص الذي اتصل بها في تلك الساعة هي صديقتها الهام ولكنها تجاهلت المكالمة وكانت تلك اول مرة تتجاهل اتصالاً من الهام؛ كان همها الوحيد في تلك اللحظات هو الوصول الى حبيب عمرها الواحد والوحيد والذي لم تعشق احداً قبله ولن تعشق احداً بعده .

دخلت الى الغرفة فوجدته جالساً على السرير يعمل على حاسوبه المحمول بعد ان بدل ملابسه ؛ فنظر اليها وابتسم ولكن سرعان ما تلاشت ابتسامته عندما رأى احمرار عينيها فنهض من مكانه ثم اقترب منها قائلاً : مالك يا حبيبتي ؛ ليه بتعيطي كدا ؟!

لم تجبه بأي شيء بل ركضت نحوه وعانقته بقوة ولهفة كبيرة مما جعله يتعجب من تصرفها فسألها بقلق شديد : في ايه يا مريم ؟

قالت وهي تعانقه : انا اسفه , ارجوك سامحني .

شعر ادهم ببعض الخوف بسبب ما قالته لذا ابعدها عنه ونظر الى وجهها الباكي وسألها : ليه بتقولي كدا ، ايه اللي حصل ؟

فرفعت مريم دفتر المذكرات حتى اصبح امام نظره وغمغت من بين دموعها : انت كنت بتتعذب طول السنين اللي فاتت وانا مكنتش عارفه بس دلوقتي عرفت كل حاجة .

فنظر ادهم الى مذكراته ثم تنهد وأخذها من يدها قائلاً : انتي قريتيها ؟

أومأت له برأسها واجابت بنبرة مرتجفة : ايوا , وعرفت انت بتحبني قد ايه .

فمسح دمعتها برفق ولم يقل اي شيء بل قبل شفتيها بلطف شديد فكانت ردة فعلها جديدة عليه حيث رفعت يديها واحاطت عنقه بذراعيها وبادلته القبله بمثلها ؛ في تلك اللحظة أدرك من تصرفها ولهفتها عليه انها اصبحت جاهزة وانها تريده كما يريدها لذا حملها بلطف ووضعها على السرير فلم تخف منه وخصوصاً لأنه كان رقيقاً معها وحنون عليها ... عاملها كالزجاج الهش بكل رقة وحرص حتى لا تخاف فشعرت بالأمان في حضنه ، أمان لم تشعر به من قبل جعلها تنسى كل احزانها في تلك الليلة القمرية حيث كانت النجوم اللامعة تُنير السماء ونسيم الليل المنعش يبعث الراحة في النفوس .

تسارع في الأحداث ..........

انطوى الليل وولّى الظّلام هارباً فأشرقت شمس يوم جديد وأضاءت الكون بضيائها الباهر ترسل من أشعّتها شعاعاً ذهبياً دافئاً مليء بالأمل والحب ، وقد اكتست الأرض حلَّة زاهية الألوان واستيقظ ادهم قبل مريم التي كانت تغط في نوم عميق وهي بين ذراعيه فنظر اليها وابتسم بسعادة غامرة ثم قبل كتفها العاري واخذ يداعب انفها الدقيق محاولاً ان يجعلها تستيقظ ، وبالفعل نجح في تعكير صفو نومها فأستيقظت على صوته الرجولي الأجش حين همس فى أذنها قائلاً : صبحية مباركة يا عروسه .

شعرت بالخجل يسري في ارجاء جسدها وكان قلبها يرفرف كجناح طائر أبيض بوده أن يحتضن السماء و اكتست وجنتيها بحمرة الورد ، فاخفت وجهها تحت الغطاء وقالت بخجل : صباح الخير .

ابتسم ادهم ثم ابعد الغطاء عن وجهها ولمس خدها برفق ثم سألها : ازيك ؟

نظرت اليه وابتسمت قائلة : كويسه.

فقبل جبهتها ثم استطرد : يلا يا كسلانه قومي ورانا شغل.

فقالت بغنج : سيبني نايمة كمان شوية.

ابتسم وهمهم قائلاً : طيب اوك مش هنروح الشغل ومش هنخرج من هنا ابداً لو انتي عايزة كدا.

فضحكت قائلة : طيب خلاص هقوم.

ثم امسكت الروب الأسود الحريري وارتدته فوق قميص نومها وبعدها نهضت واضافت : هروح اطمن على ابننا لغاية ما تعمل الشاور بتاعك.

ادهم : اوك.

- امسكت مريم هاتفها وخرجت من الغرفة ثم تفحصت المكالمات الفائتة وقالت محدثة نفسها : اه افتكرت ، الهام اتصلت امبارح بس مردتش عليها ، هكلمها دلوقتي.

قالت ذلك ثم عاودت الإتصال بصديقتها فاجابتها من اول رنه وقالت : صباح الخير يا ميمي.

مريم : صباح النور... انا اسفه يا لولو علشان مقدرتش ارد عليكي امبارح ، قوليلي في حاجة.

ابتسمت الهام التي كانت تجهز نفسها في غرفتها من اجل الخروج مع خالد لشراء خواتم الخطوبة وقالت بنبرة صوت مرحة : خالد رجع يا مريم... رجع مصر وطلب ايدي من بابا وقال انه قرر يستقر هنا خلاص .

فابتسمت مريم وسألتها بانفعال : بجد ، رجع.. رجع ازاي وامتى وليه مقلش انوه هيرجع مصر ؟

ضحكت الهام قائلة : طب اهدي علشان افهمك كل حاجة.

- ثم بدأت تقص عليها كل ما حدث في اليوم السابق وكيف تفاجأت بوجود خالد وعمته سحر في منزلها عندما عادت للمنزل فسألتها مريم : طيب انتي فين دلوقتي ؟؟

الهام : بجهز نفسي علشان هنروح نشتري الدبل .

مريم : اوك يا حبيبتي انا هكلم ادهم علشان نقابلكوا اصل خالد وحشني اوي.

الهام : تمام.

مريم : سلام دلوقتي.

قالت ذلك ثم انهت المكالمة ودخلت الى غرفة ابنها فوجدته ما يزال نائماً كالملاك الصغير مما جعلها تبتسم ؛ قبلته على خده وخرجت من الغرفة وعادت إلى غرفة زوجها حيث كان يجفف شعره بالمنشفة بعدما انهى استحمامه وقد ارتدى بنطال بدلته وبقي عاري الصدر الامر والقلادة الفضية في معلقة في عنقه فابتسم عندما رأها وسألها : ادهم صحي ؟

مريم : لأ لسه نايم.

ادهم : طب تعالي عايزك تديني رأيك في حاجة.

قال ذلك ثم امسك قميصين احدهما كحلي والاخر اسود واضاف متسائلاً : انهي قميص هيليق على البدلة دي ، الكحلي والا الاسود ؟
فنظرت مريم الى البدلة الرمادية التي حضرها ادهم حتى يرتديها ثم قالت : الاسود هيليق عليها اكتر.

ادهم : وانا قولت كدا برضو.

قال ذلك وارتدى القميص وبدأ يزره فاقتربت مريم واخذت تزره عوضاً عنه قائلة : بقولك ايه يا ادهم... هو انا لو طلبت منك حاجة هتعملها ؟

فابتسمت ادهم وسألها : عايزه ايه يا روحي ؟

اجابت وهي ترتب ياقة قميصه : الهام كلمتني امبارح بس مردتش عليها ولما رجعت اتصلت بيها من شويه هي قالت ان خالد رجع مصر وقرر يستقر هنا علشان كدا انا عايزه اقابله اصله وحشني اوي.

في تلك اللحظة غابت الابتسامة عن وجه ادهم وقطب حاجبيه بعبوس ثم ابعدها عنه واخذ يرتب ياقة قميصه بنفسه قائلاً بنبرة حاسمة : لأ... مش هتقابليه تاني.

فتنهدت مريم ثم امسكت يده وقالت : من فضلك يا ادهم متعملش كدا ، خالد دا اخويا وهو وقف جنبي في اصعب ايام حياتي وساعدني وخلى باله من ابني زي ما يكون خاله بجد علشان كدا متكرهوش يا حبيبي.

فنظر ادهم اليها وقال : جايز انتي فاكره ان الجدع دا اخوكي بس انا راجل وعارف الرجالة كويس يعني اعرف هو بيفكر في ايه.

ابتسمت مريم واردفت : متقلقش يا روحي وغيرتك دي وفرها لواحد تاني لان خالد مش بيحبني زي ما انت فاكر اساساً هو رجع مصر علشان يطلب ايد الهام من عمي امين اصلهم بيحبوا بعض .

وبعد ان سمع ادهم ذلك شعر بالطمأنينة فسألها مستفسراً : بجد ؟!

مريم : ايوا...والدليل على كلامي انهم هيروحوا يشتروا دبل الخطوبة النهاردة وانا قولت لالهام اننا هنقابلهم مع بعض ، يعني انت هتبقى معايا لما هروح اقابل خالد.

ادهم : بس انا عندي شغل ومينفعش اسيب شغلي.

مريم : بليز يا حبيبي ، انا عايزاك تبقى معايا لما اقابل صحابي علشان اوريهم قد ايه انا مبسوطة بالعيشة مع جوزي وروح قلبي.

فابتسم ادهم بخباثة وقال : قولي كدا من الاول ، طيب يا شقيه هروح معاكي وهشوف اخرتها ايه.

فابتسمت وعانقته قائلة : ميرسي جداً يا حبيبي.

تسارع في الاحداث........

مر الوقت سريعاً وذهبت مريم برفقة ادهم حتى يقابلوا خالد والهام ، فتقابلوا على الغداء في احد المطاعم الراقية حيث ابتسمت مريم عندما رأت خالد والهام معاً وقد تجمع شملهما اخيراً ... عانقته بعفوية وهتفت : خالد... وحشتيني اوي.

طبعاً ذلك لم يعجب ادهم ابداً لذا امسك بذراعها وسحبها إلى جانبه بينما ابتسم خالد وقال : وانتي كمان وحشتيني موت يا مريم.

قال ذلك ثم وجه نظره إلى ذلك البارد الذي نظر اليه بنظرة اوحت على الرغبة في قتله وأبتسم ومد يده ليصافحه قائلاً : ازيك يا ادهم بيه ؟

فتنهد ادهم ثم صافحه قائلاً : الحمد لله ، وانت عامل ايه ؟

خالد : تمام والحمد لله .

فنظر ادهم الى الهام واستطرد : مريم قالتلي انكوا قررتوا تتجوزوا ، الف مبروك .

الهام : متشكره حضرتك.

- ثم جلسوا معاً يتناولون الغداء ويتبادلون اطراف الحديث وخلال ذلك الوقت استبعد ادهم فكرة الغيرة على مريم من خالد لانه رأى كم يحب الهام وكم هي تحبه كما ان ما قالته له مريم في الصباح بشأن خالد وانه وقف الى جانبها وجانب ابنها واعتنائه بهما كثيراً لذا استغل ذهاب مريم والهام الى الحمام وقال : لو عايز اي مساعدة علشان ترجع تأسس شركتك هنا فانا هساعدك وهعدعمك في اي وقت .

فنظر خالد اليه بغرابة ثم ابتسم قائلاً : ادهم عزام السيوفي عايز يساعد خالد نجم ، مش انت اللي لغيت الشراكة اللي كانت بينا بسبب مسائل شخصيّة ايه اللي غير تفكيرك دلوقتي ؟

فقال ادهم بجدية : بص يا خالد ، انا راجل مابحبش اللف والدوران ومبحبش الكدب ابداً علشان كدا هخش في الموضوع على طول ، ايوا انا لغيت الشراكة بسبب علاقتك انت ومريم ومكنتش عايزها تقابلك تاني لاني بغير عليها من نسمة الهوا ودا لاني بحبها اكتر من روحي بس كمان انا بثق فيها وبحترم قراراتها وهي حكتلي عن جدعنتك معاها وازاي وقفت جنبها وساعدتها وخليت بالك منها ومن ابني كل السنين اللي فاتت علشان كدا انا عايز اشكرك ، جايز كلمتك وحش لما كنا في نيويورك بس انا كنت في حالة فوضى وقتها وعايز اعتذر منك وبتمنى انك تقبل اعتذاري.

فابتسم خالد قائلاً : مفيش داعي أنك تعتذر مني لاني عارف انت عملت كدا ليه ، وكمان مقدر موقفك وان من حقك تغير على مراتك لانها جوهرة وعمرك ما هتلاقي وحده وفية ومخلصة وبتحبك زيها ، اما بالنسبة لموضوع مساعدتك ليا فانا بشكرك جداً على العرض بس اعذرني لاني عايز اعتمد على نفسي وارجع أسس شركتي على مهلي زي ما عملت قبل كدا بس لو حضرتك عايز نرجع نفكر في موضوع الشراكة اللي بينا فانا معنديش مشكلة ابدع .
ابتسم ادهم واردف : يبقى انا هزورك ان شاء الله اول ما ترجع تفتتح الشركة.

- وهكذا مرت ثلاثة أشهر اخرى عاشتها مريم بسعادة غامرة في كنف زوجها الذي يحبها وقد كان حبها له يكبر كل يوم أكثر من الذي قبله ؛ وذات يوم شعرت بالدوار اثناء تسوقها برفقة الهام حتى انها فقدت وعيها فجأة الامر الذي جعل صديقتها تشعر بالقلق الشديد عليها لذا نقلتها إلى المستشفى بمساعدة سمير ابن العم محمود الذي كان برفتهما وبعد اجراء التحاليل اللازمة اتضح انها حامل في شهرها الثاني الامر الذي جعلها تذرف دموع الفرح وطلبت من سمير والهام ان يبقيا الامر سراً عن الجميع لانها تريد ان تخبر زوجها اولاً بنفسها .

وعندما عاد ادهم ذاك المساء إلى المنزل وبعد ان تناولوا العشاء برفقة العائلة انتظرت مريم حتى يصعدا الى غرفتهما لتزف له ذلك الخبر المفرح فتوجهت نحوه واخذت سترته قائلة : ادهم انا عايزه اقولك حاجة.

فنظر إليها وقال : قولي يا حبيبتي.

فقالت وهي تعلق سترته في الخزانة : ادهم انا... انا حامل.

قالت ذلك والتفتت اليه فابتسم ابتسامة عريضة وضحك قائلاً : بجد يا مريم !

هزت رأسها بالموافقة وهي تبتسم واردفت : ايوا ، انا حامل بقالي شهرين.

فتحرك ادهم نحوها بخطوات سريعة ثم عانقها بقوة كادت ان تسحق عظامها حتى شعرت بقدميها ترتفع عن الارض وقال بسعادة غامرة : يا روح قلبي انتي ، متتخيليش فرحتيني قد ايه .

قال ذلك وابعدها عنه قليلاً فابتسمت وغمغمت قائلة : ربنا يقدرني علشان اسعدك اكتر يا حبيبي .

اعاد ادهم خصلة من شعرها خلف اذنها وهمس لها بصوت أجش : ربنا يقدرني علشان اقدر احميكي انتي وولادنا يا حبيبتي.

قال ذلك ثم قبلها على جبينها وعانقها مجدداً .

ومرت الأيام والاشهر حتى انجبت رغد فتاة جميلة كالملاك اسمتها نادية نسبة لأسم والدة زوجها كمال بينما انجبت سلوى ولداً اسمته اياد نسبة لشقيقها الاكبر المتوفي وبعدها بعدة اشهر انجبت مريم فتاة صغيرة جميلة كأمها وشعرها اسود حالك كالليل كشعر ابيها وبيضاء كعمتها رغد فاسموها مرام وكان ادهم سعيد جداً لانه كان مع زوجته في كل مرحلة من مراحل حملها هذه المرة ، اما خالد والهام فقد تزوجا اخيراً وعاشا في منزل عائلة اهل خالد الذي تركه له والده الراحل ، وهكذا انتهت الحكاية بنهاية سعيدة تخبرنا ان العشق والهوى يتغلبان دائماً على كل الصعاب.

~ النهاية ~
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-