رواية ظلمات حصونه جواد وزينه كاملة جميع الفصول بقلم منه الله ايمن

رواية ظلمات حصونه جواد وزينه كاملة جميع الفصول بقلم منه الله ايمن

رواية ظلمات حصونه جواد وزينه كاملة جميع الفصول هى رواية من تأليف المؤلفة المميزة منه الله ايمن في رواية ظلمات حصونه جواد وزينه حيث تختبئ أسرار الحنين وتتشابك الأحلام تبدأ حكاية حب لا تعرف للزمن حدودًا. قصة لقاء قد يبدو عابرًا، لكنه يحمل في طياته وعدا بمشاعر عميقة وتحديات تفيض بالعواطف إنها رحلة تجمع بين الفرح والألم الأمل والخيبة حيث تتأرجح القلوب بين شوق اللقاء وصعوبة الفراق هنا تتداخل أرواح تبحث عن النصف الآخر في صراع بين الحلم والواقع ويظل السؤال هل يكفي الحب وحده ليصمد أمام رياح القدر
رواية ظلمات حصونه جواد وزينه كاملة جميع الفصول بقلم منه الله ايمن

رواية ظلمات حصونه جواد وزينه كاملة جميع الفصول


يقف فى منتصف الغرفة التى لا يوجد بها أية مخرج سوا ذلك الباب المغلق جيدا الذى لا يستطيع فتحه، ليعود ويجلس على ذلك الفراش منتظرا أن ياتي إليه أحد ليخبره لما هو هنا!! وماذا يردون منه!! والأهم لماذا أحضروه تلك الرجال إلى هنا بهذه الطريقة؟!

جلس "خالد" يفكر من الذى يمكن أن يُحضره بتلك الطريقة الإجرامية ولماذا؟! ظل يفكر فى تلك الطريقة التى أحضروه بها، تلك السيارة السواد التى أقتحمت شارعهم وأخذته من بين الناس رغما عنه وفرت به أتية به إلى هذا البيت الغريب عنه!!

كان شاردا الذهن إلى أن قطع تفكيره دخول ذلك الشخص الغريب والغامض والذى يبدو إنه من ذي الطبقة العُليا بصحبة رجاله والذين يبدوا عليهم أنهم حُراس له، ليسرع "خالد" بالنهوض واقفا أمامه مُصيحا بغضب وانزعاج:

- أنت مين وعايز مني أيه؟! وأزاى أصلا تجبني لحد هنا بالطريقة دى و...

لم يُنهى "خالد" جملته بل قاطعته صفعة قوية أسكتته من أحد رجال الحراسة الموجودين بالغرفة، ليرمقة ذلك الشخص الغريب عنه وهو يخلع نظارته بهدوء وكبرياء مردفا ببرود:

- أولا يا خالد لما تيجب تتكلم معايا تتكلم بأدب ده طبعا لو عايز تخرج من هنا على رجليك!! ثانيا بقى أنا أبقى مين!! أو عايز منك أيه!! أو جبتك هنا ليه!! كل الأسئلة دي أنت اللى هتعرف أجابتها لوحدك.

حول "جواد" بنظره بعيدا عنه حتى وصل بنظراته إلى باب الغرفة و"خالد" يتبعه بعينيه، وبمجرد أن وقعت عينيه على هذا الباب حتى فُتح ودلفت منه "سلمى" برعبة وخوف، لينظر لها "خالد" فى صدمة مُدركا إنه أوقع بنفسه فى مأزق كبير جدا، ليغمض عيناهُ بغضب مُمذوج بكثير من القلق، بينما حدثه "جواد" بهدوء مريب بعض الشيء مُبتسما بسخرية:

-؛طبعا يا خالد أنت عارف سلمى عز المعرفة، وعارف كمان أنت عملت معاها أيه بمنتهى الوساخة والندالة، بس أنا بقى مش جيبك هنا عشان أقولك أنت غلط والكلام الفارغ ده لا، أنا جيبك هنا عشان أنت فعلا غلط واللى غلط لازم يدفع تمن غلطته يا خالد.

جلس "جواد" على إحدى الأرائك الموجودة فى تلك الغرفه، وهو يُطالع "خالد" بنفس تلك النظرات الباردة والابتسامة الساخرة مُضيفا:

- أنا طبعا عارف إن مش أنت لوحدك اللى غلط وإنها هى كمان غلطت ولازم هى كمان تتعاقب، بس عقبها هيكون مختلف عنك شويه، وعقبها هو إنها هتنزل الجنين اللى فى بطنها وتتحرم منه وتقريبا كفاية أوى اللى هى عاشته بسببك الفترة اللى فاتت دي، ده لوحده كفيل أنه يربيها ويعرفها غلطها فين، إنما أنت بقى أنا شايف إنك لسه متربتش فقولت لأزم أربيك بنفسي، عشان الغلط ميتقررش تاني.
قال جملته الأخيرة وهو يرمقه بشبح ابتسامة لم تتحرك لها شفتيه كثيرا، بالإضافة إلى ملامحة التى أصبحت قاسية مُضيفا بحدة:

- الراجل يا خالد بيتربط من لسانه، واللى بيقول كلمة لازم يبقى قدها ولو مش قدها يستحمل نتيجة أخطائه وأنت مش راجل وعشان كده لازم تتحاسب وتتربى من أول وجديد وتدفع تمن غلطتك.

رجع "جواد" بظهره إلى الخلف وأكمل حديثه مُعقبا بسخرية:

- سمعت إنك قولت لسملى جملة عجبتني أوى بصراحة قولتلها "أنا لو منك أروح أنزل العيل اللى فى بطني ده وأعمل عملية وأرجع بنت تاني ولا من شاف ولا من درى" وأنا عجبتني فكرتك أوى وهنفذها بس مش فى سلمى لوحدها لا، وفيك أنت كمان.

شعر "خالد" بالتوتر من حديث "جواد" وكاد أن يُصيح به، ليجد بعض الحراس يحملونه ويلقون به على الفراش، ومن ثم أنهالوا عليه وأخذوا يجردونه من ملابسه بالكامل ويثبتونه على ذلك الفراش جيدا، بينما صاح "خالد" بهم فى فزع ورعب وهو يصرخ مستنجدا ب "سلمى" هاتفا:

- أنتوا... أنتوا هتعملوا فيا أيه؟! فيه أيه يا سلمى!!

قال أسمها وهو يصرخ من شدة الرعب الذى شعر به مما يفعلون به هؤلاء الرجال، بينما شعرت "سلمى" بالخجل من رؤيته هكذا يُجرد من كامل ملابسه ولا يستره أية شيء لتُبدأ هى فى البكاء، نعم هى لا تعلم ما الذى سوف يفعله به "جواد" ولكن الذى أستنتجته أنه سيجعله يندم كثيرا وسيظل يُعاني مدة كبيرة مما سيفعله به

لاحظ "جواد" بكاء "سلمى" ليرمقها بنظرة حادة دبت الخوف داخل قلبها، ولم ينقذها من تلك النظرات التحذيرية البصرية سوا دخول ذلك الرجل حاملا بيده تلك الحقيبة، ليُنهض "جواد" ويقف معه أمام الفراش المثبت عليه "خالد" وأخذ يحدثه ببرود غير مكترث لأي شيء:

- أهلا يا دكتور، أظن الموضوع كده بقى سهل خالص، أهو جاهز قدامك يعنى مجرد إبرة بنج موضعي ونخلص الحوار ده.

أومأ له "الطبيب" بالموافقة على حديثه، وكيف له أن لا يوافق فهو يعرف جيدا من يكون "جواد الدمنهورى" ليهتف مُعقبا بإنصياع:

- تحت أمرك يا جواد بيه.

صاح "خالد" بكثير من الزُعر والفزع وهو عارٍ الجسد تماما مُثبت على الفراش من قبل رجال "جواد"، هناك رجلان مُمسكان بيديه الاثنان مفرقان بينهم ورجلان أخران مثبتان قدميه مُباعدان بينهما جدا بإحكام لدرجة أن "خالد" لا يستطيع الحركه مُطلقا، وهذا لفتح المجال لهذا الطبيب كى يقوم بعمله:

- بنج أيه وحوار أيه اللى هيخلص أنت ناوي على أيه؟!

قال "خالد" جملتة تلك بصراخ شديد ويبدو عليه ملامح الرعب والفزع مما يدور فى مخيلته، ليرمقه "جواد" ببرود وهو يتقدم إليه نحو الفراش ليصبح يقف بين ملتقى ساقيه بالظبط ويطالعه باشمئزاز مُعقبا:

- بما إنك طلعت عيل وسخ ملكش كلمة وجبان وقذر كده، فأنا قررت أسمع بنصيحتك وأنهي الحاجة الوحيدة اللى بتربط بينك وبين الرجالة عشان متبقاش وصمة عار عليهم وتتضاف ليهم وأنت مش منهم، اللى بيقول كلمة يبقى قدها ولو طلع عيل خ** زيك كده يستحمل بقى اللى يجراله وبما إنك طلعت خ** فى كلمتك يبقى نخليك كده بجد بقى

فطن "خالد" ما ينوى عليه "جواد" وماذا يريد أن يفعل به، ليصرخ "خالد" بفزع ورعب مما هو مقبل عليه الأن:

- تخليني أيه؟ وتنهي أيه؟ أنت مجنون؟! يا سلمى!!

قال جملته الاخيرة وهو ينظر إليها بتوسل مُستنجدا بها، لتنظر هى أرضا وهى لا تستطيع التوقف عن البكاء، ليدرك حينها أنه قد كسر قلبها وأنهى على كل هذا الحب التى كانت تحمله له فى ذلك اليوم عندما تخلى عنها وطعنها فى شرفها، ليبدأ فى البكاء بقوة من شدة خوفه مما سيحدث له خلال ثوانٍ.

بينما قام "جواد" بالجلوس مرة أخرى على هذا الكرسي بجانب الفراش لكى يُتابع ما أمر به "الطبيب" أن يفعله.

لاحظ "خالد" أقتراب "الطبيب" منه بعد أن أنتهى من إعداد كل ما سيحتاج إليه بجانبه على طاولة صغيرة، ثم رائه وهو ممسكا بإحدى الأبر الطبية بيداه مفرغا ما بداخل ذلك الامبول بتلك الأبرة ومقتربا منه.

كاد قلب "خالد" أن يتوقف من شدة الرعب، هو الأن على وشك أن يفقد رجولته إلى الأبد وهذا بسبب عملته الرخيصة والدنيئة تلك، والتى لم يكن ينوي أن يفعلها مُطلقا والان هو يندم على كل ما فعله، ليصرخ برعب وفزع عندما رأى "الطبيب" يقترب منه:

- أبوس أيدك يا جواد بيه، أبوس رجلك بلاش كده، هعملك اللى أنت عايزه بالحرف، بس كله إلا كده.


توقف الطبيب منتظرا أوامر "جواد" بينما ابتسم هو ابتسامهة لم تلامس عيناه وهو يتابعه بسخرية وهدوء أعصاب مُعقبا:

- أنا أصلا مش عايز منك حاجة يا خالد، أنا بس عايز أربيك وأعلمك درس تحلف بيه طول عمرك، بس أنت عارف إن الواحد عشان يتعلم الدرس لازم يدفع التمن غالي، ورجولتك هى تمن غلطتك وعشان متضحكش على أي بنت تانية بأسم الحب والجواز والشويتين دول، أصل ديل الكلب مبيتعدلش فلازم يتقطع، أما بقى بالنسبة ل سلمى فأنا هعرف أعوضها كويس أوى.

نظر "جواد" نحو "الطبيب" مرة أخرى مُتحدثا بإستفسار:

- وقفت ليه يا دكتور؟! أنا مطلبتش منك توقف!! كمل

تقدم "الطبيب" تجاة "خالد" المُثبت أمامه جيدا والذى لم يتوقف عن الصراخ والبكاء، ليجلس بين قدميه المثبتتان من قبل هذان الرجلان، وأمتدت يده لكى تمسك برجولته حاقننا إياه بذلك المخدر لكى يبدا فى عمله!!

لاحظ "جواد" فزع "سلمى" وبكائها الشديد ليدرك إنها قد رق قلبها لهذا الندل مرة أخرى ليزجرها بحنق:

- أطلعي برا يا سلمى.

نظرت له بضعف وترجي بأن يتوقف عما يفعله ولكنها لا تستطيع أن تطلب منه ذلك، هى تعتبره فرد من عائلتها بل كل عائلتها، هى ترعرعت فى بيتهم وتحت رعايتهم، كادت "سلمى" أن تخرج من الغرفة ليوقفها صوت "خالد" مستنجدا بها صارخا بهستريا موجها حديثه نحوها ونحو "جواد" قائلا:

- لا يا سلمى متسبنيش، أبوس أيدكوا متعملوش فيا كده أبوس أيدك يا جواد بيه، بالله عليكى يا سلمى هعملك كل اللى أنتى عايزه، والله العظيم هتجوزك وهعترف بالطفل وعمرى ما هزعلك، أبوس رجلك يا سلمى ألحقينى، أبوس إيدكوا بلاش كده بالله عليكوااا.

كان يصيح بكل كلمة وهو يصرخ بفزع ورعب، أرتجف قلب "سلمى" من البكاء والحسرة، لتُسرع وتلقي بنفسِها تحت قدمي "جواد" بترجي وضعف متوسلة:

- أبوس رجلك خلاص يا جواد بيه، أنا مش عايزة منه حاجة خلاص، سيبه يمشي أبوس رجلك سيبه خلاص مش عايزة حاجة بالله عليك.

نظر لها "جواد" بغضب شديد من ضعفها هذا أمام ذلك العاهر، ليصيح بها بحدة وحنق:

- أنا مش قولتلك أطلعي برا، يلااا.

أسرعت "سلمى" بالخروج من الغرفة بسبب صراخ "جواد" عليها، بينما "خالد" ظل يصرخ بنهي من أن يفعلوا به هذا الشيء ويبتروا رجولته، وأزداد صراخه عندما راى تلك الاداة الحادة تقترب من رجولته أكثر، ليرتجف قلبه من الخوف ويصرخ نهيا بتلعثم وهسترية:
+

- لا أبوس رجليكوا، بالله عليك يا جواد بيه حرمت والله، والله ما هعمل كده تانى وهصلح غلطتي، بلاش كده، بلاش كده يا جواد بيه، أبوس رجلك لااا.



يُطالعها باستنكار مندهشا من غضبها المبالغ فيه!! هو لم يقل لها شئ لكى تغضب إلى هذه الدرجة! هو فقط طلب منها قليلا من الوقت لكى يكون جاهزا لمثل هذه الخطوة، ليضيف زافرا بتأفف:

- هو أنا ممكن أفهم أنتي متعصبة أوى كده ليه دلوقتى؟ أنا كل اللى طلبته منك شوية وقت مش أكتر! على الاقل أكون جاهز أتقدم لأهلك

رمته بنظرة حادة تدل على ما تحمله له من غضب وأعتراض على كلامه، هى لا تريد أن تستمر معه فى علاقة ليس لها أية مُسمى سوا أنهم أصدقاء!! بالأساس هى لا تعترف بمثل هذة العلاقات بين الشاب والفتاة، لتعلق زاجرة إياه فى حدة وغضب يتطاير من عينها:

- بقولك أيه يا أدهم أنا مش عاجبني الهبل اللى بينا ده، أحنا بقالنا سنه كامله بنقول نفس الكلام، أديك وقت أيه أكتر من كده؟ أنت خلاص دى أخر سنه ليك فى الكليه وهتتخرج وهتشتغل فى شركة باباك، يعنى معندكش حجه! وأنا بقى بصراحة جو الصحبيه اللى بينا ده مبقاش عاجبني، أنا عايزه أرتباط رسمى يا كده يا كل واحد يروح لحاله؟

قالت جملتها الاخيرة وهى تشعر بالغضب الشديد لدرجة إنها كادت أن تلكزه فى صدره، ولكنها تمالكت غضبها لكى لا تفسد الامر بينهم:

لاحظ "أدهم" كل ذلك الغضب ليدرك إنه لا مفر، يجب أن يستمع إليها لكى لا تظن أنه لا يريدها أو يتهرب منها، فهو يريدها أن تكون معه دائما ولكنه كان يريد أن يُكون نفسِه قبل أي شئ، ولكن ما الضرر من أرتباط رسمى لكى يتخلص من ثرثرة تلك العندية:

- يا ديانة أنا كنت عايز أستنى شوية لحد ما أأسس شركة لنفسي، مبقاش شغال عند حد عشان لما أجى أكلم باباكي أقوله أنا أدهم نصار مش أبن بكرى نصار، كنت عايز أعمل أسم لنفسي بس خلاص هعمل أيه؟

نظر لها وهو يبتسم بحب وأكتراث شديد لغضبها مُعقبا:

- أمري لله يا ستي، حدديلي معاد مع باباكي يوم الخميس عشان أجيب بابا وماما ونيجى نشرب الشاى عندكم

أبتسمت بكثير من الراحة لتخلصها من تأنيب الضمير التى كانت تشعر به تجاه  والديها، فهى لطالما لم تخفي عنهما شيء طوال السنوات الماضية، ولكن ذلك الشيء لم تكن تريد أن تحدثهم فيه إلا عندما يكون رسمي، لتحاول أن تلطف الأجواء قليلا مُعقبة بمرح:

- أمممم هفكر

رفع حاجباه بأستنكار على كلمتها، ليجيبها مُعقبا ببعض من المشاكسة:

- هتفكري! خلاص أنا رجعت فى كلامي

لكزته "ديانة" فى صدره بقليل من الأنزعاج قائلة بحنق:

أجابها "أدهم" وهو يطيل النظر داخل زرقاوتيها مبتسما بمشاعر صادقة:

- بس بحبك

صمتت لبعض من الوقت ويبدو عليها شيء من التوتر ثم أبتسمت له بقليل من الحرج وهى تنظر إلى الأسفل مُعقبة بإقتضاب:

- وأنا كمان..

❈-❈-❈

دلف بهيئته المُهيبة بطول قامته وعرض منكبيه ونظرة زرقاوتاه القاتمة التى تقطع أنفاس جميع من حوله، متحركا بخطوات ثابتة متجها نحو مكتبه موجها حديثة إلى أحد الأشخاص عبر جهازه الخلوى مُعقبا بإقتضاب ورسمية شديدة:

- تمام معادنا النهاردة فى الشركة

أنهى مكالمته موجها حديثة نحو مساعدته مُلقيا عليها أومره بصرامة:

- بلغي إياد إني وصلت وفى مكتبي

أومأت له بالموفقة بينما دلف هو مكتبة نازعا سُترته معلقا إياها ومُشمرا أكمامه إلى منتصف ذراعيه، توجه إلى مكتبه وجلس على كرسيه ليضغط على الزر الذى بجانبه محدثا مساعدتة أمرا إياه بحدة:

- خليهم يبعتولي القهوة بتاعتي

أنهى حديثه دون إنتظار أى رد منها، نظر إلى تلك الملفات أمامة مُتفحصا إياها عازما على أن يُلقى بهم نظرة مُتابعا لما يحدث فى شركته! وإذا كان كل شئ على ما يرام؟

وما إن بدا بتفحصهم حتى قاطعه دخول والده إلى المكتب ويبدو عليه الغضب الشديد، وما الجديد فى هذا يبدو إنه قد تعرض كالعادة لواحدة من تلك المناقشات الحادة بينه وبين سيدة القصر

وكيف يصعب عليه إدراك الأمر فهو يُعاني منه منذ سنوات، كلما حدثت بين والدة وزوجته مناقشة حادة حول ذلك الموضوع يأتى والده لينفث فيه عن غضبه ويحمله مسؤلية البحث عن تلك الفتاة، ليزفر "جواد" بملل وصاح وكأنه غير منتبها لتعابير وجه والده:

- صباح الخير يا هاشم بيه

رمقة "هاشم" بنظرة تحمل الكثير من الغضب والنفور مُعقبا بضيق:

- مفيش خير لحد ما تجبلي البت دى وترميها هنا تحت رجلي

أغمض "جواد" عيناه مُحاولا التخلص من كل هذا الغضب الذى شعر به عند التحدث عن تلك الفتاة وعن كل ما يرتبط بها وبذكر إسمها من ماضي أليم لم يُشفى منه أحدا إلى هذا اليوم، ليعقب "جواد" بغرور وثقة:
- واضح إن دى خناقة كل مرة مع المدام، على العموم متقلقش أنا قربت منها أوى وأكيد هجبها المرة دى

ضيق "هاشم" ما بين عيناه متحدث بإستفسار:

- أنت عرفت حاجة جديدة؟

نهض "جواد" متوجها نحو نافذة مكتبة مستنشقا بعضا من الهواء النقي، ليستعيد هدوئه مرة أخرى وأضاف مُفسرا:

- جالى خبر إن فى القاهرة فى كلية إدارة أعمال فى بنت طالبة أسمها "ديانة شرف شمس الدين الدمنهورى" وفى سنه تانيه، يعنى عندها ٢٠ سنة

نهض "هاشم" فى عجل وتوجه ناحية "جواد" ممسكا بذراع مردفا بحدة:

- أبعت هتهالي دلوقتى حالا يا جواد

أبتسم "جواد" بشيء من السخرية مُضيفا بإستهزاء:

- أخطفها يعنى يا هاشم بيه؟! بالعقل وكلها يومين والست هانم هتبقى تحت رجليك فى الفيلا..


❈-❈-❈

دلفت المنزل بسعادة عارمة والبسمة منيرة وجهها الحليبى الملائكى، وقفت تحاول تنظيم أنفاسها قبل الدخول لوالدها لكى تقص عليه ما حدث بينها وبين "أدهم" وتخبره بأنه يود زيارتهم وتأخذ منه ميعاد ليأتي هو وأسرته كى يستعدوا لذلك، طرقت على باب مكتب والدها طرقتين بيدها الصغيرة حتى أستمعت إلى صوت أبيها يسمح لها بالدخول

دلفت "ديانة" الغرفة متوجه نحو والدها مُعانقة إياه من خلف ضهره وهو جالسا على الكرسي يقرأ فى أحد كتبه، لتعقب بكثير من الحب والود:

- حبيبى يا أحلى وأجمل بابا فى الدنيا كلها

رمقها "محمود" بنظرة أستفستار رافعا إحدى حاجباه مُعقبا بنبرة يملأها الشك:

- أيه الحنية والحب المبالغ فيهم دول؟! شكلك عايزة حاجة وحاجه كبيرة كمان!

حمحت "ديانة" بحراج فوالدها دائما ما يُكشفها ويعرف نواياها، أبتسمت له بحب مُضيفة بصدق:

- بصراحة أه فى حاجة وحاجة مهمة أوى كمان

فتح "محمود" عينيه على مصرعها مُصطنعا الدهشة مُعقبا بمرح:

- ياااه بصراحة وحاجة مهمة مع بعض!! أستر يارب

أبتسمت "ديانة" على مشاكسة والدها لها، ثم أضافت بابتسامة هادئة وهى ترمقة على أستحياء مُعقبة:

- بصراحة كده ومن غير لف ودوران فى شاب زميلي فى الكلية عايز يجي هو وأهله يقابلوا حضرتك

أعتلت الصدمة وجهه "محمود" فهو كان يعلم أنه سيأتى يوما مثل هذا اليوم، ولكنه غير مُستعد بعد، فهو متعلق بها كثيرا، ليس من السهل عليه أن يُفارقها بتلك السرعة، رمقها "محمود" بنظرة أستفسارية وكم تمنى أن يكون على خاطئ مُردفا بتسأل:

- عريس؟

أومأت له "ديانة" برأسها بكثير من الحرج والحياء، بينما هو أبتسم لها نصف أبتسامه لم تلامس عيناه وقد أمتلاء قلبه بكثير من الحزن، وأضاف مُستفسرا بقليل من العتاب:

- مستعجلة أوى كده ليه! زهقتى مننا خلاص؟!

رمقته "ديانة" بكثير من الحب ثم أحتضنته بقوة مُعبرة عن مدى حبها الشديد له مردفة بتوضيح:

- يا حبيبى هو أنت شايفنى رايحة أتجوز دلوقتى!! دى هتبقى مجرد خطوبة، ده طبعا بعد أذنك

أومأ لها "محمود" بمزيد من الحزن على رغبتها فى الذهاب والأبتعاد عنهم، ليعقب بإستفسار مُتمنيا أن يجد ما يجعله يرفض تلك الخطبة من بابها:

- وده فى سنه كام!! وأبن مين!! ومن عيلة مين؟!

أبتسمت على طريقة والدها المنزعجة التى لا تلائمه، فهى مدركة جيدا إنه يبحث عن شيء يجعله يتهرب من تلك الخطبة الأن، ولمنها تعلم جيدا أن هذا من حبه الشديد النابع لها، لتجيبه بهدوء:

- أسمه أدهم بكرى نصار، أبن بكرى نصار صاحب شركة نصار للاستراد والتصدير، فى أخر سنة فى الكلية وهيخلص وهيشتغل مع باباه

شعر "محمود" أنه لا مفر ولن يجد مخرج من ذلك المأذق، ليزفر فى حنق مبتسما نصف أبتسامة لكى لا يكسر قلب أبنته مُعقبا:

- أمري لله قوليله يجيب اهله ويشرفنا يوم الخميس الجاي، أما نشوف مجايبك!!

غمرت البسمة وجهها وسريعا ما أحتضنت والدها بحب مُعقبة بلهفة:

- شكرا يا أحلى بابا فى الدنيا كلها

❈-❈-❈

••

يجلس هذا الفتى الذى لم يتخطى العاشرة من عمره بعد بصحبه شقيقته التى تصغره بستة أعوام، يلعبان ويمرحان فى حديقة هذا القصر الذى يصرخ بالثراء والفخامة، كانت أيضا مديرة المنزل تجلس معهم لمراقبتهم وحفظ سلامتهم، نعم فهم مازلوا أطفالا

هتفت الفتاة صاحبة الأربع أعوام بغضب طفولي وبرائة موجة الحديث نحو شقيقها مُعقبة بإنزعاج:

- أيه ده يا جواد أنت بتغث

رمقها هذا "جواد" بغضب طفيف وملامح منزعجه مُعقبا بحنق:

- لا أنا مش بغش، أنتى اللى فاشله وعيب تقوليلي بتغش دى، أنا هروح أقول لماما وأخليها تعاقبك

اسرع "جواد" فى الركض تجاة داخل القصر، بينما أدركت "زينة" إنها أوقعت بنفسها فى مازق كبير وسوف تُعاقب على ما تفوهت به، لتصيح به كى يتوقف ولا يخبر والدتهما هاتفة:

- أثتنى بث يا جواد والله مث قصدى، تعالى بث انا اثفه طيب

كانت تناديه ولكن دون فائده، فهو بالفعل أصبح داخل القصر ولم يلتفت لها قط:

- ماما يا ماما.

دلف "جواد" إلى القصر وهو يُنادى على والدته، بينما أستوقفة صوت الشجار من الطابق العلوى ويبدو أنه صوت والدته!!

كاد "جواد" أن يصعد الى هذا الطابق ليعرف ماذا يجرى!! ولماذا يتشاجرون بهذه الطريقة!!

أوقفه صراخ والدته وهى تسقط من أعلى الدرج لتقع أمام عيُنيه أرضاً مُلقاه على بطنها فاقدة النطق أو الحركة، والدماء تسيل من بين قدميها

صاح "جواد" بكثير من الخوف والفزع صارخا:

- مامااا
•••


فاق من شروده على صوت تلك الفتاة التى جلست فوق ساقيه بدلال وعُهر، لينهض "جواد" بسرعة لتسقط هى أرضا أسفل قدميه، ليرمقها بحدة وأشمئزاز قائلا:

- جرا أيه يا وسخة أنتي! هتنسى نفسك ولا أيه! أنا أمتى سمحتلك تقعدي على رجلي؟

أجابته الفتاة بتوتر وأرتباك شديد من ذلك الغضب الذى سيطر عليه دون سابق إنذار أو تحذير قائلة بتلعثم:

- أنا أسفة يا جواد بيه، أنا بس لاقيت حضرتك سرحان قولت ألفت إنتباهك

أنحنى "جواد" قليلا ليقوم بجذبها من شعرها بكثير من الضيق والغضب راغما إياها على الوقوف، عازما على أن يُخرج كل ما يحمله من ألم وغضب بسبب تلك الذكرة للسيئة التى راودته على تلك العاهرة التى أحضرها مقابل المال، حسنا لتعمل لكى تحلل هذا المال:

- واضح إنك مستعجلة أوى ومش بتحبي تضيعي وقت، حلو أديكي لفتي إنتباهي أهو تعالي بقا عشان تخلصي اللى جيتي عشانه

تقدم وهو لايزال جاذبا خصلاتها وأتجه بها نحو الفراش وسريعا ما ألقى بها عليها، رمقها بإهتمام شديد متفحصا إياها من أعلى رأسها حتى أسفل قدميها بعناية شديدة، نعم تلك ليست أول مرة يراها بها ولكنه دائما ما يهتم بأن يتأكد من نظافة جسد العاهرة التى يستأجرها

تحركت يده نحو سترته نازعا إياها وهو لايزال يرمقها بنظرات حادة أثارت القلق داخل قلبها، ليقطع ذلك الصمت المخيف وهو يفك أزرار قميصه أمرا إياها بحدة وإقتضاب:

- لحظة واحده وملاقيش خيط على جسمك

ليس من الجيد النقاش معه الأن فهو يبدو فى مزاج سيء للغاية وليس من مصلحتها إثارة غضبه الأن، سريعا ما أمتثلت لأوامره وتخلصت من كامل ملابسها دون ترك قطعة قماش واحدة على جسدها

فى تلك الأثناء كان تخلص هو الأخر من كامل ملابسه وألقى بها على الأريكة وعاد إليها مرة أخرى ليجدها مستلقية على ظهرها متوسدة الفراش فى إنتظاره

رمقها باشمئزاز وانزعاج شديد لتصنعها ذلك الغباء مُعقبا بنبرة يُغلفها التهديد:

- أنتي نسيتي بتنامي أزاى ولا عايزه تطلعي عفاريتي عليكي على المساء؟

فطنت جيدا ما يقصده، هى تعلم إنه لم يضاجعها من قبل سوا وظهرها مولى له، ولكن ذلك أكثر ما يثير فضولها فى كل مرة لها معه، لا تكترث لأسلوبه الفظ ولا لمعاملته القاسية ولا حتى لعلاقته العنيفة التى لا تمثل سوا مجرد علاقة جنسية عابرة خالية من أي مشاعر أو حتى لذة، مجرد إفراغ رغبة شهوانية

طالعته بعيون مليئة بالفضول حول ذلك الأمر مُحاولة الاستفسار قائلة:

- ليه دايما بتصمم على الوضع ده!!

- أنتي متسأليش ليه! أنتي تنفذي وبس

قال جملته الأخيرة وهو يرغم جسدها على الالتفاف ليصبح ظهرها فى مقابلته ووجها فى مقابلة الفراش، ليمد يديه ويرفع خصرها ليكون فى مستوى جسدة وسريعا ما قام بفتح ذلك الكيس الذى كان بحوذته منذ البداية وسريعا ما أرتدى ذلك الواقى وأقتحمها دون رحمة أو تمهيد

ليبدأ معها بتلك الممارسة العنيفة الخالية من المشاعر والرحمة والأنسانية، مجرد ممارسة يفرغ بها كل ما يحمله من ألمًا وحسرة داخل تلك العاهرة بمنتهى القسوة والعنف

كانت تصرخ بكثير من الألم مُحاولة أستعطافه لكى يهدأ من حدة دفعاته ولكن دون فائدة، كل مرة تطلب منه أن يقلل من عنفه يزداد أكثر، وكيف له أن يقلل من عنفه وقسوته!! فهو يشعر بالراحه والسلام من سماعه لصوت هذا الصراخ ليُهون عليه ما يشعر به، أو لنكون أكثر وضوحا ليشغل عقله عما يدور بداخله من ذكريات أليمة

كل مرة كانت تصرخ بها تلك العاهرة كان يشعر وكانه هو من يصرخ لكى يتخلص من كل هذا الضعف والإنكسار، كم يتمنى أن يصرخ الان ولكن كيف له أن يصرخ!! لقد صرخ وبكاء كثيرا فى الماضى ولكنه الأن رجلا والرجل لا يصرخ بل يجعل تلك العاهرات هن من يصرخن

أمتدت يده اليسرى لتجزب شعرها مُقربا إياه نحوه بينما يده اليمنى تحاوط خصرها مثبتا إياها أسفل منه، لينحني بجسده ليقترب من أذنيها هامسا لها بفحيح يشبه فحيح الأفاعي قائلا:

- عايزه تعرفي ليه بصمم على الوضع ده؟ عشان مش بحب أبص فى وش اللى زيك وأنا بعمل كده، عشان أحنا مش هنحب فى بعض، أنتي مجرد واحده شمال جايه تعملي اللى أنا عايزه وتأخدي حسابك وتغوري من هنا

لم يكترث لتلك التى تصيح أسفله طالبة لراحمة وكادت أن تفقد وعيها من شدة عنفه معها، حتى إنه لم يلاحظ إنها لم تنتبه إلى حديثه بسبب ما تعانيه أسفله، بل كان كل ما يعنيه هو أن يتخلص من تلك الرغبة ويصل إلى ذروته

بعد دقائق مرت على كلاهما بصعوبة كبيرة، هى تعاني من ألم شديد فى منطقتها بسبب عنفه، وهو يعاني من تفكيره وذكرياته التى كانت تدفعه ليزداد قسوة وحدة إلى أن أنتهى منها، تركها لتسقط بوجهها وجسدها على الفراش تشعر بكثير من الألم

نهض من على الفراش وألتقط تلك الوارقة التى تحمل مبلغ كبيرا من المال لم يسبق وتقاضته عاهرة مثلها من قبل، ليلقيه بجانبها وتوجه بعدها إلى المرحاض

سريعا ما أنتهى من أخذ حمامه وأرتداء ملابسه، وشرع فى الذهاب نحو باب الغرفة موجها حديثه نحوها غير مهتما بما إن كانت تستمع إليه أم فاقدة للوعى مردفا:

- أرجع ملقكيش هنا


❈-❈-❈

دلفت غرفتها بعد أن تناولت العشاء بصحبة عائلتها، بينما لحقت بها تلك المشاكسة الصغيرة ويبدو عليها الكثير من ملامح الفضول والأهتمام، لتجلس فى مقابلتها مُعقبة بنبرة أستفسارية قائلة:

- أنا سمعت بابا وماما بيتكلموا على عريس جي!! العريس ده يخصك صح؟!

ضحكت "ديانة" على طريقة تلك الفتاة الفضولية التى لا تسمح لشئ أن يحدث فى هذا المنزل دون علمها، لتجيبها مردفة ببعض من المرح:

- أيوه يا مخابرات البيت، العريس ده يخصني

أعتدلت فى جلستها وقد أعتلت وجهها القليل من ملامح العبث مضيفة بعتاب:

- كده من غير ملوكه حبيبتك ما تعرف

تغيرت ملامح وجهها من العبث إلى الفضول والأهتمام الشديد هاتفة بحماس:

- أبقى أعاتبك بعدين المهم قوليلى بقى مين ده! وعرفتيه أزاى! وقالك أيه! وأنتي قولتيله أيه و...؟!

- حيلك حيلك، يالهوى ده بابا وماما نفسهم مسألونيش الاسئله دى كلها؟!

صاحت بها "ديانة" بصدمة بعد أن شعرت بالتشتت من كثرة أسئلتها وعدم أعطئها الفرصة للرد، أغمضت عينيها للحظه مُحاولة ترتيب الحديث لكى تُجاوبها على كل تلك الاسئلة، لتعقب مردفة بإبتسامة هادئة موضحة:

- أسمة يا ستي أدهم، وكان زميلي فى الكلية وخلاص دى أخر سنه ليه، أتعرفنا على بعض من سنة والعلاقة أتطورت وأصريت عليه إن عشان علاقتنا تستمر لازم يكون فيه أرتباط رسمي وبس

غمزتها "ملك" بقليل من المكر رافعة إحدى حاجبيها مُعقبة:

- من سنة يا نمس أنت من غير ما كوكى حبيبتك تعرف؟!

أبتسمت لها "ديانة" بود موضحة لها الأمر كى لا تنزعج منها قائلة:

- والله يا كوكى الموضع كان زماله مش أكتر، بس فجاة لقيته بيقولى أنه بيحبتي و...

قاطعتها "ملك" بفضول شديد مُردفة بإستفسار:

- طب وأنتي؟ بتحبيه؟؟

صمتت "ديانة" قليل من الوقت لا تعلم ماذا تقول!! فهى لم تسال نفسها هذا السؤال من قبل! أهى حقا تحبه؟ أم أنه الشخص المناسب فقط؟ لتجيبها بتشتت وتردد طغى على ملامحها:

- بصي هو أنا مش عارفة أسمي اللى بينا ده حب ولا لا، بس أنا مرتاحة معاه، يعني تفكيرنا قريب من بعض وكذلك سننا، مستقبله كويس، عنده كرير وبيحلم بإنه يبني نفسه بنفسه، أهله ناس محترمين، هو شخصية طيبة وحنين ومحترم وحاسه أنه فعلا بيحبني و...

قطع حديثها هذا الصوت الرجولي الذى أقتحم خلوتهم وهو يدلف الغرفة مُعلقا ببعض من المرح:

- يعنى نقول مبروك يا عروسه؟!

أبتسمت "ديانة" على جملة أخيها المرحة، لتنهض من مكانه مسرعة فى أحتضانه بحب وأشتياق مردفة بإنزعاج طفيف:

- أنا والله كرهت شغلك اللى حرمنا منك على طول ده

بادلها "مالك" العناق وأحتضن شقيقته الاخرى مردفا بتهكم:

- لا مهو واضح الأشتياق وأخد حدة معاكي، فقولتي تلاقي اللى يعوضك يا أختى!!

لكزته "ديانة" فى صدره مُعنفة إياه عما قاله مُعقبة بقليل من الغضب:

- محدش فى الدنيا كلها يعوضنى عنك، يا مالك أنت ضهري

أبتسم لها "مالك" بحب وحنان وهو يضم كلاهما إلى صدره مره أخرى مُعقبا بمشاعر صادقة:

- ربنا ميحرمنيش منكوا أبدا

رد كلاهما فى انٍ واحد بحب وحنان متبادل قائلتان:

- ولا منك يا حبيبى


❈-❈-❈

صف سيارته بالمرأب الخاص بقصر عائلة "الدمنهوري" ثم تقدم بخطوات ثابتة نحو الداخل، ليلتقي بها أمامه ويبدو عليها ملامح الإنزعاج وعدم الرضا بمجرد أن رأت وجهه مالعادة، لتزجره فى حنق هاتفة بحدة:

- أيه اللى جابك هنا يا جواد؟ مش خلاص أشتريت فيلا جديدة وأستقريت فيها بعيد عننا ونسيتنا! جاي تورينا وشك تانى ليه؟
أغمض عينيه بإنزعاج شديد محاولا أمتصاص غضبهِ، هو لا يسمح لأحد أن يتحدث إليه بتلك الطريقة المتهكمة، ولكنها ليست كأحد، لا يستطيع أن يُعاملها كالاخرين، هى لها مكانة خاصة للغاية لديه، أو بالأحرى لها معاملة خاصة

تقدم إليها "جواد" بهدوء وأنحنى لكى يُقبل جبهتها بإقتضاب وأحترام لا يسطيع أن يظهر عكسه مُعقبا بكلمات ذات مغزى:

- أنا أنسى أي حاجة فى الدنيا إلا إني أنساكوا

رفعت "هناء" أحد حاجبهيا بأستهزاء على حديثه مُضيفة بتهكم:

- وليه لا! زى ما نسيت إنك لازم تجيب بنت لبنى فى أسرع وقت قبل ما تكمل الواحد وعشرين سنة أو على الاقل تتأكد إنها ميتة؟!

زفر بكثير من الغضب والكراهية لتلك الفتاة التى يرغمه الجميع على الوصول إليها وأحضارها، ومن والدتها التى كانت السبب فى كل ما عانه منذ طفولته إلى يومنا هذا، ومن تلك الشيطانة القابعة أمامه والتى لها نصيب الأسد من طفولته المريرة، ليهتف مُجيبا على حديثها مردفا بحدة وحزم:

- هجيبها، وقريب أوى كمان هتكون تحت إيدي

أبتسمت له بأستهزاء شديد كالعادة مُحاوله أستفزازه قائلة:

- أتمنى تكون قد كلمتك المره دى!

ها قد نجحت فى إستفزازه وكاد أن يخبرها أنه بالفعل أوشك على الوصول إليها، لتقاطعة شقيقته متحدثة نحوه وهى تهبط الدرج معقبة بمرح ومشاكسة:

- جواد!! أيه ده أنت هنا بجد!! يا سلام يا ولاد هو النهاردة العيد ولا أيه؟!

لأنت ملامحة قليلا بإبتسامة مقتضبة مجاملا إياها، لطالما كان كالحجارة لا يملك أي إحساس أو مشاعر تجاه أيه أحد، ولكنه معها يُحاول أن يكون ليس ذلك الشخص القاسي الجامد، هى تكاد تكون نقطة ضعفه الوحيدة، نعم هى شقيقته الوحيدة ويعتبرها طفلته بل وأكثر من ذلك، أحتضنها "جواد" متحدثا إليها بإستنكار:

- مكبرين الموضوع أوى أنتوا على فكرة، ده هو شهر اللى غبت فيه عنكوا، أرجع ألقيكوا اللى بتقولي أيه اللى جابك والتانية بتقولى هو العيد النهاردة!!

ضحكت "زينة" بصخب على حديث شقيقها وعلى ملامحه التى تحولت من الجمود إلى الإستنكار والقليل من الإنزعاج مُعقبة بعتاب:

- وأنت يا جواد شايف إن الشهر ده مدة قليلة!! ولا أنت بقى عجبتك العيشة لوحدك؟!

تنهد بقليل من الملل وتحولت ملامحه للبرود وأشاح بعينيه بعيدا عنها مُعقبا بإستسلام:

- أيوه أنا عجبتني العيشة لوحدي أرتحتوا بقى؟! ولو سمحتوا معدش حد يتكلم معايا فى حوار إني عايش لوحدي ده تانى، أنا مرتاح كده اوى

نظرت له "زينة" بكثير من التأثر والعتاب ولكنها فضلت أن تنهي ذلك الحديث خاصة بعد أن شعرت بتوتر العلاقه بين كلا من "جواد" و" هناء"، فعزمت على أن تُغير مجرى ذلك الحديث وتبعد كلاهما عن بعض، لتُعقب موجهة حديثها نحو "جواد" قائلة:

- طب بقولك أيه ما تيجى أرسمك، والله قمر وهطلعك قمرين، تعالى كده معايا

مدت يدها ممسكة بذراعه وهى تبتسم بحماس مصطحبة إياه إلى مرسمها الخاص الموجود بحديقة منزلهم، بينما كانت "هناء" ترمقهم بإنزعاج شديد، تلك الفتاة المدللة التى لم تنجح فى فرد سيطرتها عليها من البداية، ولكنها لن تسمح لأحد أن يجعل ما زرعته داخل "جواد" يروح هبائا ولو حتى كلفها الأمر أكثر مما فعلت

❈-❈-❈

لما منذ أن أتى إلى القصر وهو يراها تبكي هكذا وتحاول إخفاء بكائها عن الجميع وخاصة والدتها!! لماذا تبدو مثل الزهرة الدابلة؟! هو لم يراها تبكي من قبل!! دائما ما كان يراها وبسمتها على وجهها، يجب أن يعلم ماذا يجري بالضبط؟ ماذا فعلت تلك الغبية وتحاول إخفائه!! تقدم إليها ببضع خطوات حتى أصبح يقف امامها مباشرة

كانت "سلمى" شاردة الذهن تبكي على ما فعلته بنفسِها، لتلاحظ ذلك الجسد الماثل أمامها بطول قامته وعرض منكبيه يضع يده بجيبه بغرور وكبرياء، لتهب واقفة مردفة برهبة:

- جواد بيه!

ليقابلها "جواد" بنظرات حادة متفحصة إياها بهدوء شديد مما أثار فزعها مُعقبا بإيتفسار:

- بتعيطي ليه؟

جففت دموعها بسرعة فى لهفه وإرتباك مُعقبة برهبة:

- لا أبدا مفيش حاجة، حضرتك تأمرني بحاجة..؟!

رمقها بنظرة جامدة دبت الرعب داخل قلبها، ثم قبض على ذراعها بحدة وصاح بها بنبرة غير قابلة لنقاش:

- لما أسال على حاجه تردى عليا من غير كدب أحسنلك

أنفجرت "سلمى" فى البكاء عندما تذكرت ما حدث لها وأخذت ترتجف بين يديه، ليزيد من حدة قبضته على ذراعها وهتف بها مُعقبا بنهي:

- من غير عياط، أتكلمي من غير عياط

هبطت راقعة عند قدميه فى توسل وبكاء مُستعطفة إياه مردفة بألحاح وإنكسار:

- أبوس رجلك يا جواد بيه، أبوس رجلك ألحقني، أبوس رجلك ألحقني ومتفضحنيش أو تقول لأمي بالله عليك

أدرك سريعا إنها قد فعلت مصيبة ويبدو إنها تخُص العرض، ليرمقها ببرود ثم توجه ناحية الطاوله لسحب أحد الكراسي ليجلس عليه واضعا قدم فوق الاخرة بإستعلاء مردفا بهدوء مخيف:

- أسحبيلك كرسي وتعالي أترزعي هنا قدامي

فعلت ما أمراها به ليرمقها ببرود مُعقبا بإستفسار:

- هببتي أيه؟

أخفضت رأسها بالارض خجلا مما فعلته، ولكن ليس لديها خيار أخر، عليها أن تستنجد بأحد وإلا ستندم كثيرا، لتعزم على أن تُخبره لكى يُساعدها فى مصببتها تلك، تحدثت بندم وبكاء مُعبر عن حجم كارثتها هاتفة:

- من سنة كده بعد ما خلصت الثانوية العامة أتعرفت على شاب من عندنا من الحي، كان معروف عنه أنه أخلاقة كويسة، قربنا من بعض وحبينا بعض أوى والحب ده أتطور وبقى ..

شعرت بالخجل م نأن تكمل ما حدث، ليزجرها "جواد" راغما إياها على الأستمرار فى الحديث مُعقبا بإهتمام:

- كملي يا سلمى، كملي ومتنسيش حاجه

أبتلعت بمرارة وإرتباك ثم أخذت نفسا طويلا مُكملة:

- بقى يقولي أنه بيحبني وهيتجوزني وإني مراته وربنا شاهد علينا، وأنه عايز يتأكد إني بحبه وبثق فية وأنا كنت مصدقاه وسبته يقرب مني، لحد ما جيه يوم و...

••

- يبقى أنتي مش بتحبيني ولا بتثقي فيا يا سلمى

أتسعت عينيها بصدمة مما صاح به، كيف له أن يقول إنها لا تحبه، هى لم يخفق قلبها لأحد غيره، هى لم تسمح بالأساس لأحد غيره أن يقترب منها ويدلف حياتها، صاحت به هى الأخرى والدموع تملئ عينها مُعقبه بإعتراض عما بدر منه:

- أنت أزاى بتقول كده يا خالد، دا أنا محبتش حد فى الدنيا دى كلها غيرك، بس اللى أنت بتطلبه ده صعب أوى

جذبها إليه مقربا إياها منه مُطالعها ببعض النظرات الحنونة مطمئنا إياها هاتفا بهدوء:

- يا بت أنا بحبك، بس أنا حاليا تعبان ومحتاج الحاجه دى أوى، أنتى حبيبتي ومراتي المستقبليه ولازم تساعديني، يعنى دلوقتي أنا لو روحت عملت كده مع واحده تانية مش هتزعلى؟!

نظرت له بإنزعاج وإستكار من مجرد فكرة أنه سوف يفعل هذا الشيء مع فتاة غيرها لتزداد حيرتها، ليضغط عليها بعد أن لاحظ تشتتها وقرر أن يستغله ضدها، ليعقب مُصطنعا الضيق والأستسلام:

- خلاص يا سلمى مش هنعمل حاجه، بس على فكرة ده معناه إنك مش بتثقي فيا، وبما إن مفيش ثقة بينا يبقى مينفعش يبقى فى جواز بينا، أو حتى ممكن تكوني خايفه إنى أعرف حاجه كده ولا كده!!

قال جملته الاخيرة بنبرة يملئها الشك، ليجن جنونها من سماع تلك الكلمات، لتصيح به بإنفعال شديد هاتفة ببكاء:
- أنت بتقول أيه يا خالد؟ أزاى تفكر فيا كده!! كل ده عشان بقولك إن الموضوع صعب عليا، أنا عمري ما سبت شاب غيرك يمسك إيدي حتى، أكيد هبقى خايفه ومرعوبة من فكرة إننا نعمل كده، ده غير إني خايفه إنك تسيبني أو تتخلى عني أو تقول عليا بنت مش كويسة عشان سبتلك نفسي؟!

نهاها عن ذلك التفكير رافضا إياه مُعقبا بوضوح وإصرار وبعض من الصدق:

- يعنى بردو مش واثقه فيا يا سلمى!! يا بت أفهمي أنا مقدرش أبعد عنك، وبعدين هقول عنك مش كويسة أزاى إذا كان أنا اللى طالب ده منك!! وكمان أنا هتأكد بنفسي دلوقتى إنك كويسة ومحدش لمسك قبلى ولا أيه؟!

أثر على أن يُعيد نفس الحديث حول تلك النقطة ليضيق عليها نطاق التفكير وتستسلم له، أومأت له براسها بالموافقة على ما ينوى فعله، ليبتسم لها بإنتصار مقربا إياها إلى صدره هامسا:

- طب يلا بينا بقى يا حبيبة قلبي

أمسك يداها وتوجه بها إلى الغرفة مُغلقا الباب خلفه، دلفا معا لتذهب وتجلس على الفراش فى تلبك، رمقها كالاسد الذى يكاد ينقض على فريسته، أقرب منها وجلس بجانبها على الفراش، ةسريعا ما بدأ فى مداعبتها وأنهال عليها بالقُبل الحاره ويده تعبث داخل ملابسها إلى أن أصبحت كالغائبة عن الوعى بين يدية لا تعلم متى جردها من ملابسها!

لتصبح أمامه عارية تماما وهو يحاوطها بين ذراعيه، أذابها فى لذة لمساته المتفرقة على ثائر جسدها وشغف ونعومة قُبلاته، لم تفق من تلك اللذة والمتعة إلا عندما أنتهى مما كان يريده وفقدت عذريتها، لتستيقظ على مصيبة كبيرة قد أرتكبتها فى حق نفسها وحق والدتها التى لا تستحق منها ذلك

•••

أنهارت من البكاء ندما على فعلته فى حق نفسها، بينما هو لم يتاثر بشئ مما قصته عليه، بل ناظرا لها منتظرا أن تُكمل ما بدأته، لتضيف بندم ومرارة:

- فضل كل فترة يطلب منى نعيد اللى عملنا ده لحد من أسبوع كده، كان بقالي فترة تعبانة أوى، حتى ماما لاحظت إني تعبانهدة فقالتلي أروح أكشف، وفعلا روحت وأخدت واحده صحبتى معايا وأكتشفت إني حامل، جريت عليه عشان أقوله بس رده وقتها صدمني

••

- ألحقني يا خالد أنا فى مصيبة

شعر بالفزع من هيئتها المروعة وخوفها الشديد والواضح عليا ليهتف مستفسرا:

- مصيبة أيه يا بت! مالك؟

أنهارت فى بكائها مُضيفة بندم:

- أنا حامل يا خالد

صُدم مما قالته وأرتبك لبعض من الوقت، فهذا الشئ لم يكن فى حسبانه مُطلقا، هو لا يستطيع تحمل تلك المسؤلية الان، ليجد أن أسلم حل له هو التخلى عنها، ربما سيكون حينها شخص ندل ولكن هذا سيكون أفضل لكلاهما، أستدعى ثباته ليحدثها بنبرة قاسية:

- من مين يا زباله؟!

صُعقت من هذا السؤال ومن ردة فعله الغير متوقعة، ماذا يقصد بهذا السؤال! هل فقد عقله، لتصيح فيه بحدة وبكاء مُعقبة بهجوم:

- من مين أزاى يعنى!! هو أنا كنت أتهببت مع حد غيرك؟!

رماها بنظرة أحتقار كانت كافية بالنسبة لها أنه قاصدا كل كلمة يقولها، مُعقبا بحدة:

- وأنا أعرف منين يا طاهرة!! اللى تسيب نفسها لواحد قبل الجواز ومفيش بينهم حاجة، تسيب نفسها لأي حد تاني

قبض على ذراعها بقسوة وملامح جامدة وكأنه شخص أخر غير ذلك الذى تعرفه، مُضيفا بتحذير:

- إياكى أشوف وشك تاني ولا حتى بالصدفة صدقيني هفضحك يا سلملى، ومش بس كده أنا كمان هوري الناس كلها صورنا وأحنا مع بعض فى السرير، وساعتها لا أنا ولا غيرى هنعبرك

صمت قليلا وهو يرائ معالم الصدمة على وجهها، ليتنهد بصعوبة حاول جاهدا عدم إظهارها قائلا:

- أنا لو منك أروح أنزل العيل ده وأعمل عمليه وأرجع بنت زى الأول تاني ولا من شاف ولا من دري وأظن أمك معاها فلوس من شغلها عند الناس الأغنية، بس الأهم إني معدتش عايز أشوف وشك تاني، أنسيني أنتي فاهمة؟

دفعها بعيدا عنه ثم أعطاها ظهره تاركا إيها لتتحمل مسؤلية ما حدث بمفردها، لتسقط فى أرضا منهارة بسبب ما أستمعت له، ظلت تبكي وتصفع نفسها على وجهها على ما فعلته بنفسِها، ولكن ما هى فائدة الندم بعد فوات الأوان؟

•••

ظلت تبكي بحرقة وقهر على ما حدث لها وهى تلقي عليه تلك التفاصيل المريرة، لتضيف من بين دموعها فى ضعف وإنكسار:

- سابني ومشى ومن ساعتها بكلمه مش بيرد عليا وأنا مش عارفة أعمل أيه!!

كانت تنتظر من أي شيء أن يصرخ عليها، أو يسبها أو حتى يخبر والدتها بما قصته عليه، ولكن ردة فعله لم تكن تتوقعها على الإطلاق، فاجائها "جواد" بعدة صفاعات ممتالية على وجهها

شعرت بالفزع والرعب الشديد منه ومن فهلته، فهو لم يسبق له أن يفعل هذا الشيء معها أو مع أي شخص يعمل لديه، لتنظر له برهبة وزعر وهو يصيح بها بغضب وإنزعاج:

- دول عشان أنتي واحدة زبالة ورخيصة واللى المفروض أعمله دلوقتي هو إني أقوم أخدك وأطلع على أى مكان تاني غير هنا وأعمل فيكى أوسخ من اللى هو عمله بكتير وأنزلك أنا الجنين ده بطرقتي

طالعته بكثير من الفزع والزعر غير قادرة على التفوه بأية كلمة، بينما هو أكمل حديثة رامقا إياها بإشمئزاز وهجوم صريح منه قائلا:

- مبصتيش لأمك المكسورة عليكي من بعد موت أبوكي عشان تربيكي وتعلمك وتدخلك كلية انتي أصلا متستهليهاش، هو وسخ وأبن ستين كلب بس ميتلامش عشان أنتي اللى رخيصة، عشان كده وساخته طلعت عليكي

أنحنت لتقبل قدمه بضعف وإنكسار مُعقبة ببكاء مرير:

- أبوس رجلك يا جواد بيه، أه أنا زبالة وأستاهل كل اللى يجرالي، أعمل فيا اللى أنت عايزه بس أستر عليا، أمى لو عرفت حاجة هتروح فيها، أبوس أيدك أسترني

لحظات من الصمت وهو يتفرسها بنظرات جعلتها ترتجف من داخلها من شدة خوفها منه، ليكسر هذا الصمت هاتفا بنبرة إشمئزاز:

- اللى أنا هعمله ده مش عشانك أنتي لا ده عشان أمك بس، أنتي هتيجى معايا دلوقتى واللى هقوله هيتنفذ ومش عايز أسمع نفسك مهما حصل وإلا والله هدفنك أنتي وهو فى تربة واحدة صاحين

أومأت له برأسها موافقة إياه عما قاله مُعقبة برعب:
+

- حاضر يا جواد بيه
هتفت والدة "أدهم" بابتسامة ودودة موجهة حديثها نحو "منال" مضيفة بحماس:

- أومال فين العروسة يا مدام منال؟ مش هنشوفها ولا أيه!!

ابتسمت لها "منال" بود مُتبادل وكثير من الترحاب مُعقبه بسعادة:

- أكيد طبعا، مالك أخوها راح يندهلها

بينما غمرت البسمه وجه "ديانة" بعد سماعها صوت أخيها مُعلنها عن موافقة والدها مُعقبا بابتسامة وهو يغمزها ببعض من المرح:

- تعالي يا عروسة كلمي بابا عشان عايزك

ارتسمت السعادة على وجه "ديانة" بينما صاحت "ملك" بقليل من المرح وهى تُقبلها:

- ألف ألف مبروك يا قلبى وأخيرا هنخلص منك الحمدلله

ضحك كلا من "ديانة" و"مالك" على طريقة "ملك" المرحة، لتقوم "ديانة" بضربها بخفه على ذراعها مُعقبة بمرح مشابه يغلفه الكثير من الحب:

- عقبالك يا أم سبعة وسبعين لسان

صاحت "ملك" بكثير من اللهفة والحماس مردفة بتمنى:

- يارب يا أختي

رمقها "مالك" بنظرة صارمة على لهفتها تلك لتتفهما "ملك" وتفضل الصمت بدلا من وقوع نزاع حاد بينهم الأن، بينما أمسك بيد "ديانة" وخرج معا متوجهان إلى غرفة الضيوف، دلفت "ديانة" بصحبة أخيها إلى تلك الغرفة التى يجلسون بها مُتحدثة بخجل:

- مساء الخير

طلت عليهم بزروقاوتيها البارقتان مُرتدية ذلك الفستان الكشميري الحريري تاركة العنان لشعرها المُتدلي منه بعض الخصلات المنسدله على وجهها مما ذادتها جمالا، بالأضافة إلى ذلك الحذاء ذو الكعب المرتفع مما جعلها تبدو فى غاية الجمال والاناقة

نظر جميع من فى الغرفة لها بإعجاب كبير، هى حقا شديدة الجمال حتى أن "أدهم" صُدم حينما رائها، بالتاكيد فهو لم يراها بهذه الأنوثة والأناقة من قبل، ليشعر بالرضا على نفسه إنه قام بتلك الخطوة وتقدم لها بطلب الزواج ولم يُضيع تلك الفرصة من يديه

لفت انتباه الجميع صوت والد "أدهم" بابتسامة فخر بإختيار أبنه مردفا بحماس وسعادة:

- طب يا جماعة أنا بقول مفيش داعى نضيع الوقت أكتر من كده، أحنا نقرا الفاتحة النهاردة والخطوبة زى ما أتفقنا الخميس الجاي

ابتسم "محمود" بسرور لرؤيته البسمة على وجه أبنتة مُجيبا على حديث "بكرى" مردفا بموافقة:

- على خيرة الله

❈-❈-❈

يقف فى منتصف الغرفة التى لا يوجد بها أية مخرج سوا ذلك الباب المغلق جيدا الذى لا يستطيع فتحه، ليعود ويجلس على ذلك الفراش منتظرا أن ياتي إليه أحد ليخبره لما هو هنا!! وماذا يردون منه!! والأهم لماذا أحضروه تلك الرجال إلى هنا بهذه الطريقة؟!
جلس "خالد" يفكر من الذى يمكن أن يُحضره بتلك الطريقة الإجرامية ولماذا؟! ظل يفكر فى تلك الطريقة التى أحضروه بها، تلك السيارة السواد التى أقتحمت شارعهم وأخذته من بين الناس رغما عنه وفرت به أتية به إلى هذا البيت الغريب عنه!!

كان شاردا الذهن إلى أن قطع تفكيره دخول ذلك الشخص الغريب والغامض والذى يبدو إنه من ذي الطبقة العُليا بصحبة رجاله والذين يبدوا عليهم أنهم حُراس له، ليسرع "خالد" بالنهوض واقفا أمامه مُصيحا بغضب وانزعاج:

- أنت مين وعايز مني أيه؟! وأزاى أصلا تجبني لحد هنا بالطريقة دى و...
لم يُنهى "خالد" جملته بل قاطعته صفعة قوية أسكتته من أحد رجال الحراسة الموجودين بالغرفة، ليرمقة ذلك الشخص الغريب عنه وهو يخلع نظارته بهدوء وكبرياء مردفا ببرود:

- أولا يا خالد لما تيجب تتكلم معايا تتكلم بأدب ده طبعا لو عايز تخرج من هنا على رجليك!! ثانيا بقى أنا أبقى مين!! أو عايز منك أيه!! أو جبتك هنا ليه!! كل الأسئلة دي أنت اللى هتعرف أجابتها لوحدك

حول "جواد" بنظره بعيدا عنه حتى وصل بنظراته إلى باب الغرفة و"خالد" يتبعه بعينيه، وبمجرد أن وقعت عينيه على هذا الباب حتى فُتح ودلفت منه "سلمى" برعبة وخوف، لينظر لها "خالد" فى صدمة مُدركا إنه أوقع بنفسه فى مأزق كبير جدا، ليغمض عيناهُ بغضب مُمذوج بكثير من القلق، بينما حدثه "جواد" بهدوء مريب بعض الشيء مُبتسما بسخرية:

-؛طبعا يا خالد أنت عارف سلمى عز المعرفة، وعارف كمان أنت عملت معاها أيه بمنتهى الوساخة والندالة، بس أنا بقى مش جيبك هنا عشان أقولك أنت غلط والكلام الفارغ ده لا، أنا جيبك هنا عشان أنت فعلا غلط واللى غلط لازم يدفع تمن غلطته يا خالد

جلس "جواد" على إحدى الأرائك الموجودة فى تلك الغرفه، وهو يُطالع "خالد" بنفس تلك النظرات الباردة والابتسامة الساخرة مُضيفا:

- أنا طبعا عارف إن مش أنت لوحدك اللى غلط وإنها هى كمان غلطت ولازم هى كمان تتعاقب، بس عقبها هيكون مختلف عنك شويه، وعقبها هو إنها هتنزل الجنين اللى فى بطنها وتتحرم منه وتقريبا كفاية أوى اللى هى عاشته بسببك الفترة اللى فاتت دي، ده لوحده كفيل أنه يربيها ويعرفها غلطها فين، إنما أنت بقى أنا شايف إنك لسه متربتش فقولت لأزم أربيك بنفسي، عشان الغلط ميتقررش تاني

قال جملته الأخيرة وهو يرمقه بشبح ابتسامة لم تتحرك لها شفتيه كثيرا، بالإضافة إلى ملامحة التى أصبحت قاسية مُضيفا بحدة:

- الراجل يا خالد بيتربط من لسانه، واللى بيقول كلمة لازم يبقى قدها ولو مش قدها يستحمل نتيجة أخطائه وأنت مش راجل وعشان كده لازم تتحاسب وتتربى من أول وجديد وتدفع تمن غلطتك

رجع "جواد" بظهره إلى الخلف وأكمل حديثه مُعقبا بسخرية:

- سمعت إنك قولت لسملى جملة عجبتني أوى بصراحة قولتلها "أنا لو منك أروح أنزل العيل اللى فى بطني ده وأعمل عملية وأرجع بنت تاني ولا من شاف ولا من درى" وأنا عجبتني فكرتك أوى وهنفذها بس مش فى سلمى لوحدها لا، وفيك أنت كمان

شعر "خالد" بالتوتر من حديث "جواد" وكاد أن يُصيح به، ليجد بعض الحراس يحملونه ويلقون به على الفراش، ومن ثم أنهالوا عليه وأخذوا يجردونه من ملابسه بالكامل ويثبتونه على ذلك الفراش جيدا، بينما صاح "خالد" بهم فى فزع ورعب وهو يصرخ مستنجدا ب "سلمى" هاتفا:

- أنتوا... أنتوا بتعملوا فيا أيه؟! فيه أيه يا سلمى!!

قال أسمها وهو يصرخ من شدة الرعب الذى شعر به مما يفعلون به هؤلاء الرجال، بينما شعرت "سلمى" بالخجل من رؤيته هكذا يُجرد من كامل ملابسه ولا يستره أية شيء لتُبدأ هى فى البكاء، نعم هى لا تعلم ما الذى سوف يفعله به "جواد" ولكن الذى أستنتجته أنه سيجعله يندم كثيرا وسيظل يُعاني مدة كبيرة مما سيفعله به

لاحظ "جواد" بكاء "سلمى" ليرمقها بنظرة حادة دبت الخوف داخل قلبها، ولم ينقذها من تلك النظرات التحذيرية البصرية سوا دخول ذلك الرجل حاملا بيده تلك الحقيبة، ليُنهض "جواد" ويقف معه أمام الفراش المثبت عليه "خالد" وأخذ يحدثه ببرود غير مكترث لأي شيء:

- أهلا يا دكتور، أظن الموضوع كده بقى سهل خالص، أهو جاهز قدامك يعنى مجرد إبرة بنج موضعي ونخلص الحوار ده

أومأ له "الطبيب" بالموافقة على حديثه، وكيف له أن لا يوافق فهو يعرف جيدا من يكون "جواد الدمنهورى" ليهتف مُعقبا بإنصياع:

- تحت أمرك يا جواد بيه

صاح "خالد" بكثير من الزُعر والفزع وهو عارٍ الجسد تماما مُثبت على الفراش من قبل رجال "جواد"، هناك رجلان مُمسكان بيديه الاثنان مفرقان بينهم ورجلان أخران مثبتان قدميه مُباعدان بينهما جدا بإحكام لدرجة أن "خالد" لا يستطيع الحركه مُطلقا، وهذا لفتح المجال لهذا الطبيب كى يقوم بعمله:

- بنج أيه وحوار أيه اللى هيخلص أنت ناوي على أيه؟!

قال "خالد" جملتة تلك بصراخ شديد ويبدو عليه ملامح الرعب والفزع مما يدور فى مخيلته، ليرمقه "جواد" ببرود وهو يتقدم إليه نحو الفراش ليصبح يقف بين ملتقى ساقيه بالظبط ويطالعه باشمئزاز مُعقبا:

- بما إنك طلعت عيل وسخ ملكش كلمة وجبان وقذر كده، فأنا قررت أسمع بنصيحتك وأنهي الحاجة الوحيدة اللى بتربط بينك وبين الرجالة عشان متبقاش وصمة عار عليهم وتتضاف ليهم وأنت مش منهم، اللى بيقول كلمة يبقى قدها ولو طلع عيل خ** زيك كده يستحمل بقى اللى يجراله وبما إنك طلعت خ** فى كلمتك يبقى نخليك كده بجد بقى

فطن "خالد" ما ينوى عليه "جواد" وماذا يريد أن يفعل به، ليصرخ "خالد" بفزع ورعب مما هو مقبل عليه الأن:

- تخليني أيه؟ وتنهي أيه؟ أنت مجنون؟! يا سلمى!!

قال جملته الاخيرة وهو ينظر إليها بتوسل مُستنجدا بها، لتنظر هى أرضا وهى لا تستطيع التوقف عن البكاء، ليدرك حينها أنه قد كسر قلبها وأنهى على كل هذا الحب التى كانت تحمله له فى ذلك اليوم عندما تخلى عنها وطعنها فى شرفها، ليبدأ فى البكاء بقوة من شدة خوفه مما سيحدث له خلال ثوانٍ

بينما قام "جواد" بالجلوس مرة أخرى على هذا الكرسي بجانب الفراش لكى يُتابع ما أمر به "الطبيب" أن يفعله

لاحظ "خالد" أقتراب "الطبيب" منه بعد أن أنتهى من إعداد كل ما سيحتاج إليه بجانبه على طاولة صغيرة، ثم رائه وهو ممسكا بإحدى الأبر الطبية بيداه مفرغا ما بداخل ذلك الامبول بتلك الأبرة ومقتربا منه

كاد قلب "خالد" أن يتوقف من شدة الرعب، هو الأن على وشك أن يفقد رجولته إلى الأبد وهذا بسبب عملته الرخيصة والدنيئة تلك، والتى لم يكن ينوي أن يفعلها مُطلقا والان هو يندم على كل ما فعله، ليصرخ برعب وفزع عندما رأى "الطبيب" يقترب منه:

- أبوس أيدك يا جواد بيه، أبوس رجلك بلاش كده، هعملك اللى أنت عايزه بالحرف، بس كله إلا كده

توقف الطبيب منتظرا أوامر "جواد" بينما ابتسم هو ابتسامهة لم تلامس عيناه وهو يتابعه بسخرية وهدوء أعصاب مُعقبا:

- أنا أصلا مش عايز منك حاجة يا خالد، أنا بس عايز أربيك وأعلمك درس تحلف بيه طول عمرك، بس أنت عارف إن الواحد عشان يتعلم الدرس لازم يدفع التمن غالي، ورجولتك هى تمن غلطتك وعشان متضحكش على أي بنت تانية بأسم الحب والجواز والشويتين دول، أصل ديل الكلب مبيتعدلش فلازم يتقطع، أما بقى بالنسبة ل سلمى فأنا هعرف أعوضها كويس أوى

نظر "جواد" نحو "الطبيب" مرة أخرى مُتحدثا بإستفسار:

- وقفت ليه يا دكتور؟! أنا مطلبتش منك توقف!! كمل

تقدم "الطبيب" تجاة "خالد" المُثبت أمامه جيدا والذى لم يتوقف عن الصراخ والبكاء، ليجلس بين قدميه المثبتتان من قبل هذان الرجلان، وأمتدت يده لكى تمسك برجولته حاقننا إياه بذلك المخدر لكى يبدا فى عمله!!

لاحظ "جواد" فزع "سلمى" وبكائها الشديد ليدرك إنها قد رق قلبها لهذا الندل مرة أخرى ليزجرها بحنق:

- أطلعي برا يا سلمى

نظرت له بضعف وترجي بأن يتوقف عما يفعله ولكنها لا تستطيع أن تطلب منه ذلك، هى تعتبره فرد من عائلتها بل كل عائلتها، هى ترعرعت فى بيتهم وتحت رعايتهم، كادت "سلمى" أن تخرج من الغرفة ليوقفها صوت "خالد" مستنجدا بها صارخا بهستريا موجها حديثه نحوها ونحو "جواد" قائلا:

- لا يا سلمى متسبنيش، أبوس أيدكوا متعملوش فيا كده أبوس أيدك يا جواد بيه، بالله عليكى يا سلمى هعملك كل اللى أنتى عايزه، والله العظيم هتجوزك وهعترف بالطفل وعمرى ما هزعلك، أبوس رجلك يا سلمى ألحقينى، أبوس إيدكوا بلاش كده بالله عليكوااا

كان يصيح بكل كلمة وهو يصرخ بفزع ورعب، أرتجف قلب "سلمى" من البكاء والحسرة، لتُسرع وتلقي بنفسِها تحت قدمي "جواد" بترجي وضعف متوسلة:

- أبوس رجلك خلاص يا جواد بيه، أنا مش عايزة منه حاجة خلاص، سيبه يمشي أبوس رجلك سيبه خلاص مش عايزة حاجة بالله عليك

نظر لها "جواد" بغضب شديد من ضعفها هذا أمام ذلك العاهر، ليصيح بها بحدة وحنق:

- أنا مش قولتلك أطلعي برا، يلااا

أسرعت "سلمى" بالخروج من الغرفة بسبب صراخ "جواد" عليها، بينما "خالد" ظل يصرخ بنهي من أن يفعلوا به هذا الشيء ويبتروا رجولته، وأزداد صراخه عندما راى تلك الاداة الحادة تقترب من رجولته أكثر، ليرتجف قلبه من الخوف ويصرخ نهيا بتلعثم وهسترية:

- لا أبوس رجليكوا، بالله عليك يا جواد بيه حرمت والله، والله ما هعمل كده تانى وهصلح غلطتي، بلاش كده، بلاش كده يا جواد بيه، أبوس رجلك لااا

كاد "الطبيب" أن يفعلها بعد أن أمسك برجولة "خالد" بإحدى يديه وباليد الاخرة ذلك المشرط الطبي، ليوقفه صوت "جواد" نهيا إياه بحدة:

- لحظة يا دكتور

نهض "جواد " من مكانه وأخذ يقترب من الفراش، ثم أنحنى مُلاقيا أعينه بأعين "خالد" الذى كاد أن بتوقف قلبه من الصراخ مُعقبا ببرود:

- هى كلمة واحده ومش هقررها تاني، أبعت أجيب المأذون ونخلص؟ ولا أخلي الدكتور يكمل شغله وبردو هنخلص؟

أومأ له "خالد" برأسه كالمجنون موافقا على حديثه صارخا بلهفة:
- أيوه أيوه هات المأذون والله هعملكوا اللى أنتوا عايزينوا بس بلاش الدكتور أبوس رجلك

ابتسم "جواد" ابتسامة سطحية لم تلامس عيناه ليضيف بهدوء:

- معلش يا دكتور تعبناك معانا بس خليك بردو لو حبينا نغير رأينا ولا حاجة

أعتدل "جواد" فى وقفته ووجه حديثه نحو الرجال الممسكين ب "خالد" مُعقبا برسمية:

- سيبوه يلبس وأبعتوا هاتولي ماذون حالا

❈-❈-❈

كان قلب "سلمى" يرتجف من شدة الرعب بسبب ما تيقنت منه وأن "جواد" لن يتراجع عن قراره، أزداد فزعها عندما توقف "خالد" عن الصراخ، لتُخمن أنه قد تجرد من رجولته أو ربما يكون قد مات؟ شرعت فى البكاء وأخذت تلعنه وتلعن نفسها بداخلها، فهو من أوصل كلاهما الى هذا الحال، هو من فعل بنفسه وبها ذلك الشيء

توقفت "سلمى" عن البكاء عندما رأت "جواد" يخرج من الغرفة هو وكل من كانوا معه بالإضافة إلى ذلك الطبيب، لتبتلع برعب يبدو أن الدور قد جاء عليها وحان وقت أن تُجهض ذلك الجنين، ليقطع تفكيرها صوت "جواد" زافرا بحنق:

- الماذون جي فى السكة، أدخلي أقعدي معاه وشوفي نفسك لسه عايزة يكتب عليكى ولا لا وفى الحالتين أنا هعرف أحميكي

شعرت "سلمى" بالسعادة العارمة بأنها سوف تتزوجه ولن ينفضح أمرها أمام أحد، ولكنها تذكرت ما فعله به "جواد" لتشعر باليأس والحزن مرة أخرى، ولكن يكفيفها الأن أنه سيتزوجها وسيعترف بذلك الطفل، كادت "سلمى" أن تدلف الغرفة ليوقفها "جواد" مستهزا:

- على فكرة أنا معملتلوش حاجة، لسه زى ما هو، موقتا بس لحد ما نعرف ردك أيه!!

فطنت ما يقصده وابتسمت براحة وأمتنان ثم دلفت إلى الغرفة لتُصعق مما رأته، "خالد" جالسا على الفراش مرتديا سرواله الدخلي فقط ولا يتوقف عن البكاء كالاطفال، ألتقطت "سلمى" ملابسه من على الأرض وأقتربت لتجلس بجانبه على الفراش، لكى تُهدى من روعته وبمجرد أن جلست بجانبه أرتمى داخل صدرها وأخذا يبكي بهسترية ويعتذر بندم:
1

- أنا أسف يا سلمى والله العظيم مش هتتقرر تانى سامحيني، أنا بحبك والله بحبك أوى، أنتي عارفة ظروفي عشان كده عملت معاكي كده لكن انا والله العظيم بحبك

أخذت "سلمى" تربط على كتفيه مُهدئة إياه مُتحدثه بحب وتسامح:

- مسمحاك يا خالد، متخفش محدش هيعملك حاجة، بس قوم ألبس عشان المأذون زمانه جي

قطع حديثهم صوت طرقات أحد رجال "جواد" معلنا عن وصل المأذون، لتردف "سلمى" فى حرج مجببة إياه:

- أحنا جاين أهو

❈-❈-❈

- بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما فى الخير

صاح "المأذون" بتلك الجملة مُعلنا عن إتمام عقد القيران، لتملئ الفرحة قلب كلا من "سلملى" وحمدت ربها على إنهاء ذلك الأمر بتلك الطريقة، ليحطم فرحتها تلك صوت "جواد" مُعقبا بحدة:

- معلش يا عم الشيخ هتستنى شوية عشان هنطلق تاني

تفاجئ "المأذون" من هذا الطلب الغريب وكاد أن يتحدث نهيا عن هذا الأمر، ليقاطعه "خالد" الذى تحدث بخفوت وإنكسار مُوجها حديثه نحو "جواد" قائلا:

- بعد أذنك يا جواد بيه ممكن أتكلم مع حضرتك كلمتين على إنفراد!!

رفع "جواد" حاجباه فى استنكار وأضاف مستهزئا:

- هو البنج أثر عليك ولا أيه!! الدكتور معملش حاجه لسه!!

شعر "خالد" بالحرج الشديد من كلمات "جواد" ذات المغزى المهين له، ليهتف على أستحياء:

- أنا عايز أتكلم مع حضرتك فى حاجة بعد أذنك

زفر "جواد" فى حنق ولكنه وافق على طلبه ليعلم فى ماذا يريد أن يتحدث معه، ليعقب بملل:

- تعالى ورايا

دلف "جواد" إلى إحدى الغرف بصحبة "خالد" مُغلقا الباب خلفه مُعقبا باسهزاء:

- خير يا سيد الرجالة!!

شعر "خالد" بالحرج من كل تلك الأهانات التى يتلقاها من قبل "جواد"، ولكنه يعلم إنه يستحق ذلك ليستجمع شجاعته وعقب بنبرة يغلفها الانكسار:

- أنا مش عايز أطلق

ألتفت إليه "جواد" مبتسما بسخرية قائلا:

- أيه بقيت راجل كده فجاه؟!

يكفى إلى هذا، لما يصمم على إهانة دون معرفة أسبابه لفعل هذا، لقد كان نذل هو لا ينكر ذلك ولكن لمالم يسأله أحد عن سبب نذالة تلك، لتمتلئ العبرات عيني "خالد" مُضيفا بإنكسار:

- متفكرش إني وحش أوى كده، أنا حبيت سلمى بجد وأكتر مما تتخيل كمان، بس اللى حصل ده كان غصب عنى، كنت مستنى منى أيه!! أنا شاب خريج كلية تجارة بتقدير جيد جدا أتخرجت وطلع عيني على وظيفة ملقتش أضطريت أشتغل سواق على عربية عشان يا دوب أقدر أكفي مصاريفي الشخصية، هروح أزاى بقى أخطب وأجيب شبكة وأعمل عفش وأشتري شقة وأعمل فرح منين كل ده؟! من المائة جنية أُجرتي من كفيتي على العربية طول النهار والليل!!

ابتسم بمزيج من الانكسار والاستهزاء أيضا على حالهته المتعسرة تلك، ليكمل حديثه ودموعه تتساقط من عينيه:

- لا وكمان أخلف عشان أجيب عيال أحرمهم!! يبقى الناس بتاكل لحمه وفراخ وأنا أكلهم فول وفلافل عشان ده اللى على قد حالى، ممكن أجبلهم اللحمه مرة فى الشهر لكن مقدرش أجبها كل أسبوع، قولي أنت بقى لو مكانى كنت عملت أيه غير إنك تكون ندل؟!!

كان يطالعه بهدوء شديد منصطا جيدا لكل كلمة يقولها، ليأخذ نفسا عميقا بعد أن أنتهى "خالد" من حديثه، ليهتف بعدة كلمات مقتضبة دون التأثر بكل ما أستمع إليه مستفسرا:

- طب وأيه اللى غير رأيك دلوقتى وخلاك فاجأة كده مش عايز تطلق؟!

مرر يده على وجهه مُزيحا تلك الدموع التى خانتة وتهاوت من عيناه دون إرادة منه مضيفا بحسرة:

- عشان مش ضامن الدنيا هتقابلني فى واحدة تانية تحبنى وأحبها زى سلمى ولا لا!! عشان مش ضامن إن غلطة إني أنام مع واحدة بحبها وتحمل مني دي هتتكر تانى ولا لا!! عشان مش عايز أخسرها أو أخسر اللى فى بطنها.

أغمض عينيه بألم ليُكمل حديثة مُعتقبا بصدق واستسلام:

- ظروفى وحشة!! خلاص أدى الله وأدى حكمته، اللى حصل حصل وأنا مش هضيع الفرصة الحلوة الوحيدة اللى حصلتلي من إيدي، هأخدها ونعيش فى بيت أمى وأبويا واللى ربنا يقسم بيه هنعيش بيه وده اللى ربنا كتبه وأنا موافق بتدبير ربنا

أومأ له "جواد" بالموافقة وهو ينهض مُتوجها ناحية باب الغرفة، ليلتفت إليه قبل أن يخرج من الغرفة مُضيفا بنهى:

- مفيش طلاق، هستناك بكرة فى الشركة عندى، هبعتلك عربية بالسواق تجيبك ولو لعبت بديلك أو مجتش أنت عارف هجيبك أزاى
2

❈-❈-❈

فى أحد الشليهات الخاصة بالطبقة العُليا بمحافظة الأسكندرية، كانت تجلس بهدوء تام وعزلة لا تُحاول الأختلاط بأحد أو الهروب من ذلك المكان، كيف لها أن تهرب من كل هؤلاء الرجال الذين يُحاوطونها وتلك الفتاة التى تجلس معها ولا تفارقها ولو لحظة واحدة، حتى أن تلك الفتاة لا تسطيع القراءة والكتابة، فكيف لها أن تطلب منها المساعدة وهى غير قادرةعلى الكلام، لو كانت فقط قادره على الكلام ما كانت لتكون هنا من البداية

دلف إليها بغروره وغطرسته المعتادة يطالعها باستحقار مثل كل مرة يراها بها، ليلتفت إلى تلك الفتاة أمرا إياها أن تتركهم بمفردهما لبعض الوقت، وبالفعل أمتثلت تلك الفتاة إلى أوامره وغادرت الغرفة على الفور، بينما تقدم هو تجاهها راميا إياها بنظرات التوعد والتشفي قائلا:

- أخيرا يا لبنى بعد عشرين سنة فى عذاب وحيرة ووجع قلب وقلة راحة لناس عايشة وناس ميتة، خلاص كله هيرتاح.

أعتلت وجهها بعض من ملامح الاستنكار وعدم الفهم رامقة إياه باهتمام تحاول أن تستنتج ما يحاول الوصول إليه، بينما أكمل هو متحدثا باستهزاء:

- بصي بقى أنا عندي خبرين والاتنين أحلى من بعض، الخبر الاول هو إننا خلاص لقينا ديانة وهجبهالك عشان تشوفيها

شعرت "لبنى" بالفزع والرعب مما أستمعت إليه وقد أتسعت عينيها بصدمة وأخذ قلبها يرتجف بهلع شديد، لترمقه بنظرات الضعف والانكسار محاولة إستعطافه وأن يخرج أبنتها خارج ذلك الموضوع بينهم، بينمت أدرك هو ما تحاول الوصول إليه، ليبتسم بتشفي على ذلك الألم الذى يراه بعينيها عوضا عن تلك السنوات الذى ظل يتألم فيها بسبب عملتها الحقيرة

تقدم "هاشم" ليقترب منها قليلا وهو يضيف بنبرة يملئها التشفي والراحة مُعقبا بتوعد لا يريد منه فقط سوء جعلها تشعر بألمه ونيران قلبه، ولم يكن متأكدا من تنفيذ ما سوف يتفوه به:

- بس يا خسارة هيبقى ده اللقاء الأول والأخير وهو ده الخبر التاني إنكم انتوا الاتنين هتموتوا فى نفس اليوم اللى هجبهالك فيه، شوفتي أنا حقاني أزاى؟! زى ما قتلتيهم هما الاتنين مع بعض، أنتي وبنتك كمان هتموتوا مع بعض

بكت "لبنى" بقهر شديد وهى تُحاول أن تتحدث ولكن دون فائدة، لتلعن حظها على تلك الصدمة التى حدثت لها بهذا اليوم المشؤم وما نتج عنه فقدانها للنطق
شعرت بالعجز الشديد وما كان أمامها سوا أن تُسرع فى التوجه إليه وترمي بنفسها تحت قدميه مُترجيه إياه بنظرات الانكسار والضعف، لما لم يشعر بالراحة مما تفعله الان!! لما لا يشعر بالإنتشاء على ذلك الألم والدموع التى تفيض من عينيها رعبا وقهرا!!

لا يجب عليه أن يشعر بالضعف الأن ولا يجب أن يتذكر سوا شيء واحد، أن تلك المرأة دمرت أسرته بالكامل بداية من زوجته وطفلهم نهاية بشقيقيه معا، ليركلها بقدميه بعيدا عنه بمنتهى القسوه والجحود صائحا بغضب وألم يحرق قلبه:

- أبعدى عنى يا حقيرة، أوعى تفكري تقربي مني تاني يا زبالة، وحيات غلاوت اللى حرقتي قلبي عليهم لحرق قلبك زى ما عشت عشرين سنة قلبي محروق.

ذهب "هاشم" وتركها تبكي وتنتحب بألم ورعب مما هى مقبلة عليه هى وأبنتها، بل والجميع.

❈-❈-❈

دلفت المساعدة الخاصة به إلى المكتب مُعلنة إياه عن وصول "خالد" إلى الشركة مُعقبة برسمية واحترام:

- مستر جواد الشاب اللى حضرتك بلغتنا بمعاده وصل وفى إنتظار حضرتك برا

ضيق "إياد" ما بين حاجبيه باستنكار ثم حول نظراته نحو "جواد" مردفا باستفسار:

- شاب مين ده؟!

رفع "جواد" عينيه عن حاسوبه موجها حديثه نحو مساعدته هاتفا بهدوء:

- خليه عندك برا لحد ما أقولك تدخليه

أومأت له الفتاة بالموافقة وسريعا ما غادرت مكتبه لإنتظار أوامره، بعد أن عقبت برسمية:

- تحت أمرك يا فندم

حول نظره نحو "إياد" الذى لم يتوقف عن مطالعته بنظرة الاستفسار تلك منتظرا منه أن يُجيبه على سؤاله، أغمض عينيه بإستسلام وعزم على أن يخبرهما حدث وما يريد منه:

- هقولك عشان عايز منك حاجات كتير هتعملهالوا

قص عليه "جواد" كل ما حدث بداية من حديثه مع "سلمى" وعلقتها بهذا الشاب، نهاية بما فعله به وزواجه هو وسلمى وتلك المحادثة التى دارت بينه وبين "خالد"

صُعق "إياد" مما أستمع إليه من صديقه، هو لم يتعجب كثيرا لما فعله "خالد"، بالعكس فهذا يحدث كل يوم بين الشباب القذر والفتيات الساذجة ولكن ما صدمه حقا هو رد فعل "جواد" وما كاد أن يفعل، ليصيح بعدم تصديق:

- أنت طبعا مكنتش هتعمل فى الواد كده!!

مالت شفتايه بابتسامة جانبية مُستهزاً بحديث صديقه مُعقبا بجدية وإصرار:

- لا وحياتك أنا مكنتش هعمل غير كده وبالمرة أشوفله عريس هو كمان قبل ما أشوفلها

ضحك "إياد" بصخب على حديث "جواد" وطريقته الفظة فى التعامل مع تلك الامور الحساسة ليُضيف بمرح:

- دا أنت جاحد يا جدع، يعنى تأخد من الواد أعز ما يملك وكمان تشوفله عريس

- والله كنت هخليه يقعد جمبها زيه زيها، هو زبالة وهى رخيصة ويستاهلوا كل اللى يجرالهم، بس اللى منعني الطفل اللى فى بطنها عشان ملوش ذنب فى حاجة
7

قال جملته تلك وهو لايزال ثابت دون تاثر أو حتى التحرك من مكانه، بينما "إياد" قد تأثر بحديثه مردفا بقليل من الشفقة:

- عندك حق بس بردو يا أخى حرام عليك ده زمان الواد قلبة كان هيقف من كتر الخضة

لم يهتم "جواد" كثيرا لذلك التعاطف ليصلط زرقاوتيه داخل حاسوبه مُضيفا بجدية:

- المهم دلوقتي إن الولد ده خريج كليه تجارة عايزك تشوفله أى حاجه عندنا تكون مناسبة ليه وبمراب كويس وكمان عايزك تشوفله شقة كويسة عندنا وتخصم نص إجارها من مرتبه كل شهر وياريت لو تكون شقه مفروشة كاملة

رفع "إياد" حاجبيه بإندهاش من طلب "جواد"، هو لم يراه لطيفا لهذه الدرجة مع أحدا من قبل، من أين أتى بكل هذا العطف! قطع تفكيره صوت "جواد" مُتحدثا إلى مساعدته أمرا إياها بأن تسمح ل "خالد" بالدخول

دلف "خالد" المكتب بخطواط ثقيلة، هو إلى الأن لا يعلم لماذا طلب "جواد" مقابلته اليوم فى الشركة وماذا يريد منه، ليحمحم مردفا بحرج:

- صباح الخير يا جواد بيه

- أهلا يا سيد الرجالة

قال جملة وهو لايزال ينظر إلى حاسوبه دون إكتراث، بينما شعر "خالد" بالحرج من كلماته خصيصا لأن "إياد" كان يجلس معهم ويصلط نظراته عليه، لينتشله "جواد" من هذا الخجل مشيرا له بالجلوس

بمجرد أن جلس "خالد" أغلق "جواد" الحاسوب الذى أمامه رامقا "خالد" بنظرة جامدة مُضيفا بحزم وإقتضاب:

- أسمعني كويس يا خالد عشان أنا مبحبش أعيد كلامي مرتين، عشان كده أفهمني كويس أوى، أنت هتتعين عندي هنا فى الشركة

أشار بيده تجاه "إياد" مُكملا حديثه مُعقبا بوضوح:

- مستر إياد هو اللى هيبقى المسؤل عنك وليك شقة مفروشة بالكامل، وهيتخصم كل ده من المرتب كل شهر، كده يبقى فاضل الجواز هتتقدم لأمها زيك زي أى عريس وهى هتوافق بعد ما تعرف إنك أتوظفت، أهلك أو أمها محدش فيهم يعرف عن أى حاجه حصلت ولا حتى بالصدفة، المأذون اللى كتب عليكوا هيجي تاني وهتتفق معاه، الفرح يتم وكل حاجه، أظن أنت ممكن تحل مشكله المنديل وولدتها والكلام ده ولا دي كمان عايز حد يحلهالك

شعر "خالد" بالحرج الشديد من كلماته ومن نظرات "إياد" الذى يطالعه بتفحص شديد، بينما رمقه "جواد" باستهزاء مُضيفا:
+

- بعد الجواز بسبع شهور تكون ولدت وتقولوا أنه أبن سبع شهور والكلام ده ويبقى الحوار خلص

لم يستطيع "خالد" التفوه بكلمة واحدة أمام فضل "جواد" عليه، لا يعلم ماذا يقول أو ماذا يفعل!! ليطالعه بامتنان شديد مردفا بكثير من الحرج:

- أنا بجد مش عارف أقولك أيه على كل اللى عملته معانا، بجد شكرا يا جواد بيه
ينظر إليه "إياد" بعدم رضا مُعترضا على ما ينوي "جواد" أن يفعله مُتحدثا بإعتراض:

- لا طبعا يا جواد حرام عليك كده، دي مجرد غلطة صغيرة فى شغل الإدارة وتكاد تكون لا تذكر أصلا، تقوم أنت محول الولد لتحقيق مره واحدة

غضب "جواد" كثير من إعتراض "إياد" على تصرفه ذلك ومن أعتقادة بأن تلك الغلطة صغيرة كما يدعي ليصيح به فى حدة وغضب شديد:

- الغلطة دي مش صغيرة يا بشمهندس إياد، وحتى لو صغيرة اللى غلط لازم يتحاسب على غلطه ده، وإلا هيتمادى فى غلطة واللى حوليه كمان هيعملوا زيه ومش هيخافوا من رد الفعل و...

قاطع حديثه صوت طرقات مساعدته على باب مكتبه، سمح لها بالدخول لتهتف مُعلنة إياه عما جأت من أجله:

- محمد من قسم المراجعة عايز يقابل حضرتك يا مستر جواد

رفع أحد حاجباه بتعجب من جرأة ذلك الشاب، لينهض من مقعده وتوجه ناحية النافذة الخاصه بمكتبه مردفا بجمود وكبرياء:

- خليه يدخل

بعد مرور لحظات دلف ذلك الشاب مكتب "جواد" بتوتر وإرتياب من ردة فعله، ولكن ليس أمامه خيار تخر!! إما أن يطلب منه السماح والغفران على غلطته أو سيضيع مستقبله ويدخل السجن، تقدم "محمد" إليه بتحفظ وإرتباك مُعقبا بأسف:

- أنا أسف جدا يا بشمهندس جواد، والله أنا مش عارفة أزاى غلطت الغلطة دي، والله دى أول وأخر مرة تحصل بس بلاش السجن، أعمل اللى يعجب حضرتك بس أرجوك بلاش السجن

أستدار له "جواد" رامقا إياه بنظرة بارد لم يستطيع الأخر تفسيرها أو الأستنتاج منها ما هى ردة فعله، بينما أدرك جيدا ما يفكر فيه "جواد" من تلقين ذلك الشاب درسا قاسيا سينتج عنه ضياع مستقبله، ليتدخل "إياد" بسرعة قبل أن يلقى صديقه يما فى رأسه مُحاولا إنقاذ الموقف موجها حديثه نحو "محمد" مُعقبا بعتاب شديد الحدة:

- أنت عارف إنك غلطان وتستاهل أكتر من كده ولا لا!!

ابتلع "محمد" بمزيد من التوتر والقلق مرادفا بكثير من الحرج والخزي موضحا سبب ما فعله:

- عارف والله ومعترف بغلطتي بس والله ما كان قصدى، كل اللى حصل إن وأنا براجع على عدد الشحنات اللى أستلمناه جالي تليفون إن والدتي تعبت جدا ونقلوها المستشفى، مضيت على الملفات وقفلتهم بسرعة وأستأذنت ورحتلها على طول ومجاش فى دماغي خالص إني أرجع أبص فيها تانى وأتاكد منها، هو ده كل اللى حصل

شعر "جواد" بالانزعاج الشديد مما تفوه به "محمد" فقد ذكر ذلك الشيء بكثير من الأشياء المؤلمة التى لم تفارقه ولو ليوم واحد، تلك الكلمات فتحت تلك الجروح القديمة التى لم تُداوى بعد، لاحظ "إياد" ما يمر به "جواد" وتغير ملامحه، ليتنهد بشفقة متفهما ما يشعر به صديقه، ولكن حاول أستغلال ذلك الشيء فى أستعطافه تجاه ذلك الشاب، ليتحدث باهتمام موجها حديثه نحو "محمد":
- طيب والدتك عاملة أيه دلوقتي؟

لمعت أعيُن ذلك الشاب بألم وحزن على والدته مطأطئا رأسه إلى الأسفل بانكسار وقد خانته دموعه وانسابت على وجهه مُعقبا بنحيب:

- حالتها صعبة جدا يا مستر إياد

شهق من كثرة بكائه مضيفا بألم ينهش قلبه:

- أكتشفنا إنها عندها كانسر ومحتاجه عملية كبيرة أوى ومش عارف أعمل أيه؟
تاثر "إياد" كثير من حديث "محمد" وكاد أن يتحدث عارضا عليه المساعدة فى علاج والدته، ولكن قاطعه صوت "جواد" الذى نهض من مكانه ويبدو عليه الغضب الشديد هاتفا بحدة وجمود:

- أنا مش عايز أشوف وشك فى الشركة هنا تاني

شعر كلا من "محمد" و"إياد" بالصدمة الشديدة من كل ذلك الجحود لدى هذا "الجواد" وكيف لم يتاثر بذلك الحديث!! كيف له أن يكون بتلك القسوة المُهلكة؟ ولكن "إياد" لكان صدمته أقل فهو يعرف "جواد" جيدا ويعلم إنه لا يتأثر بسهولة، وهذا بفضل ما عناه منذ طفولته

تدخل "إياد" فى الحديث بسرعة معترضا على ما هتف به "جواد" ولكن ضمن حدوده التى لا يجب أن يتخطاها خصيصا مع "جواد الدمنهوري، ليعقب مقترحا:

- بعد إذنك يا بشمهندس جواد أنا عندي حل، أحنا ممكن ننقله فرع صغير من فروع شركاتنا وده هيكون أكبر عقاب ليه ونحط عينا عليه ولو غلط تاني يبقى يستاهل كل اللى يجراله

هذا ما كان "جواد" متأكد منه، كان يعلم أن هذا سيكون رد "إياد" وهو ممتن جدا لذلك الإقتراح الذي لم يكن لينطق به أبدا وهذا بالضبط "جواد الدمنهوري"

ساد الصمت لقليل من الوقت وكلا من "محمد" و"إياد" يرتبان من رد "جواد" على هذا الأقتراح، ليكسر هو هذا الصمت مُعقبا بجدية:

- يتخصم منه شهر ومن أول بكرة ينزل الفرع اللى هتحدده ليه يا إياد وشغله يبقى عندي أول بأول وأنا اللى هتابعه بنفسي

أومأ له "إياد" برأسه موافقا على حديث "جواد"، بينما حمد "محمد" ربه بإنه جعل "إياد" يدافع عنه وينقذه من ضياع مستقبله نهائيا، بينما رماه "جواد" بنظرة حادة مُضيفا بإقتضاب:

- تقدر تتفضل دلوقتى

أومأ "محمد" له بالموافقة وخرج من المكتب شاعر ببعض من الحرج، بينما كاد "إياد" أن يلحق به هو الاخر ولكن أوقفة صوت "جواد" مردفا بحزم:

- إياد أستنى أنا عايزك

جلس "إياد" بمقعدهومرة أخرى وهو يظن أن "جواد" سيوبخه على كثرة اعتراضه على قرراته، ولكنه فاجأه صديقه بما لم يتوقعه منه مطلقا.

نظر إليه "جواد" بصلابة غير مُظهرا أي تأثر أو شفقة مُعقبا بزرقاوتي بارتان مردفا بجمود:

- أنا عايزك تعرف مكان المستشفى اللى فيها والدته وتعرف الأستعلمات إن أنا اللى هتكفل بكل حاجة تخص الست دى لحد ما تبقى كويسة

أتسعت عيني "إياد" بصدمة مما أستمع إليه، هو لم يكن يتخيل قط ان "جواد" سيطلب منن طلب مثل هذا، ليرمقه بعدم تصديق من أن هذا هو صديقه، هل حقا تأثر بما أستمع إليه!! إذا هناك أمل بأن يخرج فكرة الإنتقام تلك من رأسه ويعيش حياته مثل أي شخص طبيعي

كاد أن يتحدث حول ذلك الأمر ليقاطعة صوت رنين هاتف "جواد" مُعلنا عن وجود اتصال له من أحدهم، ليقوم "جواد" بالرد عليه وما إن أستمع لما يواد أن يخبره به المتصل، إلا وهب واقفا ويبدو عليه الغضب الشديد الذى يدب الفزع فى قلب كل من يراه

شعر "إياد" بالقلق من تغير ملامح وجه صديقه بتلك الطريقه ليتدخل مردفا باستفسار:

- فى أيه يا جواد!! حصل أيه؟!

أنهى "جواد" ذلك الاتصال بإنفعال وغل تاركا مكتبه متوجها نحو مكتب والده، بينما أتبعه "إياد" فى صمت مُحاولا أن يدرك ما الذى يحدث بالضبط

دلف "جواد" مكتب والده دون إستأذان بهمجية كبيرة غير مكترثا إلى أحد صائحا بغضب وحنق:

- الهانم إتقرا فاتحتها وخطوبتها بكره

صاح بوجه والده بغضب شديد دون وعي منه، بينما شعر والده بالصدمة من فعلته تلك ولكنه لم يعلق عليها، فهو يعلم أنه لن يجعل "جواد" يصل لتلك الحاله من الغضب والإنفعال سوا كارثه، ليعقب "هاشم" مستفسرا:

- هانم مين اللى أتقرا فاتحتها وخطوبتها بكره؟!

صاح "جواد" بإنفعال وضيق مُضيفا:

- الست ديانة

شعر "هاشم" بكثير من الإنزعاج لدرجة إنه كاد أن ينفجر غيظا، ليخرج ذلك الغضب على أبنه مُعنفا إياه:

- أتخطبت!! صح ماهو أنا لو كنت خلفت راجل بصحيح كان جبهالى من زمان مش خاف يجبها ويقولي هخطفها يعنى، أتفضل يا سيد الرجالة أهى لبستك بدل العيبة عشرة، راحت أتخطبت لواحد برا العيلة خالص ولا كأننا موجودين، والاهم من كل ده تار اللى ماتوا، أنا لو كان عندي راجل كان جبها ورماها تحت رجلي من زمان بس للاسف أنا معنديش رجالة

قال جملته الاخيرة بخزلان بينما أشتعل "جواد" غضبا وصاح به مردفا بإنفعال:

- هجيبها يا هاشم بيه، ويبقى حد يغلطني فى اللى هعمله

❈-❈-❈

جميع من فى المنزل يشعرون بالسعادة العارمة إستعدادا لخطبة "ديانة"، فهى تكون أول فرحة لهم والجميع متحمس لهذا اليوم ويُحضرون استعدادات الحفل الذى سيكون فى منزلهم لإنها ستكون خطبة عائلية

أنتهت من ارتداء فستانها الفضي الذى كان يبرز أنوثتها برقة بالغة، فهو مفسر من عند منطقة الصدر حتى بداية خصرها منسدلها بوسع قليل حتى نهاية قدميها بدون أكمام ظاهرا جمال بشرتها البيضاء الحلبية ورشاقة ذراعيها

أنتهت أيضا من وضع بعض مساحيق التجميل ولكنها لم تستخدم سوا بعض الأداوات القليلة لعمل لمسات فنية بسيطة وليس صاخبة، هى لا تحتاج إلى الكثير من تلك المستحضرات فجمالها الطبيعي يجعلها أكثر من رائعة خاصا تلك الخصلات الملولوة الأمعة

صاحت "منال" بأعين لامعة من شدة جمالها مُعلقة بأعجاب شديد:

- اللهم صلي على النبي ربنا يبارك فيكي ويحفظك يا حبيبتي

ابتسمت "ديانة" على تعليق والدتها ونهضت سريعا لتحتضنها مُردفة بحب متبادل:

- ويباركلي فيكي وميحرمنيش منك أبدا يا أحلى أم فى الدنيا

أضافت "ديانة" بسرعة مستفسرة عنه معقبة بلهفة:

- صحيح يا ماما هو فين مالك! أوعى تقوليلي لسه مجاش؟

توترت ملامح والدتها قليلا لم تكن تريد إخبارها بأنه لا يستطيع الحضور بسبب ظروف عمله ولكنها ضيقت عليها السُبل للفرار وعليها الأن أن تخبرها، لكن لتحاول أن تجلعها لا تشعر بالحزن لتجيبها مستحضرة الهدوء:

- بصراحة يا ديانة مالك شكله مش هيعرف يجي فى المعاد، حصل ظرف عنده فى الشغل وقالي إنه هيضطر يستنى شوية وقالي أقولك متزعليش منه

شعرت "ديانة" بالكثير من الحزن والعبوث، هى تحتاج إليه الأن أكثر من أي وقت مضي، لطالما كانا متعلقان ببعضهم كثيرا لدرجة أن الجميع كان يظنهم تؤئمان من كثرة إرتباطهم ببعض، كاد أن تصيع مُعترضة بحزن على ذلك الشيء ولكن قاطعها دخول "ملك" مُعقبة بلهفة وحماس:

- العريس وصل

❈-❈-❈

••

رمقها بكثير من نظرات الكراهية والغضب لاهدا عليها صافعا إياها وهو يجذبها نحوه بعضب لدرجة أن ملابسها تمزقت من شدة عنفه معها، ليصرخ بها بغيظ شديد:

- أنا مش هرحمك يا لبنى، هخليكى تتمنى الموت كل لحظة ومش هتطوليه غير لما أنا أسمحلك بده يا حقيرة

ظلت تبكي قهرا وانكسار على ما يفعله بها وهى حتى لا تستطيع التفوه بكلمة واحدة تدافع بها عن نفسعا، فعجزها عن الكلام صعب موقفها للغاية، حتى إنها لا تستطيع تفسير شيئا له مما حدث

صاحت صارخة بألم من شدة تلك الضربات التى ينهال عليها بها من حزامه الجلدي على جسدها الحليبي البض طابعًا أثره على جسدها، لتزداد صراختها علوا مع كل جلدة تسقط عليها منه والدموع لا تتوقف عن السيل من عسليتيها

صاح بها "هاشم" بصوت جمهوري مستفسرا للمرة المائة عن مكان أبنتها التى أخفتها عن يده منذ عدة أعوام قليلة:

- وديتيها فين يا لبنى!! وديتي البت فين!! مش هرحمك يا لبنى هطلع روحك فى إيدي يا خاينة يا زبالة

ظل يضربها إلى أن لهث من كثرة تلك الجلدات التى تهاوى عليها بها، ليتوقف لتنظيم أناسه وهو يرمقها بحقارة وأشمئزاز ثم حدث ما لم يتوقع حدوثه مطلقا، رغما عنه وقعت عيناه على جسدها الحليبي الذى لم يعد بذلك البياض، بل تحول لونه إلى الاحمرار الشديد بفضل تلك الجلدات ولم يعد بجسدها مكان واحد يخلو من أثار تلك الضرابات بالأضافة إلى ظهور الكثير من جسدها تحت ذلك القماش الذى لم يعُد يستر بها شيء

استثارت رجولته من ذلك المنظر الذى يراها به ورغما عنه شعر ببعض من الإنتشاء، نعم فهو منذ وفاة زوجته من عدة أعوام لم يرئ جسد إمرأة عارية أمامه، على الرغم من زواجه ولكن هل يُسمى هذا زواج! بلا إنه زواج مع إقاف التنفيذ

تقدم إليها برغبة حارقة وإحتياج شديد لأن يمتلك إمرأة أسفله فى هذا الوقت، ببنما هى تكورت على نفسها وتحولت ملامحها للفزع من إقترابه إليها أعتقادا منها إنه سيضربها مرة أخرى
كاد "هاشم" أن تُسيطر عليه شهوته المتعالية ولكنه سريعا ما أستعاد سيطرته على نفسه وأبتعد عنها على الفور وهو يرميها بنظرة إحتقار وتقذذ مُهمهما بينه وبين نفسه:

- دى لو أخر واحده فى الدنيا عمري ما هفكر أقرب منها مهما حصل، حتى لو على سبيل الإنتقام

بصق عليها باشمئزاز واحتقار وسريعا ما انصرف من أمامها مُغادرا المكان بأكمله عازما على الذهاب لأحد الأماكن المتخصصة بشرب الكحول وتلك هى أول مرة يفكر أن يذهب فيها لمكان كهذا، حتى إنها أول مرة يفكر فيها بتذوق تلك المشروبات المحرمة.

•••

أغمض "هاشم" عينيه بألم وحزن ينهش قلبه وتلك الذكريات السوداء لا ترأف، تلك الذكريات التى لم تفارق خياله ولو لحظه واحده منذ عشرون عاما، ليزفر ببعض من الرراحة الكاذبة التى صورها لنفسه مُردفا بحدة وجمود:

- خلاص يا لبنى، بعد عشرين سنة جيه وقت الحساب، لازم أحرق قلبك زي ما حرقتي قلبي على كل اللى كانوا ليا فى يوم من الأيام، يمكن وقتها أرتاح وهما كمان يرتاحوا.

❈-❈-❈

هتف والدها بأعين لامعة من شدة سعادة بها، ها هى أصبحت عروس جميلة، مر أمام عينيه شريط حياتهم معا طوال العشرون عاما، لطالما كانت أبنته وصديقته وحبيبته وكل شيء، لم يشعر يوما إنها ليست من صُلبه، دائما كانت قطعة من قابه، لهذا يصعب عليه كثيرا فقدانها الان:

- تبارك الخلاق فيما خلق، ربنا يحميكي ويسعدك يا حبيبتي

ترقرقت الدموع فى عينيها وهى ترى لمعة عين والدها لتتعلق فى رقبته مُعانقة إياه بكثير من الحب الصادق، هى أيضا متعلقة به كثيرا مثلما هو متعلق بها، دائما كان لها العوض عن والدها الحقيقي ولم يشعرها يوما إنها ليست أبنته، بل كان يقربها إليه أكثر من أولاده الحقيقين

بأدلها "محمود" العناق ثم أبتعد ووجه نظراته تجاه "أدهم" مُعقبا بنبرة ملحة أكثر ما هى تحذيرية:

- خد بالك منها يا أدهم، أنت واخد أغلى الغالين على قلبي

ابتسم له الاخر بحب وإمتنان مُطئنا:

- دي فى عينيا يا عمي

أمسك "أدهم" يد "ديانة" مُصطحبا إياها للجلوس على أحد الكراسي الخاصة بهم والتى كانت مُزينة بشكل رائع وجميل، التقط خاتم ألماسي براق ولامع مما إنه سديد الرقة والأناقة، وباليد الأخرى أمسك بيدها ليقوم بوضع الخاتم بها

كاد "أدهم" أن يضعه فى إصبعها ولكن قاطعه ذلك الصوت الرجولي الصاخب الذى هتف بصوت عالي مُعاتبًا:

- مش عيب حد يأخد حاجة مش بتاعته

سقط الخاتم من يد "أدهم" من شدة فزعه من صوت ذلك الرجل الذى أقتحم حفلهم دون سابق إنذار! لم يكن يعلم إنه أقتحم حياتهم بأكملها وليس حفلهم فقط

كان الصدمة هى أقل ما يصف حال الجميع، ولكن الجزء الأكبر كان ل"ديانة" التى شعرت بالغرابة من حديث هذا الشخص الذى تراه لأول مرة، ترئ من يكون هذا الشخص وماذا يريد بالضبط؟ والأهم من ذلك ماذا يقصد بكلماته تلك!

تقدم "محمود" تجاه هذا الشخص الغريب عنهم والذى أفتحم منزلهم بصحبة حشد من الرجال الذى يبدو عليهم إنهم طاقم حراسة، ليهتف به مستفسرا:

- أنت مين يا أبنى؟

وضع يديه بجيب بنطاله ببرود وغطرسة مُعقبا بنبرة ثقة غير قابلة للنقاش:

- جواد الدمنهوري، أبن عم ديانة شرف الدمنهوري

❈-❈-❈

••

يُهرولون متجهون نحو هذا القطار الذى أوشك على مُغادرة تلك المحطة متجها إلى محافظة القاهرة، صعدوا على عجل خوفا من أن يتحرك القطار فى غير معاده، ليصيح "محمود" موجها حديثه نحو زوجته:

- تعالي يا منال كرسي جمبه شباك سليم أهو و.....

قطع حديثه رؤيته لهذا الصندوق المتواجد أسفل المقعد، أرتاب لوجوده خصيصا وأنه لا يوجد بحوزته شيئا أخر يدل على إنه ملك لأحد وسوف يعود لإستراده، قام بإلتقاته وفتحه ليشعر بالصدمة والغرابة فى تلك اللحظة، لأحظت زوجته قطع حديثه ونظرتة المرتبكة تلك

نظرت "منال" مُتفحصه ذلك الصندوق لتجدها طفلة رضيعة لم تتم الخمسة أشهر بعد، ولكن سبحان الخالق الذى أبدع فى خلق تلك الرضيعه ذو البشرة الحليبية البيضاء والأعين الزرقاء الصافية والرموش الكثيفة والشفاة الوردية والشعر الحريري الذى يكاد يصل إلى عينيها، لتعلق "منال" بإعجاب شديد:

- اللهم صلي على جمال النبي، أيه ده يا محمود!! دي نونه صغيرة، فين أهلها؟ وأزاى يسبوها كده!! و...

قطع حديثها رؤيتها لذلك الظرف الموضوع بجانب تلك الرضيعة لتنحني وتلتقطه معقبة بفضول وإهتمام:

- أيه ده؟!

أخذه "محمود" من يد زوجته وقام بفتحه ليجد به عدة أوراق منها شهادة ميلاد بأسم "ديانة شرف شمس الدين الدمنهوري" وورقه أخر تشبه رسالة ليبدأ فى قرأئتها بصوت مسموع إلى زوجته:

" أنا عارفة إن مكنش ينفع أعمل كده بس والله العظيم غصب عني، لازم أعمل كده عشان بنتي تعيش، أنا كنت متجوزة رجل محترم جدا ومن عيلة كبيرة، خلفت منه البنت دي وتوفى من يومين وأنا أكتشفت إني عندي مرض وحش وفى المرحلة الأخيرة وخلاص هموت، أهل جوزي كانوا مقاطعينه عشان أتجوزني ولما عرفوا إنه مات خافوا إني أطلب ورث بنتي وعرفت إنهم عايزين يقتلوها بعد ما أنا أموت، بالله عليكوا اللى يلاقي بنتي يحميها ويبعد بيها عن أهلها حتى لو هتودوها لناس مبتخلفش يربوها، شهادة الميلاد دى بس عشان تصدقوا إني بتكلم جد وإنها مش بنت حرام، أرجوكوا أحموا بنتي وابعدوها عن أسكندرية كلها "

تهاوت الدموع من أعين "منال" بتأثر من تلك الرسالة ثم أنحنت والتقطت تلك الفتاة ضاممة إياها إلى صدرها مردفة بعطف:

- يا حبيبتي يا بنتي أتولدتي يتيمة الأب والأم والأهل

نظرت إلى زوجها بتوسل ورجاء شديد مُضيفة:

- بالله عليك يا محمود نأخدها معانا ونربيها مع مالك، دي شبه الملايكة الله يخليك قلبي مش مطوعني أسيبها أو نديها لحد تاني، أنا حبيتها أوى

نظر لها "محمود" بقلة حيله ثم نظر إلى تلك الصغيرة التى لا حول لها ولا قوة، ليتنهد مُجيبا إياها بإستسلام:

- الله المستعان، ربنا يعينا ويقدرنا على تربيتها هى وأخوها

ابتسمت "منال" بساعدة ثم أحتضنت تلك الفتاة الجميلة متمتمة:

- أوعدك يا بنتي طول منا عايشة مفيش حد هيقرب منك ابدا وعمري ما هفرق بينك وبين عيالي أبدا

•••

انتفض قلب "منال" فزعا مما أستمعت إليه لتو، هل هذا حقا أبن عمها!! هل هو أتٍا ليأخذها ويقتلها!! كلا لن تتركه يفعل ذلك بها، لن تسمح لأحد بأذاء أبنتها

كسر ذلك الصمت تقدم "جواد" تجاة "ديانة" ممسكا يدها بقوة راغما إياها على النهود والسير معه، هو يعلم إنه لن يستطيع أن يأخذها من هنا بالقوة، من المؤكد إنها سوف تصرخ وتجمع الناس وسوف يحدث ما لا يحبذه على الأطلاق، لذلك لم يكن هناك حلا سوا أن يأخذها برضائها، أو لنكن منصفين سيأخذها بموافقتها التى حدثت تحت تأثير تهديداته

أما عن "ديانة" فهى كانت مصدومة للغاية مما أستمعت إليه، ماذا قال هذا الشخص؟ هل قال أبن عمها حقا! هل هى لديها أهل وأقارب! أين كانوا طوال تلك السنوات ولماذا لم يسال عنها أحد إلى هذا اليوم؟ لماذا لم يخبراها والديها عن هذا الشي! والسؤال الأهم ماذا يريد منها ذلك الشخص الأن؟

جذبها "جواد" من ذراعيها عازما على التوجه بها إلى إحدى الغرب، بينما "ديانة" ظلت تصرخ فيه بمزيج بين الصدمة والهلع:

- أنت عايز أيه!! سيب أيدي وأبعد عني

قالت كلماتها تلك وهى تُحاول التفلت منه ولكن دون فائدة، ليتدخل "أدهم" جاذبا يدها الأخرى مانعا إياها عن السير معه هاتفا به فى حدة وغضب:

- أنت بتعمل أيه يا مجنون أنت؟ سيب إيدها وكلمني هنا وقولي أنت مين وعايز أيه بالظبط؟

توقف "جواد" للحظة وألتفت له دون أن يترك يد "ديانة" وفى لحظة بأغته بلكمة قوية سقط أثرها على الأرض بعنف شديد، صرخت والدته وكادت أن تتدخل ليحول بينهم رجال جواد مانعين إياهم عن الحركة أو التدخل، ليُعقب "جواد" موجها حديثه نحو "أدهم" مردفا بلهجة شديدة التحذير:

- ده مجرد رد فعل بسيط على أسلوبك فى الكلام معايا، لكن لو قررت أحاسبك على الكلام نفسه هتحتاج سنين عشان تتعالج من اللى هعمله فيك، ده لو فضلت عايش أصلا

حاول "إياد" إنقاذ الوضع قبل أن يسوء من ذلك ويتهور "جواد" ويفتعل جريمة الأن، أمر رجاله بالإمساك ب "أدهم" وجعله يجلس على أحد الكراسي دون حركة منه أو من أحد الحاضرين

بينما سحب "جواد" "ديانة" مرة أخرى من يدها كى يُنهي ما أتي من أجله، ظنت "منال" إنه سيأخذ أبنتها ويرحل، لتُسرع وتقوم بمسك يد "جواد" جاذبة إياها بالقوة معقبة بهجوم:

- أنت واخد بنتي ورايح على فين يا حقير أنت!!

أحدت نظرة "جواد" وسريعا ما أخرج سلاحه الناري وسلطه أمام وجهها بتحدي كبير مما جعل الخوف يسيطر على قلبها، وما زاد رعبها هو صوت الأسلحة التى سُلطت فى أوجه جميع الحاضرين ومن بينهم أفراد أسرتها

انتفض الجميع من شدة الفزع الممذوج بالصدمة وبما فيهم "ديانة" التى شهرت بالقلق الشديد على أسرتها، ليتحدث "جواد" بغضب يتطاير من عيناه موجها حديثه نحو "منال" مردفا بحنق:

- أولا هى مش بنتك ولا تقربلك حاجه، ثانيا متحاوليش تقرري اللى عملتيه ده تاني عشان وقتها هدفعك التمن غالي أوي
2
قال جملته الاخيرة مهددا إياها بطريقة غير مباشرة مُسلط نظراته نحو "ملك"، بينما أدركت "منال" ما يقصده بالضبط بتهديده ذلك، لتبتلع بتوتر وقلق ورغما عنها صمتت كى تعلم ماذا يريد بالضبط؟

تقدم "جواد" بخطوات متسارعة وثابته نحو الغرفة، لتسير معه "ديانة" دون مقاومة لتعرف ماذا يريد منها ولكى لا تسبب فى أي أذى لعائلتها

بمجرد أن أبتعد "جواد" أسرعت "ملك" فى التوجه إلى والدها مختبئة به وقد قاربت على فقد وعيها من شدة التوتر والخوف لتضيف مستفسرة:

- مين ده يا بابا وعايز أيه من ديانة؟

لاحظ "إياد" فزع تلك الفتاة التى يبدو عليها البرائة والضعف والرقة أيضا، لينظر نخو كلا من "منال" "ومحمود" مطمئنا إياهم:

- بجد أنا أسف على طريقة جواد، بس أحنا مش جاين نؤذي حد، الحكاية وما فيها إن جواد يبقى أبن عم ديانة وأحنا جاين نأخدها بهدوء وأتفاجئنا إنها بتتخطب ودي حاجة مش بسيطة، أرجوكم محدش يتدخل عشان محدش فى الدنيا كلها هيقدر يمنع جواد من إنه يعمل حاجه هو صمم عليها، لو خايفين على نفسكوا وولادكوا محدش يتدخل فى اللى هيحصل وساعدونا نمشي من هنا بهدوء

شعر كلا من "منال" و "محمود" بالقلق والتوتر من كلام ذلك الشاب الذى يؤكد على تلك الرسالة التى تركتها والدة "ديانة" منذ سنوات طوال، ولكن ليس بيدهم شئ لفعله الأن، خاصةو إنهم لاحظوا مدى قوة ذلك "الجواد" ليقفوا عاجزين مكتوفين الأيدي خوفا من أن يطول بطشه الجميع

❈-❈-❈

دلف "جواد" إلى تلك الغرفة مُصطحبا "ديانة" التى دفعها بحدة إلى الداخل لكى يتمكن من غلق الباب جيدا، بينما كادت هى أن تسقط أرضا من شدة دفعته لها، لتصيح به بحدة وهجوم:

- أنت مجنون ولا أيه حكايتك بالظبط؟ هات من الأخر وقولي أنت عايز أيه وبلاش جو العصابات اللى أنت بتعمله ده و...

أسكتتها قبضته التى قبضت على خصلات شعرها من الخلف مُمزقة فروة رأسها من شدة جذبه إياها، لتصرخ متألمة وهو يهمث بأذنيها بأسنان مُلتحمة مُعقبا بتحذير:

- لمي لسانك ده وأتلاشي غضبي بدل عفاريتي ما تطلع عليكي، وصدقينى ممكن مستناش لما نروح بيتنا وأكسحك هنا

ضيقت ما بين حاجبيها بإستنكار متناسية ألم رأسها من شدة صدمتها مرددة:

- بيتنا!!

أزاد من شدة جذبه لخصلاتها مُجيبها بثقة وحزم:

- أه بيتنا، مش الحلوة كبرت وجايبه عريس يخطبها ويتجوزها، يبقى الأقربون أولى بالمعروف يا بنت عمي

صاحت به بغضب وصراخ مُحاولة التفلت من بين يده ودفعه بعيدا عنها مردفة بألم:

- آآه أبعد أيدك دي عني يا متخلف، أنت بستهبل بتقول أيه؟ أمشي من هنا بدل ما أصرخ وألم عليك الناس كلها

سريعا ما أدارها إليه ليصبح وجهها فى مواجهة وجههِ مُلاقيا فيروزاتيهِ بفيروزاتِها مُضيفا بتحدي:

- لمي الناس كلها بس قصاد ده وعقبال ما الناس تتلم هكون خلصتلك على الجرابيع اللى أوينك فى بيتهم بقالهم عشرين سنة دول وبردو هأخدك من هنا غصب عنك وعن الناس كلها

صاحت فى وجههِ بغضب وتحدي مماثل له مردفة بإنفعال:

- أنت عايز مني أيه؟

ابتسم لها بشبح ابتسامة لم تلامس عيناه مُجيبا إياها بحدة:

- هتعرفي أنا عايز منك أيه بس مش هنا، أنتي دلوقتي هتنفذي اللى هقولك عليه بالحرف، المحامي جي فى السكة هتطلعي معايا وهيتمضي على قسيمة جوازنا وهتروحي معايا غصب عنك

كادت أن تصرخ به ناهية إياه عما يتفوه به، لمنعها مُقابلا إياها بنبرة تهديد شديدة اللهجة:

- وصدقيني لو سمعت منك حرف عكس اللى أنا قولته ده، ورحمة أمى لحرق قلبك على كل من كان عزيز عليكي فى يوم من الأيام، وأولهم الناس اللى برا دول وحتة العيل أبو شخة اللى جيباه يخطبك ده، ووقتها بردو محدش هيعرف ينجدك من إيدي وهأخدك حتى من غير جواز
4

تلك اللهجة التى يتحدث بها بجانب قتامة زرقاوتيه بالإضافة إلى الحشد الموجود بالخارج وما فعله ما الجميع، كل هذا الأشياء تثبت شيء واحد ففط، إنه لا يهدد فقط وسوف ينفذ تهديده إذا رفضت كلامه الأن، لترمقه بضعف شديد وقلة حيلة أمام قسوته

تحجرت الدموع فى عينيها بعجز شديد وخوفا على عائلتها، ليضغط عليها مرة أخرى بعد أن رأى الدموع فى عينيها مردفا بحدة:

- أجلي الدموع دى دلوقتي وردي عليا، هنطلع وتمضي على القسيمة ونمشي زي الناس العاقلة؟ ولا تحبي تشوفي أنا قد كلامي ولا لا؟
2

الأستسلام هو الحل الوحيد الأن الذى سوف ينقذ عائلتها من بطش ذلك "الجواد"، لا يوجد أمامها الأن سوا الإنصياع لأوامره والموافقة على حديثه، ليس خوفا على نفسها بل على عائلتها، هو الأن يُهددها بحياة الأشخاص الوحدين الذين يمثلون لها نفطة الضعف، هى تعلم إنهم ليسوا بعائلتها الحقيقين ولكن لا يجب أن تكون مكافئتهم على تربيتها طوال تلك السنوات أن تتسبب فى إذائهم أو حدوث مشاكل لهم، عليها أن تُضحى من أجل تلك الأسرة التى لم تقصر معها يوما ولم ترى منهم سوا الحب والحنان حتى ولو كان على حساب حياتها بأكملها، لتتمت بأستسلام:

- همضي على القسيمة

إذا كانت تلك الطريقة تلك هى الطريقة التى ستحميهم من ذلك الشخص الذى يُدعى إبن عمها فعليها فعلها، أهون عليها أن تمُت ولا يمس أسرتها بأي مكروه، يجب الأن عليها حماية عائلتها، أما عن ذلك الحقير فعليها مواجهته ولكن ليس الأن

❈-❈-❈

خرج من تلك الغرفة بصحبتها ولكن تلك المرة بهدوء شديد وكأنهما قد أتفق على ما يريد، كانت تسير بجانبه بأريحية وكأنها تعرفه منذ سنوات طوال، أو لنقول هذا ما كانت تعمل جاهدة على إظهارة لكى تُمهد لما سوف يحدث بعد قليل

كان الجميع يرتاب لهذا الهدوء وخصيصا عائلتها الذين لا يعلمون ماذا دار بينها وبين هذا الشخص وعلى ماذا أتفقوا!! بينما "أدهم" كان يُطالعها محاولا تفسير ما يحدث وعلى ماذا ينوي هذا "الجواد؟

توقف "جواد" أمام "إياد" وعلى وجهه ملامح الجمود مستفسرا:

- المحامي فين!

أجابه صديقه بتفسير:

- عشر دقايق ويبقى هنا

أوما له "جواد" بالمموافقة مُتجاهلا نظرات الاستنكار التى يتلقاها من الجميع، ليحول نظراته نحو "ديانة" مُضيفا بنبرة أمرة:

- هاتي بطاقتك..

أنصاعت "ديانة" لأوامره بهدوء شديد وتوجهت نحو غرفتها وكأنها ألة مبرمجة على تنفيذ الأوامر، ثم عادت له مرة أخرى مناولته إياها

كان الخوف يملئ قلب كلا من "محمود" و"منال" ولا يفهم أحدا منهم لماذا طلب هذا الشخص محامى أن يأتى؟ وماذا سوف يفعل ببطاقة هاويتها! هل يمكن أن تكون أتفقت معه على أن تتنازل له عن ميراث والدها فى مقابل أن بتركها وشأنها؟ ليتها تفعل ذلك حقا، هذا كان كل أملهم فى هذه اللحظة لتخلص من ذلك اللعين

فى تلك اللحظة دلف المحامي الخاص به إلى المنزل مردفا بإحترام:

- مساء الخير يا جواد بيه

لم يعطي إهتمام لرد على تحيته مُعقبا بإقتضاب:

- جبت اللى قولتلك عليه؟

أوما له المحامى بالموافقة مُأكدا على حديثه:

- كل حاجة جاهزة وواقفة على الأمضاء يا باشا

أمسك "جواد" بمعصم "ديانة" وتوجه بها لأقرب طاولة قابلتهم بعد أن رجاله الكراسي حولها بسرعة، ليجلس كلاهما بصحبة ذلك المحامى تحت أنظار الجميع المترقبة والغير مُدركة لما يحدث بالضبط

مد "جواد" يده بتلك الهاوية مُسلما إياها للمحامى أمرا:
1

- شوف شغلك يا متر

ألتقطها المحامي من يده ثم فتح أحد الدفاتر التى كانت بحوذته وبدأ فى تدوين بعض المعلومات الخاصة ب"ديانة" بجانب معلومات "جواد" التى بالفعل بحوذته، فهو المحامى الخاص به على أية حال، ليهتف المحامى موجها حديثه نحو "ديانة" مستفسرا:

- أنسة ديانة شرف الدمنهوري حضرتك موافقة على الجواز من السيد جواد الدمنهوري؟

صدم الجميع مما أستمعوا إليه، ما الذى تفوه به هذا المحامى لتو؟ هل حقا قال زواج!! بينما تحجرت الدموع بأعين "ديانة" متمنية أن تصيح بوجههم ناهية عن موافقتها لهذا الزواج، ولكنها لا تسطيع فعل ذلك، هو يُهددها بحياة أسرتها بأكملها، لا يوجد أمامها خيار أخر، أومات براسها مُعلنه عن موافتها بضيق صدر:

- موافقة
شعر الجميع بالصدمة من ردها الغيى متوقع وخاصة عائلتها، هى لطالما كانت عنيدة حد اللعنة، كيف وافقت بتلك السهولة على هذا الزواج!! هل هددها؟ هل أرغمها؟ كيف ستتزوج ذلك الشخص الذى لا تعرفه ولم ننأكد حتى إذا كان حقا أبن عمها أم لا، مهلا وحتى ولو كان حقا أبن عمها هذا سيكون خطر عليها أكثر من أي شخصا اخر!!

كسر تلك الصدمة وذلك الصمت الذى حل بالمكان صوت "أدهم" المستنكر عما هتفت به لتو مُعاتبا إياها:

- أيه اللى أنتي بتقوليه ده يا ديانة! قولي لا ومتخافيش أنا هحميكي منه

ابتسم "جواد" مُستهزءًا بحديث ذلك الفتى الغبي الذى يظن نفسه يستطيع حمايتها منه، هو لم يستطيع حماية نفسه قد، بينما أجابته "ديانة" مردفة بحزن ورجاء:

- لو سمحت يا أدهم أمشي

صُدم من طلبها ذلك وهو يعلم جيدا إنها لا تخشى أحد، حتى ولو هددها بحياتها لن تزعن له أو توافقه على شيء هى لا تريده، فكيف إذا وافقت الأن على طلبه هذا؟ لُيضيف مستفسرا:

- أمشي يعنى أيه! أنتي بجد موافقة تتجوزيه؟

كلا كلا هى غير موافقة على ذلك الشيء بل مجبرة على تنفيذ أوامره لإنقاذ عائلتها من بطشه وتهديداته، وعلى الرغم من إنها لم تكن تحب "أدهم" هذا الحب الذى يجعلها تعاني من بعده، إلا إنها أعز عليها كثيرا كسر قلبه وهدم تلك الحياة التى كانوا بخطتان لها معا، ولكن ماذا بإمكانها ان تفعل؟ هذا "الجواد" لن يتردد فى إذائه هو شخصيا وليس عائلتها فقط، كسر قلبه إذا أفضل من إنهاء حياته، لتضيف بحدة:

- أيوه موافقة أتجوز جواد أبن عمى

رمقها بخزلان شديد وغصة شديدة تكون فى حلقه مبتلعا مرارة تلك الصدمة والأهانة التى تلقاها منها الليلة أمام عائلته والحاضرين، بما إنها توافق على الزواج من غيره لما أثرت على قدومه إذا؟ أنسحب مُصطحبا معه عائلته وكرامته التى أصبحت بالأرض وقلبه المحطم على تك العواطف التى ضاعت هبائا
2

صاح المحامى موجها حديثه نحو "جواد" مستفسرا:

- مين هيكون وكيل العروسة يا جواد بيه

رد "جواد" مُوضحا:

- عمها هاشم بيه يا متر، بكره تعدي تأخد إمضته وأنت رايح تسجل القسيمة

أوما له المحامى بالموافقة مُعقبا:

- طب ممكن بطايق الشهود!

أخرج "إياد" بطاقته مُسلمًا إياها إلى المحامى، بينما ابتسم "جواد" باستهزاء مواليا حديثه نحو "محمود":

- مش هتشهد على جوازة بنتك ولا أيه يا أستاذ محمود!!

رمقه "محمود" بغضب شديد من طريقته المستهزئة تلك، وذلك الضعف والخوف البادين على وجه "ديانة" وتلك هى أول مرة يراها بتلك الحالة المزرية، يتمنى لو يستطيع أن ينهال عليه ضربا الان إلى أن يفقد وعيه أو يفقد حياته للأبد

ولكن ما يقيده حقا هى نظرة التهديد الصريحة فى أعين "جواد" وهو يطالع أبنته الصغيرة بتلك الطريقة التحذيرية، لحظة واحدة ف"ديانة" أيضا أبنته ولن يتركها تفعل ذلك ولو ماذا حدث، كاد أن يصرخ بوجهه ويمنعه عما يفعله، ولكن أوقفته "ديانة" بعد أن قرأت فى أعين والدها ما ينوي فعله لتهتف به على عجل:

- هات بطاقتك يا بابا

نظر لها بإستنكار غير موافقا عما تفعله، ولكنها أومأت له بالموافقة وعينيها مليئة بالتوسل والرجاء، نعم هو لا يفهم ما الذى تحاول أن توصله له، ولكن ما أستطاع أن يفهمه إنها تحاول إنقاذهم على حياة نفسها، لم يجد أمامه خيار أخر أمام إصرارها ذلك ليخرج بطاقة هاويته ويسلمها لها على مضض
1

بعد وقت ليس بكثير أنتهى المحامى من تلك الأوراق بعد أن جعل كلا من "جواد" و"ديانة" و"إياد" و"محمود" يوقعون على تلك الأوراق كلا منهم فى المكان المخصص له، صاح موجها حديثه نحو "جواد" مُهنئا:

- ألف مبروك يا باشا

ابتسم "جواد" بغطرسة شديدة وهو ينهض من كرسيه وبرأسه الكثير من الطرق والوسائل التى سينال منها بها، رمقها بنظرة متوعدة مضيفا بتهكم:

- قدامى يا عروسة

نظرت "ديانة" نحو عائلتها بدموعا وقهر مودعتة إياهم، لا تعلم هل ستراهم مرة أخرى أم لا؟ لا تعرف ماذا يريد منها هذا الشخص ولكن نظراته تخبرها إنه لن يكون هناك خير أبدا

نهضت وخرجت من المنزل بصحبته هو ورجاله وما إن غادروا المنزل، حتى أعلنت "منال" عن كامل ألمها وحصرتها على أبنتها التى لم تفارق حضنها لمدة عشرون عاما، لياتى الأن هذا الشخص ويسلبها إياها فى غمضة عين:

- بنتي

صرخت بها بصوت بالكاد سمعه الأشخاص القربين منها وبلحظة واحدة كانت مترنحة أرضا فاقدة للوعي

❈-❈-❈

ثلاث ساعات لا تعرف كيف مروا عليها بصحبة ذلك الشخص المغرور ورجاله ذو الأجساد الضخمة والهيئة المخيفة، بالإضافة إلى تلك الأسلحة النارية التى لم تفارق خاصتهم، لمَ كل هذه الأسلحة! هل تزوجت من زعيم عصابة أم ضابط بأحد الأجهزة الحساسة بالدولة؟

لا تُنكر رعبها الشديد كلما نظر لها بخاصتيه القاتمتين من وقت إلى الآخر وهو يتفحصها من أعلى رأسها لأسفل قدميها، هى أيضا تلك أول مرة تراه فيها ولكنها لم تنظر له بمثل نظراته المريبة تلك، بالأساس هى لم تنظر له منذ أن تركا منزل عائلتها

لم تنظر له جيدا إلا عندما كان يُهددها بتلك الغرفة بحياة أسرتها إذا لم تذعن له، لا تتذكر من ملامحه تلك سوى شعره البني وبشرته البيضاء وزرقاوتيه اللامعتين، وتلك التفاصيل في وجهه كفيلة أن تثبت لها إنه فرد من عائلتها التى لم تلتقِ بأحدٍ منهم من قبل، وعندما تكتشف إنها لديها عائلة حقيقية تجد نفسها تتزوج رغما عنها من شخص حقير مثله، يالا حظها التعس.

كم تمنت أكثر من مرة أن تفتح باب تلك السيارة وتلقي بنفسها خارجها هاربة منه، ولكن إذا حدثت معجزة ما ولم تمت تحت إطارات سيارة ما على هذا الطريق السريع واستطاعت الفرار منه، أين سوف تذهب وسط هذا الظلام الكاحل الذى يحاوطهم، عليها أن تنتظر لتعلم ما الذى يريده منها بالضبط ولماذا أخذها بهذه الطريقة!! والسؤال الأهم ما هو سبب إصراره على هذا الزواج؟

وصل "جواد" وهي بحوزته إلى منزله الخاص به بعيدا عن الجميع حتى ينفرد بها دون تدخل من أي أحد أو محاولة استنجادها بأحد، لقد عزم على أن يجعل حياتها معه جحيمًا حتى يحصل على ما يريد، دلف بها إلى الداخل ساحبا إياها خلفه بحدة

بينما صدمت "ديانة" من تلك القتامة المُميتة المسيطرة على هذا البيت، فجميع أثاث ذلك المنزل محصورا بين الاسود والرمادى، ولكن قتامته تلك لم تفقده رونقه فهو يبدو عليه الكثير من الفخامة والرقي، ولكن لمَ كل هذا الظلام الذى ينبعث من جمبع الأركان؟ هل هى الآن مُحاصرة بين ظلمات حصونه!!

توجه راغما إياها على السير معه إلى إحدى الغرف بالطابق العلوي بخطوات سريعة لدرجة إنها كادت أن تسقط أرضا، ولأول مرة تخاطبه بعدما خرجت معه من منزل أسرتها هاتفة به بحدة وإنفعال:

- براحة يا بني أدم أنت، أيه الغشومية دي؟

لم يعطيها إهتمام ولن يحاسبها الآن على ما تفوهت به، فهو منشغل الآن بشيء أهم عليه أن يذهب ليُنهيه وبعدها سياتي ليتحاسبان على كل ما تفوهت به منذ أن رأى وجهها، دلف الغرفة وسريعا ما ألقى بها أرضا بقسوة وجمود وكأنه يعاقبها على ما تفوهت له لتو، لتصرخ متألمة:

- آآآه لا دا أنت طلعت غبي كمان.

رمقها بنظرات حادة وغاضبة جعلتها حقا تشعر بالخوف من مجرد النظر له، ولكنها عملت على عدم إظهار هذا، بينما هو أصر على جعلها ترتعب حتى فى غيابه، ليهتف بها متوعدا:

- ساعة زمن واحدة بس ولما أجي هتعرفي إنك لسه معرفتيش يعنى أيه غباء

تركها وخرج مرة أخرى صافعا الباب خلفه بشدة، ومن ثم استمعت إلى صوت حرك  المفتاح بباب الغرفة مُعلنة عن إغلاقه للباب عليها.

نهضت "ديانة" من مكانها وهى تشعر بالضعف أمام ذلك الحقير الذى يستغل قوته البدنية أمامها لكى يؤلمها ويشعرها بالعجز أمامه، تُرى ما الذي يريده منها؟ ولماذا تشعر بالاسترابة ممَ هو مقبل عليه؟

على الرغم من إنها تُظهر له عدم الخوف والرهبة منه وتُحاول أن تبدو أمامه تلك الفتاة العنيدة القوية التى لا تخشى أحدا، إلا إنها بداخلها تموت رعبا من هذا الغريب الذى بمجرد النظر فى وجههِ تشعر بالرعب والقلق الشديد

نظرت إلى تلك الغرفة الموجودة بها متفحصة إياها، هى تشبه جميع أركان ذلك المنزل قاتمة جدا ولكنها تصرخ بالذوق الرفيع، لم تكن مثل تلك القصور المليئة بالثراء والغنى بل كان هادئا جدا باستثناء تلك القتامة فى كل ركن به.
2

جلست على الاريكة وأمتلئت عينيها بالدموع قهرا على ما حدث لها فى هذا اليوم، هذا اليوم كان خطبتها وفجأة تحولت تلك الخطبة إلى زواج، ولكن ليس من الشخص الذى أختارته بل من شخص آخر لم ترَه من قبل، شخص يبث الرعب فى قلبها منذ الوهلة الأولى، شخصا لا يبدو إنه سيتركها تحيا فى سلام

كيف عليها أن تتعامل معه الآن؟ هى إلى الأن راهبة الموقف ومُشتته تماما لا تستطيع التفكير بشكل صحيح، تشعر وكانها مُحاصرة بين قبضة شخص لا تعرفه ولا تعرف حتى على ماذا ينوي أن يفعل معها؟!

❈-❈-❈

رمقه والده بنظرة غضب وحنق مُضيقا ما بين حاجبيه باستنكار ويبدو عليه عدم الرضا والنفور الشديد مما فعل أبنه:

- اتجوزتها!! يعنى أيه أتجوزتها يا سي جواد؟ أنت أتجننت ولا دماغك ضربت؟ ولا تكونشي البت حليت فى عنيك فقولت ترضي نفسك من جميع الجهات!!

أغمض عينيه بإنزعاج وملل من ثرثرة والده ثم نظر نحوه ببروده المعتاد مُعلقا باستهزاء:

- هاا.. خلصت!!

رفع "هاشم" حاجبيه بتعجب من كل هذا البرود الذى يتعامل به أبنه المجرد من التهذيب وكأنه لم يفعل مصيبة، حتى إنه لا يكترث لغضب وإنفعال والده، ليعتدل "جواد" فى جلسته مُضيفا بهدوء:
2

- أتفضل أقعد هنا وأنا هفهك أنا عملت كده ليه؟

توجه والده إليه بإنفعال أكبر غاضبا من قرار أبنه الذى نفذه دون الرجوع له، يبدو أن الأمور ستخرج عن السيطرة من بين يديه والتشتيت الذى يُعاني منه منذ سنوات، الآن سوف يصبح أكبر من ذي قبل، جلس أمامه رمقا إياه باستفسار مُعقبا:

- فهمني يا سي جواد يمكن الجواز دلوقتي بقى طريقة جديدة فى الانتقام وأنا معرفش!!

- طبعا.. وأحسن طريقة للأنتقام كمان

قالها وهو يبتسم بشر على ما ينوي فعله بها مُضيفا بتفسير:
- لما تبقى مراتى هقدر أعمل فيها كل اللى أنا عايزه وانتقم منها بالطريقة اللى تعجبني من غير ما أى حد يتدخل أو يقولى حتى أنت بتعمل أيه؟ هخليها خدامة تحت رجلي هذلها وههينها وهقطع من لحمها وفى الاخر هخيرها طلاقنا قصاد التنازل على كل املكها وورثها من أبوها، وبعد كده هقتلها وأديهالك تدفنها جمب أمها
2

للحظة أنقبض قلب "هاشم" ولا يعرف حقا سبب هذا، هل هذا خوفا ممَ هم مقبلين عليه؟ أم فرحا بسبب أخذ ثأرهم من تلك المرأة وأبنتها؟ أم ألما لأن من يريد أن يفعل بها تلك الأشياء هى أبنة أخيه!! كلا عليه أن يقتل ذلك الضعف بداخله، تلك هى أبنة المرأة التى حرقت قلبه لكثير من السنوات وقد حان الوقت لحرق قلبها هى الأخرى، حتى ولو كان التمن سيكون أبنة أخيه

بينما رمقه "جواد" بهدوء وهو ينفث دخان سجارته مُردفا:

- عرفت بقى أنا أتجوزتها ليه؟

- انا كده أقدر أقول قدام الدنيا كلها إني ربيت راجل بجد عرف يأخد حق أمه وعمته وعمه وإن عمرى اللى فات ده كله مرحش هدر

هتفت "هناء" بتلك الكلمات وهى تهبط الدرج ويبدو عليها السعادى والفخر بما أستمعت له، يبدو إنها كانت تستمع إلى حديثهم من أعلى الدرج وعلمت بما فعله "جواد"، ليغمض "جواد" عينيه ببعض من الغضب والإنزعاج لما تفوهت به لتو
2

بينما هتف "هاشم" موجها حديثه نحو أبنه مستفسرا:

- الجوازة دي هتخلص أمتى؟!

نهض "جواد" من مقعده أخذا خطواط واسعة مُتجها نحو باب القصر مبتسما بمكر وتوعد قائلا:

- هى لسه بدات عشان تخلص!! دا أنا لسه بقول يا هادي

يتبع...
جلست بصحبة والدتها ويبدو عليها الكثير من ملامح الضيق والانزعاج، هى إلى الأن لم تجد ردا على سؤالها الذى حيرها لكثير من الوقت، ليأتيها قول "منال" بحب وحنان مُعلقة باستفسار:

- أيه يا حبيبتي مالك زعلانه ليه؟ وأيه هى الحاجة المهمة اللى عايزاني فيها!!

نظرت لها بضيق ممزوج بالحزن والحسرة على هذا السؤال الذى لطالما تمنت أن تجد له إجابة مُقنعة تستطيع أن تصدقها:

- أنا بقالي سنين بسألكوا عن أهلى الحققين وكل مرة بتضحكوا عليا بكلمتين يهدوني وتقولولي لما تكبري هنفهمك الباقي، أظن دلوقتي إنى كبرت بما فيه الكفاية وبقيت فى ثانوية عامة وحقي أعرف الحقيقة

صمتت لاهثة مُحاولة استنشاق بعض الهواء الذى شعرت وكانه انقطع عنها مرة واحدة بفعل ذلك الثوران التى تملكها، وما زاد من ألمها هو صمت والدتها وهى تتبادل معاها النظرات الغير مفهومة بالنسبة لها، لترمقها والدموع ملئت عينيها مُضيفة بشك:

- هو أنا لقيطة؟

صاحت "منال" بحرقة نافية هذا الكلام ببكاء:

- لا يا ديانة مش لقيطة ومتقوليش كده تاني، أنتي عندك أب وأم وكانوا ناس طيبين أوى بس الله يرحمهم ماتوا ومكنش عندهم أهل، أحنا كنا نعرفهم ولما ماتوا أخدناكي تعيشي معانا عشان حبناكي أوى وعشان كان نفسنا يبقى عندنا بنت قمر زيك كده

انهارت "ديانة" من البكاء وكم شعرت بالراحة من هذا الحديث، وهذا يعني أن ذلك الرجل الموجود إسمه خلف أسمها فى شهادة الميلاد هو والدها الحقيقي وليس مجرد أسم مزيف وضعته الحكومة خلف إسمها لتكون لديها إثبات شخصية مثل باقي الناس

ارتمت بين أحضان والدتها ممتنة جدا لها على ذلك الحب الذى قدمته لها عوضا عن أهلها الحقيقين، هى لم تشعر يوما بتفريق بينها وبين أخويها بل بالعكس كانت تشعر وكأنها أقرب لوديهم منهم هما نفسهم وخصيصا والدها، لتعقب بحب وامتنان:

- أنا بحبك أوى يا ماما أنتي وبابا ومالك وملك

بادلتها "منال" العناق مردفة بصدق:

- وأحنا كمان بنحبك أوى يا قلب ماما

•••

كيف بعد كل تلك السنوات يظهر لها عائلة فجأة هكذا؟لماذا لم يبحثوا عنها من قبل؟ لماذا تخلوا عنها منذ عشرون عاما؟ لماذا لم يخبرها والديها إنها لديها عائلة حقيقة! أم إنهم حقا لم يكونوا يعلموا بوجود ذلك الشقيق لودها؟
كانت لتظن أن ذلك الشاب يكذب وإنه ليس من عائلتها، ولكن لو كان حقا يكذب، فكيف علم إنها تنتمي لتلك العائلة المعروفة بإسم "الدمنهورى"! ولكن هذا يثبت صدق حديث والدتها فى هذا اليوم عن كونها لديها أبوين وعائلة حقا

ابتسمت بتهكم وهى تُفكر فى تلك الطريقة التى أخبروها بها إنها لديها عائلة! أرسلوا لها ذلك المغرور الوقح الذى أجبرها على الزواج منه وإلا سيقتل كل أفراد أسرتها التى تبنتها، يا له من شخصا حقير حقا

أجهشت فى البكاء عندما تذكرت ما فعله ب "أدهم"، هى لم تكن تتخيل أن يحدث لهم هكذا أبدا، نعم هى لم تكن تحب "أدهم" بعد وما كان بينهم فقط إنجذاب بسيط تطور بمرور الوقت وأصبحت تشعر تجاه بالراحة والتفاهم وإنه سيكون الشخص المناسب لها

ظلت تبكى بشدة على ما يحدث لها، لماذا دائما تواجه العواقب فى حياتها؟ لماذا لم تكن حياتها هادئة كباقي الفتايات؟ لماذا دائما تقع فى تلك الصعوبات بداية من نشأتها مع أسرتة ليست بأسرتها نهاية بزوجها من شخص لم تختاره ولم تكن تراه من قبل؟

قطع بكائها دخول ذلك الوقح إلى الغرفة بتلك الطريقة الهمجية دون أية إستأذان، جففت دموعها بسرعة كى لا تكون ضعيفة أمامه، بينما دلف "جواد" إلى الغرفة بصمت ودون النظر نحوها حتى، ليبدأ فى خلع سترته وقميصه دون الدخول إلى غرفة تبديل الملابس

ابتلعت "ديانة" ريقها بتوتر أثر فعلته تلك، ولا تعلم ما الذى ينوي فعله؟ لماذا يخلع ملابسه هنا؟ تُرى لماذا يخطط! والسؤال الأهم إلى أين يريد أن يصل بأفعاله تلك؟ هبت واقفة وهى تصيح فيه بغضب زاجرة أياه بحنق:

- أنت بتعمل أيه يا بني أدم أنت؟

رفع "جواد" كتفيه بلامُبلاة وكأن لا يفهم ما ترمي له مُصطنعا التلقائية:

- أيه بقلع هدومي! أنتي عامية ولا ايه؟

تنهدت وهى تفرق جبهتها مُحاولة إستدعاء الهدوء والتقليل من غضبها مُضيفة:

- أنا عايزه أفهم دلوقتى حالا أنت عايز مني أيه بالظبط؟

أنتهى من فتح أخر زرار بقميصه ليرفع نظره نحوها متفحصا ردود أفعالها بشدة وغضبها الذى تحاول تحجيمه بالإضافة إلى ذلك التوتر البادي على حركات جسدها الغير منتظمة، ليبتسم بسخرية وهو يخلع قميصه مجيبها بغير إكترث لسؤالها عاملا على إستفزازها:

- أنتي مش هتقلعي ولا أيه!! هتفضلي أعدالي بالفستان كده كتير، دا أنتي عروسة حتى وأنا مش حد غريب عليكي، أنا جوزك ومن حقي أشوفك زي أي واحد ما بيشوف مراته فى ليلة زي دي

قال جملته الاخيرة وهو يغمزها بوقاحة ومكر، عازما على إغضابها وإيقاعها فى الأخطاء معه، بينما أدركت هى ما يعنيه بكلماته تلك ووقعت فى مصيدته مُصيحة فيه بغضب شديد وهى تتقدم نحوه بإندفاع لا إرادي:

- ليلة أيه يا أبو ليلة؟ أنت مصدق نفسك ولا أيه؟ أوعى تكون مفكر إني عشان جيت معاك هنا ووافقت على الفيلم اللى مثلنا هناك ده تبقى خلاص جوزي بجد، أنا جيت معاك هنا وطاوعتك على الهبل اللى عملناه ده بس عشان أمنع المشاكل وأحمي الناس اللى ربوني منك، وكمان عشان أعرف أنت عايز مني أيه بالظبط؟ لكن هتسوق فيها وتقولي جوزك وحقي والتخاريف، أنا مش مراتك وأنت ملكش أي حقوق عندي فاهم ولا لا؟

تقدم "جواد" عدة خطوات هو الاخر نحوها ليصبح لا يفصل بينهم سوا خطوة واحدة، لتشعر "ديانة بالإرتباك من هذا الاقتراب الشديد بينهم وأخذت فى الرجوع إلى الخلف لكى تحافظ على مسافة بينهم حتى أرتطمت فى الجدار خلفها

ولكن دون فائدة فهو لا يتوقف عن الاقترب منها إلى أن أصبح قريبا منها للغاية لدرجة إنها شعرت إنه سوف يلتصق بها عما قريب، لتتعالى أنفاسها من شدة التوتر والارتباك، سريعا ما أشاحت بوجهها إلى الجهة الأخرى وهى يهتف بها فى تحدي:

- لا مش فاهم وصوتك ده ميعلاش عليا تانى وإلا هتدفعي تمن ده غالي أوى، اتفقنا يا مراتي؟

قال جملته مُهددا إياها كى تكُف عن هذا العناد الذى لا يُطيقه، بينما هى فقد شعرت بالريبة مما قاله ولكنها لم تُبين هذا أمامه وتظاهرت بالقوة والثبات، أبتعد عنها قليلا لتشعر هى بالراحة وأخذت نفسا عميقا وكانه كان يستحوز على كافة الهواء الموجود بالغرفة

أبتعد عنها ليذهب ويتناول تلك الحقيبة الصغيرة التى أحضرها معه منذ دخوله إلى الغرفة، ترى ما الذى يوجد بتلك الحقيبة التى تشبه حقيبة الهداية، ليعود لها مرة أخرى مُلقيا بها لها مُردفا بحزم:

- ألبسي ده

ضيقت ما بين عينيها فى عدم تصديق من تصرفاته تلك التى لا تسطيع وصفها أو تفسير أيا منها إلا بأن هذا الشخص بالتأكيد مخُتل، هى لم ترَ ما الموجود بتلك الحقيبة ولكنها أندهشت من طريقته، لتهتف بطلقائية مُستفسرة:

- هو أيه ده؟

- أنتي متسأليش، أنتي تنفذي اللى بقول عليه وبس

قال جملته الاخيرة بصياح محدقا إياها بغضب وتوعد بعد أن ألقى بتلك الحقيبة فى وجهها، بينما كاد قلبها أن يتوقف من شدة الفزع من ملامحه التى تحولت فى أقل من ثانية من ابتسامة استهزاء إلى صراخا كاشفا عن حدة أنيابه وقتامة زرقاواتيه

لا تعلم ما بداخل تلك الحقيبة ولكنها أومأت برأسها باستسلام ظننا منها إنها قد تتخلص منه لتنتهى تلك الليلة البائسة، ولكنها لا تعلم أن تلك اليلة لم تبدأ بعد، أخذت تلك الحقيبة وأسرعت فى التوجه إلى غرفة تبديل الملابس الخاصة بهذه الغرفة موصدة الباب خلفها بإحكام

❈-❈-❈

••
- صباح الخير يا عمي

قالتها بعد أن دلفت إلى هذا البيت الكبير الملئ بالدفئ والأمان، فهو من أكبر بيوت صعيد مصر ويعود إمتلاكه إلى أكبر عائلات الصعيد "عائلة الدمنهوري" المعروفة بالحب والتماسك والأرتباط العائلي

صاح بترحاب كبير مُعانقا إياها مردفا بحب:

- صباح الفل والعسل عليكي يا جلب عمك، أيه يا بت شمس الواحد معيشوفكيش واصل غير كل فين وفين ولا أيه

ابتسمت له "ماجدة" بحب واحترام مردفة بأدب:

- ما أنت عارف يا عمى أبوى مبيخرجناش من البيت غير كل فين وفين، بيجولى عشان أنتي لسه صغيرة وأخاف يحصلك حاجة

ابتسم لها بحب مُعقبا:

- شمس عنديه حج يا ماجدة يا بتي، أنتي فعلا صغيرة، وكمان عشان أنتي البت الوحيدة على الولدين يعني أنتي الفاكهة بتاعته، أني كمان بترعب على تهانى وهناء بس اللى مطمني إن تهانى كبرت وخلصت مدرسة، إنما هناء مُتعبة وعايزه تكمل علامها وأني الصراحة مفياش دماغ عاد

تغيرت ملامح وجهها من البسمه للعبوث من حديث عمها مُعلقه بمضض:

- لا يا عمى أنا وهناء عايزين نكمل علامنا وندخل الجامعة مع بعض، ده الحلم الوحيد اللى بنحلم بيه

ابتسم لها بإعجاب على إصرارها وتعلقها الشديد بأبنته فهو يشعر بالسعادة عندما يرى حبهما لبعضهما، فهما سوف يصبحان بيوم من الأيام فى بيت واحد كما أتفق هو وشقيقه أن يأخذ فتاتيه لولديه، ليعقب بحب:

- لو أنتي هتبجي معاها يا ماجدة أنا هبجى مطمن

ابتسمت له بسعادة وكادت أن تتحدث ليقاطعها هبوط "هناء" درجات السلم مُهرولة لها بسعادة مُتوجه لتعانقها بإشتياق مردفة بحب:

- أيه ده!! ماجدة عندينا!! وحشتيني يا جلبى

بادلتها "ماجدة" العناق بحب مردفه بحب مماثل:

- وأنتى كمان يا هناء وحشتيني جوى

أقتربت من أذنها هامسة لها دون أن يلاحظ عمها مردفة بحماس:

- عندي ليكي خبر حلوو جوي

حمحمت "هناء" بتوتر موجة الحديث نحو والدها:

- طب يا أبوى أحنا هنطلع فوج أحنا بجى

أومأ لها بالموافقة هاتفا:

- طب يا حبيبتي بس أجهزي عشان أحنا معزومين عند عمك شمس على الغدا النهاردة

شعرت "هناء" بالكثير من الفرحة بعد ما خمنت تلك المفاجأة التى تُقصدها "ماجدة"، أسرعت الفتاتان فى الصعود إلى غرفة "هناء" كى لا يستمع إليهما أحد:

- خبر أيه طمنيني، اللى جيه فى دماغي صُح

ابتسمت لها "ماجدة" بإعجاب على ذكائها وسرعة بديهتها فى اكتشاف الأمر قبل أن تخبرها، لتردف بتهكم:

- أه يا أختي اللى جيه فى دماغم، هاشم وشرف جاين النهاردة البلد وسمعت كمان أبوى بيتكلم معاهم فى التليفون وهيتكلموا فى جواز

اتسعت أعيُن "هناء" بصدمة بينما توسع ثغرها من كثرة الفرحة والسعادة التى شعرت بها، فهى منذ زمن متيمة بحب شرف  وتعد الأشهر والليالى منتظرة هذا اليوم بفارغ الصبر، لتصيح بساعدة كبيرة:

- صُح يا ماجدة!! شرف هياجي يطلبني لجواز؟

زجرتها "ماجدة" مُعقبة:

- يا بت أتجلي شوية أنتي مدلوجه إكده ليه، وبعدين أنا معَرِفش مين فيهم اللى جاي يتجوز، وكمان أنتي ناسية إن شرف لسه بيدرس وهاشم هو اللي خلص علام من زمان يعني الأحج بالجواز دلوجت هو هاشم مش شرف.

امتعضت ملامحها "هناء" فى ضيق وحنق مُعقبة:

- أنتي مبتكمليش حاجة حلوة للاخر أبدا؟ ولو بردو شرف يعتبر خلص، هو فى أخر سنة ليه فى الجامعة يعنى زماناته خلص وممكن يكون جاى يطلب يدى هو كمان.

رمقتها بتحذير كى لا تبني أمال وينكسر قلبها بالنهاية:

- بردو متعشميش نفسك بحاجة لسه فى علم الغيب والله أعلم أيه اللى هيحصل النهاردة على الغدا

لم تكترث "هناء" بحديث "ماجدة" هى بالفعل شيدت أمالها على أن "شرف" أتٍ تلك المرة كى يطلب يدها، لتنهض بحماس وسعادة كبيرة وأخذت تستعد لمقابلة هذا الحبيب الغائب لتُملى عينيها من رؤية وجهه المُحبب إلى قلبها

لاحظت "ماجدة" فرط سعادتها لترمقها بحب وعاطفة مردفه بتمني:

- يارب لو ليهم خير فى بعض أجعلهم من نصيب بعض

•••

قطع تفكير "ماجدة" دخول "زينة" إلى غرفتها مبتسمة لها بحب وسعادة، فهى أعتادت أن تاتي لرؤيتها كل ليلة لتتحدث معها قليلا، وحتى وإن لم تجد منها رد هى تكتفى بتلك النظرات الحنونة التى تعطها لها مُعوضتها عن فراق والدتها:

- عمتو القمر الجميلة ست الكل عاملة أيه؟

رمقتها "ماجدة" بكثير من الحب تلك الفتاة الجميلة تُشابه والدتها كثيرا ،حتى فى طيبة قلبها وكانها نسخة مُصغره عنها

أكتفت "زينة" بتلك الابتسامة مُدركة ما تود "ماجدة" قوله دون كلام، فهى تتعرف على ردها من مجرد النظر إلى تعبيرات وجهها لتردف بحب وعاطفة:

- وحشتيني أوى يا روخ قلبي، تعالي بقى أما أصدعك زى كل يوم وأحكيلك عملت أيه فى يومي

هذة هى العلاقة ببن "ماجدة" و "زينة" كلا منهما يُعوض الأخر بما ينقصه، "ماجدة" تُعوضها مكان والدتها ولو فقط بالاستماع لهاومشاركتها تفاصيل يومها، هذا فقط ما بوسعها أن تفعله، أن تجلس أمامها وتستمع للحديث فقط وهى لا تستيطع الحركة لو الكلام منذ هذا اليوم المشؤم، هذا اليوم الذى تدمر فيه كيان هذا البيت بأكمله، فتُحاول على قدر الإمكان أن تتقرب من تلك الفتاة الوحيدة التى تهتم بها وكأنها والدتها

بينما على الجانب الأخر "زينة" التى تقوم بتعويض "ماجدة" عن الكثير من الأشياء التى حُرمت منها بسبب هذا الحادث التى تعرضت له، ومن أهم الأشياء التى تُحاول أن تُعوضها عنها هو غياب أبنتها التى تقيم بالخارج مع والدها لتُكمل دراستها وتاتي إليهم فى الاجازات، أو لربما تُعوض نفسها، لتصبح "ماجدة" هى الشخص الوحيد المقرب لها، هى الوحيدة التى تشعر بالرحه عند التحدث إليها على عكس "هناء" التى لم تشعر تجاهها بأي مشاعر قط، لربما حقا القلب يشعر بمن هو الحبيب ومن هو الغريب

❈-❈-❈

جلست بغرفة تبديل الملابس مُشتتة التفكير مما يحدث معها، كيف له أن يُعاملها بتلك المُعاملة الرخيصة ويسمح لنفسه أن يُملي بأوامره عليها ويصنها ستنصاع له، أيظنها بتلك السذاجة وسيغويها بفستانِ أو حذاء أو حتى بعض الألماس، أم يريدها أن ترتدي ما فى تلك الحقيبة لكي يأخذها إلى باقي أسرته لكى يُعلمهم إنه يستطيع أن يتحكم بها من الأن؟

إلى الأن لم تكن تعلم ما فى داخل هذه الحقيبة، لتعزم أمرها على أن تفتحها وتعلم ما الموجود بداخلها، وبالفعل فعلت ذلك وما إن رأت ما تحتوي عليها شعرت بالغضب الشديد وألقتها أرضا بعيدا عنها، كما شعرت أيضا بالتوتر من مجرد أن رأت تلك الصورة

هو كان عبارة عن ثوب نوم أسود اللون قصير يصل إلى نهاية المؤخرة يشف ما تحته من مفاتن الجسد، ملحق معه سروالا رفيعا لا يُمكنه حجب شيء يُبرز الخصر والمؤخرة ولا يحتوى على حمالة صدر

ما هذا الشيء الذى أحضره ذلك الحقير؟ كيف صور له عقله القذر إنها يمكن أن ترتدي له شيء كهذا! كيف يراها هذا الوقح وماذا يريد منها بالضبط؟ يبدو إنه فسر هدوئها معه وكأنه ضعف أو انكسار، يجب أن توقفه عند حدهِ الان قبل أن يتمادى

التقت هذا الرداء من على الارض مرة أخرى، وسريعا ما خرجت له ويبدو عليها الغضب والتمرض رافضة تلك الصورة التى يراها بها، وجدته جالسا على إحدى الأرائك عارى الصدر ولا يرتدى سوء بنطالا جينز

تسارعت خطواتها فى التوجه نحوه ووقفت أمامه غير متوازنة من شدة انفعالها، ألقت ذلك الثوب بوجه صارخة بحنق:

- دا تلبسه أنت.

رفع زرقاوتيه نحوها والنيران تتطاير من كلاهما، لتواجه هى الأخرى بنظرات الغضب والنفور من فعلته مُصيحة بحزم وإنفعال:

- اسمع بقى يا زفت أنت متفكرش إني ضعيفة أو خايفة منك عشان سكتالك لحد دلوقتي، أنا مبخفش من حد، ولو أنا وافقت على العبط اللى أنت جيت عملته عندنا فى البيت ده، فأنا عملت كده عشان خفت على الناس اللى ربوني زي بنتهم ومحبتش أتسببلهم فى أب مشاكل أو ضرر، وعشان كده وافقت على إني أمضي على القسيمة، لكن ده ميعتبرش جواز لأني مش موافقه عليه، أما بقى القرف اللى أنت جايبه ده يا تلبسه أنت، يا تروح تديه لواحدة زبالة من اللى أنت تعرفهم، إنما أنا لا.

أخذت نفسا عميقا حتى تهدا بعد الشيء ولكن دون فائدة لتكمل بنفس الغضب:

- أزاي عقلك القذر صورلك إني هوافق ألبس القرف ده؟

شعر بالغضب الشديد من تطاولها عليه ولكنه سريعا ما تحكم فى غضبهِ قبل أن يُكسر عظام وجهها، فقد راقت له هذه اللعبة مع قطته المتمردة تلك، نهض "جواد" من فوق الأريكة رامقا إياها بتحدي وثقة مُجيبا إياها بحدة:

- هتلبسيه ورجلك فوق رقبتك ولو ملبستهوش بمزاجك هلبسهولك أنا بمزاجي

رمقها من أعلى رأسها لأسفل قدميها بمكر ووقاحة مضيفا:
- وأنا بصراحة مايل أوي للحل التاني

لكزته فى صدره بقوة مصيحة فى وجهه بغضب شديد:

- أنت قليل الادب وقذر وأبن ك...

كادت أن تضربه مرة أخرى وتُكمل سُبابها، ليقاطعها هو ممسكا يديها محاوطا خصرها بهم ومن ثم فى حركة سريعة أدارها وعكس يديها ممسكا بكفيها من الخلف وضغط عليهما بقوة كى يشعرها بالعجز لاصقا ظهرها بصدرهِ العاري، ليهمس لها بانفاسه الحارقة فى عنقها مُعقبا بمزيد من وقاحته:

- أنا لحد دلوقتى مورتكيش أى حاجة من قلة أدبي وقذارتي، بس لو تحبي تجربيها أن معنديش أي مانع لده

ألقى بها فوق الفراش ثم التقط ذلك الثوب من على تلك الأريكه متوجها نخوها مُعقبا بتوعد ومكر:

- أنا لحد أخر لحظة كنت بتعامل معاكي بأدب، بس أنتي اللى حبيتي تشوفي قلة أدب ووقاحة جوزك عاملة أزاى؟

تقدم نحوها بخطوات ثابتة ونظرات حادة دبت الرعب والفزع بقلبها ولأول مرة لا تستطيع أن تخفي خوفها وتوترها منه، لتصيح به بتأهب وزعر:
1

- أنت هتعمل أيه يا ح...

لم تُكمل جملتها لتجده أخذ يجردها من ذلك الفستان التى كانت ترتديه الحريري، ولكنه لم ينحج فى نزعه بسبب مقاومتها الشديدة له وهى تدفعه فى صدره بعيدا عنها صارخة بهلع:

- أبعد عني، هصوت وألم عليك الناس كلها يا كلب

قبض على كفيها الصغيرين التى كانت تدفعه بهم مُعقبا بغضب وحزم:

- مهما تعملي أو تصرخي محدش هيفكر ينجدك من إيدي، أنتي مراتي وفى بيتي وفى أوضة نومى وعلى سريري، واضح كده إنك متربتيش كويس بس هعيد تربيتك من أول وجديد، وإيدك دى لو أترفعت عليا مرة تانية هكسرهالك

قال جملته الأخير وهو يزيد من شدة قبضته على يدها، لتصرخ هى متألمة، حتى شعر إنها كادت أن تنكسر فى يديه ليخفف من قبضته بعض الشيء رامقا إياها فى بتحذير مُعقبا:

- اللى أنا أأمر بيه يحصل سواء بمزاجك أو غصب عنك، قدامك خمس دقايق بس لو ملبستهوش فيهم، أقسملك بالله أنا اللى هقلعك هدومك ملط وألبسهولك بإيدي، بس تقريبا لو أنا اللى قلعتك مش عارف هنحتاج تلبسبه أصلا ولا لا؟

قال جملته الاخيرة بنبرة لاعوبة جعلت جسدها يرتجف مش شدة التوتر، أومأت له برأسها موافقة إياه على طلبه، وسريعا ما التقطت ذلك الثوب وفرت نحو الغرفة متهربة منه

أغلقت الباب ثم سقطت أرضا تبكي بصمت على ما تمر بهمنذ عدة ساعات متمنية أن يكون هذا كابوس وسوف تستيقظ منه عما قريب، هى بحياتها لم تقع فى مثل هذا المأزق، ماذا عليها أن تفعل الأن؟ كيف لها أن ترتدي مثل هذا الشيء أمام ذلك الحقير وماذا سيفعل بها بعد ذلك؟ أجهشت فى البكاء بحرقة تأهبا منا هى مُقبلة عليه

تذكرت أن الوقت الذى حدده لها أقترب على الإنتهاء، وإن لم تنفذ ما طلبه سوف ينفذ تهديده، نهضت سريعا بعد أن استمعت إلى صوته مُصيحا بتحذير:

- فاضل دقيقتين لو خلصوا قبل ما تطلعي أنا اللى هدخلك وساعتها مش هيحصل كويس

مر الوقت بسرعة وأنتهت الدقيقتان ولم تخرج بعد، بينما نهض "جواد" مُتوجها نحو الغرفة عازما على أن ينفذ ما قاله لها، كاد أن يفتح الباب ليمنعه خروجها مرتدية ذلك الثوب

وقفت أمامه ونظرت له بحدة وجمود وكأنها لم تكن منهارة منذ ثواني معدودة، هى حقا أرتدت ذلك الثوب ولكنها أرتدته فوق ملابسها المُجوده أسفل الفستان، هذه الملابس المُكونه من تلك الحماله وذلك البنطال الخفيف التى ترتديه الفتايات أسفل ملابسهن ليُخفى جسدهن

بينما "جواد" شعر بالغيظ الشديد من فعلتها تلك، وأخذ يتفحصها بشدة ليحدث شيء لم يكن يتوقعه مطلقا، فقد شعر بقليل من الاثارة نحوها، هو حقا لا يستطيع رويتها عارية ولكن تلك الملابس برزت جميع انحاء جسدها، ثديِها الممشوقان المرتفعان لأعلى وتلك المؤخرة البارزةالتى تُثير أي رجل مهما كانت قوة تحكمة بنفسه

أشتعلت بداخله نيران الانتقام من جديد، يريد أن ينتقم منها بأخذ كامل حقوقه بأبشع الطرق المهينة والمؤلمة ولكن ليس الان، لن يفعلها الان لابد أن يُهينها ويذيقها شتىء أنواع العذاب بكل الطرق الممكنة كى يبرد ناره من تلك اللعينة، ليعقب بملامح مشمئزة من منظرها:

- ايه ده؟

رفعت حاجبيها بإستنكار مصطنع وكأنها لا تعي ما يقصدة مردفة بهدوء:

- اللى أنت طلبته!

رماها بنظرات إحتقار وتقليل من شأنها وكأنه ينظر إلى عبدة تعمل لديه وأنحنى ليلتقط قميصة ليرتديه مرة أخرى يليه سترته، رمقها بإستخفاف وإستهزاء بها قائلا:

- كان عندك حق، القميص ده المفروض أروح أديه لواحدة ست بتفهم، جتك القرف

قال كلماتة الاخيرة باشمئزاز ثم تركها وذهب من الغرفة بل من المنزل بأكمله، لتأخذ هى نفسا عميقا مردفة بتمني وكراهية:

- روح إلهي ما ترجع.
4

❈-❈-❈

يوما شاق جدا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ذهابه لإحضار تلك الفتاة وكل تلك الأشياء التى حدثت دون التخطيط لها، هو لم يكن مُخططا لزواج منها، كان سوف يحضرها رغما عنها من وسط ذلك المنزل ولكنه وجد أن تلك الطريقة سوف تلفت الأنظار له وتتسبب فى مشاكل كثيرة، ليجد أن أنسب حل أن يتزوجها لتكون ملكا له ولا يستطيع أحد إنقاذها من بين يديه
1

لا يعلم لماذا يشعر بالغضب منذ أن رأها بذلك الثوب الذى أمرها أن ترتديه! هو لم يريد أن يفعل معا شيء حتى إنه لم تكن لديه رغبة فى ممارسة الجنس وظن إنه سوف يذهب لنوم بمجرد أن يشعرها ببعض من الإهانة وهو يقلل من أنوثتها وإنها ليست مثيرة بالنسبة له، ولكن ما حدث كان عكس ذلك تماما

لقد شعر بالرغبة الشديدة فى تملكها لا يعلم من أين أتّ أو حتى كيف؟ هى لم تكن عارية على كل حال، ولكن بمجرد أن صور له عقله إرتدائها لهذا الثوب دون ملابس أشعره بكثير من الإثارة، خصيصا بعد أن رائ إنحائات جسدها بوضوح بفضل تلك الملابس الضيقة التى كانت ترتديها أسفل الثوب

توقف بسيارتة فى المرأب الخاص بأحد منازله الذي أبتعاها لإحضار العاهرات بها والتنفيث عن تلك الرغبات المرهقة جدا بالنسبة له، فرجل مثله شره جنسيا لا يستطيع منع نفسه من إخراج ذلك الكبت خصيصا بعد ما رأه منها، حتى ولو كان بطريقة مُحرمة مثل هذه، ويا لا غباء فعلته تلك
1

ترجل من سيارته سايرًا نحو الدخل، وبمجرد أن دلف المنزل صاحت تلك المرأة بكثير من الدلال والعُهر مرحبة به:

- جواد بيه أنا بجد مصدقتش نفسي لما كلمتني وقولتلي إنك عايزيني، كنت فاكره إنك زعلت مني أخر مره، بس الظاهر كده إني كنت غلطانة وإني وحشتك

قالت جملتها الأخيرة بسعادة كبيرة وهى ترفع كتفها بدلال، لطالما تمنت بداخلها أن تكون مميزه بالنسبة له حتى ولو كانت ستحمل لقب العاهرة المفضلة، فهو بالنسبة لها مثل خاتم سليمان الذى يحقق كافة الأمنيات، وكيف لا يكون هكذا وهو فى كل مرة يحضرها بعد إنتهائه منها يعطيها مبلغ لم تكن لتحلم به

بينما فى نفس اللحظة اندفعت يد "جواد" لجذبها من خصلاتها الصفراء الملولوة بعنف شديد، هو لا يشتاق لاحد خصيصا هؤلاء العاهرات الذى يستاجرهن بالمال وتلك العاهرة يجب ألا تتخطى حدودها معه، جذبها نحوه بحدة راميا إياها ببعض من الكلمات المتتقزة:

- جواد الدمنهورى مبيوحشهوش حد وخصوصا اللى زيك، أنتي مجرد ساعة نجسه بقضيها وأديكي تمنها على الجذمة

اشتدت جذبته لخصلاتها لتتاوه هى بألم شديد وهو يكمل حديثه بحزم:

- متنسيش نفسك مره تانيةوتفكريني عشقك فى الضلمة ولا حاجة، عشان مضطرش كل مره أفكرك إنتي أيه وشغلك أيه؟

كادت أن تبكي بين يديه من شدة ألم جذب شعرها وألم حدة كلماته التى يذكرها لها فى كل مرة يحضرها بها، تركها مُلقيا إياها أرضا بنفور شديد وكأن رغبته بها تلاشت وشعر بالإشمئزاز منها

هدأت قليلا تلك الألام التى كان تشعر بها وأقنعت نفسها أن تثير غضبه تلك الليلة كى لا ترفضها وينفرها، لتقترب من قداميه مُحاولة إكتساب رضائه مرة أخرى محتضنة إياها بطريقة أثارته مرة أخرى مضيفة بعُهر:

- عندك حق يا جواد بيه، أنا مينفعش أنسى نفسي، أنا عارفه كويس أنا أبقى أبه، أنا خدامة مزاجك واللى تأمر بيه أعملهولك، واللى متأمرش بيه كمان

أردفت بتلك الجمله وهى تنظر إليه برغبة وإثارة شديدة ثم دفعت يدها إلى ما بين مُلتقى ساقيه متحسسة إياه، وبمجرد أن شعرت بإستجابته لها وهو يثقبها بخاصتيه دون كلام أتجهت أصابعها نحو سحاب بنطاله مُحاولة تحرير رجُلاته

بينما شعر "جواد" برغبة شديدة فى وضعها أسفله ولن يتركها سوا وهى تصرخ مستغيثة بمن ينجدها من بين يديه، سوف يخرج فيها غضب كل ما عناه اليوم بسبب تلك الفتاة التى لم يقرر بعد ما سوف يفعله بها، ليجذب هذه المرأة من شعرها موقفا إياها مرة أخرى وتوجه بها نحو الغرفة مُلقيا بها على الفراش وبدأ فى التخلص من ثيابه ولتفعل هى ما تعود عليه معه

❈-❈-❈

جلست بجانبها كالمعتاد تتحدث معها فى كل شيء يحدث وقلبها مطمئن بإنها لن تنطق بحرف، يا لها من مزحة! بالطبع لن تنطق بحرف واحد، وكيف لها أن تنطق وهى منذ اكثر من عشرون عاما وهى لا تتكلم ولا تتحرك حتى

هى تُشابه جدا جُملة جسد بدون روح، ليس إلا قليلا من الهواء يتحرك بداخلها، ذلك الحادث المؤلم يترك أثاره عليها إلى هذا اليوم

ابتسمت لها "هناء" بحماس وسعادة كبيرة زاففة ليها تلك الأخبار السارة جدا بالنسبة لها بحماس شديد:

- عندي ليكي حتة خبر بمليون جنيه يا ماجدة، بس طبعا أحلى من أخبارك

أدركت "ماجدة" ما تحاول أن ترمي له بجملتها الأخيرة رمقة إيها بقلق، هى تعلم أن "هناء" لن تكون بتلك السعادة إلا عندما تحدث مصيبة كبيرة، بينما أكملت الاخرى بابتسامة مكر:

- مش جواد لاقى ديانة.
شحب وجه "ماجدة" بشدة وأزدادت ضربات قلب بشكل كبير من شدة فزعها من ذلك الخبر، هى لطالما تعلم نوايا "هناء" تجاه "ديانة" وما زراعته بداخل "جواد" كل تلك السنوات من إنتقام، بينما صدع صوت ضحكة "هناء" المليئه بالخبث والمكر مُعلقة على ملامح "ماجدة":

- متخافيش أوى كده لسه مموتهاش، ده كمان أتجوزها

صعقت "ماجدة" من تلك الكلمات التى لم يستطيع عقلها أن يفسرها، كيف ل"جواد" أن يتزوجها؟ هو أكثر شخصا يود قتلها بدم بارد بل وبأبشع الطرق المُمكنة بسبب ما عانه لسنوات طوال بسبب والدتها، كيف له فى ليلة وضُحاها أن يتزوجها!!

ظلت "ماجدة" تفكر ويبدو عليها الاستنكار مما يحدث لترمقها "هناء" باستهزاء مُعقبة:

- لا لا خيالك ميروحش لبعيد أوي كده، جواد أتجوزها عشان يذلها أكتر ويكسرها ويتلذذ بتعذيبها عن إنه يقتلها بسهولة كده ويريحها، وأنا بقى يا ماجدة أوعدك إنى هفضل أقويه عليها لحد ما روحها تطلع فى إيده، هخليه يعذبها أكتر من عذابي اللى أنا اتعذبته فى حب أبوها، فاكرة؟

••

انتهى الجميع من تناول الطعام واجتمعوا فى تلك الغرفة بعد أن أخبرهم "شمس" إنه يريهم فى شيء هام، لينصاعوا إلى طلبه مُهتمين بما يريد التحدث فيه

هتف "جابر" بحب واحترام لشقيقه الكبير مستفسرا:

- خير يا شمس يا اخوي! حاجة أيه اللى مهمة وعايز تجولهالنا

ابتسم "شمس" بحب وإمتنان لشقيقة الصغير مُعقبا:

- هو اأنت يا جابر يا أخوي ولد سبع شهور ولا أيه؟ مستعجل على رزقك على طول إكده!! عايزين نتحدد فى جواز يا أخوي

اعتلت السعادة وجه "هناء" وقد استعدت لسماع أكثر شئ تمنت أن تستمع إليه فى حياتها، بينما ابتسم "جابر" بسعادة لأخيه فهو بدأ فى تنفيذ إتفافه معه بأن يأخذ بناته لولديه، ولكنه لم يُظهر إنه قد فهم الامر مضيفا بإستفسار مُصطنع:

- يا أخوي ألف بركة، بس جواز مين عاد؟

ابتسم "شمس" على مُراوغة أخاه له ولكنه لم يريد أن يبادله المراوغة أمام بتاته، ليتدخل "هاشم" مُجها حديثه نحو الده بإحترام:

- بعد إذنك يا أبوي أنا اللى هجوله

أومأ له والده بالموافقة بينما شرع "هاشم" فى الحديث نحو عمه بود شديد:

- صلي على النبي بجا يا عمي، أنت خابر أنا بحبك جد أيه وأبوي كمان هيحبك جد إيه، وعشان أنت وهو مش إخوات وبس انتوا كمان إصحاب وجريبين لبعض جوى، وعشان إكده أنا اقترحت على أبوي إن الاخوة والحب ده مش لازم يخرج برانا، وعشان إكده أحنا عايزين نجوي حبنا لبعض وطالبين يد بتك تهانى تكون مرتي وشريكة حياتي طول العمر

كادت تهانى أن يُغشى عليها من فرط سعادتها، هى منذ طفولتها وهى تحلم أن تكون زوجة ل "هاشم"، فهى لا ترا أية رجل أخر سواه ولم يدق قلبها لأحد غيره

ابتسم "جابر" بعد سماع تلك الكلمات من "هاشم" وبعد أن رائ البسمة والسعادة على وجه أبنته، ليعقب بهدوء موجها حديثه نحو "هاشم":

- شوف يا هاشم يا ولدي أني البتين دول هما اللى طلعت بيهم من الدنيا ومش طالب حاجه غير إني أشوفهم مرتاحين وعشان إكده عايز أسألك سؤال يا ولد أخوي، هتخلى بالك من بتى وتخافظ عليها زيي إكده يا هاشم؟

ابتسم له "هاشم" بحب وأحترام مجيبا بصدق:

- بتك هتكون هديتي يا عمي والهدية يتحافظ عليها وتتصان جوا العين، بتك فى عني وفى جلبي يا عمي

بادله "جابر" الابتسامة مُعبا براحة:

- مبروك عليك تهانى يا ولدي

شرع كلا من والدة "هاشم" ووالدة "تهانى" بتناول التهاليل وأمتلئت الفرحة أرجاء المنزل، بينما وقفت "هناء" موجهة نظرها نحو "شرف" منظرة منه أن يتحدث هو الاخر ولكن دون فائدة، هو أكتفى بإحتضان شقيقه مُهنئن إياه وأحتضن عمه هو الاخر، ليقابله عمه مُعقبا بحب:

- عجبالك يا شرف يا ولدي

ابتسم له "شرف" بحب واحترام مُضيفا:

- الله يبركلنا فى عمرك يا عمري، بس أنا لسه جدامى شويه على ما أخلص الجامعة بتاعتي واجف على أرض صلبه زي هاشم إكده، أدعيلي أنت بس

ربط "جابر" على كتفه مُعقبا بتمني:

- ربنا يوفجك ويعطيك كل اللى هتحلم بيه يا ولدي

استمعت "هناء" إلى تلك الكلمات وفى لمح البصر انصرفت بعيدا عنهم وأخذت تبكى بحرقة وخيبة أمل على ذلك الحلم التى لم تصل إليه بعد، لتلاحظ "ماجدة" ابتعادها لتُسرع فى الذهاب إليها لكى تواسيها:

- متزعليش يا هناء أنا جولتلك بلاش تعشمي نفسك بحاجة لسه منعرفش هتحصل ولا لا يا حبيبتي، خصوصا إن شرف أخوي متكلمش معاكي جبل إكده فى حاجة ولا بان عليه حاجة أبدا

انزعجت "هناء" من حديث "ماجدة" المُحطم لأملها التى لا تسمح لشيء أن يُحطمها مُقابلة إياها بعضب وضيق:

- ما هاشم أهاه مكنش بيتكلم مع تهانى فى حاجة أبدا وفجاة طلب يدها وواضح إنه هيحبها جوي، ليه شرف ميكونش هو كمان هيحبني بس هيستحي يجول؟ أني مش هستسلم يا ماجدة وأنتى لازم تدخلي تجوللهم إننا عايزين نكمل تعليمنا وندخل جامعه فى إسكندرية ونروح إنعيش معاهم

اتسعت عينين "ماجدة" بصدمة مما تتفوه به "هناء" مُصيحة:

- يالهوي يا هناء وتفتكري هيوافجوا، ده ممكن يكسرونا لو جولنا إكده

- لا يا أختي متخفيش هيوافجوا مش تهانى هتتجوز هى وهاشم وهيروحوا يعيشوا فى إسكندرية، أحنا كمان نروح إنعيش معاهم وأهو نبجى مع أخواتنا وتحت عنيهم

اقنتعت "ماجدة" بحديث "هناء" ثم دخلت لكى تعرض الفكرة على أهلهم، فى البداية لم يرحبوا بالفكرة أبدا، ولكن وافقوا فى النهاية بعد إلحاح كبير من قبل "هناء" و "ماجدة" والذى ساعدهم تدخل "شرف" الذى حل الموضوع بإنه سيعيش بشقته الخاصه ويترك لهم المنزل ليكى يكونوا على راحتهم مع "هاشم" و"تهانى" وإنه سيزورهم دوما.

•••

ابتسمت "هناء" بألم وقد تهاوت إحدى دموعها دون إرادتها وهى تتذكر تلك الأشياء التى لو كانت سارت مثل ما أرادت لكان لم يحدث كل ما حدث من ألم وحسرة لهذة العائلة بأكملها

نهضت "هناء" مُتوجة نحو باب الغرفة مردفة بتوعد:

- تصبحي على خير يا ماجدة، ولا أقولك معدش فيه خير أبدا، كل اللى جى سواد يا بنت عمي

❈-❈-❈

صباح اليوم التالي..

فركت عينيها بقليل من أثار النعاس التى لم تفارقها بعد وهى تستيقظ من نومها مُدركة إنها شعرت بالتعب الشديد ليلة أمس ولم تستطيع مُقاومة هذا النعاس فاستسلمت له، تنقلت بعينيها فى أنحاء الغرفة متُفحصة إياها بإنزعاج، هذا المكان مازال غريبا عليها

وقعت عيناها على الجانب الاخر لفراشها الذى كان كبيرا جدا على كل حال، لتصرخ بزُعر وصوت عالٍ وهى تنتفض من مكانها مُعتدلة فى جلستها، لدرجة إنها أيقظته من نومه العميق

هى لم تشعر به عندما عاد ليلة أمس، متي جاء؟ وكيف سمح لنفسه أن ينام بجانبها وبتلك الطريقة المغزية، هو مُجرد من جميع ملابسه ولا يستره سوا ذلك السروال الداخلى القصير الذى لا يصل سوا لمنتصف فخذيه

بينما شعر "جواد" بالفزع من صراخها ليفتح عينيه مرة واحدة رافعا راسه ليعلم ما الذى يحدث، ولكنه سريعا ما زفر براحة وضع راسه على الوسادة مرة أخرى بعد أن تأكد إنه لا يُجد شئ خطر سوا صوتها المزعج، تمتم بين نعاسة ببرودة المعتاد:

- بتنوحي ليه على الصبح؟ أنا لسه جيت جمبك!!

صاحت به ويبدو عليها ملامح الغضب والانزعاج وهى تسحب هذا الغطاء واضعة إياه عليها مرة أخرى:

- أنت بتعمل أيه هنا؟ وأزاى تنام جمبي وبالمظر ده؟

فتح إحدى عينيه رامقا إياها باستنكار ثم أغمضها مرة أخرى مُضيفا بهدوء وبرود قاتل:

- شكلك من النوع اللى بينسى بسرعة، بس أنا مش من النوع اللى بيحب يقرر كلامه فهقولهالك للمرة الاخيرة، ده بيتي وأنتي مراتي وحقي أعمل اللى أنا عايزه فى بيتي مع مراتي

تأففت بضيق وغضب وهى تضرب كف بأخر مُقبة بحدة:

- تاني هيقولي مراته! أنت يا بني أدم أنت مبتفهمش؟ ما تقولي عايز مني أيه وتخلصنى بقى!!

جذبها فى لحظة واحدة لتستقر أسفل بعد أن أعتلها رامقا إياها بحدة كبيرة لاهثا من بين اسنانة، وفى أقل من الثانية تحولت ملامحه من الهدوء القاتل إلى الغضب والضيق الكفافيان لحرق مدينه بأكملها:

- عايز أذلك وأكسرك وأوجعك، عايز كل حته فى جسمك تصرخ وتترجاني إني أرحمها وأنا مش هرحمها، عايز أشوفك بتبكي بدل الدموع دم وأنا بنتقم منك على كل اللى أنا عنيته بسببك أنتي وأمك، عرفتي أنا عايز منك أيه!!

لم تكن يوما ممن يهابوا أحد أو تخيفهم بعض كلمات، ولكن ما فعله وتفوه به حقا جعلها ترتجف من الداخل، وجودها أسفل منه فى ذلك الوضع وهو عاري الجسد بالإضافة إلى تلك الكلمات التى تفوه بها أفزع ما مرت به يوما
لا تعلم لماذا يفعل معها كل هذا ولماذا يريد الانتقام منها؟ هى لم تفعل له شيء بل هى لم تراه قبل ليلة أمس! لماذا إذا يريد الانتقام منها بتلك الطريقة

دفعها بغضب وقسوة راغما إياها على الابتعاد عنه وقد تحولت ملامحه للهدوء مرة أخرى بعد أن سيطر على غضبه، لتسرع هى فى الفرار بعيدا خوفا من أن يعيد ما فعله مرة أخرى، ليهتف بها بنبرة أمرة لا تقبل النقاش:

- تقومي دلوقتي زى الكلبة تحضريلي الحمام والفطار

رمقته بنظرة تمرد أدرك هو معناها جيدا، ولكنها سريعا ما نهضت تاركة الفراش مُستغلة ذلك لكى تبتعد عنه ولو قليلا من الوقت

توجهت إلى المرحاض وأغلقت الباب خلفها بإحكام خوفا من أن يقوم بفعل وقح من أفعاله، بينما رمقها هو بكثير من الحقد والكراهية مُعقبا بتوعد:

- ورحمة أمى لعيشك أيام أسود من اللى أنا عشتها بكتير

❈-❈-❈

خرجت من الحمام  بعد أن أنتهت من تجهيزه له وكادت أن تفر من الغرفة بأكملها، ليسرع هو بالإمساك بها قابضا على ذراعها وجذبها إليه لتكون فى مواجهته:

- رايحة فين؟

سعرت بالقلق والتوتر أثر قبضته وطريقته الغير مريحة تلك، ولكنها سيطرت على نفسها وهى تسحب يدها منه بتحدٍ وقوة نجحت فى إظهارها:

- رايحة أحضرلك الطفح زى ما طلبت، وسيب إيدي

تملكه الغضب الشديد من طريقتها وجرائتها فى الحديث معه، تلك الغبيه تدفعه لقتلها الان ولكن هو لا يحبذ هذه الفكرة حاليا، كل ما يفكر به الان هو أن ينتقم منها ويريها كيف يكون العذاب حقا

رمقها بحدة وتوعد وسريعا ما جذب خصلاتها بيديه، لتتأوه هى بألم كبير لدرجة إنها شعرت وكانه اقتلع شعرها فى يديه، بينما أقترب هو من أذنيها هامسا لها ببرود وهدوء يخطف الأنفاس:

- قصدك زي ما أمرت، أنا مبطلبش أنا بأمر بس، وبعدين مسمهوش طفح أسمه أكل، وكمان الفطار بيكون بعد الحمام يا عروسة

رمقها بنظرة ماكره ثم أكمل:

- وأنا بقى مش جايلي مزاج أستحمى لوحدي

توسعت زرقاوتِها من شدة الصدمة مما تفوه به، لقد أدركت جيدا ما يفكر فيه، لتبتلع ريقها بتوتر مُحاولة الفرار من بين يديه، ولكنه أحكم قبضته عليها جيدا، لتصرخ به بهلع أخرجته فى صورة غضب وهى تزجره بحدة:

- وأنا مالي تستحمى ولا تولع، سيب إيدي بقولك وأبعد عني

ضيق زرقاوتيه وهو يرمقها بالكثير من الخبث والمكر وسريعا ما أنحنى ليحملها وصار متوجها نحو المرحاض لتصبح كالعصفورة بين يديه:

- فى بلد أبويا وأبوكى الراجل لما بيأمر مراته بحاجة بتنفذها بمزجها أو غصب عنها

أوصد الباب جيدا بعد أن دلف بها إلى الداخل ومازال حاملا إياها، ثم أنزلها تحت المياة بقسوة لدرجة إنها كادت أن تنزلق قدميها وتسقط أرضا لولا تشبثها فى صنبور المياه، لترمقه بكثير من الغضب الممذج بالقلق والتوتر صارخة فيه بحدة:

- أفتح الباب وسيبنى أطلع

رمقها بلامبلاة مُعقبا بهدوء:

- أنتي هبلة يا بت ولا أيه؟ مسمعتيش عن المثل اللى بيقول هو دخول الحمام زي خروجه!

كادت أن تصيح به مرة أخرى بينما قاطعها وهو ينحني متخلصا من سرواله الداخلي بمنتهى الوقاحة وكأنها ليست موجودة

بينما شهقت هى بصدمة مما فعله وسريعا ما وضعت يدها فوق عينيها وهى تلتفت موالية له ظهرها بكثير من الخجل، هى لم يسبق لها أن ترى رجلا فى هذا الوضع من قبل، أو مرة ترى فيها جسد رجل عاري من قبل

شعر بالانتصار الشديد وهو يراها بهذا التوتر ولم يستطيع أن يخفي ابتسامته المتشفية بها، ولكنه أراد أن يزيد من غضبها أيضا ليضيف بإستهزاء:

- لا صدقت إنك وش كسوف

جذب يديها باعدا إياها عن عينيها مقربها نحوه بجرأة كبيرة، حينها لاحظ ثقل أنفاسها وصدرها الذى يعلو ويهبط من شدة الارتباك، أزداد شعوره بالرضا من نفسه ورمقها بهدوء على عكس ما بداخلة من كراهية نحوها

اقترب منها بشدة إلى أن أستطاع أن يستنشق رحيق أنفاسها، لا ينكر إنه شعر بقليل من الإثارة لفكرة تواجدها معه فى مرحاض واحد وهو عاري الجسد هكذا، لو لم تكن ألد أعدائه لكان أخذها أسفله على تلك الأرضية ليفعل بها ما يشاء

ولكن سريعا ما تحكم فى نفسه متوقفا عن تلك التخيلات الحميمة التى لا يجب أن يفكر فيها، خاصة تجاه تلك الفتاة فهو لا يريد أن يفعل معها ذلك الشيء، فمن المفترض إنه يشمئز منها ولا يجمعه بها سوا الإنتقام، اقترب من أذنها هامسا لها بهدوء مُضيفا بثبات:

- تروحي تجيبي الشاور والشامبو من على الرف وتيجي هنا عشان تكملي باقى أوامري

لا تدري لماذا إنصاعت لما قاله! هل خافت منه أم تستغل كل فرصة ممكنة للابتعاد عنه حتى لا يقوم معها باي فعل حقير مثله؟

توجهت لإحضار ما طلبه وقامت بوضعه على حافة المغطس الخاص به ثم أدارت وجهها لكى تبتعد عنه، ولكن منعتها قبضته التى حاوطت يديها:

- رايحة فين؟

رمقته بنفاذ صبر من أفعاله تلم صائحة بحدة:

- جبتلك اللى أنت عايزه أهو، عايز مني أيه تانى؟

أجابها بهدوء قاتل وكأن ما سيقوله شيء عادي هاتفا:

- زي أي ست فى حمام واحد مع جوزها، حميني يا مراتي

ضيقت ما بين حاجبيها باستنكار لا تعلم ماذا يقصد ذلك الغبى المغرور! أهو حقا يظن إنها ستلمس جسده وتمرر يدها على جميع أنحائه؟، كلا فهى شعرت بالخجل الشديد من مجرد التفكير فى هذا الأمر

كان التعجب والإندهاش كل ما يظر على تعبير وجهها بالأضافة إلى تلك الحمرة، بينما هو كان مازال محتفظا ببروده وهدوء أعصابه، لتشعر بالغضب تجاهه مدركة ما يفعله، هو يتلذذ بإهنتها وشعورها بذلك الخجل والتوتر أمامه

ييدو أن توترها وصدمتها من كل ما عانته منذ ليلة أمس جعلوه يظن إنها تخاف منه، حسنا إذا لتريه من تكون هى وإنها لا تخشى أحد، رفعت حاجبيها باستنكار مُعقبة:

- ليه! أنت مشلول ولا مكسح؟

جذبها من ذراعها بقسوة وغضب مما تفوهت به مُتحدثا إليها بأسنان ملتحمة مُعقبا:

- لا دي ولا دي بس مزاجى كده، ولو مبتعرفيش أنا ممكن أقلعك هدومك وأعلمك، أيه رأيك؟

توسعت زرقاوتيها بصدمة كبيرة من وقاحته الغير متناهية، لا تعلم ماذا تفعل بهذا المأذق التى تورطت به؟ لماذا يفعل بها هذه الاشياء؟ إلى ماذا يريد أن يصل بتلك الأفعال الحقيرة

ماذا لو رفضت هذا الطلب؟ ماذا سيفعل؟ أحقا سينفذ ما تفوه به؟ ماذا لو أن نفذه حقا! ماذا ستفعل؟ ليس أمامها خيارا أخر، يجب أن تُطيعه وإلا لا تعلم ماذا سيفعل ذلك الوغد

وضعت من هذا المستحضر على يديها وفركته بغيظ شديد وأخذت تمرر يدها على جسده  بغضب وإحتقار وهى تتحاشى النظر إليه

بينما شعر هو بقشعريرة لم يجربها من قبل، لينتابه التعجب مما حدث، هذه ليست المرة الأولى له أن تلمسه إمرأة بل إنه يعتاد هذا الامر، ولكن لماذا شعر بهذا الاحساس الان؟

كانت يدها تتنقل على جسده بسرعة وغضب ولكنه يستمتع بكل لمسة منها، يشعر بالارتخاء بين أصابعها وهى تتنقل بداية من أكتافه هابطة نحو صدره ثم إلى بطنه وتعلو مرة أخرى ليشعر بإعادة الكرة من جديد

ظلت تتلمس جسدة واضعه ذلك السائل عليه مُتحاشية النزول إلى منطقتة رجولته أو مجرد النظر إليها، بينما لاحظ هو هذا الامر ولكنه لم يود أن يجعلها تتقرب منه أكثر حتى لا يفقض السيطرة على نفسه ويأخذها أسفله الان

رمقتة باشمئزاز بعد أن أنتهت من ذلك الامر ومن تجفيفة أيضا بعد أن أمرها بفعل ذلك، أبتعدت عنه وخرجت من هذا المكان قبل أن تقتله، أخذت نفسا عميقا وكانها كانت مُحاصرة بأحد الأماكن وينقطع عنها الهواء

بينما ذهب ليجلس هو على الفراش بمنتهى الغرور والكبر وهو لايزال بتلك المنشفه الملتفه حول خصرة أمرا إياها بمزيد من المكر:

- الهدوم اللى هلبسها عندك على الكنبه هاتيها وتعالي أقعدي تحت رجلي وساعديني ألبس

لقد طفح الكيل، لا تستطيع السيطرة على نفسها بعد الان، يجب أن تريه من يكون أيا كان ما سوف يحدث

اسرعت فى التوجه إلى الأريكة ملتقطة ملابسه ثم عادت إليه مرة أخرى ويبدو عليها التمرض والنفور لتقف أمامة بغيظ شديد مردفة بحدة:

- بقولك أيه أنا فاض بيا وأستحملتك كتير يا زفت أنت، غسلتك أخر تغسيلتك ونشفتك وكمان عايزني أقعد تحت رجلك ألبسك؟ لبسك جن ينططك أنت وأهلك كلهم
1

قالت جملتها الاخيرة وهى تلقي الملابس بوجهه بطريقة مُهينة له، وفى خلال لحظات كانت تشعر بالإرتجاف والفزع من تلك النظرة التى رمقها بها وتحول زرقاوتيه إلى تلك القتامة المُفزعة..
يتبع...
طرق الباب بحماس ولهفة كى يرى عروسته الصغيرة ويعتذر منها على عدم حضوره حفل خطبتها، دلف المنزل مُناديا إياها بحب وإشتياق:

- يا عروسة، أنتى فين يا حبيبة قلبي؟

لاحظ هدوء المنزل الغير مُعتاد عليه وعدم وجود أحدًا مما أثار قلقه، وبلحظة فتح باب المنزل ودلفت منه شقيقته الصغيرة التى كانت يبدوء عليها أثار البكاء وبمجرد أن رأته أمامها شرعت فى البكاء مرة أخرى دون توقف

اسرعت "ملك" بالركض نحوه لتدفن وجهها داخل صدره ولا تستيع أن تقف عن ذلك الإنهيار والإرتجاف، بينما شعر "مالك" بالقلق والرهبة مما فعلته شقيقته ليربط على كتفيها مُحاولا تهدئتها:

- مالك يا حبيبتي بتعيطي كده ليه؟ وفين بابا وماما وديانة!

أجابته بصعوبة من بين شهقاتها وبكائها المرير:

- في فى واحد جيه إمبارح وقال إنه أبن عم ديانة وهددنا بمسدسات وناس كانت معاه وضرب أدهم وأتجوز ديانة وخدها ومشى، بعدها ماما إنهارت وأغمى عليها وبابا أخدها المستشفى وأنا لسه جايه من هناك

توسعت أعيُن "مالك" بصدمة كبيرة، كيف حدث كل هذا خلال ليلة واحدة؟ ترى من يكون هذا الشخص الذى جاء إلى منتصف بيتهم وأختطف شقيقته من منتصف منزلهم؟ هو لا يعترف إنها لديها عائلة سواهم، مهما كان ذلك الشخص سيذهب ويأخذها منه رغما عنه

رمقها بكثير من الغضب الممذج بالقلق من أن يحدث ل"ديانة" شيء مُتسائلا:

- أسمه أيه أبن عمها ده؟

رفرفت بأهدابها بتوتر وهى ترتجف من أثر بكائها مٌعقبة:

- جواد، جواد الدمنهورى

❈-❈-❈

تحذير هام..
هذا المشهد قد يحتوي على ألفاظ ومشاهد عنيفة للبالغين فقط وقد لا تروق للبعض، إذا كنت لا تُحبذ هذا النوع من المشاهد أرجو عدم القراءة..

توسعت زرقاوتاه بكثير من الغضب الذى أعتلى ملامحه التى تصرخ بالجمود والحدة، ليرمقها بضيق ولم يستطع التحكم بنفسه بعد تلك اللحظة، لقد تخطت كل الحدود التى لم يتخطها أحد معه من قبل.

الثوران الشديد هو أقل ما يصف حالته بعد وقاحتها معه، هى بالنسبة له ليست إلا عاهرة مثل تلك العاهرات التى يستأجرهن ليفرغ معهن شهوته بأحقر الطرق المُمكنة والمؤلمة أيضا، وهي واحدة من تلك العاهرات الاتي يجب أن يتعلمن كيف تكون المُعاملة مع أسيادهم.
رماها بنظرة مليئة بالتوعد وقد أمتلأت مُخيلته بأفكار كثيرة لن تتركها سوا وهى تتوسل له أن يرحمها ولن يفعل، هذه الحقيرة ستُحاسب على وقاحتها معه وستتعلم كيف تتحدث إليه مرة أخرى.

كادت "ديانة" أن تُكمل حديثها لتمنعها صفعة قوية أسقطتها أرضا من شدتها ونتج عن أثرها تلك الدماء المُنسدلة من فمها، وتلك ليست إلا البداية بالنسبة له.

اقترب منها جاذبا إياها من خصلاتها البنية بقوة حتى شعرت إنه سيقتلعها من مكانها، كانت كالعصفورة بين يديه بسبب ضخامة جسده مقارنة بها وقوته البدنية أيضا، بينما كانت هي تتأكلها النيران من شدة الغضب والكراهية تجاهه.

كم ودت أن ترد له تلك الصفعة ولكن جذبه لخصلاتها جعلتها عاجزة لا تقوى على فعل شيء بين يديه، لتصرخ به متألمة:

- سيب شعري يا زبالة يا حيوان.

لم تكن كلماتها سوء حافز له لكي ينفذ ما خطر بباله منذ البداية، هي لا تفعل شيء سوا إنها تزيد من حجم غضبه الذى سيفتك بها الأن ويجعلها تصرخ مستنجدة بأحد ينقذها من بين يديه.

بينما هو فقد أصبح كحمم البركان الذى على وشك الإنفجار ولن تسلم من بين يديه إلا عندما ينتهي من تلقينها درسً قاسً يجعلها ترتعب كلما سمعت صوته أو رأته، بينما أخذ يتقدم نحوها بمكر شديد لتصيح هى بقلق:

- لو قربت مني خطوة كمان هقتلك يا كلب يا حقير

انهال عليها مُمسكا قميصه الذي أنتشله من وسك ملابسه التي كانت موجودة فوق الفراش، وذلك لكي يُحكم به يديها حتى يتمكن من تأديبها دون حركة منها لدفاع عن نفسها، أنتهى من تكبيل يدها ثم جذبها مرة أخرى من شعرها مُعقبا بأسنان ملتحمة من شدة غيظه:

- أنا هوريكي الحقير ده هيعمل فيكي أيه يا بنت الكلب.

دفعها بشدة على الفراش وصعبت عليها الحركة جدا بسبب يديها المُكبلة، بينما ازداد حقدها وكراهيتها الشديدة تجاهه.

لم يكن يرتدي بعد سوا تلك المنشفة الملفوفة حول خسره بينما باقي جسده كان عاري تماما، أمتدت يده لنزعها بعيدا عنه، ليصبح عاري تماما أمامها.

شهقت بخجل وفزع فى نفس الوقت، ولديها كامل الحق فى هذا، بسبب ذلك الوضع الذى هي فيه، نائمة فى فراشه مُكبلة الأيدي، بينما هو عارى تماما هكذا، يبدو وضع غير مريح بالمرة! لتصرخ فيه بريبة وقلق:

- أنت بتعمل إيه يا مجنون أنت؟

رمقها بنظرة حادة وثاقبة جعلتها تبتلع من شدة إرتباكها مُضيفا:

- أنا هوريكي الجنان اللى على أصوله دلوقتي

التقط سرواله الداخلي من بين كومة الهدوم التي قذفتها في وجهه منذ برهة، بينما شعرت هى بالحرج من تفكيرها وإندفاعها فيما قالته.

أستغلت إنشغاله بإرتداء ذلك السروال وعافرت عازمة على النهوض من هذا الفراش قبل أن ينتهي، بينما لم يسعفها الوقت وكان قد أنتهى بالفعل من إرتدائه تلك القطعة فقط.

اقترب منها بهدوء دون التفوه بكلمة رامقا إياها بنظرة ثاقبة لم تستطيع أن تُفسرها أو تُدرك معناها، ودفعها مرة أخرى لتستقر على الفراش، ليزداد توترها ولم تستطع التماسك أكثر من ذلك وهي تراه بهذا الشكل لتصرخ فيه بإنفعال شديد:

- فكني حالا وبطل شغل المجرمين بتاعك ده.

لاول مرة ترى تلك البسمة المبهمة على وجهه والتي لم تلامس عيناه حتى إنها لم تعي معناها، ليأتها صوته الرخيم مردفا بحدة بعد أن تلاشت البسمة من على شفتيه:

- هو أنتي لسه شفتي حاجة من شغل المجرمين!!

أخذ يدور حول الفراش ليزيد من توترها وإربكاها، ولطالما كان الضغط النفسي والشعور بالرهبة أبشع بكثير من العذاب الجسدي والشعور بالألم، أستقر أمام زرقاوتيها مباشرة ليرى نظرة التحدي لم تفارق خاصتيها

تلك الفتاة تبدو قوية حقا بالرغم من الارتباك والقلق الوضحان على حركة جسدها، إلا أن عنيها لم تفقد نظرة التحدي والجمود تلك، حسنا لنلعب يا صغيرتي، أضاف مبتسما باستهزاء:

- تعرفي، أنا كنت ناوي أقتلك أول ما ألقيكي، بس بعد ما شوفتك وشوفت نظرة التحدي والكبرياء دي فى عنيكي فكرت فى فكرة أحسن بكتير، قولت لازم أكسر غرورك وكبريائك دول وأذلك وأخليكي تنزلي تحت رجلي وتترجيني عشان أرحمك وأموتك، ولما أبقى أمِل من اللعبة دي أبقى أموتك.

رمته بكثير من الحقد والكراهية ولا يزال العند والكبرياء مُلازمين ملامح وجهها، لتقابله بإشمئزاز شديد قائلة:

- أنا مش هقولك أنت عايز تنتقم مني أو تقتلني ليه؟ ولا هخاف منك ومن تهديداتك دي، أنا هقولك جملة واحدة بس، أنت بتحلم، أنا عمرى ما هكسر نفسي لحد، ولو عايز تقتلني متضيعش وقتك وأقتلني دلوقتى، عشان أنا مش هعمل اللى أنت مستنيه ده.

ابتسم بمكر وشر وأصبحت نظرة عيناه حادة تجعل من يراها يشعر بالرهبة والفزع، ولكنها تماسكت وحافظت على ثباتها أمامه، ليعقب هو بتحدي:

- هنشوف!!

أثنى ركبته فوق الفراش وهو يتجه نحوها بينما يديه الأثنان يعبثان بكومة الملابس بجانبه، لتشعر بالفزع من محاولته لتقرب منها وهى لا تدرك ماذا يدور فى رأسه؟ زجرته بحدة وإنفعال:

- أنت بتعمل إيه يا حيوان يا زبالة أنت؟ أبعد عني بدل مع أبهدلك

- تبهدلي مين يا واطية يا بنت الواطية، طب وريني بقى هتبهدليني أزاى وأنا بعيد تربيتك من أول وجديد عشان أنتي ملاقتيش راجل يربيكي.

تفوه بتلك الكلمات وهو يسحب حزامه الجليدي من جانب بنطاله بغيظ كبير مما جعل قلبها يرتعب مما أستمعت إليه، لماذا يمسك بذلك الحزام!! ماذا ينوي أن يفعل بها!!

- أبعد عني بقولك.

قالتها بصراخ بينما قام هو بثني حزامه لكي يُزيد من شدة وقوة ضربته رامقا إياها بنظرة توعد وغضب قائلا:

- اللي يغلط يتحاسب وأنتي غلطتي بدل الغلطة عشرة، عشان كده هحاسبك ومش هسيبك غير وأنتي بتبوسي رجلي عشان أرحمك.
1

ارتفعت يده بهذا الحزام لأعلى ما أمكنه ثم تهاوى به فوق جسدها بقوة شديدة، لتصرخ هى بألم لم تشعر به من قبل وظنت أن لحمها قد تمزق من شدة تلك الضربة

لم يترك لها هُدنة حتى تأخذ نفسها ليُفاجئها بالجلدة الثانية التى أشعرتها بلهيب النيران فى ثائر جسدها، لتصرخ به مُحاولة إيقافه عما يفعل:

- آآآه  كفاية  أنت بتعمل كده ليه؟

لم يكترث لصرخاتها التى تكاد تصل إلى خارج المنزل ولا لسؤالها الذى لم يُجيبهاوعليه إلى الأن، ليزداد من حدة ضرباته لها، ليتهاوى عليها بالجلدة الثالثة مُضيفا:

- بعلمك الأدب اللي محدش علمهولك، ومش هبطل ضرب فيكي لحد ما تتأسفي وتترجيني إنى أرحمك
على الرغم من أن تلك الجلدات لا ترأف بها وتشعرها بكثير من الألم الذى تجربه لأول مرة فى حياتها، إلا أن ألم كبريائها وكرامتها سيؤلماها أكثر إذا أستمعت لما يقوله، لن تذعن له حتى لو ضربها بالرصاص:

- نجوم السما أقربلك، عمرك ما هتسمع أي حاجه من دول مني حتى لو هتموتني.

شعر بالكثير من الغضب ليُناولها الجلدة الرابعة بقسوة تفوق هؤلاء الذين سبقوها، ليتمزق حلقها من شدة الصراخ من تلك الضربة التى توزعت على ثائر جسدها، مما يجعل أى شخص مكانها يصرخ بطلب الرحمه والعفو، ولكنها ليست بهذا الضعف خصيصا عندما يصل الأمر إلى كبريائها، لم تكن ضعيفة يوما ولذلك لن تضعف أمام قسوة وجبروت هذا الشخص، ستُحارب فى سبيل الحفاظ على كبريائها حتى ولو كان أخر يوم فى حياتها.

ظلت تصرخ بألم على أثر تلك الجلدات التى تتهاوى عليها تاركة تلك العلامة الحمراء على جسدها الحليبى، بينما هو لم يعد يحتمل ذلك الغضب وأخذ يجلدها بغضب وقسوة أكبر لدرجة أن بعض الأماكن بجسدها أوشكت على الإنفجار بالدماء.

بينما ظلت هى تصرخ ببكاء وألم مُنهالة عليه بالشتائم ولكن دون فائدة، هى وقعت بين يديه الان ولن يتركها سوى بخروج روح أحدهما!

تصرخ بكل ما بها من قوة إلى أن تمزق حلقها من شدة الصراخ وأخذت تصيح به فى بصراخًا وبكاء مرير:

- كفاية بقى  أبعد عني  يا كااافر  أنا بكرهك.

لم يكترت لتلك الكلمات أو لهذا الصراخ الذى كان يصدع بالمنزل بأكمله، بل أزداد غضبة أكثر وأزاد من شدة ضربه لها لاهثا بحدة:

- ولسه هخليكي تكرهيني أكتر وهوريكي يا بنت لبنى الوسخة وهفضل أبهدلك لحد ما روحك النجسة تطلع فى أيدي يا واطية.

لم تتبين تلك الكلمات التى تفوه بها لتو، هي لم تعد تستمع إلا لتلك الضربات المُتهاوية على جسدها وصُراخها الذي مزق حنجرتها وذلك الدوار الذي تملكها حتى قاربت على فقدان وعيها من كثرت الألم والصراخ:

- سبني بقى معتش قادرة أستحمل، كفاية بق...

ثقلت رأسها بشدة وفى لحظة سقطت هي الأخرى وانقطع صوتها مرة واحدة بعد أن فقدت وعيها من كثرة الألم وتلك الدماء التى تخرج من بعض الأمكان فى جسدها.

توقف رامقا إياها بأشمئزاز وأحتقار وسريعا ما ألقى بالحزام بعيدا عنه وهو يزفر ببعض من الراحة.

ابتعد عنها ملتقطا هاتفه المحمول ثم بدأ بالبحث عن رقم ما وأتصل به غير مكترثا لما فعله بها، وبمجرد أن أتاه الرد صاح بحدة وتصلط:

- هاتلي دكتور وتعالى على فيلا برج العرب دلوقتي حالا.
2

أنهى إتصاله دون الإنتظار لسماع رد "إياد" الذى صُعق من طلب "جواد"، بينما هو نظر لها بكثير من الغضب والتوعد هاتفا بعد أن ألقى الهاتف بجانبها:

- مش هسسيك تموتي بالسهوله دي، أنا لسه ببدأ معاكي ولسه محسستكيش بربع اللى أنا حسيت بيه بسببك أنتي وأمك.

❈-❈-❈

يجلس الجميع حول طاولة الطعام يتناولون الافطار وكلا منهم منشغلا فى ما يخصه، فهم ليسوا بالاسرة المحبة للمناقشة وتبادل الأحاديث والأقوال، كل منهم لديه عالمه الخاص به الذى يشغلة ويروق لهم أيضا حوار أنهم لا يتبادلوا الاراء، فكل منهم لديه وجهة نظره الخاصة التى تبعد كل البعد عن وجهة نظر الأخرين..

كانت "زينة" ممسكه بهاتفها منشغلة فى الحديث مع صديقتها عبر أحد مواقع التواصل الإجتماعى، هى لا تكترث لهذا الحديث بين والدها وزوجته التى تكون خالتها شقيقة والدتها المتوفية، بل تتجنب التعامل معها على قدر المستطاع

هى لا تجد بينهم لغة حوار على عكس "ماجدة" تماما، فهى عندما توجه الحديث إليها فيما يخصها تشعر بالتأثر والأهتمام للاستماع إليها، على الرغم من كونها لا تستطيع الكلام ولا الحركه، إلا إنها حنونة وذو قلب طاهر ونقى

أما بالنسبة لتلك المرأه المغرورة "هناء" فهى لا تتاثر بشيء، لطالما كانت قاسية كالحجارة لم يرها أحدا تبتسم سوا مرات معدودة تكاد تكون مرة كل عدة اعوام، هى جافة المشاعر،حادة الطباع وهكذا ربت "جواد" على ان يكون مثلها، حاد الطباع، قاسي القلب، جاف المشاعر، مغرور لا يحب ولا يحن ولا يكترث لمن حوله، ماذا تنتظر من طفل كبُر وترعرع على يد امرأة كهذه

بينما "هاشم" كان يتفقد حسابه على أحد المواقع مُتابعا أخر الأخبار فى مجال عمله وهل مازالت شركته تتصدر المركز الاول بين شركات العقارت فى الوطن العربي؟ ومن أهن المراكز الاولى عالميا فى هذا المجال أم تغير شيء!!

انتهى الجميع من تناول الطعام وشرعوا فى النهوض مستعدون لبدء يومهم، بينما انتبهى الجميع لصوت جرس باب القصر يصدع بقوة وكل هذه الطرفات التى كادت أن تخترق هذا الزجاج، ليفزع الجميع من تلك الهمجيه، بينما أسرعت العاملة فى الذهاب لفتح الباب

دلف "مالك" بكثير من الغضب والتوعد لهذا الحقير الذى أقتحم منزله ليلة أمس وأخطتف أخته، عازما على أن يُكسر عظام راسه وأخذ أخته والعودة بها إلى منزلهم، ليصيح بصوتٍ عالٍ مناديا إياه بتوعد:

- أنت ياللى أسمك جواد، أنزلي هنا زي الرجالة

صُدم الجميع من كلمات هذا الشاب الغريب الذى لم يسبق لهم أن يروا من قبل، على أية حال هذا إما هو مجنون وفقد عقلة تماما ليأتي ويقول مثل هذا الحديث ل"جواد الدمنهورى"؟ أو إنه لا يعرف جيدا من يكون هو الشخص الذى يناديه، والذى بالمناسبة هو محظوظ جدا لعدم وجوده بالمنزل والإستماع لما قاله، وإلا لما كان أستطاع أن يخرج مرة أخرى على قدميه

رمقة "هاشم" بحدة وإنزعاج مما تفوه به، من هذا الذى يتجرأ ويدخل إلى قصرِه بتلك الهمجية ويتحدث عن إبنه بتلك الطريقة، صاح زاجرا إياه بإنفعال شديد مستفسرا:

- أنت مين؟ وأزاى تدخل بيتي بالطريقة دي؟ وعايز أيه بالظبط من جواد؟

أجابه "مالك" بكثير من الغضب والنيران تطاير من بُنيتيه بإنفعال شديد:

- زى ما أبنك دخل بيتي فى غيابي وخطف أختي وضرب خطيبها وهدد أهلي بالسلاح.

خمن "هاشم" أن هذا الشاب قد يكون أبن تلك العائلة التى كانت تمكث عندهم أبنة أخيه، ليغمض عينيه مُحاولا إستدعاء الهدوء السيطرة على أنفاسه الغاضبة، بينما هتفت "زينة" بصدمة مما أستمعت إليه مستفسرة:

- جواد خطف أختك أزاى يعني! وهيخطفها ليه أصلا هو زعيم عصابة؟ وبعدين مين هى أختك دي؟!

كاد "مالك" أن يزجرها بها بحدة بسبب طريقتها التى تتحدث بها إليه، ليوقفه صوت "هاشم" الذى صاح بثقة وكان ما حدث شيء عادي:

- أولا هو مخطفهاش هو أتجوزها، ثانيا هى مش أختك هى بنت أخويا، ثالثا هى ملهاش خطيب غير جواد من وهى فى بطن أمها، رابعا أطلع برا بدل ما أخلى الامن يجى يشيلك ويرميك برا

أزداد غضب "مالك" مما تفوه به ذلك الرجل، وكم تمنى أن يُلكمه فى وجهه ردا على ما ثرثر به، متى تذكر إنها تكون أبنة أخيه؟ أين كانوا طوال تلك السنوات؟ أليست تلك الفتاة التى لم يريدوا أن يعترفول بها وكانوا يخططون لقتلها؟ لن يتركهم ليفعلوا بها شيء

بينما "زينة" قد شعرت بالصدمة مما أستمع إليه، عند من يتحدث والدها وذلك الشاب! أية أبنة عم يتحدثون عنها! هل لديها أبنة عم سوا هذه ديا..، كلا هل حقا تزوج "جواد" من هذه الفتاة الذى تدعو "ديانة"؟ كيف له أن يفعل هذا! أليست هذه أبنة المراة التى أدخلت الحزن والتعاسة إلى هذا البيت وكسرت قلوب جميع من فيه وتركت لهم جرح لن يُنسى قبل وفاتها؟

كيف تزوجها وهو لطالما كان يود أن يقتلها؟ هى بالطبع ترفض تلك الفكرة وتعرف أن "ديانة" ليس لها أية ذنب فيما فعلته والدتها، ولكن كيف تغير رأى "جواد" هكذا وتزوجها! أم إنه تزوجها حتى ينتقم منها ويُذيقها شتى أنواع العذاب؟ كانت شارده تفكر فيما أستمعت إليه، بينما أفاقها صوت "مالك" الصارخ بغضب فى وجه "هاشم":

- بقولك أيه الكلام ده ميدخلش عليا، دلوقتي بقت بنت أخوك؟ ولا عايزين تخلصوا عليها؟ أنا مش همشي من هنا إلا وأختي معايا وإلا هبلغ عنكوا وأوديكوا فى ستين داهية

ابتسم "هاشم" على كلماته بسخرية قائلا:

- وهتبلغ تقولهم أيه بقى! أنا عايز أختي اللى هى مش أختي عشان عمها وأبن عمها اللى هو جوزها خدوها مننا

كاد "مالك" أن يفقد أعصابه وينهال على هذا الرجل المغرور ويجذبه من رقبته إلى أن يخبره أين "ديانة"، ولكن سريعا ما تدخل رجال الأمن ممسكين به دافعين إياه لخارج المنزل بعدما أن أخضرتهم "هناء"، بينما صاح "مالك" بغضب مُهددا إياهم:

- أنا مش هسكت وهبلغ عنكوا وهفضحكوا قدام الدنيا كلها وهعرفة أخدها غصب عنكم

أسرع "هاشم" فى التوجه الى مكتبه مغلقا الباب خلفه بحدة هاربا من إبنته التى لن تجعل هذا الموضوع يمر مرور الكرام، بينما نظرت هى إلى والدها وهو يسير نحو مكتبه بعتاب حتى أختفى من أمامها، لتحول نظراتها تجاه "هناء" التى يبدو عليها الرضا الشديد مما يحدث، لترمقها بغضب ثم التقطت حقيبتها وأسرعت فى الخروج من هذا المنزل الذى لم تعد تفهم به شيء

❈-❈-❈

أنتهى الطبيب من فحصها بعانية لمعرفة إن كانت تعاني من أية نزيف داخلي أو أية مشكلة تستدعي نقلها إلى المشفى، ومن المؤكد أن هذا الطبيب الخاص ب"جواد" والذى يُحضرة كلما لُزم الامر

بالطبع لاحظ الطبيب علامات أصابع يده على وجهها أثر صفعات كثيرة تهاوت على وجهها، بالإضافة إلى تلك الجلدات التى من الواضح إنها نالت جزء كبير جسدها إن لم يكن جسدها بأكمله، يبدو إنها تعرضت للكثير من العنف إلى أن فقدت وعيها، يالها من مسكينة حقا

رمق الطبيب "جواد" ببعض من العتاب وكم تمنى لو يستطيع أن يصرخ به عما فعله بتلك المسكينة، ولكنه سريعا ما تذكر من يكون هو "جواد" وما يمكن أن يفعله به لو صدر منه ما لا يقبل به

عمل جاهدا على أن لا تظهر نبرة العتاب ولا الملامح المنزعجة عليه وهو يتحدث إليه مستفسرا عما حدث، حتى يكسب الوقت إذا كان هناك شيء يستدعي ذهابهم إلى المشفى، شيء كاغتصابه لها مثلا وإلا لما ليفعل بها هذا؟
- جواد بيه بعد إذنك ممكن أعرف أيه اللى حصل بالظبط عشان لو فيه حاجه ألحق أتصرف؟

رمقة "جواد" بهدوئه المعتاد عاكسا تلك الضجة الكبيرة التى تحدث بدخله، ماذا يقول له؟ أيخبره إنه أخذ يصفعها ثم كبل يديها وانهال عليها بكثير من الجلدات إلى أن فقدت وعيها وكل هذا دون مبرر؟

أم يخبره إنه كان ينتظر فرصة صغيرة كى يبدأ معها بلعبة الجلاد والضحية؟ بالطبع لن يقُل هذا الهراء، ليس من حق أحدا أن يتدخل بينه وبينها، هى ملكه وله كامل الحق ان يفعل بها ما يشاء، هذه الفتاة أبنة المرأة التى أفقدته والدته وطفولته وحياته بالكامل، وقد حان الان موعد الانتقام

زفر "جواد" بعمق مُحاولا إستعادة هدوئه وثباته مُجيبا إياه بإستهزاء:

- وأنت مستنيني أعرفك شغلك بيتعمل أزاى؟

حمحم الطبيب بحرج من إستهزاء "جواد" به وأضاف موضحا ما يود أن الإستفسار مستحضرا شجاعته، وها قد تناسى خوفه لان إذا كان ما يفكر به حدث بالفعل فتلك الفتاة تحتاج النقل إلى المشفى فى الحال:

- يا جواد بيه البنت اللى قدامي واضح جدا عليها أثار الضرب والعنف، وواضح إنها كانت متكتفه، وأظن كل ده بيوحى لشئ واحد بس، إن دى مُحاولة اغتصاب ولو كان ده فعلا حصل لازم تتنقل للمستشفى حالا و..

أسكتته لكمة شديدة من "جواد" ليسقط أرضا مرطتما بتلك الزهرية الموضوعة فوق هذه المنضدة لتسقط هى الأخرى أيضا، لينحني "جواد" ممسكا إياه من عنقه بحدة

كان ليلفظ أنفاسه الأخيرة بين يديه، ولكن من حسن حظه أن "إياد" كان يقف بالخارج واستمع إلى تلك الضجة وتدخل بالوقت المناسب وإلا كان قتله "جواد" بين يديه

فصل "إياد" بين "جواد" وهذا الطبيب مُحاولا تهدئة صديقه إلى أن نحج فى التفرقة بينهم، أيتعد الطبيب وهو يلهث مُحاولا تنظيم أنفاسه بعد ما فعله به الأخر

صاح "إياد" موجها حديثه نحو الطبيب مستفسرا عما حدث وما الامر الذى جعل"جواد" ينهال عليه هكذا؟

- ممكن أفهم أيه اللى حصل يا دكتور؟

مسح الطبيب على عنقه محاولا فك تشنج عضلات رقيته إثر شدة قبضته "جواد" مُحاولا تفسير الأمر له:

- يا إياد بيه أنا قدامي حاله واضح إنها تعرضت للضرب والعنف الشديد وإيدها الأتنين واضح عليهم إنها كانت مربوطة ده غير حالة الإغماء اللى هى فيها، وده بيثير الشكوك حول إن دى مُحاولة اغتصاب، ولو كان ده فعلا حصل لازم تتنقل المستشفى فورا لان وارد يكون حصل نزيف أو تهتك فى الرحم وده خطر جدا، هو ده كان سؤالي لجواد بيه؟

رمي "إياد" صديقه بنظرات من الغضب والعتاب قبل أن يوجه حديثه نحو الطبيب مُعتذرا:

- أنا أسف جدا يا دكتور، بس ممكن حضرتك تستنى برا دقيقة واحدة

تفهم الطبيب حديث "إياد" وإنه سوف يستفسر منه عما حدث؟ ليخرج الطبيب من الغرفة منتظرا بالخارج، بينما توجه "إياد" بنظرات العتاب نحو "جواد" الذى أدرك ما يدور بعقل صديقه، ليصيح به هو الأخر بغضب:

- أيه عايز تعرف أنت كمان إذا كنت نمت مع مراتى ولا لا؟

زفر "إياد" بيأس من طريقة صديقه، بينما حاول إنتقاء كلماته كى لا يغضبه أكثر:

- جواد أنا وأنت صحاب من زمان وعمرى ما فكرت أدخل فى أمور عيلتك والتطفل عليكم ولا عمرى هعمل كده، بس البنت دى لو حصلها حاجه هتقع فى مشكلة كبيرة خصوصا بعد اللى حصل إمبارح، ولو فعلا عملت كده لازم نعرف الدكتور عشان يلحق يتصرف!

رمقة "جواد" بنظرة منزعجة ولكنه أقنع نفسه بحديث "إياد"، ليزفر بملل من ظنهم فيه بإنه سوف يمارس معها شيئا، هو يشمئز منها فكيف له أيمارس معها شيء؟

أغمض "جواد" عينيه مردفا بهدوء مُصطنع:

- لا، مقربتش منها، خلاص كده!!

شعر "إياد" بالغضب من مراوغة صديقه معه فى الحديث ليعقب بإستفسار:

- أومال أيه اللى حصل يا جواد؟

تنهد "جواد" بملل من كثرة أسئلة "إياد" له وإنه لا يترك له مفر، ليشعر بإنزعاج من تلك الثرثرة عازما على أن يخبره ما حدث حتى يتخلص من تلك المسرحية:

- ضربتها يا إياد اتكلمت معايا بأسلوب وحش فضربتها، أرتحت؟

رمقه الاخر بنظرات شك مردفا باستفسار:

- طب وربط إيدها ليه وضربتها أزاى عشان يغمى عليها كده

إنزعج "جواد" كثيرا من ذلك الحديث ليقرر أن ينهيه مُفصحا بالأمر لصديقه، الذى لاول مرة يراه غاضبا بهذه الدرجة:

- بالحذام يا إياد، ضربتها بالحذام، قلت أدبها عليا بنت الكلب قطعت هدومها وربط إيدها بيها وجبت حذامي ونزلت عليها بيه لحد ما أغمى عليها، وكان نفسى أفضل أضربها لحد ما روحها تطلع فى ايدى بس لسه مش هموتها دلوقتى، لما أخلص انتقامي كامل منها وأحس إني شفيت غليلي وقتها بس هموتها وأريحها.

فزع "إياد" من هيئة صديقه المفزعة والتى لم يرَه بها من قبل، بالإضافة لتلك الطريقة التى ضرها بها، لولا إنه صديقه منذ الطفولة وأنه يعلم حقيقة الأمر ويلتمس له العذر، لكان صفعه بقوة وأخذ تلك المسكينة ورحل الأن، ما ذنبها فيما فعلته والدتها! لما يجعلها تدفع تمن أخطاء غيرها وهى لم تفعل شئ؟
1

لم يرِد "إياد" أن يفتح معه مجال للمناقشة الان، فعليه أن يخرج لطبيب ليخبره ما عليه فعله بالضبط.

❈-❈-❈

- لو سمحت

التفت إليها وهو لايزال يشعر بالكثير من الغضب عازما على أن يعرف مكان شقيقته ويخلصها من بين يدي ذلك الحقير الذى أرغمها على الزواج منه ولا يعرف ما هى نوياه تحاهها، حول عينيه نحو مصدر الصوت وبمجرد ما تقابلت عينيهما صاح فيها بحدة وتوعد:

- أعرفي إني مش هسكت ومش هسيبكوا فى حالكوا وهعرف أجيب اختى وأوديكوا فى ستين داهية

حاولت "زينة" تهدئته كى تفهم ما الذى حدث بالضبط؟ وإذا كان هناك طريقة تستطيع أن تنقذ بها شقيقها وتلك الفتاة قبل أن يفعل بها شيء ويدمر مستقبله، لتضيف بهدوء:

- طب ممكن تهدى وترد على أسألتي اللى هسألهالك دي وبعدها أوعدم هاخدك وأخليك تشوفها، أنا عارفة جواد ممكن يكون أخدها على فين

صمت قليلا كي يفكر هل عليه أن يثق بها وبحديثها! أم هي تُعطله حتى يستطيعون فعل شئ ب"ديانة" قبل أن يصل لها؟ ولكنه أستشعر صدقها عندما نظر إلى أعماق زرقاوتيها الصافيتان، زفر بقليل من الاطمئنان فعلى ما يبدو إنها فتاة بريئة ولم تكن تعرف شيئا عما حدث.

تنهد باستسلام لفكرة أن يثق بها ويستمع لما قالته، ليس أمامه خيار أخر ليضيف بإيقتضاب:

- عايزة تسألي عن أيه؟

هتفت ببعض من الذوق والإحترام:

- طب ممكن نروح نقعد فى مكان هادي عشان اللي عايزة أسالك فيه كتير أوي!!

شعر بالتشتت لقليل مما تطلبه منه، ماذا تريد تلك الفتاة! وهل حقا ستأخذه إلى مكان "ديانة" كي يطمئن عليها! أم إنها تكذب عليه وتخاول أن تقع به فى فخً ما، ولكنه قرر أن يثق بها وإن لم تكن جديرة بالثقة تلك! سوف يجعلها تندم أشد ندمًا.

أومأ لها بالموفقة وسريعا ما توجها إلى أحد المقاهي لتناول الحديث فيما بينهم، كان الكثير والكثير من الأسئلة تدور برأسها لا تعلم من أين تبدأ؟ أو حتى ماذا تفعل؟ أهى تُحاول أن تجد أجوبة لأسئلتها عن الفتاة أبنة المرأة التي قتلت والدتها!! أم إنها تُحاول حماية شقيقها من أن يفعل شيء ما يُقع به فى أحد المصائب؟

رمقها "مالك" بنفاذ صبر بعد أن وصلَ إلى هذا المقهى منتظرا منها أن تبدأ فى حدثها بعد أن طلب كلا منها القهوة المميزة له، ليبدأ الحديث مستفيرا:

- ها! أتفضلي، عايزة تسألي عن أيه؟!

أغمضت عينيها مُحاولة أن تتناسى إنها تُحاول أن تسأل عن أبنة المرأة التى قتلت والدتها، بل إنها تسأل عن أبنة عمها، تلك الفتاة الصغيرة الغائبة منذ أكثر من عشرون عاما، لتزفر مستفسرة:

- هو أنتوا لقيتهوها أزاي؟ أو أصلا تعرفوا لبنى منين وجاتلكوا أمتى!!

ضيق ما بين حاجبيه بإستنكار مضيفابإستفسار:

- لبنى مين؟

أجابته مُعقبة بتوضيح:

- لبنى مامة ديانة.

هز رأسه بالإنكار هاتفا:

- أحنا إن مامة ديانة اسمها لبنى، أحنا أصلا مشوفناش مامتها دي أبدا.

أخذ نفسًا عميقًا بعد أن قرر إخبارها ما تريد أن تعرفه حتى ينتهي من هذا الحديث ويذهب كي يعرف مكان "ديانة" ليضيف موضحًا:
- كان بابا وماما راجعين من إسكندرية على القاهرة وكانوا مسافرين فى القطر، كنت أنا وقتها عندي تمن سنين، بابا وقتها لقى مكان كويس فى القطر نقدر نقعد فيه، قبل ما نقعد لقينا شنطة كبيرة وفيها بيبي، ماما فتحتها لاقتها ديانة وكان معاها ظرف، الظرف ده كان فيه ورقتين بس، شهادة ميلادها ورسالة من ولدتها بتقول:

" أنا عارفة إن مكنش ينفع أعمل كده بس والله العظيم غصب عني، لازم أعمل كده عشان بنتي تعيش، أنا كنت متجوزة رجل محترم جدا ومن عيلة كبيرة، خلفت منه البنت دي وتوفى من يومين وأنا أكتشفت إني عندي مرض وحش وفى المرحلة الأخيرة وخلاص هموت، أهل جوزي كانوا مقاطعينه عشان أتجوزني ولما عرفوا إنه مات خافوا إني أطلب ورث بنتي وعرفت إنهم عايزين يقتلوها بعد ما أنا أموت، بالله عليكوا اللى يلاقي بنتي يحميها ويبعد بيها عن أهلها حتى لو هتودوها لناس مبتخلفش يربوها، شهادة الميلاد دى بس عشان تصدقوا إني بتكلم جد وإنها مش بنت حرام، أرجوكوا أحموا بنتي وابعدوها عن أسكندرية كلها. "

- كدابة وظالمة وزبالة

صاحت "زينة" بتلك الكلمات بعد أن انهمرت الدموع من عينيها وشرعت فى البكاء بهستريا كبيرة عند تذكرها لهذا الحادث الأليم الذي حول منزلهم من ذلك المنزل السعيد إلى واحد أخر ملئ بالتعاسة والألم

بينما صُدم "مالك" من تلك الكلمات التى صرخت بها "زينة" ومن كل هذا البكاء الذي لم يستيع تفسيره! ليُخرج بعض المحارم الورقية من جيب بناله وأعطاها لها لكي تجفف دموعها.

لا يعلم لماذا بكائها شعره بالحزن والإكتراث؟ لماذا تأثر بها هكذا وهو لا يعرفها أو حتى  سبق له رؤيتها سوى من بضع ساعات! لماذا إذا يشعر بذلك الضيق من رؤيتها تبكى!! ليضيف مُحاولا تهدئتها:

- طب أهدي طيب، فهميني كدابة فى أيه؟!

صرخت "زينة" فى وجهه بحرقة ولاتزال دموعها تنهمر دون توقف مُعقبة بألم:

- عشان هي اللي قتلت ماما.

••

- ماما يا ماما.

دلف "جواد" إلى القصر وهو يُنادى على والدته، بينما أستوقفة صوت الشجار من الطابق العلوى ويبدو أنه صوت والدته!!

كاد "جواد" أن يصعد الى هذا الطابق ليعرف ماذا يجرى!! ولماذا يتشاجرون بهذه الطريقة!!

أوقفه صراخ والدته وهى تسقط من أعلى الدرج لتقع أمام عيُنيه أرضاً مُلقاه على بطنها فاقدة النطق أو الحركة، والدماء تسيل من بين قدميها، بينما تقف "لبنى" فى الأعلى ويبدو عليها الصدمة والفزع، لتنظر خلفها وترجع إلى الوراء بسرغة بمزيد من الفزع والذُعر.

صاح "جواد" بكثير من الخوف والفزع صارخا:

- مامااا.

أسرع "جواد" فى الركض نحو والدته، بينما وجد "ماجدة" تسقط هي الاخرة ولكن ليست من الدرج، بينما تهاوت من فوق درابزين السُلم من الطابق العلوى مُلقاة على رأسها، ليصرخ هذا الطفل الصغير بكثير من الفزع والهلع مُستنجدا باحد متأثر ببركة الدم الذي أقتحمت ساحة القصر.

- خالتو هنااء الحقيني يا خالتو.

صرخت "هناء" بكامل صوتها بكثير من الذُعر والهلع:

- أيه ده!

بينما لبنى وقفت مُصعقة مما حدث فى لحظة واحدة، لتُسرع فى هبوط الدرج راكضة نحو "ماجدة" التي بدت وكأنها فارقت الحياة من كثرة الدماء التي سالت من رأسها، بينما "تهانى" كانت لاتزال تتمتم ببعض الكلمات حتى غابت عن الوعي تماما.

صرخت "هناء" بوجه "لبنى" والدموع تنهمر من عينيها:
1

- حرام عليكى يا لبنى ليه تعملى فيهم كده؟ عشان لعب عيال صغيرين تعملى فى أختي وبنت عمي كده، منك لله يا لبنى أختي بتموت

أتسعت عيني "لبنى" بمزيد من الصدمة التى لاتزال تسيطر عليها وحاولت أن تتحدث مُجيبة إياها مُدافعة عن نغسها، ليقاطعها صراخ "زينة" التي دلفت القصر بصحبة والدها "هاشم" الذى صُعق من ذلك المنظر الذي يراه، زوجته وشقيقته مُلقاتان أرضا وكلا منهما تنزف الكثير من الدماء وما صدمه أكثر ما تفوهت به "هناء"، ولكنه أسرع فى الركض تجاههم صارخًا فى "هناء" أن تتصل بالاسعاف وب "شرف" على الفور.

أسرعت "هناء" فى التوجه نحو الهاتف وطبعت أحد الأرقام ليأتها صوته لتصرخ بألم وحرقة:

- الحقنا يا شرف، مراتك قتلت أختي وأختك يا شرف.

•••

أزداد بكائها ونحيبها عند تذكر ذلك الحادث المرير الذي ترك لهم الكثير من الجروح التي مذقت أرواحهم جميعا

بينما صُعق "مالك" من هذا الحديث الذي يستمع إليه لأول مرة وأخذ صراعًا بداخله من كثرة الأسئلة، هل حقا والدة "ديانة" فعلت كل ذلك!! حقا قتلت شقيقة زوجها وزوجة شقيق زوجها!! ولكن لماذا؟ أيُعقل تن يتسبب شجار بين النساء داخل منزل عائلي فى وقوع كارثة مثل هذه ينتج عنها مقتل أحدهم؟ كيف سيُخبر "ديانة" بهذا الامر!!

"ديانة"!! كيف ستعيش "ديانة" مع ذلك الشخص الذى رأى والدته تُقتل على يد والدتها!! هل تزوجها لكي ينتقم منها على ما فعلته والدتها؟ ولكن ما ذنبها؟

بعد الكثير من التفكير والتساؤلات فى عقل "مالك" ومُحاولاته الكثيرة فى تهدئة "زينة"، أخيرا توقفت عن البكاء ليسألها بهدوء مُقدرا حالتها وألمها:

- وبعدين حصل أيه؟

ابتلعت "زينة" بكثير من الألم ثم مررت يهدها على وجهها مٌحاوله تجفيف وجهها مُجيبة إياه:

- الإسعاف جت وخدت ماما وعمتوا ماجدة وبابا وخالتو هناء ولبنى راحوا معاهم بس بردو المصايب مخلصتش لحد هنا.

هتف مستفسرا بفضول لمعرفة المزيد عما حدث فى هذا اليوم:

- ليه! أيه اللي حصل تاني؟

أجابته متأثرة ولاتزال بعض الدموع تسقط من عينيها رغما عنها متأثرة بما ستقوله:

- وأحنا فى المستشفى السواق بتاع بابا جيه وبلغة بموت عمي شرف، عمل حادثة على الطريق وهو جي بسرعة وأتوفى

ظهرت ملامح الأسى والحزن الشديد على وجه "مالك"، بينما أكملت "زينة" بتوضيح:

- بابا إنهار ومستحملش الصدمة لا هو ولا خالتو هناء ولا حتى لبنى اللى أغمى عليها من الصدمة

مسحت دموعها للمرة المئة مُحاولة إستعادة ثباتها مُضيفة:

- وبعدها ماما ماتت هى واللى كان فى بطنها، وعمتو ماجدة جالها جلطة فى المخ أتسببتلها فى شلل كلي وعجزت عن الكلام ومن وقتها وهي قاعدة على كرسي متحرك لا بتتكلم ولا يتحرك.

أغمضت "زينة" عينيها بألم وحسرة كبيرة على ما أصاب أسرتها، بينما حاول "مالك" الأستفسار عن المزيد من التفاصيل هاتفا:

- طب ولبنى عملوا معاها أيه؟!

رمقته محاولة التماسك وإستعاد ثباتها مرة أخرى مجيبة إياه:

- بعد موت عمو شرف جتلها صدمة خلتها مبتقدرش تتكلم، وبعد موت ماما خدت ديانة وأختفت وبعدها بمدة قصيرة جلنا خبر وفاتها بس مكناش عارفين مكان ديانة، ومن وقتها بابا فضل يدور على ديانة، وجواد كمان لما كبر فضل يدور عليها عشان ياخدوا طارهم فى ديانة من اللي عملته لبنى.

تبدلت ملامح "مالك" فى لحظة من التعاطف والأسى إلى الغضب والإنزعاج مما أستمع إليه، وقبل أن يصرخ بها مُهاجما إياها صاحت هي مُعقبة بتوضيح بعد أن لاحظت ما حدث له:

- قبل ما تقول أي حاجة وتتعصب، أنا عارفة إنها ملهاش ذنب فى كل اللي حصل بس بابا وجواد وخالتو هناء مش شايفين كده، عشان كده أنا قاعدة معاك هنا، هي ملهاش ذنب تدفع تمن حاجة معملتهاش، وجواد كمان ملوش ذنب يقتلها ويدمر حياته عشان ينتقم من واحدة ماتت أصلا، كلهم ماتوا سواء ماما أو لبنى أو عمو شرف وربنا هو اللي هيجبلهم حقهم مش موت ديانة هو اللي هيريح ماما أو يرجعها.
كلمات "زينة" هدأت من إنزعاج "مالك" ولكنه مازال يشعر بالقلق على "ديانة"، ليحاول أن لا يكون وقح معها مرة أخرى مُعقبا باكتراث:

- طب ممكن تنفذي وعدك وتاخديني أطمن على ديانة دلوقتي.

أومأت له بالموافقة ثم نهض كلاهما بعد أن ترك "مالك" بعض النقود فى تلك الفتورة أمامه، وتوجه كلاهما نحو المنزل الخاض ب"جواد".

❈-❈-❈

••

- خير يا سي شرف؟ أيه هي الحاجة المهمة دي اللي مجمعنا كلنا علشانها!

هتف "هاشم" كلماته بنبرة تهكم مُوجهًا حديثه نحو شقيقة الذى وأخير تخرج من جامعته وأصبح ذراعه اليُمينى وشريكه فى كل أملاكهم، ها قد أصبح راجلًا ناضج يُعتمد عليه، ليُجيبه "شرف" بمشاكسة:

- يعني الحق عليا إني عايز أفرحكوا بيا! خلاص يا عم مش مفرحكوا.

أعتدلت "هناء" فى جلستها بسرعة بعد سماعها هذه الكلمات  لتضيف بلهفة وإندفاع:

- لا لا يا هاشم متزعلش شرف وسيبه يفرحنا بقى، متزعلش يا شرف وكمل.

رمقها "شرف" بإبتسامة ود وإمتنان مُردفا:

- تسلميلي يا بنت عمى.

عاد بنظرته نحو "هاشم" مرة أخرى وشرع فى متابعة حديثه:

- شوف بقى يا عم هاشم أنت أخويا الكبير وأبويا وصحبي وحبيبي وكل حاجة ليا فى الدنيا، عشان كده أنا معتمد على ربنا ثم عليك أنت فى الموضوع ده وتقنع أبوك، دلوقتي أنا خلصت الجامعة بقالي سنين الحمدلله ومن وقتها وإحنا كتفنا فى كتف بعض وإسمنا بيكبر ما شاء الله، جيه الوقت بقى اللي أكمل فيه نص ديني.

ابتسم "هاشم" بسعادة بألغة وقد أدرك ما يريد أن يصل إليه سقيقه، وأول من خطر بباله هي "هناء" ليقابله ببعض المرح والمشاكسة:

- عايز تتجوز!! ودي مين دي اللي أمها داعيه عليها؟ الله يكون فى عونها والله.

تهلل وجه "هناء" بسعادة عارمة مما تستمع إليه، فهى ظنت أن حلم حياتها سيتحقق الأن وأن اللحظة التي كانت تنتظرها منذ سنوات طوال ستلقاها الأن، ابتسمت "هناء" مُستعدة أن تستمع له وهو يلقي بطلبه للزواج منها.

ليأتيهم رد "شرف" مُعقبة بمرح على حديث أخيه:

- يا عم هي قابلة، المهم أبوك هو اللي يقبل.

ابتسم له "هاشم" بقليل من التشفي على لهفة شقيقه هاتفًا باستفسار مُصطنعا عدم المعرفة:

- دي مين دي اللي موقعاك على بوزك كده!

ابتسم "شرف" مٌجيبًا أخيه بسعادة بالغة:

- بنت كانت زميلتي فى الجامعة، حبيتها وأنا فى سنة تالتة بس هي كانت لسه فى سنة أولى واتفقنا إنها بعد ما تخلص نروح نُطلبها من عمها عشان والدها متوفي

صُعق الجميع من مما تفوه به وهذا لأنهم كانوا يظنون إنه سيتقدم بطلب الزواج من "هناء"، ولكن خاب ظنهم جميعا وخصيصا "هناء" التي تتغيرت ملامح وجهها ولم تتحمل تلك الصدمة وسريعًا ما شرعت فى الركض إلى خارج المنزل، بينما لحقتها "ماجدة" كى تواسيها وتخفف عنها وتابعتهم "تهانى"

شعر "شرف" وكأنه تفوه بشيء خاطئ! لماذا تغيرت أوجه الجميع فجأة؟ ولماذا خرجت "هناء" هكذا! ما الذي يحدث بالضبط؟ حول نظرات نحو شفيقة مستفسرا:

- هو فى أيه يا هاشم؟ هو أنا قولت حاجة غلط!

أغمض "هاشم" عينيه بهدوء كى لا يكسر قلب شقيقه هو الأخر، ولكنه لا يعلم ماذا يفعل فى مثل تلك اللحظات، ليجيبه بهدوء لعله يستطيع جعله يُعيد التفكير فى الأمر مرة أخرى:

- لا يا حبيبي مقولتش حاجة غلط، بس بصراحة كلنا كنا فكرينك هتطلب إيد هناء، عشان هى بنت عمك ومتربية قدامك وكده.

تبدلت ملامح وجه "شرف" للإنزعاج والتفور من تلك الفكرة، ليس تقليلا من "هناء" ولكنه لم ينجذب لها من البداية ولهذا هو لم يرحب بالفكرة، ليجيبه بالرفض مُحافظًا على الحدود بينهم:

- هناء!! هناء أختي يا هاشم، عندي زيها زي ماجدة وتهانى، مقدرش أشوفها غير كده وعمرى ما تخيلتها أصلا ولا هتخيلها فى يوم من الأيام غير أخت وبس.

•••

فتح "هاشم" عينيه بعد أن فاق من تلك الذكرى التي عادت به خمسة وعشرون عامًا إلى الماضي، ليزفر بألم والدموع ترقرقت فى عينيه متمتما:

- يا ريتك كنت تخيلتها يا شرف، مكنش زمان كل ده حصل يا أبن أبويا وأمي.

❈-❈-❈

صف كلا من "زينة" و "مالك" سيارتهم بالمرأب الخاص بمنزل "جواد"، بينما توجها بالسير إلى داخل المنزل

دلفا معا إلى الداخل وفى تلك الأثناء كان الطبيب يهبط الدرج  بصحبة "إياد" الذي تفاجأ من مجئ "زينة" وذلك الشاب الذي لم يرَه من قبل، ليوجه حديثه نحو الطبيب مُدعا إياه:

- طيب يا دكتور شكرا على تعبك وياريت متزعلش من جواد هو بس كانت أعصابه مشدودة شوية.

- ولا يهمك يا إياد بيه، أهم حاجه متنساش اللي قولتلك عليه، بعد إذنك.

أومأ له "إياد" بالموافقة وسريًا ما رحل الطبيب، بينما شعر كلا من "زينة" و"مالك" بالقلق من تواجد ذلك الطبيب، ليقترب منهم "إياد" بهدوء مُعقبا:

- أزيك يا زينة!

أجابته والقلق والإستفسار عما يحدث مُسيطرين على ملامحها قائلة:

- الحمدلله يا إياد، أومال فين جواد؟ والدكتور ده كان هنا بيعمل أيه؟!

كاد "إياد" أن يُجيبها ولكن قاطعه صوت "مالك" الذي صاح به فى غضب وحنق مستفسرا:

- أختي فين؟

سيطرت ملامح الدهشة وعدم الأستعاب على ملامح "إياد" وكاد أن يستفسر منه عن من تكون شقيقته تلك؟ ولكن سبقه ذلك الصوت الرجولي الذى ملأ صداه المنزل بأكمله وهو يهبط الدرج واضعًا يده بجيب بنطاله بغطرسته وبروده المعتاد مُعقبا:
+

- أختك مين دي يا روح أختك؟

يتبع ...

أعتلت ملامح البغضاء والكراهية وجه "مالك" عندما رأى "جواد" الذي تعرف عليه فور الإستماع إلى نبرة الغرور تلك في حديثه وهو يقف أمامه بمنتهى الكبر والاستعلاء، بينا أضاف "جواد" وهو يطالعه بنظرت إستهزاء مُعقبا:

- أنت عندك أخوات تايه وجي تدور عليهم هنا!

- فين ديانة يا جواد؟

هتف "مالك" بتلك الكلمات وهو يُطالعه بحدة وأستعداد تام للهجوم عليه فى أية لحظة إن لم يطمئن عليها الأن، بينما أستطاع "جواد" أن يستنتج أن هذا الشاب بالتأكيد إبن تلك العائلة التي كانت تأوي هذه الفتاة فى منزلهم، ليشعر بالغضب الشديد من فكرة تواجدها بذلك المنزل طوال تلك السنوات مع شاب غريب تحت سقفًا واحد، سوف يشرب من دماء تلك العاهرة لا محال.
1

أستطاع "جواد" أن يخفي غضبه ذاك عن الظهور أمام الجميع مُضيفا بنبرة ساخرة:

- أنت شكلك كدبت الكدبة وصدقتها، أنت ملكش أخوات هنا، أختك هناك فى بيتكوا مش عندي.

أندفع "مالك" بمنتهى الغضب نخو "جواد" مُمسكا به من تلابين قميصه ساحبًا إياه إليه بكراهية كازّا ما بين أسنانه الملتحمة قائلا:

- بقولك ديانة فين؟

صُعق كلا من "زينة" و "إياد" مما فعله "مالك" خوفا من ردة فعل "جواد" الذى لم يستطع أحدًا إلى يومنا هذا أن يتحدث معه بمثل هذه الطريقة من قبل.

بينما اشتعلت نيران الغضب فى أعين "جواد"، ليست فقط من طريقة هذا الحقير وما يفعله معه، بل أيضا لأنه تجرأ وزكر أسم زوجة "جواد الدمنهورى" على لسانه لأكثر من مرة، ويظن إنه يستطيع أن يأخذها منه، على كلا هو لن يمرر كونها كانت تجلس طوال تلك السنوات بجوار ذلك المتعجرف.

لم يستطع "جواد" أن يُسيطر على نفسه أكثر من ذلك ليباغته بلكمة قوية كادت أن تُسقطه أرضا، ولكن فاجئه "مالك" الذي بادله هو الأخر بلكمة مماثلة له، لتشتعل النيران فيما بينهم وبدأ ذلك الشجار القوي الذي لم يستطع أيا من "إياد" أو "زينة" إنهائه أو الفصل بينهم.
تدخلت بينهما بسرعة مُتحملة تلك الآلام التى تملكت جسدها بمجرد لمس كلاهما جسدها وهما يتشاجران، تلك الجلدات لم تكن هينة أبدا وكان من الضروري أن لا تنهض من الفراش لبعض الوقت حتى لا تتأذى أكثر، ولكنها أتت عندما استمعت لصوت ذلك الشجار بين ذلك الذى يُدعى زوجها وشقيقها الذى كانت تتمنى لو أن يكون شقيقها حقا.

فرقت "ديانة" بين "جواد" و "مالك" اللذان صُدما من تدخلها بينهما، والجزء الأكبر من الصدمة كان من نصيب "جواد" الذي تفاجئ من جرأتها التي جعلتها تتدخل بينهما وتجعل يدين ذلك الحقير تتلمس جسدها، أتظنه شقيقها حقا تلك العاهرة! هو لا يفهم فى الأساس من أين جاءت بتلك القوة التي جعلتها تتحمل تلك اللمسات!!
بينما "مالك" قد صُدم من وجودها وتدخلها فيما بينهم، فهو ظن أن ذلك الحقير قد يكون حبسها أو فعل بها شئ، ولكنه أدرك انه فعل بها الأسوء عندما لاحظ علمات الصفع على وجهها بجانب ملامح الألم والمعانة، ليشتعل غضبا وكراهية لذلك "الجواد" عديم الرحمة وتوعد بداخله أن يقتله بأبشع الطرق الممكنة.

سريعا ما تدخل كلا من "زينة" و"إياد" لمُعاونة "ديانة" فى الإيحال بين "جواد" و"مالك" حتى لا يشتبكان مرة ثانية، بينما أبعدت "ديانة" "مالك" مردفة بصوت يملئه الضعف ويبدو عليه الألم والمعانة موجهة الحديث نحوه بترجي:

- عشان خاطري أمشى يا مالك،  أنا كويسة متقلقش

امتعضت ملامح "مالك" بالرفض متحدثا بحزن وأسئ على صغيرته التى تربت بين يديه، ليُحاوط وجهها بين كفيه وهو يشعر بالعجز والضعف لإدراكه إنها تتألم ولكنها لا تستطيع أن تتحدث ليصيح قائلا:

- أمشي أزاى وأسيك كده!! عمل فيكي أيه الحيوان ده؟

تحجرت الدموع فى عينيها تتمنى لو تستطيع أن تختبئ بين أحضانه وتجعله يأخذ لها حقها من ذلك الوحش عديم الرحمة، هى تراه شقيقها حقا وليس مجرد أخ بالتبني، لكنها أدركت ما يستطيع ذلك "الجواد" فعله وإنه يستطيع إذائه بمنتهى السهولة، لتعزم على أن تُبعد شقيقها عن ذلك الخطر ولو على حساب نفسها:

- عشان خاطري يا مالك أمشي، لو أنا بجد غالية عندك أمشي، وأنا هبقى أطمنك عليا بس عشان خاطري أمشي دلوقتي.

كاد أن يرفض ولكن أوقفة تلك النظرة المُلحة فى زرقاوتيها والتي أكدت له إنها لن تستطيع أن تأتي معه، بالإضافة إلى إنه لن يستطيع أن يتخذ ضد ذلك الحقير أية إجراء قانوني، ولهذا لم يكن يريد أن يضعها معه فى المشاكل، عليه أن يتراجع ولو لقليل من الوقت.

استسلم "مالك" لرغبتها بينما توجه بنظراته تجاه "جواد" الذى مازال ينظرة له بغضبًا وكراهية مُعقبا بتوعد:

- أنا همشي دلوقتي بس مش هسيبك يا جواد، ولو فكرت تأذيها بس والله العظيم هقتلك بإيدي.

حاول "جواد" التملص من بين يدي شقيقته وصديقه ولكنهم منعوه عن فعل ذلك، بينما توجه "مالك" نحو الباب وفى لحظات كان رحل من المنزل باكلمه، لتلتفت "ديانة" نحو "جواد" بعد أن تأكدت من رحيل شقيقها رامقة إياه بنظرات الكراهية والغضب ثم توجهت لتقف فى مقابلته بكل غرور وتحدي هاتفة:

- أيًا كان سبب كرهك ليا، مشكلتك معايا أنا بس، حذاري تقرب من أخويا أو أي حد من عيلتي أو حتى تفكر تأذيهم، لأني أنا اللى وقتها مش هرحمك.

وفى لحظه كانت توجهت لذلك الدرج صاعدة إلى تلك الغرفة غير مُهتمة لوجود أيًا من "إياد" أو "زينة" بينما شعر "جواد" بغليان دمائه من طريقتها تلك أمامهم وكاد أن يذهب خلفها ليُلقنها درسًا ليوقفه صوت شقيقتة مُستفسرة:

- أنا بقى عايزة أعرف أيه اللى بيحصل ده يا جواد؟ أنت أتجوزتها عشان تنتقم منها! طب هي ذنبها أيه؟

رمقها "جواد" بنظرات تصرخ بالغضب والإنزعاج ولكنه لا يُريد ان يُري شقيقتة كيف يكون الجانب المظلم له، يكفي أن الجميع يراه إنسان قاسي القلب حاد الطباع وأيضا جاف المشاعر، لا يريد أن يُزيد عليهم إنه شخص بلا رحمة لا يشفق أو يرحم خصمة مهما كلفه الأمر.

نظر نحو "إياد" الذي مازال واقفًا دون التفوه بأية كلمة، ليزجره "جواد" بلهجة أمرة تعبر عما بداخله من غضب وضيق:

- إياد تاخد زينة تروحها وبعدين تجيلي على الشركة.

أدرك "إياد" ما تحمله نبرة صديقه وإنه يتلاشى الحديث مع "زينة" حتى ولو بقليل من الوقت، هو الان ليس بحالة مزاجية تسمح له بالتحدث أو التوضيح لأي أحد، بينما "زينة" شعرت بالغضب من شقيقها الذي لم يكترث لحديثها بل ويتهرب من المناقشة معها أيضا لتصيح فيه بغضب وعتاب:

- لا يا جواد مش همشي قبل ما..

- قولت تروحي يا زينة.

صرخ بها "جواد" بصوت جمهوري مما جعلها تنتفض فى وقفتها من شدة الفزع، فتلك الطريقة لم يصبق وأن عاملها بها من قبل، لم يسبق لها وأن رأت زرقاوتية بهذه القتامة قط، ما الذي حد له بالضبط وما الذي ينوي فعله.

لاحظ "إياد" رجفة جسد "زينة" أثار سماع صراخ شقيقها، ليشعر بالشفقة عليها وتقدم إليها بخطوات ثابتة موجها حديثه نحوها:

- لو سمحتي يا زينة أسمعي الكلام دلوقتي وتعالي أروحك وهو لما يبقى كويس هيجي بنفسه ويتكلم معاكي.

شعرت "زينة" بخيبة الأمل تجاه شقيقها الذي تراه بهذا الوجه لأول مرة فى حياتها، بل ويصيح فى وجهها وهو لم يفعلها من قبل، أستسلمت لإقتراح "إياد" وألتقطت حقيبة يدها من فوق الطاولة ثم سارت معه فى إتجاه الباب.

بينما رفع "جواد" نظره تجاه الأعلى ومن ثم صعد الدرج مُتجها إلى غرفتها وهو يكاد أن يُحطم أسنانه من فرط غضبه، ولكنه عندما وصل إلى باب الغرفة أستطاع أن يسيطر على غضبه، هو لا يريدها أن تموت بين يديه على كل حال، ليس الأن على الأقل.

فتح الباب بهدوء ليجدها تقف فى شرفة الغرفة بكل كبرياء وغرور وكأنها ليست تلك الفتاة التى كان يجلدها بتلك منذ قليل، من أي شيء مصنوعة تلك الفتاة!! أهي من الفُلاز لهذا لا تُكسر؟ أي تكن فهو عليه أن يُكسرها ويُحطم هذا الغرور ويُريها كيف تتعامل معه.

طالعها من أعلى رأسها حتى أخمص قدميها، يستطيع أن يراها من الخارج فقط ولا يغلم ما الذي يدور بداخلها، هي تبدو صامدة ولكنها ليست كذلك، هي ترتعب بداخلها من هذا الشخص الذى فُرض عليها، حتى إنها لم تسطيع أن تُفكر فى هذا الزواج، لتجد نفسها زوجة لهذا الشخص الظالم القاسي المُتجرد من كل معالم الرحمة والأنسانية.

عليها الصمود ومواجة ذلك القدر بمفردها وأن لا تورط أحدا من أسرتها بهذا الأمر، ذلك "الجواد" يبدو وكأنه يستمتع بإذاء غيرهِ ورؤيتهم يخضعون له ويطلبون الرحمة، إذا فلنبدأ اللعبة، إذ كنت تعتقد إنك حاكم الكون فأنا هي الفتاة المُتمردة التى ستكسر غرور ذلك الحاكم ليصبح أضعف من الجواري، أنتظر وسترى يا سيد "جواد" المغرور.

أقترب "جواد" من الشرفة حتى أصبح يقف خلفها مباشرة لا يُبعده عنها سوا تلك السنتيمترات القليلة، لتشعر بأنفاسه الحارقة وسخونة جسده الضخم وهي ترتطم بظهرها لتُدرك أنه يقف خلفها، أغمضت عينيها مُحاولة الثبات وتنظيم أنفاسها التى تعالت دون إرادتها، ليقترب هو من أُذنِها بخُبث ومُراوغة مُهسهسا بمكر:

- من الواضح كده إنك عنيدة وإن الحزامين اللى أخدتيهم دول مأثروش فيكي، بس على فكرة أنا لسه ببدأ معاكي، أوعدك يا مراتي الجميلة إني هكسر عِنادك وغرورك ده وأخليكي تنزلي تحت رجلي تتمني الرحمة ومش هنولهالك.

لم تكترث لذلك الوصف الذى وصفها به وهو غير مُدرك إنه لتوه نادها بزوجتي الجميلة، هو لم يكذب هو حقا يراها جميلة، بينما ألتفتت هي إليه بأعيُن يملأها التحدي والغرور وأنشق ثغرها بشبح إبتسامة لم تلامس عيناها مضيفة بتهكم:

- من الواضح كده إن جواد الدمنهورى مش واخد باله هو بيتكلم مع مين؟ بس أنا هوضحلك نقطه ممكن تكون غايبة عنك.

أقتربت منه بمزيد من التحدي والكبرياء وأصبحت زوقاوتيهما متلاقيتان بكثير من الحدة والجراءة:

- لو أنت جواد الدمنهوري فأنا كمان ديانة الدمنهوري ومن الواضح إن العند اللي مش عجبك ده نقطة مشتركة بينا، يعني لو أنت مستنيني إني أتكسر قدامك! ده ممكن يحصل بس مش قبل ما أنت كمان تتكسر قدامي.
1

حسنا لقد طفح الكيل من تلك الفتاة اللعينة التي لا تتوقف عن إثارة غضبه، هى حقا تقوده لقتلها فى الحال ولكن كلا، ليس بهذه السهولة هو لن يفعلها، فإذا كان الموت بمثابة طلقة الرحمة بالنسبة لها فهو لن يُطلقها الأن.

ولكنه لم يستطيع السيطرة على عضبه لتمتد يده جاذبة إياها من شعرها مُلقيا بها فوق الفراش، وبلمح البصر كان مُعتليها لتصبح بين قدميه ووجه مُلاقيا لوجهها، مما جعله وكانه يُحاوط جسدها بساقيه.

أخذ صدرها يعلو ويهبط من كثرة التوتر والفزع فحركته السريعة تلك لم تترك لها مجالا للفرار منه أو الابتعاد عنه ولو قليلا، هى الأن مُحاصرة بين يديه وبسبب حركته تلك أصبحت الحركة شئ مستحيل بالنسبة لها، ولكنها مازلات تُحافظ على ثباتها أمامه.

أخذ يقترب من أذنيها كثيرا لدرجة أن شفتاه لأمست عنقها مما جعلها تقشعر وذاد إرتباكها، وأنعدمت سيطرتها على حركة جسدها، ولكنها لن تستسلم مهما كلفها الامر، بينما أقترب هو من أذنها بمراوغة ومكر هامسا بهدوءه وبروده المعتاد:

- جواد الدمنهوري مبيكسرش يا زبالة يا بنت الزبالة، ورحمة أمى يا بنت لبنى لوريكي الذل والاهانة وكسرة النفس على حق، وبعدها هقتلك وانا بستمتع بروحك الوسخة وهى بتطلع فى إيدي وبكره تشوفي.

شعرت بالارتباك والرجفة تسير بداخل قلبها، هو يسيطر عليها من جميع الجهات، مقيد جسدها ويشوش عقلها، قد نجح في تجريدها من ذلك التحدي وجعلها تُظهر ذلك التوتر أمامه، بينما هى لا تستطيع فعل شيء أمام قوته البدنية وتلك النظرة التي تؤكد على كل ما تفوه به.

أبتعد عنها قليلا لتتلاقى زرقاوتاهما ليرئ بعينيها نظرة لم يرها فى أعيُن إمرأة من قبل، تلك العينان يصرخان بالعند والتمرد وما هذه اللمعة الملعونة التى تُجبره على عدم مُغادرة عينيه عن هاتين الزرقاوتين الصافيتين.

اللعنة لما يقترب منها بهذه الطريقة!! لما لا يستطيع التحكم بنفسه والابتعاد عنها؟ أحقا هو يتقدم نحو شفتيها!! يشعر أن شفتاه مُتعطشتان لتلك الورديتان اللتان أخذتا يرتجفان من مجرد أقترابه منها بتلك الطريقة؟

ظلت تنظر له وأصبح جسدها كالمشلول بين يديه، لما يقترب منها بتلك الطريقة! ماذا سيفعل ذلك الملعون؟ أحقا هو مُقبل على ملامسة شفتيها!! هل سيُقبلها؟؟

لم تعُد تستطيع المُقاومة أكثر من ذلك، فقد خارت قواها بين يديه كلما أقترب منها أكثر لدرجة إنها أصبحت تشعر بأنفاسه الحارقة وهى تُزيد من لهيب شفتيها، لتُغمض عينيها بكثير من الخجل والإرتباك وبعض من الإستسلام الفطري.

كاد أن يستسلم لتلك الرغبة المُلحة، بينما بلمح البصر أمتعضت ملامح وجهه مما هو مُقبل عليه، أهو كاد أن يُقبل أبنة المرأة التى قتلت والدته! تلك المرأة التى حرمته هو وشقيقته من والدتهما؟ اللعنة عليه.

شعر بالخذي الشديد من نفسه ومما كاد أن يفعله، ليبتعد عنها بكثير من البغضاء والكراهية التى طغت على ملامحه، لتفتح هي عينيها بمزيج من الصدمة والراحة، فقد صُدمت من إبتعاده المُفاجئ وشعرت بالراحة لانها تخلصت من مُحاصرته لها.

رمقها باشمئزاز واحتقار راميا عليها خطأ ما حدث وكأنها هي من أوشكت على تقبيله مُضيفا:

- أنتي أرخص واحدة شافتها عنيا، ومش مستغرب ده لانه طبيعي على بنت لبنى.

أتجه نحو باب الغرفة وبسرعة كان مُغادرا إياها، بينما أعتدلت هي فى جلستها وظلت أثار جملته الأخيرة تتردد على مسمعها وتنهش فى قلبها، ماذا فعلت لينعتها بالرخيصة ذلك الحقير المغرور.

أحتضنت قدميها وظلت تبكي بحرقة شديدة عساها أن تتخلص من ذلك الألم الذي ينهش صدرها، أو يساعدها ذلك البكاء فى السقوط فى نوم عميق لا تستيقظ منه أبدا.

❈-❈-❈

يجلسان بسيارته بعد أن أمر السائق الخاص بها أن يعود هو بسيارتها ليقوم هو بتوصيلها إلى المنزل كما طلب منه صديقه، بمجرد أن تحرك بالسيارة شرعت هى فى الهجوم عليه بتلك الاسئلة التى لا حصر لها والتي لا يعلم بماذا سوف يجيب عليها؟
- أنا بقى عايزة أفهم كل اللى بيحصل ومفيش حد عنده رد على أسئلتي غيرك أنت يا إياد، مهو أصلا جواد معندوش صاحب غيرك! وكمان أنت معاه طول الوقت، أكيد عارف كل حاجة عن الموضوع ده و...

- ما تهدي يا شيخة، أيه!! زن زن زن زن، أديني حتى فرصة أرد عليكي.

أجابها "إياد" بتلك الكلمات بإنفعال زائف محاولا تلطيف الأجواء، لترمقه "زينة" بنظرت عتاب على صياحه بها، ولكنها شعرت أيضا بالحرج من صراخها به وإنفعالها عليه وهو لا ذنب له فى شيء، لتُغمض عينها كى تهدأ ثم تنهدت مُعتذرة:

- أنا أسفة بجد يا إياد انى أتعصبت عليك، معلش أنت عارف إني بعتبرك زى جواد بالظبط وأكيد مقدر خوفي عليه.

تنهد بقليل من الحزن على كلمتها التي تؤكد له كل مرة إنها لا تُفكر به سوى كأخ فقط، ليبتسم لها بهدوء مُجيبا:

- لو أنا فعلا زي جواد متقوليش انا أسفة دي تاني، وبالنسبة لجواد متخفيش عليه، أنا مش هسيبه يعمل حاجة مُتهورة أو يأذي نفسه.

أبتسمت بسعادة لوجود صديق مثل "إياد" في حياتها هي وشقيقها والذي يُعوضهما عن وجود شقيق أخر لهما، بينما لايزال شعور القلق ينتابها لتضيف بتحذير:

- مالك أخوها مش هيسكت يا إياد و...

قطع حديثها مطمئنًا إياها قائلا:

- متقلقيش أنا هنزله القاهرة وأحاول أهديه وأطمنه بس مش هعرف جواد، أطمني أنتي بس ومتخافيش.

شعرت بقليل من الراحة بعد حديث "إياد" لها، لتتنهد بهدوء مُتمنية:

- ربنا يستر.

❈-❈-❈

••

- دي مين دي اللي موقعاك على بوزك كده!

ابتسم "شرف" مٌجيبًا أخيه بسعادة بالغة:

- بنت كانت زميلتي فى الجامعة، حبيتها وأنا فى سنة تالتة بس هي كانت لسه فى سنة أولى واتفقنا إنها بعد ما تخلص نروح نُطلبها من عمها عشان والدها متوفي.

صُعق الجميع من مما تفوه به وهذا لأنهم كانوا يظنون إنه سيتقدم بطلب الزواج من "هناء"، ولكن خاب ظنهم جميعا وخصيصا "هناء" التي تتغيرت ملامح وجهها ولم تتحمل تلك الصدمة وسريعًا ما شرعت فى الركض إلى خارج المنزل، بينما لحقتها "ماجدة" كى تواسيها وتخفف عنها وتابعتهم "تهانى".

أسرعت فى الركض والخروج من البيت حتى وصلت إلى حديقة المنزل ثم شرعت فى البكاء المرير على أحلامها الوردية التى تحطمت جميعها برفة عين، هذا الحبيب الذى ظلت تنتظره لسنوات طوال، لن يكون لها بعد كل هذا الحب العشق.

لماذا لم يحبها كما أحبته؟ ماذا كان عليها أن تفعله ليبادلها نفس المشاعر! يبدو أن "ماجدة" كان على حق، لم يكن عليها أن تبني هذا الكم من الأمال عليه وتعطيه كل هذا الحب بدون مقابل، سقطت أرضا من كثرة بكائها تود أن تصرخ بكل ما تحمله من ألم وحسرة داخل قلبها.

أسرع إليها كلا من "ماجدة" و "تهانى" لتخفيف عنها ومُواستها على ما تشعر به، جلست "ماجدة" وقامت بإحتضانها وشرعت فى البكاء هى الاخرى حزنًا على أبنة عمها وصديقتها المقربة لتضيف بتأثر:

- متزعليش يا هناء والله ده غبي وميستهلكيش.

أجهشت "هناء" فى البكاء وأخذت شهقاتها تتعالى بين كلماتها:

- ليه! ليه يا ماجدة! ليه محسش بيا؟ ليه محبنيش زي ما أنا حببته؟ كنت أعمله أيه طيب! طب، طب التانية دي أحسن مني فى أيه؟ طب أعمل أيه عشان أخليه يحبنىطي! روحي يا ماجدة، روحي قوليله إني بحبه.

تبدلت ملامحها من الضعف والكسرة إلى الكراهية والحدة، بينما أتسعت عينيها بشكل مُخيف وأصبحت شديدة الاحمرار ولازالت دموعها تنهمر دون توقف مُردفة:

- أنا هقتلها يا ماجدة، هقتلها لو أخدت شرف مني، شرف ده بتاعي لواحدي يا ماجدة، عمرى ما هسيبها تتهنى بيه لحظة واحدة وأعتبرى ده وعد من واحدة قلبها أتكسر ومات وعمره ما هيرجع زي الاول تاني.
1

•••

- شفتى يا ماجدة! قولتلك إني عمري ما هسيبها تتهنى بيه أبدا، مش أنا اللي يتكسر قلبى على حاجه وغيري ياخدها ويتهنى بيها.

تهاوت الدموع من أعيُن "ماجدة" بحسرة على كل ما حدث بالماضى، لتُزيد "هناء" ألمها وتذكرها بهذا العجز الذي حدث لها، هذا لم يُفرَق فقط بين "شرف" و"لبنى"، بل أيضا بسبب هذا الحادث الذي أصابها أفترقت هي عن زوجها الذي لم يُحالفها الوقت كي تُعبر له عن مدى حبها له، ليصيبها هذا العجز اللعين بعد زواجهما فقط بعام واحد.

••

- أهلا أهلا يا عامر حمدلله على السلامة.

أبتسم "عامر" بإمنتنان على ترحيب أبناء عمه له مردفا:

- الله يسلمك يا هاشم أنت وشرف، والله لسه نازل مصر من يومين يا دوب أخدت نفسي من السفر وجتلكم على طول، معلش بقى طبيت عليكوا زى القضا المستعجل.

رمقة "هاشم" بنظرت عتاب شديدة على ما تفوه به مُضيفا:

- عيب يا عامر متقولش كده، ده بيتك ومطرحك تنور فى الوقت اللى يعجبك.

ابتسم له "عامر" بإطمئنان، وشعر أن هذا هو الوقت المناسب للبدء فى حديثه الذي أتى إليهم بخصوصه:

- طب صلى على النبى بقى يا عم هاشم، الأجازه اللى فاتت من تلات سنين أنا كنت عايز أطلب منك طلب، بس موت عمى وجعنا كلنا وقولت أستنى لحد ما نقدر نفوق من الحزن ده، وبصراحه مش قادر أستنى أكتر من كده.

أعتلت ملامح الفضول وجه كلا من "هاشم" و"شرف" من حديث "عامر"، ليشعران بالقلق من أن يكون أبن عمهم يقع فى مأزق أو ما شابه، ليهتف "هاشم" مستفسرًا:

- خير يا عامر قلقتي فى أيه؟

أرتسمت البسمة على وجه "عامر" لإكتراث أبناء عمه لأمره مُضيفا:

- لا خير يا هاشم متقلقش، أنا بصراحة كده جي عشمان فى ربنا ثم فيكم إنكوا توافقوا على طلبي، أنا جي طالب إيد ماجدة يا هاشم.

شعر كلاهما بالسعادة العارمة من طلب أبن عمهم، فهم لن يجدوا أفضل من "عامر" ابن عمهم ليأتمنوه على شقيقتهما، ليُجيبه "هاشم" بابتسامة ودودوة:

- والله يا عامر أنت متتعتيبش، بس أنت عارف يا أبن عمي لازم نأخد رأيها عشان نتطمن عليك وعليها إنكوا هتعيشوا مرتاحين طول العمر.

- حقك يا هاشم، دى الأصول يا أخويا ومحدش يزعل من الاصول.

تحدث "عامر" بتلك الكلمات وهو بداخله يتمنى أن توافق عليه "ماجدة"، هى لطالمة كانت بالنسبة له كما يقولون "سيدة الحُسن والجمال" فى نظره، ليبتسم له "شرف" بحب قائلا:

- أنا هقوم أفاتحها فى الموضوع وأجي أطمنك إن شاء الله.

توجه "شرف" نحو الدرج صاعدا إلى غرفة شقيقته كى يُعرض عليها الامر، ليجدهم يجتمعون كل من شقيقته وزوجته وزوجة أخيه وشقيقتها ليعقب بود:

- متجمعين عند النبي إن شاء الله.

أبتسم الجميع له بحب وقد قدموا المشيئة أيضا، ليوجه حديثه تجاه شقيقته وزوجته قائلا:

- تعالي يا ماجدة عايزك، وأنتي كمان يا لبنى.

أنصرف ليلحق به كلاهما بفضول من سبب طلبهم، بينما ظلت "هناء" ترمقهم بنظرات الحقد والكراهية مُضيفة:

- شايفة! شايفة بيعمل أيه! قال تعالي يا ماجدة أنتي ولبنى قال، وأحنا هوا كأننا مش موجودين.

تبدلت ملامح "تهانى" إلى الأسئ على حال شقيقتها، لتهاتفها بعتاب:

- ما تنسي بقى يا هناء، تلات سنين عدو وأنتى لسه مطلعتيش شرف من دماغك!!

رمقتها "هناء" بكثير من الغضب مجيبة إيها بحدة:

- وعمري ما هطلعه يا تهانى، شرف هيكون ليا فى يوم من الأيام وبكره تشوفي.

بينما بالغرفة يجلس "شرف" بجانب شقيقته منتظرا ردها على ما أخبرها به وهو أن "عامر" طلبها للزواج، بينما "ماجدة" قد أصبح وجهها شديد الاحمرار من كثرة الخجل، هى لطالما كانت مُعجبة بشخصية "عامر" ولكنها لم تظن يومًا إنه سيتقدم لزواج منها! هذا وكأنه حلم، ليردد "شرف" سؤاله:

- ها يا ماجدة أيه رأيك؟

ابتسمت له "لبنى" بعد أن رأت علمات القبول على وجه "ماجدة" لتجيبة بدلا منها:

- السكوت والكسوف دول علامات رضا يا شرف.

نظر نحو شقيقته بمشاكسة مُعقبًا:

- لأ، أسمعها منها الأول.

لتبتسم "ماجدة" بخجل شديد مردفة بإستياء من مشاكسة شقيقها:

- خلاص بقى يا شرف، موافقة.

•••

أغمضت "ماجدة" عينيها بكثير من الألم والحسرة على تلك السعادة التى لم تستطيع أن تنعم بها سوا لعام واحد فقط، بينما "هناء" لم ترأف عليها وعلى بكائها لتُزيد من ألمها مُعقبة.

- لبنى هي السبب يا ماجدة، هي السبب فى موت تهانى وشرف وعجزك، هي السبب فى كل حاجة، هي اللى دخلت حياتنا بوظتها وفى الأخر ماتت بسهولة، بس لأ أنا مش هسكت، أنا هطفى ناري فى بنتها، هخلي جواد يعذبها لحد الموت، هخليه يطلع فيها السواد والقسوة اللى زعتهم جواه طول العشرين سنة، استني واتفرجي على بنت لبنى وهى روحها بتطلع على إيد جواد.

❈-❈-❈
أستغلت عدم وجوده وعزمت على الأتصال بأخيها عساها تستطيع أن تهدئه وتمنعه من فعل أية شيء يضعة بمشكلة مع ذلك الحقير التي تذوجته رغما عنها، الأن هي أصبحت مدركة ما يستطيع فعله بالضبط بعد كل ما فعله معها.

لم يكن هاتفها المحمول بحوزتها بسبب تلك الطريقة التي أخذها بها من منزل عائلتها بالإضافة إلى حالة الصدمة التي كانت فيها، لذا لم يكن أمامها سوا أستخدام ذلك الهاتف الأرضي الموجود بالمنزل.

- مالك، أنا ديانة.

قالتها بعد أن أجاب على إتصالها، ليأتيها صوته المهتم جدا لأمرها والغاضب جدا من ذلك الشخص الذي تزوجها، ليهتف بإنفعال وإكتراث:

- ديانة، طمنيني عمل فيكي أيه الكلب ده؟

لا تستطيع قول أي شيء له حتى لا تحسه على فعل شيء يجعلها تندم فيما بعد بسبب حزنها عليه، لهذا فضلت أن تكذب عليه بدلا من إقاع أحد من عائلتها فى مشكلة مع ذلك الشخص.

لتحبس دموعها مُصطنعة الثبات متمتمة:

- معملش حاجه يا مالك صدقني، أطمن يا حبيبي أنا كويسة.

لن يستغرق وقت كثير ليستطع تميز صوتها سوا كانت تكذب أو تقول الحقيقة، ولهذا أستطاع التعرف على كذبها بسهولة، ليصرخ فيها بحزن وغضب شديد:

- كويسة أزاي يا ديانة! دا أنا شوفت صوابع أيده معلمة على خدك، أنا مشيت بس عشان شوفت فى عينك نظرة رجاء وفهمت إنك خايفة من حاجة، لكن أنا مكنتش هسيبك لو حتى هموت.

لا تملك رفاهية الإفصاح عن ذلك البكاء والصراخ بذلك الألم الذي تشعر به، كل ما فى أستطاعتها أن تذرف تلك الدموع فى صمت لكي لا يستمع لها ويتأكد إنها تكذب فيما تقول بسبب خوفها الشديد عليه:

- صدقني أنا كويسة يا مالك، وجواد ده خلاص بقى جوزي، صحيح أنا لغاية دلوقتي مش عارفة هو عايز مني أيه؟ بس لو الموضوع موضوع فلوس أو أملاك هتنزله عنها وأرجع البيت عندنا تاني.

مسح على وجهه بغضب شديد وبعض من الندم بسبب عدم تواجدة فى المنزل ليلة أمس لكي يحميها من كل ما حدث، اللعنة على هذا العمل الذي تسبب فى إبعاده عنها فى أكثر أوقاتها إحتياجا له، ليضيف بإنفعال:

- لو مكنتيش فى بيته دلوقتي وكنتي عندي وفى حمايتي كنت قولتلك مش هتتنزلي عن حقك ومحدش هيقدر يدوسلك على طرف، بس من حظي الزفت إنه لما جيه يأخدك أنا مكنتش موجود وإلا مكنتش سبته يأخدك أبدا وكنت حافظت عليكي أنتي وفلوسك، بس لو حريتك من الحقير ده قصاد ورثك وفلوسك سبيه يولع بيهم.

بالأساس هي لم تكن تعلم إنها لديها عائلة، فهل سيفرق معها إن كانت غنية أو فقيرة أو ستتمسك بتلك الأموال مقابل حريتها؟ ليحترق بهم هى ليست بحاجة لهم:

- ده اللى أنا هعمله، أول ما يجي هكلمه وهعرفه لو الموضوع موضوع فلوس أنا مش عايزاهم وفى المقابل يطلقني، المهم متقلقش عليا وطمن ماما.

لا يثق بهذا "الجواد" لذا عليه أن يتخذ الحظر ويظل بجانبها إذا أحتاجته:

- حاضر، وأنتي كمان متقلقيش أنا هشوف بيت هنا عشان أكون جمبك لحد ما تخلصي من الموضوع ده.

يجب أن لا يظل هنا لأنها لا تضمن إن كان الميراث هو كل ما يريده ذلك "الجواد"، لذا تريد إبعاد "مالك" عن هنا وتتعامل منها له دون نقاط ضعف، لذا حاولت أن تمنعه قائلة:

- بس يا مالك.

قاطعها "مالك" مُصرا على قراره:

- مبسش يا ديانة، مش هسيبك مع الحيوان ده، أنا هفضل هنا جمبك عشان وقت ما تحتاجيني، المهم خدي بالك من نفسك ولو داسلك على طرف كلميني.

استسلت لإصراره مُحاولة السيطرة على غضبه كي لا يفعل شيء، لكنها ستظل حريصة كل الحرص على إبعادة عن هذا الأمر:
2

- حاضر يا مالك، ربنا ميحرمنيش منك أبدا.

❈-❈-❈

دلف إلى مكتبه وهو يستشيط غضبًا مما كاد أن يفعله، ماذا فعلت له تلك اللعينة لتُجبرة على ما أوشك أن يفعله؟؟ أين كان عقله الأحمق وهو .. اللعنة، حتى بمجرد التفكير بهذا الأمر يشعر بالضيق الشديد .

توجه نحو مكتبه مُحدثا سكرتيرته أمرًا إياها بإخبارهم بتحضير كوبًا من القهوة السادة لهو، فهو يشعر بالكثير من التخبطات فى راسه.

أستمع إلى تلك الطرقات على باب مكتبه ليظن انه العامل احضر له القهوة فسمح له بالدخول، ولكنه وجده إنه "إياد" وهذا كان أخر ما يتمنى قدومه الأن، هو لا يستطيع التحدث فى أية شيء الأن.

كاد "إياد" أن يتحدث ليوقفة "جواد" زاجرًا إياه بتحذير:

- بقولك أيه يا إياد أنا مفياش دماغ خالص لأي كلام دلوقتي، أجل كل حاجة لوقت تاني.

لأحظ "إياد" ملامح الغضب والضيق على وجه صديقه ليحاول لاستفسار مُطمئنا عليه:

- مالك يا جواد فيه أيه!!

صلت "جواد" نظره بهذا الحاسوب الموضوع أمامه مُحاولا تلاشي الحديث معه مُضيفا بإقتضاب:

- مفيش حاجة.

أغلق "إياد" الحاسوب بإندفاع وعشم زائد مُعقبا بإلحاح:

- لا فيه، هو أنا أول مرة أشوفك كده و...

قاطعة "جواد" صارخا به فى غضب ونفاذ صبر:

- وبعدين يا إياد، مش قولتلك مفيش حاجة؟

شعر "إياد" بالصدمة من طريقة صديقه معه وكاد أن يتكلم ليقاطعه صوت "جواد" الملئ بالحدة والجمود:

- روح على مكتبك يا إياد حالا

صُدم "إياد" من رد "جواد" وسريعا ما خرج من المكتب دون التفوه بأي كلمة، ليشعر "جواد" بالغضب الشديد من هذه الطريقة التى عامل بها صديقه الوحيد، ولكنه ليس بذلك الشخص الذى يعتذر.
+

ضاق صدره من كل ما حدث فى هذا اليوم الذي  يبدو وكانه لن يفوت بسلام، ليتجه ناحية الباب صافعا إياه خلفه بكثير من الحدة والغضب.

يتبع...
ظلت تستمع إلى صوت الجرس الآتي من هاتفها منتظرة الرد، ليأتيها صوت والدتها التي لطالما تمنت لو كانت والدتها الحقيقية، لتعقب بلهفة:

- ماما.

ما إن أستمعت إلى صوتها حتى أعتدلت فى جلستها، والأن قد شعرت ولو بجزء بسيط من الطمأنينة لسماع صوتها، ولأول مرة ترفع يدها لتزيح دموعها منذ أن عادت من المشفي، لتجيبها بلهفة مماثلة:

- ديانة، أنتِ كويسة يا بنتي؟ طمنيني عليكي عمل فيكي أيه البني أدم ده؟

بالكاد استطاعت أن تمنع شهقاتها من الخروج وأنهمرت الدموع من عينيها، ولكنها عملت جاهدة على أن لا تُظهر شيئا، هى تعلم أن "منال" تخاف عليها كثير، كيف لها أن تُخبرها بما فعله ذلك الحقير معها؟ لتجييها متماسكة:

- أنا كويسه يا ماما متقلقيش عليا، المهم أنتي خلي بالك من نفسك ومن مالك وملك وأنا هبقى أجي أشوفكوا قريب.

ليس من الصعب أن تكتشف "منال" كذب "ديانة"، ليست نبرتها الباكية فقط، بل أيضا ضعفها وإنكسار صوتها، تلك الفتاة التى لا تُقهر تتحدث الان بكل ذلك الضعف والخوف، لتصيح "منال" بعتاب:

- بتكدبي عليا ولا على نفسك يا ديانة؟ عمل فيكي أيه خلاكي مكسوره كده؟

لم تعد تتحمل تلك الكلمات التي تقودها للإنهيار الحتمي لتجد أن الهروب هو حلها الوحيد الأن، عليها أن تغلق المكالمة قبل أن تفصح عن كل شيء ويصبح الوضع أسوأ مما تظن:

- يا حبيبتي مفيش حاجة أنا كويسة خالص ومحصلش حاجة، أنا بس كلمتك أطمنك عليا وهبقى ارجع أكلمك تاني، سلام دلوقتي.

أنهت "ديانة" مكالمتها مع والدتها وشرعت فى البكاء، أخذت شهقاتها تتعالى كثيرا لتبدو وكأنها صُراخ أليم، لتسقط أرضا مُعلنة عن إنهيار كامل قِواها ولأول مرة تستسلم لذلك الضعف بعد ما فعله بها هذا اللعين.

فقد أخذ يُهينها بكل الأشكال بداية بزواج إجباري منه وظل يضغط عليها بتهديده أن يقتل عائلتها أو يأذيهم، وكسر الرجل الذي كان يريد الزواج منها وتزوجها أمام عيناه، لكنه لم يكتفى بكل ذلك.

فقد أستغل صدمتها ورهبتها من كل ما حدث وأخذ يُهينها أكثر، أجبرها على أرتداء ذلك الثوب اللعين الذى لم تتوقع يومأ ان ترتديه أمام نفسها وليس أمام شخص غريب عنها ولم يسبق لها أن ترأته، ليجعلها تشعر بالخذى والخوف أمامه، وبآخر الأمر تركها وهو يُحقر من أنوثتها ويقلل من شأنها كإمرأة.

لم يكتفي بهذا القدر من الأهانة بل أجبرها على ان تدخل معه إلى ذلك المرحاض ولم يخجل منها قط، ليتجرد من كامل ملابسه أمامها ولم يراعي كونها فتها لم يسبق لها أن ترى رجلا بهذا الشكل.
ليطلب منها أن تُساعدة فى الإغتسال وكأنه شخص عاجز عن الحركة وإلا ليفعل بها هو هذا، ليصبح ليس أمامها حل أخر.

نهاية بأمره لها أن تجلس تحت قدميه لكي يرتدي ملابسه، من يظن نفسه هذا الحقير! أهو يرى نفسه أحد السلاطين وهي إحدى جواريه؟ وعندما إنفعلت وطفح كيلها من تلك الأشياء زاد تلك الاهانة البغطاء.

كبلها وألقى بها على الفراش جاعلًا إياها عاجزة عن الحركة، وأنتشل حزامة وأخذ يجلدها دون رحمة أو شفقة.

كيف تجرأ على فعل هذا بها؟ هل يراها كإحدى عاهراته التي يعرفهن ليظن نفسه بعد كل هذا يستطيع أن يُقبلها؟

مهلا أهو حقا كاد أن يُقبلها! ما هذا الغبي الملعون؟ كيف يراها حتى يفعل كل هذا! أم إنه شخص مجنون وليس لديه عقل ليميز به؟ عليها أن تعرف سريعا ما الذي يريده منها بالضبط حتى تستطيع الفرار منه.

❈-❈-❈

تجلس بجانبها كالعادة لتقص عليها ما حدث خلال يومها وأيضا لتُخبرها بما حدث فى منزل "جواد"، عسى أن تُزيح ما بدخلها من توتر وقلق مما يمكن أن يفعله شقيقها بتلك الفتاة، والتي عندما رأتها شعرت وكأنها لا تستطيع أن تكرهها، من الواضح جدا عليها إنها بريئة للغاية.

- أنتي عارفة يا عمتو النهاردة اليوم كان صعب أوي، بس اللى حصل عند جواد مفيش أصعب منه، أنا قلبي كان هيقف لما جواد ومالك مسكوا فى بعض لولا تدخل ديانة.

لاحظ ملامح القلق والرهبة على وجه "ماجدة"، لتشعر بالغباء الشديد لإنها لم تقص عليها الأمر من بدايته وجعلتها تخاف هكذا، لتحاول تطمئنتها مُضيفة بتوضيح:
- معلش يا حبيبتي أنا نسيت أقولك على اللى حصل النهاردة، هحكيلك.

أمتلأت أعيُن "ماجدة" بالدموع من كل ما حدث لتلك الفتاة التي لم يكُن لها أي ذنب بما حدث، فقد حُرمت من والديها وهى رضيعة وحرمت من أهلها طوال تلك السنوات والان ستُحرم من الراحة والسعادة لباقي حياتها.

ربطت "زينة" على كتف "ماجدة" مُحاولة تطمئنها:

- أنا عارفة إنها ملهاش ذنب فى كل اللى حصل، وعارفة إن جواد مش هيرحمها، بس متقلقيش إياد قالي إنه هيحاول يعقل جواد على قد ما يقدر ويخليه ميأذيهاش.

ضيفت ما بين حاجبيها بعد إستعاب بعد أن ذُكر أسم "إياد"، هى تعلم إنه صديق "جواد" ولكن أين رأته "زينة" لكى يُطمئنها، أدركت "زينة" ما صرحت به ملامح وجه "ماجدة" لتضيف:

- منا مكملتلكيش ، أنا وعدت مالك إن بعد ما يقولي كل حاجة هاخده ونروح نشوف ديانة بسيارتنا ما روحنا.

أكملت لها ما حدث فى منزل "جواد" والشجار الذي حدث بينه وبين "مالك" وتدخل "ديانة" وحديثها ل "مالك" وتحديها ل "جواد" لتُعقب:

- أنتى عارفة يا عمتو، أول مره فى حياتي أشوف بنت فى قوتها وجرأتها، كان واضح جدا إنها مش فى أحسن ظروفها وواضح إن جواد كان متخانق معاها ورغم كل ده وقت قدامه وأتحدته وأنا عمري ما شوف حد قدر يتحدى جواد لحد النهاردة.

أبتسمت "ماجدة" بحسرة على جرأة تلك الفتاة التى تؤكد لها إنها قد ورثت هذه الصفة من أبيها وإنها لازالت تحمل الكثير والكثير من صفات أبناء هذه العائلة العنيدة.

ولكنها تشعر أيضا بالخوف الشديد عليها فهذا، أبن أخيها تربى وترعرع على أيد "هناء" ولهذا لا يضعف أو يحن، هو يحمل بداخله الكثير من الكراهية والغضب تجاه تلك الفتاة وأيضا تربية "هناء" ستكون لها تأثير قوي عليه، ترى ما الذي سيفعله بتلك المسكينة؟

لم ينتبه أي منهما لتلك التى تقف بجانب باب الغرفة وأستمعت لكل ما دار بينهما كعادتها، هى دائما تصتنت عليهم حتى تكون على علم بكل ما يحدث فى هذا المنزل، بل بهذه العائلة بأكملها.

أبتسمت "هناء" بمكر على ما أستمعت إليه وعزمت على أن تستغله لإشعال النار بين "جواد" وهذه الفتاة التي ستتلذذ بما سيفعله بها "جواد" بعد ان يستمع لما ستقوله له.

صاح هاتف "زينة" مُعلنا عن وجود إتصال لها لتجدها صديقتها التى أتفقت معها على أن يخُرجان معا، لتوجه حديثها نحو "ماجدة" بحب:

- طب يا روح قلبي، أنا خارجة دلوقتي ولما أرجع نبقى نكمل كلامنا.

أومأت لها "ماجدة" بالموافقة وأنسرفت "زينة" سريعا من المنزل.

❈-❈-❈

صدح صوت جرس الباب بأرجاء المنزل معلنا عن مجئ أحد، توجهت "ملك" لفتح الباب لتصرخ منصعقة عندما رأته:

- باباا، ألحقوني هيخطفني أنا كمان زي ما خطفوا ديانة.

للحظة تجمد "إياد" بمكانه مما أستمع إليه ومن صراخ تلك الفتاة وكأنها طفلة صغيرة، وبلحظة أسرع فى وضع يده على فمها مُغلقا ذلك الانذار الموجود بحنجرتها:

- هششش أيه سرينة عربية!! أنا عايز مالك أخوكي.

أتسعت عينا "ملك" بصدمة بينما أبعد "إياد" يده عن فمها لتصرخ مره أخرى:

- عايز أيه من مالك كمان ياعصابة.

دفعها "إياد" من ذراعها إلى الدخل بفقدان أمل بها مردفا:

- لا اندهيلي حد كبير أكلمه، أنا زهقت من صداع العيال ده.

أعتلت وجهها ملامح الغضب والانزعاج من معاملته لها وكأنها طفلة، لتصيح بوجهه بعد أن شعرت بقليل من الأمان تجاهه:

- أيه أندهيلي حد كبير دى!! أنت شيفني عيله صغيرة؟

أغمض "إياد" عيناه بنفاذ صبر من كثرة ثرثرة تلك الفتاة، بينما أعاد نظره إليها مرة أخرى متفحصا تلك التى تُصيح وكأنها فى العاشرة من عمرها، بينما جسدها كأنثى بالغة ويصرخ بالأنوثة ليضيف:

- هو أنتي متعرفيش تتكلمى من غير سرسعة!! طب يا أنسة هاعملك على إنك مش عيله، أنا إياد المنزلاوي مدير إدارة شركات الدمنهوري للعقارات وصاحب جواد الدمنهوري وطبعا أنتي عارفة الباقي.

أمتعضت ملامحها غضبًا عند سماع أسم ذلك الحقير الذي أختطف شقيقتها، لتصيح به بغضب:

- أيوه أنت شعال عند المجرم اللي خطف ديانة، جي عايز مالك في أيه دلوقتي.

رفع حاجبه بإعتراض على حديثها مُضيفا بتصحيح:

- أولا مسمهاش شغال عنده أسمها شغال معاه، ثانيا مسمهاش خطفها أسمها أتجوزها، ثالثا أنا مش جي اؤذي حد، بالعكس أنا جي أطمنكم عليها ولو مجيتى ملهاش لازمة يبقى بعد أذنك.

التفت "إياد" وكاد أن يذهب بينما شعرت "ملك" بالحرج من طريقتها معه دون مبرر هو حتى لم يأتي لأزعاجهم بل جاء لكي يُطمئنهم، لتهتف بارتباك وعدم تركيز:

- إياد.

ماذا الذي حدث الأن! هي فقط نادته بأسمه، لما اذا شعر بتلك القشعريرة التى صارت بجسده للحظة!! اهذه أول مره يُناديه احدا بأسمه!! بالطبع لا، لما اذا شعر بذلك؟ اللعنة على جسده العاهر.

سريعا ما أستطاع "إياد" إعتدة السيطرة على نفسه وأستدار إليها مرة أخرى، لتتقدم هي عدة خطوات تجاهه مُحمحة بعد إدراكها بما تفوهت به مُعتذرة:

- قصدي أستاذ إياد، أنا أسفه على الطريقة اللي قابلتك بيها، بس أنت أكيد مقدر الظرف اللي أحنا فيه.

أبتسم لها بهدوء مُحاولا إشاح نظره عن تلك الكريزتان الذي تمني منذ أول مرة ألتقى بها أن يلتهمهم، ولكنه يُحاول السيطرة على نفسه، ولكن كيف لزير النساء ذاك أن يُسيطر على نفسه أمام كل هذا الجمال؟ ليُعقب:

- متتأسفيش أنا مقدر كويس اللي أنتوا فيه، وعشان كده كنت جى أطمنكوا، أومال فين مالك؟ لسه مرجعش ولا أيه!

شعرت تجاهه بالكثير من الراحة والاطمئنان مُأكدة لنفسها إنه شحص جيد أفضل من ذلك "الجواد" المغرور لتجيبه بثقة:

- مالك لسه فى أسكندرية، قدم طلب نقل لهناك وهيدورلنا على بيت هناك عشان نبقى جمب ديانة لحد ما نشوف الموضوع ده هيخلص على أيه، لأن ماما حالتها صعبة جدا وعايزه تبقى جمبها.

لم يُدرك لما شعر بهذا القدر من السعادة عندما علم بانتقالهم إلى هناك، لما يخطط عقله الأبله، ليعقب بلباقة:

- أسكندرية هتنور، ممكن أخد رقم تليفونك؟ يعني عشان أبقى اطمن وصلتوا أمتى وأبقى اطمنكوا على ديانة.

يا له من مُحتال هو لم يترك فرصة مهما كانت صغيرة إلا وأستغلها ولكن لما كل هذا؟ بينما أبتسمت الأخرى بود وقامت بإخراج هاتفها من جيب بنطالها المنزلي وقاموا بتبادل أرقام الهواتف، ليبتسم لها بإعجاب مُضيفا:

- أنا هستأذن أنا بقى وأول ما توصلوا أديني خبر.

بادلته الابتسامة بعد أن شعرت بطيف إعجاب بشخصيته وحديثه ومُعاملته معها مُعقبة:

- أكيد إن شاء الله.

التفت "إياد" ذاهبًا وظلت هي تُطالعه حتى أختفى من أمامها، لتعود إلى الداخل مرة أخرى.

❈-❈-❈

صف سيارته بالمرأب الخاص بقصر والده وهو لا يعلم كيف سيُصلح الأمر بينه وبين شقيقته بعد ما فعله فى صباح اليوم، هو حقا لم يكن يريد أن يُخيفها ولكنه كان مُشوشًا حينها، ليرى ماذا بوسعه أن يفعله حتى يُراضيها.

ترجل من سيارته مُتجها إلى داخل القصر ليُلاقيه هذا الصوت المُرحب به بلهفة وسعادة:

- جواد بيه ده أيه الخطوة العزيزة دي، نورت القصر كله

قابلها بجموده الذي أعتاد عليه جميع من حوله، لُعقب بثبات دون أن ينظر لها وهو لايزال يتقدم بتلك الخطوات نحو الداخل وهى تتبعه بأحترام:

- أهلا يا حُسنة، فين زينة.

أجابته بلهفة وأحترام وهى مازالت تتبعه:

- زينة مش هنا خرجت مع واحدة صحبتها من قيمة ساعة كدة.

توقف وهو يزفر براحة من عدم وجودها، فهو كان يخشى لقائها معه، لطالما كان لا يُجيد الاعتذار ومُحاولات الإرضاء فإذا كانت تدللت عليه حينها لن يستطيع السيطرة على غضبه، ليلتفت ثم أضاف بإقتضاب:

- طيب أبقى عرفيها إني جيت سألت عليها.

- جواد.

كاد أن يُغادر ليوقفه صوتها الجامد الخالي من أية مشاعر او إحساس، والذى لم يفشل ولو لمرة أن يُشعره بالعجز والتوهان بين مشاعره التى لم يفهمها بعد، أهو يُحبها أم يخاف منها؟

ليُغمض عيناه بنفاذ صبر من ذلك اليوم الذي لا يريد أن ينتهي بسلام، ليأتيه صوتها الممتلئ بالحدة والذى لا يقل شيء عن جموده:

- هو أنت ملكش فى البيت ده كله غير زينة ولا ايه؟
رمقها بنظرة خاطفة مُضيفا بهدوء مُميت:

- كنت مستعجل.

أدركت "هناء" إنه ليس فى مزاج رائق ليتحدث الأن وأن به أمرًا يُغضبه، لتستغل تلك الفرصة عازمة على أن لا تجعلها تمر مرار الكرام مردفة بهدوء مماثل له:

- فين الامانة؟

شعر بالغرابة من سؤالها الذي لم يستطع أن يفهمه، عن أي أمانة تتحدث! وماذا تعنى بكلمة "أمانة" تلك!! شعر بالتخبط من كثرة التفكير ولكنه عمل جاهدًا على أن يُحافظ على ثباته وهدوئه مُستفسرًا:

- أمانة أيه!

بالطبع لن يفهمها فهي أعتمدت على استخدام الألغاز، ولكنه ليس بساحر حتى يُخمن ما تفكر به، لتعزم على أن تترك حيائها كأنثى على جنب وتتحدث معه كأحد الرجال الذى لا يعرف للخجل معنى، لتعقب مُوضحة:

- فين شرف مراتك؟

للحظة لم يستوعب عن ماذا تتحدث تلك المرأة؟ ليعجز عن السيطرة على ملامح وجهه التي ارتسمت عليها علامات الإنفعال والمُطالبة بالتوضيح:

- مش فاهم!

صاحت به زاجرة إياه بحدة يعتاد هو عليها منها دائمًا منذ أن كان طفلًا صغيرًا:

- لا أنت فاهمني كويس أوى يا جواد وعارف أنا عايزه أيه، وده حقي عشان أنا اللي ربيتك بعد أمك الله يرحمها، وعشان بردو أنا وأنت ومراتك من عيلة واحدة وشرفنا واحد، وبما إن عمتك ماجدة أنت عالم بحالها وأبوك مشغول فى شغله يبقى مفيش غيري يجري ورا الشرف ويعرف مين اللي حافظ ومين اللي فرط.

حقا هى تتحدث معه بهذا الامر! إذًا بما إنها لم تخجل بالحديث معه فى هذا الموضوع، هو أيضا لن يخجل وسيُحدثها بطريقتها، ليُضيف مستفسرًا:

- أنتي عايزاني أنام معاها؟

ما تلك المرأة التي لا تعرف للخجل أو للحياء معنى! أهي لا تُدرك إنها تتحدث مع أحد الرجال الناضجين؟
كيف سمحت لنفسها أن تتحدث معه بهذا الأمر؟ لتُفاجئه بالمزيد من جراءتها وإنعدام حيائها موضحة:

- لأ وأظن مش أنا اللي هقولك تجيبه أزاى؟ فى مليون طريقة وأنت راجل وفاهم، ممكن تاخدها عند دكتورة وتتأكد هي بنت أو لا وتخلي الدكتورة تعملها فض لغشاء البكارة وتجيبه توريهولي، وممكن تعملها أنت بنفسك من غير ما تنام معاها، ولو مش هتعرف تنفذ أي حل من دول أنا اقدر أتصرف واجيلها بنفسي.

أشمئزت ملامحه وشعر بالغضب والشديد من حديثها، أهى تُقلل منه بحديثها هذا مثلما كانت تفعل به وهو طفل صغير؟ أهى تُغضبه مثلما تفعل دائما!! لا لن يعطي لها الفرصة على إثارة غضبه هذه المرة، ليُعقب ببرود وهو يضع يده بجيب بنطاله:

- أنا ميهمنيش كل اللى بتقولى عليه ده،أنا متجوزها بس عشان أذلها وأكسرها ولما أبقى أفش غليلي أبقى أموتها وأخد حق أمي، لكن غير كده ميهمنيش.

التفت وكاد أن يُغادر لتمنعه بجذبها إياه من ذراعيه وقد وصل غضبها حد السماء من بروده وعناده، لتصيح به:

- أنت لحد أمتى هتفضل مش راجل كده؟ قاعدت سنين لحد ما عرفت تجيبها ويوم ما جبتها أتجوزتها ولحد دلوقتى مشوفتش تعذيب أو ذُل أو أي حاجة من الكلام اللي بتقول عليه ده، حتى الحاجة الوحيدة اللي تهمنا منها بتقول مش فارقة معاك.

لاحظت أن كلماتها بدأت تؤثر به خصيصًا عندما ذكرت تربيتها له وماضيهم معا، لتصرخ مُضيفة:

- أيه يا جواد بنت عمك اللي بقت مراتك كانت قاعدة فى بيت ناس غريبة بقالها عشرين سنة مع أتنين رجالة أغراب عنها، والله أعلم كانوا بيعملوا معاها أيه، لا وكمان كانت حبيبه، رايحه جايه مع واحد الله أعلم العلاقة بينهم وصلت لحد فين؟ ده لو مكنتش باظت من البيت اللي اتربت فيه أصلا، وإلا مكنش الشاب اللي كانت عايشة معاه جيه هنا وقعد يزعق ويقول عايز ديانة، عايز مراتك يا جواد!

قالت جملتها الاخيرة بتهكم لتصل إلى ما تريد وقد نجحت بالفعل فالأن جواد يشتعل غضبا وكراهية لتلك الفتاة أكثر مما كان بداخله لها.
2

ليرمقها بأعين تشتعل غضبا ثم توجه إلى باب القصر ذاهبا وهو يقسم بداخله على أن يقتل أي شخصا يقف بطريقه.

❈-❈-❈

••

- بالله عليك يا محمود نأخدها معانا ونربيها مع مالك، دي شبه الملايكة الله يخليك قلبي مش مطوعني أسيبها أو نديها لحد تاني، أنا حبيتها أوى.

نظر لها "محمود" بقلة حيله ثم نظر إلى تلك الصغيرة التى لا حول لها ولا قوة، ليتنهد مُجيبا إياها بإستسلام:

- الله المستعان، ربنا يعينا ويقدرنا على تربيتها هى وأخوها.

ابتسمت "منال" بساعدة ثم أحتضنت تلك الفتاة الجميلة متمتمة:

- أوعدك يا بنتي طول منا عايشة مفيش حد هيقرب منك ابدا وعمري ما هفرق بينك وبين عيالي أبدا.

أغمضت "لبنى" عينيها بقهرًا بعد أن أطمأنت على أبنتها وإنها قد وقعت بين يدي تلك الاسرة الرحيمة التي سترعاها دائما وأن دعواتها قد استجابت.

هبطت "لبنى" سريعا من القطار ومن ثم تحرك القطار مُتجها إلى وجهته، لتودع أبنتها للمرة الأخيرة وظلت تنظر إلى ظهر القطار ودموعها تنهمر من عينيها إلى أن أختفى نهائيًا.

قطعت "لبنى" تذكرة لإحدى المُحافظات الاخرى حتى تستطيع خداع "هاشم" لكى لا يعلم أن أبنتها أتجهت إلى القاهرة وظلت تجلس فى القطار منتظرة أن يتحرك أو يجدها "هاشم".

لم ترى تلك اليد إلا عندما جذبت شعرها حتى كاد أن يتمزق من شدة جذبته لها، ليصبح وجهها مُقابلا لوجهه وأستطاعت أن ترى تلك الدموع المُتحجرة فى عيناه، ليصيح بها فى غضب:

- فاكرة نفسك هتهربي مني يا لبنى، تهانى واللي فى بطنها ماتوا وماجدة بقيت عايشه زي الميتة، وأنا بقى هخليكي تتمني الموت كل ثانيه وأنا بقطع فى لحمك أنتي وبنتك و...

توقف من تلقائه نفسه عندما لاحظ عدم وجود تلك الرضيعة معها، لُيهشم أسنانه بغضب وأخذ يشد على جذبته لشعراها مُردفا بغضب:

- البت فين؟

•••

أغمضت "لبنى" عينيها بألم على تلك الذكريات المريرة وهذا الظُلم الذى وقع عليها دون أن تفعل شيئا، لتتذكر أبنتها التي نجحت فى إخفائها طوال العشرون عاما ليأتى ذلك "جواد" ويجدها بل ويتزوجها أيضا.

أخذت تبكى وتتحصر على ما حدث لها ولأبنتها دون أية ذنب لهما، وها هما الأن يقعان ضمن ضحايا ذلك الهوس المريضي والذي تظنه تلك المرأة بأنه يُسمى حب.

❈-❈-❈

وصل إلى منزله وقد صف سيارته بالمرأب الخاص به وهو لا يزال يشعر بالغضب الشديد مما تحدثت فيه "هناء" معه، وبعد أن فكر كثيرًا بحديثها توصل إلى حل إنه سيأخذها إلى الطبيبة كما أخبرته كى يتاكد مما قالته "هناء" له.

هو على أى حال لن يلمسها أبدا حتى لو أصبحت أخر نساء العالم، فهى أبنة تلك المرأة التى قتلت والدته ولن يكن بينهما سوا الكراهية والأنتقام.

صعد السلم حتى وصل إلى باب الغرفة الموجودة بها وقبل أن يقوم بفتح الباب أستمع لبكائها وهي تتحدث وكإنها تتحدث إلى شخص ما، ليقترب أكثر إلى الباب حتى يستمع لما تقول:

- أنا بجد أسفة يا أدهم أنا فعلا مكنش قصدي أجرحك باللى حصل، أنا بس خوفت عليك إن يحصلك حاجه، جواد ده معندوش رحمة وشخص حقير جدا وعشان كده أنا بحررك من كل الوعود اللي أخدنها سوا وبترجاك تنسى كل اللى كان بينا، الحيوان اللي أنا عايشة معاه ده مش عارفة هو عايز مني أيه وخايفة عليك منه، أرجوك يا أدهم سامحني وأعرف إني مليش ذنب وإني عمري ما لعبت بيك وإنى هعيش عمري كله أحترم الذكريات الحلوة اللي عشناها مع بعض.

لم يستطع التحكم فى غضبه أكثر من ذلك ليقوم بدفع الباب بقدمه، وقبل أن تقوم بالضغط على زر الإرسال لتلك الرسالة الصوتيه التي كانت تسجلها، أستمعت إلى صوت تحطيم باب الغرفة، لتجده يتجه نحوها بسرعة جازبها من شعرها صارخًا بها بغضب:

- الذكريات الحلوة اللي عشتوها مع بعض هاا، والله العظيم لخليه أخر يوم فى عمرك وعمره يا بنت الكلب يا فاجرة.
+

يتبع...

جذبها  من خصلاتها راغما إياها على النهوض والوقوف أمامه والنيران تتأكله، ليصرخ بها مستفسرًا:

- أيه هي بقى الذكريات الحلوة اللي عشتوها مع بعض وهتفضلي فكراها يا وس** يا بنت الوس**.

صفعها عدة صفعات لدرجة إنها لم تستطع التحدث، فقط كل ما يصدر منها هو صوت صراخها من ألم صفعاته.

بينما زاد من شدة جزبه لشعرها بغضب كبير لتتأوه هى بألم، ولكنه لم يكترث لألمها فهو ولأول مرة يصل إلى هذه الدرجة من الغضب وفقدان السيطرة على نفسه، هو المعروف عنه إنه لا يغضب ولا يثور بل هو شخص لديه ثبات إنفعالي وهادئ، لا يستطيع أحد أن يفقده أعصابه بإستثناء "هناء"، ولكنها أستطاعت أن تُيقظ هذا الوحش بداخله لتُصيبها لعنته.

ظلت "ديانة" تصرخ بين يديه وهي لا تستطيع التحدث من كثرة الألم وإنه لا يترك لها مجالا للحديث، ليصعقها بسؤاله والغضب يتطاير من زرقاوتيه وهو مازال على قبضة شعرها:

- أنتي مش بنت بنوت صح؟

أتسعت عينيها بصدمة من سؤاله، وكان لسانها أنعقد من الصدمة، كيف يسألها سؤالا كهذا؟ ألم يستمع إلى والدها وهو يخبر المأذون الذي عقد قرانهما إنها بِكرًا!! بماذا فسر حديثها إلى "أدهم".

من شدة إرتباكها وهلعها كادت أن تفسر له ما قصدته بحديثها ولكنه لم يعطيها الفرصة وباغتها بسؤال آخر وهو يرمها بنظرة تدب الرعب داخل قلبها مردفا باشمئزاز:

- ويا ترا أنهي ع** من الاتنين اللي نام معاكي الوس* اللي كنتي نايمة فى بيته ولا الخ** التاني اللي كنتي ماشيه معاه وكنتي بتكلميه دلوقتي وأنتي على ذمتي يا ش*****.
1

لم تستطع أن تحتمل تلك الإهانة والكلمات التي ينعتها بها، هو لا يُشكك فى أخلاقها فقط بل يسبها بالشخص الذي كانت تراه دائمًا أخًا لها ولم تراه غير ذلك ولو لمرة واحدة، بل ويسبها أيضا بالشخص الذي أحبها وظلت طوال معرفتها به تُعامله بحدود، حتى لم تكن تسمح له بلمس يدها، كيف له أن يقول عنها هذا الكلام؟

شعرت بالكثير من الغضب تجاه ذلك الحقير الذي تمادى كثيرًا، لتستطيع التملص من قبضته على شعرها لتقوم بصفعه على وجهه وهي ترمقه بتقزز صارخة فيه:
- أخرص يا حيوان يا قذر، أنا أشرف من أهلك.

"جواد الدمنهوري" الرجل الذي يخشاه الجميع ويتلاشوا الوقوف أمامه للحديث فقط، تأتي تلك العاهرة اللعينة وتقوم بصفعه!! هذا الفعل لم يتجرأ على أن يفعله أحد الرجال، إذا سيريها ماذا يفعل هذا الحيوان القذر بها.
رمقها بأعين تزرف النيرات وملامح صارمة جعلت جسدها يُقشعر من شدة الرهبة، وبلحظة قبض على عنقها بغضب مما جعلها تظن إنه سيخنقها ويأخذ روحها، وهذا ما كاد أن يفعله قبل أن تضربه فكرة أكثر منها ألمًا.

ليسحبها تجاه الفراش مُلقيا إياها فوقه رامقها بنظرة مرعبة مردفا بإقتضاب:

- هنشوف.

أنقض عليها مُمزقا ذلك البنطال الخفيف الذي كانت ترتديه منذ أن جأت معه إلى هذا البيت بين صرخاتها الهالعة، ثم أخذ يستعمله فى تكبيل يديها ووضعهما خلف ظهرها ليشل حركتها.

ومن ثم أدار جسدها ليجعلها فى موجه وجهه ويديها بين ظهرها والفراش وسريعا ما هبط عند قدميها وهي تصرخ فيه بفزع وهلع:

- هتشوف أيه؟ أنت أتجننت.

لم يكترث لصُراخها وسريعا قام بخلع سروالها الداخلي لتصرخ بذعر وفزع مما هى مُقبلة عليه، وبمجرد أن نزعه عنها حاولت الدفاع عن نفسها بقدر ما أستطاعت.

لتقوم بدفعه بقدميها فى صدره مُحاولة منها لدفاع عن نفسها، فى أول مرة نحجت فى إبعاده عنها ولكنه سريعًا ما عاد إليها مرة أخرى، لتحاول مرة أخرى ولكنها لم تنجح هذه المرة، ليقوم بالسيطرة على قدميها بين يديه مردفا باشمئزاز:

- هشوف أنتي فعلا أشرف من أهلي ولا لأ! مع إني متأكد إنك متعرفيش عن الشرف حاجة غير مجرد الاسم اللى بعد أسمك فى شهادة الميلاد، وده مش غريب على بنت لبنى.

ترك قدميها تسقط على الفراش  أبتعد عنها قليلا، ثم قام بخلع سترته وإلقائها أرضا، مُلحقها بتحرير أزرار قميصه ونزعه عن جسده، بينما عاد إليها مرة أخرى ومازال القيص بيديه.

شعرت "ديانة" بالرعب من نظرة "جواد" لها التى تحمل الكثير من الغضب والتوعد ليصدمها بقبضته على قدميها ثم قام بإبعادهما عن بعضما وسريعا ما جلس بين قدميها مثبتا اياهما بركبتاه ولايزال ممسكا بقميصه.

عُريها وتقيدها أمامه بهذه الطريقة وحدهم كافيان لتوقيف قلبها، لماذا خلع عنها ملابسها وقيدها بهذه الطريقة؟ ماذا سيفعل بها؟

الكثير من التخيلات تنههش رأسها، ليخرجها من دوامة تلك الأسئلة أقترابه الشديد منها، لتعود للصُراخ الهستيري مرة أخرى:

- أنت هتعمل أيه؟ أبعد عني.

رمقها باشمئزاز مُصرًا على إنها ليست عذراء وإنها تدعي البرأة فقط، مزق قميصه الذي نزعه عن جسده منذ لحظات وقام بلفه حول أصبعين يده اليُمنى بعد إن جلس أمامها مباشرة على الفراش، مُجيبا إياها بإستهزاء:

- مكنتش عايز أعمل فيكي كده، كنت هوديكي لدكتورة تتصرف هي معاكي، بس واضح كده إنك من النسوان الش***** اللي بتحب الأهانة والذل، وأنا مش هحرمك من حاجة.

أدركت ما يود أن يفعله بها بعد أن ألتقط ساقيها مرة واحدة وجلس بينهما مفرقهم عن بعضهم، لتصرخ "ديانة" بفزع وذعر مما أوشك على فعله بها:

- لأ لأ، متعملش كده، أرجوك لأ، أبعد عن.. آآآآه.

صرخت بألمًا كبير بعد أن أخترقها دفعة واحدة بواسطة يده وقام بفض غشائها بتلك الطريقة المُهينة المعدومة من الرحمة والانسانية، تاركا لها ألمًا لا يُوصف أو يُحتمل هذا لم يكن ألمًا بجسدها فقط بل فى روحها أيضا، لتسكن بحسرة بعد أن شعرت بدمائها تسيل من بين قداميها.

بينما هو بمجرد أن رأى تلك الدماء نهض بفزع ورعب مُلقيا ذلك القميص المُلطخ أرضًا، فقد تذكر تلك الدماء وهى تسيل من بين قدمي والدته عند سقوطها من أعلى الدرج، لُيزيد فوق ذلك صدمته بكونها عذراء ولم يمسُها شخصا قط، رمقها بنظرة تخبط وسريعا ما توجه نحو المرحاض تاركًا إياه على نفس وضعيتها تلك.

❈-❈-❈

ألقت بجسدها فوق الفراش بعد أن بدلت ملابسها، فقد عادت منذ قليل من خروجتها مع إحدى أصدقائها، تململت فى الفراش مُستدعية النوم، ولكن أفاقها رنين هاتفها.

تناولته متفقدة هواية المتصل، من الذى سيحدثها فى هشا الوقت، لتعتدل فى جلستها فور إن علمت أن المتصل هو "مالك" وسريعًا ما قامت بالرد، لياتها صوته مُعتذرا:

- أنا أسف جدًا لو كنت بكلمك فى وقت زي ده.

أجابته بلطف مُحاولة عدم إشعاره بالحرج:

- لا ولا يهمك عادي، أنا أصلا لسه صاحية، خير فى حاجة ولا أيه!!

شعر بالغباء الشديد لعدم إنتظاره لصباح الغد، لماذا دائما يندفع هكذا كالحمار المُتهور، ليحمحم بقليل من التوتر:

- أحم، لا أبدًا متقلقيش، أنا بس كنت عايز منك خدمة.

أنصت إليه جيدا بإهتمام مُعقبة:

- تحت أمرك.

تنهد بهدوء وهو يرتب الكلمات داخل رأسه قبل أن يخبرها بها ولايزال يشعر بقليل من الأرتباك والحرج:

- فى الحقيقة أنا كنت عايز أشوف بيت لأهلى عشان عايزين يجوا يعيشوا هنا فى اسكندرية عشان يبقوا جنب ديانة، وبصراحة أنا معرفش حد فى إسكندرية والوقت إتأخر إني ألاقي سمسار وأنا محتاج البيت فى أسرع وقت، فلو ممكن تساعديني.

عقبت بحماس قد تعجبت هي نفسها له مُضيفة:

- أكيد طبعا متقلقش، أنا أعرف سماسرا كتير بيشتغلوا مع بابا من وقت ما كنت بدور على مكان أعمله مرسم، سيب الموضوع ده عليا.

شعر بالراحة لوجود حل لديها لهذا الأمر لأن والدته لن تهدأ إلا عندما تأتي لترى "ديانة" ولهذا عليه أن ينتهي بسرعة ليضيف:

- لو كده ممكن نتقابل بكرا عشان نخلص بسرعة.

تعجبت من تسرعه هذا ولكنها لم تعلق عليه، وافقت على طلبه بإحترام:

- خلاص تمام بكرة إن شاء الله وهستنى منك تليفون تقولى هنتقابل فين وأمتى.

شعر بالأمتنان الشديد تجاها على مساعدة، ليضيف بلطف:

- شكرا جدا يا أنسة زينة على مساعدتك ليا.

لتجيبه بود ولطف متبادل:

- العفو على أيه بس، ده أقل واجب.

أبتسم بخفوت دون أن تلاحظ مُعقبا:

- تصبحي على خير.

فعلت هى الأخرى نفس الشيء مُجيبة:

- وأنت من أهله.

❈-❈-❈

ظل شاردًا تحت تدفق المياه بعد أن تخلص كامل ملابسه، بينما لم يتخلص من تلك الرجفة التى سيطرت على سائر جسدن منذ أن رأى تلك الدماء تنسدل من بين قدميها مثلما رأى والدته، يُدرك جيدا أن هذه الدماء هى عُذريتها التى لم يتوقع أن تكون لازالت موجودة بالفعل.

ضرب الحائط وهو يشعر بالغضب الشديد مما فعله، هو لم يرِد أن يفعل هذا أو يرى تلك الدماء، ولكنها هس من أجبرته على فعل ذلك، بالإضافة إلى حديث "هناء" الذي أثار غضبه كثيرا، وأيضا تلك الكلمات التي سمعها من تسجيل صوت "ديانة" لهذا الحقير، فكل هذا جعله لا يفكر جيدا ويفقد السيطرة على نفسه، اللعنة عليه.

أغلق صنبور المياه ثم تناول إحدى المناشف المُنطوية على الرف وقام بلفها حول خصره، ثم خرج من المرحاض ليجدها على نفس حالتها التي تركها عليها.

تعجب من سكوتها الغريب حتى إنها لم تُحاول أن تنهض أو تحرر نفسها، لدرجة إنه ظنها فقدت الوعي، أقترب منها متفقدها ليندهش من مظهرها.

هى مازالت متسطحة على الفراش مُكبلة بنفس الطريقة التي قيدها بها، حتى أن قدميها لايزالان مبتعدتان عن بعضهما والدماء تُلطخهما، بينما هي تنظر إلى سقف الغرفة والدموع تنسدل من عينيها فى حالة صمت تامة.

شعر بالقليل من الندم على فعلته بها وإنه لم يكن يحق له ما فعله، هو أفقدها أعز ما تملك بتلك الطريقة المُهينة التي لن يفعلها سوى من ليس لديهم أخلاق أو رحمة، بحياته لم يفعل هذا الشيء مع إمرأة من قبل.

تقدم إليها ببعض الخطوات حتى أصبح قريب منها للغاية، ولكنها لم تنظر إليه قط والدموع لاتزال تهبط من عينيها دون صوت، ليشعر بقليل من الشفقه تجاهها والإشمئزاز الشديد من نفسه، لماذا فعل هذا الشيء؟ اللعنة على تلك الشيطانة "هناء".

أقترب منها وكاد أن يتلمس وجنتها دون أن تراه، ليزجر نفسه بغضب مما كاد أن يفعله، أهو كاد أن يمسح دموعها؟ أيُحاول أن يُخفف عن أبنة المرأة التى أبكته هو وشقيقته كل هذه السنوات!

ما هو الخطأ الذى فعله بها؟ هو فقط فعل ما كان سيفعله أي رجل بمكانه دخل على زوجته وجدها تتحدث إلى شخض أخر وتمدح ذكرياتهما معا، هى من أضطرته لفعل هذا.
1

شعر بالحقد الشديد تجاهها وقام بجذبها من ذراعها حتى أجلسها على الفراش وسريعا ما فك قيودها، ليهتف موجها حديثه نحوها بإشمئزاز:

- قومي نضفي القرف اللي أنتي فيه ده وبلاش سهوكة بنات عشان أنا عارف الجو ده كويس أوي.

تركها وتوجه نحو غرفة تبديل الملابس، بينما ظلت "ديانة" تتابعه بعينيها بنظرات الكراهية والإحتقار حتى أختفى من أمامها.

نهضت من الفراش مُتجهة إلى المرحاض وهى تشعر بألم شديد فى جزئها السفلي، فهو لم يكن رحيما معها ابدًا وألمها بشدة، فتحت صنبور المياه مُحاولة التخلص من هذا الألم بواسطة المياه الدافئة.
أنتهت من أخذ حمامها وقامت بإلتقاط إحدى المناشف القطنية الكبيرة وقامت بلفها حول جسدها وتقدمت لفتح الباب، لتجده يجلس على الفراش بعد أن قام بإرتداء أحد البناطيل القطنيه ومازال عاري الصدر.

لم تكترث له ولم تتفوه بأية كلمة وسريعا ما توجهت نحو غرفة تبديل الملابس مُتحاشية النظر له، ليشعر هو بالغرابة من ردة فعلها الغير متوقعة، هى حتى لم تغضب أو تصرخ به كباقي النساء إذا حدث لهم شيئا كهذا!

التشتت هو أقل ما يصف هذا التناقض الذي يحدث بداخله على ما يفعله بها، هناك صوت يخبره إنها تستحق ما يفعله بها، وصوت أخر يُخبره إنه يظلمها وإنها لا تستحق هذا وإنها ليس لها ذنب فى كل ما حدث فى الماضي.

نهض مُتجها نحو الشرفة مُحاولا أن يهدأ قليلا ويُصمت هذا الشجار الذى يحدث بداخله، بينما خرجت "ديانة" من غرفة تبديل الملابس مُرتديه أحد قمصانه سوداء اللون، فهى لم يكن لديها ملابس سوا ذلك السروال التي كانت ترتدية أسفل فستانها وهو قد مزق كلاهما.

ليس لديها سوا ملابسة لترتديها، ولهذا أرتدت ذلك القميص الأسود والذي يصل إلى منتصف فخذيها وهذا لصغر حجم جسدها مقارنة له، ولكنها لم تجد شيء مناسبا لترتديه أسفله، لهذا لم ترتدي شيء غيره.

تفاجأت عندما لم تجده فى الغرفة وظنت إنه ذهب لينام بغرفة أخرى، ولكنها لاحظت وجوده بالشرفة، لتدرك إنه يخطط لنوم معاها اليوم أيضا بنفس الغرفة  ولكنعا لن تستطيع أن تثق فيه أن ينام بنفس الغرفة معها بعد ما فعله بها،خصيصا وهى ترتدي هذه الملابس.

أتجهت نحو باب الغرفة الذي ظنت إنه تحطم مما فعله ولكنه وجدته لايزال بخالة جيدة، لتغلقه جيدًا ثم أتجهت نحو الشرفة وأحكمت غلق زجاجها جدا من الداخل وأغلقت الستائر نصف غلقة.

أستلقت على الفراش وهى تشعر بقليل من السكون بعد أن أطمئنت من عدم وجوده بجوارها هذه الليلة، لتغمض عينيها مُحاولة النوم وإخماد تلك الحسرة الموجودة بقلبها.

شعر "جواد" بالقليل من البرد أثر وقوفه بالشرفة دون ملابس علوية ليعود إلى الغرفة مُحاولا فتح الباب ليجده لا يُفتح، نظر داخل الغرفة ليجدها مُظلمة وهي نائمة على الفراش والغطاء فوقها ويبدو عليها النعاس.

لعن تلك الغبية، كيف لها أن تغلق الشرفة قبل أن تتأكد أن ليس بها أحدًا، سيحاسبها على هذا لاحقا، أخذ يطرق على الزجاج مُحاولا إيقاظها ولكن دون فائدة، ليصيح بغضب وهو يشعر بزيادة البرودة:
1

- أصحي يا غبية أنتي.

فقد الأمل من أستيقتذها ليزفر بحنق وأتجه إلى أحد المقاعد وأستلقى عليه مردفا بغيظ مكتوم بين اسنانه:

- أدي أخرة الحنية يا سي جواد، قال صعبانة عليك قال.

❈-❈-❈

أستيقظت "زينة" من نومها على صوت رنين هاتفها مُعلنا عن وجود إتصالا لها، فركت عينيها ثم نظرت إلى هاتفها لتجده "مالك"، لتلتقطه وتجيب عليه بقليل من النعاس:

- أمم ألو

شعر بالخجل الشديد كونه أيقظها من نومها ليعقب بحرج:

- صباح الخير، أنا أسف لو كنت صحيتك.

أعتدلت فى جلستها مُحاولة إيفاق نفسها بعد أن لاحظت حرجه منها، لتُجيب بهدوء:

- صباح النور، مفيش أسف ولا حاجة أنا أصلا كنت هصحى دلوقتي.

لاحظ "مالك" مُحاولتها لعدم إشعاره بالاحراج ليضيف:

- طب أنا هسيبك دلوقتي تفوقي وتغيري هدومك ولو ينفع أبقى أعدي عليكي عشان نشوف موضوع البيت ده وبالمره نفطر سوا.
1

أبتسمت "زينة" على لطافته معها لتوافقه على طلبه:

- مفيش مشكلة أديني ساعة واحدة وأكون جاهزة.

هتف مبتسما بأعجاب على ذوقها معه قائلا:

- تمام الساعة تسعة بالظبط هكون عندك.

أغلقت معه المكالمة لتبتسم دون أى مبرر منها عن سبب أبتسامتها، وشعر بداخلها بالغرابة لإهتمامها الشديد له، ما الذي يحدث لها؟ هل هي مُعجبة به! زجرت نفسها سريعًا على ما تفكر به وهى تضرب رأسها بيدها قائلة:

- روحي خدي شاور وبطلي هبل.

❈-❈-❈

فتح عيناه ليجد نفسه نائمًا على وجهه فوق تلك الاريكة الموجوده بالشرفة، لينهض راغمًا نفسه على الأستيقاظ من ذلك النعاس، أعتدل فى جلسته ثم أخذ يمرر يده على شعره مُساويا إياه.

نهض مُتجها نحو زجاج الشرفة الذي ظن إنه لايزال مُغلقا وإنها نائمة، ليتفاجى بالزجاج مفتوحًا والغرفة منظمة ومرتبة ومفارش الفراش مُبدله، حتى قميصه المُلطخ بالدماء أختفى.

شعر بالقلق من أن تكون أستغلت نومه وهربت من البيت، ليُسرع فى البحث عنها فى جميع أركان الطابق العلوي ولكنه لم يجدها، ليهبط الدرج ليبحث عنها فى الطابق السُفلى للمنزل.

كاد أن يخرج من البيت ليسأل الحرص عنها ولكن فى طريقه وجدها تجلس على إحدى الطاولات بالمطبخ وتتناول الطعام دون صوت.

شعر بالإنزعاج منها ولكنه حاول أن يُكبر الأمر، لذا توجه نحوها وهنا أستطاع أن يرى ما ترتدية، أليس هذا قميصه! ما الذي تفعله بقميصه؟ نعم اللعنة على غبائه، هي لم تحضر ملابسها وعو قد مزق لها ما كانت ترتديه، لهذا ترتدي ملابسه.

للخظة شعر إنه يريد أن يبتسم ولكن سريعا ما تلاشت تلك الفكرة من راسه، ليجلس على الطاولة فى مقابلتها مُتدعيا غطرسته أمرًا إياها برود:

- قومي حضريلي الفطار.

أتاها صوته لتشعر بالقشعريرة فى سائر جسدها، فقد أصبحت تكره أنفاسه ليس صوته فقط، ولكنها لم تكترث له حتى إنها لم ترفع عينيها خارج صحنها وكأنه غير موجود.

بينما غضب هو من تجاهلها له ليزجرها بغضب وحدة:

- بكلمك!!

مرة أخرى تتجاهله وكأنها لا تسمعه، ليشتعل غضبا وسريعًا ما قبض على ذراعها جاذبًا إياه مُضيفًا بغيظ:

- لما أكون بكلمك تبصيلي وتردي عليا.

سريعا ما ألتقت "ديانة" إحدى شوك الطعام من على المائدة بيدها الأخرى وقامت بغرسها داخل ظهر كف يده، ليتركها متألمًا بعد أن شعر بأختراق يده وراى تلك الدماء.

لترمقه بهدوء وملامح باردة لا يبدو عليها أية إنفعال أو غضب مُعقبة:

- أخر مرة تفكر تحط إيدك عليا فيها، عشان المرة الجاية هتبقى السكينة هي اللي راشقة فى قلبك مش الشوكة.

تركته ونهضت مُتجه نحو الدرج لكي تصعد إلى الغرفة، بينما كاد هو أن يلحقها ويُحطم رأسها ليوقفه صوت جرس المنزل، ليتغير مساره مُتجها إلى الباب مُتسائلًا من سيأتى له باكرًا هكذا:

تأكد من صعودها إلى غرفتها وفتح الباب ويده لاتزال ينسدل منها الدماء، ليأتيه صوته المازح بعد أن دلف دون أستئذان أو النظر إليه مردفا بمشاكسة:

_-لا مهو أحنا مش مكتوب كتابنا عشان لما نكون شادين مع بعض متكلمنيش، فى عندنا شغل يا بيه وحضرتك مش بترد على تليفونك و...
1

توقف "إياد" بصدمة عندما ألتفت إلى "جواد" ورأى تلك الدماء تنسدل من يده، ليصيح فيه بشيء من الصدمة:

- أيه ده فى أيه! أنت بتنتحر ولا أيه؟

رمقه "جواد" بملل من مُزاحه السخيف بالنسبة له، فهو لا يُحب المُزاح ولكن صديقه كل مرة يشعر إنه كاد أن يخسره يعود إليه مرة أخرى دون أن يطلب منه حتى، وكأن صديقه يشعر إنه يحتاج إليه فما المانع أن يُسايره فى مزاحه حتى لا يضطر أن يعتذر منه على ما فعله، ليبادلة بتأفف:

- والله لو مكتوب كتابنا لطلقك الثانية دي.

ضحك "إياد" بشدة على كلمات "جواد" الذي يعلم جيدا إنه يحاول أن يراضيه بها، فهو قليلا جدا ما يسمح لاحد أن يمزح معه، ليُسايره "إياد" بعد أن تأكد من عدم وجود "ديانة" مردفا بصوت أنثوى صارخًا كالعاهرات:
1

- لا يا جواد لا، أوعى تعمل كده، أهون عليك تطلقنى قبل ما ندخل.

قال كلماته الأخيرة بهمس حتى لا تسمعه "ديانة" ليجيبه "جواد" باشمئزاز مصطنع:

- أنا كنت عارف من الأول إنك عيل مش تمام

ضحك "إياد" بصوته كله بينما أبتسم "جواد" على صديقه ومزاحه، ليرمقه "إياد" بجدية بعد أن توقف عن الضحك مُستفسرًا:

- لا بجد أيه اللي حصل لأيدك؟

أختفت أبتسامة "جواد" بعدما تذكر ما فعلته "ديانة" بيده لتتحول إبتسامته إلى غضبًا كبير، ليلاحظ "إياد" تغير ملامحه ليعقب بقلق:

- فى أيه؟

زفر "جواد" بضيق وقد توجه إلى المياه وقام بغسل يده وتناول بعض المناديل الورقية مُجيبًا إياه:

- مفيش أتخبط فى أيدي.
علم "إياد" أن "جواد" يكذب عليه، فهذا ليس إرتطامًا عاديًا، وتأكد من تفكيره عندما رأى تلك الشوكة على المائدة ملطخة بالدماء، ليدرك إنه حدث هنا معركة منذ قليل، هو كان متأكدًا أن تلك الفتاة ليس بضعيفة على الأطلاق.

ولكنه لم يتحدث حتى لا يُغضب "جواد" وتسوء الامور، ليعقب بإستفسار:

- طب أيه محتاجة خياطة؟ أجيبلك دكتور؟

حرك "جواد" رأسه بالنفى وهو يقوم بلف أحد الأشرطة حول يده هاتفًا:

- لا مش مستهله أنا تمام.

أطمئن "إياد" عليه مُعقبًا براحة:

- طب تمام يلا أطلع اجهز عشان عندنا اجتماع مهم الساعة تسعة.

أومأ له "جواد" بالموافقة بينما ألتفت متوجها إلى الدرج مُعقبًا:

- تمام هلبس وأنزل.

❈-❈-❈

صعدت سيارته بخفة مُبتسمة له بينما أنطلق "مالك" بالسيارة، لتهتف "زينة" مُعتذرة:

- أنا أسفة إني خليتك تستنى كتير.

أبتسم لها بهدوء مُعقبًا:

- لا عادي ولا يهمك.

صمت الاثنان وهما يشعران بالحرج من بعضهما، فهما لا يعرفان عن بعضهما سوا أسمائهم فقط، ليكسر "مالك" هذا مُمازحًا إياها:

- تحبي نروح نفطر فين ولا أنتي بعتيني وفطرتي!

ضحكت له "زينة" بلطف مُعقبة:

- لا متقلقش لسه، وهفطرك فى أحلى حتة فى أسكندرية كلها، أطلع على الكورنيش.

أبتسم لها "مالك" مُعجبًا بشخصيتها المرحة والواثقة بنفسها، ليجد إنه لم يلتقى بفتاة مثلها من قبل، نظر إلى الطريق مستمعًا إلى إرشادتها.

❈-❈-❈

كانت تجلس بغرفتها بعد أن رحل من المنزل، الأن تشعر بالراحة لعدم وجوده معها بنفس المكان وكانت مُمتنة كثيرًا عندما صعد إلى الغرفة ودلف حجرة تبديل الملابس دون الحديث إليها، كم تتمنى أن يظل هكذا ولا يتحدث معها أبدا إلى أن تستطيع أن تتخلص منه.

على الرغم من وجود هاتفها وذلك التلفاز معاها إلا إنها تشعر بالملل الشديد، بالإضافة إلى تفاصيل ما حدث ليلة أمس، كلما تفكر فيما حدث تشعر إنها تريد البكاء والصراخ إلى أن يتمزق حلقها.
1

لا تعرف ماذا يريد منها؟ أو إلى أين ستصل تلك العلاقة! أو متى سينهي هذا الزواج؟ ولكن كل ما تعرفة إنها تكره وستنتقم منه فى أقرب فرصة تصح لها.

كسر هذا الصمت صوت جرس الباب مُعلنا عن مجئ أحدا، لا تعلم من الذي سيأتي إلى هنا ولكنها متأكدة إنه ليس هو وإلا لكان فتح بمفتاحه، الرنين لا يتوقف وهي تهبط الدرجة بسرعة مُتمتة بإنزعاج:

- أنا مش فهمه أزاى فيلا كبيرة زي دي مش جايب حد يشتغل فيها أو يفتح الباب حتى!

أتجهت نحو  الباب وسريعا ما فتحه، لتقع عينيها على تلك المراة، لتتعجب مما ترأه تلك السيدة الواقفة أمامها بملامحها الحادة للغاية ونظرة عينيها غير مريحة بالمرة، ترتدي ملابس رسمية عبارة عن تنورة تصل لما بعد ركبتها بقليل وفوقها سترة من القماش لونهما أسود، وترمقها بتفحص شديد ونظرة ثاقبتة مُضيفة بتهكم:
+

- أنتي بقى بنت لبنى؟

يتبع...

قطبت جبينها وأعتلت وجهها ملامح التعجب مما ترمي إليه هذا المرأة! من تكون تلك هذه المرأة؟ وماذا تريد منها؟! ماذا تعني بكلمة "بنت لبنى" الذي يُناديها بها الجميع؟ ما هو الشيء الذي لا تعرفه؟

بينما مازالت "هناء" ترمقها بنظرات حادة، لتُقابلها "ديانة" بثابتتان وهدوء مجيبة إياها:

- أيوه أنا بنت لبنى، مين بقى حضرتك؟

صدحت ضحكة "هناء" الساخرة بأركان المنزل بعد أن دلفت إلى البيت دون أن تسمح لها "ديانة" بهذا، بينما شعرت "ديانة" بالغضب من وقاحة تلك المرأة وأستهزائها الواضح فى ضحكتها.

كادت "ديانة" أن تتحدث ولكن سريعا ما قطعتها "هناء" مجيبة سؤالها بغرور وغطرسة:

- حضرتي أبقى هناء الدمنهوري بنت عم أبوكي  ومرات عمك هاشم أبو جوزك، يعنى أنا أكون حماتك.

ألتهمت "ديانة" شفتها السفلية داخل فمها مرطبة إياها وهي تهز برأسها بتأكيد، وظنت أن تلك المرأة هي والدة ذلك الحقير لترمقها بهدوء وثبات على عكس ما بداخلها من غضبها تجاهها هي وأبنها مُعقبة:

- أه أهلا، بس أبن حضرتك مش هنا.

أبتسمت "هناء" بسخرية مُضيفة بمكر:

- ومين قالك إني جايه لجواد! أنا جيالك أنتي.

رمتها "ديانة" بنظرة إستفسار وبداخلها لا تطمئن لتلك المرأة، زيادة عليه إنها شعرت بالغضب تجاهها لكونها والدة ذلك القذر، ولكنها عزمت على المحافظة على بثباتها متمتمة:

- خير!!

تنهدت "هناء" بخبث وبدأت فى التقدم نحو "ديانة" وأخذت تدور حولها بنظرات إفتراس لجسدها بأكمله هاتفة بثقة:

- عايزه أشوفك يا بنت لبنى واملي عيني منك قبل ما تروحي لأمك.

نظرت إليها "ديانة" بصدمة متمتمة:

- ماما!

لاحظت الأخرى صدمتها عند ذكر أسم والدتها، لتشعر بالإنتصار والراحة لكونها ترى أبنة "لبنى" أمامها الأن وستقص عليها طريقة موت والدتها لكي تُشعل نار الغضب والإنتقام فى قلبها تجاه "جواد" و"هاشم".

هكذا ستضمن موتها على يد "جواد"، إذا تراجع عن قرار قتلها، ستقتله هي وحينها إما أن يدافع عن نفسه ويقتلها أو يقتلها "هاشم" أو تُعدم وهكذا تكون حققت إنتقامها.
1
هتفت "هناء" وهي تنظر لها بطريقة غير مريحة ونظرات يصعب على الأخرى تفسيرها قائلة:

- أه ماما، أمك اللي هي أصلا السبب فى كل حاجة وحشة حصلت وهتحصل.

قضبت "ديانة" ما بين حاجبيها بعدم إستعاب وكادت أن تتحدث، لتُقاطعها "هناء" مُضيفة بإختصار:

- أنا عارفة إنك مش فاهمه حاجة بس هحاول أختصرلك، أنا جايه أقولك إن جواد هيقتلك ويبعتك لأمك زي ما هاشم زمان قتل لبنى بعد ما هي قتلت أختى تهاني أم جواد وزينة، قتلتها هي واللي فى بطنها وشلت ماجدة، وده كان السبب فى موت شرف أبن عمي.

شعرت "ديانة" بالتخبط والتشويش وعقلها لم يعد يستوعب أي حرف مما تتفوه به "هناء" لتصيح بها فى صدمة وعدم إدراك:

- أيه الكلام الفارغ اللى بتقوليه ده! أنا مش فاهمة حاجة! أنتي عايزة أيه بالظبط؟

أستغلت "هناء" تشويش "ديانة" وأدركت أن هذه هي فرصتها لجعل تلك النيران تزداد ولا تخمل سوا بالدماء، لتضيف بمكر:

- أنا عايزه أحكيلك على اللي حصل زمان، يعني على الأقل تبقي عارفة إنتي بتدفعي تمن أيه بالظبط، من ٢٠ سنة لبنى كانت قاعدت فترة طويلة جدا بعد الجواز مش بتخلف ومحدش عارف المشكلة كانت أيه؟ ويشاء القدر إنها تحمل بعد الجواز ب٥ سنين، طبعا كانت فرحانة جدا بيكي لدرجة انها مكنتش بتسمح لحد يقرب منك خصوصًا العيال الصغيرة، وقتها جواد كان عنده ١٠ سنين وزي أي طفل راح يلعب معاكي، لبنى كانت وحشة جدا ويتحب المشاكل زعقتله وراحت أتخانقت مع تهاني أختي على السلم فى الفيلا، وفى نص الزعيق أتعصبت عليها وزقتها من على السلم.

أتسعت عينها بصدمة وأرتجف قلبها مما تستمع إليه بينما أكملت الأخرى حديثها:

- ولأنها كانت حامل مستحملتش الواقعة ونزفت، فى الوقت ده كان فى حد شايف الحوار ده كله وكانت عمتك ماجدة هي اللي واقفة، طبعا لبنى أترعبت بسبب اللي عملته وخافت إن ماجدة تحكي اللي حصل، قامت رميها من فوق ونزلت على دماغها وده أتسببلها فى شلل كلي، كل ده أنا كنت شايفاه بس لبنى مخدتش بالها إني شايفاهم وإلا كانت حاولت تقتلني أنا كمان، أول ما هاشم دخل وقتها قولتله على اللي حصل وكلمنا شرف وقولناله ولما عرف مستحملش الصدمة وعمل حادثة وهو جي ومات وبعدها تهاني واللى فى بطنها كمان ماتوا.

أنهت "هناء" جملتها بصحبة تلك الدموع التي تساقطت من عينيها ألمًا على ما تذكرته، بينما شعرت "ديانة" بالصدمه لما تفوهت به تلك المرأة، هي لا تصدق إنها لديها أم فعلت كل هذا.

كلا لا يمكن ان تكون والدتها فعلت هذه الأشياء، بالتأكيد والدتها ليست قاتلة! تلك المرأة كاذبة، لتصرخ فيها بهستريا وعدم تصديق:

- أنتي كدابة، أكيد أنتي متفقة مع الحقير اللي أسمه جواد ده عشان تقوليلي الكلام ده عشان الورث بتاعي، أنا أصلا مش عايزة حاجة، خدو كل حاجة بس متعملوش فيا كده، مش بعد كل السنين دي تيجي تقوليلي إن أمي كانت مجرمة.

أستطاعت "هناء" أن تصل إلى ما كانت تريده وسحبت "ديانة" إلى داخل  اللعبة معهم، إنهيارها هذا أكبر دليل على نجاحها، لتُضيف بتأكيد:

- أنا مش كدابة يا بنت لبني دي الحقيقة، أمك قتلك أختي وأبنها وحاولت تقتل بنت عمي وأتسببت فى موت أبوكي.

سقطت "ديانة" أرضا ودموعها تتسارع فى الهبوط غير مستوعبة ما أخبرتها به "هناء"، هل حقا والدتها فعلت كل ذلك! كيف لها أن تفعل هذا؟ وهل حقا قتلها عمها؟ شعرت بالذعر الشديد لكونها وسط هؤلاء الناس، فهم ليسوا بعائلتها بل هم أعدائها الذين يريدون أن ينتقموا منها على شيء ليس لها ذنبًا فيه.

الأن علمت لما تزوجها "جواد" ولماذا يفعل هذا بها، لترمقها "هناء" بخبث وأكملت حديثها:

- وقتها هاشم مكنش قادر يصدق إن لبنى عملت كده وقرر إنه يسألها ليه عملت كده وأزاي قدرت تعمل كده فى تهانى وماجدة، وأقسم إنه يقتلها لأنها حرمته من كل حاجة، قتلت مراته وهى حامل فى أينه، حاولت تقتل أخته وخلتها تعيش مشلولة طول عمرها، حرمت عياله من أمهم، اتسببت فى موت أخوه، كان لازم يقتلها ويقتلك زي مع عملت فى تهانى واللي فى بطنها، لكن فى اليوم ده على ما وصل البيت كانت هي هربت، بس لما لاقوها مكنتيش معاها وقتها هاشم قتلها بس مرتحش، حلف إنه لازم يلاقيكي ويأخد حق مراته وبنته منك، ولما يأس إنه يلاقيكى كان جواد كبر واستلم هو المهمه دي.
صاحت "ديانة" وقت خارت قواها ولم تعد تستطيع أن تستمع إلى أكثر من هذا، لتحاول أن تجعلها تصمت صارخة:

- كفاية بقى، أسكتي مش عايزة أسمع حاجة.

جففت "هناء" دموعها رامقة "ديانة" بحقد وكراهية مُعقبة:

- لو كان فى أمل واحد فى المية إن هاشم يسامحك عشان بنت أخوه، فدلوقتي مع جواد مفيش أمل، لأني أنا اللى ربيته على القسوة والكره وإنه ياخد حقه منك ومن أمك، ومفيش حاجة توجع ليني حتى وهى ميتة غير عذاب بنتها.

شعرت "ديانة" بأن هناك شيء خاطئ، تلك المرة بالتأكيد تكذب عليها، بالتأكيد هناك شيء ما هي لا تعرفة، ولكنها لن تنكسر هكذا وتجعلها تنتصر عليها.

نهضت وهي تجفف دموعها عازمة على أن لا تستسلم لهؤلاء الشياطين الذين يقومون بتعذبيها تارة بالضرب والأخرى بالإعتداء الجسدي والآن يعذباها بإخبرها بأن والدتها دمرت عائلة بأكملها، ليس عليها أن تستسلم لهم وإذا كانوا يريدون حربًا؟ فلنبدأ إذًا.

أقتربت "ديانة" من "هناء" بعد أن أستجمعت كل طاقتها وشجاعتها حتى لا يظهر عليها ما تحمله داخلها من كسرة وألم، لتهتف بتحدي:

- أنا مش مجبرة أصدق أي كلمة من اللي قولتيهم دول، ولا أنا خايفة من حد لا منك ولا من اللي بتقولي عليه عمي ولا من جواد بتاعكوا ده ذات نفسه، ودلوقتي بقى أطلعي برا.

شعرت "هناء" بالغضب الشديد تجاه هذه الفتاة، ولكنها بارعة فى الحفاظ على هدوئها وثباتها، لتبتسم لها بأستهزاء متمتمة:

- صحيح اللي خلف مماتش، أنتي آه شبة أبوكي أوي، لكن جواكي عند وغطرسة ووقاحة أمك، بس أوعدك إني هخلي جواد يكسر مناخيرك قبل ما يكسر دماغك، وخدي دي كلمة مني يا بنت لبنى.

تقدمت "هناء" نحو باب المنزل عازمة على المغادرة، وقبل أن تخرج منه ألتفتت إلى "ديانة" مرة أخرى ورمقتها بكثير من التحدي مُتمتمة بصوت مسموع:

- يا أنا يا أنتي.

ما إن غادرت "هناء" المنزل حتى سقطت "ديانة" أرضًا مُستسلمة لهذا الإنكسار والحسرة التي ضربت قلبها، لتبكي بانهيار على ما استمعت إليه غير قادرة على التفكير.

❈-❈-❈

فى إحدى المقاهي الراقية المُقابلة لشاطئ البحر كان يجلس بصحبتها يتناولان القهوة بعد أن أنتهيا من العثور على المنزل المناسب، وضع فنجان قهوته أمامه بعد أن ارتشف منه مُعقبًا بإمتنان:

- شكرا بجد يا زينة على تعبك معايا، وأسف جدا إني ضيعتلك اليوم النهاردة على الفاضي.

أخفضت هي الأخرى فنجانها وأبتسمت له بخفة مردفة بمرح:

- أنت عارف أنت قولت كام شكرا وكام أسف النهاردة! ومش عارفة ليه أصلا!

أبتسم "مالك" على حديثها وعلى خفة دمها، وقرر أن يتخطى هذا الحرج وأن يبدأ بالمبادرة بالتحدث كي يتعرف عليها أكثر، ليهتف بإهتمام:

- ممكن تكلميني شوية عن نفسك؟

للحظة شعرت بالمفاجأة والحرج من طلبه، ولكن سريعا ما سيطرت على نفسها وتخطت تلك المفاجأة ظنًا منها إنهما قد يكونا أصدقاء، لتجيبه:

- أنا يا سيدي زينة الدمنهوري طبعا بالاسم بس، لأن معروف عن عيلة الدمنهوري إنها كلها مهندسين وشغلهم كله فى مجال العقارات، بس أنا مش بحب المجال ده، عشان كده دخلت كليه فنون جميلة لأني بحب الرسم جدا، عندي المرسم بتاعي ومتخرجة بقالي سنتين.

أبتسمت له بمرح بعد أن أنهت حديثها مُقتبسة من حديثه مُضيفة بإهتمام:

- وأنت بقى، ممكن تكلمني شوية عن نفسك؟

ضحك بخفة على ما اقتبسته من حديثه، مُجيبًا إياها بحماس:

- أنا يا سيدتي مالك الصاوي عندي ٢٨سنة خريج كلية سياحة وفنادق، كنت بشتغل فى شركة سياحة كبيرة فى شرم الشيخ بس حاليًا نقلت هنا إسكندرية، معنديش فى حياتي كلها غير بابا وماما وديانة وملك.

ضيقت ما بين حاجبيها بإستنكار وقليل من الإهتمام الذي لم تنجح فى إخفائه مستفسرة:

- مين ملك؟

لاحظ "مالك" إهتمامها وسرعة إستفسارها ليبتسم رغما عنه مُجيبًا إياها:

- ملك دي أختي الصغيرة عندها ١٩ سنة بس مصيبه حرفيا.

شعرت "زينة" بقليل من الحرج من سؤالها السريع والغير مبرر، من يكون هو لتستفسر عن شؤون حياته بهذه الطريقة عند ذكره لأسم فتاة! ما دخلها إن كانت شقيقته أم حبيبته.

شعرت "زينة" بالإحراج الشديد ثم نهضت سريعا مُعقبة بإرتباك:

- طب السواق وصل برا، أنا لازم أمشي.

نهض "مالك" هو الآخر بلهفة وتلقائية غير مدرك لما يفعله أو يتفوه به متسائلا:

- مش هشوفك تانى؟

نظرت نحوه عدة لحظات لا تعلم بماذا تجيبه! ماذا يحدث لها بالضبط؟ لما تشعر وكانها ندمت على طلبها لرحيل؟ لماذا تشعر إنها تريد البقاء بصحبته أكثر؟

أبتسمت له مُحاولة عدم إظهار ذلك الإرتباك مُضيفة بود:

- أكيد طبعا، أي وقت تحتاجني أنا موجودة، باي.

رحلت من أمامه وهي تُسرع فى خطواتها هاربة كي لا يرى رجفة قدميها بسبب هذا التوتر، بينما ظل هو مُتابعًا إياها بعينه حتى خرجت من المكان وأختفت عن بصره.

❈-❈-❈

كانت تستعد وتُعد حقيبتها بعد أن أخبرهم شقيقها أنه قد وجد منزلا مناسبا لهم، عليهم الأستعداد للإنتقال إلى هناك قبل أن تجن والدتها من قلقها على "ديانة".

أوقفها صوت رنين هاتفها مُعلنًا عن إتصالًا، لتلتقطه مُتفحصة هوية المتصل لتجده رقمًا غير معروف، لتنتابها الغرابة ولكنها أجابت عليه:

- أيوه مين!

أتاه صوتها العذب ليشعر برجفة خافتة تملكت جسده، ما الذي يحدث لهذا الجسد العاهر كلما سمع صوتها! سريعُا ما سيطر على نفسه مُعقبًا بمرح:

- فى حد فى الدنيا يرد على حد بيتصل بيه يقوله أيوه مين؟ ليه بخبط عليكي!

ضحكت بشدة على طريقته المرحة التي لا تفشل فى إضحاكها، وهذا بعد أن أدركت إنه هو بعد الاستماع إلى صوته وحديثه المرح، لتهتف بتلقائية:

- أزيك يا أستاذ إياد!

أبتسامة بلهاء أعتلت محياه لكونها علمت إنه هو المتصل قبل أن يخبرها، وهذا يعنى إنها لم تنساه أو تنسى نبرة صوته، وهذه بداية جيدة للغاية، يبدو إنها تشعر بشيء تجاهه مثله هو أيضا، ليسالها بنبرة ماكرة:

- وعرفتي منين إني إياد وأنا مكنتش إديتك رقم تلفوني! معقول لسه فاكرة صوتي؟

حمحمت "ملك" بحرج بعد أن أدركت غباء ما تفوهت به، كيف لها أن تتسرع هكذا، هي بالفعل لم تنسَ نبرة صوته، بل وتتذكر جيدا حديثه معها، حتى إنها تكاد تعرف كام مرة أبتسم وهو يتحدث معها، اللعنة على هذا الغباء، لتُحاول إصلاح الامر مُعقبة بإرتباك:

- أصل.. أصل أنت الوحيد اللي أخدت رقمي قبل ما أسجل رقمك، وأنا عادة محدش بياخد رقمي إلا لو متسجل عندي، عشان كده قولت ده أنت.

أبتسم على ذكائها ومرواغتها معه مدركًا أن تلك الفتاة ليست كما تبدو أبدا، بل إنها أذكى مما توقع بالإضافة إلى تلك المشاكسة والرقة، وبالرغم من إنه يعلم إنها تصطنع أعذارا، إلا إنه لم يُشعرها بشيء، ليعقب بإستسلام:

- عندك حق، أنتي تكسبي.

توترت من هذه الطريقته التي لم يسبق لأحد أن تعامل معها بها، تشعر بمزيج من الإنجذاب والقلق معا تجاهه، لا تعرف ماذا تسمي هذا الشعور! ولكن ما تعرفه إنه يأخذ حيزا كبيرا فى تفكيرها، والأن يفرض نفسه ليأخذ مكانه فى حياتها.
1

حاولت السيطرة على تفكيرها الذي لا يتوقف، مُضيفة برسمية:

- خير يا أستاذ إياد!! فى حاجة ولا أيه؟

لاحظ "إياد" إستدعائها لتلك الرسمية بينهم، ليُصر هو على أن يزيحها من طريقهمة  ويبدأ فى إستدراجها نحوه أكثر، لا يعلم لماذا يفعل هذا الشيء، أهذا بسبب زير النساء الموجود بداخله، أم إنه حقا ينجذب نحو تلك الصغيرة، ليردف بنبرة لحوحة:

- ما بلاش أستاذ دي بقى عشان نعرف نتكلم، متحسسنيش إني قد والدك يعني! دا أنا لسه صغير وعسل.

أبتسمت "ملك" على طريقته التي لا تخلو من المُزاج والضحك وأضافت بخفوت:

- تمام.

أبتسم هو الأخر وعقب بحماس:

- حيث كده بقى عملتوا أيه فى حوار البيت الجديد ده؟ لقيتوا مكان كويس ولا أتصرف أنا!

كان يود أن يضرب عصفورين بحجر واحد، أن يجعلها تُعجب بمساعدته لهم، وأن يكون على علم بمكان مكوثهم، ولكنها خيبت أمله:

- لا الحمدلله مالك لقى مكان كويس وأحنا بنستعد أهو عشان ننزل اسكندرية بكره.
على الرغم من إنزعاجه من عدم مساعدته لهم، إلا إنه بتلقائية شعر بالحماس لكونها أتية، نعم فشل ما كان ينوى عليه ولكن يكفيه إنها ستكون قريبة منه حتى يستطيع التقرب منها أكثر، ليُضيف بمرح:

- لا دا أنا ألحق بقى أفرش اسكندرية كلها من رمل الشواطئ وأطلع عرايس البحر بنفسهم يستقبلوكوا.

كيف له ان يفعل هذا! هو حقا مُراوغ ويستطيع الضحك على العقول بكلامه المعسول ذاك، هذا الملعون ماذا ينوي أن يفعل؟ هي فتاة صغيرة لا تُدرك مدى مراوغته أو التعامل معه حتى، ولكنها عليها أن تتواخى الحذر منه، لتُحمحم بخجل:

- شكرًا.. يا إياد.

أبتسم هو من طريقة نُطقها لأسمه، تلك الطريقة المترددة فى إخراجها، ولكنها أخيرا قالتها دون ألقاب، ليشعر ان هذه نقطة لصالحه وهتف بحماس:

- بكرة إن شاء الله هتابعك على الواتس أول بأول لحد ما توصلوا بالسلامة.

لم تعد تحتمل تلك الأفكار حوله فى رأسها، هي تلاحظ إنه يشتتها كثيرا كلما تفوه بأي كلمة، عليها الإنتهاء من هذه المكالمة بسرعة:

- إن شاء الله، يلا بقى تصبح على خير.

إنتبه إنها لم تعد تحتمل طريقته معها فى الحديث، ليبتسم على توترها ورقتها هذه وأستسلم لإنسحابها:

- وأنتي من أهله يا أجمل بنوته.

لم يُعطيها فرصة للحديث أو التعليق وسريعا ما أنهى المكالمة، ما الذي قاله الأن؟ هل يُغازلها! رمت بنفسها على الفراش وكأنها فقدت وعيها، لا تعلم كيف عليها أن تتصرف مع هذا الشخص الذي تشعر وكأنه يُرغمها على الأنجذاب له!

ماذا يحاول أن يفعل بالضبط؟ هل يُحاول إستدراجها؟ نهضت مره أخرى بعد أن حركت رأسها محاولة منها أن تخرج تلك الأفكار من رأسها وعادت لإكمال حقيبتها مرة أخرى.

❈-❈-❈

فى المساء كانت تجلس تُفكر فى حديث "هناء" لها، فكرة أن والدتها قاتلة تشعرها بالانكسار والحسرة، كيف يمكن هذا؟ تذكرت ما فعلته فى الصباح بعد مغادرة تلك المرأة التي تُدعى "هناء" من المنزل.

تذكرت عندما صاح رنين جرس المنزل مرة أخرى بعد عودتها من الخارج، لتظن إنها تلك المرأة قد عادت مرة أخرى، لتقسم تلك المرة إنها ستقتلع عينيها من وجهها.

ولكن عندما فتحت الباب وجدتهم فتاتين فى العشرينات من عمرهما وتحملان الكثير من الحقائب بإيديهما، لتعرف بعدها إنهما تعملان فى شركة ذلك الحقير وإنه من أرسل لها تلك الحقائب.

وبعد أن غادرت هاتان الفتاتان تسللت إلى أنفها رائحة تُشبة الطعام، لتتفحص الحقائب لتجدهم بعضا من الملابس الرسمية وأخرى من الملابس المنزلية وأخرى داخلية وبعض الحقائب الملونة والأحذية، وهناك حقيبة أخرى مستقلة كرتونية استنبطت إن ما بداخلها بيتزا.

أيظن إنها تحتاج إلى هذه الأشياء الذي أرسلها؟ أيظنها بحاجة  إلى بعض الطعام أو الملابس والأحذية! اللعنة عليه هذا الحقير، كل ما تحتاجه هو مغادرة هذا المنزل والابتعاد عن رؤية وجهه الكريه.

ألقتهم بعيدا عنها عازمة على أن لا تأخذ أي شيء منه، ولكن عندما نظرت إلى نفسها ووجدت نفسها لاتزال ترتدي قميصة هذا، أعادت التفكير بالأمر مرة أخرى، لن يحدث شيء إذا استعارت من هذه الملابس القليل لتستطيع مغادرة هذا المنزل.

••

بدلت ملابسها بسرعة عازمة على أن تهرب من هذا الحصن اللعين الذي حاصرها فيه، نجحت فى الخروج من باب البيت ولكنها لم تستطع الخروج من تلك البوابه التي وجددت عليها من يمنعها.

- خير يا مدام حضرتك محتاجة حاجة.

نظرت نحو هؤلاء الرجال ذو البدل السوداء وتلك الأسلحة والأجهزة الاسلكية، لتدرك أنهم طاقم حرس لتُعقب بضيق:

- محتاجة أخرج من هنا.

أخفت وجهه إلى الأرض بأسف مُضيفا بهدوء وأحترام:

- أنا أسف جدًا يا مدام ،معنديش أوامر بخروج حضرتك.

قست ملامحها بكثير من الغضب والإنفعال مُردفة بحدة وسخط:

- يعني أيه؟ محبوسة أنا هنا يعني ولا أيه مش فاهمة؟

أجبها باقتضاب ولايزال وجهه فى الأرض مُلتزم بحدوده:

- أنا أسف يا هانم، بس دي أوامر جواد بيه.

شعرت بالغضب لكونها لا تستطيع الخروج بسبب ذلك الحقير الذي يظنها حبيسة عنده، لتفقد الأمل وتعزم على الرجوع إلى المنزل مرة أخرى زافرة بحنق وكراهية:

- جواد زفت على دماغك ودماغه.

•••

الغضب الشديد هو كل ما يستحوذ عليها بسبب فكرة إنه يحدد إقامتها بتلك الطريقة، من يظن نفسه ذلك المعتوه هو حتى لم يترك لها هاتفها بعد ما حدث ليلة أمس لقد أخذه منها.

قطع شرودها دخول "جواد" إلى الغرفة فجأة، لتشعر بالقليل من الفزع من وجوده، هي لم تشعر به أو بصوت سيارته! ولكنها سريعا ما سيطرت على نفسها محاولة الثبات كي لا يظنها خائفة.

بينما قام هو بخلع سترته ويليها قميصه وألقاهم على الفراش ثم توجه إلى المرحاض دون النظر إليها، كل هذا و"ديانة" تُتابعه بنظرها بحذر دون التفوه بأي كلمة.

بعد وقت ليس بكبير خرج هو من المرحاض ولا يستره سوى تلك المنشفة الملتفة حول خصره، وواحدة أخرى بيده يُحاول بها تجفيف شعره، بينما تلك القطرات تنسدل على جسده مما يجعله يبدو مثيرا للغاية.

لاحظ "جواد" مراقبتها له ليرمقها ببعض نظرات المكر وكأنه يدعوها لليلة جامحة، لتدرك هي ما تعنيه نظرته تلك وإنه يظن إنها معجبة بجسده، لترميه بنظرات الأشمئزاز وأشاحت بنظرها بعيدا عنه، ليبتسم هو باستهزاء على تفكيرها وتوجه إلى غرفة تبديل الملابس.

بعد لحظات خرج من الغرفة وهو يرتدي ذلك السروال القطني الداخلي الذي بالكاد يصل إلى نهاية مؤخرته، وبالطبع يُبرز رجولته كثير مما يجعلها تشعر بالتوتر والأرتباك والخجل بالتاكيد.

بينما هو كان قد لاحظ منذ مجيئه إنها قد بدلت ملابسها وترتدي من الملابس الذي أرسلها لها صباح هذا اليوم، ولكنه لم يكن يريد أن يعلق على هذا الأمر الأن، هو فقط يريد النوم.

تقدم بعض الخطوات نحو الفراش وكاد أن يستلقي عليه، لتزجره هي مُردفة بإنفعال:

- أنت بتعمل أيه!

لم يكترث لسؤالها ولا لملامح الغضب التي أعتلت وجهها، وأستلقى على الفراش مواليا إياها ظهره، بينما شعرت هي بالغضب من تصرفه ذلك، لتجد نفسها تدفعه بيدها وقدمها حتى أستطاعت أن تسقطه أرضًا مُضيفة بإنتصار:
1

- أنا معنديش مشكلة أنك متردش عليا، بالعكس دي أحسن حاجة، بس عندي مشكلة إنك تتخمد جنبي.

يتبع...
أنتهى "هاشم" من تبديل ملابسه بعد أن عاد من شركته. ليجدها تجلس على الفراش وبيدها هاتفها كالعادة تتفقد مواقع التواصل الأجتماعي حتى تشعر بالملل وتخلد إلى النوم، فهذا ما تفعله كل ليلة، بل هذا ما تفعله منذ أن تزوجا، نعم هو يحترم ذلك الاتفاق الذي حدث بيننم منذ عشرون عامًا، ولكنه أيضا كأي رجل لديه إحتياجات ورغبات عليه إشباعها، ولكن كيف؟!

توجه "هاشم" نحو الفراش ثم أستلقى عليه على إحدى جانبيه مواليا لها ظهره مُدعيا النوم، وهذا حتى لا تلاحظ هي ملامحه المستائة من تلك العلاقة العقيمة، أغمض عينيه متذكرا ذلك اليوم.



أتسعت عيناه بصدمة مما أستمع إليه غير قادرًا على استيعاب ما أستمع إليه الان هاتفًا بصدمة:

- أنتي بتقولي أيه يا هناء؟

جففت "هناء" دموعها التي تتهاوى دون توقف مٌحاولة السيطرة على نفسها مُعقبة بكثير من الحدة والحزم:

- زى ما سمعت يا هاشم، أحنا لازم نتجوز.

مازالت الصدمة تسيطر عليه، إنه لم يتقبل بعد وفاة شقيقه وزوجته التي كان يعشقها للغاية، لتفاجئه شقيقتها التي كانت تٌحب شقيقه بطلبها للزواج منه، ليُضيف بصدمة وإنفعال:

- أتجوزك أزاى يعني يا هناء!! أنتي أتجننتي؟ أنتي عارفة أنتي بتطلبي أيه! أنتي أخت مراتي وكنتي بتحبي أخويا و....

- والاتنين ماتوا يا هاشم.

صرخت بتلك الجملة ودموعها لا تتوقف عن الهبوط مُقاطعة إياه عن الحديث، وهذا لكي تستطيع أن توضح له ما هو سبب طلبها ذاك، لتُكمل حديثها ببكاء مرير:

- ماتوا يا هاشم، ماتوا بسبب لبنى، لبنى اللي سرقت مني شرف أول مره وأتجوزته، وسرقته مني للمرة التانية لما أتسببت فى موته وحرمتني حتى من إني أشوفه عايش قدامي، وأنا حرمت على نفسي الفرحة من بعد شرف يا هاشم وعمري ما هفكر أكون مع راجل غير شرف، بس محدش هيسبني فى حالي وخصوصا أهلنا وممكن يفكروا إني معيوبة أو فيا علة، وأنا عليتي الوحيدة هى حبي لشرف، وأنا متاكدة إنك عارف أنا بحب شرف قد أيه! عشان كده بطلب منك إننا نتجوز عشان متأكده إنك عارف إن شرف عايش جوايا وعمرك ما هتقرب مني أبدا، وفي نفس الوقت أنت محتاج أم لجواد وزينة ومحتاج زوجة تصون بيتك وعرضك، أحنا الأتنين محتاجين بعض يا أبن يا عمي، هعيش معاك فى بيت واحد وفى اوضه واحدة وعلى فرشة واحدة بس أوعدني إننا نعيش طول عمرنا أخوات ومتلمسنيش أبدا يا هاشم.
•••
فتح عيناه بندم وأسى على ما توصل له بسبب هذا الأتفاق اللعين، نعم هو يُحب تهاني ولكن أين هو ذلك الرجل الذى يتحمل عشون عامًا دون أن يقترب من إمرأة!! وما يجعل الأمر أسوء إنه يمتلك زوجة ولكن يا للسخرية، إنه لا يستطيع أن يقترب منها أو يُفاتحها فى الامر، ماذا يقول لها؟! أيُخبرها إنه فى أمس الحاجة لها!!

ألتفت إليها مُصطنعًا النوم وأخذ يقترب منها إلى أن أصبح ظهرها ملامسًا لصدره، ثم أمتدت يده مُحاوطة خصرها، لينتفض جسدها بفزع ونهضت بسريعة من الفراش مُدعية الذهاب إلى المرحاض هاربة منه بعدما أدركت نوايا "هاشم".

ليزفر هو بخيبة أمل وقلة حيلة وأستسلم للنوم مُتحاشيا التفكير فى ذلك الأمر مرة أخرى.

❈-❈-❈

نهض "جواد" ويبدو عليه الكثير من الغضب، تلك اللعينة قد تجاوزت معه الحد وفعلت ما لم يستطع أحدًا فعله من قبل، تطاولت معه كثيرا فى الحديث وأستطاعت أن تتحداه وأيضا قامت بغرز شوكة الطعام فى يده، والأن تقوم بدفه من فوق الفراش بمنتهى الجرأة والتحدي، عليه أن يُلقن تلك المتمردة درسًا لا تنساه.

أقترب نحوها وهو على مشارف الإنفجار من كثرة غضبه منها، ليجذبها من ذراعها بقسوة راغمًا إياها على الوقوف حتى تأوهت بألم، ولكنه لم يكترث لتأوهها وجعلها تقف أمامه مُعقبًا بإنفعال:

- أنتي بقى سوقتي فيها مش كده؟! الصبح تضربيني بالشوكة وسكتلك، دلوقتي تزوقيني من على السرير بمنتها الجرأة! تكونيش قادره عليا وأنا معرفش يا روح أمك!!

سحبت "ديانة" يدها من قبضته ثم رفعتها دافعة إياه فى صدره مٌحاولة إبعاده عنها، ولكن دون فائدة، إنه كالجدار الصخري لا يتحرك أبدا، لتصيح فيه بغضب مماثل لغضبه:

- ولا أنت كمان قادر عليا، أيوه ضربتك بالشوكة وزقيتك من على السرير ولو قربت مني مرة تانية هضربك بالنار فى عينك دي.

قالتها بمنتهى التحدي وهي تضع عينيها بعينيه وكلاهما على وشك الأنفجار، لا يُنكر أن جرأتها وقوتها قد أعجبته للغاية، هذه أول مرة يرى فتاة بتلك القوة ولا تخشى فكرة وجودهما معا بمفردهم، فليعترف تلك الفتاة تملك جرأة يفتقدها الكثير من الرجال، وهو على رأسهم.

لكنه لن يسمح لها أن تمارس قوتها تلك عليه، يكفي تلك المرأة التي يخشاها إلى الأن، لن يسمح لشخصًا أخر يُشعره بكم هو ضعيف وجبان، أشتعلت نيران الغضب بداخله وجذبها من شعرها بكثير من العنف لوقاحتها وجرأتها معه، ليجزبها مُقربًا إياها نحوه بشدة صارخًا بها:

- دا أنا اللي هضربك بالجذمة على دماغك ودماغ أهلك، أنتي شكلك مبتتعلميش الأدب من أول مرة وعايزة تتضربي كل شويه زي البهايم، من عنيا.. أنا هربيكي من تاني.

دفعها على الفراش عازما على تقطيع ثيابها وضربها مثلما فعل من قبل، بينما فاجأته هي بإنحنائها أرضًا وإلتقاطها تلك السكينة الصغيرة التي كانت تستخدمها فى تقطيع الفاكهة قبل عوده، لتوجها نحوه مُضيفة بحدة:

- أبعد عني بدل ما أسيح دمك النجس ده النهاردة.

أبتسم لها بمزيجًا من الدهشة لسرعتها فى فعل هذا والسخرية من جرأتها التي خدعتها وصورت لها إنه سيخشى فعلتها تلك، يالها من فتاة قوية وشراسة، ولكن لسوء حظها وقعت مع الشخص الخطأ، ذلك الشخص الذي لا يخشى تلك الأفعال ولا حتى يخشى الموت، لُضيف بإبتسامة مُستهزأة:

- حلو أوي الجو ده لا بجد عجبتيني، تعرفي أنا كنت مضايق أوي إن عَدوي بنت يتيمة وضعيفة، وأنا مش من طبعي أعَادي الضعيف، لكن برافو أنتي دلوقتى ريحتيني وأثبتيلي إنك مش مجرد بنت ضعيفة، وبكده تبدأ المتعة الحقيقية فى تعذيبك وأستمتع وأنا بطلع روحك فى ايدي.

أقترب منها بعفوية دفعة واحدة، لتقوم بمهاجمته كرد فعل منها بذلك السكين موجهة ضربتها فى صدره متسببة له فى جرح صطحي فى منتصف صدره، على الرغم من إنسيال دنائه إلا إنها لم تتعمق فى ذلك الجرح حتى لا يموت.

- المرة الجاية لو فكرت تقرب مني تاني السكينة دي هتكون فى قلبك.

لم يكن متوقع منها أبدًا أن تفعلها، كان يظنها تُهدّه فقط، وضع يده على جرحه مُتفحصا إياه بغضب وخوف فى آنٍ وأحد، ورغم شعوره بالغضب من فعلتها إلا انه شعر بالخوف الشديد، بالرغم من حدته وقسوته لكنه يخشى الدماء منذ حادث والدته، لتنتصر ملامح الخوف عليه، بينما أندهشت "ديانة" من ردة فعله.

لم يتفوه "جواد" بأي كلمة، فقد الرهبة هي كل ما تظهر على ملامحه، وسريعًا ما أشرع فى الخروج من الغرفة بأكملها،  بينما توجهت "ديانة" بتغلق الباب خلفة، وما إن أغلقت الباب حتى خارت قواها وهبطت دموعها يُصاحبها قناع القوة التي كانت مرتدياه مُعلنة عن إنهيارها، فهذه أول مرة لها أن تُهاجم فيها أحدًا بسكين وتتسبب له فى ذرف الدماء.

وعلى الجانب الأخر أسرع "جواد" فى التوجه إلى المرحاض الخاص بغرفة أخرى مُحاولا التخلص من هذه الدماء، يبدو عليه الخوف الشديد وتلك الرجفة التي سيطرت عليه، كلما راى ذلك السائل يتذكر والدته وهي تذرف أنفاسها الأخيرة أمامة.

وما إن تخلص من تلك الدماء حتى هدأت وتيرة أنفاسه وخوفه وكأنه أصبح شخصا أخر، ها قد عاد لصموده مرة أخرى، حتى إنه لم يتأثر من رؤية الجرح من الخارج بعد أن توقف النزيف، على الرغم من إنه لا يبدو هيننا ابدا ولكنه غير مكترث له، كل ما كان يُخيفه هو تلك الدماء الذي لا يتحمل رؤيتها أبدًا.

عقم جرحه وأخذ يُضمده بمنهى الصمود والقوة، وعندما أنتهى عاد مرة أخرى إلى غرفة "ديانة" عازمًا على أن يجعلها تصرخ بين يديه طالبة الرحمة التي لن يمنحها إياها.

توقف أمام باب الغرفة الذي حاول أن يفتحه ولكن دون فائدة، فقد كانت أسرع منه هذه المرة وقامت بغلقه بإحكام، ثم قامت بدفع الأريكة حتى وضعتها خلف الباب مباشرا.

طرق على الباب بغضب وحدة هاتفًا بحنق:

- أفتحي الباب ده بدل ما أكسره على دماغك.

شعرت بقليل من القلق من طريقة خوفًا من أن يستطيع فتح الباب والوصول إليها، تعلم جيدًا إنه إذا وصل لها بالطبع سيفتك بها، ولكنها حاولت التظهار بالصمود حتى تسطيع أن تُبعده عنها، لتستجمع قواها مُعقبة بثبات:

- مش هفتح الباب وأكسره لو كنت تقدر.

شعر بالغضب من تحديها له ليُحاول رفع الباب بكتفه وكسره، ولكنه شعر بالألم الشديد فى جرح صدره متأثرًا بصدمة كتفه بالباب، ليتريث قليلا وأستطاع السيطرة على إنفعاله مُدركة صعوبة ذلك الجرح وإنه غير مُستعد لدخول شجارًا الأن معها، ليُضيف بتوعد:

- لسه ليكي عمر يا بنت لبنى، أنا هسيبك دلوقتي بس عشان مفيش دماغ ليكي، لكن ورحمة أبوكي لأربيكي من أول وجديد، ومن دلوقتى أنا وأنتي يا قاتل يا مقتول.

تحرك مُتجهًا إلى غرفة أخرى ببنما شعرت هي بقليل من الراحة من رحيله بعيدًا عنها، عادت لتجلس على الفراش مرة أخرى، تذكرت ذلك الخوف الذي رأته بعينيه عندما رأئ الدماء، لقد فعل نفس الشيء عندما أعتدى عليها ذلك اليوم! ترى لماذا يخشى شكل الدماء لهذه الدرجة؟ هل هذا له علاقة بما حدث فى الماضي وبوالدتها؟

❈-❈-❈

ذهبت إلى غرفة "ماجدة" بعد أن تأكدت أن "هاشم" قد غرق فى النوم وجميع من فى المنزل فى غرفهم، حتى تلك المرافقة الخاصة ب "ماجدة" قد ذهبت لتخلد إلى النوم.

جلست "هناء" بجانب "ماجدة" ويبدو عليها الكثير من الضيق والأنزعاج، لتراقبها "ماجدة" بعينيها بعد أن شعرت بوجودها بالغرفة وأستيقظت من نومها، لتتهاوى الدموع من أعين "هناء" مُعقبة بألم وأشتياق:

- شرف واحشني أوي يا ماجدة، واحشني أوي أوي، عشرين سنه وانا متجوزة هاشم جواز على ورق بس، عمري ما قدرت أفكر فيه كزوج أو أخليه يلمسني، أوقات كتير كنت بحاول أتخيل إنه شرف لكن مقدرتش.

أجهشت فى البكاء بكثرة، بينما "ماجدة" أنسالت دموعها دون توقف ليس من أجل "هناء"، بل من أجل شقيقيها الذان تدمران بسبب هوس تلك المرأة، فأحدهم قد فارق الحياة والأخر يحيا بلا حياة.

أقتربت "هناء" منها وهي مازالت تبكي بشدة وإنهيار مُضيفة بندم:

- أنا أسفة يا ماجدة بس أنتي أكيد عارفة كل اللي حصل، محدش فيكوا كان واقف جمبي كلكوا كنتوا مغلطني وعايزين تيجوا عليا بسبب لبنى، وأهي شوفتي عملت فينا كلنا أيه!!

رمقتها "ماجدة" بإحتقار شديد فإن كان بأستطاعت "هناء" أن تخدع الجميع فهي أخر شخص تستطيع خداعه، إنها تعرفها أكثر مما تعرف هي نفسها، لتصيح "هناء" بألم وحسرة:

- متبصليش كده يا ماجدة حرام عليكي، أنتي متعرفيش أنا حصلي أيه بعد خبر موت شرف.

••

وصلوا إلى المشفى وأنتقل كلا من "تهاني" و "ماجدة" إلى غرفة العمليات، "ماجدة" كانت لاتزال بها القليل من النبض ولكن حالتها خطرة جدا، و"تهاني" أيضا لا تقل عنها خطورة.

أسرعت "هناء" فى التوجه نحو "لبنى" وأخذت تصرخ بوجهها على فعلتها وإنها هي من فعلت هذا وإنها ستُعاقب على ما فتلته ولكن بعد أن يطمئنوا على "تهاني" و "ماجدة".

بينما جلس "هاشم" واضعًا رأسه بين كفيه مُنكسرًا مشدودًا لما حدث وكأن حقا لا تأتى المصائب إلا جماعة.

هرول إليه أحد رجاله العاملين معه ويبدو عليه ملامح الفزع والذُعر، لا يعلم كيف ينقل له هذا الخبر ولكنه يجب أن يعلم حتى يقوم بفعل اللازم.

اقترب منه فى رعب من أن يبلغه هذا الخبر، ليبتلع بقلق عازمًا على أن يخبره وليُصبره خالقه على مُصيبته:

- هاشم بيه، البقاء لله.

فزع "هاشم" من تلك الجُملة وأخذ يرتجف من الذُعر، ولكنه ظل يُحاول أن يتماسك ويبقى واقفًا على قدميه، ثم أبتلع بحسرة مُستفسرًا:

- تهاني ولا ماجدة؟

وضع ذلك الرجل وجهه أرضًا بحزن وأسى مُجيبًا إياه:

- شرف بيه أخو حضرتك عمل حادثه و..، البقاء لله.

- شرف

صرخت "هناء" باسمه بألم وحسرة كبيرة وكأن روحها قد سُلبت منها وبالطبع لها الحق أن تحزن، فهو الرجل الذي لطالما حلمت به وتمنت أن تكون له، ولكن النصيب كان له رأى أخر.

بينما سقطت "لبنى" فاقدة للوعي، لم تستطع تحمل كل تلك الصدمات فى يوم واحد، وها قد مات الأن الشخص الوحيد الذي كان سيُدافع عنها ويحميها من بطش هؤلاء الذين لن يرحموها مهما فعلت أو مهما قالت.

بينما لم يستطيع "هاشم" المُقاومة أكثر لتخونه قدميه وسقط أرضًا مُنحني الظهر يبكي بحرقة على مفارقة أخيه، من فارقه ليس مجرد أخ بل كان سنده وعُكازه الذي كان يستند عليه، فقد مات شقيقه الذي كان له بمثابة أخا وأبنا وصديقًا وكل شىء، لقد كُسر ظهره الأن.

توجهت "هناء" نحو الرجل صارخة بصدمة بكل ما أوتيت من قوة رافضة تصديقه غير مُستوعبة ما يحدث:
- أنت بتقول أيه ها؟ شرف مماتش، شرف لا.

ظلت تصرخ بقوة وألم يُمزق قلبها، تعلم إنها هي الشخص المُتسبب فى حدوث ذلك، هي من أخبرته بما حدث ظننًا منها إنها ستزرع الكراهية فى قلبه تجاه "لبنى"، لم تكن تعلم إنها تقوده إلى الموت.

سقطت "هناء" أرضًا بجانب "هاشم" وهي تقوم بتحريكه بعفوية وصراخ:

- أنا عايزة أشوفه يا هاشم، عايزة أشوف شرف يا هاشم.

أخذها وذهب كلاهما إلى الغرفه الموضوع بها "شرف" لتحضيره قبل دفنه بعد أن تاكدوا من سبب الوفاة وهي نزيف داخلي بالمخ أثر إنقلاب السيارة به وهو يقود بسرعة كبيرة.

دلفت "هناء" الغرفة وما إن رأت "شرف" ميتًا أمامها نظرت إلى "هاشم" مُتوسلة إياه:

- أرجوك يا هاشم سبني معاه شويه لوحدنا.

رمقها "هاشم" بحزن وحسرة على ما بها، هو يعلم إلى أي مدى تعشق "شرف"، ولهذا قرر أن يتركها تودعه الوداع الأخير.

خرج "هاشم" من الغرفة تاركًا كلاهما معا حتى تستطيع أن تودعه، بينما هي بمجرد أن تأكدت من خروجه من الغرفة أسرعت فى الركض نحو سرير "شرف" وأنحنت إلى قدميه مُقبلة كلاهما وصوت شهقاتها يملا المكان.

ظلت ما يُقارب دقيقتان تحتضن قدميه وتقبلها ببكاء وألم مرير، لتهتف بصوت مبحوح أثر بكائها:

- سامحني يا شرف، أنا مكنتش أقصد يحصل كده، مكنتش عايزاك تموت، أنا كنت عايزاك تكرها وتسبها، مكنش قصدي إنك أنت اللي تموت، هي اللي كان لازم تموت يا شرف مش أنت.

أزداد نحيبها كثيرا مُضيفة:

- أنا بحبك يا شرف بحبك من زمان أوي، من أول ما فتحت عيني على الدنيا وأنا بحبك، أستنيتك كتير أوي بس أنت محستش بيا، سبتنى ورحت لواحدة تانية، ليه يا شرف؟ والله العظيم ما حد حبك فى الدنيا كلها قدي، متسبنيش يا شرف أنا مقدرش أعيش من غيرك.

صعدت إلى وجهه وأشاحت عنه ذلك الغطاء وبمجرد أن رأت ملامحه المُشوهة أثر ذلك الحادث حتى صرخت بألم وحسرة.

أستمع "هاشم" إلى صراخها ليدلف الغرفة بسرعة ورأى وجه أخيه الميت، ليشعر بألمًا ينهش قلبه ولكنه تحامل على نفسه حتى يُخرج "هناء" من الغرفة.

ظلت "هناء" تصرخ وتبكي بينما أسرع "هاشم" فى إحتضانها مُحاولا تهدئتها وإخرجها من تلك الغرفة، لتصيح بصراخ مُحاول الإفلات من بين يده وهي ترى الممرضة تُغطي وجهه مرة أخرى:

- لا متعمليش كده، قوم يا شرف، لا.. متخلهوش يسبني يا هاشم، متخلهوش يسبني، شرف.

صرخت بإسمة وسريعًا ما غابت عن الوعي غير مُدركة ليا شيء يحدث حولها.

•••

جففت دموعها بملامح قاسية وصامدة مُعقبة بحدة وكراهية:

- لبنى هي السبب يا ماجدة وانا مش هخلي كل الوجع والحسرة اللي حصلتلي تروح على الفاضي، أنا أه معرفتش أنتقم من لبنى وماتت قبل ما أفش غلي فيها، بس هنتقم من بنتها وأموتها بأيدي.

خرجت "هناء" من الغرفة بينما "ماجدة" ظلت تبكي بصمت وعجز، لترفع رأسها إلى السماء متمنية بداخلها أن يمنحها الله القوة وتستطيع أن تتكلم حتى تُخبر الجميع بما حدث هذا اليوم وتنقذ تلك المسكينة من يد "هناء" و"جواد".

❈-❈-❈

منذ أن استيقظت من بضع ساعات وهي مترددة هل تفعلها أم لا؟ ولكنها بالنهاية أقنعت نفسها إنهم الأن أقارب وعليها إذًا أن تطمئن عليهم.

ألتقطت هاتفها وسريعًا ما بحثت عن رقمه وأتصلت به، لحظات قليلة حتى أتاها صوته الرخيم مجيبًا بنعاس:

- أمم.. ألو.

شعرت بكثير من الخجل، على ما يبدو إنه قد إتصلت فى وقت مبكرًا، اللعنة على غبائها، لتحمحم بإحرج:

- صباح الخير.

أعتدل فى جلسته بسرعة بعد أن أستمع إلى صوته، كيف لم ينظر فى الهاتف قبل أن يجب؟ بالتأكيد تشعر بالحرج الأن، اللعنة على عقله الأحمق، ليبادلها بلهفة:

- صباح الفل.

أبتلعت بهدوء مُحاولة السيطرة على توترها مُعقبة:

- أنا أسفة إني أتصلت بدري كده، أنا بس كنت حابة أتطمن على أهلك، وصلوا ولا لسه؟

حاول أن يُزيح ذلك الأحراج مُجيبًا إياها بإمتنان على أهتمامها بأمر أسرته ولذوقها:

- أسفة على أيه بس أنتي تتصلي فى أي وقت، وهم آه الحمدلله واصلوا إمبارح باليل.

أبتسمت بإعجاب على لطافته معها وإكتراثه لعدم إحراجها مُعقبة:

- حمدلله على سلامتهم.

- الله يسلمك.

أراد أن يُحاول فتح حديث معها ولكنها حطمت محاولته دون معرفتها معقبة بقليل من التوتر:

- طب أنا مُضطرة أقفل بقى.

لم ينجح فيما أراد أن يفعله، ليستسلم لطلبها بهدوء:

- تمام، شكرا جدًا على سؤالك.

أجابته بود ولطافة:

- على أيه، العفو.

أغلقت المُكالمة وهي تشعر بكثيرًا من السعادة والفرح، ولكنها لا تعلم لماذا تشعر بهذه الاحاسيس! لماذا تشعر بذلك الانجذاب نحوه؟ هل هي مُعجبة به!

حركت رأسها بعفوية مُحاولة طرد تلك الأفكار من رأسها زاجرة نفسها حتى لا تعطي الأمر أكثر من حده مُتمتمة:

- بطلي هبل يا زينة وقومي روحي شغلك.

❈-❈-❈

أستيقظ من نومه على صوت رنين جرس المنزل مُعلنًا عن قدوم أحدهم، نهض مُتأففًا لإجباره على الاستيقاظ الأن، ليلعن نفسه على عدم تعين خدم بهذا البيت.

هبط الدرج مُتجها نحو باب المنزل وسريعًا ما قام بفتحه، وبمجرد أن فتخه شعر بالضيق والإنزعاج لرؤيتها أمامه، وقليل من الصدمة التي ألجمت لسانه، لياتيه صوتها مُتهكمة:

- أيه! مش هتدخلني ولا أيه؟

أغمض عينه مُحاولًا كبح غضبه مُتنهدًا بضيق، وتنحى جانبًا مُتيحًا لها الطريق مُعقبًا بنبرة مشوبة بالغضب:

- أتفضلي

دلفت "هناء" المنزل بمنتهى الكبرياء والغرور بملامحها القاسية والخالية من أية مشاعر، أتبعها "جواد" ويبدو عليه الإنزعاج الشديد من مجيئها دون علمه، ولكن لا يستطيع ان يُعاملها بطريقة تُضايقها، وكل هذا يحدث تحت أنظار "ديانة" التي أستيقظت على صوت جرس المنزل ووقفت أعلى الدرج تُتابع ما يحدث بصمت.

لترى "جواد" يقف مُقابلًا ل"هناء" ولكن ليس بهذا الغرور الذي أعتادت عليه منه، بل طريقته فى الحديث معها تحمل القليل من الاحترام وإنعدام وقاحته، ولكنه يرمقها بنفس نظرات الجفاء والحدة التى ترمقه هي بها، لتشعر "ديانة" وكانهم أليون ليسوا بشرًا.

كسر "جواد" هذا الصمت بملامح تصرخ بالثبات والهدوء المُصطنع هاتفًا:

- خير! فى أيه؟

رمقته "هناء" بتفحص إلى أن وقعت عيناه على هذه الضُماضة على صدره، لتتلاقى أعينهم مرة أخره بنفس الثبات مُستفسرة:

- أيه اللي فى صدرك ده؟

توتر قليلا ولكنه لم يُظهره، هل يخبرها أن تلك الفتاة هي من جرحته فى صدره؟ ستجعله أضحوكتها لعامًا قادم، كلا لن يُخبرها، ليتنهد مٌحاولًا إفتعال موقف يجعلها تصدقه:

- مفيش كنت بقيس قميص جديد ونسيت أشيل دبوس من الدبابيس فدخل فى صدري وأنا بلبسه.
1

لم تكترث لما قاله، بل لا تكترث لأمره هو نفسه، لتومأ له بالتفهم، وأتبتلع بأستعداد لأخراج المزيد والمزيد من وقحتها مُعقبة بحدة:

- عملت اللي قولتلك عليه؟

ضيقت "ديانة" ما بين حاجبيها وهي تقف أعلى الدرج تراقب حديثهم، لماذا لم يُخبرها إنها هي من جرحته؟ هل لا يريد أحدًا أن يتدخل بينهم! أم إنه يخشى على مظهره أمامها لأن فتاة هي من جرحته؟ لحظة واحدة ما هذا الشيء الذي طلبته منه؟

بينما هو أغمض عيناه بضيق بعد سؤال تلك المرأة التي لا تخجل أبدا، ليُحاول إذًا أن يُجيبها بوقاحة مماثلة لها:

- حصل وطلعت بنت بنوت بس الحاجة مش معايا، معاها هي.

استنبطت "ديانة" عن ماذا كانوا يتحدثون لتشعر بغثة تكونت فى صدرها، ذلك الحقير أعتدى عليها بأمر من تلك المرأة الوقحة، كيف لها أن تُحرضه على فعل ذلك بها؟ تلك اللعينة التى لا تعرف عن الحترام شيئًا.

تهاوت دموعها حسرة على ما حدث لها وعلى زواجها من رجلًا كهذا، يتبع أوامر النساء وليس له أية شخصية مع تلك المرأة ويفعل ما تأمره به دون تفكير.
بينما لاحظت "هناء" وجود "ديانة" التي تقف أعلى الدرج ويبدو عليها ملامح الإنكسار، لتبتسم "هناء" بداخلها بإنتصار وأضافت بمزيد من وقاحتها:

- ويا ترى بقى نمت معاها ولا أخدتها عند دكتور؟ وإتأكدت أزاى إنها بنت بنوت؟ ليه مثلا متكونش عملية عملية أو حاجة!

صُدم "جواد" من حديثها ومن جرأئتها الغير متوقعة، هل حقل تسأله إذا كان ضاجعها أم لا؟ وتسأله كيف تأكد بالطبع هو يستطيع تميز الأمر فهو رجلا خبيرا بأمور النساء وخصيصا العاهرات ويستطيع تميزهن، كاد أن يرد عليها لحدة، ليقاطعه هبوط "ديانة" الذي تفاجئ بها.

بينما غضبت "ديانة" كثيرا ولم تستطيع تحمل الأمر أكثر من ذلك، لتهبط الدرج بضيقًا وإنزعاج موجهة حديثها نحو "هناء" مُعقبة بحدة:
+

- أحترمي نفسك يا ست أنتي بدل ما أرد عليكي رد مش كويس وأنسى سنك.

شعر "جواد" بمزيجًا من الصدمة والأعجاب فى أنً واحد، هي لم تفعل شيء خارق ولكنه هكذا بالنسبة له، هذه أول مرة يرى أحدًا يتطاول على "هناء" ويُحاول ردعها، حتى والده لا يستطيع إغضابها أحترامًا لها وخشية من قسوتها وحدتها مع الجميع.

حتى هو لا يستطيع إزعاجها أحترامًا وتقديرًا لها، على الرغم من قسوتها وشدتها معه ومعاملتها الجافة الباردة، بينما "هناء" قد غلت دمائها بعروقها من تطاول تلك الفتاة عليها، ولكنها حاولت أن لا تفقد أعصابها أمامها لتهتف بتهكم:

- وأنتي بقى يا بنت لبني اللي هتعلميني الأدب.

رفعت حاجبها بأستهزار وسخرية مُضيفة:

- وبعدين مش يمكن تكوني كنتي مدوراها قبل الجواز؟ ولا أنتي فاكره نفسك هتضحكي عليا زي أمك القذرة ما ضحكت على أبوكي زمان!

صمتت من حدة تلك الصفعة التي تهاوت على وجهها، مما جعلها تبتلع حديثها بصدمة وغضب، لتعزم على أن تقطع تلك اليد الذي تجرئت على لمسها وصفعها.

يتبع...
شُل "جواد" بمكانه مصدومًا مم فعلته "ديانة" غير مُستوعبًا لما حدث، هل حقًا صفعت "هناء"! تلك المرأة التي تُجسد له المعنى الحقيقي لكلمة الوحش، تلك المرأة القاسية المُتجبرة التي يخشاها الجميع من كثرة جفائها وحدتها، ها هي تُصفع الأن على يد تلك الفتاة.

لماذا لم يكن معها مثل تلك الفتاة؟ لماذا لم يستطع فى أحد الأيام أن يقف فى وجهها ويمنعها من التحكم فيه ومُعاملته بتلك القسوة والجفاء؟ لماذا لم يصفعها هو الأخر فى كل مرة كانت تُقلل منه وتُشعره وكانه أضعف شخصًا على وجهة الأرض؟ لماذا سمح لها أن تجعل طفولته قاسية ومريرة إلى هذا الحد؟

عاد من تفكيره على صوت صراخ "هناء" الغاضبة مما فعلته "ديانة" وهي تتوعد لها وتقسم أن تجعلها تندم على ما فعلته، تلك المرأة المغرورة لن تتهاون مع تلك الفتاة وبالطبع ستُستخدمه هو كأحد جنودها لتفعل بها ما تشاء، لتصيح فيها بغضب:

- أنتي بتمدي إيدك عليا يا تربية الشوار يا بنت الواطية.

لم تستطع "ديانة" أن تتحكم فى غضبها أكثر من ذلك، فتلك المرأة لم تكتفي بسب عرضها وتجريحها فقط بل تتجرأء الأن وتنعت والدتها الميتة بتلك الشتائم بعد أن سبتها هي الأخرى، لتندفع يد "ديانة" جاذبة أحد أذرع "هناء" مُعقبة بين أسنانها الملتحمة:

- والله العظيم يا ست أنتي كلمة كمان عليا أو على أمي هأنسى فرق السن اللي بينى وبينك ومش هطلعك من هنا غير على المستشفى.

نظرت "هناء" نحو "جواد" الذي يقف كالمشلول مصدومًا مم يحدث، ومُعجبًا أيضا بما تفعله الفتاة، لتبتسم "هناء" بسخرية وهي ما زالت تنظر إليه موجهة حديثها نحو "ديانة" هاتفة بسخرية:

- ليكي حق تعملي كل اللي فى نفسك، مادام الراجل بتاعنا معرفش يكسر شوكتك وطلع خيخا، وبعدين مستبعدش عنك حاجه يا بنت لبنى، أمك عملتها فى أختي تهاني قبلك زمان.

يا لها من صعقة قوية ضُرب بها "جواد" عندما نعتته بتلك الكلمة وأنهتها بذكر والدته وما حدث لها، ليتذكر هيئتها وهى واقعة أسفل الدرج والدماء تسيل منها، ليشعر بغصة تكونت فى حلقه وسريعًا ما أستعاد ثباته وقوته وفاق من صدمته وذلك التشتت الذي كان يُربكه.

شعر بالغضب الشديد مما تفعله "ديانة" مُحاولًا إقناع نفسه أن ما تفعله إهانة له قبل "هناء"، فتلك المرأة بالنهاية هي شقيقة والدته وزوجة أبيه ومُربيته منذ وفات والدته، حتى ولو كانت تربيتها له قاسية إلى أبعد حد، حتى ولو لم يشعر منها بذرة من الحب أوالحنان، حتى ولو كانت دائما ما تجرحه وتُقلل منه.
كل هذا لا يُنسيه إنها هي من ربته وحلت محل والدته، ولن يسمح لأحد أن ينهرها أو يقلل منها، لا يعلم هل هذا ضعفًا منه أم أحترامًا لها؟ ولكن الشيء المؤكد له أن هذا ليس بحبًا.

تقدم تجاه"ديانة" وملامح الغضب تُسيطر عليه، ليمد يده ويجذبها من ذراعيها وجعلها مُقابله له، وسريعًا ما قام بصفعها بقسوة مُضيفًا بحدة:
1

- ده عشان فكرتي بس إنك تمدي إيدك عليها، وده بس مجرد رد فعل إنما عقابها هيكون كبير أوي وهتندمي على اللي عملتيه ده.

كم ودت أن ترد له تلك الصفعة ولكنه مُحكم قبضته حول يدها جيدا، بينما إلتفت هو إلى "هناء" بملامح جامدة وجافة للغاية مُضيفًا بهدوء وثبات:

- أنا مش خيخا أنا راجل وأنتي عارفة كده كويس، وأنا أسف على اللي حصل وأوعدك إني هأخدلك حقك، بس لو سمحتي روحي دلوقتي وأنا هجبلك اللي أنتي عايزاه لحد عندك.

شعرت "هناء" بالإنتصار والفوز عليها فى هذه الجولة، بينما شعرت "ديانة" بالغضب والاشمئزاز من ذلك الحقير الذي يقف أمامها، يعتذر لتلك المرأة الواقحة بكل ذلك الإحترم والضعف، قد تأكدت الأن إنه فعل ما فعله بها منذ يومين بأمر من تلك المرأة الحقيرة.

زمت ما بين حاجبيها باشمئزازا واحتقار والدموع مُتحجرة فى مُقلتيها، موجهة حديثها نحوه بقليل من الإنكسار:

- يعني أنت عملت اللي عملته فيا ده بأمر منها؟

أبتسمت بسخرية واستهزاء مُضيفة:

- عندك حق أنت مش خيخا أنت جبان ووسخ وضعيف ومعندكش شخصيه وشورة المره ومعندكش ولا ذرة رجولة.

قابلها بملامح هادئة تخلو من أية ردة فعل مستفسرًا:

- خلصتى؟

أمتعضت ملامحها بالإحتقار وكادت أن تبثق عليه، لتأتيها صفعة قوية أسقطتها أرضًا بجانب قدميه مش شدتها، أنحنى إليها وهو ما زال على ثباته جاذبًا شعرها بيديه راغمًا إياها على النهوض، ليوجه حديثه نحو "هناء" التي كانت مُستمتعة بما تراه مردفًا بإلحاح:

- لو سمحتي روحي دلوقتي وأنا هبقى أعدي عليكي.

أومأت له "هناء" بالموافقة وسريعًا ما توجهت نحو الباب، وبمجرد أن خرجت وأغلقت الباب خلفها حول "جواد" نظرته نحو تلك التي فى يده وما زال جاذبًا شعرها بين يده مُضيفا بتوعد:

- قوليلي بقى كده كنتي بتقولي أيه قبل ما أخليكي متعرفيش تقولي حاجة تاني طول عمرك!

شعرت هي بالإهانة والغضب من جذبه إياها بتلك الطريقة، وكل ما فعله بها أمام تلك الحقيرة، لتنفجر صارخة بوجهه:

- كنت بقول إنك مش راجل ووسخ وجبان ومعندكش شخصية وشورة المره، والولية دي هي اللي ممشياك وبتأمرك تعمل اللي على مزاجها بس، وأبعد إيدك دي عني.

قالتها وهى تغرس أحد أصابعها داخل الجرح الموجود بصدره، ليتركها هو سريعا مُتأوهًا من كثرة الألم، راميًا إياها بنظرات الغضب والكراهية، بينما أبتسمت "ديانة" مُضيفة بإنتصار:

- أنت فعلا مش راجل وأنا دلوقتي أتمنى الموت أحسن من إني أكون فى مكان واحد مع قذر زيك.

لم يستطيع أن يُسيطر على غضبه أكثر من ذلك، هل حقًا هي لا تراه رجُلًا!! جيد سيُريها إذًا هل هو كذلك أم لا؟ تقدم نحوها والشر يندلع من زرقاوتيه مُتمتمًا بحدة:

- تمام.. هنشوف.

أنحنى قليلًا مُلتقطها حاملًا إياها فوق كتفيه صاعدًا بها نحو غرفتهم، لتُحاول هي الإفلات من بين يديه، ولكنه يحملها بإحكام لتصيح به بغضبًا وكراهية:

- نزلني يا حيوان، أنت فاكر نفسك كده بتعمل أيه؟

أجابها بإبتسامة خبيثة وكأنه تحول إلى شيطانًا مُتخذًا خطواطًا واسعة نحو الأعلى:

- هوريكي أنا راجل ولا لأ؟
1

❈-❈-❈

كانت تُفرغ مُحتويات حقيبتها بعد أن أستيقظت من نومها، فليلة أمس وصلوا فى وقت متأخر وبمجرد وصولهم إلى البيت الجديد أستسلمت لنوم، وعندما أستيقظت أختارت الغرفة التي تُناسبها وبدأت فى ترتيبها على طريقتها.

صدح صوت هاتفها مُعلنا عن وجود إتصالًا لتتفقده فوجدته هو المتصل، لتبتسم وتجيبه بحماس لا إراضي ونبرة طفولية:

- عارفة والله زمانك زعلان بس أنا أول ما وصلنا إمبارح مكنتش قادره حتى أتصل بيك أعرفك ونمت على طول، حتى لسه بفضي الشُنط حالًا أهو.

أبتسم "إياد" على طريقتها الطفولية الذي تجذبه إليها كل مرة أكثر من المرة التى تسبقها، ليُضيف بمشاكسة:

- طب خلاص مدام كنتي نايمة برأة، حبيت بس أقولك حمدلله على السلامة.

لما يتحدث معها بهذه الطريقة، هل يظنهم أصدقاء ليُحدثها بكل هذا الود والإكتراث، ستفقد عقلها من طريقته تلك  التي لا تستطيع تبريها، لتقابله بود وإمتنان:

- الله يسلمك

لم يعي كيف عليه سؤالها عما يريد معرفته، هل ستوافق على إخباره؟ أم ستُحرجه هذه المرة! ليسألها وليحدث ما يحدث، ليندفع مُتسائلا عن عنوان مسكنهم:

- قوليلي بقى عنوان البيت فين؟!

قاربت ما بين حاجبيها بعدم إستعاب لسؤاله وهتفت بتلقائية:

- وأنت عايز تعرف عنوان البيت فين ليه يعني!

ضحك على تلقائيتها تلك فهى لا تملك خاصية تجميل الحديث بل تتحدث ولا تُفكر فيما تقوله وإلى أين قد يتجه، ليُجيبها وعو يحاول أن يسيطر على ضحكاته:
- أيه يا بنتي الدبش ده أكيد مش هسرقكوا يعني، بسأل عشان عازمك بكره على الغداء ومينفعش أبقى موجود وأسيبك تركبي أوبر أو تاكسي.

رطبت شفتيها بحرج من طريقتها المٌندفعة فى الحديث وإلقائها للكلمات دون تفكير، لتُحاول إصلاح ما أفسدته:

- طبعًا مش قصدي يا إياد، أنا أسفة بس مش هقدر أقبل عزومتك.

نعم هى تشعر بالإنجذاب تجاهه ولكن هذا لا يعنى أن يتقابلان لتناول الطعام، على أية حال هذا شخص غريبًا عنها ولا تعلم إذا كان شخصًا جيد أم لا؟ بينما شعر هو بخيبة الأمل، بكل مرة يفشل مع تلك الفتاة المشاكسة سليطة اللسان.

لن يستسلم حتى لو تطلب الامر ان يلح عليها كالاطفال سيفعلها، هو لا يعلم لماذا أصبح مُنشغلا بها هكذا، ولكن ما يعرفه إنه لن يتركها حتى توافق على تلك العزومة:

- لا هتقبلي ولو مقبلتيش هجيب أنا العنوان بطريقتي وهأجي أفطر وأتغدى وأتعشى عندكم، وإحتمال أبات كمان، أيه رأيك بقى؟

ضحكت على أسلوبه الذي يُرغمها بكل مرة على الإنجذاب نحوه، لتُفكر إنه لن يحدث شيئًا إذا قبِلت عزومته، هى تشعر وكأنها عليها التعرف أكثر على ذلك الشخص ذو الطابع المرح، لتُعقب بإستسلام:

- لا وعلى أيه! الطيب أحسن.

شعر بالإنتصار لكونه أستطاع أن يُقنعها، مُضيفًا بحماس:

- يعني هشوفك بكره؟

تنهدت بإستسلام ولم تُرد أن تُسبب له المزيد من الحرج مُجيبة إياه:

- هحاول إن شاء الله.

أرتسمت البسمة على وجه "إياد" بعد أن تأكد من موافقتها على عذومته، ليهتف بإستفسار:

- طب أيه العنوان بقى؟

أبتسمت على هذا الأصرار الغير طبيعي مُجيبة:

- هبعتلك اللوكيشن على الواتس.

رطبت شفتيها عندما لم تجد ما تقوله لتُضيف بإقتضاب:

- أنا هقفل بقى، باي.

لاحظ تلعثمها وعدم إجادها ما تقوله، ليقرر أن لا يضغط عليها أكثر من ذلك، ووافقها على إنهاء المكالمة مودعها:

- باي

❈-❈-❈

دلف بها الغرفة حاملًا إياها على كتفه، ليوصد الباب خلفه بالمفتاح ثم وضعه فى جيب بنطاله، ليتقدم بها نحو الفراش وقام بإلقائها عليه بعنف وحدة.

شعرت هي بالقليل من الخوف والتوتر، إنها لا تعلم ماذا ينوي أن يفعل بها ذلك الحقير مُنعدم الشخصية، أعتدلت فى جلستها مُستعدة للدفاع عن نفسها إذا فكر أن يقترب منها، ولكنها شعرت بالدهشة عندما تركها وتوجه نحو غرفة تبديل الملابس.

لتنهض هي مسرعة وأتجهت نحو باب الغرفة مُحاولة الهرب، ولكنها وجدته مُغلق بإحكام، لتركله بقدمها بغل شديد.

بينما خرج هو من الغرفة مرة أخرى، ليجدها بجانب باب الغرفة، ليتقدم نحوها وتُسيطر عليه ملامح المكر حاملا بيده ثلاثة من ربطات عنقه، مُضيفًا بخبث:

- متحاوليش، أنتي مش هتطلعي من الأوضة دي غير بمزاجي أنا.

شعرت بسوء نيته تجاهها، ولكنها تعجبت كثير بهذه الربطات التي يحملها بيده! تُرى ماذا ينزي أن يفعل؟
لم يتركها تُفكر كثير وجذبها من ذراعها وألقى بها مرة أخرى على الفرش، ولكن تلك المرة وجهها كان مُقابلًا له.

أقترب منها مُلقيًا ربطات العنق بجانبها، لتتوتر هي من فعلته هذه، أثنا بركبته على الفراش مُقتربًا منها وأنحنى ليلتقط إحدى ربطات عُنقه مُتجها بها نحو يديها، لتنتفض هي مُحاولة الابتعاد عنه صارخة به بفزع وذعر:

- أنت بتعمل أيه؟

أبتسم لها بسخرية وهو يقبض على يدها بعنف وإحكام ليتمكن من تقيدها أعلى رأسها مُجيبًا إيها بهيمنة:

- هوريكي أنا راجل ولا لأ.

هزت راسها بعنف خشية من بشاعة ما صوره لها عقلها، بينما لم يترك لها هو فرصة وسريعًا ما قام بخلع بنطالها عنها كاشفًا عن بشرتها الحليبية، ولا يفصله عن أنوثتها سوا هذه القماشة الدانتيل، تلك الاشياء التي يفعلها لا تدل سوا على شىء واحد، هل سيغتصبها؟ لتصرخ فيه بهلع:

- لأ، أنت مش هتعمل كده، متفكرش لما تغتصبي هتبقى كده راجل.

ضحك بصوته كله على تفكيرها البرئ الذي لم يتوصل إلى حقارة تفكيره، جلس بالقرب منها وأخذ يفتح أزرار منامتها التي كانت ترديها كاشفًا عن نهديها المُحاصران بتلك الصدرية سوداء اللون، مُهثهثًا بفحيح كالأفاعي:

- ومين قالك إني هغتصبك! بالعكس دي مش أخلاقي، أنا مبنامش مع واحدة إلا بمزاجها.

أزداد خوفها عندما نهض من جمبها وهبط لأسفل قدميها وسريعا ما قام بجذبهما وثبت كُلًا منهما بطرفي الفراش، ليصبحا مُتباعدتان عن بعضهما، لتصرخ هي به أن يتوقف عما يفعله مُحذرة إياه إنها ستقتله إذا فعل بها هذا:

- موتني قبل تحط إيدك الوسخة دي عليا، عشان والله العظيم لو عملتها مش هتردد لحظه إنى أقتلك يا حقير.

أبتسم بهينة وهو ينظر لها مُقيدة تمامًا أمامه غير قادرة على الحركة، لا يفصل بينه وبين رؤية مفاتنها بوضوح سوا تلك القطعتان الذي يستطيع أن يُمزقهم بسهولة، ليظل يتفحصها جيدًا مُحاولًا معرفة ما الذي يجعلها أشجع منه؟

تلك الفتاة المُقيدة أمامه بمنتهى الضعف، هي نفسها من أستطاعت أن تصفع تلك المرأة التي لا يجرؤا هو على مُضايقتها ولو بالحديث، نعم يكرهها كثيرًا لأنها هي من حطمت له حياته، هي الشخص الوحيد الذي يخشاه إلى الأن.

هذه الفتاة الصغيرة أستطاعت أن تفعل ما لم يستطيع هو فعله، لقد صفعتها وأثبتت إنها أقوى منه، عليه أن يُثبت لنفسه الأن إنه ليس بذلك الشخص الضعيف، تلك الفتاة أستطاعت أن تصفع "هناء" والأن هو من سيجعلها تترجاه أن يرحمها، سيُثبت لنفسه إنه لا يُنفذ أوامر تلك المراة التي أمرته أن لا يُضاجها، هو يستطيع أن يعصيها ويفعل ما يريده.

رمقها بنظرات شيطانية وأنهال عليها ممزقًا تلك القطعتان المُتبقيتان على جسدها، لتصرخ بوجهه وهي تتحرك بعفوية شديدة مُحاولة حل قيودها فزعًا مما هي مُقبلة عليه:

- أبعد عني، هقتلك لو عملت كده يا جواد، هقتلك.

هذه أول مرة تنطق فيها إسمه، مهلا! من أين لها بجسدًا كهذا! هاتان النهدان المشدودان متوسطين الحجم، ذو اللون الحليبي، مُصحبهما قوامها الممشوق، اللعنة ما كل هذا الجمال؟ إنها تملك أنوثة تفتقرها العديد من النساء.

لقد راى الكثير من العاهرات، ولكن ولا واحدة منهم تمتلك جسدًا كهذا، اللعنة فى ماذا يفكر هو الأن؟ أستعاد تركيزه مرة أخرى بسبب صوت صراخها، لينحني مُتقدما بين مُلتقى ساقيها صاعدًا نحو وجهها.

الأن يستطيع أن يشتم رحيق أنفاسها جيدًا، وأيضا نظرات الكراهية والحقد فى عينيها تجاهه، ليبتسم له وأتجه بإصبعه مُمررًا إياه على وجهها هبوطًا نحو نهديها هامسًا بمكر:

- هشش، أنا قولت مش هغتصبك، الإغتصاب ده بيكون عبارة عن علاقة جنسية بالغصب والإجبار وأنا مش هعمل كده، أحنا هنلعب لعبة صغيرة أوي أنا وأتتي هنشوف بيها أنتي حموله قد أيه؟ ولو خسرتي أنتي اللي هتحكمي على نفسك.

شعرت بسريان القشعريرة فى كامل جسدها، فلمساته على جسدها ليست بهينة، بالإضافة إلى تلك الكلمات التي أصابتها بالهلع، لتصرخ فيه بزعر مما ينوي عليه:

- لعبة أيه! أنت مجنون ومش طبيعي؟

رفع بصرِه إلى داخل عينيها لتتقابل زرقاوتيهما معًا والكثير من النظرات المختلفة، التحدي، الكراهية، الغضب، الإنتقام، الرعب، الهلع، وطال الصمت بينهم للحظات مرت وكانها دقائق.

ما الذي يحدث؟ لماذا أطال النظر داخل عينيها هكذا؟ مهلا! لماذا هي أيضا تنظر له هكذا دون كلام؟ هل تحاول أن تستعطفه كي يحل قيوضها؟ هل تُحاول أستجماع قوتها لكي تعود فى مقاومته مرة أخرى؟ عليه أن يُكمل ما بدأه، إذا تراجع الأن سيكون حقا ليس رجلا.

كسر هذا الصمت وهو يُشيح بعينيه بعيدًا عنها كي لا يعود لذلك الشرود مرة أخرى هاتفًا بإقتضاب:

- قولتيلي بقى دي لعبة أيه؟

نهض من فوقها وبدأ فى خلع بنطاله المنزلي مُستمرًا فى حديثه:

- بصي يا ستي اللعبة دي عبارة عن إني هقعد ألعب مع مراتي شويه، زي أي راجل ما بيلعب مع مراته ونشوف بقى مراتي حمولة قد أيه؟

ألقى البنطال على الأريكة مُكملا حديثه:

- ولو عدى عشر دقايق من غير ما تطلبي مني إني أنام معاكي، تبقي أنتي كسبتي ومش هلمسك، إنما بقى لو خسرتي..

أنحنى ليخلع سرواله الداخلي كاشفًا عن رجولته أمامها بمنتهى الهيمنة مُضيفًا:

- هأخد حقكي منك تالت ومتلت، وهحاسبك على كل اللي عملتيه تحت وهوريكي بقى أنا راجل قد أيه.

أتسعت عينيها بصدمة ورعب من كل ما يحدث لها، هي مُقيدة وعارية تمامًا فى غرفة واحدة مع الشخص الذي يريد الإنتقام منها وهو أيضا عاري، وها هو يخبرها بطريقة ما إنه سيُضاجعها مُرغمًا إياها على طلب ذلك.

اللعنة، ما يقصد بحديثه هذا؟ ماذا يعني ب إنها هي من ستطلب منه هذا! ماذا سيفعل بها؟ لتصرخ به فى هلع وذعر من منظره وحديثه وتخيلاتها التي لا ترأف بها:

- أنت لو عملت كده أنا هقتلك، أوعى تقرب مني.
لم يكترث إلى حديثها وأنخفض بجذعه مُلقيًا بجسده عليها، وكانه يُحاول إقناع نفسه إنه بهذه الطريقة ينتقم منها أو يُعذبها، ولكن فى الحقيقة هو يُلبي تلك الرغبة المُلحة داخله منذ أن رأها، كم تمنى أن تُتيح له الفرصة بأخذها أسفل منه وتذوقها؟ ذلك الشخص الشره بداخله يُجبره على تملكها وخاصة عندما علم إنها لم يمسها أحدًا من قبل.

لم يترك لها فرصة فى التحدث وألتقط شفتيها بقبلة مليئة بالنعومة والشبق، وبمجرد أن تذوق طعم شفتيها أستسلم لحقيقة إنه يريدها كأي رجل يشتهي إمرأة، يريد أن يُفرغ بها تلك الحُمّ التي لا ترأف به كل مرة يراها فيها، يتذكر جيدًا عندما أرغمها على إرتداء ذلك الثوب ورأى جسدها مُفصلا لأول مرة، لن يُنكر إنه فى البداية كان يريد أن ينتقم منها على كل ما عناه مع "هناء" بسبب والدتها.

ولكنه عندما رآها بتلك الهيئة أنجذب إليها وإلى تفاصيل جسدها، وأزداد الأمر سوءً فى اليوم التالي عندما قطع ثيابها وكبلها وجلدها، يُقسم إنه فى ذلك اليوم كان يتمنى لو أن ينقض عليها ويلتهمها دون رحمة أو شفقة، ولكن ما كان يمنعه إنها هي عدوته ولا ينبغي أن يكون معها بهذا اللطف، بل لابد أن يجعلها تتأوه من شدة الألم وليست المتعة.

ليقسوه عليها فى قُبلته وجعل أستنانه تُشارك شفتيه، حتى إنه شعر بمذاق دماء شفتيها، ولكنه لم يهتم بهذا الامر ، بينما "ديانة" كانت تُقاومه منذ البداية خوفًا من أن يوصلها إلى تلك المرحلة التي تضعف بها بين يديه، ولكن مُقاومتها أصبحت أشد عندما شعرت بعنفه وشعرت وكأنه يقوم بتقطيع شفتيها.

لم يبتعد عنها إلا عندما شعر بحاجتها الشديدة إلى الهواء وأستمع إلى صوت أنينِها، وقبل أن تصرخ به مرة أخرى قام بالتقاط إحدى قطع القماش وقام بربطها على أعينِها، ليزداد توترها وخوفها، إنها لا تثق بهذا الشيطان وما يممن أن يفعله، لتصيح به ناهيته عما يفعل باشمئزاز:

- خليك راجل وفكني.

ابتسم بسخرية على سذاجة تلك القطة الشرسة خاصته، للد راقته كثيرًا هذه اللعبة، فهو من عشاق التحديات، أقترب من أُذنيها وأخذ يتنفس بهدوء ويستنشق رائحتها مُشعلًا النيران بجسدها متسببًا لها فى الكثير من الإثارة هامسًا:

- أنا لو فكيتك هبقى فعلا مش راجل.

عاد ليُقبلها مرة أخرى بشغف وإثارة لم يستطيع أن يُسيطر عليهما أكثر من ذلك، ليضرب برأسه ما فعلته هذه الفتاة مع "هناء"، شعر بكثير من السعادة والإنتصار لأن هذه الفتاة المُقيدة أسفله هي نفسها الفتاة التي أستطاعت أن تُهين تلك المرأة التى كانت وما زالت كابوسًا بالنسبة له، هي التي كانت تقسوا عليه وتضربه وتُقيده وتمنعه من كل شيئًا يُحبه الأطفال، فقط ليصبح شخصًا قاسيًا مثلها.

زاد من قسوة قبلته عندما تذكر كيف كانت تُشعره إنه أقل من الجميع، كانت تمنعه من اللعب حتى مع شقيقته ليصبح شخصًا انطوائيًا ليس لديه أصدقاء، شخصًا عمليًا قاسي القلب حاد الطبع يخشاه الجميع، وعلى الرغم من كل ذلك لا يزال يخشى هذه المُتجبرة، شعر بالغضب بالشديد عندما تذكر إنه ما زال يخاف منها رغم مرور كل هذه السنوات.

لم ينتبه لما يفعله سوا عندما أستمع إلى أنينها ووجهها الذي تحول للون البنفسجي بسبب إختناقها وإحتياجها إلى الهواء، أبتعد عنها لثوانٍ فقط ثم انقض عليها مرة أخرى طابعًا تلك العلامات القاسية على عُنقها ونحرها بمزيجًا من الإثارة والغضب، وكانه يُهيى لعقله إن ينتقم من "هناء" وليست "ديانة".

وكأنه يُحاول إكتساب قوته منها، وكانه يأخذ بثأر عشرون عامًا من العذاب والقسوة، يريد أن يجعلها تصرخ أسفله طالبة الرحمة والخلاص، ترى ماذا ستفعل "هناء" عندما تعلم إنه عصا أوامرها وضاجع تلم الفتاة؟ سوف يجن جنونها وهذا بالضبط ما يريده.

ظل يُداعبها بكثير من الطرق المثيرة والمتفرقة حول ثائر جسدها بداية من شفتيها ونعومتهم، مرورًا بمفاتنها التي راقته كثيرًا عندما لامسهما، نهاية بمراكز إنوثتها والتي جعلته يفقد عقله من لذتها وحُسنها الطاغي، بالتأكيد هذه أجمل شيء يراه فى حياته، لقد فقض عقله بالكامل، حتى إنه لم يعد يعي أهو يُعذبها أم يُمتعها ويستمتع بها.

بينما هي لم تعد تحتمل أكثر من ذلك، هي فى البداية كانت تمنعه وتقاومه بشدة، ولكن بمرور الوقت خارت قواها وتحطمت حصونها بالكامل بين يديه، فهو خبير جدًا بنقاط ضعف النساء ويعلم جيدًا ما يجعلهم يفقدون صوابهم ويصرخون أسفل يديه، وهذا ما حدث لها بالفعل:

- كفاية..، كفاية بقى، أرجوك كفابة.

ماذا قالت؟ لم ينتبه إلى ما قالته بسبب هيامهِ بذلك النعيم، لتُعبد هي كلماتها مرة أخرى مُترجية إياه أن يتوقف دون إدراكًا منها بما تقول، لقد ذهب عقلها من كثرة ما يفعله به.

ليرفع هو رأسه مُتفحصًا إياها بنظراته بينما لا يتوقف عما يفعله بها، ليهمس بأنفاس تعذبه أكثر مم تُعذبها، هو أيضا يكاد ينفجر من كم إثارته وإحتياجه الشديد لها:

- عايزة أيه؟

شعرت بالصدمة من سؤاله! بالتأكيد لا ينظر منها أن تطلب منه ذلك الأمر، لماذا يُعذبها الأن بمُحاولته أن يجعلها تطلب منه هذا الشيء؟ اللعنة علي ذلك الحقير، إنها لم تعد تحتمل، عليه أن يتوقف:

- كفاية أرجوك، أرجوك يا جواد.

أهي تترجاه الأن؟ وما هذا الصوت! إنها تتأوه وتصرخ بإسمه، اللعنة يشعر وكأنه رجولته ستنفجر، لقد وصلت لأعلى درجات الشهوة والإثارة، وهو لا يقل عنها شبقًا، ولكن لا، عليها أن تتوصل له ليخلصها من هذا العذاب:

- عايزة أية يا ديانة؟

صرخت برغبة مُتعالية لم تعد تحتملها، وليذهب ذلك الخجل إلى الجحيم، لتجيبه بكلمات مُتلعثمة من شدة شبقها:

- عايزاك تخلصني من اللي بتعمله ده.

أنزعجت ملامحها كثيرًا عندما توقف عما كان يفعله، ها هو توقف لماذا ذلك الشعور بداخلها لا يخمد؟ إنها لا تعرف حتى ما أسم هذا الشعور! إنها لم تُجربه من قبل، أيًا يكُن عليه أن يُنهي ما بدأه، لم تعد تستطيع السيطرة على حركة جسدها وكأنها نائمة فوق جمرات من النار.

أرتفع بجسده قليلا إلى أعلى ولكنه ما زال يجلس بين قدميها، لتتلاقى أعيُنهما معًا فى نظرة تصرخ بالرغبة والجامحة، ليتمتم هو بنبرة مُشتاقة لسماع ذلك منها مُستفسرًا:

- عايزاني أعمل ايه!!

أشاحت بنظرتها بعيدًا عنه مُحاولة الهرب من تلك الزقاوتان، بينما تحترق هي شوقًا للمزيد لكي تخلص من هذا الشبق الذي لا يرأف بها، لتصيح مُتوسلة:

- مش عارفة، مش عارفة بس أرجوك أرحمني بقى.

لم تكُن تلك الإجابة الذي ينتظرها، ولكنه لم يعد يحتمل أن ينتظر أكثر من ذلك، سيفعلها ويحرر نفسه من تلك المُعناة، إنه أيضا يريد التخلص من ذلك الألم الذي لا يرأف به، يريد أن يشعر بتلوي جسدها والاستمتاع إلى صرخات نشوتها، يريد أن يُرضي رجولته وأشباعها برؤيتها وهي تأتي بذروتها.

وبلحظة أقتحم حصونها التي كانت مُهيئة جدًا لذلك، لينعم بذلك الدفئ والنعومة الذي يقسم إنه لم يُجربهم من قبل، وكأنه لم يلمس إمرأة قط، كان سيندم كثيرًا لو لم يترك نفسه لينعم بتلك اللذة، مهلًا لحظة! هل هي حقًا تتفاعل معه؟ لاحظ إنسجامها الشديد معه وجسدها بتفاعل رغمًا عنها.

ما هذا الشعور الذي تختبره؟ دائمًا ما كانت تسمع أن العلاقة أول مرة تكون مؤلمة، ولكن ما هذا الذي يحدث؟ إنها لا تشعر بأية ألم! تشعر وكأنها مُحلقة فى السماء، ما الذي يفعله بها؟

أوصدت عينيها بإستمتاع شديد وتشبست بربطة عنقة المُلتفة حول يدها، ولا شيء يصدر منها سوا تلك التأوهات التي تتفلت منها رغمًا عنها، ثقِلت أنفاسها ووجدت جسدها يرتف بشدة، ولم تستطيع منع صرختها التي صدحت بالبيت بأكمله مُعلنه عن وصولها لذروتها.

سمح لنفسه هو الأخر أن يأتي بذروته، ليصرخان هما الإثنان معًا فى لذة ومتعة مُعلنين عن خلاصهم، وكانت تلك هي المرة الاولى التي يسمح فيها لنفسه أن يصرخ أمام إمرأة يُعاشرها.

أبتعد عنها مُلقيًا بجسده على الفراش مُحاولًا إلتقاط أنفاسه وتنظيمها، بينما أغمضت هي عينيها براحة كبيرة بعد أن وصلت إلى كامل نشوتها.

حرر "جواد" يديها من تلك العقدة وسريعًا ما نهض وأتجه إلى المرحاض ليُنعش جسده بعد تلك المعركة اللذيذة، وترك "ديانة" خلفه مصدومة مم حدث بينهما ومم أوصلها له.
+

يتبع...
أرتخى جسده تحت تدفق المياه الباردة التي منحته الإنتعاش بعد تلك المعركة بينهما، وقف يُفكر فيما فعله منذ قليل وسبب فعلته تلك؟ أحقا كان يُريد فعلها وأستغل الوضع! أم كان يُفرغ بها ما يحمله منذ عشرون عاما؟ لماذا إذًا تعامل معها بهذا اللطف واللين؟ لماذا كان يُضاجعها وكأنهما يُمارسان الحب؟

لماذا لم يفتك بها ويجعلها تصرخ ألمًا وليست متعة؟ لماذا صرخ معاها وهو لم يعتاد أن يصرخ أمام هؤلاء العاهرات التي يُضاجعهم؟ لما شعر بكل تلك النشوة والاستمتاع عندما أستمع إلى صرخات المتعة خاصتها وهو لم يكترث لأستمتاع أية إمرأة من قبل؟

حرك رأسه أسفل المياه مُحاولا طرد تلك الأفكار من مُخيلته، ثم قام بغلق صنبور المياه وألتقط إحدى المناشف القطنية ولفها حول خصره وألتقط أخرى واضعًا إيها حول عنقه وشرع فى الخروج من المرحاض مُتجها نحو غرفة تبديل الملابس، ليوقفه صوت بكائها المرير.

شعر بالدهشة من هذه الوضعية التي رآها بها، إنها تجلس على الفراش عارية تمامًا كما تركها، ولكنها أعتدلت فى جلستها وضامت ساقيها إلى صدرها وذراعيها ملفوفان حولهما مُحضتنة إياهما وتدفن وجهها فى ركبتيها، وصوت بكائها ونحيبها يملأن المكان.

أندهش لكونها تبكي ولأول مرة يرأها منهارة هكذا، لم يسبق له أن يرآها بهذا الضعف من قبل، حتى عندما قام بأخذ عُذريتها لم يراها تبكي حينها! لماذا إذا تبكي الأن؟

بينما كانت هي تبكي قهرًا وألمًا على ما حدث بينهما، تشعر بكثير من الإهانة التي لم تتعرض لها من قبل، لم تكن تتوقع أن يأتي عليها يومًا وتطلب بل وتُلح على رجُلًا أن يمارس الجنس معها، وليس أي رجل بل ذلك الحقير الذي تتمنى قتله، والذي يفعل أية شيئًا ليُشعرها بالذلة والمهانة.

إنه يريد تعذيبها والأن نجح فى تجريدها من كبريائها بجعلها تترجاه أن يفعل ذلك معها ليزداد بكائها ونحيبها، تريد أن تقتل نفسها فضلًا عن أن تتواجد معه مرة أخرى تحت سقف واحد، رفعت راسها مُحاولة التوقف عن البكاء وتنظيم أنفاسها، للتفاجئ به يقف أمامها، لتسحب الأغطية عليها بسرعة مُحاولة إخفاء جسدها عنه رامقة إياه بنظرات الكراهية.

أدرك هو سبب بكائها عندما رأى فعلتها تلك ليُخمن أن هذا هو سبب بكائها، إنها تشعر بالإهانة والذل بسبب ما حدث بينهم، ليشعر بطيف من الإنتصار والفخر على ما فعله بها، وعزم على أن يُزيد من إشعارها بالإهانة ليزداد شعوره باللذة والمتعة من ضعفها أمامه، ولأول مرة يشعر بهذا الكم من القوة وهو يرى ضعف إمرأة أمامه، ليهتف بإبتسامة مُستهزئة:

- كلهم فى البداية بيعملوا زيك كده، بس لما بيجربوا ويعجبهم هما اللي بيجوا لحد عندي ويترجوني عشان أنام معاهم تاني.
شعرت بكثير من الغضب والكراهية تجاهه لتشبيهها بالعاهرات الذين يمارس معاهم تلك القذارة، ولم تستطيع السيطرة على غضبها أكثر من ذلك، لتنهض دون إرادة منها أو وعي وسريعًا ما توجهة إليه لاكمة إياه فى صدره صارخة فى وجهه بضيقًا وغل:

- أنت فاكر نفسك أيه!! أنت حيوان، ومعندكش دم، ومش بتحس، وإبن...

كانت تتفوه بكل كلمة وهي تلكمه فى صدره، ليقاطعها قابضا على رسغها بعد شعوره بالغضب لكونها تدفعه بتلك الطريقة، بل وتتطاول عليه بالحديث، ليسحق أسنانه غضبًا مُعقبًا:

- عارفة لو فكرتي ترفعي صوتك أو إيدك عليا مرة تانية أنا هعمل فيكي أيه؟

رمقتة بغضب وتحدي والدموع مُتحجرة فى عيناها، إنها لم تتعرض لتلك الإهانة من قبل، لم يعُد يُهمها شيئًا، فهي تظن أنها رأت أسوء ما لديه، ولكنها لا تعلم إنها لم ترى شيئا بعد، لتصرخ فيه بحنق:
- هتعمل أيه يعني؟ هتقتلني! ياريت عشان أخلص منك ومن قرفك ده.

أزداد من شدة قبضته على يدها بغضب لكونها تتحداه مُضيفًا بسخرية:

- لااا، أقتلك ده أيه!! أنا مش هقتلك بالساهل كده، أنا هخليكي تتمني الموت فى كل لحظة وأنا ببهدلك وبطلع عين أهلك، ولما أبقى أزهق منك وأحس إني فشيت غليلي هبقى أموتك وأريحك.

دفعت يده بعيدًا عنها وأعتلت وجهها ملامح الإشمئزاز مُضيفة بإحتقار:

- أنت أحقر إنسان شوفته فى حياتي.

كادت أن تبتعد عنه، ليجذبها مرة أخرى وجعلها تلتف رغما عنها،ليصبح ظهرها مُقابلًا لصدره ووجهها مُقابلًا للفراش، ثم عقد ذراعيها أمامه خلف ظهرها وسريعا ما قام بالضغط على ظهرها راغمًا إياها على الإنحناء أمامه، ليصبح منتصفها السُفلي من الخلف مُقابلًا لرجولته هاتفًا بتوعد:

- كلمة كمان وهوريكي أنا حقير قد أيه وهخليكي تشوفي جزء بسيط جدًا من حقارتي.

أمتدت يده للقبض على مؤخرتها مما جعلها تنتفض بين يديه فزعًا وذعرًا، ليبتسم بإنتصار مُضيفًا:

- بس المرة دي مش هتبقى زي من شوية لا، دي هتبقى مختلفة عنها تمامًا فى المكان..

رفع يده وتهاوى بصفعة قوية على مؤخرتها مما جعلها تصرخ ألمًا مُكملًا بمكر:

- وفى الإحساس كمان وهتندمي ندم عمرك، لأن اللي هعمله فيكي مظنش إن حد عملوا معاكي قبل كده، وأنتي وشوقك بقى.

أبتلعت "ديانة" ريقها بخوف وذعر بعد أن أستنبطة ما يعنيه وإنه يُهددها بممارسة تلك العلاقة المُحرمة حتى بين الأزواج والمؤلمة جدًا أيضا، بينما لاحظ هو فزعها وذعرها، ليعزم على أن يمرح معها قليلًا ويستمتع بأن يُشعرها بمزيدًا من القلق والتوتر.

أمتدت يده لتلك المنشفة التي تُحاوط خصره وسريعًا ما قام بنزعها، ممَ جعلها تشعر بالفزع الشديد وأخذت ضربات قلبها فى التزايد، ليأتها صوته الرجولي مُستفسرًا:

- لسه عايزة تقولي حاجة؟

أستطاعت الإفلات من قبضته حول خصرها وسريعًا ما فرت من أمامه برعب وهلع مُتجهة نحو المرحاض وأوصدت الباب خلفها بلهفة، بينما لم يستطيع "جواد" السيطرة على ضحكته المُستمتعة ممَ حدث، وتلك أول مرة له منذ فترة طويلة أن يضحك بمصداقية هكذا، ليتجه هو الأخر نحو غرفة تبديل الملابس عازمًا على الذهاب إلى الشركة.

❈-❈-❈

أنتهى من تناول الإفطار بعد أن بدل ملابسه مُستعدا للذهاب إلى الشركة، دلف سيارته مُحددًا وجهته، ليوقفه صوت رنين الهاتف مُعلنًا عن إتصالًا، ليلتقط الهاتف ورد عليه بعد أن علم هوية المتصل، ليأتيه صوت أنثوي يصرخ بأستغاثة:

- ألحقنا يا هاشم بيه.

فزع من صراخها مُدركًا أن هناك مشكلة كبيرة قد حدثت، ليصيح مُستفسرًا:

- فى أيه يا هند؟

لاحظ أنها قد أبتلعت بقلق مما يتضح له أنها خائفة من ردة فعله، ولكنها بالطبع ليس أمامها حلًا أخر، يجب أن تُخبره بكل ما يحدث امتثالا لأوامره، لتجيبه بتوتر:

- الست هانم كنت بقطعلها فاكهة ودخلت المطبخ أطفي على الأكل، رجعت لقتها ماسكة السكينة وحطاها على رقبتها ومحدش عارف يسيطر عليها.

- لو جرالها حاجة هدفنكوا صاحين أنتي فاهمة؟ أنا جاي حالًا.

صرخ بها وأعتلت وجهه ملامح الصدمة والهلع، وسريعا ما ألقى الهاتف جانبه وقاد إلى ذلك المكان الذي يُخفيها فيه عن أعين الناس بعد أن شاع إنها قد توفيت من عشرين عاما.

بعد قليل من الوقت وصل إلى هذا المكان وسريعًا ما سحب مكابح السيارة بشدة، لدرجة أن السيارة قد صاحت من هول صدمة الإحتكاك، ترجل منها على عجل وركض مُتجها إلى داخل المنزل.

وقف مصدومًا ممَ يراه، "لبنى" تقف وتحمل ذلك السكين واضعة حرفه الحاد على رقبتها مُحاولة استجماع شجاعتها لنحر عُنقها ودموعها تنساب بكثرة، لن تنجح فى إثبات براءتها أمام "هاشم"، ولكن إذا كان موتها سوف يُنقذ حياة إبنتها؟ ستفعله.

ليأتها صوته المُحذر بغضب ممزوج بالرعب صارخا بها كي يوقفها:

- لبنى.

أرتجف جسدها عند سماع صوته، لتُحاول أن تفعلها قبل أن تضعف مرة أخرى، عساها أن تُرحم من ذلك العذاب التي هى أسيرته منذ أكثر من عشرين عامًا، ليتجه إليها "هاشم" بسرعة وقبل أن تنجح في ما كانت تنويه التقط منها السكين وسريعًا ما ألقاه أرضًا وسيطر على يديها فى قبضة يده صائحًا بمن حوله بغصب:

- أطلعوا كلكوا برا.

سريعا ما نفذ الجميع أمره وخرحوا من الغرفة، ليُحول "هاشم" نظره نحو "لبنى" التي تقف أمامه وهي تبكي بإنهيار بين يديه، ليأخذ نفسًا عميقًا براحة وأطمئنان لكونها لم يحدث لها شيئًا، ولكن لماذا يشعر بالراحة من كونها ما زالت بخير ومن المفترض إنه أول شخص يريد قتلها وتعذيبها!

هل يشعر بالشفقة تجاهها ويريد أن يرحمها؟ كلا، أتاه صوتًا بداخله يُزجره بالنهي، بالطبع لا يريد رحمها ولكنه يريد أولًا أن يرى عذابها وحسرتها على أبنتها عندما يقتلها أمام عينيها كما فعلت به عندما قتلت زوجته وأبنته التي كانت في رحمها، أو هذا ما يُحاول إقناع نفسه به.

شعر بالضعف الشديد عندما تذكر ما حدث لزوجته وجنينه فى هذا اليوم، امتلأت عيناه بالدموع وهو يوجه حديثه نحوها مُعقبًا بانهيار:

- ليه عملتي فينا كلنا كده؟ ليه دمرتي عيلة بحالها؟ قتلتى مراتي واللي فى بطنها ودمرتيني ودمرتى بيتي، ودمرتي أختي وأتسببتي فى موت أخويا، خلتيني أعمل حاجات أندم عليها لحد دلوقتي، خلتيني أخطف واحده ست وأحبسها وأنا اللي عمري ما أستقويت على حد ضعيف، خلتيني بدور على بنت أخويا الوحيدة وأبقى عايز أقتلها لأنها بنتك أنتي، رغم إن جواد جابها إلا إني مش قادر أروح أشوفها، مش عارف ممكن أعمل أيه لو شوفتها، فى الأول وفى الأخر هي بنت أخويا.

كان يتحدث بصدق هذه المرة غير مُدركًا لما يقوله، عندما يسقط المرء فى هاوية الإنهيار لا يُدرك ما يقول، ولكن المؤكد إنه يقول ما بداخل قلبه بصدق، لتشعر هي بالقليل من الراحة ولأول مرة تتأكد أن قلب "هاشم" لا يزال نقيًا ولم تنجح "هناء" فى تدنيسه بعد.

بينما تذكر هو علاقته مع "هناء" وما يُعانيه معها تحت مُسمي الزواج، ليستمر فى إنهياره أمامها وكأنه يتحدث إلى نفسه:

- وأكتر حاجة ندمان عليها لحد دلوقتي، هي جوازي من هناء، اللي هي أخت مراتي، واللي أنا عارف إنها كانت بتحب أخويا ومع ذلك وافقتها فى طلبها، وأديتها وعد إني مش هقربلها طول العمر.

إندهشت ملامحها لما أستمعت إليه، فقد سبق لها وأن علمت أن "هناء" كانت تُحب "شرف"، ولكن هذه أول مرة تعرف فيها أن "هاشم" كان على علم بذلك الشيء، وهذا يُفسر سبب قبول "هاشم" لطلبها هذا، بينما استعاد هو سيطرته على انهياره، ليقبض على ذراعيها بغضب وكراهية والدموع تتساقط من عينيه مُضيفًا:

- شوفتي بقى عملتي فينا أيه؟ عشان كده أنا مش هسيبك تموتي بالساهل كده، لازم أعذبك زي ما أنا اتعذبت، لازم أحرق قلبك زي ما حرقتي قلبي، لازم أكويكي بناري اللي أنا مكوي بيها بقالي عشرين سنة، اشتياق وحرمان وضعف وعذاب، لازم تدفعي التمن يا لبنى.

هزت رأسها بنفي تُحاول للمرة المليون أن تجعله يفهم إنها لم تفعل شيئا، ولكن لا فائدة من ذلك، بينما "هاشم" لم يعد يستطيع السيطرة على نفسه أكثر من ذلك فتلك الرغبة والحرمان بداخله لا يرأفان به أبدا، بالإضافة إلى تلك الشفتان المرتجفتان أمامه الذي يود أن ينتقم منهما.

لينقض عليها مُلتهما شفتيها بمنتهى الغضب والقسوة غير مُكترث لتلك التى أنصعقت من صدمتها مما فعله وتُحاول دفعه بعيدا عنها ولكن دون فائدة، هو كالجدار لا يتحرك ابدا.

ظل ينتقم من شفتيها حتى غرق في سحريهما، بينما "لبنى" لم تعد تستطيع إبعاده خصيصًا بعد شعورها بالإختناق وإحتياجها للهواء، وبعد لحظات ليست بقليلة أخيرًا أبتعد عنها بعد صياح هاتفه مُعلنا عن وجود إتصالًا من "جواد".

شهقت "لبنى" مُحاولة تنظيم أنفاسها بعد شعورها بالإختناق التام وظنت أنه يُحاول قتلها، بينما هو شعر بالصدمة والغضب من نفسه مما فعله، كيف لم يستطع أن يسيطر على حاله؟ ماذا فعلت تلك اللعينة حتى أجبرته على تقبيلها؟ كيف لم تمنعه عن فعل ذلك!

رمقها بكثير من الغضب والإشمئزاز مُلقيا عليها وحدها خطأ ما حدث الأن، مُحاولا إقناع نفسه إنها كانت تستطيع أن تمنعه ولكنها لم تفعل، صفعة قوية تهاوت من يده على وجهها مُعقبًا بإحتقار:

- كنت عارف إنك وسخة ونجسة.

سريعا ما رحل هاربًا مما فعله تاركًا إياها خلفه غارقة فى بُحور ما يحدث ودموعها لا تتوقف عن الإنسياب مُلقية الذنب على نفسها، على الرغم من أنها حقا لم تقدر على إبعاده عنها.

❈-❈-❈

ألقى هاتفه على المكتبه بإنزعاج ونفاذ صبر ليأتيه صوت "إياد" الجالس أمامه مُستفسرًا:

- أيه مبيردش بردو؟

أغمض عيناه مُجيبًا بإقتضاب:

- لا.

لاحظ "إياد" إنزعاجه ليُحاول تهدئته وإشغاله بأمر آخر، وأيضا ليُخبره بما يجب أن يحدث الفترة القادمة:

- زمانه جي يمكن عنده مشوار ولا حاجة، المهم فرع الشركة بتاعتنا فى لوس أنجلس، المفروض هنمضي صفقة كبيرة مع شركة عقارت كبيرة هناك ومحتاجين حد يسافر كمان أسبوع ضرورى، وهاشم بيه أنت عارفه بقاله حوالي سنة مش بيسافر لإكمال صفقات، يعني مفيش قدمنا غير معاليك اللي لازم تسافر.

قال جملته الأخيرة بإستهزاء ظنًا منه أن "جواد" ليس لديه مزاج للسفر، بالطبع لن يقبل تلك السفرية الأن وعملهم سيتعطل بسبب مزاجيته اللعينة، ليفأجئه "جواد" مٌجيبًا برسمية:

- تمام، أحجزلي فى طيارة الأسبوع الجاي.

أندهش "إياد" مما أستمع إليه ليهتف مستفسرًا:

- أنت بتتكلم جد! السفرية دى مش يومين أو أسبوع، دي ممكن تعدي الشهر.

أمتعضت ملامحه بقليل من الإنزعاج مُعقبًا بحزم:

- هو أنا عيل صغير معاك مش هبقى فاهم اللي بقوله ولا ايه يا إياد؟
لاحظ "إياد" إنزعاج صديقه وأدرك إن هناك شيء ما يُعكر صفو مزاجه، ليُفضل إنهاء الحديث قبل أن يزداد الامر سوء ويتشاجران:

- لا يا عم أنت حر، براحتك.

خرج "إياد" من المكتب تاركًا إياه خلفه يفكر فيما حدث بينه وبين "ديانة" صباح اليوم، ليشعر بكثير من الغضب لكونه يفكر بها دائما، إنها تُشبه اللعنة التى تُصيب الإنسان، ما زال لا يستطيع تفسير ما حدث بينهم، اهو حقا كان يريد أن يقوم بممارسة علاقة معها! أم إنه فعل هذا لكي يشعر بالإنتصار على "هناء" بكونه أهان الفتاة التى أستطاعت إهانتها؟

أم إنه كان يحاول أن يُقنع نفسه إنه يستطيع أن يعصي أولمرها ويفعل ما يريده؟ شعر بالتشتت من تلك التناقضات بداخله، ليلتقط هاتفه وسريعًا ما شرع فى الخروج من الشركة بأكملها.

❈-❈-❈

بعد مرور أكثر من أسبوعين..

جالسة بغرفتها وشعور القلق لم يُفارقها منذ يومان، وذلك بعد أن لاحظت إطالة فترة غيابه عن المنزل، لا تُنكر إنها تشعر بالراحة من عدم وجوده، ولكن الأمر أصبح مُريباً بالنسبة لها، يكفي إنها تعيش بهذا المنزل بمفردها.

نعم فى نهاية كل أسبوع تأتي لها تلك الفتاتين الذين سبق وأن أتوا إليها بالملابس من قبل، ولكن هذه المرة يُحضرون لها جميع الأغراض التي يمكن أن تحتاجها من طعام وشراب، ولكن هذا لا يعني أن تتقبل حبستها بهذا المنزل، لقد حاولت الخروج منذ عدة أيام ولكن هؤلاء الأوغاد على البوابة لم يسمحوا لها.

اللعنة على هذا الغبي الذي يظن نفسه المُتحكم الأول والأخير فيها، حتى إنها لا تعلم أين هي؟ ولا يُمكنها أن تورط "مالك" فى هذا الأمر، يكفي إنها تتحدث إليه وتطمئنه على نفسها من وقت لأخر هو وجميع أسرتها، لن تورط أحد بينها وبين ذلك الحقير، إنها تتذكر جيدًا ما حدث بعد ذلك اليوم.

••

تجلس بغرفتها تُفكر فيما حدث بينهم منذ ثلاثة أيام، لتمتعض ملامحها بالكثير من الغضب عندما تذكرت كل ما فعله بها، تلك الطريقة المُهينة التى أفقدها بها عُذريتها بأمر من هذه المرأة الحقيرة، ولم يكتفي بهذا الأمر بل مارس معها ولأول مرة بهذه الطريقة الخبيثة مما جعلها تشعر وكأنها عاهرة من تلك العاهرات الذي يعرفهن.

أغمضت عينيها بكثير من الإشمئزاز والكراهية عازمة على أن تمنعه من التقرب إليها مرة أخرى حتى ولو وصل الأمر لأن يقتلها أو تقتله.

قطع تفكيرها صوت صياح مكابح سيارته التي توقفت فجأة مُعلنة عن وصله، لتشعر بالقلق والتوتر من فكرة مجيئه وذهبت كل شجاعتها وكأنها تبدلت إلى فتاة أخرى تخشى قُربه، تململت بفراشها مُصطنعة النعاس حتى تستطيع الهروب من ذلك اللعين.

فتح "جواد" باب الغرفة بإندفاع وكأنه نسى وجودها، لتقع عيناه على تلك التي تتوسد الفراش غائبة فى نومها، وقف أمام فراشها لتشعر هي بقربه وأرتجف قلبها خوفًا من تنفيذ تهديده الذي أخبرها به صباح اليوم، ولكنها هدأت قليلا عندما شعرت بإنصرافه وتوجهه نحو غرفة تبديل الملابس.

بعد وقت ليس بكثير خرج من غرفة تبديل الملابس بعد أن بدل ملابسه، لتظن هي إنه قادم للنوم بجانبها، ولكنها أندهشت من مُغادرته الغرفة غالقًا بابها خلفه، لتُدرك إنه سيتجه إلى غرفة أخرى وذلك الشيء راقها كثيرًا، ولكن الأمر أصبح مُخيفًا بالنسبة لها بعد أن مر الأسبوع كامل وهو يتجنبها تماما وكأنها غير موجودة من الأساس، إنه يستيقظ باكرًا ويقضي اليوم كُله بالخارج ولا يعود سوا لينام فقط ويُعيد نفس الأمر كل يوم لمدة أسبوع كامل، بينما يزداد قلقها وخوفها من ذلك الهدوء الذى تملكه ولكنها تُطمئن نفسها ظننا أن هذا جيد.

•••

كان ذلك قبل ثلاثة أسابيع، فهى منذ مرور ذلك الأسبوع وهي لم تراه أبدا حتى إنه لم يأتي إلى البيت، أصبح الأمر مُريبا جدًا بالنسبة لها، فقد بقيت لثلاثة أسابيع تجلس فى هذا البيت بمفردها وهى لم تعتاد هذا الأمر، حتى إنها لا تستطيع الخروج من هذا البيت، لا تملك سوا هذا الهاتف الجديد الذي أرسله لها بعد أن أخذ هاتفها ذلك اليوم الذي سمعها فيه وهي تُحدث "أدهم".

قطع تفكيرها صوت جرس الباب مُعلنا عن قدوم أحدهم، لتُسرع نحو الباب ولكنها توقفت للحظة ظنًا منها إنه قد يكون "جواد"، ولكنها تتذكر أن بحوذته مفتاحًا وإذا كان هو لكان لم يضرب الجرس، فتحت بحظر شديد لتتفاجئ بتلك التي تقف أمامها، تشعر وكأنها رأتها من قبل ولكنها لا تتذكر من تكون.

كيف دخلت إلى هنا! هل سمح لها الحرث بالدخول؟ أهي من هذه العائلة حتى سمحوا لها؟ متى ستتخلص من هذه العائلة؟ رمقتها بإهتمام مُستفسرة:
1

- أي خدمة؟

قابلتها الأخرى بابتسامة صادقة وهي تقوم بخلع نظارتها مُجيبة إياها بود:

- أنا زينة بنت عمك.

أطالت "ديانة" النظر إليها وهي لا تعلم ماذا تفعل! أتُدخلها أم تطردها؟ لقد رأت ما يكفيها من تلك العائلة بداية من ذلك "جواد" نهاية بتلك المرأة الوقحة، ولكن الشيء الذى يُربكها هو ابتسامة تلك الفتاة التي لا تعلم أهي صادقة أم لا؟ ليأتيها صوت "زينة" مُستنكرة:

- أيه هتسبيني واقفة على الباب كتير كده ولا أيه!

حمحمت بحرج وقررت أن تُدخلها على الأقل تتحدث إلى أحدًا أفضل من التحدث إلى نفسها طوال تلك الفترة الماضية، لتهتف بترحيب؟

- لا طبعًا، أتفضلي.

دلفت "زينة" المنزل وجلست بصحبة "ديانة" مُحاولة معها بدأ الحديث دون إشعارها بأي هجوم أو لوم عليها، لتبتسم لها مُضيفة بود:

- طبعا أنا كان نفسي أقعد معاكي من بدري، تقريبا من أول ما عرفت إنك أنتي وجواد أتجوزتوا، بس بصراحة كنت مستنية شوية لحد ما الأمور تهدء، وأستغليت سفر جواد وقولت أجي أقعد معاكي شوية.

ضيقت "ديانة" ما بين حاجبيها بصدمة مُستفسرة:

- هو مسافر؟

شعرت "زينة" بالدهشة من صدمة "ديانة" وكونها لا تعلم عن سفر زوجها، ولكنها تذكرت شدة "جواد" وجفائه وعدم إكتراثه لإخبار أحدًا عما يفعله،وخصيصًا تلك التي يظنها عدوته، لتُحاول إصلاح ما أفسدته بحديثها:

- هتتعودي متقلقيش، أصل جواد كده بيعمل الحاجة ومش بيعرف حد خالص عنها، ده أنا عرفت من بابا بالصدفة.

أومأت لها "ديانة" برأسها مُتفهمة حديثها، لتشعر "زينة" أن هذا الوقت المناسب لمُحادثتها:

- خلينا فى اللي أنا جيالك عشانه، أنتي أكيد عرفتي أيه سبب جواز جواد منك وأيه اللي حصل من عشرين سنة، طبعًا أنا مش جايه أفتح فى القديم أو أتكلم معاكي فى حاجه بخصوص اللي، أنا عارفة إن ملكيش ذنب وعارفة إن اللي بيفكر فيه بابا وجواد وخالتو هناء غلط، سواء ماما أو مامتك هما الأتنين ماتوا وربنا هو اللي هيحاسب على اللي حصل أيًا كان أيه، أنا جايه أقولك إني مش معاهم فى أي حاجة، وعايزه أقولك على حاجة كمان.

أبتلعت بمرارة وحزن مم ستقوله، مُكملة:

- بابا وجواد مش وحشين، هما بس موجوعين من موت ماما وخصوصا جواد، لإنه هو اللي شاف الحادثة وهو أكتر واحد اتأثر، بس أنا أكيد مش هقف أتفرج وهقنعه إنك ملكيش ذنب وعايزاكي تصدقيني وتسمحيلي إننا نكون صُحاب وقريبين من بعض، لإني معنديش أخوات وكان نفسي بجد يبقى عندي أخوات بنات، بس أهو اللي حصل بقى، ياريت توافقي نكون صحاب وأخوات.

شعرت "ديانة" بالصدق فى حديث "زينة" وإنها ليست مثل ذلك المغرور وتلك العقربة التي علمت إسمها للتو، يبدو أن هذه الفتاة طيبة وبريئة، ويبدو أيضا إنها لا تعلم مدى قذارة شقيقها ومُعاملته القاسية المُجردة من أية إنسانية، لتُقابلة بابتسامة ود وإمتنان:

- أكيد طبعًا أقبل، أنا كمان حسه نحيتك براحة وكأني أعرفك من زمان و..

قطع حديثها صوت جرس الباب مُعلناً عن قدوم أحدًا أخر لتستأذن من "زينة" وتوجهت نحو الباب، وما إن فتحته حتى صاحت بسعادة وفرح مُعانقة إياها بلهفة:

- ملك، وحشتيني، وحشتيني أوي أوي يا روح قلبي.

بادلتها "ملك" العناق مُعقبة باشتياق ولهفة مُماثلة وقد ترقرقت الدموع بعينيها:

- وأنتي كمان وحشتينا أوي يا ديانة.

أدخلتها "ديانة" وقامت بإصطحابها إلى "زينة" ليتعرفان على بعضهما، قدمت "ديانة" ملك" إلى "زينة" بحب:

- بما إنك يا زينة بتحبي جو الأخوات والصحاب وكده تقدرى تعتبرى ملك أختنا الصغيرة، ملك تبقى أختي.

استنبطة "زينة" أن تلك الفتاة هي شقيقة "مالك" الذي سبق وحدثها عنها، لتبتسم لها بحب وترحاب بينما حولت "ديانة" نظرها نخو "ملك" موضحة:

- ودى يا ملك تبقى زينة بنت عمي وأختنا الكبيرة من دلوقتي.

صافحتها "ملك" بود، بينما شعرت "ديانة" بالتعجب من مجئ "ملك" إلى هنا! كيف عرفت العنوان؟ وكيف سمح لها الحُراس بالدخول، لتهتف مُستفسرة:

- صحيح أنتي جيتي هنا أزاي؟ عرفتي العنوان منين! وأزاي أصلا الحُراس سابوكي تدخلي؟

أبتسمت "ملك" على ذلك ذهولها وكثرة أسئلتها مُجيبة إياها:

- واحدة واحدة هفهمك كل حاجة، إنتي عارفة إن مالك جبلنا بيت ونقلنا هنا ودراسني بقت هنا، عشان كده بقيت بخرج عادي وقربت أحفظ الأماكن كمان، أما بالنسبة بقى لعرفت البيت إزاي والحرس دخلوني إزاي فالفضل يرجع لإياد بصراحة.

قطبت "ديانة" ما بين حاجبيها مستفسرة:

- إياد مين؟

تدخلت "زينة" موضحة الأمر لها:

- إياد ده يعتبر الصاحب الوحيد لجواد وبيشتغل معاه فى الشركة وباباه كان صاحب بابا جدَا.

حولت "ديانة" نظراتها نحو "ملك" بمزيد من التعجب:

- وده أنتي وصلتيلوا إزاي؟

قصت "ملك" عليها ما حدث منذ البداية وذهابه إلى بيتهم فى القاهرة، مرورًا بعزيمته لها على الغداء منذ ثلاث أسابيع، نهاية بإخبارها أن "جواد" قد سافر وإنه سيُحضرها لكى تراها وتطمئن عليها ويُعيدها إلى البيت مرة أخرى.

مطت "ديانة" شفتيها جانبًا ويبدو عليها القلق من تلك العلاقة مُهمهة:

- امم وبعدين!

لاحظت "ملك" قلقها وعدم راحتها لتلك العلافة، لتُحاول أن تُطمئنها ببعضًا من المرح والمشاكسة هاتفة:

- لا متقلقيش أنتي عارفة ملك كويس، آه تبان مجنونة وطقة، بس وقت الجد نهد الدنيا هد.
ضحك كلا من "ديانة" و"زينة" على طريقة ملك المرحة والمليئة بالطاقة والعفوية، بينما لاحظت "زينة" إنجذاب "ملك" ل"إياد" وهذا واضح فى حديثها عنه، لتدرك إنها ليست وحدها من تشعر بذلك الإنجذاب السريع تجاه شخصًا لم تراه من قبل.

هناك تلك المُشاكسة أيضا يبدو عليها الإنجذاب لذلك المُراوغ ذو الكلام المعسول الذي يُدعى "إياد"، لنرى إذًا إلى أين سنصل فى تلك المتاهة الكبيرة التي تُدعى الحياة.

❈-❈-❈

جلست بصحبتها بعد أن عادت من عند "ديانة" وقصت عليها ما حدث وحديثهم معًا وإنهما أصبحا أصدقاء وتقربًا من بعضهم البعض كثيرًا.

شعرت "ماجدة" بسعادة وراحة من تقرب "زينة" إلى "ديانة"، وإنها لا تُفكر فى الانتقام منها، حتى إنها يُمكن أن تُقنع "جواد" بأن لا يؤذيها وأن ينسى ما يُفكر به.

لاحظت "زينة" سعادة "ماجدة" لتُقرر أن تتحدث معها فى ذلك الأمر الذي لطالما أصبح لا يُفارق بالها، لتُضيف ببعضًا من التوتر:

- بصي فى حاجة كده كنت عايزة أحكيلك عليها، فاكرة مالك اللي كان جيه زعق هنا وسأل على ديانة؟

رفرفت "ماجدة" بأهدابها كإشارة منها إنها تتذكر، لتُكمل "زينة" بخجل:

- بصراحة أنا وهو الفترة دي بنتكلم كتير جدًا وحاسة بحاجة غريبة أوي، حاسة إني ببقى مبسوطة وأنا بكلمة، كأننا صحاب أو نعرف بعض من زمان، بحس إني مستنياه يكلمني، أو ممكن أنا أخترع حوار عشان أكلمه.
+

لمعت عينيها بسعادة لمجرد التحدث عنه مُضيفة:

- أنتي عارفة إني مش من النوع اللى بينجذب لحد بسهولة، ولا ليا فى جو المراهقة ده، وده اللي محيرني! هو إنسان كويس ومحترم وناجح فى شغله وفى صفات كتير حلوة، يمكن عشان كده إنجذبتله! بس حقيقى يا عمتو متوترة ومش عارفة أعمل أيه؟

رمقتها "ماجدة" بنظرة حب وإبتسامة واثقة، مم جعلها تشعر وكأنها تُخبرها إنها تثق بها وإنها ستفعل الصواب بالتأكيد، لتبادلها "زينة" الابتسامة ونهضت لتُعانقها بحب.

كل هذا وتلك المُتصنتة كالعادة تسترق السمع إلى حديثهما وقد شعرت بالغضب الشديد مم أستمعت إليه، لتُخرج هاتفها وأجرت إتصل لأخد الأرقام وما إن أتاها رده حتى بدأت فى إلقاء أوامرها عليه:

- زينة بنت هاشم عايزاك عينك عليها وكل تحركاتها تبقى عندي لحظة بلحظة.

أنهت إتصالها وعزمت على تدمير ذلك الشيء الذين يُحاولون تشيده، هى لم تقبل بالخسارة فى الماضي والان أيضا لن تقبل بها مهما تطلب الأمر، لتُتمتم بحدة:

- مش هسمحلكوا تهدوا اللي بنيته من أكتر من عشرين سنه يا بنت لبنى أنتي وبنت هاشم، حتى ولو كان آخر يوم فى حياتي، واللي أنا مخططاله هيحصل يعني هيحصل.

يتبع...
جالسًا على الأريكة بغرورهِ المُعتاد، ينظر إلى تلك الفتاة المثيرة التي تقف أمامه مُنتظرة اوامره، تلك الفتاة التي طلبها وكان شرطه أن تكون عذراء ولا يزيد عمرها عن العشرون عاما، وهذا بعد أن أحضر الكثير من الفتايات العاهرات للممارسة معهن، ولكنه فى كل مرة يتوقف عمَ يفعله ويشعر بالاشمئزاز الغير مُبرر.

أقنع نفسه إنه فقط يشمئز منهن كونهن عاهرات وقد مارسن الجنس لكثير من المرات، وبالطبع يحملن الكثير من الأمراض، لهذا السبب أحضر هذه المرة فتاة لم يسبق لها أن مارست ذلك الأمر، لعله يصل إلى ما يريده.

رمق الفتاة مُتفحصًا إياها مُحاولًا إثارة نفسه بجسدها البض ذو القوام الممشوق والشعر الأصفر الحريري والعيون الخضراء، ليأمرها بخلع جميع ملابسها وإنتظاره بالفراش.

فعلت الفتاة ما أُمرت به وسريعًا ما توسدت الفراش فى إنتظاره، بينما كان هو يُتابعها بزرقاوتيه مُتفحصًا كل إنشًا فى جسدها، وكانت حقًا مثيرة للغاية، تمتلك نهدان كبيران مشدودان وأيضا مؤخرة مُستديرة ممشوقة تُثير أي شخصًا ينظر لها.

نهض من مقعده بعد أن شعر بتأجج الإثارة داخله وإنتشاء رجولته، ليتجه نحو الفراش مُتخلصًا من قميصه وسريعًا ما تخلص من كامل ملابسه، ليقف بضخامته أمام تلك الفتاة التي بالفعل نهضت وجلست بين قدميه وبدأت فى ممارسة عملها كإحدى العاهرات المتمرسات، وظلت تتلاعب بأوتار رجولته مُحتضنة إياها بشفتيها، لتخور قواه أمامها ويسقط من برجه العالي أمام خبرتها باستخدام تلك الشفاه.

دفعها على الفراش وأعتلها بهمجية راقت لها كثيرًا وكاد أن يدفع بها، لينتابه فاجأة نفس ذلك الشعور بالنفور والإشمئزاز، على الرغم من إنتشاء رجولته وشعوره بالإثارة والرغبة الشديدة فى التخلص من ذلك الألم، إلا إنه لم يستطع فعلها، فكلما حاول الإقتراب منها يزداد إشمئزازًا.

زفر بحنق شديد مبتعدًا عنها مُنزعجًا من ذلك الشعور الذي يحدث له كلما حاول الأقتراب من أيه فتاة بعد لقائه معها، على الرغم من رغبته المُثارة، إلا إنه لا يستطيع القيام بذلك الأمر، وها هو على ذلك الحال لما يُقارب شهرا ونصف، ما هذا الشيء الذي أصابه؟ فهو غير مُعتاد على مرور كل تلك الفترة دون القيام بذلك الأمر.

أقترب منها وحاول أن يبدأ فى مُداعبتها وتقبيلها ولثاني مرة يُفكر فى ممارسة الجنس الرقيق وليس العنيف، لعله يصل إلى خلاصه، بينما شعرت تلك الفتاة بالسعادة لإقترابه منها، على الرغم من حدته وجفاء مُعمالته إلا إنه وسيمًا للغاية وقد يأسر قلب الكثير من الفتايات.

انحنى تجاه شفتيها ليتذكر ذلك اليوم الذى قام فيه بالإقتراب من "ديانة" وها قد حدث له أخر شيء يمكن أن يتمنى حدوثه، فقد رأى "ديانة" بين يديه للحظة، ليشعر أن كل ما يُحاول فعله منذ شهرًا ونصف لم يُشكل فارقًا فيما يفكر به.
إنها تستحوذ على تفكيره طوال الوقت، حتى عندما يأتي بهؤلاء الفتايات يتذكرها ويتذكر تلك المرة التى مارس معها، وكانت هذه المرة الاولى له أن يُمارس فيها الجنس الرقيق، فهو لا يهتم سوى بالوصول إلى خلاصه الذي لا يأتي سوى بممارسة عنيفة مع هؤلاء العاهرات، ويبتعد بعدها غير مكترثًا لهن، ولكن معها كان الأمر مُختلفًا.

لعن بداخله نفسه وتفكيره بها حتى الأن وهو بين يديه فتاة تفقض أعتي الرجال ثباته أمامها حُسنها وأنوثتها، ف"ديانة" لا تترك مُخيلته، ليبتعد عن الفتاة أمرًا إياها باللغة الإنجلزية:

- أرتدي ملابسك وأذهبي.

صُدمت الفتاة من جُملته التي لن تتوقعها، إنها رأته مُنتشيًا وفى قمة إثارته! لماذا إذا يطلب منها الرحيل؟ لتُعقب مُستفسرة:

- لماذا سيدي! ألم أروقك؟

أغمض عينيه بغضب ممَ يحدث له، ولكنه لا يريد أن يخرج ذلك الغضب على أحد خصيصًا هذه الفتاة، ليُجيبها مُصطنعًا الهدوء:

- الأمر لا يتعلق بكِ، فأنا مُشوش ولا أريد القيام بذلك الأمر الأن، ستحصلين على النقود المُتفق عليها، والآن أذهبي.

نهضت الفتاة مُمتثلة لأمره مُجيبة بأحترام:

- كما تشاء سيدي.

نهض هو الأخر مُتجها نحو المرحاض بعد أن أعطاها المال وتركها تنتهى من ملابسها أمرًا:

- أريد أن لا أراكي عندما أخرج.

دلف إلى المرحاض مُحاولًا التخلص من هذا الغضب الذي ينهش رأسه، ليذهب صوب الصنبور وفتحه ثم ملأ يده بالمياه ونثرها على ثائر وجهه بفوضوية، ظنًا منه إنه قد يتخلص من تلك النيران المُشتعلة به.

خرج بعد أن أستمع إلى صوت إغلاق الباب مُدركًا أن هذه الفتاة قد رحلت، ألتقط هاتفه من فوق الكومود مُحاولًا إشغال عقله فى أي أمرًا حتى لا يُفكر بتلك التي لا تُفارق مُخيلته، ليجد أن هناك رسألة من "هناء"، ليعود له غضيه مرة أخرى، وذاد إشتعاله عندما قرأ مُحتوى الرسالة وهو:

- زينة أختك كل يوم عند الزفته اللي أنت مش عارف تخلصنا منها لحد دلوقتى، شوفلك حل قبل ما تسيطر عليك أنت كمان وتمشيك جمبها بطوق فى رقبتك زي الكلاب.

ألقى هاتفة على الفراش وأخذ يُكسر فى كل شيء حوله بكثير من الغضب والكراهية تجاة تلك المرأة التي تسطيع دائمًا أن تُشعره بالضعف والعجز، وما يجعل الأمر أسوء هو إنه لا يستطيع الصراخ بها لكي تكف عن فعل ذلك الشيء به، والأن للمرة المليون تُشعره بالإهانة والعجز أمامها، بجعلها تُحاول أن تُقنعه أن تلك الفتاة أقوى منه وتستطيع أن تجعل منه مُسخة أمام الجميع.

ازدادت نيرانه عندما تذكر هذه الفتاة وتذكر قوتها أمامه وجرأتها وعدم إكتراثها له بالرغم من كل شيء فعله بها، بل وتذكر أيضا ما فعلته مع "هناء" وشجاعتها أمامها، والتي لا يملك هو منها قيد أُنملة للوقوف بوجهها، ليشعر بالحقد الشديد تجاهها، عليه أن يقتص منها ويجعلها تندم على الوقوف أمامه.

أما عن تلك المرأة التي تُدعى والدته التي ربته، ابتسم مُستهزءًا على ذلك اللقب، والدته يا للسخرية، هذه المرأة هي الوحيدة التي لا تصلح أن تكون مثل والدته، هي الوحيدة التي تُشعرة بالعجز والضعف خصيصًا معها هي وذلك الشيء منذ طُفولته، تلك الطريقة التي كانت تُربيه بها.

كانت عبارة عن ضرب، حبس، حرمان، قسوة، جفاء، مُعاقبة، إستهزاء، تقليل من شأنه، وأكثر من ذلك، ليكبر ويكبر معه خوفه منها ومن قسوتها، حتى بعد أن أصبح رجلًا قويًا يخشاه الجميع، ظلت هي الشخص الوحيد الذي يُشعره إنه أضعف مخلوقات الأرض.

على عكس تلك الفتاة التي لم يُفكر سوا بالإنتقام منها وقتلها لكونها ابنة المرأة التي تسببت فى موت والدته وجعله يكون تحت رحمة تلك المرأة التي تدعى "هناء"، ولكنه لم يتخيل ولا بأسوأ كوابيسه أن تلك الفتاة ستكون هى مصدر قوته أمام هذه الشيطانة التى تُشعرة بضعفه.

نعم هو شعر بكثير من السعادة عندما رأى "ديانة" تقوم بإهانة "هناء" وكأنها تثأر له منها وتفعل ما لم يستطيع هو فعله، بل وما جعله يشعر بمدى قوته عندما قام بممارسة قوته عليها، شعر إنه أقوى من "هناء" بكونه يفعل ذلك بالفتاة التي أستطاعت النيل منها.

ولكنها أيضا لا تُفارق مُخيلته أبدا، لدرجة إنه تمنى لو إنها لم تكن ابنة "لبنى" التي قتلت والدته والذي عليه أن ينتقم منها على ما فعلته والدتها، ليزداد ذلك التشتت بداخله والذي لا يرأف به أبدا.

ألتقط هاتفه مرة أخرى وقام بإجراء إتصالًا إلى أحدهم، وبمجرد أن أجابه هتف به أمرًا:

- أحجزلي على أول طيارة نازله مصر بكرة.

❈-❈-❈

أستيقذت من نومها على صوت رنين هاتفها مُعلنًا عن وجود إتصالا لها، وبمجرد أن عرفت هاوية المتصل لمعت عينيها بكثير من الحب والإشتياق مُلتقطة هاتفها وصاحت بلهفة:

- Asmaa, I Miss you.

قابلتها الأخرى بحب وإشتياق مماثل لها:

- I Miss you too Zena,
- عاملة أيه ومامي عاملة أيه؟

أعتدلت "زينة" فى جلستها راغمة نفسها على الإستيقاظ حتى تتمكن من محادثتها جيدًا مُعقبة:

- الحمدلله يا حبيبتي كلنا كويسين، أنتي أخبارك ايه أنتي وعمو عامر؟

أجابتها "أسما" بسعادة واضجة:
- احنا الحمدلله كويسين جدًا، وعندي ليكي خبر حلو أوي، بابي من فترة كده أتعرف على دكتور جراحة مخ وأعصاب كبير جدا هنا فى أمريكا، وحكاله على حالة مامي والدكتور قاله إن فى أمل إنها ترجع طبيعيه تاني، وإنه عايز يشوفها فى أقرب وقت.

شعرت "زينة" بالسعادة هي الأخرى بمجرد تخيُلها أن "ماجدة" ستتعافى وتعود لحالتها الطبيعية، لتصيح بلهفة:

- بجد يا أسما! يعني ممكن فعلا عمتو ماجدة تخف وترجع كويسه تاني.

أجابتها "أسما" متمنية أن يحدث هذا:

- إن شاء الله يا زينة، بس أنا ليا عندك طلب.

أستفسرت "زينة" بإندفاع وحماس من هول سعادتها:

- طلب أيه؟

أبتلعت "أسما" بأسى على ما ستقول، هى تتمنى لو أن ما قالته لها يتحقق ويتم تأكيده من قبل الطبيب، ولكنها أيضا لا تريد أن تُعشم الجميع بشيء هي ليست متأكدة منه بعد، لتُعقب موضحة بحزن على عدم تأكدها من الامر:

- بابا كان قايلي معرفش حد حاجه بخصوص الموضوع ده، بس انا كنت عارفه إنتي بتحبي مامي قد أيه وإنك أكتر واحده هتفرحي وتدعلها معايا من قلبك، عشان كده بلاش تعرفي حد من اللي عندك باللي قولتلك عليه ده، أنتي عارفة كلهم متأثرين أزاى بتعب مامي، وأنا بصراحة مش عايزة أديهم أمل على الفاضي غير لما الدكتور يقول تشخيصه للحاله، وهل هيبقى فيه تحسٌن ولا لأ؟

أكدت "زينة" على حديثها مُتفهمة الأمر ومدى تأثيره على الجميع:

- عندك حق بلاش نعشمهم على الفاضي غير لما نتأكد، خلاص أنا هقولهم إنك عايزها تيجي تقعد معاكي شويه لإنك مش هتعرفي تنزلي أجازة الفترة دي.

أُعجبت "أسما" بتلك الفكرة كثيرًا مُعقبة:

- فكرة حلوة جدًا، بس أرجوكي يا زينة لازم تبعتهالي فى أسرع وقت ممكن.

فكرة سفر "ماجدة" وهي بهذه الحالة أمرًا صعب للغاية، لن تستطيع السفر إلا بطائرة خاصة تتناسب مع حالتها، ولتجهيز طائرة مثل هذه سيستغرق الكثير من الوقت والإجرئات، لا يوجد أحد ليساعدها فى هذا الأمر سوا "مالك" وهذا لطبيعة عمله، لتهتف بحماس:

- متقلقيش يا أسما، أنا هتحرك من دلوقتي وهبقى أبلغك بكل حاجه أول بأول، باي.

أغلقت معها المكالمة وسريعًا ما قامت بالبحث عن اسم "مالك" وكأنها كانت تحترق شوقًا لوجود فرصة تجعلها تُهاتفه وتستمع إلى صوته، نعم لقد توطدت العلاقة بينهم وأصبحوا أصدقاء مُقربين جدًا لبعض، ولكنها كان لا تُحدثه من أسبوعًا.

لا تعلم لماذا كانت تُحاول التهرب منه! يمكن لأنها تشعر وكأن إنجذابها له يزداد أكثر كلما ألتقيا؟ أم لأنها لاحظت عليه بعض النظرات والتصرفات التي تبعد كل البُعد عن نطاق الصدقة، نظراته المُتيمة، نبرته المليئة بالغزل.

لماذا كانت تشعر بزيادة ضربات قلبها كلما رأته أو أستمعت إلى صوته؟ لماذا أزدادت ضربات قلبها الأن! أهذا صوته الذي يصدح فى أذنيها؟

- يرضي مين طيب أسبوع بحاله مش عارف أوصلك؟

حاولت أن تتخطى ذلك الإرتباك الذي تملكها وأصطنعت الثبات مُجيبة:

- معلش والله كنت مشغوله جدا الفترة اللي فاتت دي.

حولت نظرها لتلك اللوحة التي رسمتها له، وهي ما كان يُشغلها فى تلك الأيام الماضية لتُكمل:

- كان عندى شوية بورتريهات كانوا واخدين كل وقتي.

أجابها بحب وإشتياق نابعًا من قلبه مُردفاً بتشجيع:

- أكيد هيطلعوا حلوين جدًا مدام أنتي اللي رسماهم، أنا واثق فى كده.

للمرة المليون يتلاعب بالكلمات ليُغازلها بطريقة لا تسطيع لومهِ عليها، لتقوم سريعًا بتغير مجرى الحديث مُعقبة بمرح:

- طب أنا كنت عايزه مُساعدتك فى موضوع كده، وأهو تبقى ردتلي الجميل اللي عليك.

أدرك "مالك" إنها تُحاول التهرب من حديثه، ولكن لفت إنتباه طلبها للمساعدة، ليُعقب بجدية:

- أنا فى الخدمة، أنتي بس تأمري.

نهضت مُعقبة بحماس عازمة على الأستعداد لذهاب:

- طب فاضي كمان ساعة أعزمك على قهوة!!

شعر "مالك" بالسعادة من طلبها رؤيته، إنه لم يتوقع طلبها مُقابلته بهذه السرعة، ليُجيب بلهفة:

- ولو مش فاضي أفضالك، بس أنا اللي عازمك.

مازالت تُحاول التهرب من كلماته التى تُزيد من إرباكها وشعورها بكثير من التوتر، أصطنعت المرح على أمل أن تتخلص من طريقته تلك هاتفة:

- وماله أنت جيت فى جمل يعني، أعزمني أنت يا سيدي أهو نوفر شوية.

أبتسم "مالك" على كلماتها المرحة، وأضاف مُستفسرًا:

- طيب تحبي أعدي عليكي! ولا نتقابل فى الكافيه!

اعترضت على عرضه الأول رغبة فى عدم رؤية أحد بالبيت له لتُرد ناهية بلطف:

- لا خلينا نتقابل فى الكافيه أحسن، هبعتلك اللوكيشن بتاعه.

❈-❈-❈

لاحظت أمتعاض ملامحه منذ أن تقابلا، بالأضافة إلى تلك الطريقة الغاضبة التي يُحدثها بها منذ أن ركبا السيارة وتحركا بها، لتهتف بانزعاج مُستفسرة:

- أنا مش فاهمه بردو أنت مضايق ليه؟ وبتتكلم معايا كده ليه أصلا؟؟

رمقها "إياد" بنظرة مليئة بالتعبيرات التي لم تستطيع تفسيرها، حتى هو لا يعلم لماذا ينظر لها بتلك الطريقة، فهو أكثر شخصًا يعلم جيدًا إنه من البداية لا يريد منها سوا أن يمرحًا معًا، بل هذا ما كان يُحاول أن يقنع به نفسه، إذا لما الشعور بكل ذلك الغضب الأن، صاح بضيق وحنق:

- لا أبدا مليش حق أضايق، بقالي كام يوم معرفش عنك حاجة ومش بتردي على تليفوني، ويوم ما تردي عليا ونتقابل، أجي ألاقيكي واقفة مع واحد وبتضحكوا.

شعرت بالغضب الشديد من كلماته تلك، وأيضا من مُهاجمته لها بتلك الطريقة، لتصيح فيه بإنفعال وهي تُشر بأصبعها تجاه وجهه مُعترضة عمَ يقول:

- لا بقولك أيه أولًا أنت ملكش إنك تتكلم معايا بالأسلوب ده، ثانيًا أنا مكنتش واقفة مع شاب وبضحك معاه، أنا كنت واقفة مع واحدة صاحبتي قابلتها وهي ماشية مع أخوها، ووقفوا معايا لحد ما حضرتك توصل عشان محدش يضايقني، ثالثًا أنت عارف كويس أوى إني مش بصاحب ولاد وإني وافقت إننا نبقى صحاب بس عشان أقدر أطمن على ديانة وأعرف أوصلها، يعني صُحبية مصلحة، رابعًا أنت مين أصلا عشان تحاسبني إني واقفة مع شاب غريب وأنت نفسك غريب عني.

سحب "إياد" مكابح السيارة بهرجلة ويبدو عليه ملامح الغضب والأشتعال من حديثها، ليرمقها بنظرة مُتفحصة رافعًا أحد حاجبيه مُستفسرًا:

- يعني أنا مليش الحق إني أحاسبك على وقفتك مع شاب غريب وإنك بتضحكي معاه، وكمان صُحبيتنا صُحبية مصلحة؟

رمقته بكثير من العند وعدم الأكتراث لملامحه التي لا تُبشر بالخير مردفة بتحدي:

- أيوه.

تنهد بمزيد من الغضب الذي يُحاول إخفائه بتلك الملامح الباردة الهادئة مُعقبًا بتوعد:

- تمام، مصحلة بمصلحة بقى.

أندفعت يده لمُحاوطة مؤخرة رأسها وجذبها نحوه، وبسرعة كان مُلتقطًا شفتيها بقُبلة عميقة حاملة الكثير من المشاعر التي تمنى أن يُجربها معها، ولكنها فاجئتة بمذاق أخر أقسم إنه لم يُجربه من قبل، غير مُكترثا ل "ملك" التى صُعقت مما فعله وأخذت تُحاول دفعه بعيد عنها ولكن دون فائدة، فهو مُتحكمًا بها جيدًا.

ووسط كل ذلك الإستمتاع تذكر ضحكتها مع ذلك الشاب ليقسو عليها أكثر حتى أستمع إلى أنينها المتألمة بين شفتيه، ليهدأ ذلك البركان الثائر بداخلة، شعر بشدة إختناقها وإحتياجها للهواء، ليبتعد عنها لاعنًا ذلك الإختناق.

شهقت "ملك" مُحاولة تنظيهم أنفاسها بعد أن شعرت بإنقطاعها، وبعد ثوانٍ هدأت وتيرة أنفسها لتُحول أنظارها لذلك الذي يرمقها بتحدى، وبلحظة تحولت نظراته من التحدي إلى الصدمة بسبب تلك الصفعة القوية التى تهاوت على وجهه من تلك التي كانت تجلس أمامه.

خرجت من السيارة لتجد نفسها بأحد الطُرق المقطوعة، لتشعر بمزيد من الغضب تجاه ذلك الحقير، بينما لحقها هو عندما فاق من صدمة تلك الصفعة التي يُجربها لأول مرة مُحاولا إيقافها، لتبتعد عنه بغضب صارخة بوجهه:

- أبعد عنى بدل والله الغظيم ما أناولك القلم التاني.

أبتلع بغضب من طريقتها التي لم تُعامله بها أية فتاة قبلها، ليُضيف بأسنان مُلتحمة:

- طب أرجعي العربية.

أنحنت لإلتقاط بعد الحجارة وقامت برميها عليه بكثير من الغضب وبطريقة عشوائية، لتُصيبه بعضها فى قدميه، ولكنه سريعا ما أمسك يديها مُحاولا تهدئتها هاتفًا:

- طب أهدي وتعالي هروحك.

حاولت دفعه بعيدًا عنها ولكن دون فائدة فهو يفوقها قوة وحجمًا، لتصيح فيه بحدة وحنق:

- مش عايزه منك حاجة، غور من وشى أحسنلك.

أغمض عينيه بملل وسريعًا ما أنحنى حاملًا إياها مُتمتمًا:

- مترجعيش تلوميني بقى.

تقدم بها نحو السيارة وهي لا تزال تُحاول التفلت من بين يديه ولكن دون جدوى، سريعًا ما قام بإدخالها فى السيارة مُقيدها بذلك الحزام الخاص بالآمان مُغلقا الباب إلكترونيا بالريموت معه كي لا تستطيع الخروج، وأتجه هو ليجلس سريعًا بينما هى ظلت تبحث عن زر الفتح حتى أصبح بجانبها وأضاف وهو يشرع فى القيادة:
- أنا هروحك البيت، ومن هنا لحد ما نوصل مش عايز أسمع صوتك ولا حرف واحد.

❈-❈-❈

أتسعت بسمته مُندهاشًا على طلبها مردفًا بإستنكار:

- بس كده!! هي دي المساعدة اللي عايزاها مني؟

شعرت "زينة" بالحرج لظنها إنها تطلب منه أمرًا صعبًا أو يُشكل حرجًا بالنسبة له، لتُعقب بإرتباك:

- معلش يعني يا مالك لو هتعبك معايا، بس أديك عرفت مش عايزين نعشم حد قبل ما نتأكد.

توسعت بسمته أكثر على شعورها بالحرج من ذلك الأمر السهل جدًا بالنسبة له مُضيفًا:

- معلش على أيه يا زينة، الموضوع سهل جدًا وبسيط متقلقيش، بس قوليلي عايزين تسافر امتى؟

أجابته بكثير من اللهفة والعجل أن ترى "ماجدة" مُتعافية اليوم قبل غدا:

- فى أسرع وقت لو سمحت يا مالك، يعني ممكن لو ينفع خلال الشهر ده.

أومأ لها بالموافقة مُطمئنا إيها مُضيفًا:

- خلاص تمام متقلقيش أعتبرى الموضوع خلص.

أبتسمت له بود وإعجاب بشخصيته ولوقوفه بجانبها فى ذلك الأمر، لتردف بإمتنان:

- شكرا يا مالك.

❈-❈-❈

ترجل من سيارة الأجرة التي أقلته من أمام المطار إلى منزله، إنه لم يُخبر أحدًا بعودته، حتى هو نفسه لم يكن يُخطط لذلك الأمر، لا يعلم لماذا عاد بتلك السرعة وهذه الطريقة ولم يُخبر حتى سائقه بموعد قدومه.

دلف المنزل الذى يبدو هادئًا للغاية وصعد الدرج مُتوجها نحو غرفتها، لا يعلم لما يُزيد من إتساع خطواته وكأنه يُصارع الزمن للوصول إلى شيء ما!! لماذا يشعر وكأنه مُشتاق لها! أم إنه يشتاق لتلك القوة التى يشعر بها معها؟ تلك القوة التي أفتقدها طوال تلك الفترة الماضية، كان يشعر وكأنه شخصًا هزيلًا ضعيفًا حينها، لماذا إذًا كلما شعر إنه كاد أن يصل لها يشعر ببعض من استرجاع قواه! ما الذي يحدث؟

دلف الغرفة المُظلمة، ليجدها غارقة فى نومها مُرتديه تلك المنامة القُطنية مكشوفة الصدر والأذرع قصيرة الطول والتي تصل إلى نهاية مؤخرتها البيضاء، ليشعر بكثير من الأثارة والرغبة فى أمتلاكها فى تلك اللحظة أسفله، بالطبع هذا المنظر ليس هينًا على رجل مضى عليه شهرًا ونص يحترق لإيقامة علاقة جنسية ولم يستطع.

أقترب منها على حذر مُتأملًا ملامحها كالمشتاق لرؤيتها يتمنى لو يستطيع إلتهام تلك الفرولتان الذي لم ينسى مذاقهما منذ تلك المرة التى تناولهما، لم يكن يدري ما يفعله ولا بيده تلك التي أخذ يُمررها على سائر جسدها.

لتشعر هي بتلك اللمسات التى تُقشعر جسدها، حاولت بصعوبة فتح عيناها وهي تظن إنها تحلم، ولكنها تفاجأت بذلك الذي هب واقفًا بمجرد أن حاولت فتح عينيها، ليقف أمامها مباشرة وعلى مقربة منها لتشهق بفزع وهي تقوم بسحب تلك الأغطية عليها مُعقبة:

- أيه ده!! أنت بتعمل أيه هنا؟ وجيت أمتى أصلا!!

حاول جاهدا أن يُسيطر على نفسه وأن لا يُظهر ملامح الأشتياق تلك التي كانت تُسيطر عليه منذ ثوانٍ، وعلق ساخرًا على حديثها:

- آه طبعًا عندك حق، كان لازم أبعت لمعاليكي طلب إذن عشان أرجع بيتي.

أمتعضت ملامحها حانقة من نبرته الساخرة لتهتف بأنزعاج وغضب وهي بالكاد تُرغم نفسها على الإستفاقة:

- وأنا مالي ترجع ولا مترجعش أنت حر، وأمشي أطلع برا.

غضب كثيرًا من طريقتها الجريئة والوقحة معه، والتي تجعله مُشتتا بين أن يُكسر رأسها على وقاحتها معه أم يتملكها سالبًا إياها كل تلك القوة التي تُساعدها على الوقوف أمامه بهذا القدر من الكِبر والعناد.

أقترب منها جاذبًا ذراعيها بغضب يُحذرها من طريقتها التي تتحدث معه بها، لكى لا يجعلها تندم على ما تفعله، ولكن بداخله يتمنى أن تفعل عكس ما سيقوله حتى يكون لديه ذلك الدافع على ما سيفعله بها، ليهتف بها مُحذرًا إياها:

- لمى نفسك معايا أحسنلك بدل ما أندمك على قلة أدبك وطولة لسانك دي.

على الرغم من ألام جسدها التي لم تفارقها منذ عدة أيام ولم تستطيع معرفة سببها حتى الأن، إلا إنها أستطاعت سحب يدها من قبضته وقامت بدفعه بعيدًا عنها، ثم نهضت سريعًا لاكزة إياه فى صدره غير مُكترثة لما يقوله.

لا تعلم لماذا تشعر بكل هذا القدر من الغضب، وبرغم تلك الألم الخفيفة بجسدها، إلا إنها بمجرد غضبها شعرت بطاقة كبيرة تملكتها، ومع ذلك هى لم تفيق كُليًا بعد وإلا لكانت تذكرت مع من تتحدث، لتهتف فيه بغضب وتحدي:

- أنت اللي قليل الأدب مش أنا.

لكزته فى صدره مرة أخرى مُضيفة:

- وورينى كده هتندمني إزاى!!

كادت أن تلكزه مرة أخرى ليلتقط هو يدها وبداخله يشعر بالسعادة لما فعلته، الأن يستطيع أن يبدأ فيما يريدة، شكرًا جدًا لكي أيها العنيدة المتهورة، سريعًا ما قام بلفِها وهو قابضًا على يديها ومثبتهما وراء ظهرها الملتصق بصدره هامسا فى أذُنها بإستمتاع:

- شكل الشهر ونص اللي أنا غبتهم دول خلوكي تنسي أنا بخليكي تندمي إزاى، وأنا معنديش مانع أفكرك.

قام بدفعها على الفراش وسريعا ما أنقض عليها مُحاولًا رفع منامتها بمزيجًا من الرغبة والكبت الذي كان يحمله طوال تلك الفترة التي غابها عنها، تلك الفترة التي لم يستطيع خلالها مضاجعة أي فتاة أخرى، ليصبح الأمر لا يُحتمل بالنسبة له، ليقترب منها مُعقبًا بغضب طفيف يُحاول أن يُخفى به كل تلك الرغبة والإثارة الذي يشعر بهم:

- ليكي حق تتمرعي عشان بقالك فترة مش بتتهاني، بس أنا هفكرك تاني بطعم الإهانة.

أقترب منها بشدة وسريعًا ما قام بألتقاط شفتيها بقُبلة جامحة مليئة بالرغبة والأثارة مُحاولا التخلص من كل ذلك العبء الذي كان يحمله طوال ذلك الشهر ونصف.

بينما حاولت هي دفعة بعيدًا عنها ولكن دون فائدة، فثقل جسده يفوق قدرتها الجسدية بكثير، ولكنها لم تستسلم وظلت تُحاول إلى أن شعرت بالأختناق، أبتعد عنها عند شعوره بأحتياجها الشديد للهواء.

لتشهق هي مُحاوله تنظيم أنفاسها ولم تنتبه لذلك الذي فتح سحاب بنطاله وقام بتحرير نفسه، وبلحظة أمتدت يده للفها وجعل ظهرها مُقابلًا له، لا يريد أن تقع عينيه بعينيها، لا يريدها أن تراه وهو يُحاول إستعارة تلك القوة منها، لا يريد أن تراه ضعيفًا.

بينما توسعت عينيها بصدمة ممَ فعله، نعم لقد أدركت ما يريد فعله، وحاولت الأفلات من بين يديه، ولكنه سريعًا ما قام بتقيد يديها بيده خلف ظهرها، وبدأ فى خلع سروالها الداخلي، لتصيح فيه بصوت مكتوم ملئ بالقهر أثر دفن وجهها بتلك الوسادة:

- أبعد عني يا وسخ يا حيوان، أنا بكرهك يا جواد بكرهك.

وكأنه لا يستع إليه، فلتكره، حتى هو يكره نفسه الضعيفة التي تستمد طاقتها من فتاة مثلها، هو أيضا يكره تلك المرأة التي جعلته ضعيًا وهزيلًا هكذا، هو أيضًا يكره الجميع، أستطاع تثبيتها جيدا أسفله ولم يعد يحتمل ذلك الألم الذي لا يرأف به منذ أسابيع، ليهتف بغضب وحنق:

- أكرهيني يا ديانة، أنا ذات نفسي بكرهني، أكرهيني.

قال ذلك وهو يقوم بتثبيتها وجعلها تسكن بالوضع الذي يريده، ووضع يده على فمها أيضًا، هو لا يريد الإستماع إلى صوتها ولا صراخها، كل ما يريده هو التخلص من ذلك الكبت وتلك الرغبة اللعينة.

وبدون أي تمهيدات أقتحمها بعنف شديد، لتسرخ بصوت مكتوم وتُقسم إنها تشعر بتمزقها من الداخل، ومع كل حركة منه سيل من الدموع الجارفة تنهمر من عينيها ألمًا وقهرًا عمَ يفعله بها.

بينما بدأ هو بإخراج ذلك الكبت بمنهي العنف والحدة، هو لم يكن يريد من البداية ممارسة قاسية معها، بل كان يريد فقط التخلص من هذا الألم اللعين الذى ظل يفتك به منذ فترة طويله ولم يستطع التخلص منه مع أية عاهرة، بل لم يكن يسطيع مضاجعة أية إمرأة أو فتاة أخر، لدرجة إنه ظن لن به أمرًا أو أصابته مُشكلة.

ولكنه الان يشعر بكثير من الراحة وهو يقوم بتلك الدفعات التي ترضي رجولته وتخلصه من هذا الثقل الذي كان يشعر به، غير مكترث لتلك التي تصرخ أسفل منه، لا يهتم هذه المرة إذا كانت صرخات ألمًا أم استمتاع، كل ما يُعير أهتمامه هو أن يصل إلى خلاصه.

لم يمر الكثير من الوقت حتى شعر بإقترابه، ليُفسر أن هذا بسبب عدم ممارسته لفترة طويله، بينما هي لم تكُن تتجاوب معه، كل ما يصدر منها هو تأوهات لم يُفسر سببها بسبب تلك الوسادة التي تدفن وجهها بها، وسريعًا ما زمجر برُجولية مُعلنًا عن وصله لذروته.
+

أنسهب منها ونهض مُغلقًا سحاب بنطاله مُتجها نحو المرحاض بعد أن شعر بتجديد قوته، وكأنه تخلص من كل أعباء الحياة بتلك الممارسة، وبمجرد أن أغلق الباب وشرع فى فك أزرار قميصه، أستمع إلى صوت صراخها.

خرج بسرعة من المرحاض غير عالمًا سبب صُراخها، ليُصعق عندما رأى خط الدماء التذي تنسدل من بين قدميها بعد أن حاولت الوقوف وسقطت مرة أخرى غائبة عن الوعي، لتزداد صدمته عند دخول تلك التي صرخت بفزع:

- ديانة..فى أيه!!

لتقع عينيها على منظر الدماء لتصرخ بذعر:

- أيه ده؟
وقف مصدومًا عندما رأى هذه الدماء التي ذكرته بذلك المشهد الأليم الذي لما يفارقه منذ سنوات طويلة، لا يدرى من اين جأت تلك الدماء، هو بالفعل أفقدها عذريتها منذ فترة كبيرة، بالأضافة إلى إنها لم تكن مرتهم الأولى معا، نعم نعم لقد كان عنيفًا للغاية معها.

ظل "جواد" ينظر إليها بصدمة مُمزجة بهلع، ولكن تلك الصدمة جعلته غير قادرًا على فعل شيء، حتى إنه لم يستطيع الرد على تلك التي تصيح به مُستفسرة عمَ حدث؟ لا يعلم من أين جاءت! أو ماذا يقول لها الأن؟ لتردد هي مرة أخرى بمزيد من الهلع:

- رد عليا يا جواد أنت عملت فيها أيه!!

ينظر إليها بتعبيرات عدة لا يعلم أيصيح بها لكى تتوقف عن سؤاله؟ أم يطلب منها المساعدة لانه لا يعلم ماذا يفعل؟ أم يخبرها ما حدث!! ولكن ماذا يُخبرها؟ أيقول لها إنه أرغمها على ممارسة الجنس معه وإنه لم يكترث لها وكل ما كان يريده أن يصل لخلاصة مثل الحيوانات.

لاحظت تلك الملامح المتعددة التي أعتلت وجهه ومن بينهم ملامح الفزع والذُعر التي أدركت أنها بسبب ذلك المشهد الذي يبدو مألوفًا له، لتتجه إليه مُحاولة إفاقته ملتقطة ذراعيه مُحركة إياهما مُضيفة:

- جواد فوق، لازم نوديها المستشفى حالا.

حول نظراته إلى شقيقته وكأنه يطلب منها المُساعدة، فهو لا يعلم ماذا عليه أن يفعل! بينما أسرعت "زينة" لإحضار بعض الملابس زاجرة إياه.

- ساعدني نلبسها أي حاجة بسرعة.
ساعدها فى ستر جسد "ديانة" وهو ما زال غير مُستوعبًا سبب ما حدث لها! بينما حولت "زينة" نظرها نحوه مردفة بلهفة:

- شيلها ونزلها العربية بسرعة وأنا هجيب المفاتيح وأحصلك.

حملها بسرعة البرق مُتوجهًا بها نحو السيارة وهو يتفقد ملامح وجهها ولا يعلم لماذا يشعر بكل هذا الخوف والهلع فذلك ما يريده، هو يريد الإنتقام منها حتى قتلها، ولكن لماذا الأن يُحاول إنقاذها؟ ما هذا الذى يحدث له!

فتحت "زينة" سيارتها بينما وضع "جواد" "ديانة" داخلها وكاد أن يذهب ليتولى القيادة، ولكن سريعًا ما أوقفته "زينة" مُعقبة:

- أنت مش هتعرف تسوق وأنت فى الحالة دي، خليك جمبها وأنا اللي هسوق.

رمقها بقلق ورعب وكأنه يريدها أن تُطمئنه بأنها لم يحدث لها شيئا، بينما فعل ما قالته له وشرعا فى التوجه نحو المشفى.

❈-❈-❈

صاحت بذلك الرجل الذى يُحدثها عبر الهاتف بكثير من الغضب والإنزعاج:
- أنا مش فاهمة منك حاجة، يعني أيه جواد جيه وبعد ساعه نزلوا كلهم؟

حاول ذلك الرجل تهدئتها بأن يقص عليها كل ما حدث:

- والله يا هانم ده اللي حصل، جواد بيه لسه جي من حوالي ساعة فى أوبر، وطلع الفيلا وبعد ساعه نزل وهو شايل واحدة وتقريبا كان مغمى عليها وأنسة زينة أخدتهم فى عربيتها وطلعوا على المستشفى.

أتسعت عينيها أبتسامتها بسعادة وهي تظن أن "جواد" فعل بتلك الفتاة شيئًا أو قام بإذائها، لتهتف بلهفة وفضول آمرة إياها:

- تدخل حالا تعرفلي أيه اللي حصل وأيه اللي وداهم المستشفى وترجع تكلمني تاني.

أمتثل لأوامرها بإذعان:

- تحت أمرك يا هانم.

أنهت الإتصال وهي تشعر بكثير من السعادة ظنًا منها أن "جواد" قد عاد بلهيب الغضب عازمًا على أن يفتك بها، تنهدت براحة وهي تشعر إنها أوشكت على التخلص من تلك الفتاة مُتمتمة:

- خلاص يا لبنى كلها حاجات بسيطة وأبعتلك بنتك وأنا مكفنهالك بإيدي.

❈-❈-❈

خرجت الممرضة تُهرول من الغرفة لإحضار ما طلبته منها الطبيبة المعالجة، بينما أسرعت "زينة" فى إقافها مُستفسرة عما يحدث وعن حالة "ديانة":

- هو فى أيه! ديانة حصلها حاجة؟

لم يكن بحوزة الممرضة الكثير من الوقت حتى تقص عليها ما يحدث لتفر من أمامها مُجيبة بعجلة:

- أدعولها ربنا يستر.

أختفت الممرضة من أمامها وبعد ثوانٍ عادت مرة أخرى وبيدها الأشياء التي أمرتها الطبيبة بإحضارها دالفة الغرفة بسرعة البرق، لتشعر "زينة" بالفزع وأسرعت فى التوجه نحو "جواد" الذي يقف على مقربة يُتابع الأمر دون تدخل أو إظهار أى نوع من انواع التأثر، لتقوم "زينة" بلكزه فى صدره مُصيحة بغضب:

- أنت عملت فيها أيه؟

صُدم من فعلة شقيقته التي تقوم بها لأول مرة فى حياتها، وما يجعله مصدومًا أكثر هو إنفعالها وخوفها على تلك الفتاة التي من المفترض إنهما يعلمان جيدًا أبنة من تكون، بينما لكزته "زينة" مرة أخرى مُصيحة بمزيد من الخوف والقلق:

- رد عليا عملت فيها أيه يا جواد، مش كفاية بقالها كام يوم تعبانة ومش عارفة أخدها لدكتور ولا هي قابلة إني أجبلها دكتور.

لكزته مرة أخرى بصدره بمزيد من الغضب:

- أنطق يا جواد عملت فى ديانة أيه؟

لم يعد يحتمل هذا القدر من الغضب والتشتت الذي يشعر بهم منذ أن عاد ورأى تلك الفتاة، ذلك التشتت الذي جعله بمجرد رؤيتها يندفع إليها لكي يُشبع تلك الرغبة بداخله فى تملكها، تملك الفتاة التي لم يكن يتخيل أن يراها سوا جثة مُتعفنة أمامه، الأن يقوم بمعاشرتها وإسعافها والقلق عليها أيضا، لا يدري من الأساس لما هو قلق عليها، ليصيح فى وجه شقيقته بغضب وحنق:

- معملتلهاش حاجة، وبعدين أنتي زعلانه عليها أوي كده ليه!! أنا المفروض أخد روحها فى إيدي، مش دي بنت الست اللي قتلت أمنا؟ مش دي بنت الست اللي خلتنا نعيش محرومين من حبها وحنيتها طول العمر؟ مش دى بنت الست اللي كانت السبب فى كل حاجة وحشه حصلتلي.

قال جملته الأخيرة بإنفعال شديد لدرجة إنه لم يُدرك ما تفوه به من كثرة إنفعاله، لتُقابله "زينة" بكثيرة من المشاعر المتخبطة بداخلها، لا تعلم أتغضب منه أم تشفق عليه مما تعلمه من كثرة الظلم والمُعاناة التى مرت عليه:

- من الواضح إن القسوة والكره اللي هناء ذرعتهم فيك نجحوا فى السيطرة عليك وخلوك تنسى إن ديانة دي مش بس بنت لبنى، دي كمان بنت عمك ومن دمك وزي ما أنا وأنت أتحرمنا من ماما، هي كمان أتحرمت من باباها ومامتها، ومهما كانت أمها عملت أيه ملناش نأخدها بذنبها يا جواد بيه.

قالت جملتها الاخيرة بسخرية، بينما "جواد" يشعر بكثير من التخبط، لا يعلم إن كان حديثها صحيحًا أم ما زرعته "هناء" بداخله كل هذه السنوات هو الأصح، كاد أن يرد عليها ليُقاطعه خروج الممرضة مرة أخرى، لتركض إليها "زينة" بينما تابعها "جواد":

- طمنيني أرجوكي، ديانة كويسة؟

أجابتها الممرضة بهدوء:

- الدكتورة شهرة هتطلع دلوقتي وهتفهم حضرتك كل حاجة.

بمجرد ما أنهت الممرضة حديثها خرجت الطبيبة من غرفة "ديانة" لتسألها "زينة" بلهفة:

- خير يا دكتور؟

هتفت الطبيبة بملامح مشدودة تصرخ بالإنزعاج مستفسرة:

- فين جوزها؟

أشاحت "زينة" بنظرها نحو "جواد" الذي أخذ يتقدم إليهما بخطواته الثابتة المُتزنة وملامح جامدة مُجيبًا بحدة:

- خير.

رمقته الطبيبة بقليل من الدهشة، فمنظره يدل على إنه شخصًا راقي ومُنفتح وأيضًا من طبقة إجتماعية عالية، لما إذا شخصًا كهذا يقوم بممارسة تلك الطرق الحقيرة مع زوجته؟ يبدو إنه من هؤلاء الذين يصطنعون الرُقي أمام الناس ومن الداخل مرضى نفسيًا، لتُعقب بهجوم:

- لما شوفت الحاله أفتكرتها بنت على قد حالها متجوزه واحد صايع أو بيتعاطى حاجة، عشان كده أغتصبها وبهدلها البهدلة دي، لكن أنت بقى تفسير حضرتك أيه؟

أتسعت عيني "زينة" بصدمة من حقارة شقيقها، كانت تتوقع أية شيء منه إلا هذا الشيء، كيف أستطاع أن يفعل هذا! لتُتمتم من هول صدمتها مُستنكرة:

- أغتصبها!

أجابتها الطبيبة مؤكدة على حديثها:

- أيوه أغتصبها، البنت حصلها شق فى المهبل نتيجة علاقة جنسية عنيفة ترتب عنها نزيف حاد لإنها عندها سيوله فى الدم، أضطرينا نخيط الجرح اللي حصل وعلاقنالها دم، ومستنينها تفوق عشان نشوف عايزه نعملها محضر ولا لأ.

كان "جواد" يستمع إلى حديثها ويتمنى أن يصفعها كي تصمت عن هجومه بتلك الطريقة، أي مواجته بحقيقة حقارته وخسية فعلته، لتتدخل "زينة" مُستفسرة عن حالتها الان:

- طب هي دلوقتي كويسة.

أجابتها الطبيبة مُوضحة:

- مرحلة الخطر عدت الحمدلله ووضعها دلوقتي مستقر، بس لازم تخلوا بالكوا منها ولمدة الشهر ونص الجاين متقومش من السرير وتهتموا بتغذيتها كويس، لحد ما الجنين يثبت.

- جنين؟

صاحت "زينة" بصدمة مُمزجة بالفرحة العارمة بينما "جواد" صُعق عند سقوط تلك الكلمة على مسامعه، وكانه فقد القدرة على الكلام أو الحركة، لتلاحظ الطبيبة صدمتهم وتُدرك إنهم ليسوا على دراية بالأمر، لتُضيف موضحة:

- واضح إنكوا مكنتوش تعرفوا إنها حامل، هي تقريبًا داخله على شهر ونص.

حولت "زينة" نظراتها نحو "جواد" الذي يقف وكأنة فقد عقلة من هول الصدمة، ليرمق شقيقته بصدمة مُمزجة بالهلع وسريعًا ما أنصرف من أمامها، وكأنه يهرب من الجميع قبل أن يسأله أحد عمَ فعله أو متى أو لماذا؟ لتعود نظراتها مرة أخرى لطبيبة مُعقبة بإستفسار:

- طب البيبي حالته كويسة؟

أجابتها الطبيبة بملامح هادئة:

- الحمدلله الجنين حالته مستقرة وهي بقت أحسن وتقدر تروح معاكوا النهاردة.

أخرجت الطبيبة من معطفها الطبي تلك البطاقة الورقية مُضيفة:

- ده عنوان العيادة بتاعتي وأرقام تليفوناتي، لو أحتاجتوني فى أي وقت، دلوقتي حضرتك ممكن تدخلي تطمني عليها، هي فاقت.

أبتسمت لها "زينة" بإمتنان مُضيفة:

- شكرًا جدًا يا دكتور شهرة.

ذهبت الطبيبة وكادت "زينة" أن تدلف الغرفة ليأتيها اتصالا من "هناء"، وقامت بفتح الاتصال مُجيبة عليها:

- أيه يا زينة يا حبيبتي، القعدة بعيد عننا عجبتك ولا أيه؟

أجابتها "زينة" بعدم تركيز وأثار تلك الصدمة السعيدة عليها جعلها لا تُفكر مع من تتحدث، لتهتف بلهفة عساها تسطيع أن تُحنن قلب الجميع على "ديانة" من خلال ذلك الطفل:

- لا والله يا خالتو مش كده، بس ديانة كانت تعبانة شويه ولما جينا المستشفى قالولنا إنها حامل.
1

أغلقت "هناء" الخط بوجه "زينة" بكثير من الغضب والحنق وبرأسها يدور الكثير من التخيلات والسناريوهات، بينما أعتقدت "زينة" أن الخط أنقطع لتدلف الغرفة كى تطمئن على تلك المسكينة.

❈-❈-❈

يجلس داخل سيارته بمرأب المشفى لا يستطيع التفكير فيما حدث، لماذا كل شيء يحدث دون إرادته؟ هو لم يُخطط لكل هذا أبدًا، كل ما كان ينوي فعله هو قتل تلك الفتاة حتى يُطفئ تلك النيران المُشتعلة بداخله منذ أكثر من عشرون عاما، كان يريد الإنتقام منها على كل شيء مر به بسبب موت والدته وتحكم تلك المرأة به، لماذا خرج الأمر عن سيطرته؟

بدأ الامر بذلك الزواج الذي لا يدرى لما قام به من الأساس، كيف ظن إنه قد ينتقم منها بتلك الطريقة وأن يُزيد عذابها؟ كان يظن إنه سيتزوجها ويُعذبها ويُهينها ويجعلها تتنازل عن ميراثها وبالنهاية يقتلها كما قُتلت والدته، كيف تخيل إنه سينتقم منها بتلك الطريقة؟
لم يكن يعلم إنه بتلك الطريقة ينتقم من نفسه، لم يتخيل إنها ستكون مصدر طاقته التي يستمد منها قوته ويبتعد عن جُبنه وإحساس الضعف الذي يُلازمه منذ عشرون عاما، منذ أن تحكمت به تلك المرأة عديمة الرحمة والأنسانية، الذي هو مُجبر على إحترامها بل والخوف منها والأنصياع إلى أوامرها.

ضرب عجلة القيادة أمامه بغضب وإختناق من ذلك التخبط بداخله، ذلك الشعور الذي لا يرأف به، لا يعلم حتى لما كان يشعر بالقلق منذ قليل عندما كان أمام غرفتها!! لما كان يخشى أن يحدث لها شيء وهذا ما كان يريد الوصول إليه منذ البداية! لماذا شعر بكل ذلك التوتر عندما أستمع لخبر حملها!!

لحظة واحدة، أهى حقا حامل! كيف يُمكن أن يحدث هذا؟ أيُراوغ مع نفسه أم يتظاهر بالنسيان!! هل نسى ما فعله معها قبل سفره بأكثر من أسبوع؟ نعم هو لم يُخطط إلى ذلك الأمر ولكنه عليه أن يتحمل نتائج أفعاله.

صدح صوت رنين هاتفة مُعلنا عن وجود إتصال من أخر شخص يُريد التحدث إليه فى ذلك الوقت، أغمض عينيه بحنق مُستعدًا للرد، وبمجرد أن فتح الإتصال أتاه صوتها الصارخ بالغضب والاشتعال:

- تعلالي حالا.

أدرك سريعًا أن خبر حمل "ديانة" قد وصل إليها، ليتمنى بداخله لو لم يُلبي طلبها فى الذهاب إليها، ولكنه لا يستطيع الرفض، ليردف بهدوء وثبات على عكس ما يشعر به من غضبًا وضيق:

- ساعة وأكون عندك.

أنهى الإتصال وسريعًا ما رأى رساله "زينة" التي تطلب منه الصعود ليوصلهم إلى المنزل، ترجل "جواد" من السيارة صاعدا إليهم.

❈-❈-❈

أعتلت ملامح الصدمة وجه "ديانة" غير مُستوعبة لما أستمعت إليه، لا تعلم كيف حدث هذا؟ كيف لم تشعر بهذا الأمر؟ كيف لها أن تحمل داخل رحمها طفلًا من ذلك الوحش المُجرد من كل معالم الرحمة والانسانية؟ لا تريد أن تظلم ذلك الطفل فى تلك العلاقة التى لا تعلم حتى إلى أين ستقودها؟ قطع شرودها صوت "زينة" مُستفسرة:

- ديانة حبيبتي أنتي كويسة؟

رمقتها "ديانة" بنظرات تحمل الكثير من التشتت والصدمة مما تمر به، لتشعر "زينة" بثقل ما ستقوله ولكنها تريد أن تعلم كيف حدث هذا! تلك العلاقة المليئة بالكراهية كيف يمكن أن يحدث بها شيء يستدعي لوجود طفلًا!

- ديانة أنتي ليه مقولتليش إنك أنتي وجواد حصل بينكوا حاجة!!

شرعت "ديانة" فى البكاء بمجرد تذكرها لتلك العلاقة التي مارسها معها وتلك المُعاملة التي كان يُعاملها بها، وذلك الإنتقام الذي يريده منها على شيء لم يكن لها به ذنب، بل لا تعلم إن كان هناك ذنبًا حقا أم لا؟

أسرعت "زينة" فى أحتضانها مُحاولة إيقافها عن البكاء مردفة بإعتذار:

- أنا أسفة يا ديانة، أرجوكي بطلي عياط عشان خاطري.

أجهشت "ديانة" فى البكاء والدموع تنهمر من زرقاوتيها مُحاوله التحدث من بين شهقاتها مُردفة بترجي:

- أرجوكي متسبنيش معاه لوحدنا يا زينة، أنا بكره يا زينة بكرهه.

قطع بكائها دخول "جواد" بملامحه الباردة وكانه لم يفعل شيء بل وكأن الأمر لا يُهمه من الأساس:

- يلا عشان أوصلكوا البيت.

❈-❈-❈

صف سيارته بمرأب قصر والده وهو يتمنى أن تحدث مُعزة تمنعه من الدخول ومُقابلتها، ولكن ليس أمامه خيارًا أخر، يجب عليه مُقابلتها ويستمع إلى الشيء التي تريد التحدث به.

دلف البيت بملامحه الهادئة الخالية من أي تعبير سوا الجمود والقسوة، لينتبه إلى صوتها الآتى من أعلى الدرج هاتفة بنبرة ساخرة:
+

- أهلا أهلا بسيد الرجالة.

لم يكترث لكلماتها الواضح بها السخرية والتقليل منه، ليبتلع مُحاولا الحفاظ على ثباته مُستفسرًا:

- عايزاني فى أيه؟

أبتسمت "هناء" بسخرية لكي تزيد من إشعال النيران بداخلة مُردفة بتهكم:

- لا أبدًا، أنا بس كنت عايزه أشوف الراجل اللي مراته حامل وهو متجوزها بقاله ميكملش شهرين و مسافر بقاله شهر ونص من غير حتى ما يلمسها؟

أمتعضت ملامح "جواد" بالغضب الشديد لما يستشعره فى حديثها ليهتف بحدة:

- قصدك أيه؟

أقتربت منه بكثير من الوقاحة مُعقبة بإنفعال:

- قصدي أسالك مراتك حامل من مين يا جواد بيه؟

يكفي إلى هنا، لقد نجحت فى إخراجه من ذلك الهدوء وإشعال تلك النيران بداخله، لقد طفح كيله من تلك المرأة التي لا ترأف به وبكل مرة تتفنن فى إهانته والتقليل منه وإشعاره إنه ليس رجلًا كباقى الرجال، ليصرخ بإنفعال وحدة:

- كفاية بقى، كفاية، ديانة حامل مني.

يتبع...
أعتلت وجهها ملامح الصدمة وعدم التصديق لما تستمع إليه، أهو يكذب حتى يُخفى حقيقة ما فعلته تلك الفتاة الساقطة! أم إنه ولأول مرة يعصى أوامرها ولم يستمع إلى تحذيراتها؟

ضيفت "هناء" ما بين حاجبها مسنكرة بصدمة مُستفسرة بإبتسامة ساخرة:

- حامل من مين يا جواد!

أغمض عينيه بحنق وإنزعاج من طريقتها الباردة التي تقوده إلى قمة غضبة، ليُحاول تهدئة وتيرة أنفاسة مُردفًا بأسنان مُلتحمة:

- ديانة حامل مني.

أقتربت منه كثيرًا حتى أصبح لا يفرق بينهما سوا بعض السنتيمترات ولا تزال تعبيراتها تحمل تلك البسمة الساخرة مُضيفة بإستفسار:

- وحاملت إزاي بقى مش فاهمة! باللاسيلكي؟ ولا أنت نمت معاها؟ وحتى لو نمت معاها حصل أمتى وإزاي؟

أشاح بنظره إلى الفراغ حتى لا تتقابل أعينهم، إنه لا يزال يخشى النظر إليها، خصيصا عندما يفعل شيء هي تراه خاطئًا، ليشعر بالتوتر ولكنه نجح فى إخفائة مُجيبًا بهدوء:

- نمت معاها، قبل ما أسافر بعشر أيام.

صفعة قوية تهاوت على وجهه لتُحي بداخله ذلك الألم الذي ظل أسيره لسنوات طوال، ليغمض عينيه بقهر وحسرة على تلك الذكريات المليئة بالقسوة والأهانة والذُل والضعف الذي كان يشعر بهم فى كل مرة تقوم بصفعه أمام الجميع، حتى وهو بعمر المراهقة لم ترأف به، وحتى اليوم وقد أصبح رجلًا ينتظر إبنه الأول لم تكف عن إهانتة وإذلاله، بينما صاحت هي مُضيفة بتسلط:

- الطفل ده لازم ينزل.

صُعق من طلبها ولاول مرة تحجرت الدموع فى عينيه مُحاولا منع إياها عن الهبوط، لقد عاش طوال عمره هي من تتحكم به وقد جعلت منه كائن يُمثل القسوة حتى يُخفى كل ذلك الضعف الذي بداخله، والآن تحاول التحكم بمصير طفله الذي لم يأتى على الدنيا بعد، كاد أن يتحدث ليوقفة صوت والده مُستفسرا:

- طفل مين اللي ينزل يا هناء؟

شعرت "هناء" أن هذه فرصتها لضم "هاشم" إلى صفها ظنًا منها إنه سيُؤيدها الرأي لكي ينتقم من تلك الفتاة، وستكون هذه فرصته لإطفاء نار قلبه، ويضغطان معا على "جواد" حتى يقتلها هي والطفل معا، لتجيبه بحدة:

- البيه اللي كان المفروض يجيب بنت لبنى ويقتلها وياخد بتار أمه واللي كان فى بطنها، راح ينام معاها وخلاها تحمل منه.

صُدم "هاشم" ممَ تفوهت به "هناء"، لا يعلم أيشعر بالغضب لما فعله ابنه وأنه أقترب من ابنة "لبنى"، أم يشعر بالفرحة والسعادة لرزقه بذلك الطفل الذي شعر وكأنه تعويض عن طفله الذي مات قبل أن يولد، إنه سيكون أول حفيد له أيضًا، ليفيق من شروده على صوت "هناء" مُضيفة بإصرار:
- البت دي لازم تموت هي واللي فى بطنها.

للحظة أنتفض قلب "جواد" مما أستمع إليه، لا يدري لماذا! أهذا من أجل "ديانة"؟ أم من أجل طفله! ماذا سيقول والده؟ هل سيؤيدها الرأي ويقتلون "ديانة"، كلا لن يسمح بذلك.

ليرمق "هناء" بكثير من الغضب والحنق، بينما تحولت ملامح "هاشم" للإنزعاج صارخًا بغضب وإنفعال زاجرًا إياها:

- أنتي بتقولي أيه؟ أنتي أتجننتي يا هناء! ده حفيدي وتعويض من ربنا عن كل اللي راحوا وأتحرمنا منهم ومش هسمح لحد إنه يأذيه.

حول "هاشم" نظراته نحو "جواد" الذي يقف أمامه مصدوما ممَ قال والده، ليجذبه "هاشم" من عُنق قميصه مُعقبًا بتحذير:

- أسمعني كويس يا جواد، أنت أتجوزتها وأنا مقولتلكش حاجة، قولتلى هنتقم منها وبعدين أقتلها مفتحتش بوقي بحرف وقولت أسيبك بمزاجك، لكن بما إن الموضوع وصل لطفل ده مش بمزاجك، الطفل ده يتولد بعدها نقرر هنعمل أيه، لكن قبل ما تولد لو لمستها يا جواد أو فكرت تعمل فيها حاجة، حسابك هيكون معايا أنا.

تدخلت "هناء" بغضب كبير من حديث "هاشم" صائحة بحدة وإنفعال:

- أنت بتقول أيه يا هاشم! أنت عايز حفيد من بنت لبنى؟

رمقها "هاشم" بإنزعاج وصاح فيها بنبرة لا تقبل نقاش:

- أنا عايز حفيد من أبني يا هناء، ومتنسيش إن بنت لبنى كمان تبقى بنت شرف، أنا كرهتها لإنها بنت لبنى بس دلوقتي الوضح أختلف هي حامل فى حفيدي أنا وشرف أخويا، وده لوحده يشفعلها ذنب إنها بنت لبنى، أنا خسرت أبني فى بطن مراتي من عشرين سنة، مش هسمح أخسر حفيدي دلوقتي.

شعر "جواد" بالتشتت الشديد لا يدري ماذا عليه أن يفعل، لم يستطيع تحمل هذا النقاش القاسي الذي فى جميع أحوله يظل هو المجني عليه الوحيد، "هناء" تريده يقتل "ديانة" وطفله، ووالده يرفض ذلك، ماذا عنه هو! أهو أداة فى يدهم يحكونها كما يشأون.

أنسحب مُسرعًا فى الخروج من المنزل غير مُلتفتًا خلقه ولا حتى عندما أستمع إلى صوت والده محذرا إياه:

- إياك يحصل حاجة للطفل يا جواد أنت فاهم؟

خرج من القصر وهو يشعر بكثير من الضيق والإختناق غير مُحددًا وجهته، فقط يريد الإبتعاد عن الجميع حتى يستطيع إخماد تلك النيران التي تنهشه بدون رأفة أو رحمة.

❈-❈-❈
أخذت "زينة" الكأس من يد "ديانة" بعد أن تناولت ذلك العصير الذى أعدته لها، لتردف بود:

- ألف هنا وشفا يا حبيبتي.

أغمضت عينيها بحزن وقليل من الإرهاق مُردفة بإمتنان:

- شكرًا يا زينة.

أبتسمت لها "زينة" بحب مُعقبة:

- العفو يا حبيبت قلبي على أيه بس.

بللت شفتيها وهي ترمق "زينة" بضعف وترجي مُعقبة:

- زينة ممكن أطلب منك طلب.

أومأت لها "زينة" بالموافقة مردفة بترحيب:

- أكيد يا ديانة، أنتي تأمري.

أبتلعت بحزن على ما ستقوله ولكن ليس أمامها حل أخر، حتى لا تظلم ذلك الطفل معها بتلك المعركة التي لا تعرف متى وكيف بدأت، لتفرض عليها المواجة ولكن لوحدها، ليس برفقة ذلك الطفل، أستجمعت كامل قواها وأضافت بألم:

- أنا عايزاكي تساعديني يا زينة، مش عايزه طفل من الشخص ده، أنا حتى مش عارفة جوازنا ده أخرته أيه! مش عايزه أجيب طفل أظلمه معايا.

أغمضت عينيها بألم مُحاولة منع دموعها عن الإنسدال مُضيفة بصعوبة:

- أنا عايزة أنزل الحمل يا زينة.

صُعقت "زينة" ممَ تفوهت به "ديانة" وكادت أن تزجرها لكي لا تتفوه بما قالته مرة أخرى، ليقاطعها دخول "جواد" الذى كان يقف خلف باب الغرفة وأستمع إلى كامل حديثهما.

دلف "جواد" الغرفة بمنتهى الهدوء وهو يُطالع "ديانة" بنظرات فارغة، بينما شهقت "زينة" من وجوده وشعرت بالقلق من ملامحة الفارغة، بينما "ديانة" لم تهتز لها شعرة وكأنها لم تعد تخشاه أو بتلك الطريقة تقوده لكى يضربها ويقتل ذلك الجنين بأحشائها.

ليتقدم "جواد" نحوهم مُجها حديثه نحو شقيقته مُردفًا بهدوء:

- سبينا لوحدنا يا زينة:

أبتلعت "زينة"خشية من هدؤه الغير طبيعي، لتقترب منه مُحاولة تهدئته:

- جواد، أهدى وأسمعني لو سمحت.

هتف بها مرة أخرى ولكن تلك المرة بنبرة لا تقبل النقاش وهو يدفعها برفق نحو الباب:

- لو سمحتي أنتي يا زينة سبينا أنا ومراتي لوحدنا.

شعرت "زينة" بالقلق من هدوء شقيقها وأصبحت خارج الغرفة رغمًا عنها وتخشى أن تدخل مرة أخرى، وتخشى أيضًا أن تتركهما معا ويقوم شقيقها بفعل شيئًا غبيًا ويأذيها أو يأذي الجنين.

بينما أقترب "جواد" من "ديانة" ثم أنحنى إليها مُستفسرًا:

- سمعيني تاني كنتي بتقولي أيه؟

نهضت من مكانها بأعين يملئها الكراهية والتحدي له غير مُكترثة لتلك النظرة التي كثيرًا ما رأتها قبل أن ينفعل عليها:

- بقول هنزل الجنين ده عشان مش عايزة أخلف منك ولا عايزة أشوف وشك أصلا.

أقترب منها بشدة لدرجة إنها اشتمت رائحة أنفاسه الكريهة أثر ما تجرعه من الشراب، ولكنها لم تتحرك حتى لا يظنها خائفة منه، فلم يعد يُخيفها على الإطلاق، بينما هو أبتسم نصف إبتسامة لم تفهم معناها مُضيفًا:

- لا هتخلفي مني، وهتشوفي وشي لحد أخر يوم فى عمرك، أنتي بقيتي ملكي وأنا بس صاحب الأمر فى مصيرك.

نظرت له بكرهية شديدة عمَ فعله بها منذ بداية زواجهما نهاية بإغتصابة لها ليلة أمس، لتضيف بإشمئزاز:

- وأنا بكرهك وعمري ما كرهت حد قدك.

أبتسم لها بمصدقية وأضاف بنبرة لم تفهما:

- مش مهم تكرهيني أو تحبيني، المهم تفضلي جمبي.

وقبل أن تُجيب عليه دفعها برفق نحو الحائط خلفها وأحاط يديها الأثنين بيديه ورفعها على الحائط بجانب رأسها، وسريعًا ألتقط شفتيها بقبلة ناعمة لم يفهم هو نفسه من أين أتى بها! وما سبب كل ما يفعله هذا؟ يبدو أن هذا بسبب ثمالته.

لم يستغرق وقتًا كثيرًا، حتى إنها لم تكن قبلة شهوة مُطلقًا، بل كانت قبلة لم يُجربها أيًا منهما من قبل، وعلى الرغم من إندهاشها بفعلته تلك الغير مبررة، إلا إنها شعرت بالغضب تجاهه.

دفعته فى صدره بمنتهى الغضب والكراهية وصاحت فيه بحدة وكراهية:

- أنت فاكر نفسك مين عشان تعمل معايا كده؟

أجابها بهدوء رهيب، حتى إنه لم يغضب من فعلتها:

- جوزك.

وقبل أن تصرخ فيه مرة أخرى صاح مُناديًا على شقيقته:

- زينة.

دلفت بمجرد سماع أسمها، ليرمقها بنظرات ناعسة متمتمًا:

- خلي بالك منها.

رفعت حاجبها بدهشة من طريقة شقيقها الغير مبررة، لتنظر نحو "ديانة" مستفسرة عما يحدث، لتقابلها "ديانة" بمط شفتيها دليلًا على عدم معرفتها بما يحدث.

بينما خرج "جواد" من الغرفة وأتجه نحو غرفته، ليسقط فى نوم عميق، وكأنه يأخذ قسطًا كبير من راحة عقله قبل أن يستيقظ ويبدأ ندمه وعتاب نفسه عمَ فعله منذ قليل.

❈-❈-❈

بعد مرور أسبوعين...

كعادته منذ ذلك اليوم عندما أستيقظ وتذكر ما فعله أثناء ثمالته، وهو يمكُث فى تلك الغرفة بمفرده وبمجرد أن يستيقظ يأخذ حمامًا ويُبدل ملابسه ويتجه إلى الشركة، طوال هذان الأسبوعان وهو لم يرها، وكيف له أن يراها ويضع عينه بعينها بعد ما فعله معها ذلك اليوم!

أقسم إنه لن يُعيدها ويجتمع معها فى مكان واحد مرة أخرى وهو ثمل، الأن يتركها تحت رعاية "زينة" التي لن تسمح له بالإقتراب منها ولم تتركها منذ ذلك اليوم.

أنتهت "زينة" من إعداد الافطار لها ول"ديانة" حتى يتناولاه معًا مردفة بجهد:

- لا لا أنا لازم أقول لجواد يجبلنا حد يطبخلنا، الموضوع طلع أصعب مما تخيلت.

أبتسمت لها "ديانة" ونظرت لها نظرة ذات معنى، فهي تحسنت كثيرًا عن زي قبل، ولكن "زينة" لا تقبل أن تجعلها تُساعدها في شيئًا، فهي تركتها تنهض من الفراش وتجلس معها فى المطبخ بصعوبة كبيرة.

لا تصدق إنها أصبحت أفضل خصيصًا وإنها طول تلك الفترة لم ترى "جواد"، لتشعر إنها أحسن بدون رؤيته، هتفت موجهة حديثها نحو "زينة":

- أشد حيلي أنا شوية بس وأدوقك أحلى "نجرسكو" ممكن تاكليها فى حياتك.

أبتلعت "زينة" بإشتياه مُصطنع مُردفة بحماس:

- يا سلام بحبها جدا يا ديانة، خلاص شيدي حيلك بقى بسرعه عشان أدوقها من إيدك و...

قطلع حديثها صوت جرس النزل مُعلنًا عن مجئ أحدًا لتتوتر "ديانة" ظنًا منها إنه "جواد" وعزمت على الصعود لغرفتها، بينما توجهت "زينة" نحو الباب لتجدها "ملك"، لترحب بها كثيرًا ودلفا معًا، وبمجرد أن رأتها "ديانة" أحتضنتها بكثير من الحب والإشتياق مُصيحة:

- يا عمري وحشتيني، وحشتيني أوي.

بادلتها "ملك" العناق وهي لا تقل عنها إشتياق بالإضافة إلى تلك السعادة التي تغمرها، لتزداد من إحتضانها، لتتدخل "زينة" مُعقبة بتحذير:

- لا يا كوكو براحة عليها لحسن دي لسه فى البداية.

قطبت "ملك" ما ببن حاجبيها بتعجب مستفسرة:

- لسه فى بداية أيه؟

أبتسمت لها "زينة" بسعادة مُجيبة إياها:

- لسه فى بداية الحمل.

أتسعت عين "ملك" بصدمة وسريعًا ما صاحبتها أبتسامتها التي ملأت وجهها، بينما حولت نظرها إلى "ديانة" مُصيحة بلهفة وسعادة عارمة:

- حمل!! لا بتهزري، ديانة أنتي حامل؟

أومأت لها "ديانة" بالموافقة لتندفع إليها "ملك" مرة أخرى مُعانقة إياها، وسريعَا ما فصلت العناق وعلى وجهها ملامح خيبة الأمل والحزن الطفيف مُردفة بطفولة:

- يعني أنا أجي أفاجئك تقومي أنتي اللي مفجأني؟

هتفت "ديانة" مُنتبهة إلى حديثها مستفسرة:

- تفاجئيني بإيه؟

أبتلعت "ملك" شفتيها إلى داخل فمها وأخذت تحرك عينيها يمينا ويسارا كالأطفال مُضيفة بطفولة:
- بخطوبتي.

توسعت عيني "ديانة" بصدمة مُصيحة بعتاب:

- إيه!! من غير ما حد يعرفي!! ده إمتى وازاي و...

أوقفتها "ملك" مُجيبة بضحك:

- اهدي بس اهدي لسه متخطبتش، إحنا حددنا الخطوبة بس، اهدي وانا هحكيلك كل حاجه.

••

صُعق الجميع من طلبه وخصيصًا "ملك"، هي بالفعل كانت تشعر بإعجابه تجاهها، ولكنها لم تتوقع إنه سيفعل ما يفعله الأن بتك السرعة، وخصيصَا بعد ما فعله منذ قليل عندما كانوا معَا على الطريق، ليهتف والدها بتردد:

- أنا عارف إن أنت وملك أصدقاء، وعارف كمان إنك بتساعدها تشوف ديانة، وإنك صاحب جوز ديانة، بس يا ابني ملك صغيرة ولسه بتدرس!

رطب "إياد" شفتيه مُحاولا التأني فى إختيار كلمات مُستخدمًا إياها لجعل والدها يوافق، هو بالطبع بارع فى أستخدام الكلمات ويُدرك جيدُا كيف يُقنع من أمامه بالموافقة على حديثه، ليُردف بإحترام وهدوء:

- أسمع يا أستاذ محمود أنا جيتلك دوغري وجيت أطلب إيد ملك، عشان أنا مش عايز حتى يبقى بيني وبينها مجرد صداقة بالعكس، أنا عايز علاقتنا تكون فى النور.

شعر "محمود" بالحيرة وما يُشعره بالقلق أن ذلك الشاب لم يُحضر والدايه معه، ولا يجب ان يشعر بالحرج عليه أن يستفسر:

- طيب يا أبني أنت جيلي بطولك، مجبتش والدك ووالدتك معاك ليه؟

أخفض بصره أرضًا وشعر بغصة تكونت فى حلقة مُجيبًا:

- والدي ووالدتي وأخويا توفوا من حوالي تمن سنين، وقريبنا فى محافظات تانية والعلاقة بينا مش قوية أوي.

شعر "محمود" بالأسى على ذلك الشاب وأزدادت حيرته بين أن يرفض لأنها ما زالت صغيرة أم يُعطي لهما فرصة معا، خصيصًا وأن "ديانة" تقول إنها سعيدة مع ذلك الشخص الذي ترك لهم إنطباع سيء عنه، ولكنها تقول إنه كان مجرد سوء فهم وإنها الأن سعيدة.

ولكن ماذا عن هذا الشاب؟ أيمكن أن يكون خيرًا لها، ليحول "محمود" نظره نحو إبنته التي واضح عليها ملامح الصدمة والتشتت، ليُعقب "محمود" مُوجها حديثه نحو إبنته مستفسرًا:

- أنتي أيه رأيك يا ملك؟

توترت "ملك" كثيرًا ولأول مرة تشعر بذلك الكم من الخجل، لتنهض سريعًا مُتجهة نحو غرفتها، ليبتسم والدها على شعور صغيرته بالخجل الذي يراه ولأول مرة بحياته، لينظر إلى "إياد" مردفًا بإبتسامة ود:

- طيب يا إياد أدينا يا أبني فرصة نفكر وأشوف رأي مالك لما يجي، وهرد عليك فى أقرب وقت.

أبتسم له بإمتنان ونهض عازمًا على الذهاب مُضيفًا بإحترام:

- هستنى رد حضرتك، بعد إذنكوا.

خرج وهو يشعر بسعادة كبيرة سيطرت عليه، يشعر وكأنه لأول مرة يفعل الشيء الصحيح، وبمجرد أن دلف سيارتة، بدأ هاتفه بالرنين مُعلنا عن إتصال منها، ليبتسم بخفة مُلتقطًا الهاتف مُجيبًا بمشاكسة:

- أيه وافقتي بالسرعة دي.

شعرت بكثير من الخجل من كلماته ولكنها سريعًا ما أستعادت ثباتها لتُهاجمه بحدة:

- ومين قالك أصلا إني هوافق عليك!! ده نجوم السما أقربلك.

أعتدل فى جلسته بكل غرور هاتفًا بثقة:

- هتوافقي يا ملك.

ضحكت بسخرية على غروره مُعقبة بإستهزاء:

- إيه الثقة دي كلها؟ وإيه بقى اللي هيخليني أوافق على واحد قليل الأدب زيك؟

أبتسم بمكر مُجيبًا إياها:

- يمكن عشان بوستي حلوه! أو حبيتي قلة أدبي!!

شعرت بالشلل أمتلك جسدها وكأنه خدرها بكلماته، حتى إنها لا تستطيع إغلاق المكالمة، بينما ابتسم هو على ما توقع حدوثه لها لتتعالى ضحكاته، لتشعر هي بالغضب والحقن تريد أن تُكسر رأسه، ليُضيف هو بجدية بعد أن هدأت ضحكاته:

- أقولك بجد هتوافقي ليه!! هتوافقي عشان أنتي مختلفة عن أي بنت شفتها فى حياتي، عشان أنا حسيت معاكي بإحساس أمان مكنتش بحسه غير مع أهلي قبل ما يتوفوا، عشان من ساعة ما عرفتك وأنا مش عارف أشوف واحده غيرك، مش عارف ده حصل إزاي أو أمتى بس أنا من غير ما أحس أتعلقت بيكي وبقيتي حد مهم فى حياتي.

تنهد براحة شديدة مُكملًا:

- الكام خروجه اللي خرجناهم مع بعض كنت بحس فيهم بإنجذاب نحيتك، فكرت فيكي كتير أوي الفترة اللي فاتت دي، حاولت أقنع نفسي إنك زيك زي أي بنت عرفتها، يمكن لو بوستك وقربت منك مش هتمانعي وهتتجاوبي معايا، لكن لقيتك زقتيني وزعقتيلي وضربتيني كمان، رد فعلك والحاله اللي شوفتك فيها أكدولي إنك غير أي واحده وإنك تستاهلي كل اللي حاسس بيه نحيتك.

تنهد بمزيد من الراحة بعدما أخبرها بكل شيء كان يحمله بقلبه لها، بينما هي كانت تستمع له وهي مشوشة، هي أيضًا أحبت العلاقة بينهم كثيرًا، فهو أكثر شخص مرح ويفهمها دون كلام، على الرغم من صغر المدة التي عرفته فيها، إلا إنه تشعر وكأنهم يعرفان بعضهم منذ سنوات، بل وأصدقاء مقربين أيضًا، بالإضافة إلى إنجذابها لوسامته ومشاكسته ومرحه.

كانت شاردة فى كل المواقف التي جمعتهم معًا، بينما شعر هو بالتوتر ممُ هو مُقبل عليه، هذه أول مرة يختبر ذلك الشعور أو يتفوه بتلك الكلمات، ولكنه يشعر بالحاجة الشديدة لإخراج كل ما بقلبه وخصيصًا تلك الكلمات.

- مش عارف أمتى؟ ولا إزاي! ولا حتى ليه بالسرعة دي! بس أنا تقريبًا كده حبيتك يا ملك.

لم تستطيع أن تصمد أكثر من ذلك، الكثير من المشاعر إندلعت بداخلها فجأة، مزيج من الخجل والسعادة والتوتر والخوف تشعر بهم فى أنٍ واحد، ولم تشعر بنفسها سوا وهي تغلق الهاتف وتلقيه على الفراش.

نهضت بسرعة مُتجه نحو المرحاض المُصاحب لغرفتها وفتحت صنبور المياة ووقفت أسفله وهي لا تزال بملابسها عساها أن تُطفئ تلك النيران التى أشتعلت بها من كثرة الخجل، أو تستوعب ما استمعت له الأن، تلك الكلمات تستمع إليها لأول مرة بحياتها وبالطبع لم يكن شعورًا هينا بالنسبة لها.

•••

- بس يا ستي هو ده كل اللي حصل، وبعدها فكرت وقررت إنى أوافق خصوصًا بقى إنه طلع رومانسي أوي.

قالتها "ملك" بإبتسامة خجل، بينما عقبت "زينة" بمرح:

- قصدك طلع نحنوح أوي

ضحكن على ما قالته "زينة"، لتحتضن "ديانة" "ملك" مُضيفة بحب:

- مبروك يا كوكي، وربنا يفرحك يا حبيبتى ويحققلك كل اللي بتتمنيه ويكملكوا على خير يارب.

عناقتها "زينة" هي الأخرى مُضيفة بود:

- ربنا يسعدكوا يا حبيبة قلبي، إياد شخص كويس وأبن حلال، ربنا يفرحكم ويكملكوا على خير.

❈-❈-❈

بعد عدة أيام..

ظل ينظر خارج السيارة و ملامحه تصرخ بالإنزعاج والضيق، بينما هى تجلس بجانبه مُندهشة مما يفعله خصيصًا وإنها كانت قادمة حتى تشكره على مساعدته فى سفر "ماجدة".

كانت تشعر بالضيق الشديد لإنزعاجه منها، يبدو إنه أصبح له مكانة كبيرة فى حياتها، ولكيف لا يكون هكذا، على الرغم من أن معرفتهم ببعض لم تتجاوز الثلاثة أشهر، إنها تشعر وكأنهم مُقربين جدًا من بعضهم منذ سنوات.

حتى إنها لا تعلم سبب إنتهازها لكل فرصة تأتي لها لرؤيته، هل وقعت فى عشقه؟

- كل ده عشان مقولتلكش على خبر حمل ديانة؟ طب ما أنت كمان مقولتليش على خطوبة ملك ومعرفتش غير منها لما جيت عند ديانة، ولا أنت بقى مكنتش عايز تعرفني؟

حول نظرة إليها مُدركا ما تُحاول ليبتسم ساخرًا:

- بتحاولي تجيبي الغلط عليا أنا يعني!

ضحكت لأنه أستطاع أن يكشف غرضها لتُضيف بإلحاح:

- خلاص بقى يا مالك متزعلش مني.

كاد أن يتحدث ولكن قاطعه هذا الطفل الذي لم يتخطى العاشرة من عمره، والذى وقف بجانب زجاج سيارته مُتمتمًا ببكاء وقلة حيلة:

- بالله عليك يا عمو ساعدني بأي حاجة.

حول الاثنان ناظريهما نحوه، لائحا فوق وجهيهما تفاجؤ اختلط بنوع من الشفقة وخاصةً عندما تابع بنفس النبرة المنكسرة:

- أنا مش شحات والله، أنا ماما تعبانة والدكتور فى المستشفى كتبلها على دوا وأحنا معناش نجيبه، بالله عليك يا عمو والله الروشته أهي أنا مش بكدب، ماما تعبانة أوي.

شعر كلاهما بالصدمة من حديث ذلك الطفل الذى لا يتوقف عن ذرف الدموع بحزن وكسرة، ولكن النصيب الأكبر من الصدمة والألم كان ل"زينة" التي شعرت بمُعناة ذلك الصغير، وتجددت ألمها، بينما حاول "مالك" تهدئة الصغير:

- طيب أهدى يا حبيبى وبطل عياط، تعالى أركب متخفش، أنا هجيبلك الدواء.

صعد الطفل السيارة غير مكترسًا إن كانوا أشخاصًا جيدين أم لا؟ كل ما يُعير أهتمامه هو إحضار الدواء إلى والدته كي لا يفقدها، ليُعقب "مالك" مُستفسرًا:

- أنتوا ساكنين فين يا حبيبي؟

أجابه الطفل بإنكسار ودموعه لا تزال تغرق وجهه:

- قريب من هنا.

مد "مالك" يده بلطف إلى الطفل حتى لا يُخيفه مُردفًا:

- طب وريني الروشته كده.

أعطى الطفل قائمة الأدوية إلى "مالك" الذي تأكد من إصدارها من أحد أطباء النساء والتوليد بإحدى المستشفيات الحكومية، والتأكد أيضا من تاريخ إصدارها، هو لا يُشكك فى الطفل ولكنه كان يشك أن يكون هناك من يستغل هذا الطفل، ولكنه تأكد من صحة حديثة، ليفتح باب سيارته مُضيفًا وهو يترجل منها:

- هجيب حاجه بسرعة وأجي.
أومأت له "زينة" بالموافقة متفهمة سبب ذهابه، وحولت نظرها سريعًا نحو الطفل مُحاولة تهدأته بلطف:

- متخافش إن شاء الله هتبقى كويسة، بس قولى هي مامتك تعبانة مالها.

أجابها الطفل على سؤالها بقدر معرفته بالأمر، إنه لا يزال صغيرًا جدًا ولا يفقه فى ذلك الأمر شيئًا:

- مش عارف هي أول أمبارح تعبت جدا عشان حامل وروحنا المستشفى والدكتور كتبلها على دوا كتير وماما مكنش معاها فلوس وبابا مسافر، وهي تعبانة أوى بقالها كام يوم ومعرفتش اعمل أيه غير إنى أشوف حد يساعدني أجيبلها الدوا.

شعرت "زينة" بالتأثر الشديد من حديث الطفل وبالفعل تهاوت دموعها رغمًا عنها وأضافت بين دموعها:

- متقلقش إن شاء الله هتبقى كويسة.

عاد "مالك" إلى السيارة بعد أن قام بشراء كل الادوية الموجود بلائحة الدواء التي وصفها لها الطبيب، ليشعر بالصدمة من دموع "زينة" التي تُحاول إزاحتها، ليهتف مُستفسرًا:

- فى أيه؟

جففت "زينة" دموعها مُحاولة الثبات ومنع نفسها من الأنهيار مُجيبة:

- مفيش حاجة، يلا بسرعة عشان نوصل الولد.

وبالفعل تحرك "مالك" مُتجهًا نحو منزل الطفل مُتبعًا وصفه وإرشادته، وسريعًا ما وصلوا البيت وقاموا بتفحص حالة الأم وإعطائها الدواء وبعض الأموال لكى تستعيد عافيتها، فى البداية لم تتقبلهم الأم بسهولة، هي كانت رغم مرضها إلا إلنها شعرت بالغضب من طفلها.

ليقوما "مالك" و "زينة" بإقناعها بأن تلك ليست شفقة ولكنها مساعدة فرضها "الله عزوجل" على المُقتدر بأن يُساعد من يحتاج إليه وذلك ليس عطف بل تنفيذ أمر الخالق.

خرج كلاهما من المنزل وبمجرد أن دلفت "زينة" السيارة حتى شرعت فى البكاء سامحة لنفسها بالإنهيار، ظلت دموعها تنساب بسبب تذكرها لحادث والدتها، بالرغم من إنها كانت لا تزال صغيرة إلا إنها تتذكر منظر والدتها والدماء تنسال منها، لتشهق بألم وحسرة من بين دموعها دون وعي منها متمتمة:

- ماما..

أدرك "مالك" سبب بكائها عند تفوهها بتلك الكلمة، ليشعر بالأسى والحزن الشديد عليها، أخذ يربط على كتفها مُحاولا مواستها والتخفيف عنها مُعقبًا:

- الله يرحمها، أدعيلها بالرحمة.

أجهشت فى البكاء وكأنها طفلة صغيرة بالخامسة من عمرها غير مُنتبهة لما يحدث لها وضعفها وإنهيارها الشديد مُردفة بنحيب:

- وحشتني أوي، كان نفسي تبقى جمبي دلوقتي، كان نفسي أوي.

بلحظة غاب عقله بمجرد أن رأى دموعها وإنهيارها وبدون إرادة منه جذبها إلى صدره وأخذ يربت ويُملس على شعرها مُحاولا تهدئتها، ليشعر بإرتجافها داخل أحضانه ليضمها إليه أكثر.

يضُمها وكأنه قد غاب عقله هو الأخر، لم يعد يشعر بأي شيء حوله، غير مُنتبها لوجودهما داخل السيارة وهي تتوسد صدره، يشعر وكأنه بحلم وليس بواقعٍ، ليُخرج ما بداخله دون وعي منه بما يتفوه به مُضيفًا بصدق:

- أنا جمبك يا زينة، أنا جمبك ومش هبعد عنك أبدا.

أزاد في ضمها وقد تاه لسانه وهو يصرح بكلمات هامسة خرجت من بين أعماق قلبه:

- أنا محتاجك، محتاجك أوي، محتاج وجودك جمبي، أنا بحبك يا زينة.

وقعت كلماته عليها كالصاعقة التي أفاقتها من ذلك الوهن التي كانت به، بالطبع كانت كلماته كفيلة بصدمها وإعادتها إلى وعيها، لتلاحظ مُعانقتها له وتشبثها فى رقبته وكأنه نجاتها الوحيدة، لتبتعد عنه بسرعة، بينما أدرك الأخر مدى تماديه، وربما تسرعه في الاعتراف بما يضمره لها في قلبه، عند سماع صوتها مردفة بحدة:

- روحني.

شعر بصدمة مُماثلة لصدمتها، بالأضافة إلى الضيق والغضب من نفسه، لعن غباءه وتماديه وهتف مُعتذرًا:

- زينة أنا أسف، أنا والله مش عارف عملت كده إزاي و..

قطعت حديثه بصوتها الذي لا يزال يبدو عليه الصدمة:

- بقولك روحني.

لم يستطع أن يتحدث مرة أخرى ليُدير مُحرك السيارة عازمًا على أن يوصلها وأن لا يتفوه بكلمة طوال الطريق حتى لا تنزعج أكثر يكفي ما فعله، وتفوه به، بينما "زينة" كانت لا تزال مصدومة، فهى لطالما انتظرت أن يخبرها بعشقه الذي كان واضحًا عليه لها، ولكنه صدمها باعترافه الآن وبتلك الطريقة النزقة، لم تستطع هي الأخرى التحكم فى مشاعرها التي أنجرفت إليه دون إرادتها، وهتفت بحدة:

- وقف العربية.

حول نظره إليها في خشية من أن تطلب النزول من السيارة والابتعاد عنه إلى الأبد، ليرمقها بنظرة أعتذار مُضيفًا بإلحاح:

- زينة أنا بجد أسف، أرجوكي.

كررت ما قالته مُعقبة بإصرار:

- بقولك وقف العربية يا مالك.

فعل ما طلبته منه وهو بداخله يشعر إنه قد خسرها للابد، بينما بمجرد أن أوقف السيارة دفنت هي وجهها بصدره باكية بكثير من الحب والأحتياج لوجوده بجانبها مردفة بنحيب:

- وأنا كمان بحبك يا مالك.

اتسعت عيناه، وتضخم قلبه في صدره من قوة خفقانه من عبارتها الغير متوقعة، بينما تابعت هي باحتياح بالغ:

- أرجوك متبعدش عني، أنا عمري ما كان عندي حد قريب مني زيك كده، أرجوك متسبنيش أنا كمان محتاجالك.

لم يستطيع تحمل ذلك الاشتياق أكثر ليُبعدها عن صدره رامقًا زرقاوتيها اللامعتين بوله شديد، ثم سقطت عينيه على شفتيها المنتفختين من البكاء، وسريعًا ما التهمها دون وعي بقبلة مليئة بالحب والشغف الذي كان يشعر به فى كل مرة كان يراها فيها، بينما صُعقت هي من إندفاعه إليها بتلك الطريقة ولكنها لم تستطيع السيطرة على نفسها، وبادلته تلك القبلة الحارة بضعف، مُحاولة التعبير عن مدى حبها له.
1

❈-❈-❈

كانت جالسة بغرفتها تتصفح إحدى وسائل التواصل الاجتماعى، ليصيح هاتفها مُعلنًا عن وجود اتصالا لها لتجد إنه أحد الرجال الذين يعملون لصالحها، فتحت الاتصال مُجيبة برسمية:
+

- أيه الجديد؟

بمجرد أن أنتهى ذلك الشخص من قص الأخبار الجديدة التي توصل لها عليها، ملأت البسمة وجهها مُصيحة:

- أنت متأكد من الكلام ده! يعني فعلا كان بيتعالج عن دكتور نفسي؟
ذاهب إلى الشركة كعادته مُبكرًا قبل أن يستيقظوا من نومهم حتى لا يتقابل معها، إلى الأن لا يعرف كيف يتعامل معها، يكفي إنه كل ليلة يذهب ليُشاهدها وهي نائمة، لا يعرف حتى لماذا يفعل هذا! هل فقد عقله تماما؟

يهبط الدرج وأثناء ذلك تفاجئ بجلوسهم حول السفرة يتناولون الفطور، ليلعن حظه الذي جعله يهبط الأن، كان يريد أن يصطنع عدم ملاحظتهم ويخرج بسرعة، لتوقفة شقيقته التي اتجهن نحوه مُعقبة:

- صباح الخير يا جواد.

قابلها بإبتسامة لابقة ومحبة:

- صباح النور يا زينة.

أصطنعت عدم معرفة أمر هروبه كل صباح قبل إستيقاظهم مُستفسرة:

- رايح فين بدري كده!

أجابها بنفاذ صبر مُحاولًا إنهاء الحديث والذهاب سريعًا:

- هكون رايح فين يعني، الشركة طبعا.

لاحظت ما يُحاول فعله، ولكنها لن تتركة لينجح فيه:

- طب تعالي أفطر معانا.

شعرت "ديانة" ببعض من الضيق والتوتر من فكرة جلوسه معها على مائدة واحدة، بينما حاول هو الإنسحاب بلطافة هاتفًا:

- مستعجل يا زينة.

كاد أن يأخش خطوة نحو الباب ولكن "زينة" وقفت أمامه مانعة إياه مُضيفة بإلحاح:

- عشان خاطري يا جواد بقالنا كتير أوي مقعدناش على سفرة واحدة سوا.

يصعب عليه أن يرفض لها شيئًا تطلبه منه، ولكن هذا الطلب لا يستطيع موافقتها عليه:

- معلش يا حبيبتي خليها مرة تانية.

لن تستسلم بهذه السهولة، الأمر يستحق العناء، لقد مر الكثير من الوقت وهما يتلاشان مقابلة بعضهم، عليها أن تقرب المسافات بينهم، لتتزمر أمامه وتقوم بجذبه من ذراعيه وأتجهت به نحو المأئدة مُردفة بإصرار:

- لا دلوقتي وحالا.

جلس رغمًا عنه متوسط المائدة و"ديانة" تجلس على يمينه و"زينة" على يساره، وبدأوا فى تناول الطعام، كانت "ديانة" تتحاشى النظر نحوه وكأنه غير موجود، بينما هو كان يختلس النظر إليها من حينًا لأخر.

لاحظت "زينة" ما يفعله شقيقها، وأبتسمت بخفة على نجاح خطتها، ووسط تلك الأجواء أمتدت يد "ديانة" اليمين مُحاولة أخذ قطعة من الجُبن المُعلبة لتضعها على الخبز البني.

لتمنعها يد "جواد" الذي أمسك بيدها مانعًا إياها من فعل هذا، مُعقبًا بتلقائية لا إرادية:
- مش صحي إنك تأكلي حاجه مُعلبة، لأنها كلها مواد حافظة.

أمتدت يده لصحن الجبنة المطبوخة وقربه نحوها مُضيفًا بإهتمام:
- دي أحسن ليكي ومفيدة أكتر، والأحسن لو تركزي على البيض واللبن اللي مقربتيش منهم من الصبح، مُفيدين جدًا.

الصدمة هي كل ما تشعران به "زينة" و"ديانة"، ولكن الصدمة الأكبر كانت من نصيبه هو عندما أستوعب ما فعله، الأن أصبح متأكدًا إنه فقض عقله تمامًا، ما دخله هو أن تتناول المُعلبات أم المأكولات الطازجة، بماذا سيفسر حماقته تلك الأن؟

على الرغم من صدمة "ديانة" بما فعله وشعورها بإهتمامه الصادق، إلا إنها شعرت بالنفور من تقبله، ما رأته منه ليس بهين، ولن تنسى ما فعله بها أبدًا، لتسحب يدها منه بحدة زاجرة إياه:

- ملكش دعوة بيا، وخليك فى حالك أحسنلك.

شعر بالإحراج الشديد ممَ قالته وفعلته، ولكنه ليس بذلك الشخص الذي يتقبل الخسارة، ليخبرها ببرود لازع دون أن ينظر لها:

- ده أصلا مش عشانك، ده عشان اللي فى بطنك مش أكتر.

نهض من مقعده وهو بمسح على فمه بتلك المنشفة الصغيرة موجهًا حديثه نحو "زينة":

- لو أحتجتي حاجة يا زينة أبقي كلميني.

خرج من المنزل ولم يلتفت خلفه حتى أغلق الباب خلفه، لتحول "زينة" نظراتها نحو "ديانة" وأبتسمت لها بسمة ماكرة، فطنتها "ديانة" بسرعة وفهمت معناها، لتعود وتكمل طعامها من ذلك الصحن الذي أعطاه لها.

❈-❈-❈

دلف مكتبه بعد أن أمرهم بإعداد قهوته، ليلحق به "إياد" إلى داخل الغرفة مُصيحًا بمرح:

- يا صباح التفاح بشوفك برتاح.

رفع "جواد" حاجبيه بإندهاش من طريقة صديقه الماكرة مُردفًا بأستهزاء:

- ياض أنت مش هتبطل الجو ده! هو أنت فاكرني واحده من النسوان اللي بتشقطهم وتعط معاهم.

ضحك "إياد" بمكر ووقاحته التي لا يتنازل عنها فى كل احاديثه مُعقبًا بغمز:

- طب والله لو كنت واحدة وبالجمال والعيون الزرقة دي ما كنت هحلك غير لما أقطعك.

ألتوت شفتا "جواد" باستهزاء مُعقبا بنبرة مُتهكمة:

- لا والصراحة أنت قطيع، كل يوم بسمع إنك قطعت واحده شكل، والنسوان بتشوفك بتجري.

ضحك "إياد" بشدة على طريقة صديقه ونبرته المُسهزئة، وأخذ يُسايره فى الحديث، تلك اللحظات لا تتكرر كثيرًا، وخصوصًا من قبل "جواد"، ليُضيف "إياد" مصطنعًا الدهشة:

- ياه للدرجة دي أنت شايفني بتاع نسوان.

رمقه "جواد" بنظرات مُحتقرة من أعلى رأسه إلى أسفل قدميه مُردفًا:

- وقربت أشوفك بتاع رجالة كمان.

أشمئزت ملامح "إياد" ممَ قاله "جواد" مُضيفًا بمزيد من المرح:

- لا مليش فى الخشن أنت عارف، ولا عدت هبقى بتاع نسوان كمان، خلاص توبنا إلى الله.

ضيق "جواد" ما بين حاجبيه بتعجب مستفسرًا:

- ليه جالك عجز؟

أجابه "إياد" بهيمنة:

- لا بعد الشر، جالي حب.

تبدلت ملامح "جواد" من الاستهزاء للضيق والحنق، وسريعًا ما نهض من كرسيه متجهًا نحو نافذة مكتبه مُشيحَا بنظره فى الفراغ مُتنهدا بتأثر مُتمتمًا:

- ما هو ده كمان عجز بس مش فى الجسم، العجز ده فى الروح والعقل، بيخليك تايه بين قلبك وعقلك، مش عارف تسمع لده ولا تمشى ورا ده، وقتها بس بتحس قد أيه أنت عاجز وضعيف قدام اللي أنت عايز تعمله واللي المفروض إنك تعمله.

شرد بمخيلته وأصبح يتحدث بما يدور فى عقله دون إرادته، حتى لم يلاحظ إنه يتفوه بهذا الحديث أمام "إياد" الذي نسى وجوده بالفعل، لييقظه من شردوه صوت تصفيق "إياد" مُعقبًا بمشاكسة:

- الله ده، إحنا بقينا بنتكلم فى الحب أهو، إحنا وقعنا ولا إيه يا عم جواد؟!

عاد "جواد" من شروده على سؤال "إياد"، ليلتفت إليه رامقا إياه بضيق من سواله، ولكنه لم يكن يريد أن يتشاجران معا اليوم، ليحاول تغير مجرى الحديث مُستفسرًا:

- خلينا فيك أنت، مين دي بقى اللي وقعتك على بوزك؟

تبدلت ملامح "إياد" للتوتر والقلق خشية من ردة فعل "جواد" عند معرفته إنه ترك جميع الفتيات وذهب كي يخطب أبنة العائلة التي ربت "ديانة"، ليجيله بتلعثم:

- امم.. ملك الصاوي.

أمتعضت ملامج "جواد" بالغضب، بالطبع هو يعلم من تكون تلك الفتاة، ليصيك بإنزعاج مستفسرًا:

- بنت محمود الصاوي! أنت بتعاديني ولا بتستهبل ولا إيه؟

حاول "إياد" تهدئة مُجيبًا بمصدقية:

- والله لا دي ولا دي، أنا حبتها بجد.

رمقه "جواد" بإنزعاج وكاد أن يُصيح به، ليمنع نفسه متُذكرًا بأنه ليس لديه الحق فى أن يلومه، هو حر، من حقه أن يختار من تناسبه وبالنهاية هي فتاة صغيرة وأهلها لم يكترفا بحقه أى خطأ، بل إنهم أدوا إليه معروفًا وهو الاعتناء ب"ديانة"، ليزجر نفسه سريعًا على تفكيره بتلك الفتاة ولأمتنانه لراعيتهم لها منذ البداية، ليطرد تلك الأفكار من رأسه سريعًا مُعقبًا:

- مبروك يا إياد.

أبتسم "إياد" إلى صديقه بإمتنان على عدم مشاجراته مُضيفًا بسعادة:

- لا مبروك كده بس متنفعش، أنا معنديش صاحب غيرك، هتنزل تنقي معايا البدلة وكل حاجة.

تنهد "جواد" بملل، هو لا يروقه هذه التفاهات ولكنه لا يريد أن يُخيب أمال صديقه الوحيد، هو يعلم إنه لا يملك أخًا أو صديقًا غيره، لذلك لن يدعه وحده، ليستسلم "جواد" مُعقبا بملل:

- حاضر منا ولي أمر أهلك أنا عارف.

ضحك "إياد" على تأفف صديقه ولكنه لاحظ إنه لا يريد أن يزعجه أو يكسر فرحته، ليشعر بالسعادة على إختياره لصديق كهذا.

❈-❈-❈

كعادته يجلس أمامها يتحدث إليها تارة ويصيح بها تارة أخرى، بينما هي تجلس تستمع لكل ما يقوله دون النطق بحرف واحد، وكيف لها أن تتحدث! فإذا كانت تملُك القدرة على التحدث لكانت أخبرته بما حدث منذ زمنًا طويل، ليهتف هو بهدوء وقلة حيلة:

- لأول مرة أحس إنى عايز أتكلم معاكي من غير ما أفكر أنتي مين، من غير حتى شعور الإنتقام، عايز أقول كلام مش هعرف أقوله لحد غيرك، يمكن عشان ضامن إنك مش هتقولى الكلام ده لحد! أو يمكن عشان الكلام ده مينفعش يتقال لحد غيرك.

أطرق برأسه أرضًا مُستسلمًا لإخراج ولو جزء بسيط ممَ يحمله بداخله، خصيصًا وإنه لا يستطيع التفوه به مع أحد، و بالأخص "هناء" الذي يندم أشد الندم على زواجه منها، فقد كانت إتفاقية قاسية جدًا بالنسبة له، ولكنه لا يستطيع الآن فعل شيء.

ليجد نفسه لا يستطيع التحدث إلا لتلك المرأة التي كانت السبب على كل ما هو عليه اليوم، ليتنهد بحزن مُشاركها حزنه:

- ديانة حامل.

أتسعت عيني "لبنى" بصدمة ممَ أستمعت إليه، لا تعلم أتشعر بالسعادة كأي أم تفرح بحمل إبنتها وإنها ستصبح جدة! أم تشعر بالشفقة والحزن لأنها تعلم أن هذا الزواج كان بغرض الإنتقام وأن ذلك الحمل بالطبع قد حدث بطريقة بشعة ومُهينة، وقد تكون تلك الطريقة سببت لها الألم والشعور بالذلة والمهانة، لتتهاوى دموع "لبنى" من مجرد تخيل الأمر وما قد يكون حدث لأبنتها.

لأحظ "هاشم" دموعها ليُخمن إنها تبكي خوفًا على إبنتها ومن أن يؤذيها أحد هي أو جنينها، ليبتسم باستهزاء لا يدري على بكائها أم على نفسه؟ إنه لا يقدر على إيزاء ذلك الجنين، فهو أول من ينتظر قدومه حتى يُخفف من حزنه كل تلك السنوات ويكون العوض على كل من فقدهم منذ سنوات عدة، ليهتف بضعف:

- متعيطيش يا لبنى، أنا مش هأذي حفيدي أبدًا، كفاية إنه هيكون من صُلبى أنا وشرف.

تهاوت بعض الدموع من عينه مُكملًا:

- ويمكن يكون عوض من ربنا عن كل اللي خسرتهم زمان.

لم تستطع "لبنى" التحكم فى نحيبها وسريعًا ما ألقت بنفسها تحت قدمى "هاشم" مُقبلة إياهما ببكاء وراحة فى آنٍ واحد، فيمكن أن يكون وجود هذا الطفل هو طوق النجاة بالنسبة لإبنتها وأيضا سيكون العوض عن جميع من فُقدوا منذ زمن طويل.

أغمض "هاشم" عينيه بضعف وحيرة شديد من بين أن يضمها إلى صدره ويصرخ إلى أن يتخلص من كل ذلك الألم؟ أم يضمها بقسوة وعنف إلى أن تُحطم عظامها وتخرج روحها من جسدها؟ ليجذبها بالنهاية من شعرها مُعقبًا بمزيج من الغضب والضعف معًا:

- أنا بكرهك يا لبنى، بكرهك بس مش عارف إيه اللي حيشني عن قتلك، كل ما أحاول أضعف، بس أوعدك إني هتخلص من الضعف ده قريب، لأن مينفعش أنا وأنتي نبقى على نفس الدنيا.

دفعها "هاشم" بعيدا عنه هاربًا من ذلك الضعف والحيرة الذي يشعر بهما، بينما هي ظلت تُتابعه ولأول مرة تشعر عليه بالشفقة،هى تعلم إنه لطالما كان شخصًا جيدًا، ولكن ما حدث فى ذلك اليوم قد أخرج أسوء ما فيه، وهو حتى لا يعلم حقيقة الأمر.

ولكن ما تخشاه هو حدوث ما كانت تحاول منع حدوثه منذ سنوات طويلة، فذلك لن يكون سهلًا على أيًا منهما، لتتنهد رافعة وجهها للسماء داعية بداخلها أن تنكشف الحقيقة قبل فوات الأوان.
❈-❈-❈

بعد مرور شهرين..

- مينفعش كده يا مالك.

صاحت فيه بكثير من الخجل بعد جملته المتغزلة تلك والتي سببت لها الكثير من الإحراج، ليصطنع هو البرأة مُستفسرًا:

- هو أنا قولت حاجة؟

اندهشت من وقاحته ومراوغته التي يتعامل بها لتزجره بحدة:

- يا سلام كل ده ومقولتش حاجة!

لقد راقه كثيرًا مُشاكستها وإشعارها بذلك الخجل، إنه يشعر وكأنه يجرب تلك الأشياء لأول مرة مع فتاة، ليستمر فى مشاكستها:

- كل ده عشان قولتلك إن طعم شفايفك وحشاني! أومال لو أتكلمت عن حضنك بقى هتعملي أيه؟

أتسعت عينيها بصدمة، إنها تعترف هو حقا وقح إلى درجة لم تكن تتخيلها، ولكنها تعلم جيدًا إنه يمزح معاها، فما عاصرته معه الفترة الماضية يُثبت لها إنه شخصًا جدي ولا يتلاعب بها.

حتى إنه طلب منها أن يأتي ويطلبها لزواج من والدها، ولكنها هي من منعته وأخبرته أن الوقت ليس مناسبًا لهذا، وعليهم أن ينتظروا لبعضًا من الوقت.

ولكن كيف عليها أن تتعامل مع وقاحته وإنحراف لسانه هذا، يجب أن توقفه عند حده، لتصيح زاجرة إياه بإنفعال:

- احترم نفسك بقولك يا مالك بدل ما أقفل السكة فى وشك.

أصطنع الحزن مستفسرًا:

- وههون عليكي!

قابلته بنبرة حزمة مُحاولة عدم الإنجراف والضعف أمام صوته الحزين مُعقبة:

- أه عادي يعني تهون، ما أنت قليل الأدب ومش راضي تلم نفسك.

- تلم نفسك؟ وقليل الأدب! عارفة أنتي لو قدامي دلوقتي، كنت كلتك قلمين بس مش على وشك.

فطنت ما يقصدة بكلماته تلك وسريعًا ما توهج توجهها إحمرارًا وأرتفعت حرارته، وشعرت بكثير من الإرتباك وصاحت فيه بتلعثم:

- تصدق.. أنا فعلا أستاهل قلمين على وشي عشان بكلمك، إنما أنت بقى تستاهل جذمتين على دماغك بسبب وقاحتك دي، متكلمنيش تاني.

أغلقت "زينة" المكالمة مرة واحدة وألقت الهاتف بعيدًا عنها، بينما "مالك" ظل يضحك على ردة فعلها إلى أن أدمعت عينه، يبدو أن قطته سريعة الخجل، سينتظر يوم خطوبة شقيقته بفارغ الصبر.

❈-❈-❈

بعد مرور أسبوع..

كان كلا من "ديانة" و"زينة" تستعدان للذهاب إلى حفل الخطبة وذلك بعد خروجهما معا للتسوق وشراء كل الأغراض التى سيحتجان لها وشرعا فى تجهيز نفسهما.

أنتهت "زينة" من أرتداء فستانها الأسود الرقيق دون حمالة مكشوف الصدر والاكتاف مُنسدلا إلى نهاية قدميها مُرتدية فوقه شال حريرى شفاف باللون الأسود، أستعانت بتصفيفة شعرًا بسيطة وهي جعل شعرها مُموج واضعة إياه بجانب واحد، مُضيفة عليه تلك الشعرات البسيطة القصيرة التي تصل إلى نهاية جبهتها، وأتمتت أناقتها بوضع القليل من مُستحضرات التجميل التي زادتها جمالًا والوانها المناسبة لهذا الفستان، لتصيح بعجلة موجهة حديثها نحو "ديانة" التي مازالت تستعد مردفة بحماس:

- يلا بقى يا ديانة كل ده بتلبسي، دا أنتي لسه فى الرابع أومال لما تبقي فى التاسع هتعملس إيه! هنلبسك إحنا؟

خرجت "ديانة" من غرفة تبديل الملابس مرتدية ذلك الفستان الرمادي اللامع ذو الأكتاف المُغطاه قليلا، كاشفًا ذراعيها ورقبتها، والذى يصل إلى نهاية ركبتيها مُضيفة عليه ذلك الحزام الذي برز مفاتنها وزادها جمالا، أستعانت بتصفيفة شعر بسيطة وهى انها جعلت ثلثان شعرها بإحدى الجانبي والثلث الاخر بالجانب الأخر، وأتمت زينتها بإستخدام مستحضرات التجميل وقامت بعمل رسمة عين قوية وجريئة إلى حد ما بالإضافة إلى زراق عينيها.

أتسعت عينى "زينة" بصدمة مُصفرة بإعجاب على أناقة وجمال "ديانة" مُعقبة بمدح:

- إيه الحلاوة والجمال ده كله، لا دا أنتي كده هتخطفي الأنظار أكتر من ملك.

أبتسمت "ديانة" على كلمات "زينة" ظنًا منها إنها تُبالغ مردفة بحب:

- أنتي أحلى يا قلبى، وبعدين مش للدرجة دي يعني، أنا لو خطفت الأنظار هخطفها بالبلبلونه اللي فى بطني دي.

ضحكت "زينة" على كلماتها مُضيفة بتوضيح:

- طبيعي يا بنتي عشان حامل، وبعدين أنتى كده مش باينه لسه و...

قطع حديثها صوت طرقات على الباب، لتهتف بهدوء:

- أدخل.

دلف "جواد" إلى الغرفة وبمجرد أن وقعت عينيه على "ديانة" تسمر مكانه وقد غاب عقله عن الوعي من شدة جمالها وأناقتها، ظل ينظر إليها مُتفحصًا إياها وكأنه لم يرى أنثى من قبل! حتى إنه لم يستطيع الأشاح بنظره بعيدًا عنها، كيف له أن يترك هاتين الساقين الممشوقتين وذلك الخصر الذى أذاب عقله، وتلك الجرأة والتحدي التي تندلع من زرقاوتيها، يُقسم بداخله إنه لو كان معها الأن بمفردهما لكان أشفق عليها مما سيفعله بها، ليفيقه من شروده صوت شقيقته:

- جواد، روحت فين؟!

فاق من شروده مُحمحًا بارتباك نجح فى إخفائه وقد أشاح بنظره بيعدًا عن "ديانة" حتى يستطيع السيطرة على نفسه، ليعقب بهدوء موجها حديثه نحو "زينة":

- لا أبدًا صفقة كده شاغله تفكيري شويه.

رمقته "زينة" بعدم تصديق، فهى لاحظت تلك النظرات المتفحصة التي كان ينظر بها نحو "ديانة"، لتبتسم بمكر مردفة بتهكم:

- لا واضح فعلا، مش يلا بينا طيب ولا ايه؟

ضيق "جواد" ما بين حاجبيه رادفا بأستفسار

- يلا إيه؟

أبتسمت "زينة" بمرح على سؤال شقيقها،فهما انتهيا من أرتداء ملابسهما، يبدو إنه لم تُدرك معنى حديثه، لتُردف بتوضيح:

- يلا نروح الحفلة! إحنا خلاص خلصنا.

ظل يتجول بزرقاوتيه بين شقيقته وزوجته مُتفحصًا فستانيهما التي لا تخفيان شيئًا بالنسبة له، ليحول نظره نحو "زينة" مرة أخرى مُردفًا بحنق:

- خلاص أيه مش فاهم! هتروحوا كده؟

أمتعضت ملامح "ديانة" من تعليقه على ملابسها وهو حتى لا يملك الحق فى النظر إليها، فهى تكرهه كثيرًا ولا تحتمل مجرد وجوده معاها بنفس المكان، ولكنها ظلت صامتة حتى لا تفتح معه مجالا للحديث، لتهتف "زينة" موجهة حديثها نحوه مرة أخرى:

- مالها الفساتين يا جواد وبعدين فى الشالات لسه هنلبسها.

رمقها بأستهزاء مُضيفًا بتهكم:

- طب ما أيه رأيك تروحوا من غير هدوم خالص، ومش هتفرق حاجة عن اللي أنتوا لابسينوا ده.

طفح الكيل يجب أن توقفه عند حده، من يظن نفسه ليتحدث إليهما بتلك الطريقة؟ كادت "ديانة" أن تصيح فيه ليقاطعها صوت رنين هاتف "جواد"، ليتفقد "جواد" هاتفه ليجده والده، ليغمض عينيه ويبتعد عنهم قليلا مُجيبا والده مُردفًا بإقتضاب:

- نعم.

أتاه صوت والده مُستفسرًا:

- أنت فين؟

أجابه بمزيدًا من الأقتضاب:

- فى الفيلا لسه.

أضاف والده أمرًا إياه بتحزير:

- طب يلا متتاخرش وسوق بالراحه عشان ديانة.

أمتثل لأمر والده مُردفًا:

- حاضر.

أنهى المكالمة مع والده ورجع إلى شقيقته بعدما عزم على أن ينهي ذلك اليوم دون شجار، ليعقب مُوجهًا الحديث نحوهم هما الأثنا بملامح باردة:

- أنا فى العربية دقيقتين وتكونوا تحت.

❈-❈-❈

تجلس بجانبه فى المقعد الخلفي للسيارة بينما السائق يقودهما إلى بيت عائلة "ملك"، لتمتعض ملامحها بضيق وحنق وخصيصا بعد مكالمته ل"جواد" وتحذيره فى الحرص على سلامة تلك الفتاة التي تود خنقها، والأن يجب عليها أن تذهب لحضور حفل خطبة ذلك المعتوه الذي يُدعى "إياد" وتلك الساقطة إبنة تلك العائلة التي ربت تلك الفتاة الملعونة، لتزفر بحنق مُستفسرة:

- هو أحنا رايحين الخطوبة دي ليه؟

حول "هاشم" نظره إليها بعد أن أفاقته من شروده وكثرة تفكيره الذي لا يرأف به، ليحمحم بحرج هاتفًا:

- معلش يا هناء كنت سرحان مخدتش بالي، كنتي بتقولي إيه؟

أغمضت عينيها بملل بسبب كثرة شروده، فهى لأحظت بالأيام الماضية إنه يشرد كثيرًا وتضطر لإعادة حديثها مرة أخرى، لتبتلع بحنق مُرددة بإنزعاج تُحاول إخفائه:

- إحنا رايحين الخطوبة دي ليه؟

تنهد "هاشم" زافرًا كل الهواء من رئتيه وكأنه يريد إنعاشها بهواء آخر نظيف مُجيبًا بهدوء:

- عشان إياد عندى زي جواد وزينة بالظبط، لأنه مش بس صاحب جواد، لا ده أبوه كمان كان صحبي وزي أخويا، وبعد ما مات هو ومراته إياد بقى مسؤل مني خصوصًا إنه ملوش حد خالص، إزاي بقى أسيبه فى يوم زي ده؟
أومأت برأسها بملل مُعلنة عن تفهمها لحديث "هاشم" الذي لم تكترث له، فتلك المشاعر قد ماتت بداخلها منذ زمن طويل ولم تعد تتأثر بتلك التفاهات، لتُغير مجرى الحديث مُستفسرة:

- هو أنت بجد مُهتم بموضوع الجنين ده؟

سريعًا ما عقب "هاشم" بكثير من اللهفة:

- مهتم جدًا كمان، وعمرى ما هسمح إنه يتأذي مهما حصل.

أمتعضت ملامحها بحنق مردفة بإعتراض:

- بس ده أبن ديانة يا هاشم!

ضيق "هاشم" ما بين حاجبيه بضيق وإنفعال مُصيحًا بحدة:

- حتى لو أبن ديانة يا هناء، الطفل ده حفيدي أو حفيدتي، ومش هسمح لأى حاجه تأذيه أو تأثر عليه، حتى لو أضطريت إنى أحمي ديانة بنفسي عشان الطفل ده هعملها، ومش عايز أسمع ولا كلمة زيادة فى الموضوع ده.

أعتلت ملامح الغضب والكراهية وجه "هناء" تجاه ذلك الطفل الذي أوشك على أن يُخرب لها كل مُخططاتها حتى من قبل أن يولد، بل يجب أن لا يولد، يجب عليها التخلص من ذلك الطفل بأسرع وقت حتى لا تخسر بمعركتها تلك، وبعدها تٌعيد "جواد" إلى طاعتها مرة أخرى.

❈-❈-❈

وصل الجميع إلى منزل عائلة "ملك" وتبادلا التهاني وبمجرد أن وقعت عين "منال" على "ديانة" أسرعت إليها وأحتضنها بكثير من الحب والأشتيقاق مُعقبة:

- يا حبيبة قلبى وحشتيني وحشتيني أوي.

بادلتها "ديانة" العناق وقد أمتلئت زرقاوتيها بالدموع لا تعلم إن كانت تلك دموع الحزن والقهر التي عاشتهما بعيدًا عنهم؟ أم تلك دموع الأشتياق الذي مزقها طوال تلك الأشهر بعيدة عن حضن والديها التيض لم تفارقهما منذ أكثر من عشرون عاما؟ لتهتف "ديانة" بصوت منخفض من بين دموعها:

- وأنتي كمان يا ماما وحشتيني أوي.

خرجت من عناق "منال" على صوت "محمود" الذي يقف خلفها منذ أن رآها وهي تتوجه نحو "منال" وأسرع للقائها والأطمئنان عليها، هتف بحنان أبوى وهو يربت على ظهرها:

- طب وبابا موحشكيش هو كمان؟

أسرعت "ديانة" بدفن وجهها بصدر "محمود" مُتشبثة به كالأطفال ولم تتحكم فى دموعها بسبب شعورها بالراحة والأطمئنان، حقا لا مثيل لحضن الأم ولكن لا يوجد أأمن من عناق الأب، فهو له مذاق أخر مملؤ بالراحة والأمان والطمئنينة، لتهتف بنحيب:

- مقدرش متوحشنيش يا حبيبي، وحشتني أوي أوي.

خرجت "ديانة" من عناقه بعد وقت ليس بقليل، ليضع يده على بطنها مبتسما بسعادة كبيرة مُعقبًا:

- بسم الله مشاء الله، ربنا يكملك على خير يا بنتي وتقومي أنتي واللي فى بطنمك بألف سلامة يارب.

كان كل ذلك يحدث تحت أنظار "جواد" الذي يقف بجانب والده وقد رأى كيف يضمها ذلك العجوز ويضع يده على بطنها أيضا، لقد طفح الكيل يجب عليه إقافه عند حده، كاد "جواد" أن يتجه نحوهم ليمنعه والده الذي لاحظ ما يحدث عندما تغيرت ملامح وجه "جواد"، ليمسك بيده مُتمتمًا بهدوء:

- أهدى شويه فى ناس حولينا، متنساش إنها حامل وكمان ده فى مقام أبوها بردو، ولو حصلت حاجه مش عجباك أبقى حاسبها عليها بعد الولادة دلوقتي لا.

ضيق "جواد" ما بين حاجبيه مندهشًا من حديث والده كيف يمكن أن يكون ذلك الطفل سبب تغير والده بكل ذلك الشكل، هل حقا يمكن أن يكون ذلك الطفل نقطه التحول بحياة الجميع؟ ولكن كيف! هل سيُعيد ذلك الطفل والدته وجنينها؟ هل سيشفى عمته من عجزها؟ هل سيُحيي عمه الذى توفى بسبب تلك الصدمة؟ هل سيمحي طفولته المريرة التي عانها بسبب عدم وجود والدته وجعل "هناء" هى من تتحكم بأمره؟ كلا هناك أشياء لا يُمكن تغييرها ولو بعد مئات الاعوام.

❈-❈-❈

خرجت من المرحاض بعد أن هندمت هيئتها لتجد يد قوية وواضح جدًا إنها لرجل ووضعت على فمها من الخلف والأخرى تسحبها نحو إحدى الغرف المُجاورة، ليقوم بدفعها داخل الغرفة وسريعًا ما أغلق الباب عليهما لتشعر بالقلق والرهبة، ولكن عندما رأت وجه لكزته فى معدته بغضب وقد شعرت بقليل من الراحة:

- أنت مش هتبطل حركاتك دي بقى؟

ألتقط "مالك" يدها قبل أن تلكزه مرة أخرى وهو يُطالعها بكثير من الحب والأعجاب مُضيفًا بعزل:

- وأنتي مش هتبطلي تخطفي قلبي كده بحلوتك دي؟

أكتست الحُمرة وجه "زينة"، فهى ليست كالفتايات الذين يخجلن بسهولة، ولكن كلماته تلك مع وجودهما بغرفة واحدة مُغلقة عليهم وطريقته التي أحضرها بها، كل ذلك جعلها لا تستطيع أن تُسيطر على إحمرار وجنتيها، ليلاحظ هو خجلها ويقترب منها أكثر مُعقبًا:

- بالرغم من إني أول ما شوفتك بالفستان ده كنت عايز أخدك من جمب أبوكي وأخوكي وأخبيكي عشان محدش يشوف كل الجمال ده غيري، إلا إني مقدترش أعمل حاجه من كتر منا مكنتش عارف أشيل عيني من عليكي أو حتى أغمضها، أول ما شوفتك حسيت إني عايز أخدك فى حضني ونبعد عن كل الناس ومحدش يشوفك غيري، أنا مكنتش متخيل أني هحبك بالشكل ده يا زينة!

أقترب منها كثيرًا وسريعًا ما ألتقط شفتيها، حتى إنه لم يترك لها فرصة لكى تُصدم بل أبتلع شفتيها بكثير من الرغبة واللهفة، بينما هي ظلت تترجع للخلف مُحاولة التخلص منه ولكن دون فائدة، فكلما رجعت للوراء تقدم هو إليها إلى أن ألتصقت بالحائط خلفها وإلى تلك اللحظة لم يتخلى عن أمتصاص شفتيها.

تُحاول دفعه بعيدًا عنها ولكن دون فائدة، وبالنهاية خارت قواها مُستسلمة لما تفعله بها شفتيه، وبعد وقت ليس بقليل أبتعد عنها وهو يلعن بداخله ذلك الهواء الذي أحتاج له كلا منهما.

شهقت هي لكثرة إحتياجها للهواء وأخذت تُحاول تنظيم أنفاسها، بينما هو لم يبتعد عنها كثيرًا وبمجرد أن لاحظ إستقرار أنفاسها عاد ليقبلها مرة أخرى، ولكن تلك المرة بادلته رغمًا عنها، فهى الأخرى تحبه كثيرًا وتشعر بالكثير من المتعة بالقرب منه أو ملامسته.

ليظن الأخر أن تلك إشارة منها على موافقتها لأقترابه منها، وبلحظة أمتدت يده نازعة عنها ذلك الشال الشفاف الذي لا يُخفي شيئًا، ولكنه يمنعه من ملامسة جسدها.

شعرت هي بنزع شالها لتتسع عينيها بصدمة ولكن سريعا ما أذابتها يد "مالك" التي أحتوت خصرها وسريعا ما أخذت طريقها إلى الجزء المكشوف من ظهرها مُتحسسا إياه، وهو لايزال يلتهم شفتها برغبة تزداد مع كل لمسة، ليفرق بين شفاتيهما أخذًا طريقه نحو عنقها مُلثما إياه ببعض القُبل الحارة والمليئة بالشبق، لتغمغم "زينة" من بين تيهتها:

- ما..لك أبعد..أرجوك.

لم يكترث إلى غمغماتها وأخذ يوزع تلثيماته على عنقها ونحرها، بينما يده لم ترأف بها وظلت تتحسس ظهرها، ولم يكتفى بذلك القدر بل يزداد إثارة ورغبة بالحصول على المزيد، ليقوم بفتح سحاب فستانها الذي يبدأ من منتصف ظهرها إلى أسفله.

أنتفض جسدها أثر ما يقوم به وقبل أن تقوم بأية ردة فعل، قطع عليهم تلك اللحظة الحميمة صوت طرقات على باب الغرفة، لينتفض على أثرها جسد "زينة" دافعة إياه بعيدا عنها.

عدل من مظهره مُتجها نحو باب الغرفة لاعنًا الطارق ويتمنى لو أن يقتله بيده، فتح الباب ليجدها العاملة تخبره بأن أحدهم يسأل عليه:

- معلش يا مالك يا أبني واحد صاحبك بيسأل عليك برا.

أغمضت عينيه بغضب لازع لاعنًا جميع أصدقائه بداخله مُعقبًا بضيق:

- قوللهم دقيقتين وجي يا دادا.

أغلق الباب وسريعًا ما عاد إلى "زينة" مرة أخرى ليجدها بالفعل أغلقت سحاب فستانها وأرتدت شالها وعدلت من مظهرها، ليعقب بضيق وحنق:

- أنا هقطع علاقتي بصحابي كلهم.

شعرت "زينة" بالخجل ممً حدث، لتجده يُحاول الأقتراب منها مرة أخرى، لتدفعه بعيدًا عنها وسريعًا ما أتجهة نحو باب الغرفة هاربة منه، ليلتقط "مالك" سترته مُتمتمًا بإنزعاج:
+

- ملعون أبو صحابي كلهم.

يتبع...
انتهيا من تلبيس خواتم الخطبة تحت أنظار وفرحة الجميع، ليقوم "إياد" برفع كف "ملك" بخفة وتقبيله برقة ونعومة عارمة، صفق الجميع وبادلوهما التهاني والإبتسامات والتمني لهما بحياة سعيدة طوال العمر.

كان "جواد" يقف بعيدًا عن الحاضرين ويختلس النظر إلى "ديانة" مُحاولًا إشباع عينيه من كثرة جمالها ورقتها، لاعنًا "لبنى" و"هناء" ونفسه وقلبه الذي لا يرأف به أمام عقله، يتمنى لو يستطيع أن يُلقي بنفسه من فوق البناية لعله يجد الراحة من كل ما يحدث حوله.

بينما أقترب "إياد" من أذن "ملك" هامسًا بمكر:

- اتخطبنا أهو يعني أبوس وأحضن براحتي يا جميل؟

ألتوى ثغر "ملك" بعدم رضا رافعة أحد حاجبيها بإستهزار مُعقبة:

- بوس وأحضان فى عينك، لسه بدري يا بابا على الكلام ده، أنا خطيبتك مش مراتك.

أبتسم بخبث عازمًا على أن يصفعها ببعض الكلمات التي تجعلها لا تستيطع أن ترفع عينيها بوجهه مُردفًا بمكر:

- لا مهو لما تبقي مراتي مش هيبقى بوس وأحضان بس، ده هيبقى فى حاجات ممكن قلبك يقف لو عرفتيها.

أكتست الحمرة وجهها لاكزة إياه فى صدره مُضيفة بإنزعاج مُمزج بالكثير من الخجل:

- أنت قليل الأدب ومعندكش دم.

أبتسم "إياد" بحب وإعجاب مُردفًا بصدق:

- وبحبك أوي.

أشاحت بنظرها بعيدًا عنه، فهى لم تعد تستطيع النظر إليه أكثر من ذلك، لينقذها من خجلها قدوم "جواد" الذي أخذ يقترب من "إياد"، ليصبح أمامه مُضيفًا بهدوء:

- مبروك يا إياد، أنا مُضطر أمشي بقى وأنت زي ما قولتلك بكره سماح.

أمتعضت ملامح "ملك" بالحزن لأنها تعلم إذا رحل "جواد" بالطبع سيأخذ "ديانة" معه، لتهتف بإندفاع:

- طب ما تخليكوا شوية كمان.

أدار "جواد" وجهه ثم أغمض عينيه بقليل من الملل ولكن لم يلاحظه أحد، ليعود بنظره إليها مرة أخرى مُصطنعًا الهدوء:
- معلش محتاج أمشي.

لاحظت "ملك" كلماته المقتضبة وإصراره على الذهاب، لتومأ له برأسها بالموافقة بخيبة أمل على رحيل "ديانة" ولكن لا يوجد بوسعها شيئًا لتفعله، لينهض "إياد" وأخذ "جواد" بعيدًا عن "ملك" مُعقبًا بإقتراح:

- جواد ياريت تدي نفسك فرصة تانية فى موضوع ديانة، أنا شايف إنها متستاهلش كل ده، وحاسس إن بقا فى حاجة من نحيتك.
ربت "جواد" على كتف "إياد" مُحاولا التهرب من الحديث وهو يستعد للذهاب مُردفًا:

- مبروك يا إياد.

أبتعد "جواد" متجهًا نحو "زينة" كي يخبرها أن عليهم الرحيل، بينما ظل "إياد" يتابعه بعينه مُتنهدًا بثقة:

- والله شكلك حبيتها يا أبن الدمنهوري.

❈-❈-❈

بعد مرور شهر..

كان يجلس بصحبة "هاشم" فى مكتبة بالقصر بناءًا على رغبته فى مقابلته بعيدًا عن الشركه والموظفين، يرتاب "إياد" قليلًا لعدم معرفته بسبب تلك المُقابلة المفاجأة، بينما لاحظ "هاشم" توتره ليبتسم مُعقبًا بمرح:

- إيه يا إبني أنت قاعد متوتر كده ليه؟

حمحم "إياد" مُجيبًا بإحترام وتقدير:

- أبدًا يا عمي، أنا بس مستغرب أول مره حضرتك تطلب تقابلني فى البيت!

إبتسم "هاشم" مُردفًا بود:

- بصراحة كنت عايز أتكلم معاك فى موضوع بيني وببنك.

ضيق "إياد" ما بين حاجبيه بقليل من التعجب، ما هو الشيء الذي أراد "هاشم" أن يتحدث فيه معه خارج الشركه، ليُردف بفضول:

- اتفضل يا عمي!

أبتسم "هاشم" له بكثير من الحب مُوضحًا:

- أنت عارف يا إياد إنك عندي زي جواد وزينة بالظبط، وعارف إن أبوك كان صحبي أوي، وكمان كان شريكي فى جزء من أسهم الشركة.

تنهد "إياد" بأسى عند ذكر والده المتوفي مُُردفًا:

- طبعا يا عمي أكيد عارف، الله يرحمه.

- الله يرحمه.

قالها "هاشم" وهو يقوم بفتح درج مكتبه ملتقط منه أحد الملفات ووضعها أمام "إياد" مُضيفًا:

- إمسك يا إياد.

ألتقط ذلك الملف مُتفحصًا إياه مُضيقًا ما بين حاجبيه مُستفسرًا:

- آيه ده يا عمي؟

زفر "هاشم" بقليل من الراحة لتخلصه من ذلك الحمل الثقيل الذى تمنى كثيرًا أن يتخلص منه، ولكنه لم يكن يستطيع كسر وصية صديقه المتوفي، ليجيبه بهدوء:

- ده يا ابني كل نصيب والدك فى أسهم الشركة بتاعتنا وأرباحهم، انا كتبتهم بإسمك، ودي كانت وصية والدك الله يرحمه، قالي لما إياد يكبر ويقدر يتحمل المسؤلية أحولهم بإسمك، وأنت دلوقتى كبير بما فيه الكفاية، أنت خاطب بقالك يجى شهر أهو وشكلك واخد الموضوع جد وداخل على جواز، أنت أولى تدير حقك بنفسك وعلى فكرة، فى شركة من الشركات دي حق إدارتها من نصيبك أنت، لأنها تعتبر بتاعت والدك وأنا أسهمى فيها بسيطة جدًا.

شعر "إياد" بالصدمة لأنه لم يكن يعلم بأمر شراكة والده و"هاشم"، كيف ومتى حدث ذلك؟ ولماذا لم يخبره "جواد" بهذا الأمر! لينظر نحو "هاشم" مُُعقبًا بأثار صدمة:

- أنا مش عارف أقولك إيه يا عمي، بجد شكرًا على أمانتك لو حد غيرك مكنش عرفني حاجة، خصوصًا إني مكنتش أعرف أي حاجة عن موضوع شراكتك أنت ووالدي دي، وجواد نفسه مجبليش سيرة حاجة!

أبتسم له "هاشم" بود مُضحًا:

- جواد هو اللي قالي أعرفك بموضوع الشراكة ده، وقالي إنك المره دي عقلت بجد وبقيت قد المسؤلية.

تنهد "إياد" بهدوء بعد أن زالت أثار صدمته، إنه لم يكن يعلم بكل هذا ولم يكن ذلك الأمر بحسبانه، هو كان يكتفى بعمله مع "جواد" وصداقتهما، لم يكن يعلم إنهما شركاء أيضًا، ليُعقب بإمتنان:

- شكرًا يا عمي بس أنا مش عايز كده، أنا عايز أفضل مع حضرتك ومع وجواد، أنت عارف إني معنديش غيركوا بعد والدي وولدتي، أنتوا كنتوا أهلي، فمتحرمنيش من أهلي مرة تانية لو سمحت.

نهض "هاشم" من كرسيه مُتجها نحو "إياد" الذي نهض هو الأخر، ليتقدم "هاشم" ويقوم بمعانقة "إياد" مُردفًا بحنان أبوي:

- مين يا ابني اللي قال الكلام ده، أنت عمرك ما هتبعد عننا وأنا مش بقولك نفضي الشراكة، أنا بقولك تدير حقك معانا، دلوقتي أنت مش موظف أنت صاحب حق يا إياد ولازم يا ابني تاخده، وبردو هتفضل ابني زيك زي جواد بالظبط.

لم يجد"إياد" ما يقول ليلاحظ "هاشم" تلعثمه ليحرره من ذلك الضغط مُضيفًا بمشاكسة:

- يلا بقى عشان تليفونك مبطلش رن من ساعة ما جيت وواضح إنها خطيبتك، روح رد عليها قبل ما تنزل تعمل محضر فى القسم بإنك مفقود ومتغيب من ساعة.

ضحك "إياد" على ما تفوه به "هاشم" ناهضًا من كرسيه مُردفًا بحب وأحترم:

- تصبح على خير يا عمي.

- وأنت من أهله يا حبيبي.

خرج "إياد" من مكتب "هاشم" متجهًا نحو باب القصر، ليلاحظ "هناء" تقف بصحبة إحدى العاملات بالمنزل، ولكنه لم يرتاب الموقف وشرع فى الخروج.

❈-❈-❈

أستيقظ باكرًا مثل عادته منذ أكثر من ثلاثة أشهر، أخذ حمامه مرتديًا ملابسه، ليستعد لذهاب إلى الشركة قبل أن تستيقظ "ديانة" حتى لا يلتقي بها، على الأقل إلى أن تضع حملها بسلام.

هبط درجات السُلم متجهًا إلى الأسفل، ليلاحظ وجود إحدى العاملات بالمنزل، ليشعر إنه قد رآها قبل ذلك وقبل أن يتفوه بكلمة، قاطعته "زينة" واضعه يدها بظهره مُردفة بحب:

- صباح الخير يا حبيبي.

أحتضنها "جواد" بحنان مُردفًا بحب متبادل:

- صباح النور.

فرق عناقهما موجهًا نظره إلى العاملة مُستفسرًا:

- هي دي اللي جايه من البيت عند بابا؟

أومأت "زينة" برأسها مؤكدة على حديثه مُضيفة:

- ايوه كويس إنك بعت جبتها هتريحنا جدًا.

هز "جواد" رأسه بالموفقة على حديثها مُعقبًا:

- طيب أنا رايح الشركة، عايزه حاجة؟

أمتعضت ملامح "زينة" بأنزعاج هاتفة:

- مش هتقعد تفطر معانا بردو زي كل يوم؟

أبتلع بمرارة فكم يود أن يجلس معهما أو يتحدث إليها أو يرها على الأقل، ولكن لا يستطيع حتى لا تزداد حيرته وتشتته الذي لا يدري إلى أين سيدفعه، ليجيبها مُعتذرًا:

- معلش يا حبيبتي كده أحسن، وأديكي شوفتي اللي حصل فى أخر مرة فطرنا سوا، يلا سلام.

فر هاربًا عندما شعر بهبوط أحدهم الدرج، ليدرك إنها "ديانة" قد أستيقظت، ليذهب سريعًا حتى لا يُعطي نفسه فرصة لرؤيتها وإعادة ما حدث ذلك اليوم مرة أخرى، وسريعًا ما خرج من البيت.

هبطت "ديانة" الدرج بحذر حتى لا يتأذى جنينها التي أصبحت مُتعلقة به كثيرًا وتتمنى أن تراه فى أقرب وقت، فتلك مشاعر الأمومة التي أستحوزت عليها كليًا، لتهتف بحب موجها حديثها نحو "زينة":

- صباح الخير يا زوزه.

بادلتها "زينة" التحية بكل حب:

- صباح النور يا قلب زوزه، يلا يا جميل عشان نفطر.

وافقتها "ديانة" وبالفعل جلستا معًا ليتناولان الافطار وأفكار كثيرة تدور بعقل "زينة" تريد الأستفسار عنها، ولكنها ستضطر حينها أن تفصح بكل شيء إلى "ديانة"، ولماذا لا تُفصح لها! فهي شخصية جيدة وقد أصبحا صديقتان مقربتان بالفعل، لتتنهد "زينة" مُعقبة بإستسلام:

- ديانة كنت عايزة أتكلم معاكي فى موضوع كده وأخد رأيك فيه.

أبتلعت "ديانة" ما فى فمها من طعامًا مُردفة بإهتمام:

- قولي يا زوزه.

توترت "زينة" وأشبكت أصابع يدها ببعضهما، لا تدري من أين تبدأ اطأو ماذا تقول؟ لتعقب فى النهاية بنبرة خافتة:

- أنا.. أنا ومالك بنحب بعض.
أعتلت صدمة المفاجأة وجه "ديانة"، ولكنها سريعا ما تحولت إلى إبتسامة مليئة بالسعادة والحماس مُردفة بلهفة وفضول:

- لا ده أنتي تحكيلي الحوار كله من الأول.

أبتسمت "زينة" بخجل ولكنها شعرت بالراحة لترحيب "ديانة" بالفكرة مُعقبة بسعادة:

- هحكيلك.

❈-❈-❈

ضيق ما بين حاجبيه غير مُدركًا عن أى شيء يتحدث صديقه! أو ماذا يقصد بحديثه؟ إنه أرتاب من هيئته وهو دالفًا إليه بمجرد أن وصل الشركة ودخل مكتبه، وإلى الأن يبدو وكأن هناك إحدى الكوارس على وشك أن تحدث، ليزجره بحدة مُحثًا إياه على الحديث:

- ما تنطق يا إياد فى إيه!

أبتلع "إياد" بمضض لا يعلم ماذا يفعل؟ أيخبره ويجن حينها جنون "جواد"؟ أم لا يخبره ويترك تلك الكارثة تحدث ويشعر بالذنب طوال عمره! بل سيخبره وليحدث ما يحدث، ليجيبه مُتواخيًا الحذر:

- أنا هحكيلك كل حاجه يا جواد بس أبوس رجلك فكر بالعقل قبل أي خطوة تعملها.

أومأ له "جواد" برأسه بنفاذ صبر، لم يعد يحتمل طريقة الألغاز التي يُحدثه بها صديقه، ليشرع "إياد" فى قص عليه ما حدث ليلة أمس.

••

خرج "إياد" من مكتب "هاشم" متجهًا نحو باب القصر، ليلاحظ "هناء" تقف بصحبة إحدى العاملات بالمنزل، ولكنه لم يرتاب الموقف وشرع فى الخروج، ليستوقفه مرة أخرى صوت العاملة وهي تتلفظ بإسم "جواد"، ليقترب منهما بحركة لا إرادية منه عندما شعر ببعض القلق، ليختلس السمع على مقربة منهما ليسمع "هناء" وهي تهتف بنبرة أمارة:

- أيوه يا كوثر بكره هتروحي عند جواد فى الفيلا بتاعته عشان تشتغلي هناك.

أومأت "كوثر" برأسها بالموافقة على حديث "هناء" مُردفة:

- من عنيا يا ست هناء اللي تأمريني بيه.

رمقتها "هناء" بنظرات استعلاء مُضيفة بكبر:

- فى حاجه كمان عايزها منك بس لو طلعت برا عننا إحنا الأتنين هدفنك حيه.

أبتلعت "كوثر" بقلق من حديثها، فهى تعلم جيدًا إنها قاسية ولا تقول شيئًا إلا وتستطيع تنفيذه، لتهتف بسرعة:

- فى بير يا ست هانم، مش هفتح بؤي بحرف.

أخرجت "هناء" من جيبها إحدى القنينات التي تبدو على الأرجح قنينة دواء، لتعطيها إلى "كوثر" مُضيفة:

- خدي.

ضيقت ما ببن حاجبيها بتعجب مُستفسرة:

- إيه دي يا ست هانم!

أجابتها الأخرى بهدوء وكأن ما ستقوله شيئًا طبيعي:

- ده سم.

ضربت "كوثر" على صدرها بذعر وفزع وكأن قلبها سقط من مكانه من شدة الرعب مُصيحة بإنفعال:

- يالهوي! سم إيه يا ست هانم؟

زفرت بملل من ثرثرتها الكثيرة، كم تود صفعها ولكنها يجب أن تشرح لها حتى لا يحدث أي خطأ:

- ده سم مخصوص للحوامل، وده هتحطيه لديانة مرات جواد فى العصير.

ضربت على صدرها مرة أخرى ولاتزال ملامح الفزع والذعر متملكتان منها:

- يا خرابي يا ست هناء، أنتي عايزاني أحفر قبري بإيدي، ده جواد بيه يقطع إيدي ورجلي ويسلخني وأنا عايشة.

هدأتها وخففت من روعها مُردفة:

- متخافيش محدش هيعملك حاجة، ولا حد هيعرف حاجة أصلا.

علامات التعجب هي كل ما يظهر على وجه "كوثر" مستفسرة:

- إزاي!

زفرت بضيق وغضب من إضطرارها لتفسير الأمر لتلك الحمقاء الماثلة أمامها:

- عشان يا غبية ده دوا معين لو اتحط للحامل هيموت الجنين فى بطنها من غير ما تحس وبعدها هيجلها تسمم حمل، لو ماتت الكل هيقول إنها ماتت بسبب إن الجنين مات فى بطنها ومحدش هيشك فيكي.

أتسع ثغر "كوثر" إلى آخره من كثرة الدهشة مما أستمعت إليه للتو، لتهتف بصدمة:

- يالهوي يا ولاد صحيح العلم نور، طب أنتي عايزه تموتيها ليه يا ست هانم.

قابلت سؤالها بصفعة قوية أبلعتها ما بجوفها وكادت أن تُبلعها لسانها من شدتها زاجرة إياها:

- أنتي هتنسي نفسك ولا إيه يا بت، أنتي تسمعي الكلام وبس.

أومأت لها "كوثر" برأسها برعب وإنكسار هاتفة:

- حاضر يا ست هانم،أنا أسفة والله مش هتتقرر تا..

أوقفها صوت رنين هاتف "إياد" الذي سريعًا ما قام بأغلاقة وأبتعد عنهما قليلا حتى لا يعلما إنه كان يستمع إلى حديثهما، لتُشير "هناء" إلى "كوثر" بالإنصراف وتوجهت هي نحو "إياد" بملامح هادئة على عكس ما بداخلها، عازمة على أن تعلم إذا كان أستمع لشيئًا من حديثهما أم لا؟

- أيه ده يا إياد أنت هنا من أمتى!

أدرك "إياد" إنها تُحاول معرفة إذا كان أستمع لحديثها أم لا؟ ليبتسم لها بمرح قاصدًا أن يُشتتها مُجيبًا:

- اه كنت قاعد مع عمي بنتكلم فى شوية حاجات كده بخصوص الشركة ولسه مخلص حالا، لقيت ملك نازله رن رن لحد ما زهقت.

زفرت "هناء" بداخلها براحة لاعتقادها إنه لم يستمع إلى شيئًا، لتهتف بابتسامة مُحاولة التخلص من توترها:

- معلش بقى أستحمل، أنت اللي جبته لنفسك.

بادلها "إياد" الابتسامة عازمًا على إنهاء الحديث:

- على رأيك، يلا بقى الوقت إتاخر، بعد أذنك.

أبتسمت له بهدوء مُردفة بثبات:

- أتفضل.

•••

أنتفض من مكانه بسبب ما أستمع إليه من صديقه وسريعا ما ألتقط هاتفة ومفاتيح سيارته بلهفة وذعر، ليلاحظ "إياد" فزعه ليهتف مستفسرًا:

- فى إيه يا جواد؟

رمقه بملامح الفزع الذي يراها عليه لأول مرة والخوف فى أعيُنيه مُجيبًا بتلعثم:

- كوثر، كوثر عندي فى الفيلا من الصبح وزمانها ...

جحظت عيناه بمزيد من الصدمة والذعر راكضًا نحو باب مكتبه مُضيفًا بفزع:

- ديانة!!

هرول "إياد" خلفه متجهان إلى منزله لكى يلحقان "ديانة" قبل خسارتها هى وجنينها.

❈-❈-❈

أتسعت عينها بصدمة مما أخبرتها به "زينة" وعما حدث بينها وبين "مالك" يوم خطبة "إياد" و "ملك"، لتُعقب "ديانة" بملامح تصرخ بالتعجب:

- مالك عمل كل ده؟

أومات لها "زينة" بالإيجاب وقد أكتست الحمرة وجهها من تذكرها لذلك اليوم، لتزجرها "ديانة" مُردفة بعتاب:

- وأنتي ممنعتيهوش ليه يا زينة؟

أبتلعت الأخرى بندم، لا تعلم لماذا لم تمنعه أو توقفه عما كان يفعله؟ ولكنها لم تستطيع حتى التحدث، فقد كان مُسيطرًا عليها بشكل كلي، لم يترك لها حتى القدرة على الكلام:

- مش عارفة يا ديانة أنا كنت حاسه إنى بحلم، مفوقتش غير على صوت خبط على الباب والحمدلله إني فوقت قبل ما الموضوع يتطور أكتر من كده.

لاحظت "ديانة" ندمها وإلقاء الذنب على نفسها، لتحاول هي تخفيف الضغط عنها وتطمئنتها مُردفة بهدوء:

- الحمدلله إن الموضوع متطورش أكتر من كده، بس خلى بالك بعد كده، مالك مش إنسان وحش بالعكس مالك ده من أحسن الناس اللي ممكن تقابليها فى حياتك، بس فى الأول وفى الأخر هو راجل والراجل بتشوف المواضيع أبسط مننا وبتفتكر إن ده حقه عادي، وإن كده هو بيعبر عن حبه وبيطمع فى البنت اللي معاه حتى لو بيحبها، ومش بيبقى واخد باله إنه ممكن كده يئذيها فلازم أحنا بقى اللي ناخد بالنا ونمنع أي حاجة قبل ما الموضوع يتطور، ولو فعلا بيحبك يا زينة لازم يبقى فيه إرتباط رسمي بما إنه مش عارف يمسك نفسه كده.

قالت جملتها الأخيرة بمرح لكي تخفف عن "زبنة" التي أعتلت البسمة ثغرها بسبب ما تفوهت به "ديانة"، ليقطع حديثهما صوت العاملة مُعقبة باحترام مُوجهة حديثها نحو "ديانة":

- العصير يا ست ديانة.
أبتسمت لها "ديانة" بإمتنان مُردفة:

- تسلم إيدك يا..، هو أنتي اسمك إيه؟

أجابتها "كوثر" بإرتباك وهي تضع كأس العصير التي وضعت به الدواء فوق الطاولة:

- إسمي كوثر يا ست هانم.

أومأت لها "ديانة" مُردفة بإمتنان:

- شكرا يا كوثر.

رحلت "كوثر" بعيدًا عنهما، لتُعقب "ديانة" بإعجاب:

- عسولة كوثر.

وافقتها "زينة" الرأي مُردفة بمدح:

- أيوه فعلا كوثر شغاله عندنا فى البيت من فترة طويلة، بس بنت دمها خفيف جدًا، على فكرة هتموتك من الضحك.

ألتقطت "ديانة" كأس العصير مُردفة بابتسامة:

- باين عليها.

قربت كأس العصير من فمها وكادت أن ترتشف منه، لتجد تلك اليد التي أمتدت على يدها باعدة ذلك الكأس عنها بحركة سريعة، أثر ذلك عليه سقوطه أرضًا.

فزعت "ديانة" ممَ حدث، لتنظر إلى صاحب تلك اليد التي فعلت ذلك، لتجده "جواد" واقفًا أمامها يتنفس الصعاد، لتنزعج ملامحها من فعلته تلك وصاحت فيه بغضب وحنق:

- إيه اللي أنت عملته ده أنت مجنون؟

تجمدت "زينة" فى مكانها لا تعلم ما الذي يحدث بالضبط، لماذا فعل "جواد" هذا! ولماذا يبدو قالقًا هكذا؟ واضح جدًا إنه كان يركض ولكن لما؟ لحظة واحدة، لماذا "إياد" أيضًا يلحق به إلى هنا وجعل الحرس تقف أمام الباب! ما الذي يحدث؟

بينما "جواد" لم يكترث لحديث "ديانة" على ما يبدو إنه أتا فى الوقت المناسب ولم ترتشف منه بعد، زفر براحة قبل أن يصيح بصوتًا عالٍ أوشك على هز جدران البيت:

- كوثر.

هرولت إليه مرتعبة من نبرة صوته مُدركة إنه بالطبع أكتشف الأمر وسوف يزهق روحها لا محال، لتجيبه بمبرة ترتجف رُعبًا:

- تحت أمرك يا جواد بيه.

تقدم خطوتين ليقف أمامها وعينيه تشتعلان من كثرة الغضب والكراهية، وصفعة قوية تهاوت على وجهها أهتز على أثرها جسد كلا من "ديانة" و"زينة"، بالإضافة إلى تلك التي سقطت أرضًا من شدة الصفعة، لتضيف بذعر وهي تُحاوط وجهها بكفيها:

- والله يا بيه ما عملت حاجة.

أمتدت يده جاذبًا شعرها مُعقبًا بأسنان ملتحمة من كثرة عضبه:

- تحطى سم لمراتي فى العصير عشان تموتيها هى واللي فى بطنها ومعملتيش حاجة يا بنت الكلاب.

أرتجف قلب "ديانة" ممَ أستمعت إليه للتو، لتضع يدها على بطنها بلهفة وخارت قواها وأوشكت عل السقوط أرضًا من شدة فزعها، بينما حاول "إياد" تخليص "كوثر" من يد "جواد" مُعقبًا:

- خلاص يا جواد، سيبها بقى هتموت فى إيدك.

أزداد من شدة جذبته لشعرها، مُردفًا بتوعد وحنق موجهًا حديثة نحو "كوثر".

- ومين قال إني هسيبها تموت وترتاح، وحيات أمك لخلي جسمك يموت حته حته قبل ما أطلع روحك بإيدي.

ألقت "كوثر" بنفسها تحت قدميه بذعر ورعب مُقبلة إياهما مُردفة بترجي:

- أبوس رجلك يا بيه سامحني، والله الست هناء هي اللي أمرتني أعمل كده، أبوس إيدك يا بيه سامحني.

صُعق كلا من "ديانة" و"زينة" وكانت الصدمة الأكبر من نصيب "زينة"، فهي تعلم إنها ليست بإمراة طيبة، ولكنها لم تتخيل إنها ستقوم بفعل مثل هذا، بينما "ديانة" لم تتفاجأ كثيرًا فهي تتوقع من تلك المرأة أية شيء.

بينما صاح "جواد" موجهًا حديثه نحو رجال الحرس خاصته، والغضب قد أظلم زرقاوتية تاركًا جانبه المظلم من يتحكم فيه:

- البت دي بتاعتكوا النهاردة، خدوها من وشي ومتشوفش الشارع تاني غير بأمر مني.

أصطحب هؤلاء الرجال الثلاثة ذو البناية المُخيفة "كوثر" التي امسكوا بها متوجهون نحو الخارج، لتصيح هي بين يديهم برعب وهلع مُدركة ما يمكن أن يحدث لها، لتصرخ مستنجدة بأحدًا:

- أبوس إيدك يا جواد بيه، أنا غلطانة سامحني، يا ست زينة ألحقيني يا ست زينة، متخليهومش يأخدوني الله يستر عرضك، أبوس رجلك يا جواد بيه أنا لسه بنت، متخلهومش يعملوا فيا كده.

أختفت "كوثر" من أمامهم لم يبقى منها سوى صوت صراخها الذي أخذ طريقه فى الإبتعاد عن المنزل بحوزة هؤلاء الرجال الثلاث، لتقترب "زينة" من "جواد" بهلع من منظره ومن تلك النيران التي تندلع من زرقاوتيه مردفة بتردد:

- جواد أنت هتعمل فيها إيه؟

رمقها بنظرة جعلتها تتجمد فى مكانها صارخًا بحدة:

- هقطع من لحمها وأرميها للكلاب.

أقترب "إياد" منهما مُحاولا تهدئة الموقف، موجها حديثه نحو "زينة":

- لو سمحتي يا زينة خدي ديانة ترتاح شويه.

ما إن وقع أسم "ديانة" على مسامع "جواد" إلا وأراد أن يركض إليها مُحتضنًا إياها مُتفحصًا كل إنشًا بها، ينظر لها بإهتمامًا شديد ولكن لا يستطيع الأقتراب منها، ماذا لو لم يلحقها؟ ماذا كان سيحدث لها؟ هل كان سيفقدها لنهاية؟

كانت "ديانة" هي الأخرى تنظر إلى "جواد" ويربط بينهم تواصل بصري غير مفهوم لأيًا منهما، بينما تدخلت "زينة" مُصطحبة إياها إلى غرفتها كي تستريح بعد كل ما حدث.

أقترب "إياد" من "جواد" مُحاولا تهدئته مُرفًا بثبات:

- إهدى يا جواد والحمدلله إننا لحقناها قبل ما يحصل حاجة، وبالنسبة للبت دي أنا هلحقهم قبل ما يعملوا فيها حاجة، بلاش تحملها الغلط كله، لأنها مش هي لوحدها اللي غلطانه.

غلت الدماء بعروق "جواد" من كثرة الغضب والكراهية التي يحملها تجاه "هناء" عازما على أن لا يصمت تلك المرة مُعقبًا:

- عنك حق وأنا هحاسب كل واحد على قد غلطه.

❈-❈-❈

ظلت تدور بأرجاء المنزل بأكمله ذهاباً وإياباً تُحاول مُهاتفة "كوثر"، ولكن دون فائدة فهاتفها يعطى جرس دون رد، لتزفر بنفاذ صبر وضيق مُتمتمة:

- راحت فين الغبية دي؟

عاودت "هناء" الأتصال عليها مرة أخرى مُحاولا الوصول إليها، لتستمع إلى رنين أحد الهواتف تقترب من خلفها، وبمجرد أن ألتفتت لترى من القادم، أنتهى صوت رنين الهاتف وفُتحت المكالمة التي كانت تنتظر فتحها، لتجد "جواد" يضع الهاتف على أُذنيه مُسلطًا أعينه إليها بنظرات حادة ومُخيفة مُعقبًا:

- ما تردي يا هناء هانم، مش هي دى المكالمه اللي مستنيها تتفتح من الصبح! ردي بقى وقوليلي عايزه تستفسري عن إيه وأنا أريحك.

أغمضت "هناء" عينيها بغضب مُدركة أن "جواد" قد كشف مخطتها وبالفعل فشلت خطتها، لتشعر بالغضب الشديد تجاه تلك الغبية "كوثر"، بينما "جواد" أخذ يقترب منها إلى أن أصبح لا يفصل بينهما سوى بعض السنتيمترات مُردفًا بتحدي:

- ردي يا مدام هناء عايزه تعرفي كوثر حطت السم لديانة واللي فى بطنها ولا لأ؟

رفعت "هناء" إحدى حاجبيها بإستنكار من طريقته معها معها، لتعقب بنبرة إستفزازية:

- أنت إزاي تتكلم معايا بالطريقة دي؟

صاح بها "جواد" بصوت جمهوري وأعيُن تتطاير منها النيران صارخًا بوجهها، والتي لو كان أحدًا بمكانها أمامه الأن بحالته تلك لكان خشى منه من شدة الرعب والفزع:

- أومال أنتي عايزاني أتكلم معاكي إزاي؟

رفعت "هناء" يدها وكادت أن تتهاوى على وجهه بصفعة قوية تذكره من تكون هي ومن يكون هو، ليوقفها مُلتقطًا يدها ضاغطًا على ساعدها، لتتسع عينيها بصدمة وقد أرتابت ممَ فعله، ولكنها عملت على إظهار عكس ذلك مُردفة باستهزاء:

- لا ده مش صوتك بس اللي بقى يعلى عليا، لا وإيدك كمان بقت تترفع وتمسك إيدي يا سي جواد، لا ده أحنا بقينا رجاله بقى.

أحتدت قبضته أكثر على يدها وغلت الدماء بعروقه، وأخذ يكز على أسنانه لدرجة إنه كاد أن يُهشمها:

- أنا راجل من زمان وأنتي عارفة كده كويس أوي، وعشان أنا راجل هقولهالك كلمة ومش هعدها تاني، ملكيش دعوة بمراتي واللي فى بطنها يا هناء الدمنهوري بدل ما أعمل حاجة تزعل الدنيا كلها.
+

دفعها بعيدًا عنه وشرع فى الخروج من القصر، لتحتقن الدماء بوجه "هناء" متوعدة للجميع وخاصة "ديانة" بالموت على يدها وان تُلقن "جواد" درسًا يُكسرن ويُعيده إلى طوعها مرة أخرى.
يتبع...
جالسة بغرفتها تبكى بحرقة على كل ما يحدث لها وهي ليس لها ذنبًا فى أيه شيء، سمحت لنفسها لأول مرة بالإنهيار بعد مرورها بكل تلك الفترة المليئة بالصعاب والألم والتشتت أيضًا، نعم هي كثيرًا ما كانت تشعر بالتشتت تجاه ذلك الشخص عديم الرحمة.

تشتت بين ما كان يفعله معها فى السابق وما يفعله معها الأن، ما الذي حدث له؟ ألم يكن هذا نفسه الشخص الذي كان يكرها ويريد قتلها منذ خمسة أشهر؟ ألم يكن نفس الشخص الذي تزوجها بالإجبار وضربها وأنتهك عذريتها وأغتصبها بدل المرة أثنين؟ ما الذي حدث له الأن؟

الأن يُحاول حمياتها من الجميع، يوفر إحتياجاتها من كل شيء، يرسلها بسيارة خاصة للمتابعة مع الطبيبة الخاصة بها، طلب من "زينة" البقاء معها إلى معاد الولادة، يهتم بطعامها حتى إنه ذلك اليوم لفت إنتباهها لتناول الطعام الصحي والإبتعاد عن المُعلبات.

نهاية بما حدث أمس وما فعله مع تلك الفتاة التي تُدعى "كوثر"، تلك اللهفة والقلق التي رأتهم فى عينيه، إرتيابه من أن يحدث لها ولجنينها شيئًا، نظرته لها بعد أن أمر رجاله بأخذ تلك الفتاة، ما الذي يحدث بالضبط؟ ما الذي يريده منها! هل يفعل ذلك فقط لأنها تحمل فى طفله وبعدها سيقتلها؟

ولكن ماذا عن حديث تلك الفتاة ابنة العاملة التي أرسلها هو صباح اليوم، تلك الفتاة التي جاءت معها لكي تتعرف عليها، هل كان حديثها حقيقي أم تكذب؟ ولكن لماذا ستكذب فكل حديثها يدور حولها هي فقط، حتى والدتها لا تعرف عنه شيئًا.

••

- عاملة إيه يا سلمى؟ وحشتيني جدًا.

أبتسمت لها "سلمى" بحب وإمتنان مُعبرة عن مدى حبها ل"زينة" مُردفة:

- الحمدلله يا أنسة زينة، أنتي اللي وحشتيني أوي.

بادلتها "زينة" الأبتسامة مُشيرة بيدها إلى "سلمى" وموجهة حديثها نحو "ديانة" مُعقبة بتوضيح:

- دي بقى يا ديانة سلمى بنت دادى حُسنة، جميلة جدًا ورقيقة ومتربية معانا أنا وجواد فى البيت من سنين.

أبتسمت لها "ديانة" بود، بينما وجهت "زينة" حديثها نحو "سلمى" فاعلة المثل:

- ودي يا سلمى تبقى ديانة مرات جواد و...

قطع حديثها صوت رنين هاتفها مُعلنا عن وجود إتصال، لتستأذن "زينة" ونهضت كي ترد على هاتفها، بينما أبتسمت "سلمى" ل"ديانة" هاتفة بود:

- أتشرفت بمعرفتك يا مدام ديانة، مبروك على جوازك أنتي وجواد بيه ربنا يسعدكوا ويهنيكوا يارب.
أبتسمت لها "ديانة" بأقتضاب، أهي تتمنى لها السعادة مع ذلك الوحش عديم الرحمة؟ يالها من بريئة حقا، بينما لاحظت "سلمى" ملامح الإنزعاج على وجه "ديانة"، لتُخمن أن هناك شيء يُزعجها وبالطبع سيكون ذلك الشيء هو قسوة "جواد" وجفائه الذي يتعامل بهما مع الجميع، لتددخل دون تفكير مردفة بتلقائية:

- على فكرة جواد بيه شخص كويس أوي يا مدام ديانة، صدقيني.

ضيقت "ديانة" ما بين حاجبيها بتعجب لإندفاع "سلمى" وقول هذا الكلام، ومن تعني بالشخص الجيد التي تتحدث عنه؟ بالطبع لا تقصد ذلك "الجواد"، ولماذا هي تراه شخصًا جيدًا! لتقابلها مُستفسرة:

- لية بتقولي كده!

رطبت "سلمى" شفتها مُجيبة بمزيد من التلقائية:

- ملاحظه إن حضرتك متضايقة وحسيت إنك متضايقه بسبب جواد بيه وطريقته النشفة، بس والله جواد بيه مش كده وليه جميل فى رقبتي يخليني أدافع عنه قدام الدنيا كلها وأقول قد إيه هو إنسان كويس.

أنتبهت "ديانة" إلى حديثها مستفسرة عن ما هو الموقف الذي فعله معها جعلها تدافع عنه بتلك الطريقة وتقول عنه أنه شخصًا جيد:

- جِميل إيه؟

أبتلعت "سلمى" بتوتر مُتفقدة المكان حولها لتتأكد إنه لا يوجد أحد يستمع إليها، بينما نظرت نحو "ديانة" مُجيبة:

- أنا هقولك على حاجة مفيش مخلوق فى الدنيا يعرف عنها، غيري أنا وجوزي وجواد بيه الله يستره، بس أمانة عليكي ما حد يعرف بالموضوع ده خصوصًا أمي.

أومأت لها "ديانة" بالموافقة مُردفة بصدق:

- متقلقيش يا سلمى، كلامك معايا مفيش تالت هيعرفه.

تنهدت "سلمى" بأسى مُتذكرة تلك الفترة العصيبة التي عاشتها قبل أن يتدخل "جواد" ويحل كل شيء، لتنظر إلى "ديانة" مُضيفة بإمتنان:

- أنا كنت هتفضح فى شرفي وجواد بيه بعد ربنا هو اللي سترني.

صُدمت "ديانة" من حديثها وما صدمها أكثر تلك التخيلات التي أتت برأسها عن كيفية مُساعدته لها؟ أو ما هي الطريقة التي ساعدها بها ذلك الشخص الجاف! كادت أن تستفسر منها لتُقاطعها "سلمى" مُردفة:

- عارفه أنتي عايزه تسألي على أيه وهحكيلك.

قصت عليها كل ما حدث بداية بعلاقتها هي و"خالد" مروراً بحملها وإخبارها ل"جواد " بهذا الأمر، وطلبها مساعدته، وضربه لها، وإحضار "خالد" فى ذلك اليوم وما فعله به وبالنهاية إحضار المأذون وإتمام الزواج.

صُعقت "ديانة" مما أستمعت إليه وأرتعبت من تلك الطريقة التي كان ينوي بها "جواد" أن يُعاقب "خالد" وذلك الزواج السريع الذي يُشبه زواجهما، لتُعقب باستفسار:

- وأتجوزتي خالد؟

أومأت لها "سلمى" بالموافقة مُردفة بأمتنان:

- جواد بيه وظف خالد معاه فى الشركة وجبلنا شقة وساعدنا فى إن الجوازه تكمل بسرعة عشان ماتفضحش أنا واللي فى بطني، والحمدلله أنا فى التامن أهو وربنا مكملها معانا بالستر.

تعاطفت "ديانة" مع "سلمى" وما حدث لها مُردفة:

- ربنا بيحبك عشان كده الموضوع عدى على خير، بس ده كان غلط كبير يا سلمى ولو مكنش اتلحق فى الوقت المناسب كان حصل مصايب أنتي مش قدها.

أومأت لها "سلمى" بالموافقة مؤكدة على حديثها:

- فعلا لو مكنش ربنا وقفلي جواد بيه فى طريقي، الله أعلم كان إيه اللي حصلي؟

شردت "ديانة" فى كيفية أن يفعل شخص مثل "جواد" ما فعله هذا ومساعدته لتلك الفتاة، كيف له أن يقوم بمساعدة كبيرة مثل هذه بالرغم من قسوته وجفائه، لتيقظها من شرودها صوت "سلمى" مُردفة بإصرار:

- صدقيني جواد بيه إنسان كويس جدًا، يمكن يبان قاسي شوية، بس صدقيني هو من جواه كويس بجد.

•••

فاقت من شرودها بعد تذكرها لحديث "سامى" عن "جواد" وعن مساعدته لها، بينما فى المقابل تذكرت قسوته معها وتلك المعاملة التي عاملها بها وذلك الإنتقام على شيء هي لم تفعله ولا تعلم إذا كانت والدتها فعلت ذلك الشيء أم لا؟

أزداد بكائها ونحيبها، ليقطع عليها خلوتها دخول "زينة" بلهفة مُستفسرة عن سبب بكائها الذي كان يصل إلى خارج الغرفة:

- بتعيطي ليه يا ديانة؟

أرتمت "ديانة" بصدرها وأجهشت فى البكاء، لتشعر "زينة" بالفزع من كثرة بكائها وأخذت تربت على رأسها مُحاولة تهدئتها:

- أهدي يا حبيبتى، مالك فى إيه؟

أرتجفت "ديانة" بين يديها وقد فاض بها، يجب أن تتشارك ما بداخلها مع أحدًا وإلا ستموت من شدة الخنقة التي تشعر بها، لتهتف من بين شهقاتها:

- تعبت.. تعبت أوي يا زينة، تعبت ومعدتش قادرة أستحمل، من يوم ما أتولدت وأنا بتظلم، اتظلمت أول ما وعيت على الدنيا وعرفت إني عايشة فى بيت مش بيتي ومع ناس مش أهلي، اتظلمت كل مرة كنت بفكر فيهأ إن ممكن يكونوا جابوني من الملجاء أو إني جايه من علاقة محرمة أو أهلي رموني، اتظلمت أكتر لما قالولي إن أمي سابتني فى القطر عشان عرفت إن عندها مرض وحش وإنها هتموت.

أخذت نفسًا بصعوبة من بين شهقاتها مُكملة:

- اتظلمت لما قولتولي إنها قتلت مامتك واتسببت فى موت بابا وشلل عمته، اتظلمت لما لقيت الشخص المناسب وكنا خلاص هنتجوز وجيه جواد وفركش كل ده، اتظلمت لما أتجوزت جوازه مش عارفة جيت إزاي أو ليه، اتظلمت وأنا بدفع تمن حاجة أنا معملتها ومش متاكدة إذا كانت حتى أمي عملتها أو لا، اتظلمت لما حملت فى طفل جيه بسبب علاقة إتجبرت عليها، وأخيرا بعد ما أتعلق بالطفل ده وأحس إنه هيكون عوض من ربنا اتظلم ويحاولوا يموتوني أنا وهو، قوليلي مين اللى يقدر يستحمل كل الظلم ده؟

اجهشت مرة أخرى فى البكاء، بينما حاولت "زينة" إيقافها بالرغم من دموعها التي إنسابت هي الأخرى بسبب تأثرها بحديث "ديانة":

- طيب اهدي يا حبببتي، اهدي عشان خاطر البيبي اللي فى بطنك.

أبتلعت "ديانة" غصتها ولاتزال لا تتوقف عن البكاء مُردفة بألم وحسرة:

- وأنا أحافظ عليه ليه مهو كده كده هيموت، هيموت بسبب حاجة لا أنا ولا هو لينا ذنب فيها ومش قادرة أصدق إن ممكن أمى تعمل كده، أنا آه عمري ما شوفتها بس إحساسي بيقولي إن الست اللي أنا حتة منها عمرها ما تعمل كده و...

كانت تعتقد أن حديثها سيغضب "زينة" لذا توقفت من تلقائها نفسه، بينما لاحظت "زينة" توقفها لتُكمل هي بشيء لم تتوقعه "ديانة":

- أنا كمان يا ديانة مبقتش متأكدة إن مامتك ممكن تكون عملت كده، اللي تخلف بنت جواها كل الطيبة والحنية دي إستحاله تكون ست معندهاش رحمة، أكيد الموضوع ده فيه حاجة غلط!

توقفت "ديانة" عن البكاء بصدمة كبيره لأنها لم تتوقع أن تكون تلك هي ردة فعل "زينة"، ولكنها شعرت بكثير من الراحة لتبرئة والدتها، حتى ولو أمام شخص واحد، لتهتف بلهفة مُستفسرة:

- طب وهنعرف الحقيقة منين؟

أغمضت "زينة" عينيها بأسئ على ما حدث لشقيقة والدها مُعقبة بحزن:
- يوم الحادثة كان فى حد رابع غير مامتي ومامتك وخالتو هناء، كانت عمته ماجدة كمان فى الحادثة، ولما وقعت على دماغها جالها شلل كلي حتى مش بتقدر تتكلم.

أبتلعت "ديانة" بحزن على ما حدث ل "ماجدة" أيضًا ولكن المشكلة لم تُحل بعد، لتضيف بخيبة أمل:

- حتى أخر أمل إننا نعرف منه الحقيقة راح.

تنهدت "زينة" براحة عازمة على أن تخبر "ديانة" بما لا يعرفه أحد سواها، ولكنها تعلم أن "ديانة" هي أكثر الأشخاص أحتياجًا لسماع تلك الأخبار:

- لا مراحش، أنا هقولك على حاجة محدش يعرفها نهائي غيري أنا وأنتي.

أنتبهت "ديانة" إلى حديثها مُعقبة بأهتمام:

- قولي يا زينة ومتخافيش.

أبتسمت "زينة" بقليل من السعادة على ما ستتفوه به الأن، ولكنها تؤجل سعادتها كليا إلى حين عودة "ماجدة"، لتهتف براحة:

- من كام شهر أسما بنت عمته كلمتني وقالتلي إن فى دكتور شاطر جدًا برا، وإنهم كلموا عن حالة عمته وهو طلب يشوفها وقال إن ممكن يكون فى أمل إنها تتحسن، أنا وأسما اتفقنا إن محدش يعرف حاجة عشان منعشمهمش على الفاضي ويتكسر قلبهم لو متحسنتش، وفعلا سفرتها بمساعدة مالك وبعدها بفترة أسما كلمتنى وقالتى إن عمته بتتحسن وإنها ممكن ترجع زي الاول بس محتاجة شوية وقت.

سعدت "ديانة" كثيرًا ممَ أستمعت إليه وكأنها متأكدة أن براءة والدتها بيد "ماجدة"، وبالتأكيد نجاتها هي الأخرى، هي تعلم أن ما جعل "جواد" يتوقف عن إذائها هو ذلك الجنين، وتعلم أيضًا تمام المعرفة إنه بمجرد أن تضع ذلك الطفل سيُحدد مصيرها الذي يمكن أن يكون الموت.

ولهذا هي تعلم أن مصيرها سيكون بيد "ماجدة" إذا قالت أن والدتها لم تقتل والدته، أو على الأقل يمكن أن يكون كان حادثًا غير مقصود، لتهتف بتمني:

- ربنا يكمل شفاها على خير وترجع فى أقرب وقت.

أبتسمت لها "زينة" بود مؤمنة:

- أمين، يلا بقى نقوم عشان نتغدى لحسن أنا هموت من الجوع.

أومأت لها "ديانة" بالموافقة وذهبتا معًا لتناول الطعام وكلا منهما تتمني الشفاء ل "ماجدة" والتعرف على ما حدث بذلك اليوم بالتفصيل.

❈-❈-❈

اقتربت الساعة على الثالثة صباحًا وسكون هائل يملأ جميع أنحاء المنزل والجميع نائمون بغرفهم، ليُفتح باب المنزل ويدلف منه "جواد" ويبدو عليه عدم الإتزان والقليل من الدوران، ليصعد الدرج ولكنه لم يتجه نحو غرفته كالعادة بالأشهر السابقة منذ علمه بخبر حملها، بل غير إتجاهه صوب غرفة "ديانة"، ليفتح الباب بإندفاع كبير إثرا عليه إيقاظها بفزع، وما زاد ذعرها هو هيئته الثملة وترنحه، لتصيح فيه بحدة:

- أنت بتعمل إيه هنا! أمشي أطلع برا.

هز رأسه بعدم الموافقة على حديثها بملامح مذعورة وقد أقترب منها عدة خطوات، لتنهض هي الأخرى مرتعبة من أن يفعل بها شيئًا، بينما جلس هو بجانبها بتلقائية مُردفًا بثمالة:

- أنا مش عايز أطلع.. أنا خايف أوي.

تأكدت من شكوكها، إنه بالفعل ثمل وتفوح منه رائحة الخمر، بالإضافة إلى طريقته التي تؤكد إنه ليس بوعيه، لتخشاه أكثر، خوفًا من أن يفعل شيئًا بها، ولكنها أظهرت القوة مُصيحة:

- بقولك أطلع برا يا جواد.

أنزعجت ملامحه بسبب صوتها العالي وأمتلأت عيناه بالدموع والخوف يتطاير من زرقاوتيه مُردفًا بضعف:

- متزعقليش، بقولك مش عايز أطلع، لو طلعت وشافتني هتزعقلي وتضربني.

وقعت تلك الكلمات على مسامعها كدلو من الثلج فى عز ليالي الشتاء الباردة، كيف يمكن أن يكون ذلك الوحش يخشى أحدًا أو يستطيع أحدٌ تعنيفه! لتشعر بالفضول لتعرف من الذي يُعنيه، متسائلة:

- هي مين دي لللي هتضربك؟

ابتلع بكثير من الخوف والفزع وبالفعل قد شرع فى البكاء وكأنه طفل فى العاشرة مُضيفًا بألم:

- هناء.. هناء لو شافتني سكران هتضربني وتعاقبني زي ما كانت بتعاقبني زمان، خبيني يا ديانة ومتقوليلهاش إني سكران عشان خطري.

قال جملته الأخيرة بإذلال شديد وبكاء يتخلله شهقات مريرة، وكأنه طفل وليس رجلًا فى العقد الرابع من عمره، لتتسع عيناها بصدمة مما تراه أمامها غير مُستوعبة أن هذا هو نفسه ذلك الرجل صاحب الشخصية القاسية والقلب المُتحجر والمشاعر الباردة، كيف لكل هذا الجبروت أن يتحول لهذا الضعف؟ لتُحاول أن تطمئنه عسى أن يهدأ قليلا:

- هناء مش هنا ومش هتعرف.

شهق مرة أخرى وقد دخل بنوبة بكاء مريرة، وكأنه عاد إلى ذلك الطفل الصغير الذي يبكي بزاوية مُظلمة داخل غرفته، وتناسى تماما من هو ومع من يتحدث، فقد عاد إلى ذلك الجزء المٌظلم من طفولته مُتذكرًا كل ما مر عليه من ألمٍ وظلم مُهسهسًا:

- لا هتعرف وهتيجي تضربني، أو هتعاقبني زي ما كانت بتعمل زمان، كانت بتضربني كتير أوي، كانت بتحبسني فى أوضة فاضية وضلمة مفهاش شباك، كانت بتجبلي الأكل مرة واحدة بس وترجع تقفل عليا تاني، كانت بتحرجني قدام صحابي وتضربني قدامهم.

بكاؤه لا يتوقف وكأنه عاد بالزمن مُتذكرا تلك المرة التي كسرته أمام الجميع وهو لا يزال طفلًا لم يتخطَ الثانية عشر من عمره:

- مرة كنت نقصت فى امتحان الرياضة خمس درجات عشان هي كانت حبساني ومكنتش عارف أذاكر، المدرسة بتاعتي طلب تشوفها وتعرف منها إيه سبب إن مستوايا ضعف، وفعلا جيت الفصل عندي والمدرسة بتاعتي سألتها، بس هي مغلطتش نفسها وجابت الغلط عليا أنا، وقدام المدرسة وصحابي والفصل كله، رفعت إيدها وضربتني بالقلم قدامهم كلهم، قالت عليا فاشل ومستهلش إني أتعلم أصلا، المدرسة كلها بقيت بتتريق عليا بعد ما اللي هي عملته وقالته انتشر، بقى العيال بتشتمني وتتنمر عليا ولما أزعقلهم يضربوني، كانوا بيبقوا كتير أوى وأنا أخاف أروح أشتكي لحسن تيجي وتضربني قدامهم تاني، الموضوع كان بيموتني من الرعب.

أستمر فى البكاء وكأنه لم يعد يستطيع التوقف، وقد غاب بماضية القاتم الذي لم يتذوق به سوى الألم والإهانة، ونسى تمامًا إنه يتحدث مع أخر شخص كان يظن إنه سيتحدث معه عن ذلك الأمر مُضيفًا:

- حتى صحابي اللي كانوا بيحبوني وبحبهم كرهتني فيهم، فضلت تمدح فيهم قدامي وتقولي شوف صاحبك ده أحسن منك بكتير ده شاطر وجرئ وعنده شخصية قوية مش زيك جبان وفاشل وضعيف، ولا صاحبك ده شكله حلو أوى والناس كلها بتحبه وبيسمع الكلام، أنا مش عارفة هما مصاحبينك إزاي، كانت بتحرمني من إني أروح النادي معاهم وكل ما حد يجى يسأل عليا تقوله إني نايم، وأنا مكنش نايم ولما كنت أقولها إني صاحي وإني عايز أروح تضربني وتشتمني وتقولي هو أنت شايف نفسك راجل عشان تخرج معاهم، دول هيكبروا ويبقوا رجالة إنما أنت مش راجل ولا هتبقى راجل أنت ضعيف يا جواد.

كانت ملامحها متأثرة جدًا بما يقول بالإضافة إلى إنسياب دموعه وصوت بكائه المرير، لا تعرف كيف ولكنها تأثرت جدًا بما يحدث له وانسابت دموعها هي الأخرى حزنًا عليه، لا تعرف هل حقًا تشعر بالشفقة تجاهه؟ أم إنها فقط هرمونات الحمل! ليُكمل هو:

- طول عمرى بخاف منها حتى بابا عمرى ما شوفته بيتناقش معاها، كان على طول مسافر وهي كانت بتسلي وقتها بضربي وإهانتي وإنها تذلني، مكنتش بتعمل كده مع زينة كانت بتعمل كده معايا أنا بس، كتير كنت بتمنى إنها تموت زي ماما بس هي مكنتش بتموت، أنا اللي كنت بموت كل يوم بسببها، لحد ما كبرت وخلصت تعليمي، وقتها قررت إني أعيش لواحدي بعيد عنها، بعيد عن الكل، كنت بخاف إنها تهيني أو تضربني قدام حد، أتحولت لشخص تاني خالص، شخص قاسي مبيحبش مبيتأثرش مبيفرحش مبيزعلش مبيعيطش.

أنتحب بشدة وكأنه يأخذ كامل حقه فى البكاء والإنهيار مُردفًا:

- شخص بيخاف من الناس وعشان كده بيحاول يظهرلهم إنه وحش عشان محدش يجي عليه، شخص خالي من المشاعر زيها بالظبط، كنت بفتكر دايما كلامها ليا وهي بتقول عني جبان وضعيف وفاشل ومش راجل وقررت أثبتلها وأثبت لنفسي إني راجل وإني مش ضعيف، بس من جوايا كنت بحس إنها عندها حق وإني فعلا زي ما بتقول وأحس قد إيه أنا مليش وجود.

رفع عينيه وقد تلاقت زرقاوتيهما وعينيهما مليئتان بالدموع، إنها تشفق عليه، كيف لطفل أن يحتمل كل هذا؟ بينما هو يبكى بسبب تخبط مشاعره داخله، لا يدري ما هذا الضعف الذي أمتلكه بمجرد أن نظر لها، أيمكن أن يكون وقع لها:

- لحد ما ظهرتي أنتي، فى البداية كنت عايز أنتقم منك أوي لأنك بنت الست اللي أتسببت فى اللي حصلي ده وإن أمي ماتت وهناء هي اللي أتحكمت فيا، بس لما لقيتك بتقفي فى وشها وبتعملي اللي أنا مش قادر أعمله وكمان مديتي إيدك عليها، حسيت إنك أقوى منها وخصوصًا إني أول مرة أشوف حد قدر يقف فى وشها، عشان كده كنت بضربك وبهينك عشان أحس إني أقوى منها وإني قدرت على اللي هي مش قادرة عليها، حبيت أثبت لنفسي إني مش جبان ومش ضعيف وإني قوي.

كانت ملامحه مُشتتة وهو يبكي بحرقة وألم، يشعر بالضعف الشديد ليُلقي بنفسه فى صدرها، لتنزعج ملامحها ممَ فعله، ولكنها لم توقفه حتى يُخرج كل ما بداخله، ليضيف بمزيد من البكاء والثمالة:

- قالتلي مقربش منك وملمسكيش وعشان أثبت لنفسي إني مش بمشي ورا كلامها زي ما قولتي، نمت معاكي بس مكنتش متخيل إن الموضوع يوصل لحمل، لما عرفت إنك حامل حسيت إني عاجز مش عارف أعمل إيه؟ أقتلك وأقتل ابني ولا أقتل نفسي عشان أرتاح من كل ده؟

أخذ صدره يعلو ويهبط من كثرة إنفعاله وبكائه مُكملا بتلعثم:
- بقيت.. بقيت بضعف قدامك، بقيت بحاول أبعد نفسي عنك على قد ما أقدر، بقيت بنام فى أوضة تانية بعد ما أرجع أخر الليل بعد ما أتأكد إنك نمتي، وأخرج الصبح بدرى قبل ما تصحي، كنت بخاف إني أقابلك أو عيني تيجي فى عينك، كنت بترعب إني أضعف قدامك أو أعمل حاجه أحاول أثبت بيها لنفسي إني مش ضعيف أقوم أأذيكي.

توقف عن البكاء وقد أحتدت نبرته وبرزت عروقه من شدة الغضب مُعقبًا بأسنان مُلتحمة:

- لحد ما عرفت إنها عايزه تقتلك أنتي واللي فى بطنك، روحتلها ولأول مرة أحس إني مش ضعيف قدمها، لأول مرة أمنعها إنها تمد إيدها عليا، لأول مرة أزعق فى وشها وأزقها بعيد عني، لأول مرة أحس إني راجل بجد.

ضعفت نبرته مرة أخرى ولم يعُد يملك القدرة على البكاء مرة ثانية، ليتشبث بها أكثر مُتمتمًا:

- كل ده حصل بسببك لأني خفت عليكي، أنا مش عايز أقتلك يا ديانة أنتي مصدر قوتي، ياريتك ما كنتي بنت لبنى، كان زمان كل حاجة أتغيرت، متسبنيش يا ديانة أرجوكي أنا ضعيف من غيرك.

لا تُنكر إنها بالفعل تأثرت بما مر به بمرحلة طفولته وما فعلته به تلك المرأة القاسية، ولكنها لن تستطيع أن تغفر له ما فعله بها، فهذا القدر من الإيذاء الذي ألحقه بها لا يُغتفر مهما كان به، هى ليس لها ذنب بكل هذا، لهذا قررت أن لا تتفوه بشيء ظنًا منها إنه سيرحل، ليُفاجئها بقبلة على رقبتها لم تكن تتوقعها منه، خصيصًا وهو بتلك الحاله، لتُحاول الأبتعاد عنه دافعة إياه بصدره برفق مما أبعده عنها قليلا، قائلة بانزعاج:

-إبعد عني.

استغلت فرصة ابتعاده، ونهضت بسرعة مُحاولة الفرار منه بعد أن أدركت ما يُحاول فعله، ولكنه نهض هو الأخر وأمسك بها مُحاصرًا جسدها بينه وبين الحائط خلفها، حينها هتفت بزعيق:

-انت عايز إيه بالظبط؟ وجاي تقولي كل الكلام ده ليه؟

اقترب منها أكثر ورائحة الخمر تفوح من فمه مما أثار غثيانها مُردفًا بثمالة وثقل:

- سبيني أعمل اللي أنا عايزه بمزاجي وأرتاح وأريحك أحسن ما أعمله بمزاجى بردو بس أنتي مش هتبقي مرتاحة وممكن تتأذي كمان، الأختيار ليكي!

أقترب ليُلثم عُنقها لمتعضت ملامحها بكثير من التقزز والاشمئزاز من ثمالته، وقد أوشكت على التقيؤ من رائحة فمه، حينئذ صاحت بضيق:

-جواد ابعد، أنا مش عايزاك ولا طايقه إنك تقرب مني.

تجاهل ما قالته، وفاجأها بإلتقاطه لشفاتها بقبلة ناعمة مليئة بالرغبة والشغف، ولكنها لم يُعجبها الأمر إضافة إلى رائحته التى لا تستطيع أن تتحملها.

حاولت دفعه بعيدًا عنها مرة أخرى ولكنها لم تستطيع، لتشعر بالكثير من الغضب ورفعت قدمها مُحاولة أن تركله برجولته عساه يبتعد عنها، ليرفع هو ساقه مُتفاديًا ضربتها تلك ليزداد غضبها، ليدفعها على الفراش وقد وألقى بجسده عليها ولكن بحذر ليهمس بأذنها بتحذير:

- قولتلك متضطرنيش إني أأذيكي، سيبي نفسك يا ديانة ومش هتندمي.

هي بالفعل نادمة على الاستماع له منذ البداية، لم يشفع له ما قصه عليها منذ قليل عمَ فعله بها من قبل وما يفعله بها الأن، هي الأن لا تستطيع أن توقفه خشية على جنينها وهو الأن ليس بوعيه فاحتمال أن يؤذيها -إذا حاولت منعه وهو على تلك الحالة غير الواعية- كبير للغاية، لتشعر بكثير من الضيق مع كل لمسه يقوم بها.

استسلمت على مضض لما يفعله وكم هي كارهة لتلك اللحظة التي نسيت فيها أن تغلق الباب جيدًا قبل أن تنام، اللعنة لقد جردها فى لحظة واحدة من ملابسها وفعل هو الأخر المثل، لم تهتم بلمساته التي لم تكن كثيرة على أية حال، يبدو إنه مُتعجل للغاية.

وبلحظة كان مُخترقًا إياها دون تمهيد، لتشعر فى البداية وكأنها جُرحت بجرح ليس غائرًا ولكنها تألمت لبعض من الوقت، الأن أدركت أن كل ما حدث من قبل ليس شيئًا أمام ما يفعله الأن.

فمن أول دفعة شعرت بكثير من الكراهية تجاهه وتجاه "هناء" وتجاه نفسها لأنها شعرت بالأسئ عليه، وبالمُقابل هو لا يشعر بالأسئ عليها وهي تصرخ بين يديه بأن يتوقف عمَ يفعله، ولكن دون فائدة فهو لن يتركها سوى بعد أن يصل إلى خلاصه.

شعرت بزيادة سرعته وحدة دفعاته، ولكنها ألمها لم يعُد كالسابق، فصرخاتها الأن مُستمتعة وليست مُتألمة، ولكن أن تصل إلي ذروتها الأن يبدو صعبًا بسبب تشتتها وخشيتها على جنينها بسبب سرعته تلك.

بينما كان هو كالذى يُحارب من أجل الحصول على راحته، كان يُزيد من سرعته وكأنه يهرب من هلاكه وشريط حياته يمر أمام عينيه، بداية من حادث والدته مرورًا بطفولته القاسية وعذاب "هناء"، وأيضا ضعفه مع "ديانة" وذلك التخبط والصداع الذي يشعر به كلما فكر بالأمر نهاية بما يفعله الأن.

لم تستطيع هي أن تحتمل أكثر من ذلك، تشعر بثقل جسده عليها وسرعة أنفاسه وبالطبع زيادتة دفعاته، لتُدرك إنه أوشك على الوصور لذروته، وبالطبع ثوانٍ ووصل إليها، ليسقط بجانلها على الفراش كالمغشى عليه، لتنهض من جانبه مُرتدية منامتها متجهة صوب غرفة أخرى تاركة إياه على نفس حالته المُقززة تلك.

❈-❈-❈

كانت تجلس بغرفتها بعد الإنتهاء من تناول فطورها، تُفكر فى مُخططها والنتائج المُترتبة عليه، لتبتسم بمكر على ما قد تخيلته برأسها والجميع يُحاول قتل بعضه ولم يبقى سوا الأقوى بينهم، لتقتله هي بيدها لأن الجميع يستحق ذلك، ليقطع شردوها صوت هاتفها مُعلنًا عن وجود إتصالًا، لتلتقطه وتقوم بفتح المكالمة ليأتيها ذلك الصوت مُخبرًا إياها:

- أنسة زينة ومدام ديانة لسه خارجين من الفيلا حالا يا هانم.

أعتدلت "هناء" فى جلستها وهي تشعر بالكثير من الحماس لأن اللعبة حالًا ستبدأ وسيخسر الجميع أمامها لتستفسر بحدة:

- جهزت كل اللي قولتلك عليه؟

أتاها صوت ذلك الرجل مُؤكدا أن كل ما خططت له قد حدث بالفعل:

- كل حاجة جاهزة يا ست هانم وجاهزين على التنفيذ.

زجرته "هناء" بحدة خوفًا من أن تخرب خطتها مُعقبة بتحذير:

- عارف لو حصل غلطة صغيرة بس أنا هعمل فيكوا إيه؟

طمأنها الراجل مُعقبًا بكثير من الثقة:
+

- متقلقيش يا ست هانم، كل حاجة هتمشي زي ما حضرتك خططتي بالظبط.

أبتسمت "هناء" براحة وقد بدأت برسم صور كل شخص بهم بمخيلتها وماذا سيحدث بعد قليل، لتهتف بحدة:

- نفذ.

فتح عينيه بثقل ولايزال ذلك النُعاس يُسيطر عليه، وما زاد الأمر سوءًا ذلك الألم الذي يطرق برأسه غير رائفًا به، وذلك بسبب تلك الحالة التي كان بها ليلة أمس وتلك الثمالة، ولكنه لم يتذكر ما حدث حتى إنه لا يعلم كيف عاد إلى المنزل؟ ليُحاول النهوض راغمًا نفسه على الاستفاقة، ليلاحظ إنه ليس بغرفته وأن تلك غرفتها هي.

أندفع بصدمة مُعتدلاً فى جلسته وما أثار دهشته إنه عاري الجسد تمامًا لا يستره شيئا قط، شعر بالصدمة الممزوجة بالغضب لأعناً نفسه على عدم تذكره لما حدث، يخشى أن يكون قد قام بفعل شيئًا غبي سبب لها أو لجنينه أية نوع من أنواع الأذى.

نهض بسرعة ملتقطًا ثيابه من على الأرض ولحظات وكان مرتدي سرواله الداخلى وخرج من الغرفة مُتجهًا صوب غرفته لإرتداء ملابسه ثم خرج باحثًا عنها فى المنزل بأكمله.

هبط الدرج باحثًا عنها بعينيه فى كل مكان وهو يلاحظ أن لا وجود لها أو لشقيقته التي بحث عنهما بجميع غرف المنزل، وذلك بعد أن تفقد غرفة "زينة" ولكن لا وجود لهم، ليتجه إلى العاملة مُستفسرًا منها عنهما:

- ديانة وزينة فين؟

أجابته بغير علم:

- مش عارفة والله يا جواد بيه، هما صحيوا الصبح بدري وخرجوا، معرفش راحوا فين؟

أومأ لها بالموافقة شاعرًا بأن ألم رأسه يزداد بشكل كبير، ليُضيف بانزعاج:

- أعمليلي قهوة سادة بسرعة لحد ما أنزل.

أومأت له بالموافقة وسريعًا ما أتجهت لعمل القهوة، بينما صعد هو إلى غرفة "ديانة" باحثًا عن هاتفه، ليجده موضوعًا على الكومود بجانب الفراش، ليلتقطه وقام بإجراء إتصالًا ولحظات وأتاه رادها:

- إيه يا حبيبي!

صاح زاجرًا إياها مُعبرًا عن عضبه بسبب خروجهما من المنزل دون إخباره وجعله قلق إلى تلك الدرجة:

- أنتوا فين يا زينة؟

لأحظت "زينة" إنزعاجه وفسرته بأنه بسبب خروجهما دون علمه، لتُحاول أن تُبرهن له بهدوء:

- أحنا عند الدكتورة يا جواد.

هتف بلهفة عند إستماعه لكلمة طبيب خشية أن يكون هناك شيئًا ما أصابها أو أصاب طفلهم:

- دكتورة ليه؟ ديانة أو الجنين فيهم حاجة!
لاحظت لهفته وقللقه، لتُحاول تهدئته وتطمئنته مُعقبة:

- يا حبيبي مفيش حاجة، ده ميعاد المٌتابعة بس وديانة والبيبي بخير متقلقش.

زفر براحة وأطمئنان مُعقبًا بإستفسار:
- طيب قدامكوا كتير؟

أجابته بالنفي:

- لا، ديانة بس بتتكلم مع الدكتور فى حاجة وهتكشف عليها وهننزل على طول.

عقب مُستفسرًا:

- السواق معاكوا؟

أردفت بإيجاب:

- أيوه.

هز رأسه مُعبرًا عن إطمئنانه مُضيفًا:

- طيب خلوا بالكوا من نفسكوا.

ابتسمت شقيقته بإعجاب على إهتمامه ب"ديانة" شاعرة أن هناك أمل أن يستمر هذا الزواج وتنتهى تلك العداوة مُردفة بمشاكسة:

- حاضر يا جوادتي.

أنهى الإتصال وسريعًا ما هبط للأسفل لكي يتناول قهوته حتى يتخلص من ذلك الألم برأسه.

❈-❈-❈

أستغلت خروج "زينة" من الغرفة لتُجيب على الإتصال، لتحول نظرها نحو الطبيبة عازمة على أن تستفسر منها عن أمر لم تكن تستطيع أن تسألها عنه أمام "زينة" حتى لا تُخجلها، لتهتف مُستفسرة:

- معلش يا دكتور ممكن أسألك فى حاجة؟

أومأت لها الطبيبة مُضيفة بإهتمام:

- أكيد طبعًا، أتفضلي يا مدام ديانة!

شعرت بالحرج ممَ ستقوله ولكنها عليها أن تستفسر منها، لتطمئن على طفلها ولكي تعلم كيف تتصرف إذا حدث نفس الشيء مرة أخرى؟ لتُردف بتلعثم:

- هو.. هو يعني.. لو حصل علاقة بيني وبين جوزي فى الوقت ده هل ممكن يأثر على البيبي أو يسبب ليه أي ضرر؟

هزت الطبيبة رأسها بالنفي مُُضيفة بتفسير:

- لا طبعا مفيش أي ضرر بالعكس، أنتي حاليًا فى الشهر الخامس والفترة دي أمنة جدًا على البيبي، وكمان مفيدة جدًا، لإنك معندكيش أي مشكله تمنع حدوث العلاقة، وكمان البيبي بيستفيد من الهرمونات بتاعتك وزيادة تدفق الدم أثناء العلاقة وده كويس جدًا ليكي وليه.

أبتلعت براحة بعد أن أطمئنت أن طفلها بأمان وأن ما فعله ذلك الحقير لم يؤثر عليه، ليأتها صوت الطبيبة مُضيفة بحماس:

- ودلوقتي بقى يلا بينا نطمن على البيبي بتاعك ونعرف هو ولد ولا بنت؟

أنفرج ثغرها بسعادة مُستفسرة بلهفة:

- إيه ده! هو هيظهر دلوقتي؟

بادلتها الطبيبة البسمة موضحة:

- أه طبعًا، أحنا هنعمل سونار 4D "رباعي الأبعاد" وهتشوفيه ملون كمان ولو تحبي أعملك صورة منه.

نهضت بسرعة من مكانها قائلة بحماس:

- الله، ياريت بجد.

دلفت "زينة" الغرفة بعد أن أنهت مُكالمتها، لتجد "ديانة" مُتجة نحو الفراش وعلى وجهها بسمة كبيرة، لتُردف باستفسار:

- فيه إيه فرحيني معاكي!

أجابتها "ديانة" بكثير من السعادة:

- هنشوف البيبي ملون وهناخد صورة منه كمان.

اتسعت إبتسامة "زينة" مُصيحة بحماس:

- أيه ده بجد؟

أومأت لها الطبيبة بالموافقة:

- أيوه، فى الشهر الخامس ممكن نعرف أيه هو نوع البيبي وهنشوف دلوقتي القمر ده ولد ولا بنت؟

أستلقت "ديانة" على الفراش فاتحة المجال للطبيبة بعمل الفحص لمعرفة نوع الجنين، بوضع تلك الأداة على بطنها لتظهر تلك الصورة على الشاشة موضحة هيئة الجنين، لتستفسر "ديانة" بلهفة:

- ها.. بنت ولا ولد؟

أجابتها الطبيبة بإبتسامة تهنئة:

- ولد.

شعرت كلاهما بالسعادة المفرطة، لتنحني "زينة" مُقبلة "ديانة" ومُهنئة إياها:

- مبروك يا ديانة، ده بابا هيفرج جدًا هو وجواد.

بادلتها "ديانة" بحب صادق:

- عقبال ما أشوف عيالك أنتي ومالك يا زوزه.

أبتسمت لها "زينة" بخجل من مجرد ذكر أسم "مالك" وتخيل ذلك الأمر وأن تصبح حاملًا بطفل منه، لتنفض عن فكرها تلك الفكرة حتى تتخلص من ذلك الخجل، بينما أنهت "ديانة" مُتابعتها مع الطبيبة بعد أن ألقت عليها بعض النصائح وكتبت لها ما ستحتاجه بتلك الفترة، وأخذت منها تلك الصورة الخاصة بطفلها.

خرجوا من عند الطبيبة مُتجهتين نحو سيارتهما، ليوقفهما صوت رنين هاتف "زينة" مُعلنا عن وجود إتصالًا من رقم غريب، لتجيب "زينة" الإتصال، ثوانًا فقط وتبدلت ملامحها من السعادة والفرح للفزع والتشتت بعد أن أستمعت لذلك الخبر مُردفة:

- طيب شكرًا، أنا جايه حالًا.

لاحظت "ديانة" تغيرها وفزعها ذلك، لتستفسر بقلق:

- فى إيه يا زينة! إيه اللي حصل؟

أغمضت "زينة" عينيها مُحاولة أن تتجاوز تلك الصدمة مُهزية بضياع:

- المرسم، المرسم بتاعي بيقولوا فى حريقة وطلبوا المطافي.

أمتعضت ملامح "ديانة" بالفزع هي الأخرى مُصيحة:

- يا ستار يارب، وده من إيه؟

حاولت "زينة" تنظيم أنفاسها وهي تشعر بوخزة بصدرها، فهى تعشق ذلك المكان وبه الكثير من اللوح المقربة إلى قلبها، لتهتف بحزن:

- مش عارفة! ممكن يكون ماس كهربي أو حاجة؟ المهم روحى أنتى مع السواق ومتعرفيش جواد عشان ميقلقش عليا، وأنا هاخد تاكسي وأروح أشوف فى إيه؟

أعترضت "ديانة" مُحاولة المساعدة:

- أروح إيه! أنا جاية معاكي.

نهتها "زينة" قائلة بتحذير:

- لا يا ديانة مينفعش، لازم تروحي عشان ترتاحي أنتي والبيبي، أنا هطمنك أول ما أوصل متقلقيش.

أستسلمت "ديانة" لحديثها خشية فعلًا أن يصيب طفلها بأية أذى:

- طيب أبقي كلميني على طول.

أومأت لها "زينة" بالموفقة وسريعًا ما تحركت لإيقاف سيارة أجرة تُقلها إلى مكان مرسمها، بينما "ديانة" قد صعدت سيارتها مُتجه إلى بيتها وهي تشعر بان هناك شيء سئ على وشك أن يحدث، ولكنها حاولت تهدئة نفسها بأنه يمكن أن يكون ذلك التوتر بسبب الحمل، ولا تعلم أن هناك بالفعل كارثة كبيرة على وشك الوقوع.

❈-❈-❈

أستقلت "زينة" سيارة الأجرى تلك مُتجة إلى مرسمها، لتجد إتصالًا من "مالك" لتقوم بالرد عليه ليأتها صوته مُتمتمًا بنعاس:

- صباح الخير يا زينة قلبي.

حاولت أن لا تُظهر له فزعها وحزنها، ولكنها لم تسطيع أخفائه كليا وظهر فى نبرة صوتها المُقتضبة:

- صباح الخير يا مالك.

لاحظ حزنها ليشعر بالقلب وقد أعتدل فى جلسته مُستفسرًا:

- مالك يا حبيبتي فى إيه؟

أجابته بكثير من الضيق والحزن:

- فى حريقة كبيره فى المرسم بتاعي و...
أنقطع الإتصال بسبب نفاذ بطارية هاتفها، لتزفر بحنق مُلقية لهاتفها داخل حقيبتها مُتأففة:

- وده وقتك أنت كمان!

وبعد ثوانً لاحظت تهدئة سرعة السيارة وتوقفها بشكل مفاجئ، كادت أن تستفسر عن سبب توقفها ليصدمها دخول رجلان على جانبيها وسريعا ما قام أحدهم بوضع منديلًا على أنفها، وما كانت إلا لحظات حتى غابت عن الوعي.

❈-❈-❈

امتعضت ملامح وجه "هناء" بكثير من الغضب والحنق وأخذت تصيح بذلك الشخص الذي يُحدثها عبر الهاتف زاجرة إياه بحدة:

- يعنى إيه معرفتش تقلب العربية! هو أنا مشغلة معايا عيال بريالة؟

أتاها صوته مُحاولًا تفسير الأمر لها بإحترام:

- والله يا ست هانم أنا فضلت ماشي وراها من أول ما نزلت من عند الدكتورة وأنسه زينة سابتها ومشيت، وأنا ماشي وراهم وبحاول أزنق عليهم عشان أقلب العربية بس السواق اللي معاها ده شاطر أوى، أكيد ما هو جواد بيه مش هيشغل أي حد كده عنده، وأنا مردتش أزودها عشان ميشكش فيا ويأخد رقم العربية.

أزداد غضبها من تلك الكلمات لتقوم بإهانته مُردفة بتهكم:

- يا فرحة قلبي بشهادتك دي، وبعدين عندك حق جواد بيعرف ينقي رجاله يُعتمد عليها، إنما أنا اللي بعتمد عليهم شوية نسوان.

أغلقت الهاتف بوجهه وهى تشعر بغليان دمائها، لتُتمتم بحدة وتوعد:

- لسه ليكي عُمر يا بنت لبنى، بس أوعدك هيخلص قريب على إيدي.

❈-❈-❈

توقف "مالك" بالسيارة أمام المرسم، بعد أن أستمع منها بإنه يحترق قبل أن يُغلق هاتفها نهائيا، ليأتي إليها بسرعة البرق لكي يطمئن عليها ويكون بجانبها، ولكنه تفاجأ بأنه لا يوجد شيئًا تماما ولا يوجد هناك أية أثار لوجود حريق، ليشعر بالغرابة والقلق، لماذا إذًا أخبرته بأن هناك حريق بمرسمها؟

أخرج هاتفه مُحاولًا الإتصال بها مرة أخرى ولكن دون فائدة، فهاتفها لا يزال مُغلقًا، ليشعر بالقلق الشديد تجاه ذلك الأمر مُتأكدا أن هناك أمرًا ما يحدث، ليقطع شروده وصول رسالة من رقمًا مجهول! ليقوم بفتحها لمعرفة مضمونها.

ليشعر بالدهشة من مُحتواها وقد بدأ القلق يتسرب إلى قلبه، ليصعد سيارتة مُتجها إلى ذلك المكان لمعرفة حقيقة الأمر؟

❈-❈-❈

يقف تحت تدفق المياة مُحاولا تهدئة ذلك البركان الثائر بدخله، فهو يشعر بالغضب الشديد من نفسه بسبب ما فعله ليلة أمس، فقد تذكر ما حدث وتذكر تلك الطريقة التي جامعها بها وبعض الكلمات التي تفوه بها عن طفولته، ولكنه لم يتذكر ما تفوه به عن مشاعره تجاهها، ليلعن نفسه وغبائه الذي جعله يتناول ذلك الكم من الخمر ويتفوه بكل ذلك الحديث، فذلك جعله ضعيفًا أمامها ويمكن أن تستغل ذلك ضده، ليضرب الحائط بغضب وحنق شديد.

بينما دلفت "ديانة" غرفتها وهي تظن أن "جواد" قد ذهب إلى الشركة، ولكنها أستمعت إلى تدفق المياة لتُخمن إنه لايزال موجودًا بالبيت، لتشعر بالغصب والحرج فى آنً واحد، هي غاضبة بسبب ما فعله ليلة أمس وتشعر بالحرج من أن يخرج ويجدها بالغرفة.

كادت أن تخرج من الغرفة ليوقفها صوت رسالة على هاتفه الموجود بجانبها، ليمتلكها الفضول بأن تفتح تلك الرسالة، لا تعلم لماذا قامت بذلك! ولكنها شعرت بأنها تريد ذلك، وبالفعل قامت بفتح الرسالة التي صدمها مُحتواها كثيرًا، وسريعا ما قامت بالبحث عن رقم "إياد" مُتصلة به كي تعرف حقيقة الأمر، ولم تكن سوا لحظات حتى أتاها صوته:

- ايه يا عم اللي أخرك كده! إيه نموسيتك كُحلي؟

حمحمت بحرج مُضيفة:

- أنا ديانة يا إياد.

ضرب "إياد" على رأسه بحرج لاعنًا غبائه ولسانه المُتسرع، لُيردف بحرج شديد:

- آه أزيك يا ديانة! أومال فين جواد؟

أخترعت "ديانة" بعض الكلمات لكي تصل إلى غرضها:

- جواد بياخد شاور هو بس قالي أسالك أنت فى الشركة ولا فين؟

شعر "إياد" بالغرابة من سؤالها، منذ متى و"جواد" يجعل أحد يمسك بهاتفه؟ وأيضا يُحادث أحد لمعرفة مكانه له! ولكنه لم يكترث للأمر ظنًا منه أن الرجل يتغير بعد الزواج، مُردفًا بمرح:

- أنا أهو فى الشركة متمرمط مرمطة العبيد فى عصر المماليك، والباشا جواد بيه لسه بياخد شاور.

زفرت "ديانة" براحة مُحاولة عدم إظهار شيء مُردفة بمرح مُصطنع:

_ معلش بقى أنت قدها، جواد هيلبس وينزل أهو.

أتاها صوت "إياد" موافقًا:

- خلاص تمام.

أنهت "ديانة" الأتصال وهي تشعر بقليل من الراحة، وسريعا ما قامت بحذف تلك الرسالة وإعطاء ذلك الرقم حظراً حتى لا يرسل تلك الرسالة مرة أخرى ويراها "جواد"، هي مدركة أن هناك شخص يُحاول الإقاع بهم.

وضعت الهاتف بمكانه وفى نفس اللحظة خرج "جواد" من المرحاض عاري الجسد لا يستره شيء سوا تلك المنشفة المُلتفة حول خصره، شعر "جواد" بالدهشة من وجودها، بينما هي قد تجاهلته تمامًا وشرعت فى الخروج من الغرفة، ليتجه هو صوب ملابسه مُرتديًا إياهم.

❈-❈-❈

بمجرد أن أغلق "إياد" المكالمة مع "ديانة" أتاه مُكالمة أخرى من رقم مجهول، قام بفتح المكالمة ليأتيه صوت شخص غير مألوف:

- إياد بيه المنزلاوي معايا؟

أجاب "إياد" بالإيجاب:

- أيوه.

عقب الرجل بأسئ:

- فى الحقيقى شقة حضرتك يا فندم أتعرضت لسرقة ومحتاجين حضرتك ضروري.

أعتلت الصدمة وجهه مُصيحًا بلهفة:

- إيه؟ شقتي أنا، أنا جي حالًا.

خرج من الشركة بسرعة مُتجها نحو شقته لمعرفة ماذا يحدث؟ وبالفعل لم يأخذ كثير من الوقت حتى وصل إلى منزله، وبمجرد أن دلف شقته وقع مُغشيًا عليه بسبب أستنشاقه ذلك المنديل الذي وضع على أنفه بلحظة واحدته.

❈-❈-❈

وصل "مالك" أسفل بناية منزل "إياد" وهو يشعر بعدم تصديق ما يفعله وما أُرسل إليه منذ قليل بتلك الرساله التى كان نصها "هي أنسة زينة بتعمل إيه فى شقة إياد خطيب أختك؟"، حاول أن يطمئن نفسه بأنه سيصعد الأن وسيتأكد أن هناك خطأ ما، حينها سوف يشعر بالكثير من الغضب تجاه نفسه لأنه ظلم "زينة"، وبالطبع لن تجري الأمور مثل ما يصور له عقله، ليس مرة ثانية.

بينما بالأعلى يُحاول "إياد" فتح عينيه بثقل شديد، ولكنه يشعر بثقل رأسه، وتدريجيًا أستعاد وعيه وما جعله يقفز من مكانه هو وجود تلك العارية تماما بجانبه، والتي لا يُخفي جسدها شيء سوا تلك المُلاءة المُلطخة ببقع الدماء، بينما هي تنظر أمامها بصدمة وكأنها غير قادرة على النطق أو الحركة، فقط تنظر للا شيء وكأنها تُصارع عقلها راغمة إياه على أن يتوقف.

إنتفض من مكانه وهو يشعر بنفس صدمتها، ولكن ما جعله يشعر بالتصلب بمكانه هو إدراكه بإنه هو أيضًا عاري تماما لا يرتدي أية شيء ولا يستره سوا تلك الملأة الموضوعة فوق جسدهما هما الأثنان.

أنتشل إحدى الوسائد مُحاولًا إخفاء عورته بإستخدامها وهو ينهض مُتجها نحو سرواله الداخلي الموضوع بنهاية الغرفة، وهو لا يعلم ما الذي يحدث، وقبل أن يرتديه تفاجأ بدخول "مالك" الغرفة ورؤيته وهو عاري الجسد بتلك الطريقة، بينما "مالك" كان مُثبت نظره على تلك الجالسة بالفرش وتفاجأت بدخوله لتنتشل الغطاء مُحاولة ستر الباقي من جسدها، غير قادرة على التفوه بأية كلمة وكأنها بعالم أخر غير هذا العالم.

تصلب "مالك" بمكانه من هول صدمته، فذلك المشهد يحدث معه للمرة الثانية فى حياته مع إختلاف بسيط فى الأحداث، ليشعر وكأن روحه تُغادر جسده وبالفعل هذا أقل ما يمكن أن يشعر به أمام حبيبته العارية بفراش خطيب شقيقته ويوجد بعض قطرات الدماء، ليبتلع بغصة غير قادراً على تخمين ما قد يكون حدث بينهم؟

أستطاع "إياد" إرتداء سرواله وأتجه نحو "مالك" مُحاولًا تفسير الأمر له، ولكنه لا يعلم ماذا سيقول له أو لتلك المسكينة التي تتوسد الفراش، ليُعقب موجها حديثه نحو "مالك" مُردفًا بتلعثم:

- مالك.. فيه سوء تفاهم، صدقني الموضوع مش زي ما أنت مفكر.

ولكمة قوية من "مالك" إثرا عليها سقوط "إياد" أرضاً ليحول نظره نحو تلك الجالسه على الفرش، ولا تستطيع أن تتحكم بتلك الدموع التي أخذت طريقها فى الهبوط بصمت شديد، غير مُدركة ماذا تقول وهي بالفعل لا تعلم ما الذي حدث، لا تعلم سوا إنها تحطمت حياتها بالكامل.

رمقها "مالك" بمزيج من نظرات الغضب والاشمئزاز وهو يشعر بإنه للمرة الثانية قد خسر حبه، بل خسر ثقته فى جميع البشر، ليغمض عينبه بألم وغصة مُتجها نحو الباب شارعاً فى الخروج من هذا المنزل، بينما "إياد" حاول أن يوقفه ولكن دون فائدة، ليعود ل "زينة" مرة أخرى والتي كانت تجلس على الفراش واضعة وجهها بالأرض وتبكى بصمت، ليتقدم نحوها مُعقباً بصدق:

- والله العظيم يا زينة أنا ما عملت حاجة، والله العظيم ما لمستك ولا قربت منك، الموضوع ده أكيد لعبة، أنا جالي تليفون إن الشقة بتتسرق جيت جري وأول ما دخلت لقيت حد حط حاجة على وشي وصحيت لقيتك قاعدة جمبي، هو ده كل اللي حصل والله.

لم تكترث لما يقوله، فهي كل ما تتأكد منه إنها نائمة بفراش رجلًا عارية تمامًا فاقدة عُذريتها، وليس ذلك فقط بل رآها الشخص الوحيد التي أحبته من كل قلبها وظنت إنها وجدت ضالتها به، ليتحطم ذلك الحلم الوردي بتلك الفضيحة التي لا تعلم كيف ولماذا حدثت! لتتعالى شهقتها هلتفة بإنهيار:

- أطلع برا، مش عايزة أسمع صوتك.
تفهم "إياد" تلك الحالة التى وصلت لها وحاول تهدئتها وأحتواء ذلك الإنهيار، لأول مرة يشعر تجاهها بمشاعر عطف أخوي، يشعر بالأسئ على كلاهما ولكن لا يعرف كيف سيخرجان من تلك الكارثة:

-زينة أهدي أبوس رجلك، والله صدقينى أنا معملتش حاجة أنا ..

صاحت به زاجرة إياه بصراخ هستيري:

- بقولك برا، أطلع برا.

خرج من الغرفة بينما نهضت هي وسريعا ما أرتدت ملابسها، خرجت من المنزل بأكمله تحت أنظار "إياد" الذي يُحاول أن يجد تفسيرًا منطقي لما حدث، ولكن دون فائدة! ليشعر بكثير من القلق مما سوف يحدث بعد ذلك وإذا علم "جواد"، هل سيصدقه!

❈-❈-❈

يجلس خارج غرفة الكشف مُنتظرًا خروج تلك الحالة التي بالداخل، ليدلف هو عازمًا على أن يعلم منها ما لم يستطيع أن يسأل فيه "ديانة"، إنه يشعر بالقلق الشديد منذ أن أستيقظ، يخشى أن يكون سبب لذلك الجنين أي نوع من أنواع الأذى، ليجد نفسه يأتي إلى الطبيبة الخاصة ب "ديانة" لكي يستفهم منها.

خرجت تلك الحالة التى كانت تسبقه، لتهتف مُساعدة الطبيبة مُوجهة حديثها نحوه مُردفة بإحترام:

- أتفضل يا أستاذ.

دلف الغرفة لتنهض الطبيبة من مكانها مُصافحة إياه مُضيفة بترحاب:

- أهلا يا جواد بيه.

بادلها الُمصافحة وسريعًا ما أشارت له بالجلوس، ليجلس مُقابلا لها مُردفًا بإندفاع:

- لو سمحتي يا دكتور أنا عايز أسال عن حالة ديانة والطفل، وهل الحمل ماشي بصورة طبيعية ولا لأ؟

أبتسمت الطبيبة على لهفته فى الإطمئنان على زوجته وطفله، لتُحاول أن تطمئنه:

- أطمن يا جواد بيه، صحة مدام ديانة والولد كويسة جدا.

- ولد!

قالها بإندفاع وقد تملكت منه ملامح الصدمة والقلق من مجرد أن خطرت له فكرة إنه سيُرزق بولد، لتلاحظ الطبيبة صدمته وخمنت إنها من شدة فرحته، لتضيف بابتسامة:

- أيوه، مدام ديانة حامل فى ولد، هي مورتكش الصورة ولا إيه؟

شعر بالذعر والهلع ممَ أكدته له الطبيبة، هو لم يكن ينتظر أن يُرزق بولد، كيف سيتعامل معه؟ كيف سيحبه! هل سيكون مثله؟ هل سيصبح شخصًا ضعيفا مثله؟ هل ستكون حياته كحياة والده؟ هل سيكون جبانًا هو أيضا! هل سترغمه الحياة على أن يكون شخصًا قاسيًا ذو مشاعر باردة؟ كثيرًا من الأسئلة تخبطت بعقله، يشعر بالتشتت الشديد.

وبدون أية مقدمات أو إكمال الحديث مع الطبيبة، سريعا ما نهض من مكانه عازما على الذهاب قائلا بتشتت:

- شكرا يا دكتور، بعد إذنك.
+

خرج من العيادة وهو يشعر بالتخبط والضيق الشديد، وكأن العالم بأكمله أصبح ضيقًا جدًا لدرجة إنه لا يستطيع الحركة أو التنفس، ليستقل سيارته مُديرًا محركها وشرع فى قيادتها دون أن يُحدد وجهته.

يتبع...

تتنقل بجميع أنحاء المنزل وقد وصلت لأعلى درجة من درجات القلق والتوتر، فالساعة قاربت على الخامسة مساءًا ولازالت لا تعرف شيئاً عن "زينة" منذ أن ذهبت إلى مرسمها، هي حتى لا تستطيع مُحادثتها عبر الهاتف لأن هاتفها مُغلق منذ الصباح، منذ أن جأت ل"جواد" تلك الرسالة التي لم تعرف مصدرها أو سببها إلى الأن، تشعر وكأنها أخطئت حين قامت بمحوها، ولكنها فى نفس الوقت تشعر إنها رسالة كيدية للإقاع بين "جواد" و "إياد"، ولكن من ذلك الذي يريد الإقاع بينهما! ما مصلحته بذلك؟ لم يهدأ لها بال إلا إذا عادت "زينة" وأطمأنت عليها.

يا ليتها أخبرت "جواد" بما حدث، وما إن ذكرته فى عقلها، حتى تذكرت ما فعله معها اليوم قبل أن يذهب إلى الشركة.

••

يهبط الدرج بعد أن بدل ملابسه مُسعتدًا للذهاب إلى الشركة، فوجدها تجلس فى ساحة البيت مُمسكة بهاتفها وتتابع شيئًا به، تقدم نحوها ووقف أمامها مُلفتًا إنتباهها قائلًا:

- الدكتور قالتلك إيه؟

رمقته ببعض من نظرات الإشمئزاز منه، ثم نهضت وحاولت الإبتعاد عنه، ليمنعها ممسكًا إياها من ذراعها مُردفًا بقليل من الحدة:

- أنا بكلمك.

دفعت يده بعيدًا عنها بنفور مُصيحة بإعتراض:

- شيل إيدك دي عني.

أبعد يده بعيدًا مُحاولًا عدم إحداث مشكلة بينهم مُردفًا بهدوء:

- أديني شلتها، قالتلك إيه؟

صاحت به مرة أخرى بإنزعاج من طريقته معها بالإضافة إلى إنها ما زالت غاضبة ممَ حدث ليلة أمس:

- قالتلي إنك شخص همجي ومريض.

أخذ كلامها على محمل الجد ممَ زاد قلقه من أن يكون تسبب فى مشكلة ما لطفليهما، ظهرت عليه ملامح القلق مُستفسرًا:

- ليه الجنين حصله حاجة؟

لاحظت قلقه وشعرت بقليل من الغرابة من خوفه الشديد على الجنين واللهفة الظاهرة فى نبرته، قررت أن تُجيبه عساها تتخلص منه ويرحل:

- لا محصولوش حاجة، أنت اللي حصلك حاجة فى عقلك.

حاولت الذهاب مرة أخرى ليمنعها هذه المرة بسؤاله الجاد لها:

- اتصلتي بإياد وأنا فى الحمام ليه؟

شعرت بقليل من التوتر والإرتباك، بماذا سوف تجيبه الأن، تشعر بالغباء الشديد لأنها أتصلت من هاتفه هو، حتى إنها لم تمحُ إتصالها اللعنة عليها، لتصطنع التلقائية مُجيبة إياه:
- كنت عايزه أطمن عليه هو وملك عاملين إيه مع بعض.

رمقها بقليل من عدم التصديق مُصاحبًا بعضًا من الغيرة الحارقة مُستنكرًا:

- كنتي تقدري تطمني من ملك!

أزداد توترها ولم تعرف حقًا ماذا تقول له! لتجد أن أفضل طريق للهروب من سؤاله، هو قلب دفة الحديث عليه، صاحت به مُصطنعة الإنزعاج:

- أنت هتحاسبني ولا إيه! أنت ليك إيه عندي؟

دفعها برفق نحو الحائط بحركة مفاجئة لم تتوقعها، وأحاطها بذراعيه ممَ جعله قريبًا منها للغاية مُضيفًا:

- ليا إني جوزك، وأبو اللي في بطنك.

الصدمة هي كل ما يبدو على وجهها الأن، وكأن لسانها تلجم عن الحديث، لتطول فترة إتحاد زرقاوتيهما معًا، وقد غاب كلا منهما فى أفكاره وبلحظة فقدان وعي، إقترب منها مُتجهًا نحو شفتيها عازمًا على تلثيمها.

وبالفعل أقتربت شفتيه من خاصتها وبمجرد تلامسهما، أنتفض جسدها أثر ذلك وكأنها صُعقت بتيار كهرباء، وبسرعة دفعته فى صدره فارة من أمامه.

على الرغم من إبتعادها وعدم إلتفافها للخلف، إلا إنها لاحظت إنه لايزال واقفًا ويطالعها حتى أختفت من أمامه، لتستمع بعدها لإغلاقه لباب المنزل خلفه فزفرت براحة وإطمئنان.

•••

لماذا منذ ليلة أمس يُحاول أن يفعل معها هذه الأشياء، ما الذي يريده منها؟ هل يفعل هذه الأشياء لكي تسامحه! يريد إستعطافها تارة ومُغازلتها تارة أخرى؟ لم يُحزر، إنها لن تسامحه ولو ماذا فعل.

التقطت هاتفها مُحاولة الأتصال ب"زينة" مرة أخرى لعلها تجدها فتحت هاتفها، ولكن دون فائدة لا يزال مغلقًا، زفرت بغضب وانزعاج:

- إيه! كل ده تليفونها مقفول؟

نظرت نحو هاتفها مرة أخرى وخطر ببالها أن تُحدث "مالك" بالطبع سيكون معها الأن، أحضرت رقم "مالك" وقامت سريعًا بالأتصال به ولكنه لا يوجد رد، شعرت بضيق وحنق وحاولت الأتصال مرة أخرة لعله يُجيب، ولكن خاب أملها للمرة الثانية ولم تستطيع التخلص من ذلك القلق اللعين الذى يُصور لها أبشع الأشياء.

وضعت هاتفها مرة أخرى على الطاولة وأخذت تطوف بالبيت بأكمله وهى تتمنى أن تكون الأمور بخير وأن تكون كل تلك التخيلات التي تدور برأسها بسبب قلقها ليس إلا.

❈-❈-❈

ظلت تُطالع هاتفها بأنتظار تلك المُكالمة التي تنتظرها منذ الصباح لكي تُعلن لها عن نجاح مُخططها، وإنها أستطاعت أن تُفرق بين "مالك" و"زينة" وعدم السماح لحبهما اللعين بالاستمرار وأن تستغل ذلك فى تحطيم علاقة "إياد" و"جواد" إلى الأبد، وذلك لأنها مُتأكدة أن "إياد" هو من أخبر "جواد" عن مُخططها.

ولكن من ليست لها ذنب بكل ما يحدث هي "زينة"، فهي لم تفعل شيئا ولكن "هناء" ترا شيئًا أخر، ترا أن "زينة" تستحق ذلك بسبب تقربها من تلك الفتاة التي تُدعى "ديانة"، وهى نفس تلك الفتاة أبنة عدوتها وأيضا من تجرأت ومدت يدها عليها، فإذا كانت "زينة" تُحبذ المكوث معها فلتتحمل نتيجة أختيارها إذا.
صدح صوت هاتف "هناء" مُعلنًا عن وجود إتصالًا لها، وواضح من تلك البسمة التي أرتسمت على وجهها أن تلك هي المكالمة التي كانت تنتظرها منذ الصباح، ألتقطت هاتفها وسريعًا ما أتاها ذلك الصوت:

- كله تمام يا ست هانم، اللى أسمه مالك ده نزل من عشر دقايق كده والست زينة لسه نازله حالا من عند أستاذ إياد.

ضيقت ما بين حاجبيها وهي على مشارف الدخول بنوبة غضب وإنزعاج، لن تكترث خلالها لأحدًا مهما كان لتهتف مُستفسرة:

- وجواد؟

تلجلج ذلك الرجل بخشية من ردة فعلها على ما سيقوله ولكنه يجب أن يخبرها حتى لا يصبح الأمر أسوء:

- بصراحة جواد بيه مجاش.

صرخت ملامحها بالغضب والحنق مُتمتمة بغيظ:

- بتقول إيه؟ سمعني كده أصل مسمعتش!

شعر الرجل بكثير من الخوف من نبرتها المُغتاظة والمُستهزئة بنفس الوقت، ليُحاول توضيح الأمر لها:

- والله يا ست هانم إحنا بعتناله الرسالة زي ما حضرتك أمرتي، بس هو اللي مجاش.

شعرت بالضيق صارخة فيه بتوبيخ وتوعد لهم بالموت على ذلك الأمر:

- هو أنتوا متكملوش حاجة للأخر أبدًا؟ دا أنا هطلع روحكوا واحد واحد فى إيدى يا شوية عيال.

أغلقت الهاتف وألقته بعيدًاا عنها وهي تشعر بكثير من الغضب والكراهية بسبب عدم تنفيذ خطتتها كما رسمتها، ولكن ما حدث ليس بالشيء البسيط وذلك سيدمر العلاقة بين "زينة" و "مالك" نهائيًا، وأيضا "إياد" وشقيقة "مالك"، فهو بالطبع لم يترك شقيقته بأن تظل مع شخص كهذا.

زفرت براحة وإنتصار مغمضة عينيها بفخر وأخذت تفكر فى الضربة القادمة، وماذا ستفعل مع "جواد" و"ديانة" وكيف ستُفرق بينهما وتتخلص من تلك الفتاة اللعينة.

❈-❈-❈

تُطالع الساعة وقد أزداد قلقها فالساعة قاربت على الثامنة مساءًا ولأزالت "زينة" لم تعد إلى المنزل بعد، وضعت يدها على جبهتها بتشتت لا تعرف ما الذي عليها فعله أتنتظر أكثر من ذلك أم ترسل رسالة ل "جواد" تخبره فيها بما حدث خشية من أن يكون هناك شيء طارق أو مصيبة ما؟

التقطت هاتفها وبدأت فى كتابة رسالة ل "جواد" وقبل أن تضغط على الإرسال أوقفها سماع صوت جرس الباب لتنهض من مكانها بعفوية لدرجة أن شعرت بألم بأسفل ظهرها، توقفت بحذر مُحاولة السيطرة على إندفاعها، وسريعًا ما قامت العاملة بفتح الباب ودلفت منه "زينة" التي يبدو من هيئتها أن هناك مصيبة ما، ألقت بنفسها داخل صدر "ديانة" وشرعت فى البكاء.

صدمت "ديانة" من فعلتها، ولكنها فطنت أن هناك مصيبة ما بسبب هيئها الغير مرتبة، بالأضافة إلى أعينها المنتفخة، قُبض قلبها وتمنت أن يكون الأمر ليس له علاقة بتلك الرسالة التى أُرسلت ل "جواد" وأن تكون "زينة" بخير، أخذتها إلى أقرب أريكة وجلس كلاهما.

ربتت "ديانة" على ظهر "زينة" التي لاتزال داخل عناقها مُحاولة تهدئتها:

- فى إيه يا زينة! إيه اللي حصل يا حبيبتي؟

حاولت "زينة" أن تتحدث بصعوبة بين شهقاتها تقص عليها ما حدث، مُحاولة التخفيف من ألم صدرها:

- أنا إتدمرت يا ديانة.

أنتفض قلب "ديانة" التي أوشكت على التأكد من أن مخاوفها أصبحت حقيقة، أبتلعت بهلع مستفسرة:

- إيه اللي حصل؟

قصت عليها "زينة" ما حدث بداية بهولاء الرجولان والمرأة الذين قاموا بتخديرها مرورًا بأستيقاظها بفراش "إياد" وهما عاريان الجسد، بالأضافة إلى تلك البقعة الحمراء التى كانت بجانبها ودخول "مالك" عليهما وضربه ل "إياد"، نهاية بحديث "إياد" لها وإقسامه على إنه لم يفعل شيئًا وإنه أيضا قام أحدهم بتخديره ووضعه بجانبها، وأجهشت فى البكاء مرة أخرى.

أرتجف قلب "ديانة" وأتسعت عينيها بصدمة وهلع مما قصته عليا "زينة"، لتصيح بذعر:

- إياد!! أزاى إياد يعمل كده! وليه مالك راح لإياد فى الوقت ده و...؟

تذكرت تلك الرسالة التي رأتها بهاتف "جواد"، ألقت بالذنب على نفسها وإنها كان بإمكانها إنقاذ الأمر لو كانت تركت تلك الرسالة ليراها "جواد"، لكان أستطاع إنقاذ شقيقته الأن وكان لم يحدث لها شيء، أمتلئت عيني "ديانة" بالدموع هي الأخرة مُردفة بندم:

- أنا أسفة يا زينة، أنا كان فى إيدى أنقذ الموضوع بس أنا بغبائي ده مسحت الرسالة.

خرجت "زينة" من عناق "ديانة" مُضيقة ما بين حاجبيها مُستفسرة؟

- رسالة إيه؟

أجابتها "ديانة" بخذي وندم مُحملة المسؤلية على نفسها وإنها من تسبب فى حدوث ذلك الأمر:

- رسالة جت على تليفون جواد من رقم غريب بتقول " هى أنسة زينة أخت حضرتك بتعمل إيه فى شقة إياد صاحبك" والله يا زينة ما كنت أعرف إن الموضوع هيوصل لكده، أنا افتكرتها لعبة توقيع بينهم واللي اكدلى أكتر إن وقتها أتصلت بإياد وكان فى الشركة ومستنى جواد.

تأكدت "زينة" الأن من شكوكها وأن كل ما حدث كان مُخطط للإقاع بهم، وتلك الرسالة التى أُرسلت لأخيها وحديث "ديانة"، كل ذلك أكد لها أن "إياد" لم يكن يكذب هو الأخر وإنه قد قام أحد بتخديره مثلها تماماً.

قطع شرودها صوت بكاء "ديانة" التي تشعر بالذنب فى حقها مُعتذرة:

- أنا أسفة يا زينة بجد أسفة أنا...

قاطعتها "زينة" نافية ما تقوله بإنها السبب فى شيء وأن مسحها للرسالة كان خطأ، لتصحح لها حديثها:

- بالعكس يا ديانة أحسن حاجة عملتيها إنك مسحتي الرسالة وإلا كان زمان فيه بحر دم، أنا كده فهمت.

ضيقت "ديانة" ما بين حاجبيها وعلى وجهها أثار البكاء لتهز رأسها بعدم أسيتعاب مستفسرة:

- يعنى إيه مش فهمه؟

تنهدت "زينة" براحة بأن "جواد" لم يرى الرسالة وإلا كان حدث ما لم يستطيع أحدًا إيقافه مُجيبة إياها:

- قصدي يا ديانة إن دي فعلا كانت لعبة إني أتخدر وأتحط فى سرير إياد وجواد ومالك يشوفوني بالمنظر ده، وجواد يقتل إياد بسبب اللي أكيد هيخمنه ويقتل مالك اللي أكيد مش هيسيبه عايش يتكلم فى شرف أخته، أو ممكن يفكرهم متفقين، ده لو مقتلنيش معاهم.

أتسعت عين "ديانة" بدهشة ممَ سمعته وسريعًا ما شعرت برجفة قلبها من مجرد تخيلها لذلك الأمر، شعرت بالراحة لكونها مسحتها، ولكنها شعرت بالقلق والتوتر مرة أخرة، لترفع نظرها نحو "زينة" ببعض النظرات الأستفسارية التي لم تستطيع أن تتفوه بها، لتدرك "زينة" ما تعنيه نظراتها، وأضافت بألم:

- عارفة أنتي عايزه تسألي عن إيه وأنا كمان أول ما نزلت من عند إياد كنت هموت وأعرف اللي أنتي عايزه تعرفيه، وفعلا روحت لدكتورة شهرة.

••

تجلس خارج غرفة الكشف منتظرة دورها وهي تشعر بأن كامل مصيرها مُعلق بكلمة واحدة من الطبيبة، كلمة واحدة ستكون الفيصل بين ما رأته وبين ما قاله "إياد"، وإن كان ما تُفكر به حدث بالفعل ستجعله يندم أشد ندم.

لحظات وخرجت مساعدة الطبيبة سامحة لها بالدخول:

- أتفضلي يا أنسة زينة.

أنسة! تتمنى ذلك، دلفت غرفة الكشف لتنهض "شهرة" من مكانها مرحبة بها سامحة لها بالجلوس، بينما تشعر بالغرابة من زيارتها لها على الرغم من أنها كانت عندها فى صباح اليوم، وبعد أن ذهبت هي و"ديانة" جاء "جواد" هو الأخر! ما الذي يحدث يا ترى؟

- خير يا أنسة زينة، مدام ديانة حصلها حاجة؟

أبتلعت غصة حلقها وهي تشعر أن روحها على وشك الخروج من جسدها، ماذا تخبرها أو كيف ستقص عليها ما حدث لها؟ أجابتها بتردد.

- ديانة كويسة.. الحقيقة أنا جاية عشاني أنا مش عشان ديانة.

ضيقت الطبيبة ما بين حاجبيها بعدم أستيعاب، ولكنها خمنت إنها لديها مشكلة ما تريد إستشارتها بها:

- خير يا أنسه زينة!

تنهدت "زينة" بحسرة وشعور بالأنكسار لم تستطيع تحمله، لتملأ الدموع زرقاوتيها وأصبحت على مشارف الدخول بنوبة بكاء يُمكن من شدتها أن يغشى عليها، عملت جاهدة على التفوة بتلك الكلمات التى من الصعب أن تتفوه بهم فتاة فى مكانتها:

- أنا.. أنا عايزة.. أنا عايزه أعمل virginity detection "فحص عذُرية".

إتسعت عينى الطبيبة متفاجأة مما أستمعت، إنها لم تتفاجئ من الطلب، بل تفاجأة إنه يخرج من "زينة"، هي تعلم إنها ليست متزوجة، فلماذا إذا تريد عمل فحصًا كهذا! أيمكن أن يكون حدث لها مشكلة ما؟

- حاضر، بس ممكن أعرف إيه السبب؟ أنا اللي أعرفه إنك مش متجوزهة

إنهارت باكية بعد أن عجزت فى منع دموعها فى الإنسياب، وأخذت تبكي بكل حرقة وألم نابع من قلبها بسبب ذلك الموقف الذي وضعت فيه بمجرد رمشة عين، حتى إنها لم تفعل شيئًا.

لاحظت "شهرة" إنهيارها وشعرت بالكثير من الشفقة عليها، نهضت من مكانها مُتجهة نحو "زينة" رابتة على كتفها بإستفسار:
- فى إيه يا زينة! لو فى أي مشكلة قوليلي يمكن أقدر أساعدك.

أزداد نحيبها وأخذت شهقاتها فى العلو، ماذا ستقول لها وهي لا تعرف حتى ما الذي حدث! أتقول لها إنها أستيقظت من نومها وجدت نفسها نائمة فى فراش صديق شقيقها عارية تمامًا وهو أيضا مثلها وهناك بقعة دماء لعينة تُلطخ الشراشف أسفهلهم، شهقت محاولة إجبار نفسها على الحديث وإخبار "شهرة" سببًا يجعلها تفحصها دون الإفصاح عن حقيقة الأمر:

- أنا كنت ماشية بالعربية وفجاة حراميه أعترضوا طريقي ولما وقفت خطفوني وبنجوني وبعدها صحيت لأقيت نفسى فى مكان فاضى وهدومي متقطعه وعليها دم، أضطريت أكلم خطيبي يجي يلحقني ولما جيه وشاف اللي حصل إقتنع إني أتعرضت لأغتصاب وعشان كده عايزة أتأكد إذا كان ده حصل ولا لأ؟

شعرت الطبيبة بالأسئ على ما قصته عليها "زينة"، رغم إنها تشعر أن هناك جزء مفقوده لم تخبرها بها، إلا إنها شعرت بالحزن تجاهها فذلك الشيء صعب جدًا على أي فتاة أن تتحمله، نهضت الطبيبة مُردفة بحزم:

- أتفضلي يا زينة أكشف عليكي.

نهضت بثقل تقترب من ذلك السرير وهي تقديم قدم وتُأخير الأخرى، فمصيرها سيُحدد خلال ثوانً فقط وهي شبه متأكدة إنها بالطبع خسرت ما هو عزيز على كل فتاة، وقفت أمام السرير وهي تشعر بالبرودة قد سارت فى جسدها بأكمله، لتُحاول "شهرة" مساعدتها:

- أخلعي هدومك ونامي على السرير وغطي نفسك.

أغمضت عينيها بكثير من الحصرة والرعب بوقت واحد، ولكنها نفذت ما قالته الطبيبة، وبالفعل تخلصت من ملابسها السُفلية وصعدت على الفراش ووضعت تلك الأغطية عليا.

جلست "شهرة" أمام السرير بين قدميها المغطاة أمامها ويبدو عليها الأرتجاف، لتحاول "شهرة" أن تخفف عنها وتطمئنها:

- متقلقيش يا زينة الموضوع كله مش هياخد دقيقة ومش هتحسي بحاجة، أهم حاجه سيبي أعصابك خالص.

أومأت لها بالموافقة والدموع تتسارع فى الهبوط من عينيها، ما أصعب ذلك الموقف على فتاة لم يُكشف سترها أمام أحدًا من قبل، وحين ينكشف يكون فى فحصًا لعذُريتها، بالطبع سيكون الأمر ليس هيناً.

رفعت "شهرة" الغطاء عنها بهدوء، لينكشف نصفها السفلي أمام أعينها بوضوح، وبسرعة البرق ضمت "زينة" ساقية وتعالى صوت بكائها بكثير من الألم والحسرة، لتحاول "شهرة" التخفيف عنها:

- زينة أهدي متفكريش فى الموضوع إنهvirginity detection، فكري كأنك جايه تكشفي عادي على مشكله خارجية، سيبي أعصابك خالص لحظة واحدة وهنكون خلصنا.

حاولت تمالك أعصابها والسيطرة على نفسها، حاولت أكثر من مرة أن تُباعد بين ساقيها إلى أن قامت بفعلها وقامت "شهرة" بفحصها.

أعتصرت عينيها بكسرة وضعف بسبب ما اُضطرت على القيام به لمعرفة حقيقة الأمر، نعم تلك ثواني قليلة جدًا، ولكنها تمر عليها وكأنها سنوات طوال، تلك الثواني هي من ستُحدد لها ما هو مصيرها.

لم تمر سوى لحظات لتخلع "شهرة" قفازاتها الطبية مُعلنة عن إنتهاء الفحص، تعالت ضربات قلبها بشدة منُتظرة رد الطبيبة، لتهتف "شهرة" بابتسامة:

- زينة واضح إن ربنا بيحبك جدا عشان كده مش كاتبلك البهدلة، الحمدلله إنتي Virgin "عذراء"، أنا هعملك حالًا تقرير بده عشان توريه لخطيبك.

تنهدت "زينة" بكثير من الراحة وشعرت وكأنها ولدت من جديد، يبدو أن "إياد" كان على حق ولكن من هو المسؤول عن كل ما حدث، لا يهم ما يُهمها الأن هو التفسير ل"مالك" عما حدث وإثبات إنها لم تفعل شيئًا وذلك التقرير سيُساعدها كثيرًا.

نهضت من السرير وأرتدت ملابسها مُتجهة نحو الطبية لتستلم التقرير وكأن الحياة قد عادت لها مُردفة بإمتنان:

- شكرًا يا دكتور، بجد شكرًا.

•••

- الحمدلله يا زينة إنها جت على قد كده، بس مين اللي ليه مصلحة يعمل كده! ومين أصلا اللي يعرف بعلاقتك أنتي ومالك ويخليه يجي ويشوفك فى الوضع ده؟

شعرت "زينة" بالتخبط الشديد، نعم ليس هناك أحد يعلم بعلاقتها هي و"مالك"! فمن يكون إذًا المسؤول عن فعل ذلك وما هي غايته؟

لاحظت "ديانة" تشتتها لتُحاول التخفيف عنها:

- أهم حاجة دلوقتي إنك بخير ولازم مالك يعرف الحقيقة فى أقرب وقت.

أومأت لها "زينة" بالموافقة على حديثها، بينما تشعر بداخلها أن تفسير الأمر ل"مالك" لن يكون هينًا أبدًا، ولكنها عليها توضيح الأمر مهما كان عليها أن تتحمله:

- معاكى حق.

❈-❈-❈

خرج الطبيب من غرفة العمليات بعد أن أستغرقت عدة ساعات، أسرع إليه كلاً من الأب وابنته مُستفسرين على نتيجة العملية، صاح "عامر" مُوجها حديثه نحو الطبيب مُتحدثا باللغة الأنجليزية:

- أخبرني يا حضرة الطبيب ما هي النتيجة؟

أبتسم الطبيب لهما بإبتسامة تهنئة مُضيفًا:

- تهانينا يا سيد عامر، لقد نجحت العملية.

لحظات من الصدمة وسرعة فى ضربات القلب، قبل أن تغمرهم السعادة على نجاح عملية "ماجدة" والتى ستؤثر عليا تأثيرًا كبيرًا، وستكون أهم خطوة فى علاجها، هتفت "أسما" بلهفة:

- حضرة الطبيب أرجوك أخبرني ما هي نسبة شفائها الأن! وما هي الخطوة القادمة؟

أجابها الطبيب موضحًا لها ما الذي سوف يحدث خلال الفترة القادمة:

- لا شك أن نسبة تعافيها قد زادت الأن بشكل ملحوظ، الخطوة القادمة مُعتمدة بنسبة كبيرة على نفسية المريض وقابليته للعلاج الذي سيُركز على العلاج الطبيعي، وهذا بخصوص حركتها التي ستعود تدريجيًا، أما بخصوص قدرتها على الكلام أيضا ستعتمد على قوة وعزيمة المريضة، الأن الأمر مُتعلق بعزيمتها وإرادتها فى الشفاء الذي سيُتتم بأسرع وقت.

مد "عامر" يده مُصافحا الطبيب مُردفًا بأمتنان:

- شكرًا جزيلًا لك دكتور بيتر.

بادله الطبيب المُصافحة بابتسامة لابقة:

- لم أفعل شيئا سيد عامر، فهذا واجبي.

❈-❈-❈

تجلس بصحبة "ديانة" على طاولة الطعام لتناول الفطور وها قد مر يومان وهى لا تستطيع الوصول إلى "مالك"، فهو يغلق هاتفة منذ ذلك اليوم حتى إنه لم يذهب إلى عمله، مما جعلها تشعر بالقلق الشديد عليه وما زاد قلقها هو إخبار "ديانة" إياها إنه قام بجمع أغراضه من منزل والديه وقأم بترك المنزل، بالأضافة إلى إنه لم يخبر أحدًا بشيء ولا حتى "ملك" ولم يُحاول إبعادها عن "إياد"حتى، هذا الشيء مُريبًا حقًا.

قطع شرودها صوت "ديانة" التي لاحظته وخمنت إنها تُفكر ب"مالك" وبأختفائه المُفاجئ، حاولت أن تطمئنها مُردفة بتردد:

- زينة، أنا عرفت أخبار عن مالك.

تركت ما بيدها ونظرت إلى "ديانة" بانتباه شديد مُعقبة بلهفة:

- هو فين يا ديانة ومختفي ليه! كويس ولا لأ؟ طمنيني يا ديانة أرجوكي أ...

قاطعتها "ديانة" مُحاولة تهدئتها:

- أهدي يا زينة هو كويس متقلقيش، مأجر شقة مفروشه وقاعد فيها.

نهضت من مكانها بسرعة كبيرة مُعقبة باستفسار:

- عنوان الشقة إيه؟

نهضت "ديانة" من مكانها هى الأخرة مُردفة:

- طيب أستني هأجي معاكي.

أوقفتها "زينة" مُعقبة بإصرار:

- لا يا ديانة خليكي أنتي هنا، عشان جواد ميعملش مشكلة، وكمان عشان عايزة أتكلم مع مالك لوحدنا، عشان عارفة إنه من الصعب يصدق أو يقتنع.

تفهمت "ديانة" ما تقصده "زينة"، هى تخشى أن يقوم بالإنفعال عليها أو إهانتها أمامها، فوافقتها الرأي وقامت بإعطائها العنوان، وسريعا ما صعدت "زينة" لتبديل ملابسها والذهاب لمواجهته.

❈-❈-❈

وصلت أمام منزله وهي تشعر بالكثير من الخوف والقلق من تلك المواجهة التي لا تعلم إن كانت بوقتها المناسب! أم إنها تسرعت فيها؟ ولكنها عليها أن ُتسرع فكلما تركته وتلك الفكرة مُسيطرة عليه سيكون من الصعب حينها أن يصدقها، لتستجمع شجاعتها وتضرب الجرس.

ظلت واقفة أمام الباب عدة دقائق حتى إنها قامت بضرب الجرس لمرات عدة وكأن كل المؤشرات تُحذرها من تلك المُقابلة، إلا إنها لم تُلاحظ ذلك، خمنت إنه ليس بالداخل وكادت أن تذهب، ولكن أوقفها صوت فتح باب الشقة، رفعت نظرها لتجده ويبدو إنه ليس بحالة جيدة، بينما الأخر بمجرد أن وقعت عينيه عليا أعطاها ظهره ودلف إلى الداخل مُردفًا بتهكم:

- أهلا بست البنات.
أغمضت عينها بحزن وأسئ على طريقته وهيئته التي فسرتها بإنه مريض أو ما شابه، لتدلف المنزل خلفه وأغلقت الباب، حتى لا يستمع أحدًا إلى حديثهما إذا قام بالصراخ عليها، مُضيفة بإلحاح:

- مالك ممكن طيب تديني فرصة أفهمك؟

التفت "مالك" إليها بغضبًا كبير ونظرات مُشتعلة، سريعا ما تقدم نحوها بعد أن تذكر ذلك المنظر الذي رآها به فى فراش "إياد" وقام بجذب ذراعها صارخا بها:

- تفهمينى!! لا أستنى بقى أنا اللي هفهمك، أنا دخلت عليكي لقيتك نايمة فى سرير راجل وأنتوا الأتنين عريانين وكان لسه قايم من جمبك.

زاد من شدة قبضته على ذراعها عند تذكره لتلك المشاهد القاسية التي عمل لسنوات جاهدا لكي ينساها، لتأتي هي بلحظة وتذكره بكل تلك الألم والأوجاع، صرخ بها بأسنان ملتحمة وأعين تتطاير منها النيران:

- كنتي مبسوطة مش كده؟ كنتي متمتعه وأنتي نايمة معاه؟ عرف يبسطك صح!

قال جملته الأخيرة بصوت جهوري تقسم إنه قد أستمع إليه جميع من بالشارع، شعرت بالرعب والفزع من تلك الهيئةوالنفزعة التي لم تراه بها من قبل، بالأضافة إلى تلك الرائحة الكريهة التي تفوح من فمه، لتُخمن إنه ثمل، لعنت نفسها على فكرة قدومها بمفردها وبذلك الوقت الخاطئ، لتحاول توضيح الأمر له مُردفة بهلع:

- والله العظيم أنت فاهم غلط، انا روحت لدكتورة و...

قالت جملتها وهى تقوم بفتح حقيبتها مُخرجة تقرير الطبيبة واضعة إياه أمام أعيُنه لكي يراه، ولكنه قاطعها بجذبه من يديها وإلقائه أرضا صائحًا بوجها بانفعال:

- فاكراني عيل صغير جايه تضحكي عليه بحته ورقة!!

شعرت "زينة" بالغضب الشديد من عدم تصديقه لها وإصراره على إنها قامت بفعل ذلك الأمر، حتى إنه لم يهتم لينظر بذلك التقرير، ومن شدة غضبها قامت بجذب عنق قيمصة صارخة به بغضب وحنق وهي تضرب الأرض أسفل قدميها بإعتراض:

- أنت ليه مش عايز تصدقني والله العظيم ما عملت حاجة، والله ما فى حد لمسني، أعملك أيه عشان تصدقني؟

قام "مالك" بالقبض على فكها السفلي وكأنه يريد سحق أسنانها بين يديه ومنع ذلك اللسان عن خداعه، مُضيفًا بغضب وحنق:

- شايفاني عيل صغير! فكره نفسك هتعرفي تلعبي معايا تاني يا علا صح! ماشي أنا بقى هوريكي اللعب بيبقى عامل إزاي؟

جذبها من شعرها متجها بها ناحية الغرفة، لتصرخ هي بين يديه بسبب شدة جذبته لشعرها الذي كاد أن يُقلع فى يديه، ومشدودة أيضًا من ذلك الأسم الذي ناداها به، ليدلف الغرفة بها وسريعا ما قام بإلقائها على الفراش وأسرع فى إغلاق الباب، نهضت وهي تشعر بكثير من الهلع مُصيحة به:

- أفتح الباب يا مالك.

تقدم إليها بخطواط بطيئة وغير مُتزنة وهو يقوم بخلع سترته وإلقائها أرضا، والتخلص من حزام بنطاله، وقام بالتقدم نحوها وهو يشعر بكثير من الغضب والكراهية تجاه جميع نساء الأرض، ويتوعد لها بأن يجعلها تندم على خيانته وجعلها تتحمل نتيجة ما فعله كلاهما، سواء هي أو من تسبقها.
+

يتبع...
أخذ يتقدم نحوها بعد أن تخلص من سترته وحزام بنطاله، ثم قام بفك أزارار قميصه وهو يزيد من سرعة خطواته نحوها إلى أن أصبح قريب منها للغاية، فطنت ما يُفكر فيه ونوياه تجاهها، لتشعر بكثير من الرعب والفزع وحاولت الهروب سريعًا من بين يدي هذا المُغيب عن وعيه تماما.

وصلت إلى باب الغرفة وكادت أن تُمد يدها  ووفتحه، منعها جسده الذي أصبح عاري وحاصرها بين يديه بعد أن تخلص من قميصه، شهقت "زينة" بفزع ورعب هازية بنبرة تحذرية:

- مالك أنت هتعمل إيه! فوق يا مالك أنت مش فى وعيك.

أقترب منها كثيرًا إلى أن أصبح جسديهما مُلتصقان ببعضهما جدًا مُحاوطًا إياها بين ذراعيه، حُصرت بين جسده أمامها والباب خلفها، هبط "مالك" نحو أذنها هامسًا بأنفاس حارقة جعلت جسدها يُقشعر من شدة الخوف والرعب مُردفًا بهمهمة ورائحة الخمر تفوح من فمه:

- ليه أبص فى حتة ورقة أنا معرفش أساسًا هي سليمة ولا لأ عشان أتأكد منها إنك منمتيش مع إياد! منا فى إيدي أتاكد بنفسي يا ست زينة.

أزادت أنفاسها وتسارعت ضربات قلبها من شدة الخوف، كادت أن تدفعه بعيدًا عنها وتهرب من أمامه فى الحال قبل أن يفعل شيء يجعلها تكرهه إلى الأبد، ولكن لم يحالفها الحظ فى تلك المرة وقد فات الأوان بالفعل، وقد تملكت منه تلك الفكرة الوضيعة.

أسرعت يده فى القبض على ذراعيها ساحبًا إياها خلفه نحوالأريكة، ألقى بها سريعًا على بطنها فوق أحد جانبي الأريكة، أصبح وجهها مُقابلًا للمقعد وبطنها مُقابلة لذلك الجانب وقدميها مُتدليتان إلى الأسفل تكاد تلمس الأرض، ممَ أدى إلى جعل مؤخرتها فى مقابلته مباشرة ويده على ظهرها راغما إياها على الأنحناء، صاحت "زينة" بعد أن أدركت ما ينوي عليه مُحاولة إيقافه صارخة:

- لا يا مالك متعملش كده، أرجوك يا مالك بلاش، فوق يا مالك.

لا يستطيع الاستماع إلى صرخاتها، فكل ما يستمع إليه هو صوت تلك العاهرة وهي تصيح بطلب المزيد من ذلك الحقير الذي كان يعتبره فى إحدى الفترات أقرب شخص له بل أقرب شخص إلى قلبه، أزداد شعوره بالحقد والكراهية ولم يعُد يُميز من تلك التي أسفله أهي "زينة" أم "عُلا"؟

بينما أمتدت يدها إلى خلف ظهرها مُحاولة إبعاده بعد أن فرق ما بين ساقيها بالفعل وأصبح يقف بينهما، التقط يدها التي حاولت إبعاده بواسطتها والتقط الأخرى مُقيدًا إياهما خلف ظهرها بيد واحدة من يديه، لتمتد اليد الأخر لترفع عنها فستانها وتجردها من سروالها الداخلي.

صرخت "زينة" بهسترية وهي على وشك أن تفقد أعز ما تملكه أية فتاة بالعالم هازية بذعر:

- لا يا مالك لا، أبوس إيدك يا مالك، أبوس رجلك متعملش كده.

ترقرت الدموع فى عيني "مالك" وهو يشعر بكثير من الألم والحزن، بينما أمتد يده مُحررة رجولته ظننا منه إنه بمجرد أن يفعل هذا سيتخلص من ذلك الألم الذي عانى منه لسنوات وبالكاد تعافى منه، لتأتي هي الأن وتجدد ذلك الألم بداخلة.

لم يكن يستمع إلا لتلك الصرخات التى تطالب بالمزيد من تلك العلاقة المحرمة المُصنفة تحت بند الخيانة ولا يستمع لصراخ تلك المسكينة بين يديه:

- مالك.. لا يا مالك، تعالى معايا عند الدكتوةر طيب، أسالها بنفسك بس بلاش كده يا مالك، مالك لا آآآه..

صرخة قوية ومتألمة صدحت بأركان المنزل بأكمله بسبب تلك الدفعة القوية والعنيفة التي تلقتها "زينة" للتو، ولكن بالمقابل تلك الصرخة لم تقلل من غضبه وأخذ يدفع بها غير مُهتما لصرخاتها المتألمة بشدة ولم يرى بقعة الدماء الصغيرة تلك التى لطخت عضوه الذكري، لا يهتم سوى بتلك الدفاعات مُتأملًا أن تقلل من ألمه وعذاب صدره.

أتجهت يده نحو شعرها جازبًا إياه إلى الخلف مقربًا شفتاه من أذنها وهو لايزال بداخلها هامسًا ببكاء يحاول إخفائه بين دفعاته القوية:

- ليه يا زينة، ليه تعملي فيا كده؟ ليه تعملى زيها؟ دا أنا حبيتك وعشقتك أكتر منها! قولت إنك غيرها وإنك أحسن وأنضف منها! ليه تخونيني زيها يا زينة ليه؟

كانت غير منتبهة لحديثه، لا تستمع سوى لصوت دفعاته العنيفة التي تقسم إنها مزقتها من الداخل يليها صوت صراخها الذي يحمل الكثير من الألم بسبب تمزق ما بداخلها، وأيضا حلقها الذي جُرح بسبب كل هذا الصراخ، ولسوء حظها أن البناية جديدة و"مالك" أول ساكن بها.

بينما ظل هو يدفع بها إلى أن وصل إلى خلاصه، بمجرد أن أنتهى شعر بكثير من الغثيان وأسرع إلى المرحاض مُفرغا كل ما بمعدته بسبب كثرة كمية الخمر الذي تناولها، ولم يرى قطرات الدماء الذي أخذت تنسدل من بين قدمي "زينة".

بمجرد خروجه من الغرفة، صارعت هي راغمة نفسها على الأعتدال والنهوض من فوق الأريكة وهي بالكاد تستطيع التقاط أنفاسها من بين شهقاتها، مُلتقطه بعض المحارم من تلك العلبة فوق الطاولة، وأخذت تمسح تلك الدماء من فوق جسدها وألقطها داخل سلة القمامة.

نهضت مرتدية سروالها الدخليه وأنزلت فستانها وأسرعت فى الخروج من المنزل خشية من أن يعود إليها مرة أخرى ويفعل بها ما فعله مرة ثانية.

خرجت من شقته مُحطمة جدًا بداخلها، بسبب ما فعله بها وتلك الطريقة التي أفقدها بها عذريتها، ولم يكتفي بذلك بل قام معها بممارسة تلك العلاقة المقززة ولم يرأف عليها كونها لاتزال عذراء، صعدت سيارتها وهي بالكاد تسطيع أن تتحرك، من حسن حظها إنها أحضرت السائق معاها وإلل لكانت الأن ميته بسبب حادث مروع، أنطلق السائق مُتجها نحو منزل "جواد".

تجلس بالمقعد الخلفي وتبكي بكثير من القهرة والحزن، الأن فقدت كل شيء، لم تدوم سعادتها بكونها لاتزال عذراء وأن "إياد" لم يفعل معها شيئًا لتتلأشى فرحتها تحت أغتصاب "مالك" لها، تعالت شقتها بألم وكأنها تُصارع الموت الذي يقوم بسحب أنفاسها لخروج تلك الروح النقية من هذا الجسد المُدنس بسبب فعلة الرجل الوحيد الذي أحبتة، كم تتمنى الأن أن تفارق روحها جسدها لتتخلص من هذا الألم الذي يفتك بها وكانه يُمزقها من الداخل.

❈-❈-❈

دلف المنزل بعد أن عاد من شركته لإحضار أحد الملفات المهمة التي جلبها إلى البيت كي يراجعها، ولكنه نساها اليوم وهو ذاهب إلى العمل والأن عاد لأخذه، صعد الدرج مُتجهًا نحو غرفته وسريعًا ما فتح بابها حتى تفاجئ بتلك التي شهقت بمجرد أن رأته وسقط ما بيدها، أقترب منها "جواد" بشك، إنه غير مُعتاد على تواجدها بغرفته، تقدم عدة خطوات وزرقاوتيه لا تُفارق خاصتها مُستفسرًا:

- أنتي بتعملى أيه هنا؟

توترت "ديانة" كثيرًا من وجوده، لم تكن تتوقع أن يعود فى هذا الوقت وما زاد توترها هو سؤاله لها، ماذا تقول له؟ إنها لا تعلم سبب ما تفعله! فقد جائت لتبحث عن قلمًا، لا تعلم متى وكيف تطور الأمر لينتهي بها مُسمكة بقميصة تستنشق رائحته؟

كان موضوعًا على الفراش أمامها ومن الوضح إنه نسى أن يضعه فى سلة الثياب المتسخة، شعرت بالحاجة الشديدة لحمله واستنشاق رائحته، لا تعلم سبب هذا التصرف؟ اللعنة على تلك الرغبة التي وضعتها بمثل هذا الموقف المُحرج مع أكثر شخص تكرهه بهذه الحياة، حمحمت بحرج وتوتر مُحاولة إخفائه مُجيبة بتلعثم:

- كنت.. كنت بدور على قلم.

لاحظ توترها وتلعثمها فى الحديث ليُدرك أن هناك شيئًا ما، أقترب منها أكثر وأخذت هي فى العودة إلى الوراء وهي تشعر بكثير من الرعب من أن يغتصبها مثلما فعل من قبل، ظلت تعود إلى الخلف كلما أقترب منها إلى أن التصقت بالحائط خلفها، طالعها بنظرات شك مُستفسرًا:

- بتدوري على قلم فى قميصي؟

أزدادت ضربات قلبها وأصبح العرق يتصبب من جبهتها بسبب شعورها بالخوف الشديد من أقتربه منها، وتواجده معاها بنفس الغرفة ولا يوجد سواهما فى المنزل، وأيضا من سؤاله لها التي لا تملك له أية إجابة منطقية، بينما ظل هو يتنقل بنظراته تارة على زرقاوتيها وتارة أخرى على شفتيها وبالكاد يمنع نفسه عن التقاطهما بفمه، هتفت هي فى النهاية بأرتباك:

- لا، أنا لقيته واقع على الأرض فشلته عادي.

أبتسم وقد راقه كثيرًا رؤيتها على تلك الحالة وهي تتعرق من كثرة التوتر، وتلك الحمرة التي كست وجهها بأكمله بالإضافة لذلك التلعثم فى كلماتها، شعر بلذة غير مُفسرة، ليستمر فى مشاكستها هامسًا:
- مش ملاحظة إنك بقيتي بتدخلي أوضتي كتير؟

زاد توترها من بسبب ابتسامته الماكرة والتي جعلتها تشعر ولأول مرة بالرغبة الشديدة فى تقبيله، ما الذي يحدث لها اليوم؟ عضت على شفتيها بحركة لا إرادية منها لكى تسيطر على رغبتها وأفكارها المنحرفة تلك.

بينما حركتها اللا إرادية تلك كان لها تأثير أخر عليه ولم يعد يستطيع التحكم بنفسه أكثر من ذلك، التقط شفتيها بقبلة ممتلئة بالشغف والرغبة مُعبرة عن مدى إحتياجه لها.

ولم تمر ثوانٍ حتى فاجأته "ديانة" بتجاوبه، ومبادلته تلك القبلة رغمًا عنها، تلك الرغبة المُلحة هي من أجبرتها وما كانت تلك سوى مجرد بداية، إنها تشعر بتأجج رغبتها الأن وإحتياجها الشديد له، جسدها يشتاق لأول لقاء جنسي بينهم، تلك المرة التي فعلها دون عنف أو قسوة، تحتاج للشعور بلماسته فى ذلك اليوم.

بينما صُدم "جواد" من فعلتها التي بدت له وكأنها طلب صريح منها بحاجتها إلى المزيد، ليعمق من قبلته أكثر وأخذ يضمها إلى صدره وهي تبادله، ليصنعان قبلة مليئة بالشغف والإثارة مُعبرة عن مدى احتياج كلاهما.

أمتدت يده لمحاصرة خصرها وتمني لو يسمعها منها ولو لمرة واحدة، ليسألها بهيام وأنفاسٍ مُتثاقلة:

- عايزاني يا ديانة؟

وقبل أن يأخذها على الفراش ويُلبي إحتياجهما، منعه ابتعادها المفاجئ وتوجهها إلى المرحاض وإغلاق الباب خلفها بسرعة، تابعها ظنًا إنها تهرب منه ولكنه توقف عند سمعها وهي تُفرغ كل ما بمعدتها.

شعر بالحزن الشديد مُستنتجًا إنها قد تقيأت بسببه أو بسبب قربه منها وإنها بالفعل لا تطيق رائحته، ليتنهد بأسى ملتقطًا ذلك الملف الذي جاء من أجله، خرج من غرفته هابطًا الدرج وهو ينادي على العاملة التي سريعًا ما كانت واقفة أمامه تنتظر أوامره، هتف وهو يهبط أخر سلمة بحدة وجمود:

- ديانة تعبانة شوية فوق، أعمليلها حاجة سخنة وطلعيهالها.

أومأت له باحترام وسريعا ما ذهبت لتنفيذ أمره، بينما خرج هو من الفيلا مُستقلًا سيارته مُتجها بها إلى الشركة وهو يشعر بالغضب الشديد من نفسه لأنه هو من أوصل الأمور بينهما إلى هذا الحد ويجب عليه تحمل العواقب إذا.

❈-❈-❈

تجلس وعلى وجهها ملامح الحزن والأسئ تنتظر "إياد" الذي طلب منها أن يتفابلان بأحد المطاعم لتناول الغداء والتحدث فى أمرًا ضرورى، وما هي إلا دقائق وأتى ساحبًا كرسيه وجلس فى مقابلتها مُردفًا باعتذار:

- أنا أسفه جدًا على التأخير والله غصب عني.

أبتسمت له "ملك" بإقتضاب ويبدو عليها ملامح الحزن والأسئ وعدم المشاكسة الذي أعتاد على رؤيتها مُردفة برسمية:

- ولا يهمك متأخرتش كتير ولا حاجة.

للحظات ظن "إياد" إنها علمت بما حدث بينه وبين "زينة" وأن "مالك" أخبرها بما رأه، ولكنه سريعًا نبه نفسيه أن "ملك" لو كانت علمت شيء لما كانت أتت لرؤيته، ليُحاوا التأكد من تخمينه مُستفسرًا:

- مالك يا حبيبتى! شكلك زعلانة من حاجة؟

تنهدت بحزن وكأنها كانت تتمنى أن يفتح معها مجال لتتحدث، زفرت بحزن وقد ترقرقت الدموع بأعينها مُجيبة بضيق:

- مالك بقاله يومين سايب البيت، أخد شقة لوحده ومش بيسمح لحد يروحله ومش بيرد على تليفونات حد ولا بيطمنا عليه.

قالت هذه الكلمات وتهاوت الدموع من عينيها، ليلتقط "إياد" يدها مُحاولا التخفيف عنها وهو يشعر بكثير من الحزن لأجلها:

- طيب بطلي عياط طيب وقوليلي، مقلكوش حاجة! يعني مثلا ساب البيت ليه؟

حركت رأسها بالرفض وقد أزداد بكائها وتُحاول التحدث من بين شهقاتها:

- لا يا إياد مقالناش حاجة، زيها زي من كام سنه لما خلص كليته بردو جيه البيت مضايق جدًا ولم هدومه ومشى، وقتها فضل أعد لوحده بعيد عننا سنه كاملة ومكناش نعرف حاجة خالص ومرجعش غير لما وصله إن ماما تعبت، أنا خايفه أوي يا إياد، خايفه يبعد عننا تانى، أنا مش عارفه ماله أو حصله إيه؟

تنهد بأسئ وقد أصبح متأكدا بما كان يدور برأسه مُتمتمًا بتلقائية:

- أنا بقى عارف.

ضيقت ما بين حاجبيه بإستنكار مُردفة باهتمام:

- عارف إيه؟

أبتلع بقليل من الارتباك مستسلُما لأن يخبرها بما حدث، ولكنه كان قلق من أن لا تصدقة، ولكنه لأبد من إخبارها على أية حال، نظر لها بتوصل مُردفًا بمصداقية:

- أنا هحكيلك على كل حاجة، بس قبل ما أقول أي حاجة لازم تكوني عارفة إني والله العظيم بقولك الحقيقة، والله العظيم أنا بحبك جدًا يا ملك وعمرى ما أقدر أعمل كده، ولأزم تصدقيني فى اللي هقولهولك ده.

تسرب شعور القلق والخوف إلى قلبها وأعتلى وجهها ألف علامة إستفهام طالبة التوضيح والأفصاح عن ما يريد أن يقوله، ليتنهد "إياد" بأسئ وأخذ يقص عليها كل ماحدث فى هذا اليوم بداية من ذلك الشخص الذي أتصل به وأخبره أن هناك سرقة فى شقته مرورًا بدخول "مالك" عليه هو و"زينة" فى هذا الوضع، نهاية بخروج "زينة" من عنده ويبدو عليها وكأنها أصبحت مجرد جثة متحركة، أضاف بصدق:

- والله العظيم هو ده كل اللي حصل، أنا ملمستش زينة ولا حتى بصوبع، أنا فوقت لقيت نفسي على الوضع ده وزينة جمبي وكأنها مصعوقه من الموقف وأتفاجئت بدخول مالك علينا.

وضعت يدها على فمها بصدمة ورعب وأيضا الكثير من التخبط، لا تعلم أتصدق ما أخبرها به "إياد" بأنه لم يفعل شيئا! أم تصدقه لأنه لو كان فعل شيء لما أخبرها؟ أم تشعر بالشفقة على "زينة" التي وجدت نفسها بفراش شاب ودماء عذريتها تُلتخ الشراشف بجانبها، ويُزيد عليها دخول شاب أخر ليراها بهذا المنظر وهي حتى لا تعلم ما الذي حدث!

ولكن لحظة! لماذا ترك "مالك" المنزل إذا؟ شعرت بالتشتت الشديد موجها حديثها نحو "إياد" مستفسرة:

- لو كلامك ده صح ليه مالك ساب البيت وعمل كده؟

تنهد "إياد" بحزن شديد على ما حدث ل "زينة" و"مالك" مُجيبًا بتأكيد:

- لأن مالك بيحب زينة وده اللي أستنتجته من كذا موقف شوفتهم فيه مع بعض، وكمان ده يفسر ليه هجم عليا وضربني. وليه بص ل زينة بالطريقة دى وكأنه بيقولها ليه عملتى كده! وأنتي أثبتلي إن تفكير صح بإن مالك ساب البيت وكمان مقالكيش حاجة لان صدمته فى زينة كانت أكبر من صدمته فيا.

أعتلت وجهها ملامح الحزن والشفقة من أجل شقيقها و"زينة"، ولكن إذ كان "إياد" لم يفعل شيئًا حقا مع "زينة"! فكيف إذا فقدت عذريتها؟ رفعت عينيها ناظرة ناحيته بشك مُستفسرة ببعض من الخجل:

- طيب.. إزاي.. إزاي يعني زينة فقدت عذريتها؟

لأحظ "إياد" نظرات الشك التي تخرج من عينيها، شعر بالحزن لعدم تصديقها إياه، وامتد يده لتحضن يدها مُحاول تبرئ نفسه أمامها مُعقبًا بصدق:

- عارفة يا ملك أنا هكون صريح معاكي، أنا قبل ما أعرفك كنت أعرف بنات بعدد شعر راسي، من كتر الستات اللي نمت معاها نسيت عددهم، عارف إني كنت على غلط بس عمرى ما غصبت واحده على حاجة وعمرى ما نمت مع بنت بنوت وضيعتها، مش معقول هسيب الدنيا كلها وأجي على بنت الناس اللي بعتبرهم أهلي وكمان أخت صحبي الوحيد وأعمل فيها كده، لتاني مرة هقولك والله العظيم وحياتك غلوتك اللي ما بقى عندي قدها أنا ما لمست زينة ولا عملت معاها حاجة ولا أعرف إزاي اللي حصل ده حصل؟

أحمرت وجنتيها بخجل بسبب ما قاله عن مُعاشرته لنساء، هي تعلم إنه كان يفعل مثل تلك الأمور، سبق وأن أعترف لها بكل شيء منذ بداية علاقتهما وأخذ أمامها عهدًا بأن لا يلمس أو يراى فتاة أو إمرأة غيرها، وبالطبع هي متأكدة إنه لم يفعل شيء ل "زينة"، ولكن ذلك اللغز سيفقدها عقلها، وأيضًا من الذي أحضر "زينة" ووضعها بفراشه وخدره هو أيضًا ووضعه بجانبها بالفراش.

ظلت تُطالع وهي تُفكر فى طريقة لكشف ما حدث ومعرفة السر وراء وجود كلاهما بفراش واحد، بينما "إياد" كان يخشى أن تكون غير مُصدقة إياه وأن يخسرها للأبد، كاد أن يتحدث ولكن قاطعته "ملك" التي أخذت تصيح بلهفة:

- أنا جاتلي فكرة يا إياد هتخلينا نعرف إيه اللي حصل بالظبط؟

أنتبه إليها بأهتمام شديد، كم يتمنى أن يثبت برائته أمام الجميع وخصوصًا "زينة"، أستفسر بلهفة:

- فكرة إيه؟

أجابته "ملك" وهي تتمنى أن توضح لهم فكرتها تلك ما حدث فى هذا اليوم، لكشف الحقيقة أمام كلا من "مالك" و"زينة" الذان يبدو عليهما إنهما قد تحطمان كثيرًا:

- أنت الشقة بتاعتك أكيد فى مكان راقي وأكيد العمارة دي فيهل جراش وكمان فى تحت العمارة محلات أو على الأقل أكيد فيه سوبر ماركت كبير صح؟

أوماء لها بالموافقة ولم يعد يطيق الانتظار، إنه مُتحمس لسماع فكرتها:

- عايزه توصلي لإيه يا ملك؟

زفرت براحة من كونهم سيعرفون الحقيقة مُضيفة:

- عايزه أقولك إن أكيد الجراش أو السوبر ماركت أو حتى مدخل العمارة نفسها أكيد فيه كاميرات مراقبة وأكيد فى بواب، وأكيد سهل نوصل لتسجيلات الكاميرات ونسأل البواب عن إيه اللي حصل يوميها.

عاد بظهره للخلف مُتنهدًا براحة بسبب تلك الفكرة التي حقا ستظهر برائته، وستوضح لهم ماذا حدث فى هذا اليوم بالتفصيل؟ ليرمق "ملك" باعجاب مُردفًا بمدح وغزل:

- أنا مش بس حبيبتي زي القمر وأحلى من بنات الدنيا كلها، لا دي كمان أذكاهم.

أشاحت بوجهها بعيدًا عنه حتى لا يرى تلك الحمرة التي أعتلت وجها من شدة خجلها من مدحه لها ونظراته الغير بريئة، ليبتسم على خجلها مُضيفًا بمكر:

- أحنا هنتكسف من دلوقتى! لا بقولك أيه طولي بالك معايا شويه، دا أنا لسه بقولك كنت أعرف ستات قد إيه وتوبت على إيدك يبقى تستحملي أنتي بقى وتسدي مكان الستات دي.

لم تعد تستطيع التحكم فى خجلها أكثر من ذلك، نهضت من أمامه مُحاولة إخفاء ووجها الذي أصبح شديد الأحمرار مُتهربة منه:

- هروح الحمام.

فرت سريعًا من أمامه مُتجهة نحو المرحاض، ليضحك على خجلها مُتوعدا لها بعد الزواج أن يجعلها تتخلى عن هذا الخجل مُستبدلة إياه بكثير من الجرأة والإثارة، بالأضافة إلى مشاكستها وطفولتها التي تُسلبه عقله ليتمتم بهمس:

- لا أربع سنين الجامعة إيه! دا أنا مش هقدر أستحمل أربع شهور كمان؟
❈-❈-❈

عادت إلى البيت وهي بالكاد تستطيع أن تمشي، بالأضافة إلى أثار تلك الدماء التى لم تتوقف عن الانسدال من داخل فرجها وملابسها الغير مرتبة، أمتنت كثيرًا لهذا الهدوء بالمنزل وعدم تواجد أحد وخصوصًا "ديانة" التي ستسألها عما حدث بينها وبين "مالك"؟

بالطبع إذا رأتها بتلك الحالة ستكتشف الأمر، أسرعت فى الصعود إلى غرفته ودموعها لا تتوقف عن الهبوط بسبب ما تعرضت له فى هذان اليومين، دلفت غرفتها وسريعًا ما ألقت بنفسها على فراشها وأمتدت يدها لسحب إحدى الوسائد واضعة إياها أسفل وجهها وصرخت وصرخت وصرخات كثيرة وقوية.

نعم تلك الصرخات مكتومه ولكنها تحمل كل ألمها وحسرتها والكثير من أوجاع الجسد والقلب والروح، وخيبة الأمل فى الشخص الوحيد التي أحبته وأطمأنت له، ليكون هذا الشخص هو من يغتصبها ويسلبها شرفها وأحترامها لنفسها بعملته الدنيئة تلك.

لم تكن تنتظر منه أن يُصدقها بسهولة أو يضمها إلى صدره، ولكنها أيضا لم تنتظر منه أن يُهاجمها ويقيدها ويجردها من ملابسها بل وجردها من شرفها أيضا، جردها مما يجعل الفتاة مميزة بين كل الفتيات، جردها ممَ ظلت أربعة وعشرون عامًا تُحافظ عليه وتحميه، جردها من إحترامها وأعتزازها بنفسها، سلبها ما هو حقا لها والذي لا يُسمح لأحد أن يسلبها أياه سوا برضائها.

ماذا فعلت له ليفعل بها كل ذلك! لما لم يستمع لها ولو لمرة واحدة؟ لما رماها بجريمة الخيانة وعين نفسه القاضي عليها ليُعاقبها بمثل هذا العقاب دون أن يملك أية دليل ضدها؟

ماذا سيفعل عندما يكتشف فظاعة ما فعله! هل سيندم؟ هل سيبكي ويتزلل لها كي تُسامحه! هل سيلعن نفسه وغبائه على تسرعه بالحكم عليها! أم سيصنع لنفسه مبررًا! ولكن ما هو عذره؟ هل سيكون عذره إنه كان ثمل وغير واعًا لما يفعله؟ أم سيكون عذره تلك الفتاة التي كان يصرخ باسمها ويقول لها إنه خانته كما فعلت تلك الفتاة؟

أم سيكون عذره إنه رأها فى هذا الوضع وإنه محق فى ردة فعله، لأنه رجل والرجال لا تُحكم عقلها فى تلك الأمور! أم ستكون هي عذره؟ إنها ذهبت كي توضح له الأمر وهو بتلك الحالة، ليصبح هذا مصيرها وعقابها على إهتمامها بأثبات برأتها أمامه؟ اللعنة عليه وعلى صورتها أمامه، أغمضت عينيها بكسرة وهي تُقسم على أن لا تسامحه مهما فعل أو مهما قدم لها من مبررات، لن تسامحه ولو قدم لها جميع أعذار العالم بأكمله.

نهضت مُتجهة نحو المرحاض وهي مُحطمة جدًا وكأنها أصبحت جسد بلا روح، سريعا ما تخلصت من ملابسها لتلقى بنفسها أسفل تدفق المياه وأخذت تبكي بحسرة وألم، كم تتمنى أن تُفارق روحها جسدها بتلك اللحظة، كم تتمنى عدم موجة كلا من والدها و"جواد" و"ديانة" و"هناء" و"ماجدة"، ماذا ستقول لهم عندما يسألوها عن سبب عدم زوجها فيما بعد؟

كيف ستخبرهم إنها لن تتزوج لأنها فقدت عذريتها ومن سيتزوجها سيظن إنها مجرد عاهرة قد تخلت عن شرفها من أجل شهوتها وملذتها، أم تقوم بغش الجميع وتخضع لعملية زراعة عُذرية مُصطنه وتغش نفسها قبل أن تغش الجميع، أزداد نحيبها وتعالت شهقاتها بألم بعد أن أختلطت دموعها بتدلك المياة التي تنسدل على وجهها.

لم تشعر كم من الوقت لبثت أسفل المياه ولكنها لأحظت إنها تقف أسفلها منذ فترة طويلة بسبب ذلك الشكل الذي تحول إليه جسدها، فقد أنكمش جلدها بسبب الوقوف للكثير من الوقت أسفل المياه، أوصدت ذلك الصنبور وسريعا ما التقطت تلك المنشفة وقامت بلفها حول جسدها مُتجهة نحو غرفة تبديل الملابس.

أرتدت منامتها وتوجهت نحو فراشها عازمة على النوم وكم تتمنى أن لا تستيقذ مجددًا، صعدت فراشها وكادت أن تغفو من شدة الإرهاق والتعب، ليوقفها صوت طرقات على باب غرفتها، أعتدل فى جلستها وعملت على أن لا يظهر عليها شيئًا مُردفة بثبات:

- أدخل.

دلفت "ديانة" الغرفة وأغلقت الباب خلفها وتقدمت للجلوس أمامها مستفسرة:

- إيه يا زينة! مقولتيش لداده تعرفني ليه إنك جيتي؟

حاولت "زينة" جاهدة عدم إظهار أى شيء أمامها، مُحاول صنع أية عذر:

- معلش جيت ملقتكيش أفتكرت إنك نايمة.

توترت "ديانة" عند تذكرها ما حدث بينها وبين "جواد" وتلك القبلة التي تبادلها معا وتلك الرغبة التي كانت تصرخ بداخلها، لولا شعورها بالغثيان لكان تطور الأمر كثير، شعرت بكثير من الحرج وأضافت بتلعثم:

- أه.. فعلا كنت نايمة، المهم عملتي إيه؟

أجابتها بألم تحاول أن تخفيه وأصبحت دمُعها على وشك السقوط مُتمتمة بضعف وصوت مبحوح:

- ملقتهوش.

لأحظت "ديانة" دموعها وخمنت إنها بسبب عدم التقائها ب"مالك" وإنها لم توضح له الأمر بعد، لتحاول التخفيف عنها:
+

- معلش يا حبيبي يومين بس كده يهدى ونحاول معاه.

أومات لها "زينة" بالموافقة وهى تشعر بداخلها كم إنها تود الصراخ ولكنها سيطرت على نفسها مُتمتمة بقهر:

- إن شاء الله.

يتبع...
أستيقظ من نومه بصعوبة وهو يشعر بكثير من الصداع والألم الشديد برأسه، فتح عينيه بثقل شديد وبعد عدة لحظات رأى نور الصباح المنبعث من الشرفة، أعتدل فى جلسته مُحاولا التحكم فى توازنه بعد أن لاحظ إنه لايزال نائمًا بتلك الملابس.

أدرك إنه فقد الوعي بسبب كمية الكحول التي تناولها ليلة أمس، ولكن ما الذي أتى به إلى هنا، هو كل ما يتذكره إنه كان مستلقيًا على الأريكة خارج الغرفة بعد أن عاد من الخارج! كيف دخل إلى هنا؟

خرج من الغرفة وهو يُمسك برأسه ليتجه نحو المطبخ لصُنع كوبًا من القهوة لعله يخفف من ألم رأسه، وسريعا ما أنتهى من صنعه وأتجه نحو الأريكة للجلوس عليها وتناول قهوته، وبمجرد أن جلس صدح رنين هاتفه مُعلنًا عن إتصال من شقيقته.

أغمض عينيه بملل وقرر أن لا يُجيب ولكنه تراجع غن قراره خوفًا من أن يأتي إليه أحدًا، فتح المكالمة موجها حديثه نحو شقيقته مُردفًا بهدوء:

- إيه يا ملك؟

صاحت "ملك" بلهفة وأشتياق مُعاتبة شقيقها عن إبتعاده عنهم ومُحاوله جعله يُغير رأيه مُردفة بإنزعاج:

- كده بردو يا مالك، هونا عليك تسيبنا تاني وتبعد عننا! دا احنا كنا ما صدقنا يا أخي؟

وضع كوب القهوة على الطاولة أمامه وهو لايزال مُصممًا على رأيه مُعقبًا بتصميم:

- معلش يا ملك، أنا مرتاح كده.

حاولت إستعطافه والضغط عليه كي يعود، نعم هي أصبحت تعلم حقيقة الأمر، ولكنها عزمت على أن لا تتكلم إلا عندما ياتي "إياد" بتسجيلات الكاميرات، لتردف بإلحاح مُحاوله إقناعه:

- عشان خاطري يا مالك أرجع، طب بلاش عشان خاطري أنا، خليها عشان خاطر ماما.

تنهد بقليل من الغضب بسبب مُحاولة شقيقته فى الضغط عليه وجعله يوافق على حديثها، صاح بحدة مُحاولًا جعلها لا تتحدث معه بذلك الأمر مجددًا:

- عشان خاطري أنا يا ملك سيبوني على راحتي.

أثناء حديثه لاحظ تلك المحارم الملطخة باللون الأحمر المُلقية فى سلة القمامة، ضيق ما بين حاجبيه باستنكار، وهتف موجها حديثه نحو "ملك" عازما على إنهاء المكالمة معها:

- هرجع أكلمك تاني يا ملك، سلام.

أنهى المكالمة معها وامتد يده والتقط تلك المحارم من سلة القمامة مُتفحصًا إياها، شعر بالصدمة عندما تأكد أن ذلك اللون الأحمر هو دماء، لينظر إلى جسده بدهشه وأخذ يتفحص نفسه إن كان هناك جرح ما به؟
شعر بالغرابة عندما لم يجد أى جرح بجسده، من أين أتت تلك الدماء؟ يبدو أن هناك شيئًا ما حدث وهو لا يتذكره، يجب أن يأخذ حمامًا لكي يستعيد وعيه بشكل كلي وتذكر ما حدث ليلة أمس.

أسرع بالذهاب إلى المرحاض الخاص بغرفته وتخلص من كامل ملابسه التي يفوح منها تلك الرائحة الكريهة، هو لم يسبق له أن تناول كل تلك الكمية من الخمور، وبالتالي ما يمر به لم يجربه من قبل.

وقف تحت تدفق المياه مُحاولًا تذكر أي شيء مما حدث ليلة أمس، ولكن لما لا يستطيع تذكر شيء، ولكنه يشعر أن هناك خطأ كبير قد أقترفه، ولكن ما هو ذلك الخطأ؟ ما هي إلا لحظة وصدع ذلك الصوت الأنثوي الصارخ بأذنه "لا يا مالك متعملش كده، أرجوك يا مالك بلاش، فوق يا مالك" وضع يده على أذنيه مُحاولًا التخلص من ذلك الصوت الذي استغرب من تردده في ذهنه، ومتعجبًا من تلك الكلمات المُثيرة للريبة، والتي يجهلها ويجهل صاحبها.

حاول تذكر أي شيء ممَ حدث ليلة أمس، ولكنه لا يستطيع رؤية شيء سوى تلك الصورة المُشوشه لفتاة تقف أمامه وتصرخ عليه "أنت ليه مش عايز تصدقنى والله العظيم ما عملت حاجة، أعملك أيه عشان تصدقني" لمَ لا يستطيع تحديد ملامح  هذه الفتاة وما الذي حدث بعد ذلك.

تنهد بأسئ عندما خمن أن من ممكن أن تكون تلك الفتاة هى "زينة" وإنها يمكن أن تكون قد جاءت ليلة أمس! ولكن لماذا لا يتذكر ما حدث؟ وما الذي حدث بينهما بعد ذلك الحوار؟ هل أستغلت ثمالته فى الكذب عليه وأستعطافه؟ هل هي من أدخلته غرفته ووضعته على الفراش! كيف لها أن تتجرأ وتأتي إلى هنا؟ يجب أن لا يسمح بذلك أن يحدث مرة أخرى، عليه أن يخرجها من حياته نهائي.

ترقرقت الدموع في عينيه بسبب ما يُفكر به وما حدث فى ذلك اليوم عندما رأها فى فراش "إياد"، شعر بغصة فى حلقه وكثيرًا من الضيق والحسرة على ما فعلته به، ضرب "مالك" الحائط أمامه وقد أخذت دموعه طريقها فى الانسدال إلى أن أمتزجت بالمياه وهو يصرخ بألم مما يشعر به داخله مُتمتمًا بحسرة:

- ليه يا زينة! ليه تعملي فيا كده! ليه تعملى زيها مع إني حبيتك أكتر منها؟ ليه تكسريني وتوجعيني بالشكل ده! كنتي ممكن تقوليلي إنك مش بتحبيني، أو حتى مش عايزاني، كنتي قوليلي بحب واحد غيرك.

أحتدت نبرة صوته بشكل مُخيف وكأنه تحول إلى شخص أخر وكور قبضته بحدة وبأسنان ملتحمة مُكملا حديثه:

- لكن تخدعيني وتمثلي عليا الحب ومن ورايا تخونيني وتبقي فى حضن واحد غيري لا، لا يا زينة، حتى لو مقدرش أعيش من غيرك، أنتي بنسبالى خلاص موتي زي اللي قبلك.

أغلق صنبور المياه والتقط المنشفة وقام بلفها حول خصره متجها نحو خزانته لكي يرتدي ملابس ويذهب لعمله لإشغال نفسه بأمر غيرها راغمًا نفسه على نسيانها.

❈-❈-❈

دلف "إياد" مكتب "جواد" ويبدو عليه ملامح الضيق والإنزعاج من شيء ما، أتجه نحو المكتب ليعقب وهو يجلس على ذلك الكرسي المقابل لوجه "جواد" مُردفًا بإنزعاج:

- صباح الخير يا جواد.

لاحظ "جواد" إنزعاجه الواضح عليه، ليخمن أن هناك مصيبة ما، وذلك لأن "إياد" ليس من الطبيعي أن يكون عابسًا بتلك الطريقة، هتف متأكدًا أن هناك أمر:
- متدخلش عليا بالوش ده إلا لو فيه مصيبة، خير؟

شعر "إياد" بشيء من القلق، لا يعلم أيخبره أم لا؟ ولكن على أية حال يجب أن يخبره ليكون هناك وقت لحل تلك المشكلة التي لو أستمرت أكثر من ذلك ستكلفهم الكثير، رفع وجهه نحو "جواد" مُحاولًا الثبات مُردفًا بهدوء:

- فى حاجة حصلت كنت عايز أقولك عليها.

تسرب القلق إلى قلب "جواد" شاعرًا أن هناك أمرًا كبير، ليصيح بعصبية وعدم صبر موجها حديثه نحو "إياد" بإندفاع وحدة:

- ما تدخل فى الموضوع على طول يا إياد وأنطق فى إيه؟

توتر بسبب إندفاع "جواد" وحدة ردة فعله من قبل أن يعرف، ماذا سيفعل إذًا لو علم عن الأمر! ولكنه مضطرًا أن يُخبره كي يُحاول التصرف وحل تلك المشكلة قبل أن تكبر، حمحم "إياد" بحرج مُجيبًا:

- بصراحة فى مشكلة كبيرة فى فرع شركتنا اللي فى لندن، النهاردة الصبح بعتولي email بيقولوا إن فى خسارة الشهرين اللي فاتوا حوالي خمسة مليون دولار.

هب واقفًا فى مكانه وهو فى قمة غضبه مما تفوه به "إياد"، ولكنه حاول السيطرة على نفسه لمعرفة حقيقة الأمر، هتف بحدة مُستفسرا عن سبب تلك المشكلة:

- يعني إيه الكلام ده! وإيه هى المشكلة اللي توصلنا لخساير كبيره بالشكل ده؟

أجايه "إياد" بحرج بسبب ما سيقوله، ولكنه ليس بيده شيء فتلك ليست من ضمن صلحياته ولا يستطيع التصرف فى هذا الأمر:

- لسه معنديش فكرة و...

قاطعة "جواد" بغضب وإنزعاج شديد، صارخا بوجهه وهو يُهاجمه بحديثه الملئ بالاهانة والاستهزاء، مُردفًا بإندفاع وهجوم دون أن يشعر بنفسه أو بما يقوله:

- بتقول إيه يا بشهمندس! معندكش فكرة عن إيه؟ أومال أنت شغلتك إيه هنا؟ آه نسيت أنت دلوقتي مش فاضي لشغلك، مقضي اليوم كله دلع ومياصة وصرمحة ويولع الشغل على دماغنا كلنا.

أنزعج "إياد" من مهاجمة "جواد" له بتلك الطريقة وتلك الاهانة والاستهزاء الواضح والصريح فى حديثه، شعر بالغضب ممَ قاله وقرر أن يوقفه عند حده مُقابله بإنفعال موضحا له حقيقة الأمر:

- على فكرة يا جواد بيه أنا مش بقضي اليوم كله دلع ومياصة وصرحمة زي ما بتقول، المشكلة دي كبيرة بجد ومش هتتحل بمجرد email نبعته، دي محتاجاك أنت أو هاشم بيه، لأن الموضوع أكبر من صلحياتي ومقدرش أخد أي خطوة فيه بدون أذن من حضراتكم.

أزداد غضب "جواد" بسبب إنفعاله على "إياد" الذي يبدو إنه إنزعج منه كثيرًا وأيضا تلك المشكلة التي لم يعرف سببها بعد، وما زاد غضبه هو إضطراره للسفر بأسرع وقت لأن والده لن يستطيع أن يُسافر وحده لحل تلك المشكلة ولذلك يجب أن يسافر هو لحلها، رفع نظره نحو "إياد" مُردفًا بحدة:

- أحجزلي على أول طيارة بكره رايحه لندن.

أومأ له بالموافقة ولم يفتح مجالًا أخر للحديث لكي لا يُزعج أحدهما الأخر بحديثه، وقرر الأنصراف من المكتب قبل أن تتطور الأمور بينهما:

- حاضر، بعد إزنك.

خرج من المكتب مُتجها نحو مكتبه وهو يشعر بكثير من الغضب والضيق بسبب ما فعله صديقه، بينما "جواد" لاحظ إنزعاجه من نبرته فى الحديث، ليشعر بالغضب الشديد وإحتقان الدماء فى عروقه ممَ يحدث حوله من أشياء تُعكر مزاجه وتضطره لإخراج أسوء ما بداخله.

التقط هاتفه ومفاتيج سيارته من على مكتبه وشرع فى الخروج من المكتب بل من الشركة بأكملها، يشعر وكأن اليوم لن يمر بسلام، حتى إنه لم يذهب إلى ذلك الموعد الذي أعتاد عليه منذ فترة، ولكن ذلك الضيق بداخله يشعره بعدم الرغبة بفعل أي شيء الأن.

❈-❈-❈

خرج من الشركة مُتجها وصعد سيارته عازمًا على الذهاب للإطمئنان على ابنه، وأيضًا ليرى تلك الفتاة، ليهتف مُوجها حديثه نحو السائق:

- أطلع على بيت جواد.

أدار السائق مُحرك السيارة مُتجها نحو منزل "جواد"، وبعد وقت ليس بكثير وقف أمام بابا المنزل، ليترجل "هاشم" من السيارة دالفًا إلى الداخل، ضرب جرس الباب لتفتح له الخادمة وتقوم سريعًا بإدخاله بالبطبع هي تعرفه، ليهتف مُستفسرًا موجها حديثه نحو العاملة:

- زينة فين؟

أجابته العاملة بإحترام وأدب:

- الست زينة بتفطر جوا مع مدام ديانة يا هاشم بيه.

شعر بقليل من الإرتباك والتوتر من إنه سيراها الأن وجهًا لوجه، إنه لم يراها مُطلقًا سوا يوم خطبة "إياد" ولم يتحدث معها من قبل، تُرى كيف سيكون هذا اللقاء!

دلف غرفة الطعام لتلاحظه كلا من "زينة" و"ديانة" التي شعرت بقليل من الصدمة لرؤيته، وأيضًا بقليل من التوتر، هي لم يسبق لها أن رأته عن قرب أو بعيدا عن الزحام ، بينما "زينة" نظرت نحو والدها بدهشة مُردفة بلهفة:

- بابا!

نهضت من مقعدها وأسرعت فى إلقاء نفسها داخل صدر والدها محتضنة إياه وهي تتمنى أن تبكي بكل ما فيها من قوة، تتمنى أن تقص عليه كل ما حدث ولكنها تخشى ردة فعله، بينما "هاشم" قد بادلها بكل حب وعاطفة أبوية مُردفًا بعتاب:

- لقيتك مش بتسألي عليا قولت أسال أنا عليكي، ما أنتي خلاص معدش عاجبك القاعدة معانا.

هزت "زينة" رأسها بالنفي كي لا يظن والدها إنها لا ترغب فى العيش معه مُردفة بلهفة:

- أبدًا يا بابا الموضوع مش كده خالص، أنا قاعدة مع ديانة عشان الحمل، أنت عارف مينفعش أسيبها لواحدها.

نظر تجاه "ديانة" وشعر ببعض من الحنين والرغبة فى ضمها إلى صدره، ولكن ما فعلته والدتها بأخته وأخيه وزوجته وجنينه لايزال عائقًا بينهم، ولكن ما هو ذنبها فى كل ما حدث، هل يُأنبه ضميره الأن؟

بينما "ديانة" كانت تنظر له بمزيجا من الغضب والإحتياج معًا، هي تشعر إنه من دمها وكم تتمنى أن تلقى بنفسها داخل صدره لأستنشاق رائحة والدها به والتي لم تجربها من قبل، ولكنها تشعر بالغضب أيضًا تجاهه، فهو من جعل "جواد" يتحكم بمصيرها وشجعه على الانتقام منها وأيده الرأي، هذا الرجل بالطبع لن تستطيع أن تشتم به رائحة والدها لأنه لم يرأف عليها مثل لو كان والدها، أشاح "هاشم" بنظره عن "ديانة" مُحولا نظره تجاه "زينة" مستفسرًا:

- طب والبيبى كويس؟!

كادت "زينة" أن تُجيب والدها وتطمئنع ولكن قاطعها تدخل "ديانة" موجهة حديثها نحو "هاشم" هاتفة بنبرة مستهزئة:

- هيفرق معاك فى حاجة يا هاشم بيه!

رمقها "هاشم" بدهشة من تدخلها وحديثها معه لأول مرة، ولكنه لم يُظهر دهشته وأستطاع إخفائه وراء ملامحه الجامدة مُجيبًا بجمود:

- أيوه طبعًا هيفرق معايا، لأنه حفيدي ومن صُلبي.

ضحكت بأستهزاء على ما قاله "هاشم"، تراه يتحدث وكأنها هي الأخرى ليست من صُلبه، أضافت بتهكم:

- وإيه يعني! منا كمان من صُلبك، ولا أنت نسيت إني بنت شرف كمان مش لبنى بس، ومع ذلك عايزين تدفعوني تمن حاجة أنا معملتهاش.

شعر بالغضب والضيق من حديثها مُتأثرًا به، نعم هي من صُلبه ودمها هو دمه، هي ابنة أخيه الذي يتمنى أن يدفع باقي عمره ليحتضنه ولو مرة واحدة، ولكنها أيضا تحمل دم تلك المرأة التي قتلت زوجته وجنينه ولذلك لا يستطيع أن يتهاون معها أكثر من ذلك، صاح وهو يُحاول إخفاء تلك الغصة بحلقه:

- في ناس بتبقى مُعانتها فى الحياة هي أهلها، وأنتي مُعاناتك فى الحياة هي عملت أمك.

أمتلأت عينيها بدموع وسريعًا ما صرخت فى وجهه بكل ما بداخلها من ألم:

- وأنا مش مصدقة، ولو ده فعلا حصل أنا ذنبي إيه؟

تهاوت الدموع من أعينها وكأنها كانت تنتظر تلك اللحظة منذ زمن طويل، صاحا بكل ما بداخلها من وحسرة وظلم:

- أنا ذنبي إيه؟ ذنبي إيه أترمي فى الشارع من وأنا لسه مكملتش شهرين، حتة لحمة صغيرة لا ليها حول ولا قوة لو كان كلب مسعور معدي فى الشارع وشافها كان كلها ومحدش أخد باله، ذنبي إيه أتحرم من أبويا وأمى وأترمي فى الشارع لناس مش من دمي هما اللي يربوني، ذنبي إيه أعيش طول طفولتي بسأل الناس اللي كنت فكراهم أهلي هو انا ليه أسمى مختلف عن أخواتي وأحس إني فيا حاجه غلط، ذنبي إيه لما أكبر شويه يفضل ملازمني إحساس إني مليش اهل وإني جايه من الملجأ أو إني ممكن أطلع بنت حرام فى الآخر، ذنبي إيه أعيش طول عمري فاكره إن مليش أهل وإني زرعة شيطاني كده.

شهقت بشدة لتُسرع "زينة" لمساندتها بعد أن لاحظت خلل توازنها، بينما "هاشم" قد رجف قلبه رغمًا عنه قلقًا من أن يُصيبها شيئًا، ولم يستطيع أن يُميز أهو خاف عليها أم على الجنين، بينما أكملت "ديانة" حديثها موجهة إياه نحو "هاشم" بمزيد من القمر:

- ذنبي إيه يوم ما أحس إن حياتي هتتظبط ولقيت الشخص المناسب اللي هبني  معاه حياة جديدة وهعوض نفسي عن كل حاجة حصلت فى حياتي، يطلعلي ابنك يدمرلي كل حاجة، يهددني بكل الناس اللي بحبها إنه هيأذيهم، يجبرني على الجواز منه ويتجوزني غصب عني، يعاملني بأزبل مُعامله، يذلني، يضربني، يشتمني شتايم قذرة، يجبرني على علاقة أنا مش قبلاها ويخليني أشيل جوايا حته منه وأنا بكرهه لانه عمره ما عمل حاجة تخليني مكرهوش، ذنبي إيه مراتك تجيلي أكتر من مره تهيني وتغلط فيا وتهددني، ذنبي أيه أول ما أحس إني تقبلت الطفل ده تبعتلي حد يقتلني أنا والجنين؟

شعر بكثير من التأثر والندم بسبب ما يقع على مسامعه، هل هي على حق! هل ترك نار الغضب والانتقام تعميه إلى هذا الحد؟ هل كان ينتظر طوال تلك العشرون عاما قتل ابنة أخيه الوحيدة، هل كان يريد التخلص من أخر شيء يحمل رائحة شقيقه؟ هل غضبه جعله ولا مرة يرى بها إنفعال وحدة وجرأة "شرف"! ماذا كان سيفعل هي مُحقة ما هو ذنبها بكل ما حدث؟ ولكن لحظة أحقا "هناء" فعلت ذلك وأرسلت أحدهم لقتل حفيده؟

بينما "ديانة" ظلت تشهق وتنتحب مُحاولة أن تتماسك وتقدمت نحوه ووقفت أمامه مُصطنعة الجمود والثبات مُضيفة بحدة:

- أنت ظالم، ظالم ومعندكش قلب ولا رحمة ولا بتحس بحد غير نفسك، مشوفتش غير وجعك أنت بس، عمرك ما حبيت بابا لأنك لو كنت حبيته بجد كنت حافظت على أخر حاجة بقيالك من رحته، بس أنت عملت العكس عشان كده يوم ما هتموت وتروحله، مش هيبص فى وشك أبدًا يا عمي.
شعر بضيق كبير فى صدره وكأن أحدهم صفعه بصفعة قوية لكى يفيق من كل ذلك الظلام والكراهية التي عمت بصيرته وترك نار الانتقام هي من تتحكم به كاد أن يتحدث ليتفاجئ بدخول "جواد" بينهم وقبض على يد "ديانة" بغضب وأسنان ملتحمة مُردفًا بحدة:

- أنتي إزاي تتجرئي وتتكلمي معاه بالطريقة دي؟

حاولت "زينة" الخروج عن صمتها حائلة بينهم لكي لا يؤذيها "جواد"، بينما صاح "هاشم" مُوجها حديثه نحو "جواد" مُحاولًا إيقافه بحزن وإنكسار:

- سيبها يا جواد، سيبها.

سحبت "ديانة" يدها من يد "جواد" بكثير من الحدة والأنفعال مُصيحة بهجوم:

- أسمع الكلام وسيب إيدى يا جواد، ما أنت أصلا دي شخصيتك، إنسان ضعيف وجبان ومعندكش شخصية، بتفتري على أي حد عشان بس تثبت لنفسك إنك قوي وراجل وأنت أصلًا معندكش ريحتهم وإنسان ضعيف.

قالت جملتها الأخيرة وهي تدفعه فى صدره بكل حدة وغضب، ليشعر هو باحتقان الدماء داخل عروقة بسبب كل تلك الاهانة التي ذكرته بما يُحاول الهرب منه وبمجرد أن دفعته، رفع يده عازمًا على أن صفعها بقسوة، ولكنه مع نفسه فى اللحظة الأخيرة قبل أن يتهاوى عليها، بينما رأى "هاشم" ما كاد أن يفعله، ليصرخ عليه زاجرا إياه بحدة:

- جواد.

رفعت "ديانة" زرقاوتيها تجاه يد "جواد" ثم حولت نظرها تجاهه مرة أخرى ويبدو عليها ملامح التقزز والاشمئزاز مُردفة باحتقار:

- مش قولتك إنك ضعيف يا جواد، أنا بكرهك.

التفتت ناحية الدرج وسريعًا ما صعدت إلى غرفتها لتلحق بها "زينة" مُحاولة تهدئتها خوفًا من أن يصبها شيئًا بسبب كل ذلك الغضب والانفعال، بينما "جواد" شعر وكأنه أصبح مثلما تقول هي، أصبح بالفعل ضعيف ومحطم، يشعر وكأنه عاد إلى نفس ذلك الطفل الحبيس بتلك الغرفة المظلمة، يشعر وكأنه على وشك البكاء ولكنه لن يُظهر كامل ضعفه أمام أحد.

خرج من المنزل غير مُهتما لصُراخ والده الذي يُحاول إيقافه، ليأخذ مفاتيح السيارة من السائق وسريعًا ما صعدها وحرك السيارة وأنطلق بسرعة جنونية لدرجة أن السائق أقسم إنه كاد أن ينقلب بالسيارة بسبب شدة سرعتها، بينما "جواد" لم يُحدد وجهته وكأنه يبحث عن أخر نقطة بالعالم كي يُفرغ بها كل ذلك الألم والكسرة التي بداخله.

خرج "هاشم" من المنزل بعد أن رحل "جواد" ليتجه إلى منزله لحثم الأمر مع "هناء" وإيقافها عند حدها وإبعادها عن طريق "ديانة" وحفيده للأبد.

❈-❈-❈

كانت "ديانة" تبكي بكل ما بها من قهر وحسرة متذكرة كل ما مرت به طوال حياتها، وأكثر ما يؤلمها أن من يُحاول إيذائها هم بالأصل أهلها وعلى رأسهم زوجها الذي تزوجها كي ينتقم منها على ذنب لم ترتكبه وليس لها أية صلة به.

أقتربت "زينة" منها وأخذت تُحاول تهدئتها، ولكنها لا تعلم أتُهدئها أم تُهدئ نفسها، فهي أصبحت الأن أخر شخص يمكن أن يقوي أحدًا وهي أضعف شخصًا على وجه الأرض، ولكنها حاولت السيطرة على نفسها وأخذت تربت على كتف "ديانة" مُضيفة:

- ديانة أهدي عشان خطري.

حاولت "ديانة" التحدث من بين شهقاتها العالية وصوتها المبحوح من كثرة بكائها:

- كان عايز يضربني يا زينة، كان عايز يكسرني ويذلني قدامكوا كمان.

هزت "زينة" رأسها بالنفي مُضيفة بتوضيح:

- لا يا ديانة جواد عمره ما كان هيعمل كده، وأديكي شوفتي مقدرش يعمل حاجة.

أغمضت عينيها بخيبة أمل وكسرة خاطر، تشعر وكأن بداخلها قهر وحسرة العالم بأكمله، وكأنها خسرت كل شيئًا ولم تعد ترغب فى العيش أكثر من ذلك، ولكنها لن تنكسر، أصطنعت القوة موجهة حديثها نحو "زينة" مردفة بحدة:

- أنا عايزه أمشي من هنا يا زينة.

أتسعت عينى "زينة" بصدمة وكأن هناك من صعقها، تعلم إنها مُحقة فى طلبها لرحيل بل والإنفصال عنه للأبد بعد كل ما راته منه، ولكنها تخشى عليها من غضب أخيها حينما يسمع طلبها هذا، فزواجها من "جواد" هو نجاتها إلى الأن، ولكنها لا تستطيع أن تخبرها بهذا الأمر لكي لا تكره الجميع أكثر من ذلك، لتحاول تهدئها:

- أنتي بتقولي إيه يا ديانة؟ أنتي مش عارفة عواقب اللي بتقوليه.

صاحت "ديانة" صارخة فى وجهها مؤكدة على حديثها:

- بقول إني عايزه أمشي من هنا، عايزه أطلق منه، حتى لو كان التمن إنه يقتلني، المهم مبقاش مع البني أدم ده فى مكان واحد، أنا بكرهه.

أحتضنتها "زينة" وهي تشعر تجاهها بكثير من الشفقة والحزن، فهما الأثنتان يبدو أن حياتهما تُشبه بعضهما، هما الأثنتان أصبحا مدمرتان الأن ولهذا السبب هي لا تستطيع الانزعاح منها بل الاشفاق عليها، ربتت على ظهرها مُردفة بتعاطف:

- طب أهدي يا ديانة، أهدي دلوقتي وبعدين نتكلم فى الموضوع ده.

سكتت "ديانة" وظلت مُعانقة إياها حتى أنتهى بكائها وسقط فى النوم، وضعتها "زينة" بالفراش وقامت بتغطئتها ونهضت وخرجت من الغرفة وهي تشعر بأن كلاهما تضمرت حياتهم ويبدو أن هناك رابط مشترك بين قصتيهما.

يتبع...
دلف القصر وهو فى قمة غضبه، يشعر وكأنه يريد قتل "هناء" بسبب تصرفاتها الحمقاء التي حتى لا ترجع له فيها قبل أن تُنفذها، بل ترتكب الخطأ وحسب، صاح مُناديًا عليها بغضب وحنق صارخًا بحدة وإنزعاج:

- هناء! أنتي فين يا هناء؟

هبطت الدرج بهدوء وغطرسة مبالغ بها وكأنها لم ترتكب أي شيء خاطئ، بل وتشعره إنه مُخطاُ بكل وقاحة مُردفة بلا مُبلاة:

- بتزعق كده ليه؟

أتخذ بعض الخطوات الواسعة تجاهها مُعبرًا عن مدى غضبه إلى أن أصبح أمام وجهها مباشرة، وصاح بغضب وأنفاس حارقة:

- هو أنا لسه زعقت! دا أنا هزعق وهكسر وهضرب كمان.

رفعت حاجبها باستهزاء على حديثه الذي لم يفرق معاها ولو بجزء بسيط، إنها تعلم أن "هاشم" لا يستطيع أن يفعل لها شيء مهما فعلت، لتستغل ذلك وتُردف بتهكم:

- تضرب كمان! وده من إيه إن شاء الله؟

شعر بكثير من الغضب من تلك النبرة المُستهزئة فى حديثها، ولكنه عمل جاهدًا على ألا يفقد أعصابه ويقوم بفعل شيئًا يندم عليه، ليكز على أسنانه بغضب مُضيفًا بحدة:

- أنتي إزاي بجاحتك توصلك إنك تبعتي حد يقتل ديانة وحفيدي! أنتي خلاص أتجننتي يا هناء؟

ضحكت بسخرية شديدة تُحاول إشعال نيران الغضب بداخله، ثم تُحول كل ذلك الغضب تجاه "ديانة" بتذكيره بذلك الحادث فى هذا اليوم، لتهتف بهجوم وحدة:

- لا يا هاشم الظاهر أنت وأبنك اللي أتجننتوا ونسيتوا ديانة دى تبقى بنت مين؟

إندفع "هاشم" صارخًا فى وجهها مُحاولًا منعها عمً تُحاول الوصول إليه زاجرًا إياها بحدة وانفعال:

- تبقى بنت شرف يا هناء، يعني بنت أخويا.

غضبت مما يقوله وهذا الحديث الذي يُثبت لها أن "هاشم" أيضا قد خرج عن سيطرتها، لتُحاول جاهدة إدخال الكراهية داخل قلبه مرة أخرى مُردفة ببكاء وتأثر زائف:

- وبردو بنت لبنى يا هاشم، لبنى اللي قتلت أختي واللي فى بطنها، وحاولت تقتل ماجدة أختك، وأتسببت فى موت شرف، ديانة تبقى بنت لبنى يا هاشم.

صاح بها مُحاولا جعلها تخرج "ديانة" من رأسها وعدم إيذائها مُردفًا بحدة وانفعال:

- لبنى ماتت من عشرين سنة يا هناء، وديانة زي ما أنتي قولتي بنتها، وبنتها دي لا عاشت ولا أتربت معاها عشان أدفعها هي تمن حاجة ملهاش ذنب فيها، وكمان ديانة دلوقتي شايلة حفيدي، ولو هي مكنتش من دمي وكانت واحدة غريبة، حفيدي كان هيشفعلها قدامي ويخليني مهما كان بينى وبينها أسامحها عشانه هو، ما بالك بقى إنها بنت أخويا وأخر حاجه باقيه من ريحته، عايزاني أقتلها كده بسهوله.
رفعت حاجبيها باستنكار وقليل من الاستهزاء مردفة بتهكم:

- يا سلام، وكان فين كلامك ده طول العشرين سنة، إيه غيرت رأيك كده فجاة! ولا تكونش حنيت يا هاشم؟

تنهد بحزن وأسئ لا يعلم أيصيح بما يشعر به أم يحتفظ به داخل قلبه حتى لا يُخطئه أحد، ولكن لماذا يخطئه أحد؟ لأنه أخرج ابنة أخيه من كل تلك الظلمة والانتقام! أم لأنه يريد أن يحظى بحفيد من صلبه وصلب شقيقه ويريد لذلك الطفل حياة سوية؟ ليست حياة مليئة بالحزن والظلام لأن والده وجده قد قتلا والدته دون حتى أن تفعل شيء! لا لن يفعل هذا أبدًا، رمق "هاشم" "هناء" بعين دامعة مُحاولًا أن يُحنن قلبها مُردفًا بضعف:

- أه يا هناء حنيت، حنيت لحاجة من ريحة أخويا، أه أنا كنت عايز أقتلها زي ما أمها قتلت أبني، بس لما سمعت إنها حامل، حسيت بحاجات بقالي كتير أوي محستش بيها، حسيت بسعادة أول مرة تهاني حملت وقالولي مراتك حامل وهتجبلك عيل يشيل أسمك، ده نفس الأطاحساس اللي حسيته لما جواد قال ديانة حامل، حسيت إني حسي لسه فى الدنيا ولسه نسلي متقطعش وأسمي هيعيش فى الدنيا حتى لو روحي طلعت للي خالقها.

-وحسيت إن دى إشارة بتقولى متقتلش ديانة وتأخدها بذنب هي معملتهوش، ولما شوفتها النهاردة حسيت إني شايف شرف قدامى، قوتها، جرأتها، كلامها، حتى لمعة عنيها وهي بتتكلم، كل ده خلانى أحس إني بكلم شرف، حسيت قد إيه أنا كنت هندم لو أذيتها وأخدتها بذنب غيرها، حسيت برعشى فى قلبي أول ما وقفت قدامها وهي بتعيط وكأني واقف قدام حد من عيالى، مش هقدر أأذيها يا هناء.

شعرت بكثير من الغضب والكراهية تجاه الجميع وأولهم تلك الفتاة "ديانة"، حاولت تعنيف "هاشم" مرة أخرى مذكرة إياه بما حدث لزوجته مُحاولة زرع الغضب والكراهية مرة أخرى داخل قلبه مُردفة بحدة:

- وحق أختي يا هاشم؟ حق مراتك اللي ماتت غدر وخيانة! إيه هتسيبه؟

صاح بها زافرًا بحنق من إصرارها على أن ثأرهم مع "ديانة" وأن حق زوجته سيأتي بموت ابنة أخيه، ليصرخ بوجهها زاجرا إياها بانزعاج:

- أفهمي بقى، ديانة ملهاش دعوة بأي حاجة حصلت زمان، دلوقتي هي مرات جواد وشايله حته منه جواها والطفل اللي هيتولد ده سوا بنت أو ولد هيحتاجها، ليه أظلم كل دول وهما ملهومش ذنب! ليه أظلم بنت أخويا وهي معملتش حاجة وأقتلها! ليه أحرم الجنين اللي جي ده من امه وأظلمه هو كمان على حاجه ملوش ذنب فيها، مش كفاية اللي جواد عمله معاها؟

كورت عينيها بملل من حديثه ولاتزال مُصرة على ما بداخل رأسها، ولم تكتفي بذلك بل غرورها جعلها لا ترى الصدق فى أعين "هاشم" وحقيقة أن تلك الفتاة أصبحت تعني له الكثير، لتتفوه "هناء" بثقة وإصرار مُعبرة عن حجم الكراهية التي تحملها بداخلها تجاه "ديانة" مُردفة بحدة:

- طيب يا هاشم، لو أنت هتسيب حق مراتك! أنا مش هسيب حق أختي وهاخده.
ألتقط يدها فجأة ممَ جعلها تنتفض من الصدمة وأخذ يضغط عليها بكثير من الغضب والحنق، وتلك أول مرة يرفع فيها "هاشم" يده عليها، لتتأوه "هناء" وتُحاول سحب يدها من قبضته ولكنها فشلت، فهو ممسك بها جيدًا، بينما "هاشم" قد نفذ صبره منها وصاح بوجها بأنفاسه الحارقة وأسنانه الملتحمة مُحذرا إياها:

- أقسم بالله يا هناء لو قربتي من ديانة أو من اللي فى بطنها أو حاولتي تأذيهم، والله العظيم وقتها هنسى أنتي مين وهقطعك بسناني، أديني حذرتك أهو يا بنت عمي وقد أعذر من أنذر.

تركها وصعد السلم مُتجها نحو غرفته مُعلنا عن إنتهاء الحديث بينهما، بينما "هناء" ظلت تُطالعه بنظرات ثاقبة وأنفاسًا ملتهبة عازمة على أن تعلن الحرب عليهم وتحرق قلب الجميع وأولهم سيكون "هاشم" عندما يخسر حفيده وأبنة أخيه وأيضا أبنه.

❈-❈-❈

توقف بسيارته بمكان بعيد ومظلم لا يوجد به أحدًا وكأنها صحراء غير صالحة للتعمير والأسكان، ترجل من سيارته وتحرك ليصبح وأقفًا أمامها ولا يُنير له سوى ذلك الضوء البسيط الذي ينبعث من داخلها.

رفع وجهه لسماء وما هي إلا لحظة واحدة وسقط على الأرض ثانيًا رُكبتيه وأخذ يبكي بكل ما به من قوته وكأنه طفلًا صغير يشعر بالألم لأول مرة أو يريد الذهاب إلى والدته، بالفعل هذا ما يريده هو أيضا يحتاج إلى والدته، يحتاج أن يلقي بنفسه داخل صدرها، يحتاج أن تضمه وتربت على ظهره وتُزيح عن صدره كل ذلك الضيق والحنق، يحتاج أن تُنسيه كل ما فعلته به "هناء"، يحتاج أن تُعاقبه عمَ فعل ب"ديانة"، تطمئنه إنها لن تتركه أبدًا.

ولكن لحظة! هل "ديانة" ستُسامحه بعد كل ما فعله بها؟ هل ستنسى إنه أغتصبها عدة مرات؟ هل ستنيى تلك الاهانة والكسرة التى سببها لها؟ هل سيشفع له عندها ما يحاول فعله منذ فترة طويله؟ هل ستاسمحه إذا أخبرها بكل ما بداخله! هل ستشفق عليه بسبب كل ما عانه بسبب تلك المرأة التى تُدعى "هناء"! هل ستحبه مثل ما يحبها؟

هل هو يُحبها؟ كيف يحب ابنة المرأة التي قتلت والدته! ولكن ما ذنبها بهذا الأمر! لما يجعلها تدفع ثمن غلطة هي لم ترتكبها! ولكنها والدتها؟ ولكنه يُحبها؟ لا لم يُحبها! بل بالطبع يُحبها.

- آآآه كفاية بقى، كفاااية.

صرخ بتلك الكلمات من بين شهقاته مُحاولًا الانتهاء من ذلك الصراع بداخله، ذلك الصراع الذي يُسبب له الحيرة والتشتت لا يعلم لأى صوت منهم يستمع؟ أيستمع لذلك الصوت الذي يخبره بأنه يُحبها! أم الأخر الذي يقول إنه لم يحبها؟ صدحوذلك الصوت مرة أخرى مستفسرًا عن إذا كان حقا يحبها! فلما يُعذبها ويُهينها ومنذ قليل كاد أن يضربها بدون شفقة أو رحمة أمام الجميع؟ فقط لأنها واجهته بحقيقته الذي يتهرب منها بكونه حقا شخصًا ضعيف.

كور قبضتي يده وضرب بها الأرض أمامه بكثير من الغضب والصراخ، عسى يستطيع إخراج كل ذلك الضيق الذي يشعر به، مُتمتمًا بأسنان ملتحمة ودموع تتهاوى كالمطر:

- ليه عملت كده ليه؟ كل ما أحس إن الكره اللي بينا بيقل أرجع أزوده تاني ليه؟

تذكر تلك السفرية التي سيقوم بها غدًا، ليتوقف عن البكاء مُمتنًا لتلك المشكلة التي ستُشغله عن ذلك التشتت وستجعله يبتعد عنها قليلا، على الأقل تلك الفترة حتى لا تزداد تلك الكراهية بينهما، وأيضا لإكمال ما بدأه من فترة.

❈-❈-❈

لاحظت "ملك" تغير نبرة "إياد" فى الحديث معاها، يبدو حزينًا ومستائًا، شعرت أن هناك شيئًا ما لتتقدم بسؤلها مُحاولة الأستفسار عمَ يُزعجه:

- مالك يا إياد! صوتك متضايق ليه؟

حاول "إياد" عدم إزعاجها بتلك الأمور مُحاولًا التهرب من سؤالها:

- مفيش يا حبيبتي.

إنزعجت "ملك" لشعورها بأنه يُحاول إخفاء الأمر عنها، لتزجره بنبرة مُعاتبة:

- إياد متخبيش عليا، هو أنا يعني مش عارفاك!

لأحظ إنزعاجها وإرادتها القوية فى الاستفسار عن الأمر، فلم يريد أن تنزعج أكثر من ذلك، تنهد بأستسلام لأن يخبرها مُردفًا بضيق:

- متخانق مع جواد.

أتسعت عينيها بصدمة خوفًا من أن يكون "جواد" علم بشيء مما سبق وأخبرها به "إياد"، وأن يكون صدق إنه فعل ذلك الشيء ب"زينة"، لتهتف بلهفة مُستفسرة:

- ليه هو عرف حاجه؟

أجابها نافيًا:

- لا الحمدلله، بس مشكله كده فى فرع من فروع شركتنا برا مصر وهو مُضطر يسافر.

زفرت براحة أن "جواد" إلى الأن لم يعرف عن الأمر، فهي سمعت الكثير عن شخصيته وإنه قاسي وحاد الطباع، وبالبطع إذا علم شيئًا كهذا ستكون هناك مصائب لا حصر لها، ولكنها أيضا ظلت مهتمة لمعرفة سبب إنزعاج "إياد"، لتُخمن أن "جواد" قد يكون قال له شيئًا أزعجه وضايقه:

- هو قالك حاجه زعلتك!

أبتسم بخفة على ما قالته عن أنه ينزعج من "جواد"، إنها لا تعلم ما بينهما فالشيء الذى يربطهما ببعضهما ليست مجرد شراكة أو صداقة عمل، بل ما ببنهما أكبر من ذلك بكثير، أجابها محاولًا شرح الأمر لها:

- مفيش حاجة تزعلني من جواد، ده مش صحبي بس ده أخويا وصحبي وشريكي وأهلي وكل حاجة، أنا بس خايف عليه من نفسه، جواد اللي شافه مش قليل يا ملك وعشان كده مهما عمل فيا عمري ما أزعل منه أبدًا.

تأثرت من كل ذلك الحب الذى يحمله "إياد" ل"جواد" وصداقتهما الجميلة الخالية من أية مطمع أو إستغلال، ولكنها أرادت أن تُخرج "إياد" من ذلك الإنزعاج لتعلق بمشاكسة:

- أه دا أنا كده هبدأ أغير من جواد بقى!

ضحك بصوته كله على ما تفوهت به "ملك" وقد أدرك إنها تُحاول مشاكسته، ليقلب عليها لعبتها ويقلب الأمور لصالحه مُضيفًا بمكر:

- لا تغيري من جواد إيه! أنا مليش فى الخشن أنا ليا فيك أنت يا طري يا ناعم يا حلو.

شعرت بالخجل الشديد، وصاحت بانزعاج وطيف غضب مُصطنع:

- تصدق يا إياد أنت قليل الأدب وأنا معتش مكلماك تاني.

أغلقت الهاتف ولاتزال تشعر بالخجل الشديد، بينما "إياد" ظل يضحك على طفولتها وهتف بتوعد:

- هو أنتي لسه شوفتى قلة أدب يا روحى؟ دا أحنا لسه بنقول يا هادي!

❈-❈-❈

بعد مرور شهر..

كانت تجلس بغرفتها وتشعر بقليل من الدوران والكثير من الغثيان، لا تعلم لما تشعر بهذا الشىء منذ عدة أيام، قطع خلوتها صوت تلك الطرقات على باب غرفتها، سمحت للطارق بالدخول، لتقوم "ديانة" بإدخال راسها فقط من خلف الباب مُردفة بمرح:
+

- ممكن أدخل؟

أبتسمت لها "زينة" بحب وأعتدلت فى جلستها مُرحبة:

- أكيد طبعًا يا ديانة أتفضلي.

دلفت "ديانة" الغرفة وتقدمت بعدة خطوات تجاه فراش "زينة"، حاولت أن تجلس بحذر لأنها أصبحت الأن بشهرها السابع وبطنها أصبحت كبيرة وهذا الشيء يجعلها قلقه من أن تقوم بأى حركة خاطئة، وجهت حديثها نحو "زينة" مستفسرة:

- زينة هو أنتي زعلانه مني فى حاجة؟

هزت "زينة" رأسها بإنكار عن كونها منزعجة منها قائلة:

- لا يا حبيتي طبعًا مش زعلانه منك، ليه بتقولي كده؟

تنهدت "ديانة" بحزن عند تذكرها ما حدث فى هذا اليوم بينها وبين "هاشم" وما فعله "جواد" معها، لتُضيف بحرج:

- أومال ليه بقالك شهر من ساعة الكلام اللي حصل بيني وبين باباكي وأنتي قافله على نفسك هنا ومش بتتكلمي معايا خالص؟

حاولت "زينة" توضيح الأمر لها مُعقبة بصدق:

- صدقيني يا ديانة أنا مش زعلانه منك أبدًا، بالعكس أنا زعلانه عليكي أوي ونفسي كل حاجة بينك وبين بابا وجواد تتظبط لأنك ملكيش ذنب فى حاجة، وصدقيني جواد كويس بس هو شديد شويه.
ابتسمت لها "ديانة" بأقتضاب عندما تذكرت ذلك اليوم الذي أستمعت فيه ل "جواد" قبل أن يُسافر.

••

أنتهى من إرتداء ملابسه وسريعًا ما خرج من غرفته فى طريقه نحو باب المنزل، صدح صوت هاتفه مُعلنًا عن وجود إتصال من أحدهم، أخرج هاتفه للرد مُستمعًا لذلك الشخص الذي يُهاتفه، ليُجيبه بإقتضاب:

- أيوه مسافر دلوقتي.

صمت لمدة ثوان فقط حتى صاح مرة أخرى:

- مش عارف هقعد قد إيه بس بمجرد ما هحلها هرجع على طول.

خرج من المنزل وهو لايزال يتحدث بهاتفه ولم ينتبه "لديانة" التى كانت تقف أعلى الدرج وأستمعت إلى ما قاله.

•••

هزت "ديانة" رأسها مُحاولة إخراج كل ما برأسها يذكرها بهذا الحقير التي تكرهه أكثر من أى شىء بحياتها وتتمنى عدم مجيئه مرة أخرى، حاولت إشغال نفسها بالحديث مع "زينة" التي يبدو عليها ملامح الحزن أو المرض! هتفت مستفسرة:

- طب لو الموضوع كده، أومال ليه طول الفترة دى مش بتنزلي تقعدي معايا غير كل فين وفين؟

شعرت "زينة" بالغثيان وأنها بحاجة شديدة لإفراغ كل ما بمعدتها ولكنها حاولت منع نفسها وعدم إظهار ذلك الشىء أمام "ديانة"، أجابت بأنفاس مُتسارعة:

- مفيش بقالي فترة كده تعبانة شوية ومش قادر حتى أقوم من مكاني و....

ركضت إلى المرحاض عندما شعرت بإنها على وشك التقئ بكل ما فى معدتها، لتدخل وتوصد الباب خلفها باحكام، بينما "ديانة" أسرعت فى اللحاق بها مُحاولة معرفة ما بها للأطمئنان عليها، طرقت على الباب بلهفة:

- زينة أفتحي يا زينة، زينة فى إيه!

ظلت تطرق الباب بهلع مُحاولة الوصول إليها بعد أن أستمتت إلى صوت إستفراغها كل ما بمعدتها، بعد قليل من الوقت فتحت "زينة" الباب ووجها أصبح شاحبًا ولونه أصفر ويبدو عليها عدم الأتزان، هتفت "ديانة" بكثير من القلق والخوف:

- مالك يا زينة فيه إيه! أنا هكلم الدكتور.

هزت "زينة" رأسها بالنفى غير موافقة على إقتراحها ظنًا منها أن هذا مجرد شيئًا بسيط، عقبت بثقل وهي تشعر وكأن رأسها يدور:

- لا لا أنا، أنا هبقى كويس....

لم تُكمل جملتها وسريعًا ما سقطت مُغشيًا عليها فوق جسد "ديانة"، بينما لم تتحمل الأخرى ثقل جسدها لتسقط منها شيئا فشىء أرضًا، صرخت بفزع ورعب مُستنجدة بالعاملة بالمنزل:

- زينة! الحقيني يا دادا.

❈-❈-❈

إلتقط "إياد" تلك التسجيلات من فوق مكتبه بعد أن جمعها كلها وتأكد من شكه وسريعًا ما أخرج هاتفه مُجريا إتصال إلى "ملك" وثوانٍ وأتأه ردها ليصيح بلهفة:

- أنا وصلت للتسجيلات يا ملك ومعايا نسخه منهم.

أبتسمت بسعادة وفرح لأن هناك أملًا إذا رأى أخيها تلك التسجيلات يُمكن أن يعود حينها إليهم مرة أخرى، صاحت بحماس:

- بجد يا إياد! طب قولي اللي حصل ده حصل إزاي؟

نهض "إياد" بعجل فهو يريد الذهاب حالًا إلى "مالك" لإثبات براءته وبراءة "زينة" أمامه، ليُعقب بلهفة:

- مش وقته يا ملك بعدين هقولك، المهم دلوقتي أبعتيلي عنوان مالك أنا لازم أروحله حالًا.

حاولت "ملك" أن تجعله يأخذها معه فى تلك المواجهة التي لا تعرف ماذا سيحدث بها! كيف سيستقبل شقيقها تلك الحقيقة ويعلم إنه قام بظلم "زينة" وإنها بريئة ممَ ظنه بها؟ لتهتف برجاء:

- طب عدي عليا أروح معاك.

لا يستطيع الموافقة على طلبها لإنه يعلم أن يُمكن أن تكون ردة فعل "مالك" غير متوقعة لذلك سيذهب إليه بمفرده، ليوجه حديثه نحوها مُعقبًا بنهي:

- لا لا، خليكي أنتي برا الموضوع، أنا عايز يبقى مني ليه.

وافقته على ما قاله مُتفهمة الأمر مُردفة بأستسلام:

- حاضر يا إياد هبعتلك اللوكيشن، بس أبقى طمني.

وافقها وهو يستعد للخروج من مكتبه مُتجها نحو بيت "مالك":

- حاضر يا حبيبتي.

❈-❈-❈

أنتهى الطبيب من فحص "زينة" المُستلقية بفراشها، بينما تقدمت "ديانة" منه مُستفسرة عن حالتها وهي تشعر بكثير من القلق عليها:

- خير يا دكتور طميني زينة مالها؟

أبتسم لها الطبيب مُحاولًا أن يطمئنها وعدم إشعارها بالتوتر مُرعاة لكونها حامل والقلق ليس جيدا عليها، ليجييها بهدوء:

- أنا مش عايز حضرتك تقلقي خالص، ده مجرد ضعف بسيط وأنا هكتبلها على شويه فيتامينات لازم تمشي عليها ولازم تعمل التحاليل دي كمان عشان نتطمن.

شعرت "زينة" بالتعجب من طلب الطبيب بعمل فحوصات لها، لتتدخل مُوجهة حديثها نحوه مُستفسرة:

- نتطمن على إيه؟

أبتسم الطبيب بمجاملة لكي يُهنئها قائلًا:

- ألف مبروك يا مدام حضرتك حامل.

أتسعت عيني كلًا من "ديانة" و"زينة" بصدمة مما تفوه به الطبيب، لتقع "زينة" فى حالة من الصدمة غير قادرة على التحدث بأي شيء بينما "ديانة" حاولت عدم إظهار شيئًا أمام التطبيب مُتظاهرة بالسعادة:

- الله الله يبارك فيك يا دكتور.

أمتدت يد الطبيب بقائمة الأدوية والتحاليل مُوجها حديثه نحو "ديانة" مُضيفًا بإبتسامة:

- أتفضلي حضرتك دي أسماء الفيتامينات والتحاليل المطلوبة، وياريت تاخد بالها من نفسها ومن أكلها شويه.

تقدمت "ديانة" لكى توصل الطبيب مُصطحبة إياه إلى الخارح وتُحاول التظاهر بأن الأمور على ما يرام مُردفة بامتنان:

- شكرُا يا دكتور، أتفضل.

نهضت "زينة" بسرعة من فراشها وأخذت تسير فى جميع أركان غرفتها يمينًا ويسارًا من هول صدمتها لا تستوعب ما قاله الطبيب، لا تعلم كيف ومتى حدث ذلك؟ وما هى إلا ثوانٍ حتى تذكرت ما حدث لها من قبل "مالك"، لتضع يدها على فمها بصدمة وسقطت أرضًا موالية ظهرها إلى الحائط وتضم ساقيها إلى صدرها بفزع وذعر.

يتبع...

طرق "إياد" باب منزل "مالك" ولحظات وكان الباب مفتوح، ليدلف "إياد" المنزل تحت أنظار "مالك" الحارقة وسرعا ما قبض على عنقه بغضب وضيق وهو يكز على أسنانه مُردفًا بحدة:

- أنت ليك عين تيجى لحد عندي برجليك!

وضع "إياد" يده على يد "مالك" ُمحاولًا التخلص من حدة قبضته وأن يهدئه:

- مالك لو سمحت أهدى وأسمعني.

أزدادت حدة قبضته على عنق "إياد" فى ُمحاولة لخنقة، وزجره بحدة وتوعد:

- أنا مش عايز أسمعك، أنا عايزك تخرج من هنا بدل ما
أخرج روحك من جسمك.

دفع "إياد" "مالك" لاكزا إياه فى صدره ُمحاولًا التخلص من قبضته مُردفًا بغضب وحدة:

- يا أخي أسمعني بقى، أنت إيه مبتفهمش!

صاح "مالك" به وكم يود أن يقتله فى تلك اللحظه، ولكنه حاول السيطرة على غضبه وصرخ فى وجه بإنفعال:

- أسمع إيه! منا شوفت بعيني وساختك ونجاستك و..

قاطعه "إياد" ُمحاولا تبرئ نفسه هو و"زينة" أمامه ُمعقبًا بملامح صادقة:

- والله العظيم ما لمستها يا مالك.
ضحك باستهزاء على عكس ما بداخله من غضب وكراهية مُعقبًا بسخرية وتهكم:

- أيوه أيوه أنت صح كنتوا نايمين فى سرير واحد ملط بترسموا لوحة؟

أنزعج "إياد" من سخريته اللازعة على حديثه، ولكنه التمس له العذر فذلك المنظر ليس هينًا على أية راجل بالعالم، ليحاول تفسير الأمر له مُردفًا بهدوء:

- لا كنت انا وهى متخدرين ومش دارين بأي حاجة حولينا.

شعر "مالك" بغصة شديدة فى حلقه وكثيرًا من الألم الذي لا يرأف به، ولكنه حاول إخفائه بتلك النبرة الهازئة:

- كنتوا متقلين فى الشرب ولا إيه؟

أدرك "إياد" أن الحديث معه لن يوصله إلى أى شيء، ولذلك أمتدت يد "إياد" إلى جيب بنطاله ُمخرجًا تلك الشريحة ُمعطى إياها ل "مالك" مُضيفًا بحدة:

- خد شغل الفلاشة دي وأنت هتفهم كل حاجة.

ضيق ما بين حاجبيه باستغراب من طلب "إياد" وعن رغبته بأن يقوم بتشغيلها، ليسأله ُمستفسرًا عمَ تحتويه تلك الشريحة مُفسرًا:

- فلاشة إيه دي؟

تنهد "إياد" وزفر ما بداخل رئتيه رامقًا "مالك" بملامح باردة خالية من أية تعبيرات قائلًا:

- شغلها وأنت تعرف.

توجه "مالك" إلى حاسوبه و قام بتشغيلها ليرى أن ذلك المكان هو أمام البناية التي يسكن بها "إياد"، وما هى إلا لحظة حتى رأى "زينة" يحملها رجُلان وهي فاقدة الوعى ومعهم إمرأة أخرى تحمل بيدها حقيبتها وحقيبة "زينة"، وبعد ربع ساعة أتى "إياد" وهو ُيسرع فى الصعود إلى شقته، لم تمر سوى دقائق بسيطة حتى وصل هو وأرتطم بهاذان الرجلان اللذين كان يحملان "زينة"، ولكنه لم يهتم وأسرع فى الصعود إلى المنزل،
نظر "مالك" ناحية "إياد" بملامح ُمصدمة وكأنه فقد القدرة على النطق أو التفكير، ليحاول "إياد" توضيح وتفسير الأمور له:
- يوميها جالي تليفون وأنا فى الشركة، واحد قالي إن شقتي أتسرقت، روحت جري أشوف فى إيه! أول ما دخلت الشقه حسيت بحد جي من ورايا وحط حاجة على وشى، بعدها محستش بنفسى غير وأنا بصحى من النوم ولاقتني أنا وزينة بالوضع اللي شفتنا فيه ده، وكانت زينة فى حاله صدمة.

كان غير ُمستوعبًا ما يقوله "إياد" وتذكر تلك الدماء التي رأها على تلك الشراشف، لينظر نحوه بشك ُمستفسرًا عن تلك الدماء:

- والدم اللي كان على الملاية ده إيه؟

فطن "إياد" الغرض من سؤاله وإنه لم يصدقه كليا بعد، ليصر على تبرئتهما أمامه:

- والله العظيم يا مالك ما لمستها ولا جيت جمبها، أنا بمجرد ما شوفتها أتخضيت ولبست بسرعة وأنت دخلت علينا فى نفس اللحظة.

شعر "مالك" بأنه يقول الحقيقة ولكن إذا كان فعلا "إياد" لم يلمسها فما هذه الدماء إذًا؟ أزدادت ضربات قلب "مالك" وأخذ عقله يصور له بعض الأشياء البشعة، ليصيح مرة أخرى مستفسرًا بذعر:

- أومال الدم ده من إيه؟

هز "إياد" راسه بغير إستعاب مُجيبًا عليه:

- مش عارف وده اللي هيجنني، خايف يكون حد من الكلاب دول يكون عمل فيها حاجة أو....

قاطعه "مالك" بفزع مما يقول رافضًا تصديق تلك الفكرة:

- لا يا إياد أكيد محدش عمل حاجة، أنا هروح معاها لدكتور ونتطمن وإن شاء الله مفيش حاجة تكون حصلت.

تنهد "إياد" براحة من إنه صدق حديثه، ولكنه سريعًا ما تذكر إنه لا يستطيع التواصل مع "زينة" منذ أكثر من شهر، ليردف بيأس:

- المهم تعرف توصلها عشان تليفونها مقفول من بعد اللي حصل.

أومأ "مالك" برأسه بالموافقة مؤكدا على حديثه مُردفًا بثقة:

- هوصلها، وهصلح كل حاجة، وأكيد هي هتكون كويسة.

شعر "إياد" بالراحة ظنًا منه أن الأمور عادت لطبيعتها وأن تلك المشكلة أنتهت بمجرد معرفة "مالك" الحقيقة، ليُضيف بتحذير:

- أسمعني يا مالك، زينة مش زي أي واحدة ممكن تكون شوفتها أو عرفتها فى يوم، زينة دي جوهرة لو ضاعت من إيدك صدقني هتندم طول عمرك على ضياعها منك.

خرج من منزل "مالك" وتركه يُفكر فيما حدث ويُعاتب نفسه على قلة ثقته بها، بينما أسرع "مالك" فى محاولة الاتصال عليها أو على "ديانة"، ولكن دون فائدة، هي الأخر لا تُجيب، جلس يُعتاب نفسه ويتذكر ما الذي حدث فى هذا اليوم عندما كان ثملًا.

❈-❈-❈

صعدت "ديانة" إلى غرفة "زينة" بعد أن أوصلت الطبيب إلى السُلم وأمرت العاملة أن تقوم بتوصيله للخارج، دلفت الغرفة مرة أخرى لتجدها جالسه على الأرض وتضم ساقيها إلى صدها وتضع يدها الأثنان فوق فمها وتبكي بكل ما بها من قوة.

شفقت "ديانة" كثيرًا على حالتها ولكنها يجب أن تعلم الحقيقة، لتقطت يدها وأجبرتها على النهوض وهي تسألها بنبرة مُعاتبة:

- أنتي مش قولتيلي إن إياد ملمسكيش وإن الدكتورة قالتلك إنك Virgin؟ حصل أزاى ده!

أزدادت شهقات "زينة" وأرتفع صوت بكائها وهي تهز رأسها بالنهى غير مؤكدة على حديثها مُردفة ببحة فى صوتها وتلعثم:

- أنا.. أنا مش حامل من إياد.

صُدمت ممَ قالته "زينة"، هي ظنت أن يكون "إياد" فعل شيء وخشيت "زينة" أن تقول، ولكن كل مخاوفها أتجهت نحو أن يكون هولاء الذين تآمروا عليهم وخطفوها ووضعوها بفراش "إياد" أن يكونوا أغتصبوها؟

ولكن إذا كان حدث هذا لما قالت لها الطبيبة إنها لاتزال عذراء! شعرت بكثير من التشتت وحولت نظهرها نحو "زينة" مرة أخرى مُستفسرة برعب:

- أومال حامل من مين؟

أغمضت "زينة" عينيها بألم عندما تذكرت ما حدث فى هذا اليوم عندما ذهبت إلى بيت "مالك"، ثم أبتلعت ريقها بمرارة مُجيبة:

- من مالك.

أتسعت عيني "ديانة" بصدمة غير مُستوعبه لما سمعته، كيف يمكن أن يفعل "مالك" هذا! كيف يمكن أن يكون ضعيفًا أمام شهواته هكذا؟ كيف سمح لنفسه بالقيام بمثل هذا الشيء! ولكن متى وكيف فعل هذا؟ صاحت "ديانة" مستفسرة عن هذا الأمر:

- مالك! إزاي! وأمتى؟

حاولت "زينة" التحدث بصعوبة من بين شهقاتها موضحة لها ما حدث بهذا اليوم:

- يوم ما روحتله البيت عشان أفهمه اللي حصل، هو وقتها كان سكران ومرديش يسمعني وجرجرني على الأوضة وحصل اللي حصل.

لم تستطيع "ديانة" مجرد تخيل أن "مالك" فعل ذلك حقا، لا يمكن أن يكون أخيها الذي تربت وكبرت على يده يمكن أن يفعل مثل تلك العملة، تشعر وكأنها بحلم بل كابوس وستفيق منه قريبًا، صاحت بوجه "زينة" مُعاتبة إيها:

- أنتي ليه خبيتي عليا يا زينة؟ ليه مقولتليش على اللي حصل من وقتها!

صاحت "زينة" بكل ما بها من قهر وكسرة قلب مما فعله "مالك":

- كنت أقولك إيه يا ديانة! أقولك إن مالك أغتصبني؟

وقعت تلك الجملة على أذان ذلك الذي كان لتو عائدًا كن سفره وكاد أن يدلف الغرفة بعد أن أخبرته العاملة أن شقيقته مريضة، لتكون تلك الكلمات كالخنجر الذي رشق فى قلبه، لم يستطيع التحكم فى نفسه واندفع إلى الداخل بسرعة البرق صافعًا الباب بقوة، لدرجة إنه كاد أن ينكسر ممَ أدى إلى أرتجاف كلا من "ديانة" و"زينة" اللذان كاد قلبهم أن يتوقف عند رؤيته، ليتجه  نحو "زينة" جاذبًا إياها من شعرها بحدة صارخًا عليها:

- بتقولي إيه! هاا بتقولي إيه؟

صرخ "زينة" بكثير من الألم تحت يدى "جواد" وأخذت تبكي بشدة وهي ترتجف بين يديه، بينما "ديانة" حاولت أن تُخلصها من بين يديه صارخة عليه بحدة:

- سيب شعرها وأبعد عنها.

دفعها "جواد" بغضب دون وعي منه لكي تبتعد عنه، ولم ينتبه إلى قوة دفعته التي أرغمت جسدها على السقوط بقوة ولكن من حُسن حظها إنها سقط على الفراش وليس الأرض وإلا كانت تأذت بشدة، بينما "جواد" زاد من جذبه لشعر شقيقته صارخًا بها بأنفاس عالية:

- يعني إيه أغتصبك! يعني أنتي دلوقتي مش بنت؟

أنتحبت "زينة" وتصاعد صوت بكائها " وأجابته مُحاولة الدفاع عن نفسها والتخلص من تلك القبضة التي لا ترأف بها:

- والله العظيم يا جواد كان غصب عني، والله العظيم أنا ما عملت حاجة.

دفعها بشدة لتسقط على الفراش بقوة، وصاح بملامح شيطانية لا تُبشر بالخير:

- هو اللي جنى على نفسه.

تركها وكاد أن يذهب لتجذبه "ديانة" من ذراعيه وتقف فى وجهه ممسكة بعنق قميصه، وقد أزدادت ضربات قلبها مما قاله مُستفسرة بأعين مُتسعة بذعر عمَ ينوي فعله:

- أنت هتعمل إيه؟

التقط يديها وأزاحهما عن قميصة مُعقبًا بملامح مُشتعلة وكأنه تحول إلى شيطان أتي من الجحيم مُجيبًا بتوعد:

- اللي بتقولي عليه أخوكي أغتصب أختى وسرق شرفي، أبقي قولي عليا فعلا مش راجل لو مجبتكيش خبره الليلادي.
تركها وسريعًا ما خرج من الغرفة عازمًا على الخروج من المنزل بأكملها غير مُكترثًا لتلك التي تصيح خلفه ناهية إياه عمً ينوي فعله صارخة:

- جواد، لا يا جواد، لا.

خرج "جواد" من المنزل وسريعًا أستقل سيارته وأنطلق بأقصى سرعة ممكنة عازمًا على الذهاب لبيت "مالك" وقتله دون تفكير، بينما أسرعت "زينة" بصحبة "ديانة" فى أستقلال سيارتها لكي تلحق ب"جواد" وتمنعه ممَ يود القيام به، لتصيح "ديانة" موجهة حديثها نحو "زينة" ميتفسرة:

- فهميني يا زينة إيه اللي حصل يومها بالظبط؟

أدارت "زينة" محرك السيارة مُتجهة لبيت "مالك" مُردفة بلهفة:

- هحكيلك كل اللي حصل فى السكة.

❈-❈-❈

كان "إياد" مُستقلا سيارته عائدًا إلى بيته، الساعة قاربت على الثانية عشر صباحًا، ليعلن صوت هاتفه عن وجود إتصال، ظن إنها ستكون "ملك" ولكنه تفاجأ بأن هذا رقم "جواد"، شعر بالدهشة من عودته دون أن يخبر أحدًا، فتح المكالمة وقبل أن يتفوه بكلمة أتاه صوت "جواد" الملئ بالغضب:

- عنوان مالك إيه؟

شعر بالريبة من نبرة صوته الغاضبة والحادة ليستفسر:

- فى إيه يا جواد!

صاح فيه بغضب وحدة:

- بقولك عنوان مالك إيه؟

توقف "إياد" بالسيارة وقد أزداد قلقة بسبب كل تلك العصبية التي يتحدث بها "جواد" وتأكد أن هناك كارثة ما على وشك أن تحدث، ولكنه أستسلام لأصرار "جواد" وأجابه بقلة حيلة:

- حاضر حاضر، هبعتلك اللوكيشن أهو.

أمره "جواد" بحدة:

- حالًا.

أنهى المكالمة قبل حتى الاستماع إلى رد "إياد"، وبالفعل أرسل "إياد" العنوان له ولكنه أيضا أدار مُحرك سيارته عائدًا إلى بيت "مالك" وهو متأكد أن هناك مصيبة ما على وشك أن تحدث.

❈-❈-❈

كان "مالك" جالسًا فى رُدهة منزله يُفكر ويُحاول تذكر ما حدث ذلك اليوم، ولكنه لا يستطيع تذكر أية شيء سوى إنه هو و"زينة" كانا يتشاجران بقوة، لفت إنتباهه تلك الورقة الموجودة أسفل الطاولة أمامه.

أنحنى بجذعه مُلتقطًا إياها وسريعًا ما قام بالنظر بها فاحصًا إياها، صُعق عندما قرأ أن تلك الورقة هي شهادة إثبات عُذرية ل"زينة" وتلك الورقة تُثبت إنها لم يمسُها بشرًا من قبل، أعتسر ذاكرته مُتحاملًا على نفسه مُحاولًا تذكر ما حدث بتلك الليلة وبالفعل تلك المرة تذكر كل شيء.

صُعق ممَ فعله بها مُتمنيا أن يكون كل ما تذكره هذا ليس حقيقيًا أو كان كابوسًا ليس إلا، ولكن دائما تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، تذكر تلك المحارم التي وجدها بسلة القمامة فى صباح اليوم التاني وكانت مُلطخة بالدماء، هل حقا أغتصبها؟

قطع تفكيره صوت طرقات حادة وقوية على باب شقته ممَ جعله يظن أن الطارق يود كسر الباب، لا يعلم أن الطارق يود كسر رقبته هو، أتجه ناحية الباب وما إن فتحه وتلاقت أعينه بأعين "جواد" حتى تلقى لكمة قوية كادت أن تسقطه أرضا من شدتها.

رفع "مالك" نظره رامقا "جواد" بصدمة، بينما لحقه "جواد" بلكمة أخرى أثر عليها سقوطه أرضًا، وصاح "جواد" صارخا عليه بغضب وحدة:

_ يا ابن الكلب يا ***.

حاول "مالك" النهوض ليتحدث معه ويحاول توضيح الأمر له وإخباره بإنه لم يكن فى وعيه، ولكن "جواد" لم يعطي له فرصة، بمجرد أن نهض "مالك" ركله "جواد" بقدميه بقوة بين مُلتقى ساقيه ليتألم بشدة، بينما لم يكتفى "جواد" بذلك بل لحقه بركلة فى معدته جعلته يسقط على الطاولة خلفة مما تسبب فى كسرها وإشعاره بتحطيم فقرات ظهره:

- زينة يا وسخ، عملتلك إيه عشان تعمل فيها كده؟ عملتلك إيه يا أبن الكلاب.

هجم عليه مرة أخرى قابضًا على عنقه خانقًا إياه، حاول "مالك" إبعاده عنه، ولكنه لم يستطيع بسبب قوة "جواد" الجسمانية التي تفوقه الضعف، بينما ظل "جواد" يُزيد من شدة ضغطه على رقبته يقسم على أن يجعل روحه تُفارق جسده.

شعر بالفعل إنه يلفظ أنفاسه الأخيرة وأصبح غير قادرًا على التنفس وأظلمت عينيه ولم يعد يستطيع روئية شيء، فى تلك اللحظة وصل "إياد" وما أسعفه إنه وجد باب البيت مفتوح، وما إن دلف المنزل حتى رأى "مالك" المُلقى أرضًا و"جواد" الذي قبضته تُحاصر رقبة الأخر ويحاول خنقه، إندفع سريعًا مُحاولًا تخليص "مالك" من يده مُردفًا بهلع وذعر:

- جواد أهدى، وقولي إيه اللس حصل؟

رمقه "جواد" بنظرة حارقة وأنفاس لاهثة أمرًا إياه بنبرة مُحذرة:

- أبعد أنت.

لم يستمع "إياد" إلى حديثه وأمتدت يديه مُحاولًا تخليص "مالك" الذي قارب على أن تخرج روحه من بين يدى "جواد" صارخا عليه:

- يا جواد سيبه هيموت فى إيدك.

غضب "جواد" من تدخل "إياد" وعدم إكتراثه لتحذيره، ليبعد إحدى يديه عن رقبة "مالك" ولكم "إياد" بقوة مُحاولًا إبعاده عنهما مُردفًا بصراخ حاد:

- مش قولتلك أبعد.

عادت يد "جواد" مرة أخرى تُحيط عنق "مالك" ولكن تلك المرة بقوة أكبر مما سبقتها، فى تلك اللحظة وصل كلا من "ديانة" و"زينة" وبمجرد أن رأتا هذا المنظر أسرعا فى إبعاده عن "مالك"، القت "ديانة" بنفسها على يد "جواد" مُحاولة إبعادها عن عنق أخيها صارخة عليه بكثير من الرعب:

- سيبه يا جواد، سيبه بقولك.

لم يكترث "جواد" إلى حديثها ولكن شعر بأرتخاء قبضته حول عنق "مالك" بسبب مُحاولتها فى
إبعاده، بالأضافة إلى "زينة" و"إياد" اللذين أنضموا لها لينجحوا فى إفلات رقبة "مالك" من يده، ولكن "جواد" لن يتراجع عن قراره بقتل "مالك".

أخرج مُسدسه وسلطه على قلب "مالك"، شعرت "ديانة" بزيادة ضربات قلبها من شدة الخوف، وتسمر "إياد" بمكانه وهذه أول مرة يرى فيها جواد يستعمل مسدسه، بينما صرخت "زينة" مُمسكة بيد أخيها مُصيحة ببكاء وهلع:

- لا يا جواد أرجوك، مالك مكنش فى وعيه يوميها، مالك عمل كده بسبب لعبه وسخه أتلعبت علينا، أنا ومالك بنحب بعض وكان جي يتقدملي، صدقني يا جواد ونزل المسدس فى حاجات كتير أنت متعرفاش، لو مش عشانه أو عشاني، يبقى عشان اللي فى بطني.

صُدم كلا من "جواد" و"إياد" بسبب ما قالته "زينة"، ولكن النصيب الأكبر من الصدمة كان ل"مالك" الذي صُعق مما أستمع إليه، شعر وكأن قلبه كاد أن يتوقف عن النبض مُتأثرًا بتلك الصدمة، مُشتت لا يا يعلم أهو حزينًا على ما فعله بها! أم غاضبًا من نفسه ويريد أن يصفع نفسه عدة صفعات على ما فعله.

ساد الصمت المكان لثوانٍ بسبب صدمة الجميع، لتشعر "ديانة" فاجأة بألام حادة وغير مُحتملة فى بطنها وبالأخص فى رحمها وتشعر أن هناك شيء دافئ ينسدل من مهبلها، أخفضت بصرها لتقع عينيها على بقعة الدماء على فستانها، بالأضافة إلى خط الدم الذي ينسدل من بين ساقيها مُصاحبة لألام لا يحتمل، أمسكت "ديانة" بيد "مالك" مُحاولة الأستناد عليه وهي تصرخ بقوة وتلقائية رغمًا عنها:

- آآآه.. جوااد.

فزع الجميع من صراخ "ديانة" لتتحول جميع الأنظار إليها وصُعق الجميل ممَ يروا، بينما تصلب "جواد" فى مكانه وكأنه فقد قدرته على الحركة أو التفكير، ليصرخ عليه "إياد" مٌحاولًا تنبيهه وإنتشاله من صدمته مُردفًا بلهفة:

- الحق يا جواد.

أستطاع أن يفيق من صدمته وأسرع فى الركض تجاهها وفى لحظة قام بحملها خارجًا من المنزل مُتجها إلى المشفى وهو فى حالة هلع وذعر، كاد "إياد" أن يلحق به ولكن تصلب هو الأخر عندما سمع صوت "مالك" الذي صاح بصدمة وذعر:

- زينة!
+

إلتفت "إياد" ليرى ما حدث ليجد "زينة" ساقطه بين ذراعى "مالك" فاقدة الوعي، أسرع "مالك" بالقيام بحملها بسرعة واللحاق ب"جواد" و"ديانة" إلى المشفى، ولحق بهم "إياد" هو الأخر.

يتبع...
أجلسها "جواد" داخل السيارة وأنحنى لكي يضع لها حزام الأمان، وسريعًا ما نهض والتف حول السيارة وجلس بجانبها وأدار المحرك، أنطلق بأقصى سرعة مُتجها نحو المشفى وهو يشعر بالخوف والفزع بسبب تلك الدماء المنسدلة من بين ساقيها، مُتذكرًا ذلك الحادث الذي أفقده والدته وجنينها والأن يفقد زوجته وطفله، ظل يوزع نظراته تارة على الطريق أمامه وتارة على "ديانة" للأطئنان عليها.

بينما "ديانة" كانت تشعر بكثير من الألم ببعض الأماكن المتفرقة بجسدها، ألام حادة أسفل ظهرها، وألم أسفل بطنها، بالأضافة إلى تلك التي لا تُحتمل داخل مهبلها ممَ كان يجعلها تصرخ بحدة وعدم القدرة على التحمل، وما زاد من ألمها هو سرعة "جواد" الفائقة لتصرخ مُنبهة إياه:

- آآآه براحة، هموت.

أومأ لها برأسة بلهفة عدة مرات موافقًا على حديثها وهو يخفف من سرعته مُراعيًا عدم التسبب لها فى الألم مُتمتمًا بهلع:

- حاضر حاضر، متخافيش هتبقي كويسة، أوعدك.
لم تنتبه لما قاله بسبب شعورها بذلك الألم الغير مُحتمل، راغمًا إياها على الصراخ من شدة صعوبته وعدم تحملها، بينما ظل "جواد" يُتابعها بشفقة على ما تشعر به، وأيضا يشعر بالرعب على أن يُصيبها هي والطفل أية مكروه.

وصل إلى المشفى وكانت من أكبر المُستشفيات الخاصة بالأسكندرية، صف سيارته بمكان مخالف لها ولكنه لم يهتم، ليترجل من سيارته وسريعًا ما قام بالدوران حولها ليصبح تجاه "ديانة"، فتح الباب لها وخلع الحزام وساعدها فى الخروج من السيارة، وما إن لامست قدميها الأرض حتى شعرت بالدوران وعدم القدرة على الوقوف وسقطت بداخل صدره، ليشعر بالهلع والذعر، أنحنى مُحاصرا خصرها بيده واليد الأخر ألتفت وراء ساقيها وقام بحملها ودلف بها إلى داخل المشفى.

يركض وهو يصيح بكثير من الهلع والذعر على تلك التي تنزف الدماء بين يديه وهي مُغيبة عن الوعي:

- دكتور، عايز دكتور بسرعة.

أسرع الكثير من الممرضين والأطباء بالألتفاف حوله لاستقبال الحالة منه، أحضر أحد المرضين السرير المُتحرك (التروللى الطبى) ليقوم "جواد" بوضعها عليه ودفعها نحو المصعد لتوصيلها إلى قسم الطوارئ حتى يقوم الأطباء بفحصها، وصلوا إلى غرفة الكشف لتضع الممرضة يدها أمام "جواد" مُردفة بحزم:

- لو سمحت حضرتك أستنى هنا.

أنزعجت ملامح "جواد" وكاد أن يدفعها ويدخل وراء "ديانة"، ليوقفه صوت الطبيب الذي هتف موجهًا حديثه نحو الممرضة مُردفًا بأمر:
- روحي أنتي شوفي شغلك.

أنصرفت الممرضة من أمامها ليحول الطبيب نظره نحو "جواد" الذي كان يبدو عليه الكثير من الهلع والخوف المُمزوج بالغضب، ليُضيف الطبيب مُستفسرًا:

- ممكن تشرحلي اللي حصل بالظبط؟

توتر "جواد" من سؤاله، هو حقا لا يعرف ماذا يقول كأنه فقد القدرة على التفكير أو الكلام، ولكنه حاول جاهدًا التفوه بأى شيء مُردفًا بتلعثم:

- مش.. مش عارف إيه اللي حصل، هي حامل وفاجأة صرخت لما شافت الدم نازل منها وبعدين أغمى عليها.

أومأ له الطبيب برأسه مُتفهما الأمر ولكنه أراد سؤاله عن شيء أخر:

- هي فى الشهر الكام؟

أنعقد لسان مرة أخرى لا يعلم ماذا يقول، هو حتى لا يعرف زوجته فى أي شهر من الحمل، أى نوع من الأزواج هو؟ نظر ناحية الطبيب بقلة حيلة وهو يهز رأسه بالنفى مُجيبًا بتخبط:

- مش عارف!

شعر الطبيب بالغرابة من ردوده ولكنه فسر إنه يمكن أن يكون فى حالة عدم إتزان بسبب تلك الصدمة، ليحاول أن يطمئنه مُردفًا بهدوء:

- خير إن شاء الله، أنا هدخل أشوف فى إيه وأطمنك.

دلف الطبيب الغرفة ليقوم بفحصها وترك "جواد" خلفه يشعر بالقلق والرعب خاشية أن يفقدها مثلما فقد والدته بنفس تلك الطريقة، عندما توفت بعد خسارة جنينها، ليأتي بذاكرته ذلك اليوم اللعين الذي ترتب عليه فارقًا كبيرًا فى حياته.

••

خرج الطبيب من الغرفة ليلتف حوله كلا من "هاشم" و"هناء" بصحبة "جواد" الذي لم يتجاوز العاشرة من عمرهؤ صاح "هاشم" مُستفسرًا عن حالة زوجته بشيء من الرعب والفزع:

- خير يا دكتور! تهاني كويسه صح؟

أخفض الطبيب رأسه فى الأرض وهو يشعر بكثير من الأسئ على تلك العائلة التي بالطبع أصابتها لعنة، فى البداية خسارة شقيقه ويليها عجز شقيقته وخسارة جنينه والأن خسارة الزوجة، ليُجيبه مواسيًا إياه بحزن:

- أنت أكيد راجل مؤمن وهترضى بقضاء ربنا، البقاء لله مدام تهاني توفها الله.

وقعت تلك الكلمات على مسامعه كالخنجر الذى رشق فى قلبه وجعله ينزف كل ما بداخله من دماء، وضع يده على وجهه وخنته قدميه ليسقط أرضًا غير قادرًا على الوقوف، وكانه أُصيب بعجز ما.

بينما "هناء" أخذت تصرخ وتعول بكل ما بها من قوة وهي تضرب على وجهها وفخذها:

- أختي لا، تهاني ماتت يا هاشم، آآآآه يا أختي.

ما إن أستمع هذا الطفل الصغير إلى تلك الكلمات حتى أمتلأت عينيه بالدموع شاعرًا بألم وعذاب الفراق، نعم هو لم يتخطى العاشرة من عمره ولا يعرف ماذا يعني الموت، ولكنه يعلم أن من يموت يختفي من حياتنا ولن نراه مجددًا، ولهذا شعر بألم وحسرة، تسلل ودخل إلى تلك الغرفة الموضوعة بها والدته.

دلف الغرفة ليجدها مُستلقية على الفراش وذلك الغطاء أبيض اللون موضوعًا عليها مُغطيها بالكامل ويحجب عينيه عن رؤيتها، تقدم عدة خطوات بصوعبة يشعر بثقل كبير فى قدميه ولكنه أصر على التقدم نحوها، جلس بجانب والدته وأزاح الغطاء عنها ليجدها نائمة ووجهها صافي جدا كالأطفال وتلك البسمة البسيطة جدًا تُزين ثغرها، ليشعر "جواد" بغصة فى قلبه ووضع يده فوق يدها مُحاولًا إفاقتها هامسا ببراءة الأطفال مُترجيها:

- ماما! ماما قومي يلا.

إنسابت الدموع من عينيه وهو ينحني ليُقبل وجنتها بحزن وإنكسار مُتمنيًا أن تكون على قيد الحياة مُردفًا بانكسار:

- هما ليه بيقولوا آنك موتي! أنا عارف إنك مش هتسبيني عشان أنا لسه صغير ومحتاجلك، عارف إنك أكيد زعلانه مني عشان مش بسمع الكلام بس والله ما هكررها تاني.

أزداد فى نحيبه وأخذت شهقاته تعلو بشدة، يُحاول التحدث بصعوبة وأنفاس مُتثاقلة من بين بكائه:

- ماما أنا أسف لو كنت زعلتك، قومي بقى والله هسمع الكلام ومش هعمل حاجة غلط بعد كده بس قومي يلا.

ظل يُحرك فى جسد والدته برفق على أمل أن تفيق، ولكن كيف يفيق الإنسان من الموت؟ دلفت الممرضة إلى الغرفة لتحضر "تهاني" لتنفيذ أخر طقس لها بالحياة قبل أن تُسلم الأمانة إلى صاحبها، تفاجأت بوجود ذلك الطفل ملقي بجسده داخل صدر المُتوفاه، هتفت موجهة حديثها تجاهه بلهفة:

- بسم الله الرحمن الرحيم، أنت بتعمل إيه هنا يا حبيبي! أطلع يلا برا.

أنتبه "جواد" على حديثها ورفع رأسه عن صدر والدته، وأخذ يهز رأسه بالرفض غير موافقا على حديثها متزمرًا:

- لا أنا هصحي ماما عشان تروح معايا.

أغمضت الممرضة عينيها بحزن وأسئ على هذا الطفل المسكين وتقدمت ببضع خطوات ناحيته وأخذت تربت على كتفيه مُتمتمة:

- لا حول ولا قوة إلا بالله، يا حبيبي حرام اللي بتعمله ده، أنت كده بتعذبها.

دفع يدها بيعيدً عنه بإنزعاج طفولي مُمزج بدموعه التي لم تفارق وجهه صارخًا بحدة:

- ملكيش دعوة أنتي، أنا هخليها تصحى.

أبتلعت الممرضة مرارة حزنها ثم وضعت يدها عليه مرة أخرى مُشفقة عليه، ثم سريعًا ما قامت بسحبه بعيدًا عن جثمان والدته خوفًا من أن يحدث له شيئًا بسبب حزنه عليها مُضيفة بإلحاح:

- طيب تعالى بس.

ظل يُقاومها ويحاول الأفلات منها ولكنها أحكمت قبضتها عليه وأخذت تسحبه إلى خارج الغرفة وتُحاول الأستنجاد بأحدًا، حتى لا يتسبب ذلك الطفل فى حدوث بعض الأذى لنفسه، صاحت مُستغيثة:

- يا جماعة حد يلحقني هنا.

أسرع "هاشم" فى الحضور والأمساك بيد "جواد" مُحاولًا إخراجه من الغرفة، ليصيح "جواد" بالجميع وهو يتلوى بين يديهم ودموعه تتهاوى بلا توقف صارخًا ببكاء:

- لا أوعوا سيبوني، يا ماما أصحي، يا مامااا.

•••

- ماما

صاح بتلك الكلمة وعينيه لا تتوقف عن ذرف الدموع، لاحظ إنه لايزال يقف أمام غرفة الطوارئ الموجود بها "ديانة"، ليغمض عينيه مُتحسرًا من تلك الذكريات التي يمر بها للمرة الثانية وكأن تلك الحياة لا تريد أن تراه مرتاحًا أو سعيدًا.

شعر بتلك اليد التي وضعت على كتفه مواسية إياه، ليرفع نظره وعينيه لا تزال تذرف الدموع ليجده صديقه "إياد" الذيي صاح مستفسرًا:

- إيه اللي حصل يا جواد! فين ديانة؟

تنهد بحسرة من بين دموعه وكأنه سمح لنفسه بإظهار ضعفه ولو لمرة واحدة أمام أحدًا، ليغمض عينيه بكسرة مُرظفًا بضعف:

- جوا لسه الدكاترة بيكشفوا عليها.

حاول "إياد" تهدئة صديقة وأن يطمئنه مُردفًا بتمني:

- متقلقش إن شاء الله خير.

أومأ له "جواد" برأسه بالموافقة على حديثه ولاتزال عينيه تذرف الدموع، لاحظه "إياد" ذلك ليقترب أكثر منه رابطًا على كتفه مُستفسرًا:

- أنت حبيتها يا جواد؟

شهق بضعف وأنهار فى البكاء أمام أعين صديقه غير مُهتمًا لتلك الشخصية الفولازية التي كان يُحاول أن يُظهرها أمام الجميع طوال تلك السنوات، وكيف له ألا ينهار وهو بالفعل أصبح يعشقها وليس يحبها فقط! كيف له أن يسطتع التظاهر بالقوة وهو بداخله قد تحطم بالكامل عند رؤيتها تسقط بين يديه! لا يستطيع التظاهر بعدم التأثر وهو أصبح حطام رجل ليس إلا.
بينما صُدم "إياد" من تلك الحالة التي لم يراه عليها منذ بداية معرفتهم ببعض، أحتضنه وأخذ يربت على ظهره مُحاولا مواساته مُردفًا بتأثر:

- هتبقى كويسة، صدقني هتبقى كويسة.

خرج من عناق صديقه وهز رأسه بالموافقثة وحاول جاهدًا أن يُسيطر على نفسه، رفع يده وقام بالمسح على وجهه مُحاولًا إسترجاع قوته مُضيفًا بحدة:

- فين زينة؟

توتر "إياد" قليلا من سؤاله وفكر ألا يخبره خوفًا من ردة فعله، ولكنه يجب أن يعرف حتى لا يقع بالحديث أمام أحدًا، أجابه بقليل من القلق:

- زينة تعبت وجبناها المستشفى هنا ومالك معاها.

جحظ "جواد" عينيه بغضب وحنق وكاد أن يصرخ به زاجرًا إياه، ليلاحظ صديقه ملامح وجهه وردة فعله وسريعًا ما أوقفه بنبرة مُحذرة:

- من غير عصبية يا جواد، الموضوع مش زي ما أنت فاهم، فى حوار كبير أوي أتعمل علينا، نتطمن بس على ديانة وأنا هحكيلك على كل حاجة، أنا كلمت عمي هاشم وزمانه جي أوعى يعرف حاجة بخصوص زينة.

أدار وجهه إلى الناحية الأخرة وأغمض عينيه بشيء من الضعف والإنكسار، لا يعلم أية مُصيبة عليه مواجهتها أولًا، أمصيبة شقيقته التي إذا علم بها أحد ستلحقهم فضيحة طوال عمرهم! أم مصيبة ما حدث ل"ديانة" التي تضيع من بين يديه الأن؟ حتى إنه لا يعلم ماذا أصابها؟ ضرب الحائط بيده مُحاولًا إخماد تلك النيران التي تندلع بداخله.

❈-❈-❈

أنتهى "هاشم" من إرتداء ملابسه وهبط السلم بسرعة وكاد أن يخرج من المنزل، لتوقفه "هناء" التي أمسكت بذراعيه وصاحت بعجل:

- أستنى أنا هاجي معاك.

زفر "هاشم" بنفاذ صبر، إنه لا يستطيع التأخير أكثر من ذلك، ليبعد يدها عنه مُردفًا بشيء من الحدة:

- هناء أنا مستعجل وأنتي لسه هتلبسي، لو الموضوع يهمك أوي أبقي حصليني.

تركها وأتجه صوب الباب وسريعًا ما خرج من القصر بأكملها، أنزعجت ملامحها من ذلك التغير المفاجئ الذي حدث ل"هاشم"، لتصيح مُتمنية بغضب:

- إنشالله توصول تلاقيها ماتت.

صعدت غرفتها لتقوم بتبديل ملابسها واللحاق به إلى المشفى لمعرفة ماذا يحدث لتلك الفتاة التي تتمنى أن تكون جثة عندما تصل إلى هناك.

❈-❈-❈

خرج الطبيب من غرفة الكشف ليُسرع نحوه "مالك" قالقًا من أن يكون حدث ل "زينة" أو لجنينهم شيئًا، صاح بلهفة:

- طميني يا دكتور زينة عاملة إيه؟

لاحظ الطبيب قلقه الشديد وخمن إنه زوجها، ليحاول تطمئنته عليها:

- أنا عايزك تطمن ده مجرد هبوط فى ضغط الدم، ممكن يحصل بسبب التعرض للتوتر أو الخوف ومتنساش إنها حامل، بس لازم تخلي بالك منها ومتحطهاش تحت أي ضغط نفسي مرة تانية.

لم يشعر بالاطمئنان الكامل ليحاول الاستفسار أكتر عن وضعها هي والجنين:

- هو فى أي خطر عليها؟

هز الطبيب رأسه بالنفي موضحًا:

- لا متقلقش ده مجرد ضعف بسيط وتقدر تعوضه بانتظمها فى الأكل وشوية فيتامينات كده.

أبتلع بمرارة حينما تذكر ما فعله بها ممَ أوصلها لتلك الحالة، لينظر للطبيب بضعف مُستفسرا عن وضع الجنين بخزي:

- طب والجنين؟

أجابه مُحاولًا التخفيف من ضغط الموقف عليه:

- واضح إنكوا فى أول جوازكم وده أول طفل ليكوا، متخفش هي والجنين بصحة كويسة، أنا علقتلها محلول وبعد كده هكتبلها على خروج عادي.

شعر بالقهر داخله عندما قال له الطبيب إنهم زوجين فى بداية زواجهم وهذا أول طفل لهم، نعم هذا أول طفل لهم ولكن بطريقة ستجعلها لن تسامحه طوال عمرها، ليرد بإقتضاب:

- شكرًا يا دكتور.

❈-❈-❈

لا يزال واقفًا أمام الغرفة ينتظر خروج أحد والكثير من الأفكار السيئة تُسيطر على عقله، أحقا سيفقدها كما فقد والدته! لما يبتعد عنه جميع أحبائه؟ هل ستسامحه على ما فعل بها وتوافق على البقاء معه؟ هل ستمنحه فرصة أخرى لكي يكون لها الزوج الذي تريده؟ هل ستتركه يُعوضها عن كل شيء فعله بها؟ أسئلة كثيرة تدور فى رأسه يُحاول أن يجد لها أجوبة، قاطعه صوت "هاشم" الذي وضع يده على كتفه مُستفسرًا بلهفة:

- إيه اللي حصل يا جواد! وديانة فين؟

التفت إلى والده وهو يعمل جاهدًا على التظاهر بالقوة أمامه وعدم إظهار ضعفه مُجيبًا بهدوء:

- جوا لسه مع الدكتور.

أمتدت يد "هاشم" للقبض على عنق قميصه بغضب وحنق مُهاجمًا إياه:

- أنا مش قولتلك خلي بالك منها؟ أنا عايز أعرف إيه اللي حصل بالظبط!

كاد أن يصيح بوالده ولكن أوقفه تدخل "إياد" الذي أبعد يد "هاشم" عن عنقه مُحاولًا تهدئته:

- بعدين يا عمي، المهم دلوقتي نطمن عليها.

أخفض "هاشم" يده عنه، ولكنه ظل يُطالعه بنظرات ثاقبة ومليئة بالغضب، وفى تلك اللحظة خرج الطبيب من غرفة "ديانة" ليلتف الجميع حوله مُستفسرين عن وضعها، صاح "هاشم" بلهفة:

- خير يا دكتور؟

أخفض الطبيب رأسه بأسئ عمَ سيقول، ولكنه مُضطر أن يخبرهم:

- للأسف الحالة متطمنش، مدام ديانة جالها إنفصال مشيمة.

ضيق "هاشم" ما بين حاجبيه بعدم استيعاب مُستفسرًا:

- يعني إيه؟

حاول الطبيب تفسير الأمر لهم لكى يسهل عليهم فهمه:

- المشيمة بيوصل عن طريقها الغذاء والأكسجين للجنين، وللأسف المشيمة حصلها إنفصال عن الرحم والموضوع ده نادر لما بيحصل، وده حصل بسبب تعرضها لارتفاع فى ضغط الدم بنسبة ١٨٠/٩٠ وده للأسف هيضطرنا للخضوع لولادة مبكرة، وللأسف فيه خطورة على الأم والجنين.

صُدم "جواد" مما أستمع إليه وشعر بالفزع الشديد، بينما "هاشم" أدمعت عينيه شاعرًا بالندم وأمسك بيد الطبيب مُحاولًا التكفير عن ذنبه فى حق ابنة اخيه ولو بجزء بسيط مُردفًا:

- لو أضطريت تضحي بالجنين ضحي، المهم الأم.

نظر "جواد" ناحية والده بصدمة وألتمعت عينيه بما سمعه منه، وهذا أكد له أن والده لم يعد يرغب فى أذيتها وأن هناك فرصة لهما للعيش بسلام، ليحطم أماله الطبيب وهو يُعقب بيأس:

- للأسف حتى دي كمان فيها خطورة على حياة الأم، لأنها أتعرضت لنزفت حاد ده غير إن تحايل الدم متشجعش خالص وحدوث ولادة مبكرة هيضطرنا لتدخل جراحي وعمل ولادة قيصرية، وللأسف ده بردو خطر جدا لأن ضغتها عالي، والتخدير أثناء إرتفاع ضغط الدم ليه أثار جانبية خطرة جدًا.

لم يعد يحتمل أكثر من ذلك، هل هذا الأحمق يُخبره أن يستعد لإستلام جثتها؟ أندفع بغضب تجاه الطبيب وأمسك به من عنقه بأعين مُشتعلة وملامح غير مُبشرة بالخير صارخًا بحدة:

- يعني إيه! أنت مش عارف تتصرف يعني؟

أبتلع الطبيب بقلق من ملامحه التي تصرخ بالغضب ممَ جعله يبدو كمن ينوى قتل أحدهم، ليحاول أن يتحدث ويوضح له الأمر:

- يا أستاذ الموضوع مش سهل والعملية خطيرة.

أشتدت قبضة حول عنق الطبيب وأصبحت عينيه على وشك أن تذرف النيران وتلك العروق البارزة التي جعلت مظهره مرعب للغاية، صرخ فيه بغضب وأسنان ملتحمة مُحذرًا:

- حياتها قصاد حياتك، أقسم بالله لو جرالها حاجة هتكون جثتك بتتغسل قبل جثتها، أنت فاهم؟

صُدم "هاشم" من ردة فعل ابنه التي أكدت له أن ذلك الخوف والهلع الذى يشعر به ليس من أجل طفله فقط بل من أجل "ديانة"، يبدو إنه حدث ما كان يتوقعه، بينما أبتلع الطبيب برعب وذعر من تهديد "جواد" الصريح له مُحاولًا التحدث:

- يا أستاذ الموضوع صعب لأن فصيلة دمها نادرة جدًا ومعندناش منها فى المستشفى الكمية اللي ممكن نحتاجها فى العملية.

تدخل "إياد" مُستفسرًا عن فصيلة دم "ديانة" عساه أن يستطيع تقديم المساعدة:

- هي فصيلة دمها إيه؟

حول الطبيب نظراته نحو "إياد" وظل يُطالعه بإرتباط وكانه يستغيث به أن يُفلته من يد "جواد" مُجيبًا:

- فصيلة دمها O سالب.

جذبه "جواد" من عنقه بشدة مُردفًا بإنفعال:

- أتصرف وشوف أي حد يتبرع حتى لو بالفلوس.

تدخل "هاشم" بسرعة هو الأخر مُردفًا بلهفة:

- أنا عمها ونفس الفصيلة.

تنهد الطبيب بقليل من الراحة موجها حديثه نحو "هاشم":
- تمام جدًا ممكن حضرتك تروح مع الممرضه عشان يتم السحب.

أرخى "جواد" قبضته عن عنق الطبيب وسريعًا ما أبعد يده عنه، نادى الطبيب على إحدى الممرضات وإخبارها بأخذ كمية مُعينة من الدم من "هاشم" وبالفعل ذهبت الممرضة لتنفيذ الأمر، بينما وجه الطبيب حديثه نحو ممرضة أخرى امرًا إياها:

- حضروا أوضة العمليات وجهزوا المريضة.

أومأت له الممرضة براسها موافقة على حديثه بأنصياع:

- حاضر يا دكتور.

❈-❈-❈

فى هذا الوقت وصلت "هناء" إلى المستشفى وتوجهت ناحية الأستقبال لتسأل عن غرفة "ديانة"، صاحت موجهة حديثها نحو عامل الاستقبال مُستفسرة:

- ديانة الدمنهوري أوضه رقم كام؟

نظر موظف الاستقبال فى الحاسوب أمامه ونظر إليها مرة أخرى مُجيبًا:

- هي فى العمليات دلوقتي يا فندم.

ضيقت "هناء" ما بين حاجبيها باستنكار وقد ظنت أن "ديانة" قد فقدت الجنين، أستفسرت وبداخلها تشعر بالسعادة:

- ليه فى إيه؟

اجابها الموظف بإقتضاب:

_ ولادة.

أتسعت عينيها بصدمة مُمزجة بالغضب غير مُستوعبه لما أستمعت له مُتمتمة:

_ ولادة؟

❈-❈-❈

خرج "هاشم" من غرفة التبرع بالدم ليجد "إياد" و"جواد" لايزال ينتظروا أمام غرفة العمليات الموجودة بها "ديانة"، وقف الجميع فى إنتظار خروج أحد ليطمئنهم، كان "جواد" يُطالع غرفة العمليات بقلق، بينما ربت "إياد" على كتفه كي يواسيه ويطمئنه، بينما لاحظ "هاشم" عدم وجود "زينة" ليهتف مُستفسرًا:

- هي زينة فين؟

نظر "جواد" نحو صديقه الذي أجاب على الفور:

- فى البيت يا عمي أصلها أترعبت لما شافت الدم فمرضناش نجبها معانا.

أومأ له "هاشم" بالموافقة مُتفقًا معه:

- أحسن، مش ناقصة تعب أعصاب وتوتر.

بمجرد أن أنهى جملته تفاجئ بتلك المزعجة وهي تتجه نحوهم بنظرات بنظرات منفعلة موجهة حديثها نحو "جواد" مُردفة بحدة وتوبيخ:

- ألف مبروك يا سي جواد على ولادة مراتك اللي لسه مكملتش الست شهور!

صدم الجميع مما تتفوه به "هناء" ماعدا "جواد" الذي ظل يُتابعها بنظرات نارية مليئة بالغضب والكراهية، بينما هي لم تتأثر بتلك النظرة المُشتعلة وصاحت به مرة أخرى صائحة عليه بإهانة مُردفة بتهكم:

- بس قولي بقى مراتك المحترمة اللي داخل عليها وهي المفروض بنت بنوت عملتها أزاي دي، ولا أنت اللي طلعت أهطل والفاجرة دي عرفت تضحك عليك؟

أزداد شعوره بالغضب والحنق ولأول مرة أقسم على أن يُقفها عند حدها ويُخرسها إلى الأبد، كز على أسنانه ورفع يده عاليا وكاد أن يتهاوى بها على وجهها، ولكن أمتدت يد والده اليسرى مُلتقطاً ليده مانعه عما كاد أن يفعله، ورفع هو يده اليمنى وتهاوى بصفعة قوية على وجه "هناء" أثر عليها خللًا فى توازنها.

رفعت عينيها ونظرت فى أعين "هاشم" بغضبًا وحدة، فتلك أول مرة له أن يقوم بمد يده عليها، بينما "هاشم" رمقها بنظرة تحدي وإنزعاج مُردفًا بحدة:

- عيب لما ابني يمد إيده على خالته ومرات أبوه، لكن مش عيب إني أربي مراتي لما أحس إنها ذودتها ومبقاش هاممها حد وكمان بتسب فى عرض بنت أخويا.

نظرت له "هناء" بكثيرًا من الحنق والغضب، بينما ألتقط هو ذراعها وقبض عليه بعنف هاتفًا بأسنان مُلتحمة:

- روحي يا هناء ومش عايز ألمح ضلك فى المستشفى، يلا.

دفعها بعيدًا عنه لدرجة إنها أختل توازنها وكادت تسقط، وهنا أدركت إنها خسرت أحترام الجميع لها وأوشكت على أن تخسر كل شيء، التفتت وغادرت المستشفى على الفور وهي تقسم على أن تنتقم منهم جميعًا وبالأخص تلك الساقطة التي بسببها أنقلب الجميع عليها.

ما إن أختفت "هناء" من أمامهم حتى خرج ممرضتان من غرفة العمليات وهما تُهرولان بسرعة لأحضار ما أمرهما به الطبيب، تصيح إحداهما موجهة حديثها إلى الأخرى بلهفة:

- شوفي دكتور محمود فين وأنا هروح أشوف بنك الدم.

شعر "جواد" بالفزع من طريقتهما ليلتقط ذراع واحدة منهما مستفسرًا عن الأمر:

- فى إيه! إيه اللي بيحصل جوا! ديانة مالها؟

أبتلعت الممرضه بالتوتر من منظر "جواد" ونظراته المُخيفة مُجيبة بإرتباك:

- حالة الأم سيئة جدًا، أحنا بنعمل كل اللي فى وسعنا بس خروج الأتنين من أوضة العمليات محتاج معجزة.

ترك يدها وهو يشعر بالعجز الشديد سيطر عليه وأصبح نفس ذلك الطفل الذي فقد والدته منذ أكثر من عشرون عاما، ظل ينظر حوله بصدمة إلى والده تارة وإلى صديقه تارة أخرى، وهما أيضًا يبدو عليهما الفزع والقلق مما سمعاه، أبتعد عنهما وأخذ يركض بعيدًا عن غرفة العمليات، ولم يهتم حتى ل"مالك" الذى نظر لهم بقهر وأخذت دموعه تتهاوى بلا توقف مُلقيا بالذنب على نفسه وأنه الآن يخسر أخته إلى الأبد بسبب ما فعله، سقط "مالك" أرضا مُتكئًا على ركبتيه وأخذ يبكى بكل ما فيه من قهر وندم.
+

يتبع...
- بتولد إزاي يعني دى لسه فى السابع؟

رمشت "ملك" بأهدابها بقلق وارتباك وهي لا تعلم ماذا يعني ما ستقوله لها مُردفة بتوضيح:

- مش عارفه يا ماما! إياد بيقولي إن جالها حاجة إسمها إنفصال مشيمة.

وضعت "منال" يدها على صدرها بفزع ورعب ممً استمعت إليه من ابنتها، هي تعرف ماذا يعنى جيدًا إنفصال المشيمة ومدى خطورته على الأم والجنين لتصيح بهلع:

- بنتي! ودونى عند بنتي، يا حبيبتي يا بنتي.

نهض "محمود" من مكانه وهو لا يقل فزعًا ورعبًا عن زوجته ولكنه أصطنع القوة والثبات حتى لا يزداد هلع الأخرين، حاول "محمود" أن يُهدئ زوجته:

- أهدي يا منال إن شاء الله خير، روحي ألبسي وأنا كمان هاجى ألبس عشان نروح للبنت.

أسرعت "منال" فى الذهاب وهي غير مُتزنه، ولكنها عزمت على الثبات لتغير ملابسها وتذهب لأبنتها، بينما التفت "محمود" موجها حديثه نحو "ملك" قائلًا:

- خلى إياد يبعتلك العنوان وغيري هدومك أنتي كمان بسرعة.

أومأت له برأسها موافقة على حديث والدها مُردفة:

- حاضر يا بابا.

❈-❈-❈

ركض كالطفل الذي يهرب من شبح ما يلاحقه ويريد إنهاء حياته، خرج من المشفى والدموع تتسارع فى الهبوط من زرقاوتيه ويشعر بصعوبة التنفس بسبب كثرة شهقاته، سريعا ما وصل إلى سيارته ودلف بها وانطلق بأقصى سرعة لديه وهو بالكاد يستطيع الرؤية مُشوشة أمامه.

ظل يبكى بضعفًا وقهر وشهقاته تتعالى وتزداد صعوبة تنفسه، أصبحت الرؤية شبه معدومة بالنسبة له بسبب تلك الدموع التي تملأ مقلتيه، شهقة تتابعها الأخرى وهذا كل ما يصدر منه بالأضافة لدموعه التى لا تتوقف عن الأنسدال.

توقف بسيارته فى مكان خالي من الحياة لا يوجد به سوى تلك الأسوار العالية والأبواب السوداء الذى تفصل بين من فارقوا الحياة ومن لايزالوا يُعانون بها، ترجل من سيارته أمام أحد المدافن الخاصة بعائلة "الدمنهوري"، تقدم ناحية الباب بخطوات مُتهالكة ودموعها مُصاحبة لشهقات لا تتوقف.

دفع باب المدفن ودخل ليقف أمام ذلك القبر الذى يفصل بينه وبين أحب البشر على قلبه، سقط على ركبتيه أمام ذلك اللوح المحفور عليه أكثر الجُمل التى يكرهها جميع البشر "هنا ترقض المرحومة تهاني جابر الدمنهورى"

أمتدت يده للمس حروف إسم والدته وما هي إلا لحظة حتى القى بنفسه على ذلك القبر مُحتضنًا إياه وعينيه لا يتوقفان عن ذرف الدموع وأزداد نحيبه بالأضافة إلى تلك الشهقات التي كادت أن تمنع أنفاسه من الصعود، هتف بصعوبه وهو لايزال مُحتضنا القبر مُتمتمًا بتلعثم:
- ديانة.. ديانة بتموت يا ماما، ديانة هتسيبني زي ما أنتي سبتيني، هتوجعني زي ما أنتي وجعتنيني، هتكسرني زي ما أنتي كسرتيني.

تعالت شهقاته وسال لُعابه وهو يبكي بهسترية مُتشبثًا بتلك الحجارة وكأنه يريد أن يدلف بداخلها ويستطيع الوصول إلى والدته، حاول التحدث بصعوبه مرة أخرى من بين نحيبه:

- أنتوا ليه بتعملوا فيا كده! ليه كل اللي بحبهم بيروحوا مني ليه، فى الأول أنتي وبعدين عمي شرف وعمتي ماجدة وبعدها طنط لبنى، ودلوقتي بخسر ديانة اللي كان المفروض أموتها بإيدي، دلوقتي ضعيف ومكسور بسبب إنها بتروح مني.

قال جملته الأخيرة وهو يصرخ بقوة ويضرب الأرض من تحته بكلتا قبضتيه لدرجة أن يديه تكاد تكون شُرخت أو كُسرت، ولكنه لم يهتم لذلك الأمر وأخذ يصرخ مرة أخرى مُضيفا بقهرًا وحسرة:

- خايف تروح مني، خايف أخسرها زي ما خسرت كل اللي بحبهم، مش ده حصل أزاي بس أنا حبيتها.

حول نظراته إلى القبر مرة أخرى وقد تكرمشت ملامح وجهه مُعلنة عن موجة بكاء وإنهيار أخرى مُردفًا بضعف:
- أيوه يا ماما أنا حبيتها، حبيتها أوي، الموضوع بدأ معايا بإحساس الغضب اللي حسيته أول ما عيني وقعت عليها وهي فى إيد اللي اسمه أدهم ده، بعدين بدأت أتشدلها أكتر من أول مرة وقفت فيها قدامي بكل قوتها ومكنتش خايفة مني رغم إن الكل كان خايف منى، قلبي حنلها وهي ضعيفة وخايفة مني لما حست إن أتقفل علينا باب واحد ومحدش هينقذها من إيدي، اتشديت ليها أكتر لما قلبها جمد وفضلت تدافع عن نفسها وتضربني عشان أبعد عنها، عجبتني قوتها لما ضربتنى بالسكينة فى صدرى وبالشوكة فى إيدى عشان تثبتلى إنها مش ضعيفة، قلبي كان هيقف لما لاقيتها واقفة فى أوضتي وماسكة قميصي وأتلجلجت لما لاقتني شوفتها وأخترعت حجة، وقتها عرفت إني بحبها.

- حبيتها وحبيت ضعفها وإستسلامها ليا وأنا عايزها رغم إنها مش ضعيفة وتقدر تقاوم وأنا متأكد من ده، بس مش عارف ليه كانت بتستسلم، حبيت ضعفها وقوتها، حبيت جنانها وعنادها، حبيت وجودها وقربها مني، حبيتها يا ماما حبيتها أوي.

دفن وجهه بين كفيه وأزدادت نهنهاته ودموعه ملأتهم، وأخذ جسده ينتفض بشدة بسبب شهقاته المكتومة، ظل على تلك الحالة ما يقارب العشر دقائق، أزاح يده عن وجهه وظهرت عينيه التي أصبحت شديدة الأحمرار وكأنها تنزف الدماء، أرتعش جسده مرة أخرى وهو يضع يده على قبر والدته مُضيفًا بصعوبة وبكاء متمتمًا:

- سامحيني يا ماما مش هقدر أأذيها، أنا بحبها أوي ومش هقدر إنها تروح مني، سامحيني وأعرفي إنها لو راحت مني هموت، أنا مش عايز إنتقام ولا عايز أملاك، أنا عايزها هي وبس.

القى بجسده على الأرض ورغمًا عنه ضم ساقيه إلى صدره، ليصبح بوضعية الجنين وهو يصيح بألم وبكاء مرير صارخا بطلب الرحمة لعذابه مُردفًا بإنهيار:

- يا ماما أنا بحبها ومش عايزها تروح مني، يارب متحرمنيش منها هي كمان، يارب انا بحبها يارب، آآآه يارب.

أمسك برأسه وأخذ يضغط عليها وهو يصرخ بألم ولايزال على وضعية الجنين تلك، من يستمع إلى تلك الصراخات يقسم أنه قد تمزق حلقه وجفت عينيه من كثرة البكاء والنحيب، لم يشعر بنفسه بعد كل تلك الآلام والمعناة، فقد وعيه بجانب قبر والدته وهو على نفس حالته تلك التي تُمزق القلوب من كثرة الحزن على منظره وعلى كل ما يحمله بداخله من ألم وقهر.

❈-❈-❈

يجلس "مالك" على الأرض يبكي على ما تسبب فيه من أذى لأخته ولجنينها، أمتدت يد "إياد" مُلتقطًا ذراعه راغمًا إياه على النهوض وسحبه بعيدًا عن غرفة العمليات وعن "هاشم"، دفع "إياد" "مالك" على الحائط مُستفسرًا بغضب وإنفعال:

- أنا عايز أعرف اللي حصل ده حصل أزاي؟

أبتلع "مالك" بمرارة وندم على ما فعله، بعد أن كان يظن إنه هو المجني عليه والذي تم خداعه من قبل حبيبته، أصبح هو الجاني الوحيد فى حق حبيبته وفى حق نفسه، رفع بصره ناحية "إياد" مُحاولا تفسير الأمر له مُتأملًا أن يصدقه مُردفًا بضعف:

- كنت سكران يا إياد والله العظيم ما كنت دريان بنفسي.

رمقه "إياد" بحيرة كبيرة لا يعلم أيصدقه ويتعاطف معه بسبب تلك اللعبة القذرة التي لُعبت عليهم! أم إنه هكذا يخلق له الأعذار ويُحلل له ما فعله بتلك المسكينة التي دُبحت على يد الشخص التي أحبته؟ ذكر "إياد" نفسه بأن هناك شيئًا أهم من إن كان "مالك" يكذب أم يقول الصدق! وهو ماذا سيكون مصير "زينة" الأن؟ طالعه بنظرات الغضب والحدة مُستفسرًا:

- والحل دلوقتى إيه؟

أحتدت ملامح وجه "مالك" وصاح بجدية ونبرة غير قابلة لنقاش مُجيًبا بحزم:

- هتجوزها ومحدش هيعرف حاجة لا أهلى ولا أهلها.

أنشق ثغر "إياد" بإبتسامة مُستهزئة فهو أكثر شخصًا يعرف "جواد" ويعرف كيف يتعامل صديقه مع تلك الأمور مُتذكرا ما كان ينوى أن يفعله ب"خالد"، ليعقب موجهًا حديثه نحو "مالك" ساخرًا:

- وتفتكر بقى جواد هيوافق على كده؟

أومأ "مالك" برأسه مؤكدا على حديثه مُضيفًا بإنفعال وأعيُنه تلمع من كثرة الدموع:

- لازم يوافق، أنا بحبها بجد، والله العظيم عمري ما كان جوايا أي نوايا وحشه ليها وعمر ما هيكون، دا انا حتى طلبت منها أطلب إيدها بس هي قالتلي نأجل الخطوة دي شوية.

أغمض "إياد" عينيه بتشتت ورفع يده وأخذ يفرك جبهته مُحاولا تشغيل عقله مُتستفسرًا:

- طب واللي فى بطنها! هتعملوا فيه إيه وهل محدش هيلاحظ؟

إندفع "مالك" مُجيبًا على سؤال "إياد" بعد أن فهم المغزى من سؤاله:

- اللي فى بطنها ده ابني وأنا مش هتخلي عن حد فيهم.

تنهد "إياد" بقليل من الراحة لشعوره بتمسك "مالك" ب "زينة" وإنه لا يريد أن يتزوجها فقط من أجل ما فعله معها، بل يشعر بحب "مالك" لها خصيصًا بعد أن تذكر منظره حينما غابت عن الوعي، ولكنه عزم على إخفاء تعاطفه معه مُبدله بحدة:

- أنا هساعدك بس مش عشانك، عشان زينة تبقي أختي وأنت ظلمتها، وعشان الطفل اللي فى بطنها ملوش ذنب إن ليه أب مجنون ومُتهور زيك، المهم هي زينة فاقت؟

هز "مالك" رأسه بالنفي مُجيبًا وهو يمسح على وجهه:

- مش عارف هروح أطمن عليها حالًا.

أومأ له "إياد" برأسه موافقًا على حديثه مُعقبا بهدوء:

- ماشى وأنا هستنى مع عمي عشان ميحسش بحاجة.

❈-❈-❈

أسرع فى التوجه نحو المصعد للصعود للطابق الذي تتواجد به "زينة"، وصل أمام غرفتها ووقف أمام الباب وهو يشعر بالتردد والارتباك، ماذا سيفعل لو كانت استيقظت! ماذا سيقول لها! كيف سيفسر لها سبب تلك العملة الشنيعة التي فعلها بها! هل ستصدقه وتسامحه؟ أم بالفعل كرهته ولن تسمح له بالتفوه بحرف! استجمع شجاعته وفتح باب الغرفة، وجدها نائمة على الفراش وذلك المحلول الطبى موصل بساعدها وهي لاتزال مُغيبة عن الوعي.

سحب كرسي ووضعه بجانب فراشها جالسًا على الناحية الأخرى للمحلول، التقط يدها مُحتضنًا إياها وأخذت دموعه فى التهاوي بصمت وبكاء مرير، ظل يُفكر فى فداحة ما فعله بها وهو يتذكر صراخها وهي تطلب منه الرحمة وعدم فعل ذلك الشيء بها، ولكنه لم يكن يستمع إلى صرخاتها بل كان يستمع إلى صوت تلك العاهرة الذي لم يُغيب عن باله لحظة.

يتذكر صرخة "زينة" وهو يقتحمها بدون أي مقدمات ويفكر فى حجم ألمها فى تلك اللحظة، بسبب غبأه وقلة عقله، قبل يدها وأحتضن كفها بوجهه وهو يردف بين بكائه المكتوم ودموعه التي تنساب دون توقف:

- أنا أسف، أسف يا زينة، أسف.

شعرت بأحتضانه لكفها ودفء أنفاسه التي تضرب بساعدها وتلك الدموع التي رطبت يدها، فتحت عينيها بثقل شديد ورؤية غير واضحة، لحظات ووضحت لها الرؤية لترى أن من يحتضن يدها هو "مالك"، سحبت يدها منه بسرعة ببعض من القلق، بينما لاحظ "مالك" إفاقتها ورفع وجهه إليها لترى هي تلك الدموع التي تتهاوى من مقلتيه ولكنها لم تهتم.

كادت أن تنهره وتطرده من الغرفة ولكنها تذكرت ما حدث قبل فقدانها للوعي، صاحت بلهفة وفزع:

- فين ديانة، إيه اللي حصل؟

أزدادت أعين "مالك" فى ذرف الدموع وهو ينظر نحوها بضعف وشعور بالذنب تجاههما هما الأثنتين مُردفًا ببكاء:

- ديانة بتموت يا زينة، بتموت بسببي يا...

قاطعته بحزم وهي تنزع المحلول من ذراعها مُردفة بحدة:

- وديني عندها.

حاول إيقافها ومنعها عما تفعله وهو يشعر بالرعب من أن تأذي نفسها مُعقبًا بخوف:

- زينة أهدي عشان خطري، أنتي كمان تعبانة أوي و..

قاطعه مرة أخرى ولكن تلك المرة بإنفعال صارخة به بغضب وحدة:

- بقولك وديني عند ديانة حالًا.

شعر بالقلق عليها بسبب إنفعالها هذا ليُوافقها على طلبها كي لا يزداد الأمر سوء وأضاف بتحذير:

- حاضر هوديكي بس خلي بالك محدش يعرف حاجة بخصوصنا، أوعي تقولي حاجة دلوقتي على الأقل لما نطمن على ديانة.

رمقته بكثيرًا من الغضب والإنزعاج الممزوج بخيبة الأمل التي تشعر بها تجاهه، هي لم تكن تتوقع منه أن يفعل ذلك بها، والأن هما السبب فيما حدث ل"ديانة" وإذا حدث لها شيئًا لن تُسامح نفسها أبدًا.

أستجمعت قوتها ونهضت من الفراش، حاول "مالك" مد يده ومساعدتها لتدفعه بعيدًا عنها ونهضت بمفردها وسارت مُتجهة ناحية الباب، طالعها "مالك" بندم وأدرك أن كل الحب التي كانت تحمله له قد تحول إلى كراهية بسبب فعلته الدنيئة تلك، أتبعها فى صمت وحسرة على ما وصلا له.

❈-❈-❈

لايزال مُغشيا عليه بجانب قبر والدته كالذي فارقته الحياة بجميع شهواتها وملازاتها، يرقد ويبدو عليه الكثير من الراحة، وكيف لا يشعر بالراحة وذلك هو الملجئ الأخير الذي يلجأ إليه جميع البشر بعد أن يسترد خالقهم أمانته، ولكنه ليس وقته بعد، لم يأتى ميعاده.

أرتفع صوت المؤذن بذكر الله لتنبيه للناس بأنه حان موعد أذان الفجر، فتح عينيه بثقل شديد وهو مُمسك برأسه يشعر بكثير من الألم بسبب كثرة بكائه، أنتفض من مكانه عندما تذكر لماذا هو هنا، تمتم بصدمة ولهفة باسمها:

- ديانة!

نهض من مكانه ولم يهتم لملابسه التى أصبحت مليئة بالأتربة وسريعًا ما توجه ناحية الباب عازمًا على الذهاب إلى المشفى، أوقفته تلك اليد المُجعدة المُتهالكة والتي عانت طوال عمرها التي أمتدت على الباب أمامه، رفع نظره إلى صاحب تلك اليد ليجده حارس المدافن الذى جاء لتفقد المكان، بينما لم يصُدم الحارس من وجوده، ولكنه حاول أن يبدو مُندهاشًا موجهًا حديثه تجاه "جواد" بصوت خافت مُستفسرًا:

- جواد! خير يا أبن الناس الطيبين؟

تنهد "جواد" بأنفاس مُتثاقلة مُعبرًا عن حجم التعب والمُعانة التي يشعر بهم، ربت على كتف ذلك الرجل العجوز مُعقبًا بهدوء:
- خير يا عم محفوظ، معلش أقفل أنت الباب.

كاد أن يرحل لتمنعه يد عم "محفوظ" مُجددًا والتي قبضت على ذراعه مانعًا إياه من الذهاب مُردفًا بلهفة وابتسامة مُحبة:

- مستعجل ليه يا أبني! رايح فين كده؟

أغمض "جواد" عينيه بندم وشعور الحسرة والضعف لا يرأفان به، أجابه بهدوء وتأثر بكلمات ذات معنى قائلا:

- رايح ألحق أصلح الغلط اللي عملته قبل ما يفوت الأوان.

أبتسم عم "محفوظ" بهدوء على تسرعه وغفلته عما هو أهم مُعقبًا بكلمات ذات معنى كبير وصادق:

- كل شيء ولُه أوان يا جواد يا أبني، واللي أوانه حضر الأول يبقى واجب علينا تنفيذه، الأذان أذن ولازم نلبي النداء.

شعر "جواد" بالرهبة والأرتباك، إنه لا يتذكر متى أخر مرة وقف ليصلى بها، هو بالكاد يتذكر كيف نُادي الصلاة، ولكن الأهم هل سيكون له القدرة على الوقوف بين يدي الله! هل سيتجرأ ويطلب منه شيئا فى صلاته وهو كل ما كان يفعله معاصي وذنوب! حاول التهرب من عم "محفوظ" مُردفًا بتلعثم وارتباك:

- بس.. بس أنا مستعجل و...

قاطعه عم "محفوظ" مانعًا إياه من إكمال حجته مُعقبًا بإصرار وتأكيد:

- مفيش حاجة فى الدنيا تخلى الواحد يتأخر عن تلبية نداء ربه، ربك هو اللي بيزيح الغُمه ويرفع البلاء مش الأموات يا ابني.

أندهش "جواد" مما قاله ذلك العجوز وأدرك إنه أستمع لما كان يقوله لوالدته، قطع "محفوظ" شروده مفسرًا له الأمر بإعتذار:

- أعذرني يا ابني، صوتك كان عالي وغصب عنى سمعت صريخك وعياطك بس مردتش أدخل، سبتك تطلع كل اللي جواك.

زفر "جواد" بقلة حيلة سامحًا لنفسه بالاستسلام والضعف وعدم إصطناع القوة المُزيفة تلك، أضاف بتعب وحزن بات واضحًا فى نبرة صوته قائلا:

- كان نفسي أرتاح.

هز عم "محفوظ" رأسه بعد الموافقة على حديث مُصححًا إياه بثقة وتأكيد مُعقبًا بحب وصدق:

- مش هترتاح غير وأنت وأقف بين إيدين ربك وبتنفذ فرضك اللي أمرك بيه، هو بس اللي يقدر يرفع البلاء عنك ويريح قلوبك يا جواد، أُقصده يا ابني وأنت ساجد وهو مش هيردك مكسور الخاطر أبدًا.

لمعت عيني "جواد" متأثرًا بذلك الحديث، رفع المؤذن صوت الأقامة مُعلنًا عن النداء الأخير قبل البدأ فى الصلاة، أبتسم عم "محفوظ" إلى "جواد" والتقط يده مُتجها ثوب الجامع قائلًا:

- يلا يا أبني، يلا نلبي النداء.

❈-❈-❈

وصل كلا من "محمود" و "منال" و"ملك" إلى المشفى للأطمئنان على "ديانة"، ما إن وصلوا أمام غرفة العمليات حتى أسرعت "منال" باحتضان "مالك" بلهفة وإشتياق مُردفة بنبرة مُعاتبة:

- مالك! كدا يا مالك تبعد عني كل الفترة دي؟

بأدلها العناق باشتياق مُماثل مُردفًا بهدوء:

- حقك عليا يا حبيبة قلبي، مش هبعد عنك تاني.

خرجت "منال" من عناق "مالك" مُستفسرة عن حالة "ديانة" مُردفة بلهفة وإستفسار:

- أختك عملت إيه؟

ربط "مالك" على كتفها مُحاولًا تطمئنها وهو بالكاد يمنع نفسه عن البُكاء مُردفًا بأعين لامعة:

- لسه فى أوضة العمليات، أدعلها يا ماما.

وضعت "منال" يدها على قلبها وقد تهاوت دموعها بخوف ورعب على ابنتها وهي تُتمتم بتمني:

- يارب، يارب.

كل ذلك كان يحدث أمام "زينة" التي تقف بجانب والدها أمام باب غرفة العمليات، حاوط "هاشم" بذراعه جسد "زينة" مُستفسرًا:

- جيتي ليه يا حبيبتي؟ كنتي خليكي فى البيت وأنا أطمنك.

حاولت "زينة" إصطناع القوة أمام والدها كي لا يشك بالأمر مُجيبة بهدوء:

- مكننش هرتاح يا بابا، كان لازم أجي أطمن بنفسي.
كاد "هاشم" أن يتحدث ليقاطعهم خروج الطبيب من غرفة العمليات وهو ينزع عن وجهه تلك القمامة الطبية ويزفر بثقل، أجتمع الجميع حوله للأطمئنان على "ديانة" وجنينها، شعر الجميع بالقلق الشديد من ملامح الطبيب الغير مُطمئنة وانعقد لسانهم خوفا مما سيقول، بينما أندفع "هاشم" بلهفة موجهًا سؤاله نحو الطبيب مُستفسرًا:

- إيه اللي حصل يا دكتور؟

❈-❈-❈

دلف إلى قاعة المُصلين بعد أن أنتهى من الوضوء، وقف بينهم وهو يشعر بالكثير من الخزي والندم من كل ما كان يقوم به من فعل أشيئاء مُحرمة ومكروة، وقف ورفع ذراعيه ليكبر ويبدا فى صلاته، فى البداية كان يشعر بالثقل والعبئ الكبير فوق كتفيه ولكن كلما كان يتعمق فى الصلاة كان يشعر بالراحة والسكينة، خصيصًا عندما سجد وتخلص من كل ذلك الكبر والغرور الذي يصطنعهم أمام الجميع لتخور قوة ويشعر بالحاجة الشديدة للبكاء والشكوة إلى خالقه.

أنتهى من صلاته ولكنه ظل جالسًا فى مكانة وشعر بأنه لم يعد لديه القدرة على التحمل أكثر من ذلك، خارت قوته وأخذ يبكي بكل ما فيه من ألم وندم على كل ما فعله بحياته، وأيضا شعوره بالظلم لما عانه على يد "هناء" بدون أن يكون له أي ذنب فيما حدث، ولكن لحظة لما يلوم على "هناء" وهو فعل نفس الشيء مع "ديانة"! هو أيضا ظلمها بدون أن يكون لها أية ذنب فيما حدث منذ زمن.
+

أزداد نحيبه وبكائه عند تذكره بكل شيء سئ فعله مع "ديانة" بدون أن يكون لها أي ذنبًا معه، رفع يده إلى السماء وعينيه تذرفان الدموع دون توقف مُتمتمًا بألم وحسرة:

- يارب أنا عارف إني مليش الحق إني أرفع إيدي وأطلب منك حاجة، بس أنا عشمي فيك كبير أوي، أنت أحسن مني، أنت اللي عالم باللي جوايا، أنا مش هقول أعذار أو مبررات لأي حاجة غلط عملتها، بس أنا هوعدك إني مش هعمل كده تاني، عمري ما هرجع للمعاصي تاني، عمري ما هظلم ديانة تاني بس أنت متحرمنيش منها، أنت اللي عالم أنا حبتها قد أيه وبعمل إيه عشانها متخلنيش أحس إن كل ده على الفاضي، بلاش تحرمني منها، أنا بحبها أوي يارب متحرمنيش منها يارب.

ظل يشهق بين بكائه وهو يشعر بالندم والكراهية تجاه نفسه، دفن وجهه بين كفيه وهو يبكي كالأطفال غير مُهتمًا بنظرات من حوله، قطع بكائه صوت هاتفه الذي صاح مُعلنا عن وجود إتصال من صديقه "إياد"، شعر بالخوف والقلق من ذلك الإتصال ولكنه سريعًا ما أجاب مُنفضًا رأسه من تلك الأفكار السيئة التي تدور بها، فتح المكالمة ليأتيه صوت "إياد" مُردفًا بلهفة:

- جواد تعالى بسرعة.

أنتفض قلبه من الرعب والفزع وأصبح يتنفس بصعوبة بسبب ثقل أنفاسه مُردفًا بلهفة وهلع:

- فى إيه! ديانة حصلها حاجة؟

أتاه صوت "إياد" أمرًا إياه بحدة وإصرار:

- ديانة خرجت من أوضة العمليات، تعالى بسرعة.

فز من مكانة وأسرع فى الخروج من المسجد وهو يشعر بزيادة ضربات قلبه موجها حديثه نحو "إياد" مُردفًا بلهفة وأستعجال:

_ أنا جي حالا.

يتبع...
حملت "هناء" تلك الرضيعة وتوجهت بها نحو السور عازمة على إلقائها من فوقه، كي تتخلص منها إلى الأبد وهي ترأى بها أحلامها وأمالها المُحطمة وقلبها المُنفطر، وجهت حديثها نحوها مُردفة بغضب وكراهية:

- أنتي المفروض كنتي تبقي بنتي أنا عشان أنتي بنت حبيبي، بس حظك الأسود إنك جيتي منها هي، من الست الحرامية اللي سرقت مني حبيبي، وعشان كده لازم تموتي يا ديانة.

صاحت صارخة موجهة حديثها نحو تلك المرأة التي لم تدعها تعيش فى سلام، بل خربت لها حياتها ونزعت منها فرحتها ولم تكتفي بذلك، بل أيضا تريد الأن قتل أبنتها، صرخت "لبنى" مُحاولة إيقافها مُردفة بحدة:

- هنااء.. أبعدي عن بنتي يا هناء، هي ملهاش دعوة.

صاحت بها "هناء" بغضب وكراهية مُصرة على حديثها بحدة:

- لا ليها يا لبنى، دي بنتك اللي خلفتيها من شرف بعد ما أتجوزتيه وحرقتي قلبي عليه، أنا بقى دلوقتى هحرقك قلبك أنتي كمان.

ألقت الرضيعة من فوق السور، صرخت" لبنى" وأسرعت تجاها لتجد طفلتها تسقط فى ذلك الظلام الكالح ولم تعد تراه، صرخت بألم وحسرة مُنادية عليها:

- دياانة.

تشعر بثقل أنفاسها والعرق يتصبب من جبينها وكأنها تُصارع الموت التي ظلت تنتظره أكثر من عشرون عامًا، تحرك رأسها بطريقة هستيرية وتنهج بصوت عالي وصعوبة كبيرة فى إلتقاط أنفاسها، تعمل جُاهدة على مُلاحقة ذلك الظلام الذي سرق منها أبنتها مرددة بصعوبة بالغة وثقل شديد وهى تحرك رأسها يمينا ويسارًا:

- د..ديا..ديااا... ديانة.

نطفطتها وهي تنتفض مُعتدلة فى جلستها بعد أن فتحت عينيها بسرعة وهي تشعر بكثير من الفزع والزعر مُتمتمة بهستريا وفزع شديد:

- ديانة.. بنتي، بنتي.

لم تهتم إلى كونها أستعادت قدرتها على الكلام وأسرعت إلى غرفة مرافقتها التي عينها لها "هاشم" لمراعتها وأخذ تهز فيها مُحاولة إفاقتها مُردفة بلهفة:

- ألاء.. ألاء أصحى يا ألاء.

فتحت "ألاء" عينيها بثقل شديد غير مُستوعبة لما يحدث حولها وعندما رات صورة مهزوزة لأمرأة تناديها ظنت إنها تحلم لأنها تعلم أن "لبنى" لا تستطيع التحدث، ولكن "لبنى" سريعًا ما افاقتها وهى تُبلل وجهها بتلك المياة التي كانت بجانبها، شهقت "ألاء" وهي تفيق من نومها لتضح لها الرؤئية، وأدركت إنه ليس حلمًا عندما أستمعت لصوت "لبنى" مُصيحا برجاء:
- أصحى يا ألاء بالله عليكي يا بنتي.

فرجت "ألاء" فمها من هول الصدمة وصاحت باندهاش:

- هو حضرتك بتتكلمي يا مدام لبنى؟

لم تهتم بسؤالها وأردفت بحدة:

- كلميلي هاشم فوراً يا ألاء.

أومأت لها "ألاء" بالموافقة وهي تلتقط هاتفها قائلة:

- حاضر يا مدام.

حاولت "ألاء" الأتصال على "هاشم" ولكنها وجدت هاتفه مُغلق، فوجهت حديثها نحو "لبنى" مُعقبة بأسف:

- تليفونه مقفول يا مدام لبنى.

صاحت "لبنى" بعدم إستسلام مردفة بإصرار:

- حاولي تاني يا بنتي لازم يرد.

بالفعل حاولت الفتاة مرة أخرى ولكن دون فائدة ف "هاشم" تلك المرة أيضا هاتفه مُغلق، لتهز الفتاة رأسها مُعتذرة ل "لبنى" مردفة بأسف:
- بردو مقفول يا مدام لبنى.

شعرت "لبنى" بالقلق الشديد حيال عدم رد "هاشم" لتردف بقلق:

- طب أنا عايزه أروحله.

أيتلعت الفتاة بحرج مُعقبة بأسئ:

- أسفه يا مدام لبنى معنديش إذن بإني أخرجك بس أوعدك هنحاول نوصله.

شعرت "لبنى" بالعجز الشديد وأن ليس بيدها حل سوا أن تجلس وتنتظر إتصالا من "هاشم" أو حتى مجيئه لتتنهد بقلة حيلة مُتمتمة:

- ربنا يستر.

❈-❈-❈

- خير يا دكتور!

صاح بها كلا من "هاشم" و"محمود" فى أنٍ واحد وكلاهما يشعر بالقلق والخوف على "ديانة" مُتسفسرين عن حالتها، نظر كلاهما إلى بعضهما وأخذ يتبادلا نظرات القلق، ليلفت إنباههم حديث الطبيب الذي هتف مُطمئنًا إياهم بهدوء:

- الحمدلله الولادة تمت على خير بس مع الأسف مش هنقدر نحدد الجنين هيعيش ولا لا غير بعد ١٢ ساعة لانه نازل قبل معاده وجسمه ضعيف جدًا والرئه لسه مكتملتش.

تدخلت "منال" بلهفة مُستفسرة عن أبنتها وعن صحتها مُردفة بفزع:

- طب وبنتي! بنتي عامله إيه؟

لاحظ الطبيب فزعها وخوفها الشديد ليُحاول تطمئنها مُجيبًا بهدوء:

- الأم كويسة الحمدلله بس قدمها شوية وتستعيد وعيها، الممرضات هينقلوها غرفة الافاقة دلوقتي.

تدخل "هاشم" مُستفسرًا عن صحة "ديانة" بلهفة:

- المهم حالتها مُستقرة يا دكتور؟

أومأ له الطبيب بالموافقة مؤكده على حديثه:

- أطمن، حالتها كويسة جدا.

أعتلت ملامح الاندهاش وجه كلا من "زينة" و"إياد" من تغير "هاشم" وإهتمامه بصحة "ديانة" وليس الجنين، ولكنهم لم يُظهروا ذلك الاندهاش أمام أحد، هتفت "ملك" موجهة حديثها نحو الطبيب مستفسرة:

- طب هو أحنا ممكن ندخل نطمن عليها؟

أومأ لها الطبيب بالموافقة ولكنه أيضا حذرهم من إرهاقها مُعقبًا بتحذير:

- أه طبعا ممكن، بس أرجوكم لما تفوق محدش يتعبها بالكلام.

وافق الجميع على حديثه ودلفوا جميعا غرفة "ديانة" للأطمئنان عليها.

❈-❈-❈

سحب مكابح السيارة بهرجلة فور وصوله أمام باب المشفى، سريعًا ما ترجل منها وأخذ يركض إلى الداخل غير مُهتما بوقفة السيارة الخاطئة، كل ما يُعير اهتمامه هو أن يطمئن عليها وإنها بخير.

دلف المشفى بهرجلة وهو يركض مُتجهًا نحو غرفة العمليات، وبالفعل وصل إلى هناك ولكن أوقفه إنغلاق ذلك الضوء الأحمر فوق الباب والذى يُفسر إنتهاء العملية.

ظل يلتف حول نفسه لا يعلم أين ذهب الجميع وما هي حالة "ديانة"، أهي بخير! أم حدث لها شيء! تلك الأفكار السيئة لا ترأف بيه ولا ترحمة مُسببة له الكثير من الرعب والفزع، وجد إحدى الممرضات تخرج من الغرفة، ليلتقط ذراعها مانعًا إياها من الذهاب مُردفًا باستفسار وشيئًا من الهلع:

- ديانة فين؟

للحظات شعرت الممرضة بكثير من الرعب بسبب هيئة "جواد" المُخيفة، فشعره مُبعثر بطريقة مُفزعة وعينيه تصرخ بالأحمرار تكاد تذرف الدماء، بالأضافة لكونهما منتفختان، أبتلعت الممرضة بقلق ولكنها حاولت الرد عليه بأستفسار مماثل:

- قصد حضرتك المدام اللي كانت بتولد؟

أومأ لها "جواد" بالموافقة وقلبه يكاد يخرج من مكان من شدة الخوف والقلق صائحًا بعدم صبر وإنتظار:

- أيوه هي فين!

حاولت الممرضة تهوين الأمر وأبتسمت له مُطمئنة إياه مُردفة بتهنئة:

- الحمدلله ولدت ونقلناها أوضة تانية.

أغمض عينيه وتنهد براحة وكأنه كان محبوسًا بمكان خالي من الهواء ولتوهِ أستطاع أخذ أنفاسه، فتح عينيه ونظر نحو الممرضة مُستفسر عن مكان غرفة "ديانة" مُردفا بلهفة:

- وفين الأوضة دي؟

أبتسمت له الممرضة بعد أن شعرت بهدوء فزعه وشعرت بالأطمئنان مُجيبة:

- الدور اللي فوقينا غرفة رقم ٨ يا فندم، وألف مبروك.

ركض بسرعة مُتجها ناحية المصعد ولكنه وجده بالأسفل وعليه أستدعائه، ترك المصعد بنفاذ صبر وأتجه سريعًا ناحية الدرج صاعدًا إلى أعلى، وصل أمام غرفة "ديانة" وهو يستمع إلى الهمامات المنخفضة بالداخل، ليُخمن إنها لا تزال نائمة، دلف الغرفة ليجد الجميع مُجتمع حول "ديانة" مُغمضة العينين.

وما إن شعروا بدخوله ظلوا جميعا ينظروا إليه، فهناك من يرمقه برعب وخوف من أن يفعل ب"ديانة" شيئًا، ومنهم الذى يقلق من رده فعله أو من أن يفعل شيئًا مجنونًا، ومنهم من يشعر عليه بالشفقة لانه يعلم ما بداخله.

تقدم "جواد" بخطواته مُتجها نحو فراش "ديانة"، ليفتح له الجميع الطريق للوصول إليها، وقف أمام فراشها وهو يراها غارقة فى عالم أخر، شعر بالحاجة الشديدة لضمها إلى صدره ويبكى بكل ما فيه من قوة، ولكنه لايزال "جواد الدمنهورى" الذى لا يُظهر ضعفه أمام أحد مهما كلفه الأمر، أصطنع القوة موجهًا حديثه للجميع صائحًا بحدة:

- كله برا.

صُعق الجميع من طلب "جواد" الواضح من نبرة صوته إنه أمر غير قابل لنقاش، ولكن "منال" لم تتقبل الأمر وحاولت أن تُخالفة مُردفة بإعتراض وخوف على ابنتها:

- أنا مش هسيب بنتي وأط...

صاح مرة أخرى بكثير من الغضب والإنفعال غير مُكترثًا لأحد ضاربًا الطاولة بجانبه بحدة:

- بقول كله برا.

أنتفض الجميع أثر صياحه الواضح عليه إنه يُخفي ضعف شديد لا يريد أن يظهر به أمام الجميع، لأحظ "محمود" ألم "جواد" الذي يُحاول أن يُخفيه بلأضافة إلى هيئته التي تفصح عن أن الأمر ليس هينًا عليه، تقدم "محمود" من "منال" مُلتقطا يدها مُضيفًا بهدوء:

- تعالي يا منال.

كادت "منال" أن تُمانعه ولكن أوقفها "محمود" مُحاولًا إقناعها مُعقبًا باصرار:

- أسمعي كلامي عشان خطري.

أومأت برأسها موافقة على حديث زوجها وأتجت معه نحو الخارج، لحقهم الجميع شخصًا وراء الأخر، ليتقدم "إياد" ببعض الخطوات مُتجها نحو "جواد" وربط على كتفه مُحاولًا مواسته، فهو الأن بات متأكدًا أن صديقه بالفعل أحبها كثيرًا، ولكنه بصراع وعليه أن يخوضه وحده، خرج "إياد" من الغرفة وأغلق الباب خلفه.

ما كان صوت إغلاق الباب سوى إشارة بداية إنهيار ل "جواد" الذي سقط على ركبتيه بجانب فراش "ديانة"، بدأ فى البكاء بشكل هستيري وكأنه لا يعرف كيف يتوقف عن ذلك الأنهيار، ظل يبكي ويتنفس بصعوبة بسبب كثرة شهقاته، ألقى بنفسه على قدمها التي لاتزال لا تشعر بها أو به هو نفسه، هتف بنحيب:
- كان نفسي أقولك الكلام ده وأنتي فايقه وسمعاني، بس عارف نفسي مش هقدر، متسبنيش يا ديانة، أبوس رجلك متسبنيش، أنا مليش حد غيرك، أنا عمري ما حسيت إني موجود غير وأنتي جمبي، عمري ما حسيت بالأمان غير وأنتي معايا، أنا من غيرك ضعيف وجبان وخايف، أرجوكي يا ديانة متبعديش عني، أوعي تسبيني يا ديانة أرجوكي.

ظل يحتضن قدميها وهو يبكي بإنهيار وضعف غير مُنتبهًا لذلك الشخص الذي يقف عند الباب مُستمع لكامل حديثه، أبتعد عن قدميها قليلًا وسريعًا ما رفع نظره إليها مُتفحصًا ملامحها مُعقبًا بضعف بين نحيبه:

_ عارفة يوم ما كنت سكران وعملت معاكى علاقة وانا مش فى وعي، تانى يوم لما روحتي لدكتورة كنت مرعوب أكون أذيتك غصب عني، وبعد ما مشيتي من عندها روحتلها، سألتها عليكي وعلى الجنين بس هي فجأتني بأكتر حاجة مكنتش أتمناها، فجأتني إنك حامل فى ولد.

أتسعت إبتسامة "هاشم" الذى كان يستمع إلى حديث ابنه وعن سماعه أن حفيده الذى لم يراه بعد صبي، ولكنه كان يريد أن يستمع إلى باقي حديث أبنه كي يتأكد مما يشعر به، ليُكمل "جواد" بعد أن أحتضن "ديانة" التي لاتزال غائبة عن الوعى مُضيفًا بمزيد من البكاء:

- عارفة لما قالتلي كده مكنتش عارف أعمل أيه، خوفت، خوفت عليه مني، خوفت يطلع ضعيف وجبان زيي، خوفت يجرالك حاجة أو تبعدي عني وتكرهيه يقوم يتربى على أيد هناء ويبقى جواد الدمنهوري التاني.

قال جملته الأخيرة بكراهية وإنفعال لما هو أصبح عليه الأن بسبب تربية تلك المرأة له، تلك التربية التي لم تكن إنسانية على الأطلاق مما جعله أصبح وحشًا ليس إنسانًا، بينما "هاشم" قد شعر بالصدمة مما يقوله ابنه، ما هو ذلك الشيء المُفزع بالنسبة لابنه الذي كانت تفعله "هناء"! لما يشعر أن أبنه يكرها ويخافها لا يُحبها! ليُكمل "جواد" حديثة وهو لايزال مُحتضن إياها:

- وقتها قلت لا يا ديانة مش هسمح بكده مش هسمح إن أبني يعيد تجربتي تاني، قولت لازم أتغير عشانك وعشانه، روحت لدكتور نفسى وتابعت معاه وكل مره كنت بضعف أو أفقد الثقة فى نفسى كنت بحطك حافز ليا عشان أكمل.

خرج "جواد" من عناق "ديانة" وألتقط يدها وسريعًا ما قبلها بكثيرًا من الحب والأحتياج مُردفًا بصدق:

- أيوه يا ديانة عايز أتعالج عشانك، عشان متسبنيش، عشان تحبيني زي ما أنا بحبك، بحبك يا ديانة، بحبك أوي.

أحتضن كف يدها بوجهه وظل يبكي بكثير من الحب الذي يريد أن يصرخ به أمام الجميع ويعترف إنه أخطأ كثيرًا فى حقها وإنه يتمنى أن تسامحه، بينما "هاشم" أبعد رأسه عن الباب وسريعًا ما خرج وأحكم غلقه ورائه.

❈-❈-❈

فتحت زرقاوتيها بثقل شديد ولكنها سريعًا ما أغلقتها مرة أخرى بسبب ذلك الضوء الذي صدمها، لتُحاول فتحهم مرة أخرى ولكن تلك المرة ببطئ شديد حتى تعتاد هذا الضوء، حاولت أن تنهض بعفوية ولكنها تشعر بخدر جسدها، فالبنج لا يزال يؤثر عليها ولكن بمقدرا قليل جدا، مجرد دقائق وسيزول أثره.

أستكانت مرة أخرى ورمت عينيها بجانب يدها اليسرى، لتجد "جواد" يجلس على الكرسى ومنحنى بجذعه العلوى وأضعا رأسه بجانب يدها، سريعًا ما تذكرت ما حدث ليلة أمس وما دار بين "جواد" و"مالك" ومعرفتهم بحمل "زينة"، لتُتمتم بفزع وزعر صائحة بتلعثم:

- ما..لك!

كان "مالك" أول من خطر ببالها ولكنها تذكرت أن عليها أن تسال عن شيء أخر أهم وهو طفلها وخصوصا بعد تذكرها لتلك الدماء التي أنسدلت من بين ساقيها، لتصيح بهلع:

- أبني.. أبني!

شهر "جواد" بحركتها ولكن ما أرغمه على إفاقة نفسه هو صراخها بالنداء على جنينها وهو حتى لا يعلم إذا كان الطفل بصحة جيدة أم لا! أقترب نحوها مُحاولا تهدئة إياها مُردفا بخوف عليها:

- أهدي يا ديانة أبننا ف....

قاطعته صارخة فى وجهه بكراهية ونفور وبتخبط لا تعلم ما الذي تصيح به أولًا، ولكنها دفعته صائحة بحدة:

- أنت بتعمل إيه هنا! أبعد عني، فين أبني؟

دلف الطبيب بصحبة الجميع عند سماعه لصوت صراخ "ديانة" ليتقدم نحوها مُحاولا تهدئتها بحذر:

- أهدي يا مدام ديانة حضرتك لسه طالعه من ولاده مش سهله.

صاحت موجهة حديثها نحو الطبيب مُستفسرة:

- أبني فين؟

لم تنتظر أن يأتها راداً منه لتشعر بغصة فى حلقها وأصبحت الدموع تنهمر من مُقلتيها دون توقف وهي تُتمتم بكسرة قلب:

- مات!

صاحت "منال" نافية حديث "ديانة" مُصححة بلهفة:

- لا يا بنتي، ابنك فى الحضانة وهيبقى كويس إن شاء الله.

رمقت "ديانة" "منال" بعدم تصديق مُردفة ببكاء:

- أنتوا بتضحكوا عليا يا ماما صح!

هزت "منال" رأسها بالرفض مُحاولة تطمئنها مردفة بصدق:

- لا يا قلب ماما مش صح والله، صدقيني ابنك فى الحضانة، هو بس ضعيف شويه فلازم يدخل حضانة.

تدخل الطبيب مُحاولا تهدئة "ديانة" وتفسير الأمر لها حتى تطمئن على طفلها مردفا بتوضيح:

- يا مدام ديانة كل الحكاية أن ابن حضرتك نزل قبل معاده بشهرين، وده معناه إن الرئة لسه مكتملتش، وكمان وزنه قليل جدا، عشان كده لازم يقعد فى الحضانه شهرين تكون الرئة أكتملت وبقى أحسن، وكمان نديكي فرصة تشدي حيلك وتستعدي للبهدلة اللي هيبهدلهالك.

حاول الطبيب تخفيف الأمر عليها حتى تطمئن إلى حديثه، ولكنها سريعًا ما صاحت بطلبها المتوقع من أى أم بعد أن تفيق من الولادة:

- انا عايزة أشوفه.

علم "محمود" أن ابنة عنيدة ولن تطمئن أو تصدقهم إلا عندما تراه بيعينيها، ليوجه إستفسارة ناحية الطبيب:

-  ينفع تشوفه يا دكتور؟

أومأ له الطبيب بالموافقة ولكنه حاول تذكيرها بحالتها وذلك الجرح أسفل بطنها مُردفًا بهدوء:

- ينفع بس هي مش هتقدر تمشي.

سريعا ما تدخل "جواد" بالحديث مُردفًا بلهفة:

- أنا هسندها.

طالعته "ديانة" بغضب وكادت أن ترفض ولكنها تذكرت إنه لن يسمح لأحدًا غيره أن يسندها إلى هناك ولا حتى "مالك"، بل وبالأخص "مالك" الذي لا تعرف ماذا سيكون مصيره مع ذلك "الجواد" عديم الرحمة.

هتف الطبيب مُجيبًا "جواد" موافقا على إقتراحه:

- تمام مفيش مشكلة بس خلى بالك.

أومأ له "جواد" بالموافقة وسريعًا ما تدخل كلا من "زينة" و"ملك" لمساعدة "ديانة" على النهوض من مكانها ولكن الحركة كانت مؤلمة على "ديانة" لتتأوه وهي تنهض مهم.

شعر "جواد" بأرتجاف قلبه بسبب ألمها وكاد أن يُزجزهم على إلأمها، ولكن سريعَا ما تدخلت "منال" مُردفة بتحذير:

- براحة يا حبيبتي على مهلك.

تقدم "جواد" نحو "ديانة" من ناحية "زينة"، وسريعا ما أمتدت يده اليُمنى لإلتقاط يدها وأمتدت يده اليُسرى لمُحاوطه خسرها، لتستقر داخل صدره وكأنه يحملها بيدًا واحدة من خلال خسرها، ليصحبها نحو حضانة الأطفال حديث الولادة.

توقف كلاهما أمام ذلك الزجاج الشفاف الذي يفصل بينهم وبين هذا الصندوق الزجاجي الموضوع يداخله طفلهم، شعر كلاهما بالكثير من المشاعر الممتعة والمُخيفة فى نفس الوقت، "ديانة" تشعر بالخوف على طفلها وبالأخص من ذلك "الجواد" الخالى من المشاعر والرحمة، بينما "جواد" كان يشعر بالخوف من أن يُسئ تربية ذلك الطفل أو يجعله يصبح مثله فى يومًا من الأيام، نعم كلامها يجمعهم الخوف على ذلك الطفل ولكنهما لا يعلمان ذلك.

شعرت "ديانة" بإرخاء قواها وسيطرت الألم عليها لتتأوه وتُحاول التحرك بين يدى "جواد" الذي لأحظ مُعانتها، ليردف بهدوء موجها حديثه نحوها:

- يلا نرجع الأوضه.

هزت "ديانة" رأسهت بالموافقة وسريعًا ما أصطحبها مرة أخرى إلى الغرفة كي ترتاح، ساعدها فى الجلوس على فرأشها وأعتدل فى وقفته عازمًا على الجلوس بجانبها، لتُفاجه "ديانة" التي صاحت بحدة موجهة حديثها نحوه بحذم:

- أطلع برا.

صُدم الجميع من طلبها وخاصة "جواد" الذي شعر بالدهشة من تقلبها المفاجئ، كاد أن يتكلم ولكنها زجرته بحدة وهى تُطالعه بغضب مُرددة بإصرار:

- بقولك أطلع برا.

نعم لقد أستعادت قوتها مرة أخرى فالشيء الوحيد الذي كان يجعلها ضعيفة أمامه هو ذلك الطفل الذي كان داخل أحشائها، كانت تخشى أن يضربها أو يدفعها فيتأذى طفلها، ولهذا كانت تتلاشى إغضابه أو مُصادفة، ولكنها الأن أنجبت طفلها الذي ستُحارب من أجله حتى لو كانت من تُحاربه هو والده، لن تجعل شيء يمس إبنها حتى لو كان على حساب حياتها بأكملها.

شعر "جواد" بالحرج من إصرارها على خروجه وبالفعل نفذ لها رغبتها وخرج من الغرفة، ليلحق به صديقه "إياد" لمواسته، بينما أقتربت "منال" من "ديانة" مُحتطضنه إياها مُردفة بحب:

- حمدلله على سلامتك يا حبيبة قلبي.

أبتسمت لها "ديانة" بخفة قائلة:
- الله يسلمك يا ماما.

هتفت "ملك" موجهة حديثها نحو الطبيب مُستفسرة:

- هى تقدر تخرج أمتى يا دكتور؟

أجابها الطبيب موافقًا على حديثها مُردفا بتحذير:

- تقدر تخرج بكره إن شاء الله بس ده بشرط الراحة التامة والاهتمام بصحتها وبأكلها.

صاحت "منال" موجهة حديثها نحو الطبيب:

- أكيد يا دكتور أنا هأخدها عندي وهخلي بالي منها و..

قطع "هاشم" حديثها مُعقبًا بنبرة غير قابلة لنقاش:

- بعد إذنك يا مدام منال ديانة هتقعد فى بيت جوزها ولو حابه تنورينا وتقعدي معاها الفترة دي هتشرفينا كلنا.

ترددت "منال" بسبب حديث "هاشم" وأرادت أن تُمانعه:

- بس يا هاشم بيه..

قاطعها "هاشم" مُردفا بهدوء:

- مبسش يا مدام منال، حتى زينة بنتي هتكون معاكوا لان شكلها كده حبت القعده مع ديانة.

كانت "ديانة" تُتابع كل ما يحدث فى صمت وما إن ذكر أسم "زينة" حتى تذكرت تلك المصيبة التي تقع بها، لتنظر لها "ديانة" بأهتمام ولكن "زينة" أومأت لها بالموافقة مُحاولة تطمئنها، لتُحول "ديانة" نظرها نحو "مالك" وظلت ترمقة بكثير من نظرات خيبة الأمل والحزن مما فعله حتى وضع رأسه بالأرض خجلا مما فعله وتسبب به من كارثة فى حق نفسه وحق "زينة".

مر يومين على خروج "ديانة" من المشفى وفعلت مثلما أخبرها "هاشم" وجلست فى فيلا "جواد" وقد رافقها كلا من "منال" و"ملك" و"زينة" ولايزال طفلها فى حضانة الرضع داخل المشفى ، بينما "جواد" خلال تلك الأيام كان يتلاشى مُقابلتها أو التحدث معها كى لا تنزعج منه ، حتى أنه أنتقل كى ينام فى غرفة أخرى ولكنه كان يخطف بعض الدقائق فى منتصف الليل لمُتابعتها وهى نائمة ويظل لوقت طويل يتأملها ويبتسم دون إرادة منه ، بينما "زينة" لم تتحدث إلى "مالك" على الرغم مُحاولاته الكثير فى الحديث معها ولكنها تقفل جميع الطرق لتحدث معه تاركة الأمر ل "جواد" وستفعل ما يأمرها به حتى ولو كان سيزوجها لأى شخص أخر ولايزال لا أحد يعلم ما حدث ما حدث بينها وبين "مالك"

كانت "منال" تستعد للخروج من الفيلا وأنتهت من تبديل ملابسها ، لاحظتها "ديانة" لتظن أنها سترحل وتتركها لتشعر بالخوف وتردف بلهفة :

_ أيه ده! ، أنتى رايحه فين يا ماما؟!

لاحظت "منال" خوف "ديانة" الواضح فى نبرة صوتها لتُحاول تطمئنها رادفة بتوضيح :

_ رايحه يا حبيبتى أطمن على باباكى وأشوفه لو محتاج حاجه أعملهالوا ورجعالك تانى

لاحظت "ديانة" أن "ملك" أيضا بدلت ملابسها وتستعد للخروج مع والدتها لتردف بأستفسار :

_ طب وأنتى يا ملك!!

أجابتها "ملك" وهى تضع حمالة حقيبها على كتفها رادفة بتضويح :

_ أنا هروح معاها أجيب شوية حاجات كده نقصانى وأجيلك تانى متقلقيش

أومأت لهم "ديانة" برأسها موافقة على حديثهم رادفة بأستسلام :

_ ماشى

نظرت "منال" نحو "زينة" موصية إياها رادفة برجاء :

_ خلى بالك منها با زينة

أومأت لها "زينة" بالموافقة رادفة بتأكيد :

_ متقلقيش يا طنط فى عنيا

ربطت "منال" كتفها بأمتنان رادفة بحب :

_ تسلم عنيكى يا حبيبتى

خرجت "منال" من الفيلا بصحبة أبنتها "ملك" وتركت "ديانة" تحت رعاية "زينة" الذى جلست برفقتها ، كادت "ديانة" أن تتحدث ليُقفها صوت رنين هاتف "زينة" مُعلنا عن وجود إتصالا من أحدهم ، رمقت "زينة" هاتفها لتتبدل تقاسيم وجهها ويعتليه ملامح التردد والأرتباك وسريعا ما قامت بالضغط على زر إنهاء الأتصال ، ليُعاود هاتفها يرن مرة أخرى ولكنها قررت فعلتها
لاحظت "ديانة" تبدل ملامح "زينة" وإنزعاجها لتُخمن أن المُتصل هو "مالك" وتحول تخمينها إلى تأكيد عندما أستمعت لصوت رسالة وصلت بهاتف "زينة" التى سريعا ما فتحتها لتعرف مُحتواها ، رفعت عينيها من الهاتف لتنظر فى الفراغ أمامها وتشرد فيما أرسله لها ، قطعت "ديانة" شرودها بثقة :

_ هو مش كده؟!

أومأت لها "زينة" بالموافقة مركدة على حديثها وهى تشعر بالتخبط رادفة بشرود :

_ أيوه

فهمت "ديانة" ما تمر به "زينة" فهى أكثر شخصا إحساسا بها وبما تشعر به لتربط على كتفها مُحاولة التخفيف عنها رادفة بأستفسار علها تجد حلا لتك المشكلة :

_ بيقولك أيه!!

أجابتها "زينة" وهى لاتزال تنظر فى الفراغ وتشعر بالتشتت والتخبط بما يقوله عقلها وما يقوله قلبها وما يُحتمها عليه المنطق من الأعتزاز بكرامتها ، لتردف بخفوت وشرود :

_ عايز يقابلنى ومستنينى فى كافيه وبعتلى اللينك بتاعه

تنهدت "ديانة" بقلة حيلة وشعور بالحزن على تلك المسكينة رادفة بأستفسار :

_ وأنتى أيه رأيك!!

حولت "زينة" بصرها نحوها بسرعة البرق وهى تضم حاجبيها بغضب وضيق عازمة على عدم مُطاوعة قلبها فى هذا الأمر رادفة بحدة وإنفعال "

_ مش هروح

هزت "ديانة" رأسها غير موافقة على حديث "زينة" رادفة بتصحيح :

_ لا لازم تروحى

ضيقت "زينة" ما بين حاجبيبها بأستنكار وقد أعتلى وجهها الكثير من المشاعر المتخبطة تجاه "ديانة" أهى بصفها أم بصفه! ، أتخاف عليها أم عليه! ، أحزينة لأجلها أم لأجله! ، هل تُخبرها لتذهب لرؤيته لأنها تعلم كيف هى تحبه وتشتاق إليه على الرغم من كل ما فعله بها!! ، أم تخبرها أن تذهب من أجل "مالك" ولا تهتم لأمر كرامتها وعزت نفسها أمام كل أرتكبه فى حقها من ذنوب وأخطاء؟!

لأحظت "ديانة" تلك الملامح المختلفة والمُشتتة التى أعتلت وجه "زينة" لتُفسرها بأنها قد فهمتها بشكل خاطئ ولم تتوصل لما تقصدة هى ، لتعقب "ديانة" مُصححة لها تقصدة رادفة بصدق :

_ متفهمنيش غلط يا زينة ، أنا مش واقفه فى صفه عشان هو أخويا بالعكس ، أنا بقولك روحى لأنى أكتر واحده فى الدنيا عارفه مالك ومتأكده أنه لو كان فى وعيه أو دريان باللى بيحصل مكنش عمل كده أبدا
4

تهاوت دموع "زينة" دون ان تسمح لها بالهبوط ، فى لم تستطيع التحكم فى إنهيارها أكثر من ذلك ، لتنفجر فى البكاء أمام أعين "ديانة" التى ضمتها سريعا إلى صدرها رابطة على كتفها مُحاولة تهدىتها وتخفيف ما تشعر به من ألم وحسرة وإنكسار بسبب ذلك الفعل الغبى الذى فعله "مالك" فى حقها وحق نفسه ، لتحاول "ديانة" تقويتها رادفة بإصرار لكى تتخذ ققرارها :

_ روحى وأسمعيه يا زينة وبعدها أبقى قررى تديله فرصة تانيه أو لا!!

نظرت لها "زينة" بحيرة كيف ستتركها وحدها؟ ، لتردف بأستفسار :

_ طب وأنتى أسيبك لوحدك أزاى!!

حاولت "ديانة" تطمئنها وجعلها توافق على الذهاب رادفة بتأكيد :

_ يا بنتى أنا بقيت كويسه أهو وبعدين دادا هدى معايا ولو عوزت حاجه هقولها ، يلا أنتى عشان تلحقى معادك

أومأت لها "زينة" بالموفقة وسريعا ما قبلتها فى وجنتها رادفة بحب وإمتنان :

_ مش هتأخر عليكى

أومأت لها "ديانة" بالموافقة رادفة بهدوء :

_ ماشى يا حبيبتى أبقى طمنينى

وبالفعل بدلت "زينة" ملابسها وأسرعت فى الخروج من الفيلا مُتجها نحو ذلك المقهى الذى ينتظرها "مالك" به تاركة "ديانة" بالفيلا برفقة العاملة "هدى"
5

❈ - ❈ - ❈

صدح صوت الهاتف فى جميع أركان قصر الدمنهورى لُسرع العاملة "حُسنة" فى التوجه نحو لتُجيب على المُتصل ، رفعت "حُسنة" سماعة الهاتف واضعة إيها على أذنها رادفة بأستفسار :

_ أيوه مين؟!
شعرت "ماجدة" بالراحة بأن من أجابتها هى "حُسنة" وليست "هناء" لتردف بلهفة :

_ أيوه يا حُسنة أنا ماجدة
2

صاحت "حُسنة" بكثيرا من السعادة مُهللة فرحا بسماع صوت "ماجدة" وأستطاعتها على التحدث رادفة بسرور :

_ الست ماجدة (زغروطة) أنتى بتتكلمى يا ست ماجدة! يا ألف نهار أبيض ، حمدلله على سلامتك

شكرتها "ماجدة" وسريعا ما سألتها فهى لا تملك الوقت الكافى لكى تُنقذ تلك الفتاة من هذا الظلام الحالك التى ستجربه على يد "هناء" لتردف بأستفسار :

_ الله يسلمك يا حُسنة ، فين هاشم؟!

أجابتها "حُسنة" والبسمة لم تُفارق وجهها رادفة بأحترام :

_ هاشم بيه خرج من يجى ساعه كده

لعنت "ماجدة" حظها ولكنها سريعا ما تذكرت "زينة" فهى أكثر شخصا سيُساعدها فى هذا الأمر رادفة بلهفة :

_ طيب فين زينة؟!

زفت لها "حُسنة" خبر ولادة "ديانة" رادفة بسعادة :

_ الست زينة عند جواد بيه فى بيته ، أصل المدام بتاعته ولدت من كام يوم

شعرت "ماجدة" بابقلق من هذا الخبر الذى يُعنى أن أخر شيء كان يحمى "ديانة" من يد الجميع قد أنتهى الأن وأن الأن بدأ العد التنازلى لتنفيذ إنتقامهم من "ديانة" ، كادت "ماجدة" أن تتحدث ولكن أوقفها ذلك الصوت الذى يجعل قلبها يرتجف من شدة الفزع كلما أستمعت إليه ، بينما صاحت "هناء" بشدة وإنفعال وهى تهبط الدرج زاجرة العاملة رادفة بغضب وحدة :

_ أنتى يا حيوانه ، أيه الهيصه اللى أنتى عملاها دى؟!

أزدادت ضربات قلب "ماجدة" عندما أستمعت إلى صوت "هناء" وتمنت لو أن "حُسنة" لا تُخبرها بانها تُحدثها ، ولكن ما أعلم تلك المرأة الطيبة أنها ستتسبب فى حدوث مُصيبة كبيرة دون قصدها ، لتصيح "حُسنة" بسعادة وفرح وهى تُنزل الهاتف من على أذنها رادفة بلهفة :

_ غصب عنى يا ست هانم من فرحتى والله

ضيقت "هناء" ما بين حاجبيها بأستنكار غير مُفسرة ما تقصده "حُسنة" رادفة بأستفسار :

_ فرحتك بأيه!!

صاحت "حُسنة" مُهللة وهى تزف لها ذلك الخبر السار بالنسبة لها ، ولكنه بالفعل عكس ذلك بالنسبة ل "هناء" ، لتردف "حُسنة" باندفاع ولهفة قائلة :

_ بالست ماجدة ، الست ماجدة على التليفون
2

وضعت "ماجدة" يدها على فمها بفزع خوفا من ردة فعل "هناء" عندما تعلم بشفائها ، بينما "هناء" شعرت بالصدمة والذعر مما ألقته عليها تلك العاملة لتعتلى وجهها ملامح الدهشة والفزع فى أنٍ واحد رادفة بأستفسار :

_ بتقولى مين اللى على التليفون؟!

لم تُفسر "حسنة" صدمة "هناء" بشكل سئ بل ظنتها إنها صُدمت من فرط سعادها بشفاء "ماجدة" حقا ما أبرأ تلك المرأة ، لتضيف بأبتسامة فرح رادفة بتأكيد :

_ الست ماجدة يا هانم

ألتقطت "هناء" منها الهاتف بغضب وانفعال ووضعت السماعة على أُذنها موجهها حديثها لتلك التى معها على الهاتف رادفة بحدة :

_ ماجدة

أزدادت ضربات قلب "ماجدة" من شدة الخوف والرعب وألتزمت الصمت خشية من التحدث مع تلك المرأة المريضة ، لتزجرها "هناء" راغمة إياها على التحدث رادفة بغضب وتوعد :

_ أنتى اللى حطيتى النهاية بدرى يا ماجدة

أدركت "ماجدة" المغزى من حديث "هناء" وما تنوى على فعله ، لتصيح بها "ماجدة" ناهية إياها عن فعل ذلك الشيء رادفة بصراخ :

_ مالكيش دعوة بديانة يا هناء ، سيبيها فى حالها

ضحكت "هناء" بإقتضاب وقد تهاوت بعض الدموع من عينها مُضيفة بصوت خافت رادفة بأبتسامة :

_ لا يا ماجدة خلاص ، اللعبة خلصت

أغلقت "هناء" المُكالمة وسريعا ما توجهت نحو باب الفيلا مُحددة وجهتها وعازمة على إنهاء تلك اللعبة التى أستمرت لأكثر من عشرون عاما ، بينما صاحت "ماجدة" بعد أن تركت الأخرى الهاتف مُحاولة إيقافها وهى تشعر بالفزع والذعر رادفة بصراخ :
2

_ لا يا هناء ، هناء

❈ - ❈ - ❈

كان يجلس أمامها ويُطيل النظر فى زُمرديتها منذ أن جاء من أكثر من ربع ساعة وبالطبع هى لم تنطق بكلمة بالإضافة إلى أنها نبهت على الجميع بعدم إخبارة بأمر أستعادة قدرتها على الكلام ، هى كانت تريد أن يُخرج ما بداخله قبل أن يعرف ، فهى تعلم أنه لا يأتى إليها ويجلس أمامها هكذا إلا إذا كان هناك أمرا كبير وهى لا تضمن ردة فعله عند معرفته بإستعادها قدرتها على الكلام ، وبالفعل بدا "هاشم" بالتحدث معها رادفا بإستياء :

_ كل ما بحس إنى تاهيه ومش عارف أعمل أيه!! بجيلك ، مع إنك مش بتتكلمى ولا بتردى عليا بس أنتى عارفة يا لبنى!! ساعات السكون بيكون أقوى رد على اللى قدمنا ، لأن وقتها مبيسمعش غير الكلام اللى هو قاله وبس فيفضل الكلام يرن فى ودانه ويخليه يفكر فيه مرة تانيه مع نفسه ويشوف هو صح ولا غلط واللى ربنا بيحبهم بس هما اللى بيعرفوا غلطهم ويصلحوا

أنا عايز أصلح غلطى يا لبنى ، عايز لو لمرة واحدة بس أقول كل اللى جوايا بصراحة ومن غير كدب وتزويق وغضب وكره ، عارفه يا لبنى إنى كنت المفروض أقتلك من زمان وفعلا حاولت أكتر من مره ، بس معرفتش!! مش عارف ليه كل مرة بضعف قدامك ، كل ما أفكر أقتلك أو أقذيكى وأعمل فيكى حاجه توجع روحك قبل جسمك مكنتش بعرف ، حتى اليوم اللى ضربتك وجلدتك فيه كنت حاسس إن كل ضربه كانت بتنزل عليا أنا مش عليكى أنتى

طب أقولك على حاجه تانيه مش هتصدقيها لأن أنا نفسى مكنتش عايز اصدقها ، تعرفى إنى كنت سهل أوى أوصل لديانة وأعرف أجبها من خلال بياناتها فى أى مكتب صحة هيطعمها ، بس أنا اللى مكنتش عايز كنت بحاول أقنع نفسى إنه صعب أوصلها عشان مش عايز أوصلها وأضطر أقتل بنت أخويا الوحيدة على حاجه هى ملهاش ذنب فيها ، كنت خايف الاقيها ولما جواد كبر وهناء كبرت جواه حته الأنتقام وحق تهانى سبته هو يتصرف ، حتى إنى مكنتش قادر أمنعه وفى نفس الوقت مش عارف أقوله دى بنت أخويا الوحيد وأخر حاجه بقيالى منه ، كنت خايف أكون بظلمة وبظلم زينة وبظلم تهانى وماجدة ، كنت تايه يا لبنى ومش عارف أعمل أيه؟!

تهاوت الدموع من أعيُن "هاشم" بغزارة وهو يشعر بكثير من الألم والتخبط بين ما يريد أن يفعله وبين ما يرغمة عليه عقله بأن يفعله ، هو ضل طوال تلك السنوات يتوعد لتلك المرأة التى قتلت أحبابه وجعلته يعيش سنوات طويله جسد بلا روح ، والأن هو يتحدث معها ولا يشعر بالراحة سوا بالحديث معها ، بينما "لبنى" كانت تبكى تأثرا بما يقوله "هاشم" وهى تشعر بالعطف والشفقة عليه ، نعم هى تلتكث له العذر فى كل ما حدث ، هو فعل كأى رجل يمكن أن يفعل فى الشخص الذى قتل زوجتة ولكنه كان ينتقم من الشخص الخطأ ، أكمل "هاشم" حديثه وهو لايزال دموعه تتهاوى دون توقف رادفا بضعف وإنكسار :

_ جواد حب ديانة يا لبنى ، حبها أوى ، أنا أول مرة أشوف أبنى مخضوض وخايف على حد أوى كده ، أنا شوفت أبنى نايم على رجلها وهى فى المستشفى بعد ما ولدت وبيعيط وبيقولها متبعديش عنى ، فكرنى بجواد العيل الصغير وهى حاضن جثة تهانى وبيقولها متبعديش عنى ، أعمل أيه يا لبنى

أنحنى بجذعه ليسند رأسه على كف يده العمودية على فخذه وظلت دموعه تنسدل على وجنتيه بكثير من الضعف والإنهيار ، لتمتد يد "لبنى" دون تردد رابطة على ظهره نُخففة عنه رادفة بهدوء :

_ متعيطتش يا هاشم أنا عذراك

تفأج "هاشم" مما أستمع إليه ليرفع رأسه لها وملامح الصدمة قد سيطرت على وجهه وكأن لسانه هو من فقض القدىة على الكلام الأن ، تفهمت "لبنى" صدمته لتوضح الأمره له رادفة بتفسير :

_ أيوه أنا بتكلم يا هاشم ، أتصلت بيك أول ما قدرت أتكلم بس أنت مكنتش بترد ، بنتى ولدت يا هاشم!! جابت أيه؟! طب هى كويسه؟! طمينى الله يطمنك

فاق "هاشم" من صدمة حين تأكد إنها بالفعل تستطيع التحدث وأن هذا ليس حلما ، ليلتقط زراعها بأنفعال وهو يبكى وكأنه لم يعد يستطيع أن يُسيطر على مُقلاتيه ، ليصيح فى وجهها مُعاتبا إياها رادفا بحدة :

_ عملتى ليه كده يا لبنى؟!

هزت "لبنى" رأسها بعدم الموافقة نافية حديث "هاشم" وهى تبكى بحرقة وألم رادفة بمرارة :

_ أنا بريئة يا هاشم أنا مقتلتش تهانى ولا عملت حاجه فى ماجدة ومليش ذنب فى موت شرف

أحتدت جذبة "هاشم" على يد "لبنى" بكثير من الغضب والإنزعاج رادفا بحدة وإنفعال :

_ أومال مين اللى عمل كده؟!

أجابته "لبنى" بأعيُن قد لمع بريقها مُتذكرة كل ما حدث فى هذا اليوم الملعون أو بمعنى أدق بداية اللعنة ، لتردف بهدوء وثبات :

_ هحكيلك
2

❈ - ❈ - ❈

كان يجلس فى إنتظارها مُأملا نفسه بأنها سوف تأتى وأنها لاتزال تُحبة وستعطى لعلاقتهم فرصة أخرى ولكنه بجب أن يتعذب معها فى البداية وهو مُتقبل هذا الأمر ، وبالفعل جأت ولم تُخيب أماله لينهض "مالك" من على كرسيه ناظرا نحوها بحب وأشتياق رادفا بسعادة وفرح :

_ كنت حاسس إنك هتيجى

قابلت سعادته بتقاسيم وجه باردة وقاسية غير مُعبرة عما بداخلها سوا بحب أو بغضب وكراهية ، لتعقب بنبرة صوت فقضت الشغف والفرحة رادفة بحدة وجدية :

_ عايز أيه يا مالك؟!

لاحظ فداحة تأثير ما فعله بها ظاهرة وواضحة عليها كثيرا ، فقد أصبحت كالورد الذبلان الذى لا يؤثر فيه أشعة شمس أو قطرات ماء تُعيد له الحياة ، ليشعر بالندم الشديد رادفا بترجى :

_ طب ممكن تقعدى عشان نعرف نتكلم

وأفقة "زينة" ولاتزال ملامح وجهها فارغة غير مُعبرة له عن أى شيء بداخلها وذلك ما زاد ألمه ووجع قلبه عليها ليسمح لنفسه بالتحدث وإخراج كل ما بداخله دون تردد رادفا بندم :

_ أنا عارف إنى مهما قولت أو عملت مش هتسامحينى ، بس صدقينى يا زينة أنا مكنتش فى وعى وأنا بعمل كده وعمرى ما فكرت إنى أعمل فيكى حاجه زى دى ، زينة أنا بحبك والله بحبك بجد ونفسى تسامحينى وتدينى فرصه تانى وتقبلى تتجوزينى

لم تتغير ملامح وجهها الباردة الخالية من أى تعبير ولكنها لم تستطيع التحكم فى زرقاوتيها التان أمتلأتاء بالدموع وقد لمع بريقهم ، لأحظ "مالك" تلك الدموع المُتحجرة فى مُقلاتيها وكم تمنى لو أن يضُمها إلى صدره ولكنه فضل أن يٌكمل لأنها بالطبع لن تقبل ، ليردف "مالك" مٌكملا حديثة بألم وحسرة :
_ أنا مش عارف اللى هقولهولك ده ليه لازمه ولا لا بس لازم أقولهولك ، من ست سنين وأنا لسه بدرس فى الكلية كنت مرتبط ببنت زميلتى وحبيتها جدا كان أسمها عُلا

شعرت "زينة" إنها أستمعت لهذا الأسم منه من قبل وسريعا ما تذكرت أنه نداها بهذا الأسم فى تلك الليلة وهو يُدنقها دون رحمة وشفقة ، لتشغر بغصة فى حلقها حين تذكرت هذا الألم المرير لتتهاوى دموعها وهى لاتزال على حالتها ، لتهتز نبرة "مالك" الذى قارب على ذرف الدموع بسبب ما يره على "زينة" وما تذكره من عذاب أليم ، ليضيف مُكملا على حديثه رادفا بألم :

_ حبيتها وأتعلقت بيها جدا لدرجة إن الناس كلها كانت فكرانا مخطوبين ، وفى يوم كنا مع بعض وقابلنا أتنين صحابى ، منهم واحد باباه غنى جدا ومش حارمه من أى حاجه ، يعنى عربية أخر موديل وشقه بتاعته فى أحلى حتة فى مصر ورصيد فى البنك وأخر دلع ، عرفتهم عليها وقولتلهم أننا هنتخطب قريب عشان ميفكروش فيها تفكير وحش ، ومن بعدها وتصرفتها بقت غريبة جدا ، أكلمها فى التليفون مرة ترد وعشرة لا ، بقت بتخرج كتير وتقولى إنها مع صحابها ، كل ما أقولها نخرج مع بعض تقولى حجه شكل ، لحد ما فى يوم جالى صحبى التانى وقالى حاجه مفهتهاش وقتها

••

ألقى "مالك" الهاتف على الطاولة أمامه بهرجلة وعصبية بعد أن حاول الأتصال بها للمرة العشرين وهى تنهى الأتصال أو لا تُجيبه من الأساس لتعتلى وجهه ملامغ الغضب والأنزعاج من تلك الطريقة التى أصبجت تُعامله بها ، سحب "محمد" كرسى وجلس بجانب "مالك" رادفا بأستفسار :

_ أيه يا عم مالك!! أعد زعلان كده ليه؟!

أجابه "مالك" بأقتضاب رادفا بضيق وحنق :

_ مفيش يا محمد

لأحظ "محمد" أسم "عُلا"فى هاتف "مالك" المُلقى أمامه ولم ينغلق بعد ، كان  أخر أسم حاول "مالك" الأتصال به منذ ثوان ويبدو إنها لم تُجيبه ، لينظر "محمد" نحو "مالك" بإندهاش رادفا بأستفسار :

_ هو انت لسه تعرف عُلا دى!!

نظر "مالك" نحو صديقه بأنزعاج من تلك الطريقه التى قال بها أسم "عُلا" رادفا بأستفسار :

_ أه وبعدين أيه عُلا دى اللى أنت قولتها!!

تنهد "محمد" بأستياء على صديقه لا يعلم أيُخبره بما يعلم أم لا ولكن إذا أخبره يُمكن أن يتهور ويفعل شيء يندم عليه ، ليعزم "محمد" أن يُخبره ولكن لم يُخبره بالحقيقة كاملة ليردف بتحذير :

_ مالك أبعد عنها ، البت دى مش تمام

فز "مالك" من مكانه وسريعا ما أنقض عليه قابضا على عنقه بإندفاع رادفا بغضب وإنزعاج :

_ أنت بتقول أيه يلا أنت ، أنت أتجننت ولأ أيه!! ، انا مش عايز أعرفك تانى انت فاهم

دفعه "مالك" بعيدا عنه ليسقط "محمد" أرضا ولكنه لم ينزعج من "مالك" وألتمس له العزر وأنصرف من أمامه فى الحال

•••

_ سيبته يمشى ومصدقتوش فى اللى قاله ، حبى ليها كان عمينى مش مخلينى شايف أو سامع حاجه ولو كانت الدنيا كلها جات قالتى إنها مش كويسة مكنتش هصدق أى حد ، لحد ما شوفت بعينى وشوفت قد أيه أنا مُغفل وغبى ومبفهمش

••

صاح "محمد" مُناديا على "مالك" مُنبها إياه كى يتوقف عن المشى رادفا بتنبيه :

_ مالك

ألتفت "مالك" إلى مصدر الصوت ليعرف من الذى يُناديه ليجده "محمد" لتحتد ملامح "مالك" بإنزعاج رادفا بغضب وحنق :

_ أنا مش قولتلك معتش عايز أشوف وشك تانى!!

ألتفت "مالك" وكاد أن يرحل ولكن أوقفه "محمد" مُمسكا بذراعه رادفا بترجى :

_ يا مالك أسمعنى ، البت دى رخيصة وخاينة

أمسكه "مالك" من رقبته بعد أن ألتفت قبضته حول عنق "محمد" صارخا به بغضب رادفا بحدة :

_ اخرس بدل ما أقطع رقبتك

وضع "محمد" يده على يد "مالك" مُحاوله جعله يصدقه كى يُنقظه من خداع تلك الساقطه رادفا بتأكيد :

_ مش مصدقنى يا صاحبى تعالى وأنا اوريك بعينك

رخيت قبضة "مالك" من حول رقبة "محمد" بعد أن شعر بأهتزاز جسده بقلق مما قاله صديقه رادفا بأرتباك :

_ تورينى أيه؟!

أجابة "محمد" بثقة ونبرة جادة لا تحمل أى مجال لنقاش رادفا بتأكيد :

_ أوريك عُلا وهى فى سرير أحمد أبو العز

حجظ "مالك" عينيه وهو يشد فى قبضته على رقبة "محمد" رادفا بصدمة وكراهية فى أنٍ واحد :

_ أنت بتقول أيه؟!

ربط "محمد" على كتف "مالك" رادفا بتأكيد :

_ تعالى معايا وانت تشوف بعينك

وافق "مالك" صديقه "محمد" وذهب معه وهو يُحاول أن يقنع نفسه بأن كل ما يقوله غير حقيقيا وظل طوال الطريق يتمنى أن يكون كاذبا او يكون هناك سوء فهم ليس أكثر ، وصل "مالك" وصديقة أمام باب شقة "أحمد" ليُخرج "محمد" مُتاح من جيبه وفتح الباب ، لم يندهش "مالك" لانه يعرف أن "أحمد" و "محمد" صديقان مقربان وأن تلك الشقة لهما هما الأثنان

دلف "مالك" و "محمد" إلى داخل الشقة ويتطرقان السمع كى يعلما هما بأية غرفة ، سمع "مالك" أحد الأصوات أتى من تلك الغرفة فى أحر الرونق ليتجه سريعا نحوها ويتوقف أمام الباب وهو يبتلع بخوف وإرتباك من أن تكون حبيبة هى من بالدخل ليتمالك أعصابه ويعزم على أن يتأكد من هذا الأمر ، فتح "مالك" الباب بحذر شديد مُختلسا النظر لما يحدث بالداخل

تسمر "مالك" فى مكانه وهة يرا ويستمع إلى صراخ تلك الساقطة أسفل ذلك الحقير وهى تصرخ بأستمتاع وتطلب منه المزيد من تلك الدفعات المُقززة أثناء ممارسة تلك العلاقة المُحرمة ، شعر "مالك" بغصة شديدة فى حلقة وألما لا توصف فى صدره وكاد أن يسقط أرضا إلا أن صديقه "محمد" قام بمُساندته وأصطحبه إلى خارج الشقة
3

سقط "مالك" أرضا وهو يبكى بشدة وحسرة على حبه وأحلامه التى تحطمت فى ثانية واحدة ، ليقترب منه صديقه مُحاولا التخفيف عنه رادفا بصدق :

_ حقك عليا يا صحبى ، مهنش عليا أشوفك مخدوع كده واقف أتفرج عليك

أنفجر "مالك" فى البكاء لدرجه أن شهقاته كان تصدح فى المكان بأكمله ، ليربط "محمد" على كتفه مُحاولا تهدئته رادفا بحزن على صديقه :

_ صدقنى يا مالك دى متستهلش دموعك دى ، إنساها يا مالك وشوف واحدة غيرها تكون بنت ناس وتستاهلك

صرخ "مالك" بوجه صديقه بالرفض والنفور وألمه تُمزق قلبه رادفا بنهى :

_ لا ، مش عايز واحده تانيه ، كلهم زى بعض ، كلهم خاينين ، كلهم خاينين

ظل "مالك" يبكى وينتفض من شدة ضيقه وذلك المنظر لا يُفارق مُخيلته أبدا ، ذلك المنظر الذى يجمع بين تلك الزانية وهذا الحقير فى تلك العلاقة المُحرمة والشنيعة

•••

_ بعدها سبت البيت وشوفتلى شقه تانيه أقعد فيها لأنى مكنتش عارف أتعامل مع أى حد من اللى حوليا ، حتى إنى روحت لدكتور نفسى عشان أقدر أرجع أتعامل مع الناس مرة تانية ، وفضلت سنة أعد لوحدى وأتعالج

كانت "زينة" تستمع إلى حديثه ودموعها تتهاوى رغما عنها شاعرة بالأسى لما يقصه عليها "مالك" ولكن هذا غير مُبررا لما لعله بها ، ليُكمل "مالك" حديثه وهو الأخر دموعه تُغرق وجنتيه بسبب تذكره لتلك الأشياء المؤلمة بالنسبة له رادفا بندم :

_ يوم ما جيتيلى البيت وعملت اللى عملته ده ، كنت شارب وكنت شايفك هى واللى خلانى أفتكرها هو المشهد المنظر اللى شوفتك فيه مع إياد ، أفتكرت كل اللى عملته فيا وكنت بحاول أنتم منها ، مكنتش شايف إنى بنتقم منك أنتى ، سامحينى يا زينة أبوس رجلك سامحينى

أجهشت "زينة" فى البكاء وتعالت شهقتها عند تذكرها لما فعله بها وتلك الطريقة المُهينة التى ذبحها بها وظلت تبكى دون سيطرة على نفسها أو إنتباه لما حولها ، بينما "مالك" قد ألتقت بدها وهو الأخر عبنيه لا تتوقف عن ذرف الدموع رادفا بتمنى وندم :
3

_ سامحينى يا زينة وأدينى فرصة تانية ، أنا لازم أكلم جواد ونتجوز ، أنا مُتمسك بيكى وباللى فى فى بطنك ، أرجوكى يا زينة وافقى أبوس أيدك

سحب "زينة" يدها بسرعة من يده وكادت أن تزجرة وترفض طلبه ، ولكنها سريعا ما تذكرت طفلها الذى بداخل أحشائها ، ماذا سيكون مصيره!! ، ماذا سيفعل جواد وكيف سيتصرف مع هذا الأمر!! ، من الممكن أن يُجبرها على تنزيل ذلك الطفل وقتله ، ولكن ما ذنبه فى كل ما يحدث ، هى لا تريد أن يُقتل هذا الطفل قبل أن يولد ، هى تريد أن تمنحه حقة فى هذه الحياة ، لن تسمح بشيء أن يمسه حتى ولو على جثتها

تنهدت "زينة" بأستسلام وهى تنظر نحو "مالك" بثقة وثبات وكأنها لم تنهار منذ ثوانٍ ، سريعا ما أستجمعت شجاعتها رادفة بقوة وحزم :

_ موافقة بس على شرط

صاح "مالك" بسعادة غير مُستوعبا لكونها وافقت رادفا بلهفة :

_ أشرطى زى ما أنتى عايزة

رمقته "زينة" بنظرات جامدة وملامح باردة رادفة بحزم وإصرار :

_ جوزنا هيبقى على الورق بس ومش هتلمسنى ، بمجرد ما أولد كل واحد فينا يروح لحاله
6
شعر "مالك" بخيبة الأمل من طلبها فهو كان يظن إنها قد سامحته ولكن يبدو أنه كان مُخطأ ، نعم كام مُخطأ كيف له أن يظن إنها ستسامحه بتلك السهوله والبساطة لا يوجد أماكه الأن حلا سوا أن يوافق على شرطها والأيام بينهم كفيلة أن تُصلح كل ما أفسده هو بغباة ، والأن عليه أن يتحمل عواقف ما فعله حتى ولو ضربته بالنيران فهذا حقها ، أومأ لها "مالك" بالموافقة رادفا بأستسلام وأسى :

_ وأنا موافق يا زينة لو كان ده هيريحك

صاح هاتف "زينة" مُعلان عن وجود إتصالا من أحدهم لتنظر فى هاتفها لتجده من قصر والدتها لتجيب على الأتصال مُستمعة لمن يتحدث ، لتجده صوت العاملة "حُسنة" رادفة بلهفة :

_ ألحقى يا ست زينة

نهضت "زينة" من مكانها بفزع ورعب وقد تمالكها شعور الخوف رادفة بلهفة :

_ فى أيه يا دادا ؟!

❈ - ❈ - ❈

صاح "هاشم" فى وجه "لبنى" بعدم أستعاب لما تقوله رادفا بصدمة وإرتباك :

_ أنتى بتكدبى يا لبنى صح؟! قوليلى إنك بتكدبى ، يعنى أنا عايش طول عمرى ما الست اللى قتلت مراتى واللى فى بطنها وعجزت أختى وأتسببت فى موت أخويا!!

هزت "لبنى" رأسها بالنفى غير موافقة على حديث "هاشم" ودموعها تتهاوى على وجنتيها رادفة بتأكيد وإصرار :

_ والله العظيم دى الحقيقة يا هاشم

كاد "هاشم" أن يتحدث ولكن أوقفه صوت هاتفه مُعلنا عن وجود إتصالا لينظر فى الهاتف ليجد أنه رقم زوج شقيقته ، شعر "هاشم" بالقلق وسريعا ما أجاب على الأتصال وبمجرد أن فتح المُكالمة أستمع إلى ذلك الصوت الذى كان محرما منه منذ أكثر من عشرون عاما رادفة بلهفة :
2

_ هاشم!!

صاح "هاشم" بلهفة وخوف ظننا من أن يكون كل ما يحدث اليوم هو حلما وسينكسر قلبه حين يستيقذ ليوجه حديثه نحو شقيقته رادفا بأستفسار :

_ ماجدة!! أنتى بتتكلمى يا ماجدة؟!

كم كانت تتمنى أن يكونا وجها لوجه لترى بعينيها سعادة شقيقها بخبر شفائها ولكن ليس أمامها وقت الأن عليها أن تُخبره بالحقيقة وأن يُنقذ "ديانة" من بين يدى "هناء" لتصيح بلهفة رادفة بتاكيد :

_ هاشم لبنى بريئة يا هاشم ، هناء هى اللى قتلت تهانى
2

من شدة هول الصدمة صمت "هاشم" ولم يستطيع أن يُجيبها ، فهذا يعنى أن حديث "لبنى" صحيح وإنها بريئة من دم "تهانى" ، لتصيح "ماجدة" مرة أخرة مُنبهة "هاشم" لما ستفعله "هناء" الان لكى يستطيع إيقافها رادفة بصراخ :

_ أيوه يا هاشم هى اللى قتلت تهانى وراحت دلوقتى تقتل ديانة ، ألحقها يا هاشم كلم جواد بسرعة قوله يلحقها

❈ - ❈ - ❈

كان "جواد" يجلس فى مكتبه برفقة صديقه "إياد" مُحاولا أن يجد حلا لمُصيبة شقيقته ويشعر بالتخبط وعجزه الشديد أمام ذلك الأمر ، ليوجه "جواد" حديثه نحو صديقه رادفا بأيتفسار عله يجد حلا :

_ أعمل أيه يا إياد!! أقتله وأنزل اللى فى بطنها وأعملها عملية وأرجعها بنت!! ولأ أسجنه وأنزل الطفل وأجوزها لواحد تانى!! ولا أسبها كده زى البيت الوقف طول حياتها وأعزلها عن الناس وأقول إنها ماتت؟!
8

هز "إياد" رأسه بعدم الموافقة على حديث صديقه مانعا إياه من القيام بأى شيء مما يقول مُحاولا إيقناعه رادفا بهدوء :

_ ولا حاجه من دول يا جواد ، أنت لازم تحمى أختك وتحافظ عليها وعلى سمعتها وفى نفس الوقت مش على حساب حد يا صحبى ، أنت لو قتلته ونزلت البيبى وعملتلها عمليه، تبقى بتضحك على نفسك ولا على اللى هيتجوزها!! وأنا وأنت عارفين إن كده خداع وكدب ومفيش كدبه بدوم ، ولو مثلا سجنته ونزلت الطفل وجوزتها لأى حد تانى حتى لو طلقتها منه بعدين هيفضل صباعك تحت درسه طول العمر والله أعلم هيعاملها أزاى!! ، ولو سبتها زى ما هى كده زى ما بتقول طول حياتها وعزلتها عن الناس وقولت إنها ماتت ، تبقى تعاقبها على حاجه هى ملهاش ذنب فيها وبتدوس على جرحها ووجعها وبتموت اللى باقى فيها من روح
7

ضرب "جواد" المكتب أمامها بضيق وحنق مُعبرا عما بداخلة من غضب ونيران إذا أنبعثت من داخله ستحرق العالم بأكمله صارخا بقلة حيلة رادفا بأستفسار :

_ أومال أعمل أيه يا إياد؟! أنا تعبت

ربط "إياد" على كتف "جواد" مُحاولا مُساندته وأخذ حزره من ردة فعله رادفا بهدوء :

_ جوزهاله يا جواد

دفع "جواد" يد "إياد" بإنفعال مُعبرا عما بداخله من غضب ونفور لما يقوله رادفا بحنق :

_ على جثتى يا إياد ، مش أنا اللى أتكسر لحد أنا لو كنت جوزتها لواحد تانى كان هيبقى بالأمر ، لكن مش أنا اللى أروح لوسخ زى ده وأقوله بالله عليك تعالى أتجوز أختى وأستر عليها وأنجدنا من الفضيحة و...

قاطعة "إياد" موضحا له الأمر وجعله يتقبل تلك الفكرة وجعلها الحل الأمثل بالنسبه له رادفا بحدة :

_ ومين قالك أنك هتتحايل أو تطلب ده هيكون أمر ، دى غلطته وهو اللى مُلزم يصلحها ولو عايز تطلقها منه بعد كده أبقى طلقها بس أنت مش هتحتاج تطلقها منه ، مالك بيحب زينة يا جواد وزينة كمان بتحبة ، جوزهم يا جواد وسبهم يحلوا مشكلتهم مع بعض ولو يا سيدى حسيت أنه بيهنها او بيدوسلها على طرف أبقى أقطع أيده خالص ، بس أنا واثق إن مالك هيصون زينة

صمت "جواد" مُحاولا التفكير فيما قاله "إياد" ليقطع تفكيره صوت هاتفة ظُعلنا عن وجود إتصالا من والده ، ليفتح "جواد" المُكالمة رادفا بهدوء :

_ أيوه يا بابا

صاح "هاشم" رادفا بلهفة وفزع :

_ جواد ، ألحق ديانة يا جواد

وقف "جواد" بسرعة وهو يشعر بالفزع والرعب رادفا بأستفسار :

_ مالها ديانة؟!

أجابه "هاشم" مُنبها إياه لما ستفعله "هناء" لعله ينقذ زوجته رادفا بلهفة :

_ هناء هتقتلها ، ألحق مراتك يا أبنى

❈ - ❈ - ❈

تجلس على الأريكة وتتصفح هاتفها بعد أن تناولت الغداء وأخذت دوئها ، شعرت بالحركة الغير عادية فى المنزل وصوت شيء زجاجى ينكسر ، نهضت "ديانة" من مكانها وتوجهت ناحية الصوت ولكن أوقفتها تلك التى وجدها أمامها ، لتصيح "ديانة" بصدمة رادفة بإندفاع :

_ أنتى؟!

أبتسمت لها "هناء" بطريقة مُخيفة مُضيفة بسعادة غير طبيعية رادفة بهدوء :

_ خلاص يا ديانة ، خلاص يا حبيبتى هنروح لبابا

ضيقت "ديانة" ما بين حاجبيها بأستنكار غير مُستوعبة لما تقوله "هناء" رادفة بأستفسار :

_ بابا!! أنتى بتقولى أيه؟!

تقدمت "هناء" نحوها وسريعا ما ألتقطت شعرها وخرجت من تلك الغرفة مُتجهة نحو الدرج عازمة على الصعود لسطح تلك الفيلا ، لتصيح "ديانة" مُتألمة بين يديها وهى غير مُدركة ما تريد أن تفعله تاك المرأة التى فقدت عقلها وظلت تُحاول أن تُخلص شعرها من قبضة "هناء" صارخة بألم :

_ آآه سيبى شعرى ، أنتى سحبانى كده على فين؟!

لم تُجيبها "هناء" وظلت تسحبها ناحية الدرج ، لتقع عينى "ديانة" على العاملة وهى مُلاقة على الأرض غارقة فى دمها وبجانبها تلك الزُهرية المكسورة ، لتصيح "ديانة" بفزع ورعب صارخا بزعر :

_ دادا هدى لا ، أنتى عايزة منى أيه؟!

وجهت جملتها الأخيرة نحو "هناء" التى ظلت صامتة إلى أن وصلا إلى سطع الفيلا وسريعا ما دفعت "ديانة" نحو الحافة رادفة بحدة وحزم :
+

_ مش هينفع أطلع من الدنيا دى لوحدى يا بنت شرف ، هاخدك معايا يمكن يحن قلبه عليا

كانت "هناء" ولبنى" يقفان أعلى الدرج يتبادلان الحديث ولكن كلا منهما نيتها مُختلفة عن الأخرى ، صاحت "لبنى" موجهة حديثها نحو "هناء" شاعرة بالحزن والحيرة فى أنٍ واحد رادفة بإستفسار :

_ أنتى ليه بتكرهينى كده ، من ساعه ما دخلت البيت ده وأنتى بتعاملينى وحش وكانى سارقة منك حاجه ؟!

أجابتها "هناء" بغضب وكراهية وهى ترمقها بنظرات مُشتعلة رادفة بتأكيد :

_ أنتى فعلا سارقة منى حاجه ، لا أنتى سارقة منى أهم حاجه ، سارقة منى فرحتى وسعادتى ومكانى اللى طول عمرى بحلم بيه ، أنتى وجودك فى حياتى دمرها وحطم كل اللى كنت بحلم بيه

ضيقت "لبنى" ما بين حاجبيها بأستنكار رادفة بدهشة :

_ ليه كل ده!! سرقت منك أيه عشان كل اللى بتقوليه ده؟!

صاحت "هناء" بوجهها وتحولت ملامحها إلى الحدة رادفة بصراخ :

_ سرقتى منى حب عمرى ، الراجل الوحيد اللى ملى عينى وقلبى ، سرقتى منى شرف ولعبتى وأخدتيه منى

إتسعت عينى "لبنى" بصدمة مما أستمعت إليه من "هناء" فهى لم تكن تعرف بحب "هناء" ل "شرف" ، بينما تدخلت "ماجدة" مواجهة حديثها نحو "هناء" مُحاولة إيقافها عما تقوله من هراء رادفة بحدة :
_ لا يا هناء ، مترميش الذنب على لبنى ، لبنى ملهاش دعوة ، من أول يوم أتولدتوا فيه وأنتوا مش لبعض وانتى عارفة كده كويس

صاحت "هناء" زاجرة إياها وهى مُصممة على ما فى رأسها بإلقاء الذنب على "لبنى" رادفة بإصرار :

_ كان ممكن يكون ليا لو هى مكنتش دخلت فى حياتنا ، شرف كان ممكن يحبنى لو مكنتش هى موجوده
2

هزت "ماجدة" رأسها غير موافقة على حديث "هناء" مُحاولة جعلها تتقبل حقيقة الأمر شاعرة بالحزن والأستياء على ما وصلت له رادفة بنهى :

_ يا هناء لبنى ملهاش دعوة لان بيها أو من غيرها شرف عمره ما كان هيحبك ، إنتى طول عمرك قدامه وهو عمره ما فكر فيكى أو شافك فى صوره غير أخته ، أفهمى بقى شرف مش نصيبك ولا انتى نصيبه
1
صرخت "هناء" رافضة ما تقوله "ماجدة" تُدافع عن حبها الغير طبيعى كالذى يدافع عن حقه فى الحياة او يدافع عن عرضة رادفة بإصرار :

_  أنا كنت هبقى نصيبه لو مكنتش لبنى دى دخلت فى حياته ، هى اللى سرقت شرف منى ، هى اللى لازم تبعد وتسيبنا

تدخلت "تهانى" هى الأخرى التى جاءت عندما أستمعت إلى هذا الصوت العالى ، لتُعقب "تهانى" مُحاولة جعل شقيقتها تتقبل الأمر وأن تُخرج ذلك الحب المرضى من داخلها لتردف بتأكيد :

_ يا هناء مش وجود لبنى فى حياة شرف هو اللى خلاه ميحبكيش بالعكس ، هاشم قالى انه من قبل ما يعرف لبنى اساسا وهو عرض عليه انه يقرب منك ويجرب يشوفك فى مكانه تانيه غير اخته بس شرف رفض ، شرف عمره ما كان هيحبك يا هناء افهمى بقى وشوفى حياتك اللى انتى موقفاها عشان مجرد وهم فى دماغك

كانت "لبنى" تستمع إلى حديثهم وبدأت تشعر بالشفقة على "هناء" الذى يبدو عليا إنها مهوسة ب "شرف" ، بينما عقبت "هناء" على ما قالته شقيقتها رادفة بسخرية :

_ وهم ؟! حب عمرى كله بتسميه وهم ؟! ، آآه معاكوا حق ما كل واحده فيكوا أخدت الراجل اللى بتحبه ، انتى اخدتى هاشم وماجدة اخدت عامر اللى طول عمرها بتحبه ، طب اشمعنى انا !! اشمعنى انا مخدش اللى بحبه وتيجى هى تاخده منى !! ، محدش فيكوا حاسس بيا ولا بالنار اللى بتقيد فى قلبى كل ما اشفها جمبه ، انا بكرهكوا كلكوا لانكم محدش فيكوا واقف فى صفى ، لازم شرف يرجعلى ، لازم لبنى دى تموت

كان الجميع يقف يستمع إليها بشفقة على حالتها وخصوصا "لبنى" ، وما هى إلا لحظات حتى ملئ التوتر المكان عندما أنقضت "هناء" على "لبنى" مُحاولة خنقها وقتلها ، أسرعت كلا من "ماجدة" و "تهانى" مُحاولتى الأبعاد بينهما ، لتقف "ماجدة" بجانب "لبنى" مُحاولة تخليصها من يد "هناء" ، ووقفت "تهانى" بجانب شقيقتها مُقابلة السُلم بظرها مُحاولة إبعادها عن "لبنى" رادفة بصراخ :

_ أيه الجنان اللى بتعمليه ده يا هناء!! ، أبعدى عنها

_ أبعدى أنتى ملكيش دعوة

قالتها "هناء" وهى تدفع "تهانى" بعيدا عنها ولكنها لم تنتبه لقوة دفعتها التى أثر عليها سقوط "تهانى" من أعلى الدرج ، وسريعا ما صدح صوت صراخ "تهانى" فى القصر بأكمله وهى تسقط من أعلى الدرج مُستقرة فى أسفله مُلقاطا على بطنها ، صاحت "ماجدة" صارخة بفزع :

_ تهانى

أقتربت "ماجدة" من الدرابزين بجانب السُلم ناظرة نحو "تهانى" كى ترى ما حدث لها ، بينما "لبنى" كانت تنظر نحو "هناء"التى لم تتحرق قيد أُنماة رامقة إياها بصدمة وسريعا ما توجهت ناحية السلُم لكى تنزل ترى ما حدث ل "تهانى" ، ببنما "هناء" قد خطرت لها فكرة شيطانية وعزمت على أن تستغل الموقف لصالحها غير مُهتمة لعواقبه ، أنتظرت إلى أن تقترب "لبنى" من "ماجدة" وسريعا ما دفعت "ماجدة" من فوق درابزين السُلم لتسقط "ماجدة" على رأسها وقد سالت دمائها على الفور ، صرخت "لبنى" بكثير من الفزع والذعر من كثرة الدماء رادفة برعب :

_ ماجدة

نظرت "لبنى" نحو "هناء" بصدمة وفزع وكأنها تسالها كيف أستطاعت أن تفعل هذا؟! ، كيف طاوعها قلبها بأن تقوم بهذا الشيء ، فاقت من شرودها على صوت ذلك الطفل صارخا بذعر :

_ ماما

اسرع "جواد" فى الرقض نحوها بينما "ماجدة" كان مُلقة هى الأخرى أيضا بجانب السلم بعد أن سقطت من أعلى ملقاة على راسها ، ليصرخ هذا الطفل الصغير بكثير من الخوف والفزع مستنجدا بأى أحد :

_ يا خالتو هنااء ، الحقينى يا خالتو

صرخت "هناء" بكامل صوتها وصاحت بكثير من الذعر والفزع وهى تهبط الدرج رادفة بلهفة :

_ تهانى

بينما "لبنى" وقفت مُصعقة مما حدث فى لحظة واحدة ، لتُسرع فى الرقض نحو "ماجدة" التى بدت وكانها فارقت الحياة من كثرة الدماء التى سالت من راسها ، بينما "تهانى" كانت لاتزال تتمتم ببعض الكلمات الغير واضحة رادفة بانفاس متقطعه :

_ هن...اء ه..ن..ا..ء اخ..تى ه.ى

كانت "هناء" تصرخ كى تُأثر على صوت "تهانى" حتى لا يسمعه "جواد" ويعلم انها هى من دفعتها ، لتسقط "تهانى" فاقدة الوعى وتصيح "هناء" بوجه "لبنى" والدموع تنهمر من مُقلتيها رادفة بصراخ :

_ حرام عليكى يا لبنى ، ليه تعملى فيهم كده ليه ؟! ، عشان لعب عيال صغيرين تعملى فى أختى وبنت عمى كده !! منك لله يا لبنى ، أختى بتموت

صدمت "لبنى" مما أتهمتها به "هناء" وكادت أن تتحدث ليُقاطعها صراخ "زينة" التى دلفت القصر بصحبة والدها "هاشم" الذى صُعق من ذلك المنظر الذى يراه ، فزوجته وشقيقته مُلقاتان أرضا وكلا منهما تنزف الكثير من الدماء ، ولكن صدمته الاكبر كانت مما قالته "هناء" ولكنه أسرع فى الركض تجاههم صارخا ب "هناء" رادفا :

_ اتصلى بالاسعاف وكلميلى شرف حالا

أسرعت "هناء" فى التوجه نحو الهاتف وطبقت أحد الارقام لياتيها صوته ،  لتصرخ "هناء" بالم وحرقة قائلة :

_ الحقنا يا شرف ، مراتك قتلت أختى وأختك يا شرف

نظر "هاشم" نحو "لبنى" بكثير من العضب والكراهية ، لتشعر "لبنى" بالفزع من نظرته لتهز رأسها بهسترية ناهية عما تقوله "هناء" رادفة برعب :

_ انا معملتش حاجة ، مش أنا اللى ....

قاطعتها "هناء" التى صرخت ب "هاشم"مُتعمدة أن تمنعها من إيكمال حديثها رادفة بلهفة :

_ أحنا لسه هنستنى الأسعاف؟! ، دول بيتصفوا يا هاشم ، شيلهم وأطلع على المستشفى حالا

وافقها "هاشم" الرأى وسريعا ما حمل "تهانى" وخرج بها من القصر كى يضعها فى السيارة وياتى يأخذ "ماجدة" أيضا ، بينما صعدت "لبنى" غرفتها كى تطمئن على أبنتها وأبنة "ماجدة" ، بينما "هاشم" وهو مُتجه نحو سيارته ألتقى ب "عامر" بوجهه ، صاح "عامر" بفزع وهو ينظر إلى "تهانى" الغارقة فى دمها رادفا بصدمة :

_ فى ايه يا هاشم !! ، ايه اللى حصل؟!

صاح "هاشم" به أمرا إياه بإنفعال رادفا بلهفة :

_ أدخل هات ماجدة وحصلنى بسرعة على المستشفى

لم يُدرك "عامر" المغذى مما قاله "هاشم" ودلف القصر ليتفاجئ ب "ماجدة" المُلقاة أرضا وكثيرا من الدماء تنسدل من رأسها ، ركض "عامر" بسرعة نحو "ماجدة" صارخا بذعر موجها حديثه نحو "هناء" رادفا بأستفسار :

_ ماجدة ، ايه اللى حصل يا هناء ؟!

صاحت "هناء" ببكاء مُصطنع مُتمادية فى كذبتها لدجة إنها أوشكت على أن تصدقها رادفة بنحيب :

_ لبنى حدفتها من فوق السلم يا عامر

أتسعت عينى "عامر" بصدمة وسريعا ما قام بحمل "ماجدة" والخروج بها من القصر مُتجها بها نحو المشفى ، بينما "هناء" أسرعت فى الحاق به

•••


كانت "هناء" تقص ما حدث فى هذا اليوم على "ديانة" المُلقاة أرضا على سطح الفيلا غير قادرة على النهوض أو المُقاومة فهى لم يمر على والدتها أكثر من ثلاثة أيام ، لتُضيف "هناء" مُكملة حديقها شاعرة بالحزن والإنكسار رادفة بضعف :

_ مكنتش عايزة أعمل كده ، كنت عايزة لبنى بس هى اللى تخرج من حياتى ، بس المصيبه إنهم كلهم خرجوا من حياتى إلا لبنى ، وأول اللى ضاع منى هو حبيبى شرف



••

وصلوا جميعا إلى المشفى وأنتفل كلا من "تهانى" و "ماجدة" إلى غرفة العمليات و "ماجدة" كانت لاتزال بها القليل من النبض ولكن حالتها خطيرة جدا ، بينما "تهانى" أيضا لا تقل عنها خطورة ولكن ليست بخطورة "ماجدة" ، جلس "هاشم" واضعا راسه بين كفيه مُنكسرا مشدودا لما حدث ولكن حقا لا تاتى المصائب إلا جماعة..

أسرعت "هناء" فى التوجه نحو "لبنى" الذى جات فى الحال كى تطمئن على "تهانى" و "ماجدة" ، لتصرخ "هناء" فى وجهها على فعلتها وأنها هى من فعلت هذا الشيء وليس العكس ، وإنها ستُعاقب على ما فعلته ولكن بعد أن يطمئنوا على " تهانى" و "ماجدة"

كادت "لبنى" أن تصرخ بوجهها نهاية إياها عما تقوله مُخبرة "هاشم" بالحقيقة ، ليُقاطعها ذلك الرجل الذى هرول تجاه "هاشم" ويبدوا عليه الكثير من ملامح الذعر والفزع ، لا يعلم كيف ينقل هذا الخبر !! ، ولكنه يجب ان يعلم حتى يقوم بفعل الازم

أقترب هذا الرجل من "هاشم" برعب من أن يبلغه الخبر ، ليبتلع عازما على أن يخبره وليُصبر الله خلقه قائلا :

_ البقاء لله يا هاشم بيه

فزع "هاشم" من تلك الجملة وأخذ قلبه يرتجف من الذعر ولكنه ظل يُحاول أن يتماسك ويبقى واقفا على قدميه ، أبتلع "هاشم" بألم وحسرة رادفا باستفسار :

_ تهانى ، ولا ماجدة ؟!

وضع ذلك الرجل وجهه أرضا شاعرا بالحزن والاسئ رادفا بشفقه :

_شرف بيه أخوك ، عمل حادثة كبيرة و عظم الله أجرك

إتسعت عينى "هاشم" بفزع مما تلقه لتو وحُبست أنفاسه من شدة صدمته ، بينما صرخت "هناء" بألم وحسرة كبيرة رادفا بألم :

_ شرف
صرخت وكأن روحها قد سُلبت منها ، وبالطبع لها الحق أن تحزن ، فهذا هو الرجل الوحيد الذى لطالما حلمت بيه وتمنت ان تكون له ، ولكن النصيب كان له راى أخر ، ويا لا سخرية القدر فهى من تسبب فى موت حب حياتها

بينما سقطت "لبنى" فاقدة للوعى ، لم تستطيع تحمل كل تلك الصدمات فى يوم واحد ، والأن قد مات الشخص الوحيد الذى كان سيُدافع عنها ويحميها من بطش هؤلاء الذين لن يرحموها مهما فعلت او مهما قالت

بينما "هاشم" لم يستطيع المقاومة أكثر من ذلك ، لتخونه قدميه ويسقط أرضا مُنحنى الظهر ، فقد فارقه سنده وعكازه الذى كان يستند عليه ، فقد مات شقيقة الذى كان له بمثابة اخا وابنا وصديقا وكل شيء ، لقد كُسر ظهره الان
2

•••


نشهقت "هناء" بصعوبة من كثرة بكائها وهى تقص عليها كيف تلقت خبر موت "شرف" الذى كانت هى السبب فيه منذ الأساس ، رادفة بحرقة وندم :
2

_ أبوكى مات وسابنى يا ديانة ، مات بسببى

تهاوت الدموع بكثرة من أعيُن "ديانة" وسريعا ما أرتفع صوت نحيبها وهى تتخيل كل ما تقوله تلك المرأة المريضة ، لتصيح "هناء" ببكاء هستيرى وهى تهز راسها بالنفى رادفة بصراخ :

_ أنا مكنش قصدى يموت ، مكنتش عايزة يموت ، أنا أكتر واحده أتعذبت بموته ، أنا أكتر واحدة أدمرت بموته



••

توجهت "هناء" إلى هذا الرجل الذى أخبرهم بخبر موت "شرف" صارخة بصدمة وبكل ما أوتيت من قوة رادفة بألم وحصرة غير مُستوعبة لما يحدث :

_ أنت بتقول أيه ؟! شرف لا ، شرف لااا

ظلت تصرخ بقوة والألم يُمزق قلبها ، هى تعلم إنها الشخص المُتسبب فى حدوث هذا الحادث ، هى من أخبرته بما حدث ظننا منها إنها تزرع الكراهية فى قلب "شرف" تجاه "لبنى" ، لم تكن تعلم إنها من تقوده للموت

سقطت "هناء" أرضا بجانب "هاشم" وهى تقوم بتحريكه بعفوية وصراخ رادفة بألم :

_ أنا عايزة أشوفه يا هاشم ، عايزه أشوف شرف يا هاشم

أومأ لها "هاشم" بالموافقة وسريعا ما نهض وتوجه ب "هناء" نحو الغرفة الموجود بها "شرف" لتحضيره لدفته بعد أن تأكدوا من سبب وفاته وهو نزيف داخلى بالمخ أثر إنقلاب السيارة به وهو يقود بسرعة كبيرة

دلفت "هناء" الغرفة برفقة "هاشم" وما إن رأت "شرف" ميتا أمامها ، نظرت نحو "هاشم" متوسلة له رادفة برجاء :

_ أبوس أيدك يا هاشم ، سينى معاه شويه لوحدنا

رمقها "هاشم" بحزن وحسرة على ما بها ، هو يعلم إلى أى مدى تعشق "شرف" ولكن قرر أن يتركها كى تودعه الوداع الأخير

خرج "هاشم" من الغرفة تاركا كلاهما معا حتى تستطيع "هناء" أن تودعه ، بينما هى بمجرد أن تأكدت من خروج "هاشم" أسرعت فى الركض نحو سرير "شرف" وأنحنت على قدميه مُقبلة كلاهما وصوت شهقاتها يملا المكان

ظلت "هناء" ما يُقارب الدقيقتان تحتضن قدمى "شرف" وتقبلهما ببكاء وألم ، رادفو بصوت مبحوح أثر بكائها :

_ سامحنى يا شرف ، انا مكنتش أقصد يحصلك كده ، مكنتش عايزاك انت اللى تموت ، أنا كنت عايزاك تكرها وتسبها ، مكنش قصدى إنك تروح وتسبنى ، هى اللى لازم تموت يا شرف مش أنت ، وحيات حبى ليك ما هخلى موتك يروح هدر ، والله لخليها تموت هى وبنتها كمان ، أقسملك إنى هعمل أى حاجه عشان لبنى تموت

أزداد نحيبها وعلت شهقاتها رادفة بألم وحصرة :

_ أنا بحبك يا شرف ، بحبك من زمان أوى ، من اول ما فتحت عينى على الدنيا وشفتك وانا بحبك ، أستنيتك كتير أوى بس أنت محستش بيا ، سيبتنى وروحت لواحدة تانيه ليه !! ليه يا شرف ؟! ، والله ما حد حبك فى الدنيا دى كلها قدى ، متسبنيش يا شرف انا مقدرش أعيش من غيرك

صعدت "هناء" إلى وجهه وأشاحت عنه ذلك الغطاء وبمجرد أن رأت ملامحه المٌشوهة أثر ذلك الحادث حتى صرخت بألم وحصرة

أستمع "هاشم" إلى صراخها ليدلف الغرفة بسرعة ، وبمجرد أن رأى وجه أخيه الميت ، شعر بألما فى قلبه ولكنه أستطاع أن يُسيطر على نفسه ، وأحتضن "هناء" مُحاولا إخراجها من الغرفة

ظلت "هناء" تصرخ وتبكى بينما شد "هاشم" على إحتضانها مُحاولا تهدئتها وإخراجها ، لتصيح "هناء" بصراخ وهى تُحاول الأفلات من يد "هاشم" وهى ترى الممرضة تغطى وجه "شرف" مرة أخرى :

_ لا متعمليش كده ، قوم يا شرف ، لا متخلهوش يسبنى يا هاشم ، متخلهوش يسبنى ، يا شرف

نطقت أسمه وسريعا ما غابت عن الوعى غير مُدركة لأى شيء يحدث حولها

•••


مسحت "هناء" على وجهها مُحاوله تجفيف دموعها التى تتهاوى كأمطار الشتاء ولكن دون فائدة ، هى لم تستطيع أن تتوقف عن البكاء ، بينما "ديانة" كانت تبكى وهى بداخلها صراع بين أن تشعر تجاهها بالكراهية بسبب كل ما فعلته من جرائم بشعة ، وبين أن تشعر تجاهها بالشفقة بسبب تلك الحالة المرضية التى وصلت لها ومن الواضح أن مرضها هذا هو من دفعها لإرتكاب كل تلك الجرائم ، ولكنها هى من ساعدت مرضها كى يُسيطر عليها وهى من سمحت لشيطانها أن يتحكم بها ، لتُكمل "هناء" حديثها وهى تارة تبتسم وتارة تبكى :

_ فضلو يدونى فى مُهدأت ومنوم لحد ما دفنوا شرف ، ولما فوقت عرفت إن لبنى جالها صدمة عصبيه ومبقتش بتتكلم ورجعت البيت بس حالتها النفسيه سيئه جدا ، وعرفت بردو إن تهانى وماجدة طلعوا من العمليات وإن حالتهم مستقرن وإن البيبى أبن تهانى هو بس اللى مات ، هنا حسيت بالخطر وإن ممكن واحده فيهم تعرف هاشم باللى حصل ، وبكده ممكن لبنى تهرب من الموت مرة تانية ، بس انا مسمحتش بكده
2



••

دلفت "هناء" الغرفة الموضوع بها شقيقتها وأغلقت الباب خلفها بأحكام ، توجهت نحو فراش "تهانى" النائمة تحت تأثير المُخدر لأن حالتها لاتزال داخل إيطار الخطر ، أنحنت "هناء" مُقتربة من أذن شقيقتها هامسة لها ببكاء :

_ أنا أسفة يا تهانى ، حقك عليا يا حبيبتى ، والله غصب عنى ، أنتى عارفة إنى كنت بحب شرف أكتر من نفسى ، وعارفة إنى عشت عمرى كله أتمناه ، بس خلاص يا تهانى ، شرف مات ، مات وسابنى ، مات بسبب لبنى

وضعت "هناء" يدها فى جيبها وأخرجت إبرة طبيه مُغلفة وبدأت فى فتحها مُكملة حديثها رادفة ببكاء :

_ بس أنا مش هسمح إن موته يروح هدر ، وعشان كده إنتى هتساعدينى يا تهانى ، هتساعدينى أخد بطارى وطار شرف وطار حبى اللى أتسرق منى

سحبت "هناء" بهذه الأبرة بعض الهواء وتقدمت بها نحو رقبة شقيقتها رادفة بشهقات عاليه :

_ أنا عارفة إنك بتحبينى يا تهانى ، وعارفة إنك بتتمنيلى السعادة من كل قلبك ، وعشان كده مش هتستخسرى فيا إنك تضحى عشانى ، عشان هناء حبيبتك تاخد حقها وتعيش مرتاحه بموت لبنى
2

عرزت "هناء" الأبرة فى رقبة تهانى وأفرغت كامل مُحتواها من الهواء داخل عنق شقيقتها وهى تبكى وترتجف من بشاعة هذا الموقف ، رادفة بنحيب :

_ أنتى هتموتى عشانى يا تهانى ، أوعدك إن موتك مش هروح هدر وإنى هجبلك حقك من لبنى ، آآه يا تهانى لبنى هى السبب ، لبنى هى اللى قتلتك وقتلت شرف وهتقتل ماجدة
1

أخرجت "هناء" الأبرة من عنف "تهانى" ثم وضعتها فى جيبها وهى تربط على كتف شقيقتها وهى تبتسم رادفة ببكاء :

_ مش هتاخر عليكى يا حبيبتى ، هبعتلك ماجدة حبيبتك كمان عشان متكونيش لوحدك وبمجرد ما أخلص من لبنى وبنتها هجلكوا انا وهاشم ونعيش مع بعض كلنا من تانى
6

خرجت "هناء" من غرفة "تهانى" تاركة إياها تلفظ أنفاسها الأخيرة مُتجهة نحو غرفة "ماجدة" عازمة على أن تقتلها هى الأخرى بنفس تلك الطريقة التى قتلت بها شقيقتها

دلفت "هناء" غرفة "ماجدة" التى كانت بداخلها نائمة على الفراش وأعيُنها الأثنان مفتوحتان ولكنها لا تُصدر أى صوت ولا حركة ، أقتربت منها "هناء" وهى مُندهشة من حالة السكون التى تُسيطر على "ماجدة" ولكنها فسرتها بأنها تحت تأثير نوعا ما من المخدر

أقتربت "هناء" من "ماجدة" لتجلس بجانبها على مقربة من أذنها رادفة بهمس وأعين لامعة بالدموع وأبتسامة مُنكسرة :

_ إنتى عارفة إنك أقرب واحده ليا فى الدنيا ، حتى إنك أقرب ليا من تهانى ، إنتى أختى وصحبتى وسرى وأخت حبيبى وكل حاجه ليا فى الدنيا ، أنا مكنتش عايزه أعمل فيكى كده بس أنتوا اللى غلطانين ، محدش فيكوا وقف فى صفى ، محدش فيكوا قدر حبى وعشقى ل شرف ، كلوا كنتوا واقفين فى صف لبنى ضدى ، شوفتوا وصلتونى لأيه ؟! ، وصلتونى إنى أتسببت فى موت شرف وأضطريت إنى أقتل تهانى وجاية دلوقتى أقتلك أنتى كمان عشان اخلى هاشم يكره لبنى ويقتلها ، شوفتى بقى عملتوا فيا ايه !!
3

وضعت "هناء" يدها داخل جيبها وكادت أن تُخرج تلك الأبرة من جيبها ولكن قاطعها دخول الطبيب لكى يفحص "ماجدة" ، رمقها الطبيب رادفا بأستفسار :

_ مين حضرتك ؟!

أجابتها "هناء" مُصطنعه الحزن والأستياء رادفة ببكاء :

_ أنا بنت عمها وفى مقام أختها ، خير يا دكتور طمينى ؟!

أجابها الطبيب بشفقة على حالة "ماجدة" رادفا بأسئ :

_ للاسف حالتها صعبة جدا ، الوقعة اللى وقعتها على دماغها كانت شديدة جدا وأتسببت فى أذى كبير للمخى أدى لأنقطاع الإشاره بين المخ والجسم ، وطبعا بما إن المخ هو المسؤل عن أى حرجه الجسم بيقوم بيها فده سبب عجز كامل للجسم ، يعنى للاسف مدام ماجدة مش هتقدر تتحرك أو تتكلم تانى

زفرت "هناء" بينها وبين نفسها براحة مما أخبرها به الطبيب ، فهذا يعنى إنها لم تضطر إلى أن تقتل "ماجدة" لأنها ستعيش كالأموات بالفعل ولن تستطيع أن تُخبر "هاشم" بشيء ، ولكنها أرادت أن تتاكد بأن "ماجدة" لن تُشفى نهائى ، لتجهش "هناء" فى البكاء رادفة بأستفسار :
_ يعنى ايه يا دكتور !!  يعنى ماجدة هتعيش كده طول عمرها ؟! ، لو فى أى حل قولنا عليه حت لو نسفرها تتعالج برا أهم حاجه تخف

هز الطبيب رأسه بأستياء رادفا بأسف :

_ للاسف لا جوا البلد ولا برا البلد ، الحاله دى الطب حاليا بيعجز عندها وللاسف لسه موصلناش لحل للموضوع ده ، لكن الأمل فى ربنا كبير ، بعد أذنك

خرج الطبيب من الغرفة تاركا "هناء" برفقة "ماجدة" لتجلس بجانبها مرة أخرى رادفة براحة :

_ الحمدلله يا ماجدة ، هيفضلى حد أتكلم معاها بعد ما كل الحبايب راحوا ، وبالطريقة دى أقدر أخلى هاشم يكره لبنى أكتر ويقتلها فى أسرع وقت

•••


صاحت "هناء" بسعادة وفرح وهى تبتسم بطريقة غير طبيعية رادفة بلهفة :

_ ماجدة الوحيدة اللى فضلت معايا ، أتكتبلها عمر جديد وأنا بردو قدرت أنفذ اللى انا عايزاه ، وخلصت من لبنى للأبد



••

خرج الطبيب من غرفة "تهانى" ليلتف حوله كلا من "هاشم" و "هناء" بصحبة "جواد" الذى لم يتجاوز العاشرة من عمره ، ليصيح "هاشم" مُستفسرا عن حالة زوجته رادفا بكثير من الرعب والفزع :

_ خير يا دكتور طمينى !! تهانى عاملة أيه ؟!

وضع الطبيب رأسه فى الأرض وهو يشعر بكثير من الحزن والأسئ على تلك العائلة التى بالطبع أصابتها لعنة كبيرة ، فى البداية خسارة الشقيق ويليها عجز شقيقته ويليهما خسارة الجنين والأن خسارة الزوجة ، ليصيح الطبيب مواسيا "هاشم" رادفا بحزن :

_ أنت أكيد راجل مؤمن وربنا بيختبر صبرك ورضاك بقضائخ وأنت أكيد هترضى باللى ربنا كتبه ، المدام تهانى توفاها الله ، البقاء لله

_ وقعت تلك الكلمات على مسامع "هاشم" كالخنجر الذى رشق فى قلبه وجعله ينزف كل ما بداخله من دماء ، وضع "هاشم" يده على وجهه وسريعا ما سقط أرضا غير قادرا على الوقوف وكانه أصيب بعجز ما

بينما "هناء" أخذت تصرخ وتعول بكل ما بها من قوة وهى تضرب على وجهها وقدميها ، رافة بكثير من الصراخ :
3

_ أختى لاا ، تهانى ماتت يا هاشم ، آآآآه يا أختى

أسرعت "هناء" راكضة نحو "هاشم" صارخة وتعول بوجهه رادفة ببكاء ونحيب :

_ مرات قتلت أختى يا هاشم ، لبنى قتلت تهانى وعجزت ماجدة وأتسببت فى موت شرف يا هااشم

جذبها "هاشم" من ذراعه والغضب والكراهية مُسيطران عليه رادفا بحدة :

_ أيه اللى حصل يوميها بالظبط يا هناء ؟!

أجهشت "هناء" فى البكاء وتعالت شهقاتها وهى تقص عليه ما حدث مُخترعة تلك الكذبة رادفة :

_ كل اللى حصل إن زينة كانت بتلعب مع ديانة وفرحانه بيها يا حبيبة قلبى ، جيت لبنى لأتها بتلعب معاها أفتكرتها بتضربها راحت ضربت زينة بالقلم على وشها ، زينة جريت تعيط لتهانى وحكتلها على اللى حصل ، تهانى قالت لجواد ياخد زينة ويطلعوا يلعبوا فى الجنينه ، وقامت هى وماجدة رايحين للبنى تسألها ضربت البت ليه ، لبنى كانت خارجه من أوضتها ونازله على السلم ، ماجدة وقفتها وسألوها ليه ضربتى البت يا لبنى ؟! ، قالتلهم انا جايبه بنتى بعد خمس سنين محرومه من الخلفة ومش هسمح لحد أنه يأذيها ، تهانى اختى قالتلها بنتك زى عيالنا بالظبط ومحدش هيأذيها وبعدين زينة كانت بتاعب معاها ، لبنى قالتلها لا بنتك كانت بتضربها جتها ضربه فى قلبها ، تهانى زعقت فى وشها وقالتلها حرام عليكى بتدعى على البت ليه ؟! قامت لبنى زقاها وقالتلها حرمت عيشتك أنتى وبنتك ، تهانى كانت هتقع جيت تسند على السلم أيدها فلت ووقعت من فوق السلم ، ماجدة جريت تبص عليها من فوق من جمب السلم ، لبنى لما لقت كده راحت راميه ماجدة هى كمان من فوق ، كل ده وانا واقفه بعيد مش عارفه أعمل أيه !! لو كانت شافتنى كانت موتتنى أنا كمان
4

أعتلت وجهه "هاشم" ملامح الغضب والكراهية تجاه "لبنى"ولكنه لايزال يملك القليل من العقل ليفكر به ، صاح "هاشم" رادفا بحدة وحزم :

_ أنا هروح لها دلوقتى الفيلا ، لو لقيتها يبقى هى مكنش عندها نيه لقتلهم وكل ده حصل غصب عنها ، لكن لو ملقتهاش تبقى هى اللى حفرت قبرها هى وبنتها بأيدها

أستمع "هاشم" لصوت صراخ أبنه وأحدهم يستنجد بأحد رادفا بصياح :

_ يا جماعة حد يلحقنا هنا

أسرع "هاشم" فى الحضور والأمساك بيد "جواد" مُحاولا إخراجه من الغرفة ، ليصيح "جواد" بالجميع وهو يتلوى بين يديهم ودموعه تتهاوى بلا توقف رادفا بصراخ ممذوج بالبكاء :

_ لا أوعوا ، سيبونى ، يا ماما أصحى ، يا مامااا

شعر "هاشم" وكأن عُرز خنجر فى قلبه ليترك "جواد" برفقة "هناء" ويذهب سريعا من المستشفى وهو فى قمة غضبه مُتجها نحو منزلهم

بمجرد أن رحل "هاشم" أخرجت "هناء" هاتفها وأتصلت على "لبنى" التى سريعا ما فتحت سماعة الهاتف ، لتصيح "هناء" وهى تعلم جيدا أن "لبنى" تستمع إلى حديثها رادفة بتحذير :

_ هاشم جيلك دلوقتى يا لبنى ، جى يقتلك أنتى وبنتك زى ما قتلتى مراته واللى فى بطنها ، بس لسه قدامك فرصى ، أهربى يا لبنى ، أهربى أنتى وبنتك ومتوريناش وشك تانى ، ومتحوليش تفهمى هاشم حاجه لان بعد موت تهانى هاشم لا هيفهم ولا هيسمع

•••


أبتسمت "هناء" بسعادة وفخر وهى توجه حديثها نحو "ديانة" رادفة بسعادة :

_ وفعلا لبنى طلعت ساذجه وعبيطه وخدتك وهربت وأنا كنت متأكدة إن هاشم هيعرف يجبه ، بس اللى مكنتش عامله حسابه إنها تعرف تبعدك عنه وتخلى حد تانى ياخدك وتعرف تخليكى تفلتى من الموت ، يومها هاشم جيه وقال أنه لأقها مُنتحرة ، بس الحقيقى غير كده خالص

خفق قلب "ديانة" بشدة خوفا مما قالته "هناء" رادفة بأستفسار :

_ أومال أيه الحقيقة ؟!

ضحكت "هناء" بسخرية على سؤال "ديانة" رادفة بأستهزاء :

_ مستنيه أيه من واحد شايف اللى قتلت مراته واللى فى بطنها وعجزت أخته وأتسببت فى موت أخوه ؟! بس أنا هقولك وأريحك من التفكير ، قتلها يا ديانة ، ربطا على شريط القطر فى نفس المحطة اللى هربتك منها وأستنى لحد ما شاف القطر وهو بيفرمها تحتيه

صرخت "ديانة" بذعر مما أخبرتها به "هناء" من بشاعة ما فعله عمها بولدتها وما فعلته هى فى شقيقتها وفى هذه العائلة بأكملها ، لم تعطيها "هناء" حتى فرصة كى تشعر بالذعر لتجذبها من شعرها وتسحبها نحو صور سطح الفيلا رادفة بسعادة وفرح :

_ خلاص يا حبيبتى متعيطيش ، هنروح لبابا يا ديانة
5


❈ - ❈ - ❈


فى ذلك الوقت وصل "جواد" إلى الفيلا وصدفة فى نفس اللحظة وصل أيضا والده بصحبة "لبنى" ولكنه لم ينتبه لسيارته ، ترجل "جواد" من السيارة وأسرع فى التوجه نحو الفيلا ليستطدم ب "لبنى" التى كانت تركض هى الأخرة مُتجهة نحو الداخل

توقف "جواد" أمامها لبعض اللحظات يشعر أنه يعرفها أو قد يكون رأها فى مكان ما ، بينما "لبنى" تعرفت عليه من خلال زرقاوتيه المُتميزتان ، لتلمع عينيها بالدموع مُتذكرة هذا الطفل البرئ الذى كانت تحبه كثيرا وتعشق اللعب معه وحبه الشديد لها وتعلقه الكبير بها ، جذبت "لبنى" ذراع "جواد" راغمة إياه على أحتضانه ، بينما شعر "جواد" بالصدمة والغرابة مما فعلته تلك المرأة ليلاحظ وجود والده خلفها ، لينظر له بأستفسار وكاد أن يتحدث ليقاطعه صوت "ديانة" صارخة بفزع
4

أسرع كلا من "جواد" و "هاشم" و "لبنى" فى الدخول إلى الفيلا ، صرخت "لبنى" عندما رأت العاملة مُلقاة أرضا والدماء تسيل من رأسها لتتشبس فى ذراع "هاشم" رادفة بفزع وذعر :

_ بنتى يا هاشم

صُعق "جواد" مما تفوهت به تلك المرأة لينظر لها بصدمة وكأنه أصيب بشلل فى ثائر جسده ، سريعا ما حول نظره نحو والده وملامح الصدمة لا تُفاق وجهه ، لاحظ "هاشم" علامات الاستفهام التى أعتلت وجه أبنه ليصح بحزم موجها حديثه نحو أبنه رادفا بحدة :
3

_ نلحق ديانة وبعد كده هفهمك كل حاجه

تفرق كلا منهما إلى قصمين للبحث عن "ديانة" ليذهب "هاشم" و "لبنى" لمكان و "جواد" فى مكان أخر ، أفكار كثيرة سيطرت على عقل "جواد" ومخاوف كثيرة أيضا أمتلكته ، يا لا ساعدته إذا كانت "لبنى" لم تكن تريد أن تقتل والدته وأن تكون حقا مظلومة ، وأيضا يا لا تعاسته إذا كان كل ما فعله ب "ديانة" كان على باطل ، فهذا سيجعلها لن تُسامحه مهما فعل

كانت تلك الأفكار تتطرق فى رأس "جواد" وهو يركض صاعدا السلم مُتوجها نحو سطع المنزل ظننا منه أنها قد تكون بالاعلى وبالفعل وجده مفتوحا ، تواجد "جواد" على السطح ليرى "هناء" تقوم بسحب "ديانة" نحو الحافة ، صرخ "جواد" عليها بفزع رادفا بذعر :

_ ديانة

إلتفتت "هناء" نحو الصوت وقد شدت على قبضتها حول ذراع "ديانة" واليد الأخرى جذبتها من شعرها لتصرخ "ديانة" بألم ، بينما صرخت "هناء" على "جواد" مُحذرة إياه رادفة بحدة وحزم :

_ خليك مكانك أحسن ما أرميهالك من هنا

أومأ لها "جواد" بالموافقة وهو يشعر بأن قلبه يرتجف رعبا من أن تفعل شيئا ب "ديانة" رادفا بلهفة :

_ حاضر ، حاضر ، أنا مكانى أهو ، بس سيبى ديانة ، هى ملهاش دعوة بحاجه

ضحكت "هناء" بسخرية رادفة بأستهزاء :

_ ملهاش دعوة !! ، ده هى أهم حاجه فى الموضوع ده كله من أوله لأخره ، هى اللى هتحنن قلب شرف عليا وتخليى يحبنى لما يلاقينى جيبهالوا معايا
5
لم يستطيع "جواد" فهم ما تُحاول "هناء" قوله ، هو لا يعلم عن أمر حب "هناء" ل "شرف" ، كل ما يعرفه هو أن "هناء" تنوى على قتل نفسها وقتل "ديانة" معها ، بينما كان "جواد" يُفكر جذبت "هناء" "ديانة" نحو الحافة وتشبست بها جيدا عازما على القفز بها ، كادت "هناء" أن تقفز ليمنعاها صوت يكاد يكون مألوف بالنسبة لها صارخا بحدة :

_ هناااء ، أبعدى عن بنتى يا هناء
2

صُعقت "هناء" مما أستمعت إليه لتلتف سريعا وتقع عينيها بعين "لبنى" لتصرخ بفزع وذعر وقد رخت قبضتها عن "ديانة" وصاحت ظننا منها أنها تتوهم بوجود "لبنى" لتردف برعب :

_ لااا ، أنتى موتى يا لبنى ، أنتى مش حقيقيه ، ده مجرد تخيل عشان خلاص هموت ، انتى موتى يا لبنى

أستغل "جواد" نقاش كلا من "هناء" و "لبنى" وأخذ يُحاول أن يقترب من "ديانة" ولكن بحذر شديد مُحاولا أن لا تراه "هناء" ، بينما صاحت "لبنى" موجهة حديثها نحو "هناء" رادفة بصراخ :

_ لا أنا مموتش يا هناء ، ولو فيه حق ليكى عندى تعالى وخدى منى أنا ، ملكيش دعوة ببنتى يا هناء

صرخت بها "هناء" بغضب وكراهية شاعرة بأن كل ما فعلة طوال العشرون عاما من قتل شقيقتها لموت "شرف" لعجز "ماجدة" قد أصبح سرابا ولم يتحقق أى من أهدافها ، لتصيح "هناء" رادفة بتشتت وحدة :

_ أنتى كان لازم تكونى موتى ، أيوه أنتى موتى من زمان ، أنتى بتكدبى يا لبنى ، أنتى ميته فاهمه أنتى ميته

أستغل "جواد" تشتت "هناء" وسريعا ما قام بسحب "ديانة" من بين يديها وفى نفس اللحظة كانت "هناء" قد أستعدت لأن تقفز وتقوم بسحب "ديانة" معها ، وبالفعل قفزت "هناء" من فوق السور ولكنها لاحظت وهى تقفز بأن "ديانة" أستطاعت الأفلات من بين يدها ، ولكنها أيضا لاحظت أن هناك شيئا ما قد تعلق بيدها لترفع بصرها لتجده "جواد" مُمسكا بيدها مُحاولا إنقاذها

شعرت "هناء" بأنها ستخرج من هذه الحياة بدون شيئا وأنها ستكون هى وحدها الخاسرة فى تلك اللعبة التى بدأتها منذ أكثر من عشرون عاما ، لا لن تسمح بأن تخسر أبدا إن كان لابد من أن تموت فهى لن تموت وحدها وإن كانت لن تستطيع أن تأخذ "ديانة" فالحظ يعطيها فرصة أخرى بأن تأخذ "جواد" ، فى جميع الأحوال فهى لن تترك الفرحة تغمر قلب "لبنى" وأبنتها

فى هذه اللحظة وصلت "زينة" بصحبة "مالك" بعد ما أخبرتها "ماجدة" بكل ما حدث يوم الحادث ، بمجرد أن رأت "زينة" "هناء" مُتعلقة بذراع "جواد" صرخت بكثير من الرعب على شقيقها رادفة بذعر :

_ جواد ، خلى بالك يا جواد

بينما "هناء" كانت تُحاول أن تقوم بسحب جسد "جواد" إلى الأسفل مُعتمدة على ثقل جسدها بدلا من أن تُحاول أن ترفع نفسها إلى الأعلى ، لتمتد يدها الأخرى مُحاوله جذبه إلى أسفل ليستجيب لها جسد "جواد" ويقوم بالأنخفاض معها

لاحظ كلا من "هاشم" و "لبنى" و "ديانة" بأن جسد "جواد" يُسحب نحو الأسفل ليتشبث به الجميع مُحاولا إنقاذه ، لتصرخ "لبنى" مُحاوله إيقاف "هناء" رادفة ببكاء :

_ سيبيه يا هناء ، حرام عليكى ، مش كفاية قتلتى أمه !!

كادت "هناء" أن تصيح بوجهها ولكن أوقفها تذكر تلك الطريقة التى قتلت بها شقيقتها ، وسريعا ما رات شقيقتها "تهانى" تقف بجانب "جواد" وهى تبتسم وتقوم بسحب ذراعيه الذى تتشبث به "هناء" ، لتفزع "هناء" من رؤية شقيقتها على نفس الحالة التى قتلتها بها وتلك الأبرة المُنغرزة داخل عنقها ، لتترك "هناء" يد "جواد" من هول فزعها وتسقط من فوق سطح البناية
6

صرخت "زينة" عندما رأت "هناء" تسقط من أعلى ، لتدفن وجهها داخل صدر "مالك" بفزع ورعب ، بينما "هناء" قد سقطت على ظهرها على إحدى درجات السُلم أمام باب الفيلا

يقف الجميع فى الردهة داخل المشفى بعد أن تم نقل "هناء" و"ديانة" إليها ، بعد أن سقط "هناء" من فوق سطح فيلا "جواد" وأستقر ظهرها على إحدى درجات السلم أمام الباب ، ويليها بالحظات قليله فقدان "ديانة" للوعى فالأمور الذى مرت بها اليوم ، لم تكن هينة عليها وخصوصا وأنها لم يمر على ولادتها المبكرة سوا بضعة أيام ، كانت "لبنى" تجلس بجانب "هاشم" وهى تشعر بالخوف والقلق الشديد على أبنتها بالأضافة إلى القليل من تلحزن على ما حدث ل "هناء" ، بينما "هاشم" كان يجلس بجانبها ويحاول تطمئنها والتهدئة من روعها على عكس ما بداخل من تشتت بين شعوره بالخوف الممذوج بالندم والإنكسار ، يشعر تجاه "لبنى" بشيء لم يجربه من قبل وكأنه لأول مرة يتعامل معها ، وكأنهم لم يمر على معرفتهم ببعضهم أكثر من خمسة وعشرون عاما ، منهم عشرون عاما كانا فيهم لبعضهم أقرب من الرجل وأمرأته بأثتثناء العلاقة الحميمة ، عدا ذلك هى لم تكن تتعامل مع أحدا سوا ، وهو لم يكن يشعر بالراحة والسلام مع أحدا غيرها ، بغص النظر عن ذلك الأنتقام الذى كان يصنع فعله
2

بينما كانت "زينة" تقف على مقربة من "مالك" وعينيها لا تتوق عن ذرف الدموع مُتذكرة ما أخبرتها به "ماجدة"

••

_ وأنا موافق يا زينة لو كان ده هيريحك

صاح هاتف "زينة" مُعلان عن وجود إتصالا من أحدهم لتنظر فى هاتفها لتجده من قصر والدتها لتجيب على الأتصال مُستمعة لمن يتحدث ، لتجده صوت العاملة "حُسنة" رادفة بلهفة :

_ ألحقى يا ست زينة

نهضت "زينة" من مكانها بفزع ورعب وقد تمالكها شعور الخوف رادفة بلهفة :

_ فى أيه يا دادا ؟!

صاحت العاملة قاصة على "زينة" كل الحديث الذى دار بين كلا من "هناء" و"ماجدة" على الهاتف وطريقتها المريبة التى تحدثت بها وخروجها السريع من الفيلا دون حتى أن تبدل ملابسها

كانت "زينة" تشعر بالشتات والإرتباك ، لا تعلم أتفرح بخبر تعافى "ماجدة" وأستهادها لقدرتها على الكلام !! ، أم تفزع وترتعب من طريقتها مع "ماجدة" وأخبارها بأنه قد حان موعد النهاية !! ماذا تعنى بقولها هذا ، صاحت "زينة" رادفة بلهفة وإندفاع :

_ طيب يا دادا أنا هتصرف وأعرف أيه اللى بيحصل

أغلقت "زينة" المكالمة وقد سيطر على ملامحها شعور الرعب والفزع من أن تقوم "هناء" بفعل شيء ب "ديانة" أو تقوم بإذائها ، لأحظ "مالك" تلك الملامح المُفزعة على وجه "زينة" ليعقب سريعا مستفسرا عما بها :
_ فى أيه يا زينة!! ، مالك وشك أتخطف كده ليه؟!

كاد "زينة" أن تجيبه ولايزال شعور الصدمة والفزع مُسيطران عليها ، ليقاطعها صوت هاتفها مُعلنا عن وجود إتصال من "سما" أبنة عمتها ، سريعا ما أجبتها "زينة" رادفة بلهفة :

_ أيه يا سما !!

تشنجت حواسها عندما أستمعت إلى صوتها التى تستمع إليه لأول مرة بحياتها والذى لم تكن لتتعرف عليه إلا عندما أفصحت صاحبته عن نفسها وأجابتها رادفة برعب :

_ أنا ماجدة يا زينة

وكأنها هى من شُلت بلسانها ولم تعد تستطيع أن تتفوه بأية حرف ، فكلماتها قد حُصرت بين بين سعادتها بسماع صوت عمتها لأول مرة ، وبين رعبها وفزعها مما ستخبرها به عمتها من أحاديث ستفتح بداخلها جروح قد ظنت إنها داوتها السنين ، ليباغتها صوت "ماجدة" رادفة بفزع :

_ أسمعين كويس يا زينة ، لبنى برئية من دم تهانى ، لبنى معملتش حاجه يا زينة وديانة بتدفع تمن حاجه هى وأمها برئين منها

لايزال الصمت حليفها بينما قد زادت صدمتها وشعورها بكثير من الأخبار السيئة الذى ستتلقها فى هذا اليوم ، ولكن "ماجدة" قد فاجئتها بما قد تمنت أن لا تستمع إليه على الأطلاق رادفة بإندفاع :

_ هناء هى اللى قتلت تهانى وحاولت تقتلنى ، دلوقتى رايحة تقتل ديانة ، ألحقيها يا زينة بسرعة

هبت "زينة" واقفة بسرعة من مكانها وألتقطت هاتفها ومفاتيح سيارتها وهرولت فى الخروج من المقهى ، لينهض "مالك" هو الأخر بنفس اللحظة فهو كان يُتابع ملامح وجهها التى كانت تزداد فزعا ، سريعا ما ترك "مالك" النقود على الطاولة وأسرع فى الخروج خلف "زينة" التى كانت لاتزال تتحدث فى هاتفها رادفا بلهفة :

_ فى أيه يا زينة؟!

نظرت له "زينة" بصدمة وعدم إتزان وقد تأكدت إنها لم تستطيع أن تقود السيارة فهى بالكاد تسطبع أن تقف وتتحرك على قدمها ، لتزجره سريعا وهى تتجه نحو سيارته رادفة بلهفة ورعب :

_ أطلع على فيلا جواد بسرعة

سريعا ما صعد "مالك" و"زينة" داخل السيارة وأنطلق "مالك" وهو يشعر بأن هناك شيء سئ يحدث مع "ديانة"، ولكنه كان مراعيا أن "زينة" لا تزال فى بداية حملها ، بينما "زينة" كانت لا تزال بمكالمتها مع "ماجدة" لتكسر "زينة" شعورها بالصدمة وتصيح بماجدة رادفة بأستفسار :

_ أيه اللى حصل فى اليوم ده يالظبط يا عمته ؟!

•••

كانت "زينة" تتذكر ما قصته عليها "ماجدة" وعن ذلك الشجار الذى دار بينهم فى هذا اليوم ، وعن دفع "هناء" لشيقتها من أعلى الدرج وعدم إكتفائها بهذا ، بل وأيضا ألقت بها هى نفسها لتلحق ب "تهانى" عند أسفل السلم وعن إلقائها بكامل الذنب على "لبنى" التى سريعا ما صُدمت هى الأخرى بخبر موت "شرف" وعدم قدرتها على التحدث مرة أخرى ، تتذكر هذا الحديث وتتهاوى دموعها دون توقف أو تحكم منها فى هذا الضعف والإنكسار ، بينما "مالك" كان يشعر بأن هذه الدموع هى دماء تُنزف من قلبه هو وليست مجرد قطرات ماء تتساقط من مقلتيها ، كان "مالك" يشعر بصراع كبير يحدث بداخله بين أن يقترب منها ويضمها إلى صدره ويهون عليها فظاعة ما تشعر به من ألم ، وبين أن يلتذم مكانه مُراعة لوجود "هاشم" و"جواد" ويكتفى ببعض النظرات المُتعاطفة التى يرمقها بها؟!

بينما "جواد" كان يقف على مقربة من باب غرفة "ديانة" يموت خوفا ورعبا من أن يُصيبها شيء وينتظر خروح أى أحد ليطمئنه على صحتها ، كان يتحرق شوقا لرؤيتها والتحدث معها ولأول مرة دون شعور بضرورة الأنتقام ورؤية دماء والدتة متعلقتة بها ، ولكنه أيضا يخشى تلك المواجهة وذلك اللقاء ، لا يعلم كيف سيعتذر لها!! أو من أين ستاتى له الشجاعة بطلب السماع والغفران عما فعله بها؟! ، هل ستسامحه!! هل ستطلع بوجهه مرة أخرى!! ، هل ستشفق عليه عنما يخبرها عن تلك الأمور تلذى ظل يُعانى منها طيلة سنوات كثيرة؟! مما كان سيُكلفه الأمر ، عليه أن يجعلها تسامحة وتظل معه ، فهو لا شيء دون وجودها بجانبه
4

حول "جواد"نظره نحو "لبنى" التى كان يبدو عليها الكثير من الرعب والفزع من أن يحدث لأبنتها شيء وهو يشعر بتشتت وتوهان كبير ، كيف لهذه السيدة أن تكون على قيد الحياة!! ، أين كانت طوال هذه السنوات ولماذا لم تظهر وتبرئ نفسها!! ، هل كان والده يعلم إنها لاتزال على قيد الحياة!! ، لماذا لم يقتلها إذا؟! ، كانت الكثير من الأسئلة تضرب برأس "جواد" إلى أن أفاقته تلك اليد التى وضعت على كتفه لتنتشله من كثرة أفكاره ، رفع "جواد" ليعلم من صاحب تلك اليد ليجده صديقه "إياد" الذى جاء فور ما أن أخبرهوبما حدث ، صاح "إياد" مُحاولا مواساة صديقه رادفا بمساندة :

_ أجمد يا جواد ، ديانة عاملة أيه دلوقتى؟!

أجابة "جواد" بفيروزتان يلتمعتان من كثرة الدموع الحبيسة بداخلهم رادفا بضعف وإنكسار :

_ مش عارف لسه الدكتور معاها جوه

ربط "إياد" على كتفه مُحاولا تهدئته وتطمئنه رادفا بهدوء :

_ إن شاء الله هتكون كويسه ، متقلقش
فى تلك اللحظة خرج الطبيب من غرفة "هناء" ليُسرع إليه كلا من "هاشم" و "لبنى" بينما "جواد" و "زينة" كانا يتابعان من أماكنهم وخصيصا "جواد" الذى كان يستمع بأهتمام لما سيقوله الطبيب ، لتصيح "لبنى" موجهة حديثها نحو الطبيب رادفة بأستفسار :

_ خير يا دكتور!! ، حالتها عامله ايه؟!

أجابهم الطبيب بملامح تصرخ بالأسئ والشفقة على حالتها رادفا بأسف :

_ بصراحة مخبيش عليكوا الحاله صعبة جدا وخطر ، الوقعة اللى هى وقعتها كان شديدة جدا وفى مكان صعب خصوصا على حد فى سنها ، الوقوع على الضهر من مكان عالى جدا زى المكان اللى وقعت منه ده سببلها تاثير قوى على العمود الفقرى مما ترتب عليه قطع فى الحبل الشوكى ، وللاسف قطع الحبل الشوكى لسه لحد دلوقتى ملوش علاج
8

أقترل "جواد" بإندفاع نحو الطبيب وهو لا يعلم لماذ شعر بكل هذا الكم من الخوف والإتباك رادفا بحدة ولهفة :

_ يعنى أيه الكلام ده؟!

ذم الطبيب شفتيه مُحاولا توصيل صعوبة حالتها لهم ولكن بطريقة لا تثير فزعهم وتنهر قلوبهم رادفا برفق وأعتذار :

_ للاسف المريضة مش هتقدر تتحرك تانى أبدا ، ولان حالتها صعبة وعندها كسور شديد جدا فى منطفة الحوض والساقين مش هتقدر حتى انها تقعد على كرسى متحرك ومن الأفضل أن تلازم الفراش باقى عمرها ، بعد أذنكوا

أستأذن الطبيب ورحل من أمامهم ، ليشعر "جواد" بغصة شديدة فى حلقه وقد شعر تنميلا شديدا فى أطرافه تأثرا بما أستمع إليه منذ لحظات ، أحقا قد شُلت "هناء"! ، أيعقل ان يكون قد عجز مصدر ضعفه وخوفه فى هذه الحياة؟! ، أحقا قد فقدت قوتها ، تلك المرأة التى كانت سجانا له سنوات كثيرة ، أيعقل أن يكون قد تحرر الأن من بطشها وظلمها له.؟! ، بينما "لبنى" سريعا ما قد تهاوت دموعها حزنا على ما أستمعت إليه من الطبيب لتُتمتم بتأثر شديد رادفة :

_ لا حول ولا قوة إلا بالله ، ربنا يسامحها ويخفف عنها

تعجب "هاشم" مما تفوهت به "لبنى" ومن حزنها على حالة "هناء" ليعقب رادفا بأستفسار :

_ أنتى بتدعلها رغم كل اللى عملته فيكى يا لبنى؟!

أجابته "لبنى" بحزن وأسئ على ما فعلته "هناء" بنفسها قبل ما تفعله بالجميع لتعقب مفسرة سبب تعاطفها معاها رادفة :

_ هناء كانت مريضة يا هاشم وللاسف اول ما ظلمت ، ظلمت نفسها و...

قاطع حديثها وقوف "جواد" أمامها هى و "هاشم" بعد أن فقد قدرته على تحمل تلك الأسئلة التى تدور برأسه ولا ترأف به رادفا بحدة وأستفسار مُشيرا نحو "لبنى" موجها حديثه نحو والده :

_ مين دى؟!

فهم "هاشم" ما بقصده "جواد" بسؤاله ليجيبه موضحا له الأمر رادفا بهدوء :

_ دى لبنى

زجره "جواد" بسؤاله بنبرة حادة وقاسى لا يعلم ، أهى من حزنه على مقتل والدته!! ، أم خشية من أن يتاكد من حقيقة أن "لبنى" بريئة من دم والدته؟! ، صاح به "جواد" بنرة عتاب رادفا بحدة :

_ اللى قتلت أمى!!

صاحت "لبنى" متدخلة فى الحديث بعد أن أستمعت ما قاله "جواد" لتعقب نهاية عن هذا الحديث رادفة بتصحيح :

_ لا يا جواد ، انا مقتلتش تهانى ، أنا عمرى ما كان بينى وبين تهانى عداوة ، أنا هحكيلك كل اللى حصل يوم الحادثة

قصت "لبنى" كل ما حدث فى هذا اليوم على "جواد" بداية بشجارها هى و "هناء" بجانب الدرج نهاية بمكالمتها لها وتحذيرها بما سوف يفعله "هاشم" بها هى وطفلتها

••

_ هاشم جيلك دلوقتى يا لبنى ، جى يقتلك أنتى وبنتك زى ما قتلتى مراته واللى فى بطنها ، بس لسه قدامك فرصى ، أهربى يا لبنى ، أهربى أنتى وبنتك ومتوريناش وشك تانى ، ومتحوليش تفهمى هاشم حاجه لان بعد موت تهانى هاشم لا هيفهم ولا هيسمع

شعرت "لبنى" بالذعر والفزع مما أخبرتها به "هناء" من تهدبدها بان "هاشم" سيقوم بقتلها هى وابنتها وسريعا ما نهضت من مكانها وأسرعت فى الامساك بإحدى الأوراق والأقلام وقامت بكتابة رساله نصية ودموعها تتصارع فى النزول من مُقلاتيها

أنتهت "لبنى" من كتابة تلك الرسالة وسريعا ما أحضرت حقيبة كبيرة ووضعت بداخلها أبنتهت وشهادة ميلادها وتلك الرساله ، خرجت "لبنى" من القصر مُسرعة إلى إحدى محطات القطار بمحافظة الاسكندرية

صعدت "لبنى" إلى القطار بمجرد أن وصل المحطة ولحسن حظها إن الساعة كانت متاخرة ولذلك لم يكون القطار مُزدحما ، وضعت "لبنى" طفلتها على إحدى المقاعد وهى تشعر وكأنها تقوم بقطع جزا من روحها وقامت بتقبيل طفلتها مُعتذرة من إياها على ما تفعله به ولكن ليس أمامها حلا أخر

أستمعت "لبنى" إلى صوت بعض الركاب يهرولون كى يركبا القطار خوفا من ان يتحرك ولا يلحقوا به ، فاسرعت "لبنى" فى الأحتباء بالعربة الاخرى وظلت تتابع الأمر من بعيد

يُهرولون متجهون الى هذا القطار الذى اوشك على مُغادرة تلك المحطة ، صعدوا الى ذلك القطار المُتجه من الاسكندرية الى القاهرة

صاح "محمود" موجها حديثه نحو زوجته رادفا بلهفة :

_ تعالى يا منال كرسى جمبه شباك كويس اهو و.....

قطع حديثة هذا الصندوق المتواجد اسفل المقعد ليقم بفتحه ليشعر بالصدمة والغرابه فى انٍا واحد ، لاحظت زوجته قطع حديثه ونظرتة تلك

نظرت "منال" مُتفحصه ذلك الصندوق لتجدها طفلة رضيعة لم تتم الخمسة اشهر ولكن سبحان الخالق الذى ابدع فى خلق تلك الرضيعه ذو البشرة الحليبيه والاعين الزرقاء الصافيه والرموش الكثيفه والشفاه الورديه والشعر الحريرى الذى يكاد يصل الى جبهتها ، صاحت "منال" قائله :

_ اللهم صلى على جمال النبى ايه دى يا محمود !! دى نونه صغيرة ، فين اهلها وازاى يسبوها كده و...

قاطع حديثها وجود ذلك الظرف الموضوع بجانب تلك الرضيعه لتردف باهتمام :

_ ايه ده يا محمود؟!

قام "محمود" بفتح ذلك الظرف ليجد به عدة اوراق بها شهادة ميلاد باسم تلك الرضيعه وورقه اخر تشبه رسالة التقطتها "منال" من يده واخذت تقرأها وكان مضمون تلك الرساله :

_ انا عارفة ان مكنش ينفع اعمل كده بس والله العظيم غصب عنى لازم اعمل كده عشان بنتى تعيش انا كنت متجوزة رجل محترم جدا وخلفت منه البنت دى واتوفى من يومين وانا اكتشفت انى عندى سرطان وفى المرحله الاخيرة واهل جوزى كانوا مقاطعينه عشان اتجوزنى ولما عرفوا انه مات خافوا انى اطلب ورث بنتى وعرفت انهم عايزين يقتلوها بعد ما اموت ، ابوس ايدكوا اللى يلاقى بنتى يحميها ويبعد بيها عن اهلها حتى لو هتودوها لناس مبتخلفش يربوها ابوس ايدكوا احموا بنتى وابعدوها عن اسكندرية كلها

بكت "منال" بتاثر من تلك الرساله ثم انحنت والتقطت تلك الفتاة ضاممة اياها الى صدرها رادفه :

_ يا حبيبتى يا بنتى اتولدتى يتيمه الاب والام والاهل

نظرت الى "محمود" بترجى قائله :

_ بالله عليك يا محمود ناخدها معانا ونربيها مع مالك دى شبه الملايكه والنبى يا محمود قلبى مش مطوعنى اسبها

نظر لها "محمود" بقلة حيله ثم نظر الى ذلك الملاك الصغير رادفا :

_ الله المستعان ربنا يرزقنا برزقها هى واخوها

ابتسمت "منال" بساعدة ثم احتضنت تلك الفتاة الجميلة قائلا :

_ اوعدك يا بنتى طول منا عايشه مفيش حد هيقرب منك ابدا

أغمضت "لبنى" عينيها بألم بعد ان أطمأنت على ابنتها وانها قد وقعت بين يدى تلك الاسرة الرحيمة التى سترعاها دائما وان دعواتها قد استجيبت

لتهبط "لبنى" سريعا من القطار ومن ثم تحرك القطار مُتجها إلى وجهته لتودع ابنتها للمرة الاخيرة وظلت تنظر إلى ظهر القطار ودموعها تنهمر من عينيها إلى ان أختفى نهائيا

قطعت "لبنى" تذكرة لإحدى المُحافظات الاخرى حتى تستطيع خداع "هاشم" لكى لا يعلم ان ابنتها أتجهت إلى القاهرة وظلت تجلس فى القطار منتظرة ان يتحرك

لم ترى تلك اليد إلا عندما جذبت شعرها حتى كاد ان يتمزق من شدة جذبته لها ليصبح وجهها مُقابلا لوجهه واستطاعت ان ترى تلك الدموع المُتحجرة فى عيناه ليصيح بها فى غضب :

_ فاكرة نفسك هتهربى منى يا لبنى!! ، تهانى واللى فى بطنها ماتوا وماجدة بقيت عايشه زى الميته ، انا بقى هخليكى تتمنى الموت كل ثانيه وانا بقطع فى لحمك انتى وبنتك و....

توقف من تلقاء نفسه عندما لاحظ عدم وجود تلك الرضيعة معها لينهش أسنانه بغضب وأخذ يشد على جذبته لشعراها رادفا بغضب :

_ البت فين؟؟

•••

تولى "هاشم" الحديث من بعد ان صمت "لبنى" مُحاولة عدم الأفصاح عما فعله "هاشم" بها ولكنه أراد أن يعترف بذنبه أمام الجميع ، ظننا منه أنه قد يقلل هذا من فداحة ما فعله فى حق "لبنى" ليكمل بعد ما قصته موجها حديثه نحو الجميع رادفا :

_ بعدها أخدت لبنى وأشتريت فيلا صغيرة جدا على البحر وبعيده شوية عن الناس وحبستها فيها ، وبعدها رجعت لهناء وقولتلها إن لبنى أنتحرت بعد ما هربت بنتها ، ومن وقتها كل ما افتكر الحادثه او أفتقد تهانى أو شرف أو ماجدة ، كنت بروح للبنى مرة أتكلم معاها بضعف ومرة بقسوة وإهانة وضرب ، لحد ما جيه عليا وقت حسيت إنى مش هقدر أموتها أو أسلها تمشى ، عشان كده فضلت حابسها طول العشرين سنة

شعرت "زينة" بالشفقة على تلك المرأة التى حُرمت طفلتها وسُلبت منها أنسانيتها وظلت حبيسة طوال العشرون عاما تدفع قمن جريمة لم ترتكبها ، بينما "هاشم" شعر بالخذى والندم على كل ما فعله بها من ضرب وإهانة وتعذيب ومحاولة إعتداء ، كل هذه السنوات كان ينتقم من الشخص البرئ ويُعذذ ويحترم الشخص المجرم والذى كان السبب فى الفراق بينه وبين كل من كانوا عزيزين على قلبه

بينما "جواد" كان يستمع إلى حديث "لبنى" وهو يشعر وكأن هناك نيران تنهش فى صدره ، أكان طوال تلك السنوات يعيش تحت سقف واحد مع المرأة التى قتلت والدته؟! ، أكان كل تلك السنوات يُعنف ويُعذب ويُذل تحت رحمة تلك المرأة العاهرة!! ، أكانت تزرع الحقد والكراهية بداخله تجاه زوجة عمه وأبنته كى تعمى عينيه عنها وعن جريمتها وعن إنها هى السبب فى موت والدته؟! ، كيف أستطاعت أن تدفع شقيقتها إلى الموت!! وولم تتكتفى بهذا بل دفعت أبنة عمها أيضا ، كيف أستطاعت أن تخدع الجميع طوال تلك السنوات؟؟
قطع تفكيره خروج الطبيب من غرفة "ديانة" لُيسرع إليه الجميع لكى يطمئنوا على حالة "ديانة" ، أندفع "جواد" نحو الطبيب بسرعة مُستفسرا عن صحة "ديانة" رادفا بلهفة :

_ ديانة عاملة أيه!!

أجابه الطبيب بملامح هادئة غير مُقتضبة مُحاولا أن يطمئنه رادفا :

_ متقلقش يا جواد بيه ، المدام بخير الحمدلله ، هى بس من الواضح إنها أتعرضت لضغط نفسى شديد شوية عشان كده مستحملتش وأغمى عليها ، بس هى دلوقتى فاقت وكويسة جدا

صاحت "لبنى" بلهفة بعد أن شعرت بقليل من الراحة موجهة حديثها نحو الطبيب رادفة بأستفسار :

_ يعنى نقدر ندخل نطمن عليها يا دكتور؟!

أومأ لها الطبيب بالموافقة غير مُمانعا طلبها رادفا بتاكيد :

_ اه طبعا اتفضلوا

أنصرف الطبيب وسريعا ما دلف غرفة "ديانة" كلا من "جواد" و"زينة" و"لبنى" و"هاشم" للاطمئنان عليها ، كاد "إياد" أن يلحقهم ليمنعه "مالك" الذى أمسك بذراعه رادفا بأستأذان وحرج :

_ أنا عايز أتكلم معاك شويه

رمقة "إياد" ببعض النظرات المُعاتبه وفكر بأن لا يستجيب له ، فهو ايضا غاضبا جدا منه ومن فعلته ولكنه سريعا ما فكر فى "زينة" ومصيرها ، ليستسلم لقبول طلبه لمعرفة على ماذا ينوى فى موضوعهما :

_ حاضر

نزل "إياد" بصحبة "مالك" إلى المقهى أسفل المشفى للأستماع إلى ما يريد "مالك" التحدث معه فيه؟!

❈ - ❈ - ❈

دلف الجميع غرفة "ديانة" وبمجرد أن دخلوا ، أسرعت "زينة" فى الركض نحو "ديانة" للأطمئنان عليها شاعرة بالذنب تجاه كل ما حدث لها ، ظننا منها إنها لو كانت ظلت معاها لما حدث شيء من هذا كله ، ولم تكن "هناء" لتقدر على إذائها ، بينما كان "جواد" يقترب من فراشها ببطئا شديد وكانه لا يملك القدرة والشجاعة على مواجهتها ولا يعلم حتى ماذا يقول لها!! أو بماذا يبدأ وهل ستعطيه الفرصة أصلا لكى يبرر لها شيء؟! ، صاحت "زينة" وهى مُحتضنة "ديانة" رادفة بلهفة وأعتذار :

_ حمدلله على سلامتك يا ديانة ، أنا أسفة ، يارتنى ما كنت سيبتك ومشيت

هونت "ديانة" عنها كى لا تلقى بكامل الذنب على نفسها رادفة بهدوء وإمتنان :

_ الحمدلله إنك خرجتى يا زينة ، الله أعلم لو كانت هناء جيت ولاقبتك كانت عملت فيكى أيه!! وانتى أصلا ح...

صمتت "ديانة" من تلقائها نفسه عندما شعرت إنها كادت أن تُخرب الدنيا وتفصح عن ذلك الأمر أمام الجميع ، أبتلعت "ديانة" برعب من أن يكون "هاشم" قد لاحظ ما قالته لتحول نظرها نحوه بحذرا كى لا تلفت نظره ، أثناء ما كانت "ديانة" تنظر نحو "هاشم" وقعت عينيها على تلك المرأة التى تقف بجانبه وتنظر نحوها وهى تبكى ، شعرت "ديانة" برجفة قلبها داخل ضلوعها بمجرد أن رأت تلك المرأة التى أول مرة تراها فى حياتها كانت اليوم ، تذكرت "ديانة" تلك الكلمات التى صاحت بها تلك المرأة أمام "هناء" ، "أبعدى عن بنتى يا هناء" وكأن صدها لتلك الجملة لاتزال تضرب بمسامح "ديانة" وقد تذكرت أن "هناء" قد نادت تلك المرأة بأسم "لبنى" ، هل يُعقل أن تكون تلك المراة التى تقف أمامها هى نفسها والدتها التى تعلم إنها قد ماتت من أكثر من عشرون عاما؟!

ظلت "ديانة" تنظر نحو "لبنى" وأمتلئت عين كلاهما بالدموع ، الصمت هو سيد المكان ولا يزال "جواد" ينظر نحو "ديانة" ولا يجرأ على التفوه بكلمة واحدة أو حتى على أن يقترب منها ، لاحظ "هاشم" ذلك الصمت المؤلم الذى ساد المكان بلأضافة إلى دموع كلا من "لبنى" و"ديانة" ، ليتقدم "هاشم" بجانب "لبنى" ورفع يده وربط على كتيفها ليكسر ذلك الصنت الأليم رادفا بتعاطف وشفقة :

_ روحى لبنتك يا لبنى

بمجرد أن وقعت تلك الكلمات على مسامع "ديانة" أنفجرت فى البكاء وكأنها طفلة صغيرة تبكى وتعوى مُنادية على والدتها ، ما إن سمعت "لبنى" صوت بكاء وشقات "ديانة" حتى أسرعت فى التوجه إليها وضمها إلى صدرها وأنفجرت هى الأخر فى البكاء بداخل صدر أبنتها ، رفعت "ديانة" زرقاوتيها نحو "لبنى" وصاحت بنحيب كى تتاكد أن كل كا يحدث حولها حقيقى رادفة بأستفسار :

_ أنتى ماما؟!

شدت "لبنى" على ضمتها لأبنتها داخل صدرها وقد شعر كلاهما برجفة جسد الأخرى رادفة بنحيب وبكاء شاعرة بالذنب تجاه أبنتها وكل ما حدث لها :

_ أه يا قلب ماما ، أنا ماما يا ديانة ، أنا ماما اللى أتحرمتى منها غصب عنك وعنها ، انا أسفه ، أسفة

سقطت كلا منها داخل بئرة حزنها وضعفها وكأنهم لا يلاحظوا هولاء الذين يقفون حولهم ، صاحت "ديانة" بمزيد من البكاء وهى تتشبث بعناق والدتها مُحاولة تطمئنها وجعلها لا تلقى بالذنب على نفسها رادفة بلهفة ودفاع :

_ متتاسفيش يا ماما ، أنا عرفت الحقيقة كلها وعرفت إن ملكيش ذنب فى حاجه ، هناء أعترفتلى باللى حصل يوم الحادثة وعرفتى إن طنط تهانى اصلا ممتتش بسبب الحادثة

أنتبه الجميع لما قالته "ديانة" ووقعوا جميعا بصدمة كبيرة ، وأول من شعر بتلك الصدمة هو "جواد" وكاد أن يستفسر عن الأمر ، ليقاطعه صوت والده الذى باضر بسؤالها رادفا بصدمة :

_ مامتتش بسبب الحادثة أزاى يعنى ، أومال ماتت ليه

أبتلعت "ديانة" بمرراة وصعوبة تأثرا بفداحة ما ستقصه عليهم رادفة بحزن وأستياء :

_ هقولكوا

❈ - ❈ - ❈

ذم "إياد" شفتيه بملل ونظرة أحتقار موجها حديثه نحو "مالك" الذى يجلس أمامه ويبدو عليه الكثير من ملامح الحزن والندم ، صاح "إياد" رادفا بأستخفاف :

_ أيه يا مالك!! عايزينى فى أيه؟!

لاحظ "مالك" تلك النظرة المُحتقرة الموجهة إليه من قبل "إياد" بالأضافة إلى نبرة الأستخفاف الواضحة فى كلامه ، ولكنه لا يستطيع أن يُعقب عليه فهذا أهون طريقه يُعامله بها بعد عملته الشنعاء ، ليندفع "مالك" موجها حديثه نحو "إياد" رادفا بإصرار :

_ أنا عايز أتجوز زينة يا إياد

رمقه "إياد" بنظرة ناريه مليئة بالغضب والإنزعاج رادفا بنبرة مُعاتبة :

_ قصدك عايز تصلح غلطتك

أخفض "مالك" رأسه ووضع وجهه بالأرض شاعرا بالإحراج والندم على فعلته الرخيصة ولم يستطيع أن يتفوه بكلمة أخرى أمام ما قاله "إياد" ، لاحظ "إياد" ذلك الأحراج والندم الوضح على "مالك" ليصر على تلقينه درسا على ما فعله مُكملا حديثه رادفا بحدة :

_ وتفتكر جواد هيوافق بحاجة زى دى!! ، جواد كان عندهم واحدة بتشتغل فى الفيلا، بنتها جيت أستنجدت بيه يلحقها ويساعدها عشان وثقت فى واحد ندل زيك كده وضيعها وحملت منه ورجع قالها مليش فيه ، عارف جواد عمل فيه ايه؟!

رمقه "مالك" بنظرات تعبر عن فضوله لمعرفة ما فعله "جواد" ليعلم ماذا تكون ردة فعله فى هذا النوع من الموقف ويخمن عليها ماذا ستكون ردة فعله معه ، لاحظ "إياد" ذلك الفضول الذى يندلع من أعين "مالك" ليقرر أن يضغط عليه ويتلاعب بأعصابه حتى لا يشعر أنه يقوم بعمل معروفا فى صديقه وليس تصحيحا لخطأه ، ليكمل "إياد" حديثه رادفا بنبرة حادة وقاسية :

_ بعت عربية مخصوص جابت الواد من قفاه من وسط شارعهم وأخده فى شقه فى مكان مفهوش صريخ أبن يومين وجاب دكتور وأمره أنه يجرده من رجولته ويقطع صلته بكلمة رجاله أساسا

جحظ "مالك" أعينه بصدمة ورعب مما أخبره به "إياد" وأخذ يبتلع ريقه بصعوبة وفزع من قسوة عقاب "جواد" فى تلك الأمور ، بينما "إياد" كان يُصارع تلك الضحكات التى كانت تصرخ بداخله وتريد أن تصدح بجميع أركان المكان ، نسبة لملامح الخوف والفزع الذى سيطرت على وجه "مالك" خوفا مما سيفعله به "جواد" ، ليسيطر "إياد" على نفسه وسريعا ما تحكم بنفسه كى يقوم بتعنيف "مالك" وتسويته على نار هادئة مُكملا حديثه رادفا بمزيد من الشدة والجمود :
5

_ شوفت جواد عمل أيه مع الواد اللى لعب على البت اللى هى متهموش اصلا ولا تفرق معاه؟! ، ما بالك بقى باللى أغتصب أخته هيعمل معاه أيه؟!

أبتلع "مالك" بصعوبة فقد جف حلقه من كثرة التوتر والأرتباك ، ليحاول ترطيب شفتيه ونظر نحو "إياد" بملامح قلق رادفا بأستفسار :

_ وفعلا عمل كده فى الواد؟!

ضحك "إياد" بسخرية على عكس ما بداخه من قهقهة تريد الخروج ولكنه لايزال يسيطر على نفسه ، أجابه "إياد" بملامح ساخرة مُحاوله إخافته رادفا بتهكم :
2

_ أقسملك انه الدكتور كان بدا ومسك المشرط وخلاص هيعملها ، راحت البت قلبها حن وأعدت تبوس رجل جواد عشان يسامحه ويسيبه يمشى ، جواد لما لقاها متشحتفه كده وقف الدكتور وبعت جاب الماذون وجوزهاله ، كان هيطلقها منه لولا الواد اعد يعيط ويقول لجواد انه بيحبها وحكاله على ظروفه ، جواد سالها عايزه تكمل معاه ولا لا والبت قالت بتحبه ، طبعا جواد سابهم لأنها متفرقش معاه ولا تخصه ، لكن أخته هتبقى حاجه تانيه وكمان الواد كانت ظروفة صعبه وده خلاه جواد يلتمثه العذر ، إنما أنت بقى عذرك أيه!!
2

صاح "مالك" بندم مُحاولا أن يشرح ل "إياد" أنه لم يكن ليفعل هذا الشيء ب "زينة" لو كان بوعيه وأنه حقا يريد أن تزوج "زينة" لأنه يحبها وليس لتصحيح خطأه ، ليردف "مالك" مندفعا بالحديث نحو "إياد" رادفا بحزن وصدق يندلع من عينيه المترقرقة بالدموع :

_ يا إياد أفهمنى ، أنا بحب زينة بجد ومش عايز أتجوزها عشان أصلح غلطتى بالعكس ، أنا غلطتى دى كانت فى حقى قبل ما تكون فى حق زينة ، عارف إنى كسرتها ووجعتها بس أقسملك إنى مكنتش فى وعى وإنى مكنتش حاسس بنفسى ، عارف إن ده مش مبرر بس أنا لما شوفتها عندك فى السرير غصب عنى أفتكرت حاجات فضلت أعانى سنين طويلة عشان أنساها ، الموقف كان صعب على أى راجل مكانى وأنت عارف كده كويس
شعر "إياد" بالشفقة تجاه "مالك" خاصة بعد أن تهاوت تلك الدموع من عينيه عند ذكره لذلك الشيء الذى ظل يُعانى منه لسنوات ، أدرك "إياد" أن ما يُعنبه "مالك" أنه قد تعرض للخيانة" من قبل ليشعر بالحزن عليه ، ولكنه لا يريد أن يتهاون معه كى لا يظن أن ما فعله ب "زينة" كان بسيطا أو هين ، ليرد "إياد" على ما قاله "مالك" ولكنه قلل من نبرة هجومه وحدة ليردف بهدوء :

_ أنا عارف كده بس جواد ميعرفش كده ، أنت نفسك لو مكانه مش هتعرف كده ولا هتفكر بعقلك وقتها

هز "مالك" رأسه بالموافقة على ما قاله "إياد" ، نعم هو لو مكان "جواد" وهناك من أغتصب شقيقته لكان قتله بأبشع الطرق، ولكنه لن يستسلم ، سيتحمل أى شيء كى لا يخسر "زينة" ، ليردف "مالك" بإصرار وتاكيد :

_ أنا مستعد أعمل أى حاجه عشان يجوزهالى ومفيش مخلوق فى الدنيا هيعرف حاجة ، الموضوع ده هيفضل بينا أحنا بس وده عشان خاطر زينة

تنهد "إياد" براحة بعد أن وصل لما كان يريد الوصول إليه وهو أن يترجاه "مالك" كى يتزوج "زينة" ، كان "إياد" يُسجل بهاتفه كل هذا الحوار الذى دار بينه وبين "مالك" لكى يُسمعه ل "جواد" ويجعله يصدق أن "مالك" هو من يترجئ أن يتزوج من "زينة" وليس العكس ، وذلك لكى يُحافظ على كبرياء وكرامة صديقه الذى يعلم أن هذه الأشياء تعنى له الكثير ، ليوافقه "إياد" رادفا بهدوء :

_ أوعدك إنى هحاول مع جواد وإن شاء الله يوافق

أبتسم له "مالك" بسعادة وقد شعر براحة كبيرة رادفا بمحبة وإمتنان :

_ تبقى خدمتنى خدمة عمرى ما أنسهالك أبدا يا إياد

نهض "إياد" من مقعده رادفا بأقتراح :

_ طب يلا نطلع نطمن على ديانة

أومأ له "مالك" بالموفقة وهو ينهض هو الأخر رادفا بحماس :

_ يلا

❈ - ❈ - ❈

قصت "ديانة" على الجميع ما أخبرتها به "هناء" وعن تلك الطريقة التى قتلت بها شقيقتها ، صُعق الجميع مما قالته "ديانة" لتكمل هى حديثها وتزيد من صدمتها رادفة بحزن وألم :

_ وبعد ما قتلت طنط تهانى بالطريقة دى كانت رايحة تقتل عمتو ماجدة كمان كده ، بس الدكتور دخل فى الوقت المناسب وعرفت منه إن كده كده عمتو هتعيش زى الميته بالظبط ومش هتخف ، عشان كده سابتها و...

قاطعتها "زينة" التى صاحت بإنهيار وأخذت دموعها تتسارع فى الهبوط وهى تصرخ بألم وحسرة على تلك الطريقة التى قتلت بها والدتها رادفة برجاء :

_ كفاية يا ديانة ، أرجوكى كفاية

ظلت "زينة" تبكى وترتجف بسبب كثرة شهقاتها ، بتلك اللحظة دلف "مالك" و "إياد" إلى الغرفة ورئوا ذلك الأنهيار ، كاد "مالك" أن يندفع نحو "زينة" ويضمها إلى صدره كى يُهدأ من روعها مُتناسيا جميع من حوله ، ولكن أوقفه "إياد" الذى لاحظ ما كاد "مالك" أن يفعله ، تمتم "إياد" موجها حديثة نحو "مالك" رادفا بتحذير :

_ أمسك نفسك عشان متلبخش الدنيا وتودينا فى داهية

سريعا ما ضمت "لبنى" "زينة" داخل صدرها مُحاولة تهدئتها والتخفيف عنها ، ربطت "لبنى" على ظهر "زينة" التى كانت داخل صدرها رادفة بشفقة وحزن :

_ أهدى يا حبيبتى

أجهشت "زينة" فى البكاء وهى ترتجف داخل صدر "لبنى" رادفة بصوعبة بسبب كثرة شهقاتها :

_ خالتوا هى...هى اللى عملت كده فى ماما يا طنط

شدت "لبنى" على أحتضان "زينة" شاعرة بتلك الرجفة القوية التى أمتلكت جسدها رادفة بتأثر وبكاء :

_ الله يسامحها على كل اللى عملته

خرجت "زينة" من عناق "لبنى" وأندفعت نحو والدها وشقيقها ونظرت نحو والدها بضعف وإنكسار وهى لاتزال تبكى بحرقة وألم رادفة بأستفسار :

_ خالتو هناء اللى قتلت ماما يا بابا؟!

حولت نظرها نحو "جواد" وقد تجعدت ملامح وجهها من كثرة البقاء وتشبثت فى عنق شقيقها وكأنها تتعلق به أو تُحاول أن تكتسب قوتها منه رادفة ببكاء ونحيب :

_ هناء هى اللى قتلت ماما يا جواد

كان "جواد" يقف كالتمثال لا يُصدر أى صوت أو ردة فعل حتى أنه لم ينظر نحو شقيقته ، كان عينيه ناظرة نحو الفراغ وكانه لم يعد يستطيع أن يستمع أو يتحدث، شُلت أفكاره وأرتخت أعصابه شعر بأن ركبتيه ترتجفان من هو صدمته ، نعم تلك الصدمة كان كبيرة جدا عليه ، هو كان يظن أن "هناء" تسببت فى موت والدته بسبب دفعها لها من على السلم وإنها لم تقصد قتل شقيقتها ، لم يكن يتوقع أن تكون "هناء" هى من تقصدت أن تقتل والدته وكيف قتلتلتها؟! قتلتلتها بطريقة وحشية خالية من الرحمة والشفقة ، قتلت شقيقتها وزرعت تلك الإبرة داخل عنقها بكل دم بارد وإنعدام للأنسانية ، كانت قاتلة والدة تعيش معه تحت سقف واحد ، تأكل معه على مأئدة واحدة ، تتحكم به وتزرع داخل نفسه الضعف والرعب ، ربط بداخله شخص مريض هزيل ، لا يملك ذرة ثقة فى نفسيه ، ربط بداخله وحشا يخشاه الجميع ويتجنب أن يتعامل معه ، جعلته يكره ويُعذب الفتاة الوحيدة التى خفق لها قلبه ، جعلت منه حُطام إنسان

بينما "زينة" كانت تصيح وهى لاتزال مُتشبسة فى عنق قميص "جواد" وقد أصبحت الأرض غير ثابتة تحت أقدمها وهى تصرخ عليه بهسترية رادفة بأستفسار وألم :

_ ليه قتلتها يا جواد! ، أنت أكتر واحد عارف الست دى ، ليه قتلت ماما يا جواد ليه!!

ظلت "زينة" تصرخ بتلك الكلمات وقيضتها على عنق "جواد" أرتخت كثيرا مثل ما أرتخت أعصابها ، ما هى إلا لحظات قليلة حتى فقدت "زينة" قدرتها على الوقوف وخارت قوها وسقطت مُغشيا عليها بين يدى "مالك" الذى لاحظ إرتخاء أعصابها وإنها أوشكت على السقوط ليُسرع فى إلتقاطها وحلها بين يديه بقلق وفزع على ما أصابها

على الرغم من إنها فقدت الوعى وهى بين يدى "جواد" إلا إنه لم يتحرق من مكانه حتى أنه لم ترمش له عين قط ، من ينظر إليه يظن إنه مُنوما أو مخدرا لا يصدر أى ردة فعل فقط ينظر فى الفراغ ، بينما أندفع "هاشم" نحو أبنته بفزع ورعب رادفا بلهفة :

_ زينة!!

شعر "إياد" بالقلق على "زينة" ولكن فزعه الأكبر كان على "جواد" الذى لا يبدو أنه بخير أبدا ، فذلك الصمت وعدم التأثر بما يحدث قد يجعله يشعر أن "جواد" سيتعرض لسكته قلبية أو دماغية فى أية لحظة ، ولكن عليهم الأطمئنان على "زينة" أيضا ويجب أن يُرافق "مالك" كى لا يقوم بأى حركة إنفعالية تفضحح عن أمرهم ، صاح "إياد" موجها حديثه نحو "مالك" رادفا بلهفة :

_ خدها على الدكتور بسرعة يا مالك

حملها "مالك" بين يديه وسريعا ما خرج بها من الغرفة وألحق به "إياد" وورأه "هاشم" وهو يوجه حديثه نحو "جواد" الذى لم يتحرك من مكانه قيد أُنملة شاعرا بالخوف والرعب على أن يخسر أبنأه معا رادفا بحدة :

_ خليك أنت هنا يا جواد

لم يُجيبه "جواد" وظل صامتا كما هو وكأنه بعالم أخر غير العالم ، لتسرع "لبنى" موجهة حديثها نحو "هاشم" رادفة بتنبيه :

_ أستنى يا هاشم أنا جايه معاك

نظرت "لبنى" نحو أبنتها وربطت على وجنتها بحب وحنان مُطمئنة إياها رادفة بهدوء :

_ رجعالك تانى يا حبيبتى

هزت لها "ديانة" رأسها بالموافقة وسريعا ما خرجت "لبنى" و"هاشم" من الغرفة تاركين "ديانة" و"جواد" بمفردهم ، كان "جواد" يقف أمام سرير "ديانة" وعينيه نظر فى الفراغ ، بينما كانت هى جالسه وتنظر نحوه ، كان الصمت هو سيد المكان وكلاهما على حالته ولا يتفوه بحرف ، كانت نظرات "ديانة" تحمل الكثير من الألم والإنكسار شاعرة بالغضب والنفور من هذا الجواد الذى فتك بها دون رحمة ودون أية حق

قررت "ديانة" أن تكسر هذا الصمت اللعين وتنفجر أمامه بأكثر شيء تمنت أن وطلبه منه منذ عدة شهور ولكنها كانت تخشى ردة فعله وأن يأذيها هى والجنين ، أما الأن وبعد أن علمت الحقيقة كاملة لم تعد تخشى أى شيء ، لتصيح "ديانة" بملامح جامدة وقاسية خالية من أى مشاعر سوا البغض والكراهية موجهة حديثها نحو "جواد" رادفة بحدة وحزم :

_ طلقنى

لم يكن لينظر لها أو لأى أحد ولكن عندما وقعت تلك الكلمة على مسامعه لم يعلم ما الذى حدث له ، وكأنه كان مُحنطا أو مُلقى عليه تعويذة سحرية جاعله إياه لا يتحرق وتلك الكلمة البغيضة هى من فكت تلك التعويذة لينظر لها بملامح مُحطمة ومنكسرة ، وكأنه يتمنى أن تشعر تجاه بالشفقة وتسحب تلك الكلمة التى تفوهت بها لتو، ولكنها فأجته بعد تأثرها وإصرارها على طلبها وهى تُطالعه بحدة رادفة بحزم وإصرار :

_ طلقنى يا جواد

أغمض "جواد" عينيه بأستسلام من فكرة أن تُسامحه أو تشفق عليه وقد شعر بغصة شديدة فى حلقة ، ليتنفس "جواد" بصعوبة وهو يُطالعها بنظرة مُنكسرة رادفا بهدواء وإنصياغ :

_ حاضر
2

قالها "جواد" وسريعا ما خرج من الغرفة تاركا المشفى بأكملها ودموعه تتهاوى دون توقف مُعلنة عن إقتراب إنهيار ذلك الحصن المُظلم الذى كان يخشاه الجميع ويهابه ، قد أصبح مُحطما ولا تخشاه مجرد بعوضة
3

يتبع ...
خرج الطبيب من غرفة الكشف الموجود بها "زينة" ليُسرع الجميع ويلتفوا حوله وهم يشعرون بالخوف والقلق ، ولكن كلا منهم كان لديه مخاوفه الخاصة ف "هاشم" و"لبنى" يشعران بالخوف من أن تكون "زينة" قد تأثرت نفسيا مما أستمعت إليه منذ بداية هذا اليوم ، بينما "إياد" و"مالك" كانت مخاوفهم أكبر ، يخشيان أن تتأذى "زينة" أذى نفسى يؤثر عليها وعلى طفلها ، ليدرك "إياد" حجم الكارثة التى سيقعوا فيها إذا ذكر الطبيب سيرة ذلك الحمل ، صاح "هاشم" موجها حديثه نحو الطبيب مستفسرا بلهفة :

_ طمنى يا دكتور بنتى عامله أيه ؟!

سرعان ما أجابه الطبيب مُحاولا تطمئنه رادفا بملامح غير أسية :

_ أطمن يا فريد بيه بنت حضرتك كويسه الحمدلله ، هى بس واضح إنها أتعرضت لصدمة أو مفاجأة مكنتش متوقعها ، أو حصلت حاجه زعلتها وهى مقدرتش تستحمل عشان كده أغمى عليها
تدخلت "لبنى" بالحديث بعد أن شعر الجميع بالراحة رادفة بأستفسار :

_ طب هى ممكن تروح معانا يا دكتور؟! ولا تفضل فى المستشفى أحسن

رد الطبيب على سؤالها مخبرا إياهم عن الأمر الأفضل لها رادفا بنصح :

_ والله هو من الأفضل إنها تروح البيت ، بس أهم حاجه الراحة التامه عشان الجنين ميتأثرش بحاجه
10

وقعت تلك الجملة الأخيرة على الجميع كالصعقة بداية من "إياد" الذى أغمض عينيه بضيق وإنزعاج فقد حدث الشيء الذى كان يتمنى أن لا يحدث أبدا ، مرورا ب "مالك" الذى تسمر مكانه من شدة صدمتة وشعوره بالخذى والندم فى أنن واحد وكان الكهرباء قد ضربته ، فالأن قد كُشف أمرهم أمام الجميع ، بينما شعر "هاشم" وكأم هناك صاعقة ما قد ضرب عقلة وجسده معا لينظر بصدمة نحو "لبنى" التى لم تقل صدمة عنه ، ليعود بنظره إلى الطبيب مرة أخرى رادفا بصدمة وإستفسار :

_ جنين مين؟!

ظن الطبيب أنهم قد تفاجوأ بالحمل ليس أكثر أو ربما تكون الأم نفسها لا تعلم ، ليجيبه بأبتسامة مُهنئة مُضيفا بنبرة أستفسار :

_ هو حضراتك متعرفوش إن المدام حامل!! دى داخله على ٦ أسابيع تقريبا
8

صمت "هاشم" وكأن هناك من عقد لسانه وظل ينظر بعينيه فى الفراغ ، سريعا ما تدخلت "لبنى" مُحاولة إنقاذ الموقف وعدم وضع "هاشم" فى موقف محرج رادفة بتوضيح :

_ أصلنا كنا مسافرين ويمكن كانت عملهالنا مفاجاة ، المهم هى والبيبى كويسين!!

أومأ لها الطبيب بالتأكيد على سؤالها رادفا بهدوء :

_ الحمدلله يا مدام بس أرجوا الأهتمام بيها أكتر من كده وحاولوا تعرفوا جوزها إن الزعل غلط عليها

أومأت له "لبنى" بالموافقة على حديثة رادفة بأبتسامة هادئة كى لا يُكشف أمرهم رادفة :
_ حاضر يا دكتور

سريعا ما أستأذن الطبيب غادر من أماهم لتحول "لبنى" نظرها نحو "هاشم" الذى لا يزال ينظر فى الفراغ وهو على نفس صدمته وغير قادرا على رفع عينيه من الأرض أو النظر فى وجه أحد ، وفجاة وبعد ثوان قليلة سريعا ما سيطرت ملامح الغضب والكراهية على وجه "هاشم" وكأنه تحول إلى شخص أخر يود أن يحرق العالم بما فيه ، ألتفت "هاشم" نحو باب غرفة "زينة" وأندفع مُتجها إليه كى يدخل لها وهو لا ينوى على خير، أوقفته "لبنى" وسريعا ما تشبثت فى ذراعيه مُضيفة بلهجة مُحذرة رادفة بنهى :

_ لا يا هاشم أعقل إحنا فى المستشفى ، متفرجش الناس علينا وكفاية اللى هى فيه!!

صاح "هاشم" فى وجهها بغضب زاجرا إياها على منعه من الدلوف رادفا بأنفعال ولهجة أمرة :

_ سبينى يا لبنى ، سبينى أدخل أشرب من دمها وأعرف الفاجرة دى حامل من مين؟!
5

كاد "إياد" أن يتدخل ويمنعه من الدخول ولكنه سبقة ذلك الصوت الباكى والنادم مُلفتا أنتباه الجميع صارخا بإنفعال وبكاء ، موجها حديثه نحو "هاشم" وكأنه طفل يُنهى من أمامه عن شيء ما رادفا بنحيب :

_ لا هى مش فاجرة ولا عمرها كانت فاجرة ، ولو فى حد يستاهل إنك تشرب من دمه؟! فالحد ده أنا
2

إندهش كلا من "هاشم" و"لبنى" من إنفعال "مالك" الغريب وبكائه الأغرب وقد خطرت لهم الكثير من الأفكار والتخمينات ولكنهم ظلوا صامتين كى يستموا لباقى حديثه ، بينما "إياد" نظر نحو "مالك" بفخر وأمتنان بأنه لن يترك "زينة" تتحمل نتيجة خطأئه هو ولم يحتمل أن يسمع عليها تلك الكلمة التى ألقاها والدها وذلك يُبين مدى حبه وعشقه ل"زينة" وندمه على ما فعله ، ليقترب "مالك" من "هاشم" ودموعه تتهاوى دون توقف أو تحكم منه مضيفا بندم وخذى :
4

_ زينة معملتش حاجه يا هاشم بيه ، أنا اللى عملت ، أنا اللى أغتصبتها غصب عنها ، أنا اللى بغبائى وسختها ووصلتها للموقف ده ، لو فى حد يستاهل الدبح فهو أنا

لم يستطيع "هاشم" السيطرة على نفسه عندما أستمع لجملة أن أبنته قد تم أغتصبها وهتك عرضها على يد ذلك الحقير الماثل أمامه ، ليندفع "هاشم" قابضا على رقبة "مالك" خانقا إياه بكثيرا من الغضب والكراهية رادفا بتوعد :

_ يا أبن الكلب يا واطى ، دا أنا مش هدبحك بس ، دا أنا هقطع من لحمك وأرميه للكلاب يا وسخ

سريعا ما تدخل "لبنى" و"إياد" مُحاولان إبعاد يد "هاشم" عن رقبة "مالك" قبل أن يُذهق روحه ، لتصيح "لبنى" موجهة حديثها نحو "هاشم" مُحاولة تهدئته رادفة بلهفة :

_ أهدى يا هاشم ، سيبه وأهدى وتعالى نفكر بالعقل

صرخ بها "هاشم" وهو لايزال قابضا على عنق "مالك" زاجرا إياها بحدة وغضب :

_ عقل أيه!! دا أنا هطلع روحه فى أيدى أبن الكلب ده

سريعا ما صاح "إياد" مُحاولا تهدئة "هاشم" وإبعاد قبضته عن عنق "مالك" رادفا بترجى :

_ أهدى يا عمى عشان خطرى ، أنت مش فاهم حاجه!! ، مالك بيحب زينة من فترة طويلة أوى واللى حصل ده كله كان سببه خطه أترسمت علينا كلنا وأنا نفسى كنت طرف فيها

رخت قبضة "هاشم" من حول رقبة "مالك" وسريعا ما حول بصره نحو "إياد" بعد سماعه إلى كلمة مخطط ليشعر بالغرابه رادفا باستفسار :

_ خطة أيه يا إياد؟!

أجابه "إياد" بعد أن شعر بالراحة لتأثر "هاشم" بما قاله رادفا بهدوء :

_ من يجى شهرين كده أو أقل جالى تليفون إن شقتى بتتسرق وإنهم عايزينى هناك ضرورى ، وفعلا نزلت من الشركة وروحت جرى على البيت ، وبمجرد ما دخلت لقيت حد حط منديل على وشى ومحستش بالدنيا بعدها ، مفقوتش غير عندى فى البيت ، زينة كمان على حد علمى كان جالها تليفون إن المرسم بتاعها بيتحرق وعشان كده أخدت تاكس وبعدها حصل معاها نفس اللى حصل معايا ومافقتش غير عندى فى الشقة ، مالك كمان وصلتله رساله إنى زينة عندى فى البيت وبنعمل حاجه مش كويسه مع بعض وفعلا جيه وشافنا وأحنا فى وضع مش كويس وفهمنا غلط

••

وصل "مالك" أسفل بناية "إياد" وهو يشعر بعدم تصديق ما يفعله وما أُرسل إليه منذ قليل بتلك الرساله التى كان نصها "هى انسة زينة بتعمل أيه فى شقة إياد خطيب اختك؟!، حاول "مالك" أن يطمئن نفسه بانه سيصعد الأن وسيتأكد أن هناك خطأ ما وبالطبع لن تجرى الأمور مثل ما يصور له عقله

بينما بالأعلى يُحاول "إياد" فتح عينيه بثقل شديد ولكنه سريعا ما أستعاد وعيه وما جعله يقفز من مكانه هو وجود تلك العارية تماما بجانبه والتى لا يسترها شيء سوى المُلاءة المُلطخة ببقع الدماء وهى تنظر له بصدمة وكأنها غير قادرة على النطق أو الحركة ، فقط تنظر له وكأنها تُصارع عقلها راغمة إياه على أن يتوقف

انتفض "إياد" من مكانه وهو يشعر بنفس صدمتها، ولكن ما جعله يشعر بالتصلب بمكانه هو إدراكه بأنه عارى تماما لا يرتدى أية شيء ولا يستره سوى تلك المُلاءة الموضوعة فوق جسدهما هما الأثنان

حاول "إياد" إخفاء عورته بأستخدام تلك الوسادة وهو ينهض مُتجها إلى سرواله الداخلى الموضوع بنهاية الغرفة وهو لا يعلم ما الذى يحدث ، كاد "إياد" أن يرتدى سرواله الداخلى ولكنه تفاجأ بدخول "مالك" الغرفة ورؤيته وهو عارى الجسد بتلك الطريقة ،بينما "مالك" كان مُثبت نظره على تلك الجالسة بالفرش وهى تنظر له بنفس صدمتها غير قادرة على التفوه بأى شيء وكأنها بعالم أخر غير هذا العالم

تصلب "مالك" بمكانه من هول صدمته ، فذلك المشهد يحدث معه للمرة الثانية فى حياته ليشعر وكأن روحه تُغادر جسده وبالفعل هذا أقل ما يمكن أن يشعر به أمام حبيبته العارية بفراش خطيب شقيقته ويوجد بعض قطرات الدماء ليبتلع بغصة غير قادراً على تخمين ما قد يكون حدث بينهم

أستطاع "إياد" إرتداء سرواله وأتجه نحو "مالك" مُحاولا تفسير الأمر له ولكنه لا يعلم ماذا سيقول له او لتلك المسكينة التى تتوسد الفراش ليُعقب موجها حديثه إلى "مالك" رادفا بتلعثم :
2

_ ماالك..افهمنى..انا هشرحلك المو.....

ولكمة قوية من "مالك" إثرا عليها سقوط "إياد" أرضاً ليحول نظره إلى تلك الجالسه على الفرش ولا تستطيع أن تتحكم بتلك الدموع الذى أخذت طريقها فى الهبوط بصمت شديد غير مُدركة ماذا تقول وهى بالفعل لا تعلم ما الذى حدث ، لا تعلم سوى أنها قد تحطمت حياتها بأكملها

رمقها "مالك" بمزيج من نظرات الغضب والأشمئزاز بآنٍ واحد وهو يشعر بأنه قد خسر حبه بل خسر ثقته فى جميع البشر ليغمض عينبه بألم وغصة مُتجها نحو باب الشقة شارعاً فى الخروج من هذا المنزل بينما "إياد" حاول أن يوقفه ولكن دون فائدة ، ليتجه نحو تلك التى تجلس على الفراش واضعة وجهها بالأرض وتبكى بصمت ، ليتقدم نحوها مُعقباً بصدق :

_ والله العظيم يا زينة انا ما عملت حاجه والله العظيم ما لمستك ولا قربت منك الموضوع ده أكيد لعبة، انا جالى تليفون إن الشقة بتسرق جيت جرى واول ما دخلت لقيت حد بنجنى وصحيت لقيتك قاعده جمبى بس والله ما عملت حاجه

لم تكترث "زينة" بما يقوله فهى كل ما تتأكد منه انها نائمة بفراش رجلاً عارية تماما فاقدة عُذريتها وليس ذلك فقط بل رآها الشخص الوحيد الذى أحبته من كل قلبها وظنت أنها وجدت ضالتها به ليتحطم ذلك الحلم الوردى بتلك الفضيحة التى لا تعلم كيف ولماذا حدثت لتتعالى شهقتها مُعقبة بصراخ :

_ أطلع برا ، مش عايزة أسمع صوتك

تفهم "إياد" تلك الحالة التى وصلت لها وحاول تهدئتها وأحتواء ذلك الأنهيار وهو لأول مرة يشعر تجاهها بمشاعر عطف وحب أخوى رادفا بألم وحسرة :

_ زينة أهدى أبوس رجلك والله صدقينى انا معملتش حاجه و...

صاحت به زاجرة إياه مرة أخرى رادفة بصراخ :

_ بقولك براا ، اطلع براا

خرج "إياد" من الغرفة بينما نهضت "زينة" وسريعا ما أرتدت ملابسها وخرجت من المنزل بأكمله تحت أنظار "إياد" الذى يُحاول أن يجد تفسيرا لما حدث ولكن دون فائدة ، ليشعر بكثير من القلق مما سوف يحدث بعد ذلك

•••

تركت يد "هاشم" عنق "مالك" وظل يقف ناظرا نحو "إياد" ويبدو عليه ملامح الصدمة والإنكسار ، بينما أكمل "إياد" حديثه مُحاولا تهوين الموقف على "هاشم" والتقليل من غضبة وكراهيته ناحية "مالك" رادفا بتوضيح :

_ مالك كان غصب عنه لازم يصدق اللى شافوا وخصوصا إن مالك هو كمان عنده مشكلة نفسيه مرتبطه بالموضوع ده وعشان كده عمل فى زينة كده ، كلنا ضحايا لعبة وسخة أتلعبت علينا من حد عارفنا صح

تدخلت "لبنى"موجهة حديثها نحو "هاشم" وقد صور لها عقلها الكثير من السناريوهات والأفكار المُفزعة من مجرد التفكير بها رادفة بشك :

_ أنا حاسة إنى أعرف الحد اللى عمل اللعبة دى!!

سريعا ما حول كلا من "مالك" و"إياد" أنظارهم نحوها رامقين إيها بفضول لمعرفة من يكون ذلك الشخص ، قبل أن يتفوه أى أحدا منهم بحرف سبقهم "هاشم" مُقاطعا إياهم ناظرا نحو الفراغ مُضيفا بثقة وتأكيد :

_ هنااء
4

تقدمت "لبنى" خطوين لتصبح بجانب "هاشم" ، لترفع يدها وترلط على كتفه مُحاولة تهدئته رادفة بتمنى :

_ أهدى يا هاشم ، كل حاجه هتتحل إن شاء الله

أقترب "مالك" أيضا نحو "هاشم" ويبدو على ملامح الضعف والأنكسار نادما على فعلته الدنيئة رادفا بترجى :

_ جوزنى زينة يا هاشم بيه

رمقة "هاشم" بنظرة تقزز وإحتقار مُضيفا بضعف وإنكسار أمام الجميع رادفا بتهكم :

_ أجوزهالك عشان تستر عليها!! ولا عشان تفضل كاسر عينها طول العمر؟!

صاح "مالك" مُعقبا ببكاء وندم وهو يعى كل كلمة يقولها بل وفى الأساس كل كلمة نابعة من قلبه ، ليردف بحصرة وإنكسار :

_ لا جوزهالى عشان أنا بحبها بجد وممكن أموت من غيرها ، والله العظيم أنا مكنتش واعى للى حصل ده ، أزاى أكون بحبها وأعمل فيها؟! جوزهالى أبوس رجلك يا هاشم بيه ، أنا بحب زينة بجد

ظل "هاشم" ينظر نحو "مالك" بنظرات غريبه لم يفهمها الأخر دون التفوه بأية حرف ، بينما أدركت "لبنى" أن هذا هو الوقت المناسب لكى تفصح له عن ذلك السر الذى ظلت حابسة إياه فى صدرها منذ أكثر من خمسة عشرة عاما ، تفوهت "لبنى" موجهة حديثها نحو "هاشم" رادفة بهدوء :

_ هاشم ، أنا عايزه أتكلم معاك فى حاجه على إنفراض

حولت نظرها نحو "مالك" و"إياد" مُستأذنة منهم رادفة بأحترام وتقدير :

_ بعد أذنكوا يا جماعة

أومأ لها كلاهما بالموافقة لتصطحب "لبنى" "هاشم" وتبتعد عنهم كثيرا كى تحظى بكامل حريتها بالحديث ، صاحت "لبنى" موجهة حديثها نحو "هاشم" رادفة بترجى :

_ وافق يا هاشم ، أرجوك وافق

رمقها "هاشم" بخيية أمل وصدمة مما قالته وظل يطالعها ويُحاول أن يفسر كلامها بأكثر من طريقة ، أهى تنصحه ان يوفق كى لا تنفضح أبنته وتُشوه صوتهم!! ، أم إنها شامتة فيه وتشعر بالرضا من كل ما يحدث له وتريده أن يوافق كى تُكسر نفسه أمام "مالك" وتراه هو وأولاده وهم يُعانون أكثر!! ، أم إنها على حق وهو ليس أمامه خيارا إخر سوا هذا الزواج؟!

فهمت "لبنى" ما يدور فى عقل "هاشم" بالطبع وهذا الأمر غير صعبا بالنسبة لها ، هو ظل أكثر من عشرون عاما يفكر معاها بصوت مسموع وكانه يتحدث إلى نفسه ، فمن المؤكد أن تكون حفظت طريقة تفيكره وما يدور فى رأسه أيضا وهذا ركون سهلا من خلال النظر إلى عينيه ، لتبتسم "لبنى" بأستهزاء على ما يدور فى عقل "هاشم" منتشلة إياه من دوامة أفكاره رادفة بنهى :
2

_ لا يا هاشم ، مش بقولك وافق عشان أى حاجه وحشه من اللى بتدور فى دماغك ، أنا بقولك جوزهالوا لانه بيتكلم بجد ، هو فعلا مكنش فى وعيه وفعلا بيحب زينة

ضيق "هاشم" ما بين حاجبيه بأستنكار مُتعجبا من تلك النبرة الواثقة التى تتحدث بها "لبنى" رادفا بأستفسار :

_ وأنتى أيه اللى مخليكى واثقه أوى كده أنه مكنش فى وعيه وهو بيعمل كده

أبتلعت "لبنى" لتوتر وإرتباك مُحرجه مما ستتفوه به لتو ولكنها ليس أمامها خيارا أخر وهذا هو الوقت المناسب لتكشف أمامه ذلك السر المشترك بينهم ولا يعرفه أحدا سواها هى فقط ، لتردف "لبنى" بخجل وإحراج :

_ لأنك أنت شخصيا عملت نفس اللى هو عمله ومكنتش فى وعيك ولا حتى أفتكرت أنت عملت أيه احد دلوقتى
4

صُعق مما تفوقت به لتو ، ماذا تقصد بأنه هو الأخر فعل نفس الأمر!! ، أهى تعنى أنه قام بالأعتداء عليها وهو ليس بوعيه أيضا؟! ليصيح موجها حديثه نحوها رادفا بصدمة وزعر :

_ أنتى بتقولى أيه يا لبنى..؟! قصدك إنى..!!
4

أومأت له بحرج وخجل مما تبوح به لأول مرة فى حياتها ، وما زاد خجلها هو ما تذكرت انه حدث فى هذا اليوم رادفة :

_ أيوه يا هاشم ، أنت عملت معايا علاقة غصب عنى وأنت مش فى وعيك

جحظ "هاشم" عينيه بمجرد أن أكدت له ما كان يدور فى رأسه رادفا بصدمة وإستفسار :

_ أمتى الكلام ده حصل؟!

تنهدت "لبنى" وهى تقص عليه كيف ومتى حدث هذا الأمر مُستشهدة ببعض الحورات التى كان يتحدث معها عنها فى تلك اللترة رادفة بتوضيح :

_ من ١٥ سنة كده ، يعتبر بعد الحادثة ب خمس سنين ، كنت دايما تيجى تتكلم معايا وكانك بتكلم نفسك ، مره تعيط ، مره تتعصب وتضربنى ، مره تعد تتكلم لحد ما تنام وأنت أعد ، كتير أوى كنت بتيجى تشتكى من هناء وتضربنى وتقولى إن أنا السبب فى الجوازه دى وإنى لو مكنتش قتلت تهانى مكنش زمانك أتبليت بهناء ، ومن كلامك فهمت إن هناء بتمنع نفسها عنك وإنك مش عايز تعمل الموضوع ده فى الحرام ، عشان كده كنت بستحمل لما كنت بتضربنى وكنت بلتمسلك العذر ، لحد ما جيه يوم كنت أتمنى إنك تقطع من لحمى ولا إنك تعمل اللى أنت عملته ده
12

تحذير المشهد القادم مشهد جرئ للبالغين فقط ووجوده مهم فى الرواية ، أنا غير مسؤلة عن أى أحد يستغل المشهد بصورة أخرى ، كل شخص يتحمل ذنب نفسه وإذا كان المشهد من المشاهد الذى لا تعجبك أرجوا تخطيه

••

فى إحدى الفيلات الخاصه بالطبقه العُليا بمحافظة الاسكندرية كانت تجلس فى هدوء تام وعزله لا تُحاول الاختلاط بأى أحد ولا حتى تُفكر بالهروب من ذلك المكان لانها تعلم أنه سيستطيع أن يجدها مرة أخرى ، وأيضا كيف لها أن تهرب من كل هؤلاء الرجال الذين يُحاوطون المنزل من جميع الجهات ، لو كانت تستطيع أن تخبرهم إنها حبيسة هنا تدفع ذنب أشخاص أخرى لكانت فعلت ، ولكنها لو كانت تستطيع الكلام ما كانت لتكون هنا من الأساس

قطع ذلك الصمت دلوف "هاشم" إلى الغرفة لتفزع هى وتنتفض فى مكانها ، فهى لم تشعر به عندما جاء إلى الفيلا ، أم إنها أصبح مُعتادة على وجوده لهذا لم تنتبه لصوت الباب وهو يفتح ، بينما "هاشم" كان يبدو غريبا هذه المرة!! هى لأول مرة تراه بهذه الهيئة الغير مرتبتة تلك؟!

دلف "هاشم" إلى داخل الغرفة وهو يترنح بعد إتزان وكانه سيسقط على الأرض فى أية لحظة ، ليتقدم ويجلس بجانب "لبنى" ويبدو عليه ملامح الهم والأستياء رادفا بثمالة :

_ أنا مش عارف أعمل فيكى أيه يا لبنى!! ، أنتى السبب فى كل اللى أنا فيه ده ، أنتى اللى قتلتى تهانى وأضطرتينى إنى أتجوز هناء وأعيش معاها زى الميت بالظبط

صدمت "لبنى"عندما أكتشفت أنه ثمل خاصة بعد أن أشتمت رائحة الخمر الذى تفوح من فمه فهى أول مرة تراه فيها وهو ثمل ، بل أو مرة تعرف فيها أنه يشرب الخمر ، زاد "هاشم" صدمتها عندما بدأ فى الحديث دون وعى منه أو إنتباه على ما يقول رادفا بمزيد من الثمالة :

_ هناء بتحوش نفسها عنى يا لبنى ، مش بتخلبنى ألمسها أو أنام معاها ، بتقول إن شرف عايش جوها وإنها مش قادره تتقبلنى ، طب أتجوزتنى ليه؟!

رمقها بنظرات تفحص وشك رادفا بأستفسار :

_ أوعى يكون شرف عايش جواكى إنتى كمان؟! ، طب وأنا عايش جوا مين!! ، هى مش عايزانى أقرب منها ، وأنتى مينفعش أقرب منك لأنك عدوتى ، طب أعمل أيه!!
4

هز راسه بنهى وهى يُكمل حديثه الغير واضح مقصده يالنسبة بها رادفا بثقل :

_ أنا جوايا نار.. محدش حاسس بيها ، بس أنتى يا لبنى اللى ولعتى النار دى جوايا

حول نظره سريعا نحوها لدرجة إنها فزعت من سرعته ، وما زاد فزعها هو تلك النظرة الماكرة التى أندلعت من عينيه وهو يُطالعها بتفحص رادفا بخبث :

_ وزى ما كنتى أنتى السبب فى إن النار دى تقيد!! ، هتبقى السبب فى إن النار دى تطفى

سريعا ما نهض "هاشم" من مكانة وبدأ فى خلع سترته وفك أزرار قميصه ، بينما ظنت "لبنى" أنه سيقوم بضربها كعادة كلما ياتى مهموما بسبب "هناء" ، ولكنها تفاجأت حينما وجده لم يكتفى بخلع قميصه وحذامه ، بل وخلع بنطاله أيضا ليظل أمامها بسروله الداخلى فقط

أدركت "لبنى" أخيرا ما ينوى عليه "هاشم" بل وبدأ فى تنفيذه أيضا لتضربه فى صدره وتدفعه بعيدا عندها مُحاولة الهرب من بين يديه ، ولكنه سريعا ما قبض عليها وألقاها على الفراش مرة أخرى رادفا بتوعد :
2

_ مش هتعرفى تهربى منى يا لبنى ، مش هسمحلك بده

هجم عليها وأخذ يفطع سيابها وهو يلهث كالوحش المُتعطش لدماء فريسته وسريعا ما قد غاف عقلة تماما وتحكمت فيه تلك الشهوة التى أندلعت فى عروقه بمجرد أن وقعت عينيه على جسدها البض ، ليسيل لُعابه وكأنه أول مرة له أن يرى أنثى عارية فى حياة ، بينما ظلت "لبنى" تصرخ وتُحاول إفاقته وهى تُدارى جسدها بيدها ولكن دون فائدة ، ماذا عليها أن تُدرى وهى عارية أمامه هكذا !! ، حتى أنه قد ألقى ذلك الغطاء بعيدا كى لا تُغطى نفسها به

لا تدرى متى أستطاع أن يتخلص من سرواله الداخلى وأصبح أمامها بهذا الشكل ويبدو عليه أنه فى قمة إثارته ، لتهز رأسها بهسترية وهى تصرخ وتدفعه مُحاولة إيقافه ، بينما قبض هو على كفيها وسريعا ما دفعها كى تتوسط الفراش مُلقيا بثقل جسده فوق جسدها مُثبتا يدها فوق رأسها بيدا واحدة مُطالعا إياها بنظرة تصرخ بالشهوة والرغبة مُضيفا بضعف :

_ أنا محتاجك أوى يا لبنى ، محتاجك ومش محتاج حد غيرك
2

صرخت به ناهية إياه عما هو على وشك أن يفعله مُحاولة جهله يعود لرشده أو لتحدث مُعجزة ما تبعده عنها ولكن فات الأوان ولم يعد صراخها يؤثر فيه وبرمشة عين كأن أنتهى كل شيء وكأنه لا يستمع إلى بكائها وصراخها
لم يكن قاسيا معا أو حاد بل كان هادئا وكأنه لا يريد أن يأذيها ، فقط يريد أن يتخلص من هذا الكبت الذى ظل يحبسه بداخله منذ سنوات غير مُنتبها لتلك العلاقة المُحرمة التى يرتكبها دون وعى منه أو إنتباه ، دفن وجهه فى عنقها وكأنه ذاب فى سحر جمالها رادفا دون وعى منه :

_ متسبنيش يا لبنى ، أنا محتاجلك أوى ، أنا مش عايز أؤذيكى أنا تعبان ومش عايز أعمل كده مع حد غيرك

ظلت تُحاول أن تتفلت من بين يده وتتلوى بجسدها مُحاولة إبعاده عنها ولكن دون فائدة فهو كان مُسيطرا عليها بشكل لم تكن قادرة حتى على أن تحرك خصرها ، بعدها لم يكن عليها سوى الأستسلام لما يفعله والتجاوب معه أيضا وهذا الأمر خارج إرادتها ، تلك الرغبة الذى أمتلكتها وسيطرت عليها وهذا الأمر طبيعيا أن يحدث بسبب تأثير ما يفعله بها ، بالإضافة لكونها هى الأخرى لم تقم بتلك الممارسات منذ سنوات ولهذا كان تأثره قوى بالنسبة لها
3

ظلت تتنفس بثقل وكأنها تُصارع للحصول على بعض الهواء ،  على الرغم من رفضها لما يحدث ونفورها لتلك العلاقة المحرمة إلا إنها مستسلمة لما يفعله رغما عنها وهذا بسبب الفطرة ليس أكثر ، ظل على تلك الحالة ليقترب منها أكثر هامسا بأذنيها مُضيفا بلهاث :

_ أنا مش عايز أقتلك يا لبنى ، مش عايز أتحرم منك ، كل مره بحاول أقنع نفسى بحجة شكل عشان مقتلكيش ، مش عارف أنتى عملتى فيا أيه!! أو أزاى وصلتينى لكده؟! بس ..

أزدادت أنفسهم بسبب وصول كالا منهما إلى خلاصه ليُكمهل "هاشم" حديثه مُتمتما داخل أذنها رادفا بصدق :

_ بس أنا حبيتك غصب عنى يا لبنى
2

صمت كلا منهما لعدة دقائق ، كان "هاشم" يُحاول تنظيم أنفاسه وأستعادة إتزانه ، بينما "للنى" كانت تفكر فيما فعله "هاشم" وما قاله أيضا لتتهاوى دموعها فى ألم وصمت ، وما هى إلا ثوان حتى نهض "هاشم" وأرتدى ملابسه وخرج من المنزل بعدم إتزان مُستقلا سيارته بصحبة سائقه الخاص مُنطلقا نحو منزله تاركا إياها تبكى وتنتحب بسبب ما فعله معها غير مُصدقة ما حدث وأنه قد مارس تلك العلاقة المحرمة معها وهى حتى لم تستطيع أن تمنعه
3

•••

_ فضلت فترة طويلة خايفة إنك تيجى تانى ، كنت خايفه تيجى وتكررها مرة تانية ، أو تيجى وترمى الذنب عليا وتضربنى!! بس لما لقيتك جيت المرة اللى بعدها ومتكلمتش فى حاجه ، فهمت وقتها إنك مفتكرتش اللى حصل وإنك عملت كده بسبب تأثير الخمرة عليك

كان "هاشم" يستمع إلى حديثها بصدمة وغضب من نفسه ، هو كان يأتى برأسه خيالات كهذه ولكنه ظن إنها كانت حلم ، لم يكن يتوقع أنه بالفعل أغتصب أرملة شقيقه الميت!! كيف له أن يفعل هذا الشيء؟! أين كان عقله حينها!! كيف لم يُسيطر على نفسه!! كيف هان عليه أن يُمترس مثل تلك العلاقه المُحرمة والمكروهة؟!
2

رمقها "هاشم" بكثير من النظرات التى لم تستطيع أن تُفسرها فمنها نظرات خجل وخذى على فعلته المقززة تلك ، ومنها نظرات غضب وكراهية من نفسه ، ومنها نظرات يأس وإنكسار بسبب ضعفة قلة حيلته أمامها ، ألتفت "هاشم" نحو "مالك" و "آياد" مرة أخرى ، لتدرك "لبنى" أنه قد أستسلم للموافقة على طلب "مالك" وأيضا لم يعد قادرا على الوقوف أمامها والتحدث معها

لحقته "لبنى" متجهة نحو "مالك" الذى أعتدل فى وقفته بمجرد أن رأهم وكانه يسألهم عن قرراهم وعينيه تصرخ بالهفة والأنتظار ، لتأخذ "لبنى" تلك الخطوة بدلا عن "هاشم" مُنقظة إياه من هذا الأمر المُحرج موجة حديقها نحو "مالك" رادفة بهدوء :

_ أدخل يا مالك أطمن على مراتك

نظر "مالك" نحو "هاشم" بلهفة أكبر وكأنه ينتظر منه الأذن ليحرك له "هاشم" رأسه مُعلنا عن موافقة وسريعا ما أبتعد من أمامهم ، ليتنهم "مالك" بسعادة وراحة وكأنه الأن أستطاع أن يأخذ نفسه ، بينما ألحقت "لبنى" ب "هاشم" خوفا من أن يحدث له مكروها ما
4

تقدم "إياد" نحو "مالك" رابطا على كتفه مُهنئا إياه رادفا بود :

_ مبروك يا مالك ، أدخل أنت دلوقتى لزينة وحاول تهون عليها وأنا هروح أشوف عمى هاشم ، الصدمة كانت شديدة عليه جدا
3

أوما له "مالك" بالموافقة على ما قاله "إياد" رادفا بأهتمام :

_ ماشى وأبقى طمنى

_ حاضر

وافقه "إياد" وسريعا ما غادر وألحاق ب "هاشم" للأطمئنان عليه وعلى "جواد" أيضا الذى لم يأتى حتى للأطمئنان على شقيقته مما أثار خوف "إياد" وقلقه
وصل "جواد" إلى قصر عائلة الدمنهورى وسريعا ما أخرج مفتاحه وقام بدفع الباب بكثيرا من الغضب والفوضى لدرجة أنه أرتطم بالحائط خلفه وتحط زجاجه بالكامل ، خرجت "حسنة" وباقى العاملين فى المنزل على أثر صوت الزجاج المنكسر ، فزع الجميع عندما وقعت أعينهم على ملامح "جواد" الصارخة بالغضب والأشتعال وهو يدلف القصر بملامحه تزرع الخوف فى قلب كل من يراه بهذه الهيئة المرعبة
2

كان الجميع يخشى أن يتفوه بأية حرف أمام ذلك البركان الثائر خوفا من أن يأذى أحدهم ، ولكن هى لم تستطيع ان تظل صامته فهى بهذا البيت منذ أن كان "جواد" فى سن المراهقة وتعتبره مثل أبنها وأكثر ، تدخلت "حسنة" مُحاولة إستوقاف "جواد" ومعرفة ما به رادفة بقلق :

_ فى أيه يا أبنى مالك؟!

تجاهلها "جواد" وأكمل طريقه راكضا نحو الدرج صاعد إلى غرفته دون حتى النظر لها ، طالعت "حُسنة" باقى العاملين فى القصر ويبدوا عليها ملامح القلق والتوتر من هيئة "جواد" الغير مُطمئنة أبدا

بينما فى الأعلى دلف "جواد" غرفته وأوصد الباب خلفه جيدا وما إن صاح صوت المفتاح مُعلنا عن إغلاقه للباب حتى أنفجر "جواد" فى البكاء وكأنه سمح لنفسه أخيرا بلأنهيار وإخراج مل ما يحمله بداخله من ألم وحسرة ، ظل "جواد" ينظر فى كل أركان الغرفة متذكر كل شيء حدث لها بها ، هنا تمت مُعاقبته بكثير من الأيام لا يخرج من تلك الغرفة ولا يرى أحدا ، هنا تم ضربه وتعنيفه بل تعذيبه وإهانته ، هنا نُعت بأبشع الألفاظ وأفظع أنواع السُباب ، هنا تجرد من طفولته ، هنا كان يأكل واحده بينما الجميع يجلسون حول المائدة معا ، هنا بكى وبكى إلى أن حفرت دموعه أرضية تلك الغرفة ، هنا تمنى لو كان هو من مات وليس ولدته لكى لا يرغم على العيش مع إمرأة مثل "هناء" ، هنا تحول من مجرد طفل برئ فى العاشرة من عمره ، إلى وحشا قاسى يخشاه الناس بينما هو أضعف كأن على وجه الأرض
1

نظر "جواد" إلى إنعكاس صورته بالمرأه ليرى نفسه ضعيفا وهزيل ومنكسر ، دموعه لا تتوقف عن الأنسدال فوق وجنتيه نعم هو يتذكر ذلك المنظر ، وكيف له أن ينساه!! ذلك المنظر كان يرأه كل يوم فى نفس تلك الغرفة وأمام نفس المرأة بعد كل مرة كان يُعاقب فيها على شيء لن يرتكبه ، كان يرى ذلك المنظر كل مرة كان يتمنى شيء ويريد الحصول عليه ويتم رفضه ، كان يراه كل مرة كان يحرم فيها من شيء يحبه كنوع من أنواع العقاب ، كل مرة كان يُضرب أمام أحدهم ويشعر بالشماته فى أعين من حوله ، كل مرة كان يُهان أمام الجميع لدرجة أن الجميع أصبح يُهينه
4

تذكر تلك المرأة التى كان بالنسبة له وحشا وليس بشرا ، تلك المرأة التى كان يخشاها حتى عندما أصبح رجلا فى العقد الرابع من عمره وكانها ستُعاقبه كما كانت تفعل به وهو طفلا صغير ، كان تستطيع التحكم به وكأنه دميتها الصغيرة ، لم يكن يتوقع بيوما من الأيام أن تلك المرأة هى نفسها المرأة التى قتلت أمه وحرمته منها وظلت تعذبة وتقسى عليه لينتقم من شخصا أخر
2
لم ترأف به مُخيلته وهو يتذكر نفسه وهو يبكى بسبب ضربها وإهانتها له أمام أعين الجميع إلا وأمسك بإحدى زجاجات العطر الموجوده أمامه وألقى موجها نظره نحو تلك المرأه لايزال يرى فيها ذلك الطفل وهو يبكى ليصيح بغضب وحسرة مُحاولا إخراج ذلك الألم الذى يمزق صدره رادفا بصراخ :

_ ليه عملت فيها كده!! ليييه!!

قال جملته تلك وهو يُلقى بزجاجة العطر على تلك المرأة لتسقط على الأرض مُحطمة إلى أشلاء صغيرة ويختفى ذلك الطفل من أمامه ، ولكن ذلك الأصطدام لم يكن كافيا بالنبسه له ، ظل يبكى ويحطم كل ما وقعت عينيه عليه وهو يصرخ بألم وحسرة :

_ كنت فاكر نفسك بنتقم من بنت الست اللى قتلت أمك أتاريك بتنتقم من الشخص الغلط وفى الأخر طلعت الست اللى أنت أعد معاها فى بيت واحد وبتتحكم فيك هى اللى قتلت أمك

كان يصرخ وهو يقوم بحمل تلك التسريحة ويقلبها رأسا على عقب مُحاولا إخراج كل طاقة الغضب التى سيطرت عليه مُكملا حديثه موجه نحو نفسه رادفا بلوم وعتاب :

_ كنت طول عمرك بتخاف وبتعمل حساب لست اللى يتمتك وعملت فيك كل ده لييييه!! سمعت كلامها ليه؟!

تذكر "ديانة" وكل ما فعله بها ، تذكر إنكسارها وضعفها أمامه وهو يقيدها ويجلدها وهى تبكى وتصيح صارخة بألم وحسرة ، تذكر إهانته لها وسبها بأفظع الشتائم والألفاظ النابيه ، تذكر تلك الطريقة المؤلمة والمُهينة التى سلبها بها شرفها وأستباح جسدها دون موافقتها

_ غبى
2

صرخ بتلك الكلمة لأعنا نفسه ألف مرة على كل مرة أغتصبها بها وسمح لنفسه بهتك رحمها بغرض الأنتقام ورؤيتها ضعيفة ومنكسرة أمامه ، لعن نفسه على كل مرة جامعها لكى يُفرغ بها شهوته وكانها عاهرة من العاهرات التى لا تليق إلا به ، صاح بندم وبكاء موجها حديثه نحو نفسه رادفا بأستهزاء وصراخ :

_ فاكرها هتسامحك وتأخدك فى حضنها بعد كل اللى عملته فيها!! فاكرها هتصدق إنك حبيتها وتسمح لنفسها تكون معاك مرة تانية؟! أنت خسرتها خلاص ، خسرتها بسبب غبائك ووساختك

كان يصرخ ويلتف فى جميع أركان الغرفة يكسر كل ما بها كالمجنون إلى أن وقعت عينه على صورته هو و"هناء" ، ليُسرع فى إلتقاطها وتوجيه حديثه نحوها رادفا بغضب وكرهية :

_ ليه عملتى فيا كده!! ليه عملتى كده؟! عملتلك أيه لكل ده!! أنا بكرهك يا هناء ، سامعه!! بكرهك ، معدتش خايف منك ، معدتش جواد اللى بيترعب منك يا هنااء
3

قالها وهو يُلقى بصورتها أرضا ويضغط عليها بحذائه ، ظل يبكى بحرقة وإنكسار مُتذكر وجه "ديانة" وبرأتها نادما على كل ما فعله بها ، تذكر وجهها منذ قليل فى المشفى عندما طلبت منه الطلاق ليتأكد من كونها لن تسامحه ، ليصرخ بإنكسار وبكاء رادفا بندم وإعتذار :

_ سامحينى يا ديانة ، يا ديانة أنا اسف ، يا دياااانة
كان صوت صراخ "جواد" وبكائه يصدح فى البيت بأكمله بالأضافة إلى صوت ذلك الزجاج والأشياء التى تُحطم ، تهاوت دموع "حُسنة" تأثرا بما سمعته من صراخ "جواد" وبكائة لتشعر بالشفقة على هذا الرجل الذى تدمرت حياته بسبب إمرأة قاسية لا تعرف شيئا عن الرحمة ، صعدت "حسنة" السلم مُتجه نحو غرفة "جواد" وحاولت أن تفتح الباب ولكنه وجدته مُغلقا من الدخل ، لتصيح بخوف وقلق موجهة حديثها نحو "جواد" رادفة بترجى :

_ أفتح يا جواد ، أفتح يا أبنى الله يباركلك

ظل "جواد" يُكسر فى أثاث الغرفة بأكمله لدرجة إنها ظنت أنه قد يكون حطم الجدران أيضا ، ليصيح "جواد" زاجرا إياها فى ألم وحسرة رادفا بصراخ :

_ سبونى لوحدى بقاا ، أبعدوا عنى ، هناء دمرتنى ، هناء سرقت منى أمى وطفولتى وشبابى وحتى اللى حبيتها خلتنى أعذبها وأخليها تكرهنى ، أبعدوا عنى بقااا
4

أنتفض جسد "حسنة" على أثر صوت ذلك الأرتطام الكبير الذى صدح فى المنزله بأكمله وكأنه أحد أسقف الغرف قد تهاوى على الأرض ، وما زاد فزعها هو إنقطاع صوت "جواد" وتوقف بكائه ، لتركض "حسنة" هابطة إلى الأسفل موجهة حديثها نحو العاملين بالقصر رادفة بفزع :

_ حد يطلع يكسر الباب نشوف أيه الصوت ده!!

أجابها أحد العاملين نهيا إياها عما تقوله رادفا بخوف :

_ نكسر ايه يا ست حسنة الله يباركلك !! جواد بيه مولع خالص وممكن من كتر عصبيته دى يموت حد فينا لو عملنا كده وأحنا عندنا عيال

نظرت لهم بقلة حيله ، نعم هو عنده حق هى لا تضمن ردة فعل "جواد" إذا حدث شيئا كهذا ، ولكن قلبها يرتجف من القلق على "جواد" لتصيح بنفاذ صبر رادفة بحزم :

_ أنا لازم أتصرف ، أنا هكلم هاشم بيه

❈ - ❈ - ❈

أ

تسعت أعيُن "ملك" بصدمة بعد أن قص عليها "إياد" بعض ما حدث فى فيلة "جواد" وأن والدة "ديانة" على قيد الحياة ، لتصيح "ملك" بعدم تصديق رادفة بأستفسار :

_ أيه اللى أنت بتقوله ده يا إياد!! ، كل ده حصل أمتى وأزاى!! معقوله مامت ديانة طلعت عايشه؟!

أجابها "إياد" وهو يفرق مقدمة رأسه شاعرا بالأرهاق البدنى والذهنى مما مر عليهم فى هذا اليوم الطويل الذى يبدو أنه لم ينتهى بعد ، ولكنه عليه أن يطمئنها كى لا تشعر هى ووالدتها بالقلق على "ديانة" ليردف بهدوء :

_ أيوه يا ملك وأحنا دلوقتى فى المستشفى ومش عارف لسه أيه اللى هيحصل!! ، أنا بس قولت اكلمك أطمنك على ديانة عشان كمان متروحش الفيلا بتاعت جواد دلوقتى

أغمضت "ملك" عينيها بأسئ وحزن على "ديانة" وكل ما تمر به من مشاكل ومصائب دون أن يكون لها ذنب بأى شيء ، لتصيح بلهفة عندما خطر ببالها أن تذهب لتكون معاها فى تلك الأوقات الصعبة رادفة بأستفسار :

_ طب أنت فى مستشفى أيه وأنا أجيلك؟!

نهاها "إياد" عما تُفكر به خشية من ردة فعل الجميع وأيضا كى لا يشعر أحدهم بالحرج أمامها ، ليردف موضحا لها وجهة نظره قائلا :

_ لا يا ملك من الأحسن إنك متجيش لا أنتى ولا طنط ، الجو هنا متوتر جدا والكل أعصابه مشدوده وفى أسرار كتير عماله تظهر ، بلاش تيجوا عشان ميبقاش فى إحراج أو توتر لديانة ومامتها

تفهمت "ملك" ما يُحاول "إياد" أن يوصله لها موافقة إياه عما قاله رادفة بتأكيد :

_ معاك حق لازم ندى فرصه لديانة تقرب من مامتها وأكيد الموضوع صعب على الكل ، طب طمنى مالك عندك؟!

أجابها "إياد" مُطمئنا إياها مُسرا لها سبب وجود "مالك" مع مراعة حديثه وعندم الأفصاح عن ذلك السر رادفا بحذر :

_ أيوه متقلقيش ، مالك مع زينة أصلها تعبت شويه بعد كل اللى سمعته والدكتور أداها مُهدى

شعرت "ملك" بالأستياء والحزن على تلك العائلة التى تبدو وكأنها أصابتها لعنة ما دمرتهم جميعا ، لتضيف بتعاطف وأسئ :

_ طبعا الموضوع صعب عليها جدا ربنا يصبرها يارب

_ طب يا حبيبتى أنا هروح أشوف ديانة وجواد كمان وصلوا لأيه!!

وافقته "ملك" على ما قاله رادفة بتأكيد :

_ خلاص ماشى وأبقى طمنى هاا

أومأ لها "إياد" بالموافقة على طلبها رادفة بإنصياع :

_ حاضر يا حبيبتى سلام

❈ - ❈ - ❈


دلف كلا من "هاشم" و"لبنى" إلى غرفة "ديانة" ليجدونها بمفردها داخل الغرفة ليتعجب كلاهما ، لتصيح "لبنى" موجهة حديثها نحو "ديانة" رادفة بأستفسار :

_ أومال فين جواد؟؟

أجابتها "ديانة" مُحاولة إصطناع القوة والثبات رادفة بملامح خالية من أى تعابير رادفة بهدوء :

_ مشى

ضيقت "لبنى" ما بين حاجبيها بأستنكار مُتعجبة مما قالته أبنتها ، نظرت نحو "هاشم" بقلق لتحول بصرها نحو أبنتها مرة أخرى شاعرة بأن هناك أمرا ما رادفة بأستفسار :

_ مشى ليه!! أيه اللى حصل؟!

أجابتها "ديانة" وهى لاتزال مُحافظة على ملامحها الهادئة والخالية من أى تعابير أو تأثر بما تقوله رادفة بثبات :

_ طلبت الطلاق وهو قالى حاضر ومشى

كانت تقول جملتها تلك وفى هذه اللحظة كان "إياد" يدلف الغرفة ، لتقع تلك الجملة على مسامعه كالصعقة الكهربائيه ليغمض عينيه بتوتر شاعرا بالقلق من ردة فعل "جواد" ، بينما نظر كلا من "هاشم" ولبنى" إلى بعضهما دون إضافة أية كلمة كى لا تظن "ديانة" أنهم يأثرون عليها فى شيء
5

كان الصمت هو سيد المكان ، لا يستطيع أحد التفوه بكلمة أو بالأحرى لا يعلم أحدا منهم ماذا يقول!! ، ليكسر "هاشم" ذلك الصمت لأفتا إنتباه الجميع وهو يتجه نحو "ديانة" ويجلس بجانبها مُعقبا بكسرة وندم والدموع تملئ عينيه :

_ أنا أسف يا بنتى ، أسف يا بنت الغالى ، حقك على راسى ، أنا السبب ، أنا اللى عملت كل ده ، أنا اللى سبت جواد لهناء تزرع جواه الكره والقسوة والجبروت ، أنا اللى كنت غبى وسبت نار الأنتقام تعمينى عن الحقيقة ، أنا اللى ظلمتك وظلمت لبنى وظلمت جواد وظلمت زينة وظلمت الكل ، سامحينى يا بنتى أبوس أيدك

ترقرت الدموع فى أعيُن "ديانة" وسريعا ما لم تتحكم فى إنهيارها لتنفجر فى البكاء أمام الجميع ، موجهة حديثها نحو "هاشم" رادفة بضعف وبكاء :

_ طول عمرى كنت بتمنى ألاقى أهلى الحققين وأحس إنى ليا عيلة وأهل بجد مش ناس بتربينى وبتعطف عليا أكمنى مليش أهل ، أول يوم شوفتك فيه كنت متلخبطه ، مش عارفة أكرهك ولا أجرى أرمى نفسى فى حضنك وأشم فيم ريحة بابا اللى عمرى ما شوفته

جزبها "هاشم" سريعا إلى صدره مُعنقا إياها تاركا العنان لدموعه أن تتهاوى دون توقف أو تحكم منه مُعلنا عن إنهياره وندمه أمام الجميع ، ربط "هاشم" على ظهر "ديانة" شاعرا براحة والأمان وكأنه هو من كان يحتتج إلى ذلك العناق وليس هى ، لينفجر هو الأخر فى البكاء رادفا بنحيبا وندم :

_ سامحينى يا ديانة ، سامحينى يا بنتى عشان ربنا يسامحنى وعشان لما أقابل أبوكى يكون هو كمان مسامحنى ، سامحينى يا بنت شرف اللى كان عندى أغلى من نور عينى

تشبثت "ديانة" ب"هاشم" جيدا وكأنها طفلة صغيرة لا تريد أن تخرج من صدر والدها ولا تريده أن يبتعد عنها ، صاحت "ديانة" بصدق موجهة حديثها نحو "هاشم" بعد أن شعرت بمرراة ندمه ورجفة جسده رادفة ببكاء :

_ سامحتك يا عمى ، بعد كل اللى سمعته من هناء سامحتك ، كفاية إنك رجعتلى ماما تانى

ربط "هاشم" على ظهرها وخرج من عناقها مُقبلا مقدمة رأسها بحب وعاطفة أبويه ، حول "هاشم" نظره نحو "لبنى" التى كانت دموعها تتهاوى بصمت متأثرة بما يدور بين "هاشم" وأبنتها شاعرة بالراحة بعد أن تحقق ما كانت تدعى به منذ سنوات طوال ، ليصيح "هاشم" موجها حديثه نحو "لبنى" مُضيفا بضعف وإنكسار رادفا بندم :

_ سامحينى يا لبنى ، أنا غلطت فى حقك كتير أوى ، أنتى أكتر واحده فى الدنيا ليها حق عندى ، أنتى أكتر واحده ظلمتها وجيت عليها ، أنا أسف

كان يعتذر بإنهيار لم تراه به منذ موت "شرف" وظل مطأطا رأسه إلى الأسفل مُعبرا عن ندمه وحسرته ، لتربط "لبنى" على كتف "هاشم" بتسامح مُحاولة التخفيف عنه رادفة بصدق ومسامحة :

_ لا يا هاشم أنا أكتر واحده فى الدنيا كنت حاسه بيك ومقدره كل اللى بتحس بيه ، أنا مسمحاك من زمان أوى ، من قبل ما تعمل أى حاجه وأنا مسمحاك ، كل اللى كان نفسى فيه إنى اقدر أتكلم تانى وأحكيلك اللى حصل وأعرفك إنى بريئة من دم تهانى بس الحمدلله كل شيء جيه بأوانه
4

كاد "هاشم" أن يتحدث ليقاطعه صوت هاتفه مُعلنا عن إتصالا من منزله ليشعر بالقلق وسريعا ما قام برد على ذلك الأتصال ليأتيه صوت "حسنة" رادفة بلهفة وزعر :

_ أيوه يا هاشم بيه ألحقنا

شعر "هاشم" بالفزع من نبرة "حسنة" المليئة بالهلع وأول من خطر بباله هو "جواد" ، ليصيح مستفسرا عن الأمر رادفا بلهفة :

_ أيه يا حُسنه فى أيه؟!

أجابته "حسنة" بنبرة يملأها الخوف والفزع رادفا بلهفة :

_ ألحقنا يا هاشم بيه ، جواد جيه من شويه وطلع أوضته القديمة وأعد يصرخ ويعيط بصوت عالى ويكسر حاجات كتير أوى ومنها أزاز ومحدش من الخدم عارف يطلعلوا كلهم خايفين من صوته
أنتفض قلب "هاشم" من الفزع خوفا من أن يحدث شيئا لأبنه وتكون هذه أكبر كسرة تعرض لها بحياته ، ليصيح موجها حديثه نحوها رادفا بلهفة :

_ خلوا بالكوا منوا يا حُسنة لحد ما أجى ، أنا جى حالا

شعرت "لبنى" بالقلق من تعابير وجه "هاشم" التى تصرخ بالفزع والزعر ، لتردف بلهفة مُستفسرة عن الأمر :

_ فى أيه يا هاشم؟!

أجابها "هاشم" وهو يشعر بالخوف والأرتباك ويلتف حول نفسه بهلع ورعب ويحرك رأسه بتشتت رادفا بتلعثم :

_ جواد... جواد يا لبنى

أرتعبت "ديانة" من نبرة الهلع والزعر فى حديث عمها وسريعا ما شعرت بإنقباض فى قلبها وزيادة فى ضرباته، لا تعلم لماذا تشعر بذلك الخوف وتشعر وكأنها على وشك البكاء!! ، لماذا تشعر بالقلق والرعب على ذلك للشخص؟! ، أنتشلها "إياد" من ذلك التشتت موجها حديثه نحو "هاشم" رادفا بلهفة :

_ ماله جواد؟!

أجابة "هاشم" وهو يُحاول تمالك أعصابه رادفا بفزع وزعر :

_ جواد عندى فى الفيلا ومنهار وعمال يصرخ ويعيط بصوت عالى ، حسنة بتقولى إن فى صوت أزاز وحاجات بتتكسر ومحدش عارف يوقفه
2

شعر "إياد" بالخوف الشديد على صديقه ليركض نحو الباب عازما على الخروج من المشفى بأكملها ذاهبا إلى صديقه ، ليوقفه صوت "هاشم" رادفا بلهفة :

_ أستنى خدنى معاك يا إياد

أستعد كلا من "هاشم" و"إياد" لمغادرة المشفى للأطمئنان على "جواد" وبمجرد أن خرجا من الغرفة وأقفلت "لبنى" حتى أنفجرت "ديانة" فى البكاء والنحيب مُعلنة عن إنهيارها وضعفها أمام والدتها ، شعرت "لبنى" بالحزن والشفقة على أبنتها وسريعا ما ركضت نحوها وضمتها إلى صدرها مُحاولة تهدأتها رادفة بتأثر وبكاء :

_ مدام خايفه عليه كده ليه طلبتى الطلاق؟!

أجابتها "ديانة" مُتحدثة بصعوبة لكثرة شهقاتها رادفة ببكاء ونحيب :

_ عشان معدش ينفع نكون مع بعض بعد كل اللى عمله فيا ، أنتى متعرفيش هو عمل فيا أيه!! أنا بكرهه بس مش عارفه ليه خفت عليه كده فجاه!! مش عارفه أزاى أخاف على البنئ أدم اللى أذانى وأغتصبنى وجىحنى!!أنا تعبانه أوى ومش عارفه أعمل ايه يا ماما؟!
1

تهاوت دموع "لبنى" تأثرا بما تفوهت به أبنتها وأخذت تربط على ظهر مُحاولة تهدئتها رادفة بتمنى :

_ أهدى يا حبيبتى ، أهدى وإن شاء الله خير

❈ - ❈ - ❈


وصل كلا من "هاشم" و"إياد" إلى القصر ليتعجبا من منظر الباب وذلك الزجاج المُنكسر والمبعثر فى كل مكان ، دلف كلاهما نحو الداخل ليجدوا جميع العالملين بالقصر يقفون بإنتظارهم والصمت هو سيد المكان ، لدرجه أنهم ظنوا أن "جواد" قد رحل من المنزل ، ولكن "هاشم" كان يريد أن يتأكد من ذلك الأمر

صاح "هاشم" موجها نظراته وحديثه على "حُسنة" رادفا بلهفة وأستفسار :

_ جواد فين يا حسنة؟!

صاحت "حسنة" موجهة حديثها نحو "هاشم" وهى تشعر بكثير من الخوف والقلق على "جواد" رادفة بلهفة :

_ ألحقنا يا هاشم بيه ، جواد جيه من برا وكان شكله متعصب أوى لدرجة أنه كسر باب الفيلا ، سألته وهو داخل مالك مردش عليا وطلع على أوضة على طول ، مفيش دقايق وسمعنا حاجات بتتكسر وهو عمال يصرخ ويزعق ويقول كلام كتير أوى ويعيط ، خبط عليه مرداش يفتحلى وصرخ عليا وسمعت صوت عالى جدا كأن السقف وقع على الأرض والصوت أتقطع من بعدها ، روحت أتصلت بحضرتك على طول ، ومن وقتها مفيش صوت طالع من الأوضه ومعدناش سمعنا حاجه!!

شعر كلا من "هاشم" و"إياد" بالفزع على "جواد" وسريعا ما ركض "إياد" نحو الدرج صاعد إلى غرفة "جواد" وهو يشعر بالرعب من أن يكون حدث ل"جواد" شيئا ، بينما لحقة "هاشم" شاعرا بنفضة غريبة سرت فى جسده لأول مرة يشعر بها بسبب "جواد" وهذا ألهمه بأن هناك شيئا كبير قد حدث

وصل "إياد" أمام باب غرفة "جواد" وهو فى حاله هلع من بشاعة السناريوهات التى ضربت برأسه ، لف "إياد" مقبض الباب مُحاولا فتحه ولكنه وجده موصودا من الداخل ، طرق على الباب مُحاولا التوصل مع "جواد" رادفا بصياح :

_ جواد أفتح يا جواد ، أنا إياد يا جواد بقولك أفتح

قال جملته تلك وهو يلكم الباب بإنفعال وهو يصر على أسنانه ، حاول "هاشم" هو الأخر جعل "جواد" يرد عليهم حتى رادفا برعب وفزع :

_ يا جواد رد علينا طيب يا أبنى بلاش السكوت ده

لكم "إياد" الباب بغضب مُمذوج بالرعب والفزع من هذا الصمت الغريب رادفا بتأكيد على حديثه وأنه ليس مجرد تهديد :

_ جواد أنت لو مفتحتش الباب أنا هكسره!!

خاب أملهم ولم يأتيهم أى صوت أو حتى مجرد حركة بسيطه تدل على أنه يوجد كائن حى بالداخل ، شعر كلا من "هاشم" و"إياد" بالشلل لأنهم يعلما بما أن "جواد" بالداخل لن يصمت كل هذا وإذا كان حقا لا يريد أن يزعجه احدا لكان صاح بهم موبخا إياهم دون الأكتراث لأحد ، لكن هذا الصمت أثبت لهم أن هناك كارثة كبيرة خلف هذا الباب ، كسر ذلك الصمت صوت "هاشم" الصارخ على "إياد" مُنتشلا إياه من صدمة رادفا بأمر :

_ أكسر الباب يا إياد

بالفعل أستعد "إياد" لتنفيذ أمر "هاشم" وهو يشعر برجفة كبيرة فى قلبه خوفا من فتح هذا الباب ، لا يعرف ماذا ستكون تلك الكارثة التى سيرها بعد ثوانٍ هل سيكون صديقه بخير!! أم سيكون يلفظ أنفاسه الأخيرة ، دفع "إياد" الباب وهو يتمنى أن يكون كل ما يدور برأسه غير صحيحا وتكون تخمينات كاذبة ، ولكنه بمجرد أن صفع الباب تأكد أن كل مخاوفة وافكاره لم تكن تخمينات كاذبة

فتح "إياد" عينيه على مصرعها من هول ذلك المنظر التى وقع بصره عليه ، ليُصعق "إياد" ويسمر مكانه غير قادرا على الحركة بالإضافة إلى قلبه الذى أنتفض بين ضلوعه من ذلك المنظر الذى وجد صديقه عليه ، بينما "هاشم" لم يكن يتصور فى أحد الأيام أن يرى أبنه بهذا المنظر الذى جعل قلبه يتمزق بين ضلوعه ، أمتلئت عين "هاشم" بالدموع وهو يسرع نحو نجله المُلقى أمامه بهذا المنظر المؤلم لا حول له ولا قوة صارخا بفزع وهول :
8

_ جواااد ، أبنى
أسرع كلا من "هاشم" نحو جواد المُلقى أمامه على الأرض يبكى ويئن كالأطفال وهو يضم ساقية إلى صدره وقأنه طفل فى السطثامنة من عمره ويشعر بكثير من الخوف ، حاول "هاشم" فك تشنيجة جسد "جواد" ولكن دون فائده فهو كالميت التى تصلبت جسده بالأيضافة إلى تلك الشهقات والأنين المنخفض الذى يخرج من ، وتلك الدماء التى تنسدل من رقبته ومن يديه بسبب ذلك الزجاج المنغرس بهم ، صاح "هاشم" مُحاولا الأستنجاد بأحد وطلب المساعدة رادفا بصراخ ولهفة :
1

_ جواد ، الحقنى يا إياد

كان "إياد" يقف وكأنه تحنط من هول صدمته ، هو يعرف جواد منذ أكثر من خمسة عشرة سنة ، لم يسبق له أن يراه فى هذا المنظر وذلك الأنهيار قط ، كان يشعر وكأن أطرافه أصبحت مشلوله ، ما الذى حدث لصديقه أوصله إلى تلك الحاله ، أفاقه صراخ "هاشم" الذى صاح مرة أخرى مُحاولا إفاقة "إياد" من شروده رادفا بحدة :

_ أتحرك يا إياد شيلوا معايا بسرعه

سريعا ما تدخل "إياد" مُحاولا رفع "جواد" من على الأرض بمساعدة والده ، بينما "حسنة" كانت تنظف الفراش من ذلك الزجاج المتناثر عليه ، كى يضعو "جواد" عليه ، تفحصت "حسنة" الغرفة لمعرفة ما كان هذا الصوت المرتفع لتقع عينيه على تلك الشاشة السوداء الكبيرة الخاصة بغرفة "جواد" وهى واقعة على الأرض ومنكسرة لتخمن أن تلك الضحة كانت بسبب تلك الشاشة الكبيرة ، وضع كلا من "هاشم" و"إياد" على الفراش ، بينما كان "جواد" لايزال يبكى بخوف ورعب كالأطفال ، صاح "هاشم" موجها حديثه نحو "حسنة" رادفا بلهفة :

_ أتصلى بالدكتور بسرعة يا حسنة

بالفعل خرجت "حسنة" من الغرفة وأسرعت فى الذهاب للأتصال بالطبيب ، بينما جلس كلا من "هاشم" و "إياد" بجانب "جواد" وكان "إياد" لايزال مُصعقا من بكاء ونحيب صديقه ، بينما "هاشم" أحتضنه مُحاولا تهدئته وقلبة يتمزق من الألم على أبنه رادفا بترجى :
5

_ جواد ، رد عليا يا أبنى أبوس أيدك

شهق "جواد" وتشبث فى والده جيدا وكأنه مزعورا من شيئا ما وهو يضم رجله إلى صدره بتلك الطريقة اللعينة ، صلح "جواد" وهو يبكى بزعر وهلع رادفا بخوف :

_ خالتوا هناء هتضربنى يا بابا ، هتضربنى من غير ما أعمل حاجه ، لا لا مش هتضربنى ، دى هتحبسنى فى أوضة البدورم الضلمه وتسبنى فيها يومين تلاته وتبعتلى الأكل مع الدادا ، لا أو ممكن تضربنى تانى قدام صحابى ، أنا معملتش حاجه غلط ، أنا كنت بلعب مع هيثم صحبى هنا فى البيت عادى راحت ضربتنى بالقلم قدامه عشان قولت لدادا إنى مش عايز أكل دلوقتى ، هتقعد تقول إنى مش راجل وإنى جبان وهى بتضربنى بالحزام بتاعك ، أنا خايف يا بابا متخلهاش تضربنى تانى
7

جحظ "هاشم" عينيه بصدمة من تلك الحالة التى وصل إليها أبنها ومما يتفوه به لتو ، كيف لرجل فى الثلاثين من عمره يشعر بالخوف بمثل هءا الطريقة الموجعة للقلب ، ماذا فعلتتلك المراة بأبنه لجعله يرتجف من كثرة خوقه منها هكذا ، أمتلئت عينى "هاشم" وهو يربط على كتف أبنه مُحاولا تهدئته وتطمئنه رادفا بألم :
_ هناء مش هتضربك يا جواد ، هناء مش هتيجى تانى يا حبيبى فوق ، فوق ومتخفش يا جواد ، فوق يا أبنى وحقك عليا

هز "جواد" راسه بهسترية وهو ينتفض بين زراعى والده ، يشعر بالكثير من الخوف والزعر الحقيقى رادفا بفزع ورعب نهيا حديث والده :

_ لا لا هترجع تانى أنا عارف ، هتستنى لحد ما أنت تسافر وهتيجى تضربنى وتعاقبنى وتحبسنى ، هتحرمنى من الأكل تانى زى المرة اللى طلبت منك فيها تجبلى تليفون جديد وقالتى إنى مليش حق أطلب حاجه لانى مفيش منى أهميه للبيت ده وإن نفسها تخلص منى عشان أنا ضعيف ومليش شخصية ، هترجع المرة دى وهتكهربنى زى ما هددتنى أخر مرة ، أنا خايف أوى يا بابا ، أبعدها عنى أبوس رجلك

لم يستطيع "إياد" ابتحمل أكثر من ذلك لتتهاوى دموعه حزنا وتأثرا بحاله صديقه المزية وظل يبكى فى صمت وهو ينظر إلى ذلك الحصن الذى لطالما ظن الجميع أنه مظلم ، ها هو ينهار الأن أمام أعينه ولا يستطيع مسعادته ، بينما شد "هاشم" على إحتضان أبنه ودموعه تتهاوى دون توقف رادفا بحسرة وإنكسار :

_ فوق يا جواد أنت كبرت وبقيت راجل ، هناء خلاص راحت ومعدتش راجعه ، هناء أختفت من حياتنا للابد
صاح "جواد" وهو يفرق عناق والده له وكأنه تحول فى لمحة بصر من ذلك الطفل الصغير إلى ذلك الرجل الناضج مرة أخرى مُجها حديثه نحو والده بحدة رادفا بصراخ :

_ بعد أيه!! راحت بعد أيه؟! بعد ما قتلت أمى!! بعد ما ربت جوايا إنسان مريض نفسى وجبان ، إنسان خايف من كل اللى حوليه ، طفل صغير ضعيف عايش جوا جسم راجل كبير قاسى بيعمل أقصى ما فى وسعه عشان يخلى الناس تخاف منه وتعمله حساب وهو أصلا أضعف إنسان فى الكون

شهق "جواد" بقوة مُحاولا أخذ أنفاسه بصعوبة بسبب كثرة بكائه ، ليكمل حديثه مرة أخرى مُضيفا بين شهقاته رادفا ببكاء ونحيب :

_ راحت بعد أيه!! بعد ما زرعت جوايا الكره والقسوة تجاه ناس ملهمش أى ذنب فى موت أمى وخلتى أنتقم من الأنسانه الوحيدة اللى حبتها

نظر له "هاشم" بكثير من الشفقة والحزن على أبنه ، هو كان يشعر أن قلب أبنه قد تعلق بتلك الفتاة ولكنه لم يكن يتصور أن يتحول كل هذا الكرة الكبير إلى عذا الخب الشديد الذى يراه يصرخ فى عينيه ، ليضيف "جواد" وهو لايزال يبكى بقوة رادفا بإصرار :

_ أيوه حبتها ، حبتها غصب عنى ، بس حبتها أزاى!! فى حد بيحب حد يعمل فيه كل اللى انا عملته فيها ده!! ، أنا عذبتها وجلدتها وأغتصبتها بدل المرة كذا مرة وطلعت كل ضعفى ووساختى فيها ، هنتها وذلتها وعاملتها معامله متتعملش غير لنسوان الفاجرة اللى شبهى ، وجعتها وأذتها وأخدت شرفها بطريقة وسخة بعد ما هناء سخنتنى وخلتنى أعمل كده
1

كان يقول جملته الأخيرة وهو يصرخ بألم وندم ، بينما صعق كلا من "إياد" و"هاشم" مما أستمعوا إليه من قبل "جواد" ، بالطبع كان سهلا عليهم معرفة ما هى الطريقة القذرة تلك التى تحدث عنها "جواد" ليشعرا بالشفقة على كللاهما ، ف "هناء" أستطاعت أن تبنى بينهم صورا لم يكن تحطيمه شيء هين أبدا ، صاح "جواد" مرة أخرى مُمتما بتوهان وأستفسار رادفا بنحيب وبكاء :

_ طب هى ممكن تسامحنى!! ، لا عمرها ما هتسامحنى

رد على نفسه نهيها عما قالته ، لينظر نحو والده بضعف وعينى لا تتوقف عن ذرف الدموع لدرجة إنها تحولت من البيضا إلى الأحمرار القاتم رادفا بتوصل ورجاء :

_ خليها تسامحنى يا بابا ، أنا بحبها

لم ينتظر "جواد" رد والده ليحول نظره نحو صديقه وهو على نفس حالة الضعف والإنكسار رادفا بتوسل وترجى :

_ خليها تسامحنى يا إياد ، أنا بحبها

تقلصت ملامح وجه "جواد" من كثرة البكاء مُضيفا وهو يضرب الفرش تحته بقدميه وهو يتزمر رادفا بصراخ :

_ والله العظيم بحبها ، أنا أسف ، أنا أسف ، يا ديانة أنا أسف

ظل يتلوا بالفراش وكأن هناك عقرب لدغه وهو على نفس حالة البكاء والصراخ مُتوسلا لمن حوله لجعلها تسامحه وإعطائه فرصة أخرى ، صاخ "جواد" موجها حديثه نحو كلا من "هاشم" و "إياد" مُعقبا ببكاء وترجى رادفا بصراخ :

_ متخلوهاش تسبنى بالله عليكوا ، أنا أسف يا ديانة ، يا ديانة سامحينى أنا أسف

أنتفض كلا من "هاشم" و"إياد" بعد رؤية تلك التشنيجة التى أستولت على جسد "جواد" وذلك الأنيهار العصبى الذى بات واضحا للغاية ، حاول كلاهما السيطرة على جسد "جواد" ولكن دون فائدة فجسده أصبح وكأن هناك صاعقة كهربائه ضربت جسده ، صاح "هاشم" بكثير من الفزع والرعب وهو يرى جسد أبنه يتتفض أمامه وهو يصرخ بالأضافة إلى تلك العروق البازة التى ضربت فى رقبته ويده المجروحتان ليصرخ بزعر :

_ ألحقنى يا إياد

أندفع "إياد" نحو جسد صديقه مُحاولا تثبيته ولكن دون فائدة ، فى تلك اللحظة دلفت "حسنة" الغرفة على عجل موجهة حديثها نحو "هاشم" رادفة بلهفة :

_ الدكتور وصل يا ...

لم يعطيها "هاشم" الفرصه وهو يُحاول تثبيت قدمى أبنه صائحا بها رادفا بصراخ :

_ دخليه بسرعة

ما إن دلف الطبيب الغرفة ورأى تلك الحالة التى عليها "جواد" حتى علم ما هى حالته ، وضع الطبيب حقيبته على الفراش وأخرج منها تلك الأبرة الطبية ويليها ذلك العقار الطبى مفرغا ما فى داخله بها ، توجها سريعا نحو "جواد" موجها حديثه إلى كلا "هاشم" و "إياد" رادفا بحدة وحزم :

_ أمسكولى دراعه بسرعه

وبالفعل قام "هاشم" بثبيت ذراع "جواد" بمساعدة "إياد" لفتح المجال لطبيب لإعطائه ذلك المُهدئ ، ما إن وضع الطبيب تلك الإبرة داخل ذراع "جواد" حتى شعر بثقل جسده وهدوء أنفاسه وعدم قدرته على الإنفعال ، وما هى إلا لحظات حتى غاب "جواد" عن الوعى بسبب ذلك المُهدئ القوى الذى تلقاه لتو

جلس الطبيب بجانب "جواد" وبدأ فى إخراج تلك القطع الزجاجيه من كتفه و يده وشرع فى تفحص إياهم ليجدهم لن يسببوا خطرا عليه وقام بتضمد جروحه بعد أن عقمها جيدا ، أنتهى الطبيب من عمله لينهض من مكانه ويلتف نحو "هاشم" و "إياد" الذان كان يقفان خلفه رادفا بأستفسار :

_ ممكن حد يقولى أيه اللى حصل بالظبط ، اللى قدامى ده مش حاجه بسيطه!! ، دى حالة إنهيار عصبى ولازم أعرف أيه اللى حصل عشان أحدد أيه اللى المفروض يتم!!

تنهد "هاشم" بأستياء وبدأ فى أن يقص عليه ما حدث مُراعيا عدم التدخل فى التفاصيل العائليه حفاظا على سمعة ومكانة عائلته مُلقيا عليه ما أخبرته به العامله من إنهيار "جواد" وصراخه ، مرورا ببكائه أمامه وذكر أشياء من الماضى مع عدم ذكرها ، وأخبره بأنه أكتشف حقيقة شيء كان مخدوعا فيه منذ أكثر من عشرون عاما وبالطبع لم يذكر ذلك الشيء

زفر الطبيب بأستياء بعد أن فهم ما يُحاول "هاشم" توصيله له ليردف بتفهم :

_ اللى أنا فهمته من حضرتك إن جواد بيه عرف حقيقة حاجه مهمه كان فهمها غلط من فترة طويله جدا ، طبعا ده يفسر حالة الإنهيار العصبى اللى عنده ، فى الحقيقة جواد بيه محتاج يتعرض على دكتور نفسى فى أسرع وقت ممكن وإلا حالته هتسوء والله أعلم أيه اللى ممكن يحصل وقتها؟!

صاح "إياد" مستفسرا عن إن كان صديقه بخيرا أم لا رادفا بلهفة وإهتمام :

_ طب هو دلوقتى هيبقى كويس يا دكتور؟!

أومأ له الطبيب بالموافقة على حديثه مُحاولا تخفيف الأمر على الجميع رادفا بهدوء :

_ أنا دلوقتى أديتله مهدأ ، بس لازم حد يفضل جمبه عشان يعرف هتكون حالته عامله أزاى أول ما يفوق!! ، لو فضل فى حاله الأنهيار دى هيحتاج يتنقل المستشفى فورا ، لكن لو بقى كويس يفضل أنه يتعرض على طبيب أمراض نفسية فى أسرع وقت ، وبالنسبة للجروح اللى فى جسمه مش محتاجه خياطه أنا عقمتهاله ولفتها كويس ويبقى يغير عليها بس كل شويه

صافح "هاشم" الطبيب مُعبرا عن مدى شكره وإمتنانه له رادفا بهدوء :

_ شكرا يا دكتور

بادله "الطبيب" المُصافحة بأهتمام رادفا بإمتنان :

_ العفو يا هاشم بيه ، ده واجبى ، وألف سلامه على جواد بيه

أبتسم له "هاشم" بإنكسار ولكنه عمل على أن لا يُظهره ، رادفا بهدوء :

_ الله يسلمك يا دكتور ، وصل الدكتور يا إياد

قال جملته الأخيرة موجها حديثه نحو "إياد" ، وبالفعل أصطحب "إياد" الطبيب إلى الخارج لكى يقوم بتوصيله وشكره ، بينما جلس "هاشم" بجانب "جواد" على الفراش وأخذ يمسح على مقدمة رأسه مرورا بشعره بأنكسار وندم ، أنحنى "هاشم" مُقبلا جبهة "جواد" غير متذكرا متى كانت أخر مرة فعل بها هذا الشيء!! ورغما عنه تهاوت من عينيه بعض الدموع مُعلنة عن إنهياره

عاد "إياد" إلى الغرفة مرة أخرى ليجد "هاشم" على تلك الحالة المثيرة لشفقة ، بالطبع فمنظر الأب وهو مكسورا على ضعف وإنهيار أبنه الوحيد بالتأكيد سيكون شيئا فى غاية الألم والحزن ، أقترب "إياد" نحو "هاشم" بهدوء وهو يربط على كتفه مُحاولا مواسته

رفع "هاشم" نظراته نحو "إياد" ويبدو عليه ملامح الضعف والإنكسار رادفا بحرقة وندم :

_ أنا السبب ، أنا اللى وصلت عيالى لكده

هز "إياد" رأسه بالنفى مٌحاولا جعل "هاشم" لا يُلقى بكامل الذنب على نفسه كى لا يحدث له شيئا رادفا بنهى :

_ لا يا عمى ، حضرتك ملكش ذنب ، مدام هناء هى اللى عملت كل ده و ..

رفض "هاشم" الأستماع إلى ما يقوله "إياد" شاعرا بأنه هو السبب الرئسى فى كل ما حدث رادفا بإصرار وندم :

_ لا يا إياد ليا ذنب وذنب كبير كمان ، أنا اللى سبت نار الأنتقام تعمينى وسبت ولادى لهناء ، نسيت إن اللى مات مات وإن لسه فى رقبتى عيال عايزه تتربى صح ، سبت طفل عنده ١٠ سنين لواحده معندهاش رحمة زرعت جواه القسوة وربت جواه أمراض نفسيه وأنا كنت بساعدها وأذود عليه ، حتى زينة مكنتش بهتم بيها ولا بديها الحنان اللى كانت محتاه ، كنت أعمى لدرجه إنى مشفتش إنها محتاجه الحنان ده وإنها لو مخدتهوش منى هتدور عليه برا ، أنا اللى ضيعت عيالى يا إياد

أنحنى "هاشم" مُقبلا جبهة "جواد" بندم وحرقة ، بينما كانت دموعه تتهاوى دون توقف رادفا بأعتذار وإنكسار :

_ سامحنى يا جواد ، سامحنى يا أبنى أنا أوحش أب فى الدنيا وأغبى راجل فى العالم

ربط "إياد" على كتف "هاشم" بأعين تملائها الدموع مُتأثر بما حدث لتلك العائلة التى هى بمثابة عائلته الأخرى ، رادفا بتمنى :

_ متعملش فى نفسك كده يا عمى ، إن شاء الله كل حاجه هتتصلح

هز "هاشم" رأسه بالموافقة على حديث "إياد" رادفا بتمنى :

_ يارب يا إياد ، يارب

❈ - ❈ - ❈


فتحت "زينة" عينيها بثقل شديد وهى تُحاول تستجمع صورة كاملة بعينيها لتعرف من الذى يجلس أمامها ، بالفعل أستطاعت أن تفتح عينيها جيدا وأستطاعت أن تتعرف على وجه "مالك" الذى كان يجلس بجانبها على ذلك الفراش ممسكا بيدها ، وما إن فتحت عينيها حتى هتف براحة وسعادة يحاول أن يخفيها رادفا بهدوء :

_ حمدلله على سلامتك يا زينة

لوهلة لم تستوعب وجوده بجانبها لدرجة إنها ظنت نفسها تتخيل ولكن عندما أستمعت إلى صوته تأكدت إنها لا تحلم وأنه بالفعل يجلس بجانبها وهما بمفردهم فى تلك الغرفة ، شعرت "زينة" بالأستغراب من وجوده بجانبها حتى إنه لا يوجد معهم أحدا بالغرفة ، كيف حدث هذا!! وأين هم الجميع؟! ، صاحت "زينة" بلهفة عندما تذكرت ما حدث منذ قليل فى غرفة "ديانة" لتوجه حديثها نحو "مالك" رادفة بأستفسار :

_ أنت بتعمل أيه هنا!! وفين بابا وجواد؟! وأزاى سيبينك جمبى كده!!

ضم "مالك" يد "زينة" بين يديه مُحاولا تهدئتها وإشعارها بالراحة رادفا بهدوء ومحبة :
_ طب أهدى طيب وأنا هفهمك كل حاجه

سحبت "زينة" يدها من بين يدى "مالك" بمزيجا من الفزع والأنزعاج رادفة بلهفة وملامحها تصرخ بالزعر :

_ تفهمنى أيه!! حد فيهم حصله حاجه

لم ينزعج من تلك الطريقة التى جذبت بها يدها من بين يده وكأنه شيئا يولمها لأنه شعر بمدى حالة الفزع والزعر التى سيطرت عليها ، ليصيح "مالك" مُحاولا تطمئنتها وهو يُحاوط وجهها بين كفيه شاعرا بقلبه يمزق على حبيبته رادفا بهدوء :

_ أهدى يا زينة محدش حصله حاجه ، كل اللى حصل أنك أغمى عليكى بسبب الأنفعال اللى كنتى فيه وجبناكى هنا والدكتور كشف عليكى و...

سكت من تلقائه نفسه لانه لا يعرف كيف سيخبرها بهذا الأم المُخجل!! ولكنها كانت سريعة البديهة وأستطاعت أن تُدرك ما كان سيقوله "مالك" ، لتشعر برجفة سيطرت على أطرافها من مجرد التفكير فى هذا الأمر لتردف بفزع :

_ وأيه!! بابا عرف إنى حامل؟!

أغمض "مالك" عينيه بخذى شاعرا بالندم والحصرة على ما فعله بها وبنفسه وما أصلهما إليه بسبب تسرعه وغبائه الشديد ، رادفا بأسف :

_ أنا أسف يا زينة ، أنا اللى وصلتك لكده

لم تكترث لهذا الأسف والندم الذان كان واضحين فى نبرة صوته ، بل كل ما كان يُعيرها هو ردة فعل والدها عند معرفته بما حدث وماذا كانت صورتها أمامه!! هل ظن بها إنها فتاة عاهرة!! ، هل ظن إنها فعلت هذا الشيء بمحض إرادتها!! ماذا حدث له بعد أن سمع هذا الخبر ، صاحت "زينة" موجهة حديثها نحو "مالك" رادفة بلهفة وإستفسار :

_ وكانت أيه ردة فعله!! قال عليا مش كويسه صح؟!

هز لها "مالك" راسه بالنفى غير موافقا على ما قالته رافضا حتى جعلها تفكر أن والدها ظن بها شيء سئ ، صاح "مالك" موضحا لها الأمر رادفا بأسف :

_ لا يا زينة أنا قولتله الحقيقة وعرفته إنك ملكيش دعوه باللى حصل وإنى انا اللى غلطان وطلبت أيدك منه

أتسعت عينى "زينة" بصدمة مما تفوه به "مالك" غير مُستوعبه أن "مالك" بالفعل طلب يدها من والدها ، وما قلقها أكتر هو ردة فعل والدها على طلبها!! ، أيعقل أن يكون والدها قد وافق على طلبه بهذة السهولة؟! صاحت "زينة" مُضيفة بأستفسار :

_ وهو قال أيه؟!

تنهد "مالك" شاعر ببعد من الراحة لملاحظة القليل من الهدوء والطمئتينة التى سيطرت على "زينة" رادفا بتوضيح :

_ فى الأول مكنش موافق ، لكن بعد ما إياد ومامة ديانة أتدخلوا وافق وقالى أبقى جمبك لحد ما تفوقى

أومأت له "زينة" براسها مُحاولة إقناع نفسها بأن الأمر على ما يرام وأن والدها لم ينكسر كليا بسبب هذا الخبر وإنها ليست بالفتاة التى حنت ظهر والدها بعد كل تلك السنوات ، بينما شعر "مالك" بالحزن الشديد بسبب ملامح العبوس الذى يراها الأن على وجه "زينة" وما زاد من حزنه أنه هو من تسبب فى ذلك الأنكسار والضعف الذان يسيطران عليها ، ليضيف "مالك" شاعر بالخذى والندم رادفا بترجى :

_ سامحينى يا زينة ، سامحينى عشان أقدر أسامح نفسى

رمقته "زينة" بأعين منكسرة ووجها شاحب وكأنه تبدات من تلك الفتاة التى تعشق المرح وإبتسامتها لا تفارق وجهها إلى تلك الفتاة الضعيفة اليائسة المنكسرة ، وكل هذا بسبب ذلك الجرح الذى سببه له ويبدو أنه سيكون من الصعب أن يداوء بتلك السهولة ، عقبت "زينة" بضعف وخيبة أمل رادفة بعتاب :

_ اللى أنت عملته فيا يا مالك مش حاجه بسيطة أو هينه ، وعشان كده متستناش منى إنى أقدر أسامحك

أغمض "مالك" عينيه بحرج أمام ما تفوهت به "زينة" نعم هو أوصلهم لتلك المرحلة وهو أيضا من يجب عليه إصلاح الأمر وعليه أن لا يستسلم أبدا مهما فهلت أو مهما قالت ، فهذا حقا لها وهو عليه أن يتحمل نتيجة أخطائه ، صاح "مالك" بكثير من الأمر رادفا بإصرار :

_ بس أنا مش هيأس يا زينة

❈ - ❈ - ❈

بعد مرور يومين ...

عاد "هاشم" إلى قصره بصحبة كلا من "ديانة" و"لبنى" و"زينة" ، بعد تن تعافت "زينة" و "ديانة" بشكلا كلى ، ولكن حتى الأن لا يستطيع أى من "هاشم" أو "زينة" التحدث إلى الأخر او حتى النظر إلى بعضهم ، فهو يشعر أنه هو السبب فيما حدث لأبنته أولا بسبب إهماله وإنشغاله عنها وعدم أعطائها الحنان الكافى ، وثانيا بسبب ما فعله ب "لبنى" وأن هذا هو عقابه على ما فعله بها ، بينما "زينة" كانت تشعر بالخجل والأستحياء من والدها بسبب ذلك الموقف الذى وضعته فيه وجعلته يوافق على زوجها من "مالك" كى لا تتشوه سمعتهم أمام الجميع ويصبح عرضهم علكة فى فم كل من كان

ما إن دلف الجميع إلى داخل القصر حتى أعتذرت "زينة" منهم وطلب أن يسمحوا لها بالمغادرة إلى غرفتها كى تنال قسطاً من الراحة لكونها مرهقة جدا ، وبالفعل وافقها الجميع مراعاة لظروفها النفسية والصحية ، فهى الأن لاتزال فى بداية حملها وهذا الضغط النفسى يمكن أن يسبب لها مشاكل صحية كثيرة لذلك الجميع مُتعاطف معها كثيرا

ما إن صعدت "زينة" إلى غرفتها حتى صاح "هاشم" مرحبا ب "ديانة" التى تدخل هذا البيت لأول مرة من ذلك اليوم المرير رادفا بترحاب :

_ حمدلله على سلامتك فى بيتك يا بنت الغالى

اجابتة "ديانة" بإبتسامة إمتنان وهى تشعر بكثير من الراحة داخل هذا البيت ، وكانها تعيش فى هذا البيت من ذمن طويل ، وما هى تلك الرائحة الطيبة التى تشتمها!! أهذه رائحة والدها محفورة فى جدران هذا البيت؟! فاقت "ديانة" من شرودها مُجيبة على "هاشم" رادفة بإبتسامة :

_ الله يسلمك يا عمى

بينما كانت "لبنى" فى عالم أخر غير هذا العالم ، عادت بالزمن لأكثر من خمسة وعشرون عاما ، عندما دلفت هذا البيت لأول مرة برفقة "شرف" ذلك الرجل الذى منها السعادة لاكثر من خمسة أعوام وتلك هى كانت المدة الذى قضياها معا فقط ، وبعد ذلك خرج كلاهما من هنا ولكن كلا منهما على مكان أخر ، وها هى تدخل هذا البيت مرة أخرى ولكن تلك المرة برفقة "هاشم" وليس "شرف" ، أغمضت عينيها مُتذكرة كل ذكرة لها فى هذا البيت ، كل لحظة سعادة مرة بها مرورا بذكرى زواجها هى و"شرف" وأيضا عندما اكتشفت إنها حامل بعد طول عناء ظل لأكثر من أربعة أعوام ، فاقت من شرودها على صوت "هاشم" الذى وجه إليها الحديث رادفا بإيتسامة هادئة :
4

_ نورتى بيتك من تانى يا لبنى

رمقته "لبنى" بنظرات شكر على هذا الترحاب وإنسابه لها بأنها من أصحاب هذا البيت رادفة بإمتنان :

_ منور بأهله يا هاشم

صاح "هاشم" موجها حديثه نحو كلا من "ديانة" و"لبنى" طالبا منها أن يأتيا معه رادفا بهدوء :

_ ممكن تيجوا معايا المكتب!! ، عايز أوريكوا حاجه مهمة

ضيقت "لبنى" ما بين حاجبيها بأستغراب مُضيفة بأستفسار  :

_ حاجه أيه يا هاشم؟!

هز لها "هاشم" رأسه بالإيجاد رادفة بإصرار :

_ تعالوا معايا بس وأنتوا هتعرفوا كل حاجه

وافق كلاهما على طلب "هاشم" وأتبعاه نحو غرفة مكتبة ، أشار لهم "هاشم" بالجلوس أمامه على المكتب وعندما كانتا تجلسان ، كان "هاشم" يفتح إحدى الأدراج أمامه مخرجها منها تلك الملفات الورقية ووضعها أمامهما

نظر كلا من "ديانة" و"لبنى" فى تلك الأوراق الذى من الوضح عليها من عناوينها إنها أوراق تخص المُبيعات والتنازلات الخاصة ببعض الأملاك ، نظرت كلا منها إلى الأخرى ثم حولت "ديانة" نظرها نحو "هاشم" رادفة بأستفسار :

_ أيه ده يا عمى؟!

زفر "هاشم" بقليل من الراحه شاعرا أنه هكذا يٌكفر عن جزءً بسيط من ذنبه مع تلك الفتاة ووالدتها ، صاح "هاشم" مُجيبا على سؤال أبنة أخيه رادفا بتوضيح :

_ ده تنازل منى ليكى عن نصيبى فى ورثى من شرف أخويا ، وفى تنازل زيه بالظبط ماجدة قررت تعمله أول ما تنزل مصر إن شاء الله ، وبما إنك كسرتى سن ٢١ سنة يبقى أنتى كده تقدرى تتصرفى فى كل أملاكك بدون واصى وحسب الشرع والدتك ليها نصيب فى ورث بباكى والباقى كله هيبقى من حقك لوحدك ، وبما إنك إدارة أعمال فهتبقى عارفه كويس أوى أزاى تديرى شغلك وفى الشركة هتعرفى باقى كل حاجه وتقدرى تنزلى الشركة من بكرة لو تحبى

نظرت "ديانة" نحو "هاشم" لكثير من الأمتنان والشكر على ما يُحاول أن يفعله كى بُعوضهم على ما حدث لهم بالرغم من أنه لم يكن هو الشخص الذى تسبب فى ظلمهم ولكنه يُحاول أن يفعل أقصى ما بوسعه ، عقبت "ديانة" بأبتسامة شكر قائلة :

_ أنا مش عارفه اقول لحضرتك أيه يا عمى على كل ده!! بجد شكرا

هز لها "هاشم" رأسه بالرفض على ما تقوله مُعبرا عن مدى إمتنانه على مسامحتهم إياه رادفا بحنان :

_ لا يا بنتى ، أنا اللى شكرا إنك سامحتينى وأدتينى فرصه أكفر بيها عن ذنبى فى حقك وحق لبنى ، شكرا إنكم سامحتونى

تدخلت "لبنى" مُحاولة تخفيف الشعور بالذنب عن "هاشم" مُحاولة شكرة عن إعادة كلا منهما هى وأبنتها إلى بعضهما رادفة بإمتنان :

_ أحنا اللى شكرا يا هاشم إنك رجعتنا لبعض من تانى

أبتسم لها "هاشم" بسعادة وأعين لامعة لدرجة أن "لبنى" شعرت بالخجل من النظر فى عينيه التى لم تفهم نظراتهم ، بينما حول "هاشم" نظره نحو "ديانة" رادفا بأستفسار :
6

_ ها يا ديانة!! هتنزلى الشركه أمتى عشان يجهزولك مكتبك؟!

شعرت "ديانة" ببعض الأرتباك عندما سألها "هاشم" هذا السؤال وذلك بسبب علمها بوجود "جواد" فى تلك الشركة ولكن لحظة!! أين هو "جواد"؟! لما لم تراه منذ هذا اليوم الذى طلبت فيه الطلاق!! لماذا كل هذا السكون ، حمحت "ديانة" وهى توجه حديثها نحو عمها رادفة بتوتر واضح فى نبرتها :

_ بلاش دلوقتى يا عمى ، أنا محتاجه وقت وأوعدك أول ما اقرر أنزل هديك خبر
لاحظ "هاشم" هذا التوتر الواضح فى نبرتها وتلك الحركات المرتبكة التى صدرت منها لا إراديا ، عزم "هاشم" على أن لا يضغط عليها رادفا بهدوء :

_ اللى يريحك يا حبيبتى

تنهدت "ديانة" بقليل من الراحة ، ثم شعرت بحاجتها الشديدة إلى ذلك الشيء الذى لطالما تمنته منذ سنوات طويلة ، أبتلعت "ديانة" بحرج رادفة بأستأذان :

_ ممكن أطلب طلب؟!

أجابها "هاشم" على الفور رادفا بتأكيد :

_ أأمرى يا بنتى

نظرت له "ديانة" بأعين تصرخ فى رغبتها فى هذا الشيء وكأنها تترجى منه هذا الأمر رادفة بتمنى :

_ ممكن أشوف صورة لبابا؟!

ألتمعت أعين "هاشم" بالدموع مما تفوهت له أبنة أخيه الذى شعر وكأنه فارقة لتو لتتهاوى منه تلك الدمعة دون إرادته ، ليردف "هاشم" بإبتسامة منكسرة :

_ أكيد يا حبيبتى

❈ - ❈ - ❈


صاحت "منال" بلهفة مُعبرة عن فرط ساعدتها مما أستمعت إليه الأن من أبنها وأنه أخيرا يريد أن يتزوج ويكون أسرة له وسترى أحفادها ، لتعقب "منال" بفرحة وسرور رادفة بتأكيد :

_ بجد يا مالك!! بجد عايز تتجوز يا حبيبى؟!

وافقها "مالك" على ما تقول ولكنه يشعر أن فرحته منكسرة بسبب ما فعله ب "زينة" وأنه ليس لديه الحق أن يفرح وهى حزينة ومُحطمة بسببه ، ليردف مؤكدا على خديث والدته مُضيفا بإصرار :

_ أيوه يا ماما وياريت فى أسرع وقت

صاحت "منال" والفرحة لا تسعها سألة إياه عن تلك الفتاة التى جعلته يُغير وجة نظره عن الجواز ويسمح لنفسه بتكوين أسرة رادفة بأستفسار :

_ طب دى تبقى مين يا مالك؟!

كاد "مالك" أن يتحدث لتسبقه "ملك" التى صاحت كاشفة لهم عن أسم العروس المنتظرة رادفة بحماس :

_ زينة بنت عم ديانة يا ماما

رمقها "مالك" بطيف إنزعاج مُتاكدا إنها بالطبع علمت بهذا الأمر من "إياد" ، ليعقب "مالك" رادفا بتهكم :

_ هو العصفور بتاعك لحق يقولك!!

ضحكت "ملك" بشدة على التشبيه الذى شبه "مالك" ل "إياد" رادفة بمشاكسه وغرور مصطنع :

_ هو يقدر ميقولش!! طب دا أنا كنت نكدت عليه أسبوع بحاله

ضحك الجميع على مزاح "ملك" ومشاكستها التى لا تفشل مرة فى أن تضحكهم وتخرب عليهم أى موضوع جادى يتحدثون فيه ، ليعلق "محمود" رادفا بمدح وأعجاب من أختيار أبنه قائلا :

_ بصراحة البنت أدب وأخلاق وجمال مشاء الله عليها

صاحت "منال" مُعلنة عن ترحيبها هى الأخرى بطلب أبنها لتلك الفتاة رادفة بلهفة وحماس :

_ خلاص ، يبقى مالك يحددلنا معاد مع أبوها ونروح نطلبهالك منه

أومأ "مالك" بالمواففة على حديث والدته ، لتصيح "ملك" بمشاكسة موجهة حديثها نحو "مالك" وهى تتقدم نحوه عازمة على مُعانقة ولكن بطريقة مُضحكة ويبدو عليها  الكثير من السعادة والفرحة رادفة بمرح :

_ لا دا أحنا نقولك مبروك يا برو بقى!!

بادلها "مالك" العناق ضاحكا على خفة دمها ومرحها ضاربا إياها على مؤخرة رأسها ، مُعقبا بضحك :

_ عقبال ما نخلص منك أنت كمان يا صاحبى ، والله الواد إياد ده صعبان عليا ، مش عارف هيتجوز راجل زيه يعمل بيه أيه!!

فرقت "ملك" العناق وأمتعضت ملامحها بكثير من الأنزعاج الطفولى رادفة بحدة وغضب :

_ قصدك يعنى إن أنا راجل يا مالك؟!

ضحك الجميع على إنزعاج "ملك" الطفولى وغضبها ، ليزيد "مالك" من إنزعاجها رادفا بسخرية :

_ ده على أساس إنك أتفاجئتى يعنى!!

لاكذته "ملك" فى صدرة بكثير من الغضب والأنزعاج رادفة بحدة وضيق :

_ طب أنا مش متكلمه معاك تانى يا مالك ، وورينى بقى مين هيجى معاك وأنت رايح تخطب ، هاا
+

تركته "ملك" ورحلت وهى تشعر بكثير من الفضب والإنزعاج ، ليلحقها "مالك" الذى أنفجر من الضحك على إنزعاجها رادفا بضحك :

_ أستنى يلا هقولك حاجه

ذهبت "ديانة" إلى المشفى كى تطمئن على طفلها الذى لايزال بتلك العناية الخاصة بالأطفال الرضع التى تمت والدهم مبكرا ، هى بالفعل تاتى للإطمئنان عليه كل يوم مُنتظرة ذلك اليوم التى ستحمله فيه بين ذراعها ضاممة إياه إلى صدرها

ما إن وقعت أعين "ديانة" على مكان طفلها حتى صُدمت مما رأته ، هل هذا هو "جواد"!! هى بالفعل لم تراه منذ أخر مرة طلبت منه الطلاق بها ، لماذا يبدوا حزينا ومكسور!! لماذا أصبحت لحيته كبيرة إلى هذا الحد!! ، كيف يمكن لذلك الشخص القاسى والمغرور أن يبدو منكسرا بتلك الطريقة؟!

حاولت "ديانة" أن تقترب منه ولكن دون أن يراها لكى تسمع ما يتفوه به إلى طفلهم ، وبالفعل أقتربت "ديانة" منه لتزداد صدمتها عندما تستمع إلى صوت بكاء "جواد" موجها حديثه نحو طفله رادفا بنحب :

_ شوف أنا مريت بأيه!! شوفت أنا كنت خايف أخلف ليه!! شوفت ليه أنا معرفتش أفرح أول ما سمعت إنك ولد وإنى هبقى أب!! هناء كسرت فيا كل حاجه حتى إحساسى بإنى أكون أب وقدوة لولادى ، كنت خايف أخليك تطلع زيى ، كنت خايف أأسئ عليك وأربى جواك الخوف والرعب اللى هى ربتهم جوايا ، كنت خايف أطلعك إنسان مريض وجبان ومعندكش ثقة فى نفسك زى أبوك

شهق "جواد" بصعوبة من وسط بكائها مُستنشقا بعض الهواء ليُكمل حديثه رادفا بنحيب :

_ بس أنا مردش بكده ، كنت عايز أربيك صح ، كنت عايز أديك كل حاجه أنا أتحرمت منها ، كنت عايز أخليك أحسن إنسان فى الدنيا ، عشان كده كان لازم أعمل الخطوة دى ، روحت لدكتور نفسى عشان يعلمنى أزاى أبقى إنسان بجد وأكون ليك أب بجد ، كنت عارف إنى شخص مريض وعديم الثقة بنفسى بس كنت برفض أتقبل الموضوع ده لحد ما عرفت إن هيبقى عندى أبن ، وقتها بس قررت إنى لازم أتعالج عشانك وعشان ديانة
2

شهقت "ديانة" بصدمة بمجرد أن أستمعت لذكر أسمها على لسان "جواد" ولكنها سريعا ما وضعت يدها فوق فمها كى لا يستمع إليها ، بينما "جواد" لم يستمع إليها وأكمل حديثه موجها إياه نحو طفله رادفا بصدق :

_ أيوه عشان ديانة لانى حبتها بجد ، عارف إنى جيت عليها ووجعتها وظلمتها ، بس كل ده كان غصب عنى ، مش أنا اللى كنت بعمل فيها كده ، الشخص المريض والضعيف اللى جوايا هو اللى عمل كده ، الوحش اللى ربته هناء جوايا هو اللى خلانى أخسر البنت الوحيدة اللى حبتها بجد وحسيت إنى إنسان بجد معاها

نفسى تسامحنى ، نفسى تنسى اللى فات وتدينى فرصه تانية وتسبنى أعوضها عن كل اللى عملته ، خايف أطلب منها ابطلب ده تفكر إنى مستهون باللى عملته فيها وتفكر إنى إنسان أنانى وطماع ، أيوه أنا طماع ، طمعان فى وجودها جمبى ، طمعان فى إحساس الراحه اللى بحسه وأنا معاها ، طمعان إنى أبص فى عسونها الحادة وأشوف فيهم القوة اللى عمرى ما شوفتها فى عينى ، طمعان تدينى الحنان اللى عشت عمرى كله محروم منه ، أنا بحب ديانة أوى ومش عايز أخسرها
قال "جواد" تلك الجملة الأخيرة بنحيب وبكاء مماثل لبكاء الأطفال ، بينما "ديانة" لم تسطيع السيطرة على دموعها للتهاوى دون توقف بالإضافة إلى أنينها التى تحاول أن تكتمه ، ليلفت إنباهها "جواد" الذى رفع يده إلى وجهه ماسحا تلك الدموع من على وجهه مُكملا حديثه رادفا بإصرار :

_ ديانة هترجعلى وهتسامحنى يا نور ، أيوه هسميك نور ، أنت النور اللى هينور حياتنا أنا وديانة وهيخلينا نرجه لبعض من تانى ، أنت اللى هتخرجنا من الظلمة لنور ، أنت النور اللى هيحط نهايه لكل ظلمات حصونى
11

أغمضت "ديانة" عينيها بكثير من الألم والحسرة وسريعا ما خرجت من الغرفة بل من المشفى بأكملها مُتمنية إنها لم تاتى هذا اليوم ولم تستمع لحديث "جواد" ، الذى زرع بداخلها ذلك التشتت والحيرة ، ولكنها إلى الأن لا تستطيع أن تسامحه ، فهى لم تسطيع أن تخرج من ظلمات حصونه
3

❈ - ❈ - ❈

صاحت "ديانة" بكثيرا من السعادة والحماس مُحاولة إخراج "زينة" من تلك الحالة التى تمر بها منذ أن خرجت من المشفى وعلمت بأن والدها قد علم بخبر حملها وما حدث بينها وبين "مالك" ، لتعقب "ديانة" بتهنئة :

_ ألف مليون مبروك يا زينة مالك كلم ماما وبابا وهيجوا يقابلوا عمو هاشم يوم الخميس إن شاء الله

هزت لها "زينة" رأسها بالموافقة ولم يظهر عليها أية حماس أو سعادة ، حتى هذا الحزن والإنكسار الواضحان عليها لم يتغيران أبدا ، مُضيفة بإبستسامة مُقتضبة :

_ الله يبارك فيكى يا ديانة

لاحظت "ديانة" ذلك الحزن والإنكسار الواضحان فى أعين "زينة" ، وكيف لها أن لا تحزن وهى فى هذا الوضع!! من الصعب جدا أن تُسلب الفتاة عرضها وشرفها حتى ولو كان من سلبهم هو حبيبها ولكن ليس بتلك للطريقة التى فغلها "مالك" ، لا تعلم كيف توسيها؟! ولكنها يجب أن تهون عليها حتى لا يزداد إنكسارها ، تنهدت "ديانة" مُضيفة بحب وهدوء :

_ أنا عارفة إن فرحتك مش كاملة وعارفه إنك حاسه نفسك ناقصه حاجه مهمة أوى ، بس صدقينى الحمدلله إنها جت على قد كده ، ماما قالتى إن هناء هى اللى خططت للى حصل فى بيت إياد وإنها هى اللى بعتت ناس تخدرك وتخدر إياد وخلتهم يبعتوا رساله لمالك عشان يشوفك فى المنظر ده ، وفعلا ده اللى حصل وأنتى عارفه ، بس فى حاجه مهمه جدا محدش يعرفها

ضيقت "زينة" ما بين حاجبيها وأعتلت ملامح التعجب وجهها الذابل مُعقبة بأستفسار :

_ حاجة أيه؟!

قصت لها "ديانة" ما حدث غى ذلك اليوم التى رأها فيه "مالك" فى شقة "إياد" رادفة بتوضيح :

_ فى نفس اليوم ده حد بعت رساله لجواد وقاله إنك فى شقة إياد وبتعملوا حاجه مع بعض ، بس الرساله وقعت فى إيدى أنا وكلمت إياد وعرفت أنه فى الشركه وحسيت إن ده حد بيحاول يوقع بين جواد وإياد ، عشان كده مسحت الرساله ، عارفة بقى لو كان جواد جيه شقة إياد وشافكوا فى المنظر ده كان أيه اللى حصل!!
4

أجابتها "زينة" بملامح مصدومة مما كانت "هناء" تدبر لحدوثه فى هذا ، لتردف "زينة" بكثير من الخوف مما كان سيحدث قائلة :

_ كان قتلنا أحنا الأتنين من غير تفكير

هزت لها "ديانة" رأسها بتأكيد على حديثها رادفة بإمتنان :

_ شوفتى!! ، عشان كده بقولك الحمدلله إنها جت على قد كده وصدقينى مالك طيب جدا وحنين ، أنا لحد دلوقتى مش قادرة أعرف هو عمل كده ليه؟!
3

تذكرت "زينة" حديثها مع "مالك" قبل ولادة "ديانة" عندما أخبرها سبب فعلته تلك ، لتنظر "زينة" فى أعيُن "ديانة" يتعمق رادفة بإنكسار :

_ أنا هقولك هو عمل كده ليه!!
قصت "زينة" على "ديانة" كل ما حدث ذلك اليوم وكل ما دار بينها وبين "مالك" ، مرورا بتلك الساقطة التى كان يحبها "مالك" وعن خيانتها له ، وأيضا أخبرتها عن الأتفاق الذى دار بينهم وشرطها التى شرطته عليه كى توافق على هذا الزواج :

_ عشان كده مالك فضل سنه بعيد عننا ورافض أنه يرجع البيت وده يفسر اللى عمله معاكى

أومأت لها "زينة" بالموافقة على حديثها مُعلنة عن أن هذا هو السبب الوحيد الذى جعلها توافق على حدوث هذا الزواج الذى لن يدوم كثيرا ، لتضيف بتوضيح :

_ لولا أنه عرفنى بالموضوع ده أنا عمرى ما كنت هقبل أتجوزه أبدا

أغمضت "ديانة" أعينها بكثير من الأسئ والحزن على كلا من "مالك" و "زينة" التى نجحت "هناء" فى تحطيم علاقتهم مُستغلة ما حدث ل "مالك" على يد حبيبته ، لتعقب "ديانة" رادفة بأستفسار :

_ طب وأنتى فعلا هتبعدى عنه بعد الجواز بمدة زى ما قولتيله ولا بتحاولى تربيه شويه؟!

هزت "زينة" رأسها بالنفى غير موافقة على حديث "ديانة" عن كونها تلقنه درسا ، بل هى بالفعل تعى ما قالته ، هى تريد الأنفصال على الرغم من إنها تحبه وبشدة ولكنه حطم شيء بداخله من الصعب أن يعود كما كان ، لتضيف "زينة" بنهى رادفة بتفسير :
2

_ لا يا ديانة ، أنا مش هقدر أعيش معاه بعد الجرح الكبير اللى سببهولى ، أنا كل أما أفتكر اللى حصل اليوم ده قلبى بيوجعنى وبحس إنى عايشه الموقف حاليا ، كرامتى بتوجعنى من الطريقة اللى أهانى بيها وهو بيعمل كده

وكأنها ضغطت على ذلك الجرح التى كانت تُحاول أن تتنساه ، تذكرت "ديانة" كل ما مرت به على يد "جواد" منذ أن بدأ فى إهانتها وسبها مرورا بتلك الطريقة التى أخذ بها عذريتها ، ومرتها الأولة معه وكم شعرت بالذل والأهانة فى هذا اليوم وكيف أرغمها على أن تتوسل له كى يُعاشرها فهذا اليوم بالنسبة لها أبشع من الأغتصاب ، وعلى ذكر كلمة الأغتصاب نعم هو أغتصبها ، تلك المرة التى أغتصابها فيها عندما عاد من السفر وأنقض عليها كالوحش المُتعطش لدم فريسته مما تسبب لها بنزيف فى هذا اليوم ، نهاية بتلك المرة التى أغتصابها فيها وهو فى هذا اليوم ولم يكترث لحملها ، نعم هو مُغيب عن الوعى بسبب تلك الثمالة التى كان عليها ولكن هذا ليس مبررا لما فعله!! ، أغمضت "ديانة" زرقاوتيها متذكرة بعض الكلمات التى تفوه بها فى تلك الليلة

▪︎▪︎

_ بقيت..بقيت بضعف قدامك ، بقيت بحاول أبعد نفسى عنك على قد ما أقدر ، بقيت بنام فى اوضة تانية بعد ما أرجع أخر الليل بعد ما أتأكد انك نمتى وأخرج الصبح بدرى قبل ما تصحى ، كنت بخاف إنى اقابلك او عينى تيجى فى عينك ، كنت بترعب إنى أضعف قدامك او أعمل حاجه أحاول أثبت بيها لنفسى إنى مش ضعيف أقوم أأذيكى

توقف عن البكاء وقد أحتدت نظرة عينية وبرزت عروقه من شدة الغضب رادفا بأسنان مُلتحمة :

_ لحد ما عرفت أنها عايزه تقتلك أنتى واللى فى بطنك وروحتلها ولأول مرة أحس إنى مش ضعيف قدمها ، لأول مرة أمنعها أنها تمد إيدها عليا ، لأول مرة أزعق فى وشها وأزقها بعيد عنى ، لأول مرة أحس إنى راجل بجد

ضعفت نبرته مرة أخرى وترقرقت الدموع بعينيه مرة أخرى وقد قارب على الدخول بنوبة بكاء أخرى رادفا :

_ كل ده حصل بسببك لانى خفت عليكى ، انا مش عايز أقتلك يا ديانة انتى مصدر قوتى ، ياريتك ما كنتى بنت لبنى كان زمان كل حاجه أتغيرت ، متسبنيش يا ديانة أرجوكى أنا ضعيف من غيرك

تأثرت "ديانة" بما قاله "جواد" وما مر به بمرحلة طفولته وما فعلته به تلك المرأة القاسية ولكنها لم تستطيع أن تغفر له ما فعله بها فهذا القدر من الإيذاء الذى ألحقه بها لا يُغتفر مهما كان به ، هى ليس لها ذنب بكل هذا ، لهذا قررت أن لا تتفوه بشيء ظنًا منها أنه سيرحل ليُفاجئها بقبلة لم تكن تتوقعها منه خصيصا وهو بتلك الحاله ، لتُحاول الأبتعاد عنه دافعة إياه بصدره مما أبعده عنها قليلا

نهضت "ديالا" سريعا مُحاولة الفرار منه بعد أن أدركت ما يُحاول فعله ، ولكنه سريعا ما نهض وأمسك بها لاصقا جسدها بالحائط خلفها ، لتصبح مُحاصرة بين يديه ، ليقترب منها ورائحة الخمر تفوح من فمه مما أثار غثيانها رادفا بثمالة وثقل لسان :

_ سبينى أعمل اللى انا عايزة بمزاجى وأتبسط وأبسطك أحسن ما أعمله بمزاجى بردو بس أنتى مش هتتبسطى وومكن تتأذى كمان ، الأختيار ليكى!!

أمتعضت ملامح "ديانة" بكثير من التقزز والأشمئزاز من ثمالته وقد أوشكت على التقيؤ من رائحة فمه ، ليفاجأها "جواد" بألتقاطه لشفاهها بقبلة ناعمة مليئة بالرغبة والشغف ولكن "ديانة" لم يُعجبها الأمر إضافة إلى رائحته التى لا تستطيع أن تتحملها ، ليجذبها "جواد" ناحية الفراش مُجردا إياها من ملابسها

شعرت "ديانة" بالكثير من الغضب لترفع قدمها مُحاولة أن تركله برجولته ليرفع "جواد" ساقه مُتفاديا ضربتها تلك لتغضب "ديانة" أكثر ، ليدفعها "جواد" على الفراش وقد جردها من منامتها وألقى بجسده عليها ولكن بحذر ليهمس بأذنها رادفا بتحذير :

_ قولتلك متضطرنيش إنى أأذيكى ، سيبى نفسك يا ديانة ومش هتندمى

▪︎▪︎▪︎

_ ديانة!! ديانة روحتى فين؟!

فاقت "ديانة" من شرودها على صوت "زينة" التى كانت تناديها وعندما لم تستجيب مدت يدها كى تُنبهها ، لتنتبه "ديانة" إلى "زينة" رادفة بتوهان :

_ هاا بتقولى أيه يا زينة؟!

سالتها "زينة" بملامح متعجبة رادفة بإستفسار :

_ أنتى اللى سرحتى فى أيه كده!!

أبتسمت لها "ديانة" بإقتضاب رادفة بكثير من الحزن :

_ مفيش أفتكرت حاجه وحشه بردو

تنهدت "زينة" بحزن مدركة من هو صاحب تلك الذكريات السيئة التى تذكرتها "ديانة" ولكنها أسطنعت الأستفسار رادفة بحزن :

_ مع جواد!!

اومات لها "ديانة" بالموافقة على ما قالته ، لتحاول "زينة" أن تصلح العلاقة بينهم وتخبرها كم أن "جواد" شخص طيب وجيد لولا ما فعلته تىك المرأة التى تُدعى "هناء" ، لتعقب "زينة" موجهة حديثها نحو "ديانة" رادفة بتوضيح :

_ جواد مش وحش زى ما أنتى فاهمة يا ديانة ، جواد هو كمان أتظلم و...

قاطعتها "ديانة" مُحاولة إقافها عن التحدث فى هذا الأمر لانها لا تعلم كل ما فعله "جواد" بها ، لتزحرها "ديانة" رادفة بنهى :

_ زينة أرجوكى بلاش نتكلم فى المو....
2

قاطعها صوت جرس الباب معلنا عن مجى أحد ، ظنت "ديانة" أنه "جواد" وعزمت على أن تصعد إلى غرفتها كى لا تتلاقى به وخصوصا بعد ما رأته مع طفلهما فى المشفى ، كادت "ديانة" أن تنهض ولكن منها صوت "حسنة" الذى صدع فى المنزل بأكمله مما جعل "زينة" تقظ من مكتنها بعد أن سمعت ما تفوهت به "حسنة :

_ ست ماجدة يا ما أنت كريم يارب حمدلله على سلامتك يا ست الكل "زغروطه"

بأدلتها "ماجدة" العناق وعلى وجهها إبتسامة إمتنان لهذا الحب والفرح التى رأتنم فى عينها رادفة بحب :

_ الله يسلمك يا حسنة أومال فين ....

_ عمته ماجدة!!

قاطعها صوت "زينة" التى صاحت بكثير من اللهفة والحماس وهى تركض نحوها غير مُنبها لمن تحمله داخل رحمها ، فتلك الفرحة أنساتها من تكون حتى ، صاحت "زينة" بكثير من السعادة وهى تدلف داخل صدر "ماجدة" بأعين مُلتمعة بسبب كثرة الدموع بها رادفة بسعادة ولهفة :

_ عمته ماجدة إنتى بجد واقفة على رجليكى وبتتكلمى!! أنا مش قادرة أصدق عنيا
2

بادلتها "ماجدة" العناق وظلت تضمها إلى صدرها بكثير من الحب والإشتياق رادفة بتأثر :

_ لا صدقى يا قلب ماجدة ، أنا واقفة قدامك أهو ، وحشتنى أوى يا زينة

تشبثت بها "زبنة" كثيرا وكأنها تخشى الخروج من ذلك العناق رادفة بكثير من الأشتياق :

_ وأنتى كمان يا عمته وحشتينى أوى

صاح "عامر" مُحاولا إخراجهم من ذلك الحزن والبكاء الذى كاد أن ينفجران به هما الأثنان ، ليعقب بإشتياق :

_ أزيك يا زينة يا حبيبتى عامله أيه!!

خرجت "زينة" من عناق "ماجدة" وأتجهت نحو "عامر" مُحتضنة إياه رادفة بحب وتقدير :

_ الحمدلله يا أنكل عامر ، حضرتك عامل أيه!!

أجابها "عامر" بإبتسامة حب رادفا بإمتنان :

_ الحمدلله يا حبيبة قلبى

تفحصت "زينة" المكان بعد أن خرجت من عناق "عامر" رادفة بتعجب وإستفسار :

_ أومال فين أسما!! مجبتوهاش معاكوا ليه؟!

أجابها "عامر" مُعقبا بتوضيح :

_ أسما مقدرتش تيجى عشان عندها فاينال ، هتخلصوا وتيجى على طول

أومأت له "زينة" بالموافقة رادفة بتمنى وإبتسامة حب :

_ ربنا معاها يارب

ألتفتت "زينة" إلى "ماجدة" مرة أخرى مبتسمة بحماس رادفة بلهفة :

_ تعالى معايا ، فى حد هنا لازم تشوفيه

أخذتها "زينة" وتوجهت ناحية "ديانة" التى نهضت من مكانها بمجرد أن رأتهم مُتجهين نحوها ، بينما كان "ماجدة" تُحاول أن تعلم من ذلك الشخص الذى يجب أن تراه وبمجرد أن وقعت عينها على "ديانة" حتى شعرت إنها ترى شقيقها "شرف" صوب عينيها ، كم إنها تشبه والديها كثيرا!! ، ولكنها تنتمى أكثر إلى والدها ، رسمة العين الجميلة والمميزة ، ذلك الأنف الرفيع الصغير ، بالإضافة إلى تلك الشفاة البارزة الوردية ، حتى إنها لم تترك نعومة شعره البنى الأمع!!

شعرت "ماجدة" أن ضربات قلبها قد أزدادت من كثرة سعادتها بالأضافة إلى لامعة تلك الدموع فى عينيها ، بينما كانت "ديانة" لا تستطيع أن تُقاوم تلك الدموع التى تهاوت من ذرقاوتيها بمجرد أن أدركت أن تلك المرأة هى عمتها ، كسرت "ماجدة" ذلك الصمت الذى ساد المكان لبضعة ثوان رادفة بلهفة وأشتياق وهى تفتح زرعيها موجهة حديثها نحو "ديانة" :

_ تعالى فى حضنى يا بنت شرف

شهقت "ديانة" بسبب بكائها الذى أزداد رغما عنها وأسرعت فى التوجه نحو "ماجدة" مُلقية بنفسها داخل صدرها بكثير من الشوق واللهفة وكأنها تُحاول أن تجد حنان وعاطفة والدها التى حرمت منه فى أشقائه ، لتربط "ماجدة" على ظهرها بينما دموعها قد تهاوت من زرقاوتيها رادفة بحب وإشتياق :

_ اه يا بنت الغالى ، ياما كان نفسى أضمك لصدرى وأشبع منك وأنا بشوف فيكى أخويا اللى أتحرمت منه ، كان نفسى أعوضك عن كل حاجه حصلتلك بسبب حاجه لا إنتى ولا أمك ليكوا ذنب فيها ، حقك عليا يا بنتى

شدت "ديانة" من عناقها لعمتها رافضة على ما تقوله وإلقاء الذنب على نفسها رغم إنها لم يكن لها حول ولا قوة ، لتعقب "ديانة" رادفة بنهى :

_ متقوليش كده يا عمته أنا عارفه إنك مكنش بإيدك حاجه تعمليها بسبب اللى حصلك ، أنتى كمان أتظلمتى يا عمته زيك زينا بالظبط ويمكن أكتر
أبتسمت لها "ماجدة" بحب وجنان وهى تربط على رأسها رادفة بإمتنان :

_ أهم حاجه إنى ربنا طول فى عمرى لحد ما أشوفك يا حبيبة قلبى وأضمك لصدرى ، كنت خايفه أموت قبل ما أشوفك وأطمن عليكى

خرجت "ديانة" من عناقها بسرعة ونظرت فى عينيها رادفة بلهفة :

_ بعد الشر عنك يا حبيبتى

تدخلت "زينة" مُحاولة تغير تلك الأجواء الحزينة وكأنها نست حزنها وكسرتها ، صاحت "زينة" بسعادة موجهة حديثها نحو "ماجدة" رادفة بمرح :

_ تموتى أيه بس جوجو دا أنتى عشتى لحد ما شوفتى ديانة وأبن ديانة وجواد كمان

فتحت "ماجدة" عينيها بصدمة ولم تكن تعرف هل تفرح لهذا الخبر السعيد أم تحزن ، نعم فهى سعيدة لوجود هذا الطفل الذى ربط بين "جواد" و "ديانة" وأنها سترى أحفاد كلا من أشقائها ، إلا إنها حزينة جدا لانها تعلم كيف كان الطريقة التى تواجد بها ذلك الطفل ، فهى تعلم أن هذا الطفل بالطبع جاء عن طريق جرح كبير وضع فى قلب "ديانة" من تلك الطريقة التى أستعملها "جواد" فى وجوده برحمها ، قطع تفكير "ماجدة" زوجها "عامر" الذى صاح موجها حديثه نحو "ديانة" رادفا بتهنئة :

_ ألف مبروك يا بنتى ، يتربى فى عزكوا يارب

بادلته "ديانة" هذا العناق ولكن بحرج شديد لانها لم تعلم من يكون هذا الشخص وما هى صلة قربتها معه ، ليضيف "عامر" بتوضيح بعد أن كسر العناق رادفا بمحبة :

_ طبعا أنتى مكسوفه عشان مش عرفانى ، أنا عمك عامر أبن عم أبوكى وجوز عمتك ماجدة

أبتسمت له "ديانة" بكثيرا من السعادة والفرح ، وأخيرا أصبح لديها عائلة حقيقة وليس جماعة من الناس الطيون الذين عطفوا عليها وربوها كما ربوا أبنائهم ، نعم هى لم تنسى فضل تلك الأسرة عليها وسيظلون عائلتها إلى تفارق روحها ذلك الجسد ، ولكن شعور تواجدك وسط عائلتك الحقيقية يكون له مذاق أخر ، بينما حاولت "ماجدة" أن تتنسى ذلك الحزن وتستسلم لتلك السعادة بهذا الحفيد الجديد ، لتتردف "ماجدة" موجهة حديثها نحو "ديانة" :

_ ألف مبروك يا حبيبة قلبى يتربى فى عزكوا يارب ، أومال فين جواد و...

قطع سؤالها صوت شقيقها "هاشم" الذى كان يتوجه نحوها رادفا باستفسار :

_ طب أسالى على اللى كان هيموت ويشوفك وقفه على رجلك كده الأول يا بنت أبويا

حولت "ماجدة" نظرها لذلك الصوت التى بالطبع تعرفه جيدا لتجده يتقدم نحوها بأعين لامعة ، ركضت "ماجدة" مُلقية بنفسها داخل صدر "هاشم" وتُعانقه بكثيرا من الشوق واللهفة رادفة ببكاء :

_ وحشتنى أوى يا هاشم

شد "هاشم" على عناقها بشوق ولهفة مماثلة لها مُضيفا بكثير من التأثر رادفا بحب :

_ وأنتى كمان وحشتينى أوى يا قلب هاشم ، يما كان وحشنى أوى الحضن ده يا حته من قلبى

قالها "هاشم" ولم يستطيع من تلك الدموع التى ترقرقت فى مقلاتيه من شدة تأثرة برؤية شيقته التى ظن إنها ستلازم ذلك الكرس اللعين طوال حياته ، تقف الأن أمامه على قدميها وتعانقه أيضا ، حاول "عامر" أن ينهى تلك اللحظات الحزينه مُستبدلا إياها بأخرة مارحة ، ليعقف "عامر" موجها حديثه نحو الجميع رادفا بحزن مُصطنع :

_ طب يا جماعه أستأذن أنا بقى وأسيبكم فى الجو الأسرى ده مع بعض واضح كده إنى موحشتش حد

خرج "هاشم" من عناق شقيقته متوجها نحو "عامر" مُضيفا بكثير من الحب والأمتنان :

_ ودى بردو تيجى يا أبن عمى دا أنت الغالى على قلبى وشايل أغلى ما ليا

عانقه "هاشم" بمحبة وإشتياق رادفا بصدق :

_ حمدلله على سلامتك يا حبيبى

بادله "عامر" العناق رادفا بمحبة مماثلة :

_ الله يسلمك يا كبيرنا

كان الجميع ينظر إلى "هاشم" و "عامر" ولم ينتبه أحد ل "لبنى" التى جأت كى ترحب بعودة "ماجدة" وتهنئها لشفائها ، مدت "لبنى" يدها نحو كتف "ماجدة" وربطت عليه بحب وإشتياق رادفة بصدق :

_ حمدلله على سلامتك يا ماجدة

صُعقت "ماجدة" من هذا الصوت التى أستمعت له ، نعم فهذا الصوت يبدو مألوف جدا بالنسبة لها فهذا الصوت ليس ل "هناء" بل هذا الصوت ل ... ، أيعقل!! أيمكن أن يكون هذا الصوت ل "لبنى"!!

إلتفتت "ماجدة" بدهشة وما إن وقعت عينيها على "لبنى" حتى أتسعت عينيها بصدمة ، لا تعلم إذا كان ما تراه أمامها حقيقى أم إنها حان الأن وقت خروج روحها ولهذا السبب هى ترى الموتا أمامها!! ولكن لحظة واحدة هى لتوا لمستها وشعرت بحرارة جسدها!! ، هل يمكن أن تكون "لبنى" على قيد الحياة؟!

حولت "ماجدة" نظراتها المُصعقة نحو "هاشم" وكأنها تسأله أهذا الشيء الذى تراه حقيقيا ، ليؤمأ لها "هاشم" بالموافقة مؤكدا ما يدور برأسها رادفا بصدق :

_ مقدرتش أموتها يا ماجدة ، حبستها طول العشرين سنه وعمرى ما قدرت إنى أموتها أبدا

أعادت "ماجدة" نظراتها نحو "لبنى" وأمتلئت عين كلاهما بالدموع وسريعا ما دلفت كلا منهما داخل صدر الأخرة مُعانقة إياها وأنفجر كلاهما بالبكاء والنحيب ، صاحت "لبنى" مُوجهة حديثها نحو "ماجدة" شاعرة بالأسئ على ما حدث لها رادفة بأسف :
2

_ أنا أسفة يا ماجدة ، أسفة على كل اللى حصلك بسببى وبسبب دخولى فى حياتك

صاحت "ماجدة" ناهية إياها عما تقول ورافضة إلقاء إياها بالذنب على نفسها رادفة بنهى :

_ لا يا لبنى أوعى تتأسفى ، أنتى كمان ملكيش ذنب فى كل اللى حصل ، أنتى كمان كنتى ضحية زيك زينا ، ضحية هوس هناء وحب الأمتلاك اللى عندها اللى أتحول لمرض ولعنة صابتنا كلنا ، لعنة محدش سلم منها أنا وأنتى وتهانى وشرف وهاشم وجواد وديانة و....

_ وأهى أخدت جزأها على كل اللى عملته

ألتفت الجميع إلى مصدر الصوت الذى تدخل فجاة مُقاطعا حديث "ماجدة" ، نعم هو "جواد" الذى أخذ يتقدم بخطوات سريعة مُتجها نحو "ماجدة" التى تشبثت فى رقبة وهى تعانقة بكثيرا من الأشتياق واللهفة رادفة بعاطفة :

_ أول مرة تحضنى من أكتر من عشرين سنة يا أبن هاشم

دفن "جواد" وجهه فى عناق "ماجدة" مُحاولا الوصول للقدر الكافى من تلك اللحظات الحنونه التى حرم منها لسنوات طوال ولم يكن يجد سوى عذاب وقسوة وجفاء ، صاح "جواد" مُحاولا عدم إظهار تأثرة رادفا بحب وإشتياق :

_ حمدلله على سلامتك يا حبيبتى

قالها "جواد" وهو يقبل رأسها بحنان مبتسما لها بإبتسامة لأول مرة تراها على وجهه ، لتصيح "ماجدة" بسعادة وسرور :

_ ياااه يا جواد ، أول مرة أشوف الضحكة مرسومة على وشك يا حبيبى

ربط "جواد" على ظهرها وهو ينظر نحو "ديانة" بكثير من نظرات العشق والأمتنان مُضيفا بثثة وحزم :

_ ومعدش هيدخل البيت ده غير الضحك والفرح بس يا عمتى
1

أبتسمت له "ماجدة" بحب وسعادة على نظرات الحب تلك التى تراها فى أعين "جواد" تجاه "ديانة" مُضيفة بتمنى ورجاء :

_ يارب يا حبيبى ، يارب

تذكرت "ماجدة" ما قاله "جواد" منذ قليل عن "هناء" وعن إنها نالت جزأها على ما فعلته ، لشعر "ماجدة" بالقلق ، وما زاد قلقها هو عدم وجود "هناء" لتصيح "ماجدة" رادفة بأستفسار :

_ أومال فين هناء؟؟
3

❈ - ❈ - ❈

_ إنت بتقول أيه يا هاشم!!

صاحت "لبنى" بتلك الجملة بعد أن أستمعت لهذا الطلب الذى طلبه منها "هاشم" مصدمة مما تفوه به ، بينما أجابها "هاشم" مؤكدا على طلبه دون تردد أو تفكير رادفا بإصرار :
2

_ بقولك إنى عايز أتجوزك يا لبنى ، أيه حاجه غريبة أوى كده؟!

صاحت به "لبنى" بكثير من الإنزعاج لعلمها أنه بهذه الطريقة يُحاول أن يُعضها عما بدر منه ، على الرغم من إنها تحمل له بعض المشاعر بداخلها ولكنها لا تريد أن تكون هذه هى الطريقة التى يريد أن يُضها بها من دون أن يكون حاملا لها أى من المشاعر بداخلة ، أردفت "لبنى" موجهة حديثها إلى "هاشم" الماثل أمامها قائلة :
2

_ أه يا هاشم غريبة ، غريبة عشان فاكر نفسك كده بتعوضنى عن السنين اللى فاتت بالطريقة دى ، غريبة عشان مصمم تحمل نفسك ذنب أنا سامحتك عليه و ..

قطع "هاشم" حديثها غير موافقا عما تقولها مُحاولا توضيح الأمر لها وإظهار ما يحمله بداخله لها من مشاعر رادفا بلهفة وإنفعال :

_ ومين قالك إنى بحاول أعوضك يا لبنى!! أنا بحاول أعوض نفسى أنا ، بحاول أقنع نفسى إنى رجعت إنسان تانى وإنى أقدر أكون جمبك إنتى وديانة وأرجع ألم عيلتى من جديد ، عيلتى اللى باظت وأدمرت بسبب هناء ، أبنى أتحول لمريض نفسى ومراته طالبة الطلاق ، بنتى أغتصبت وأتسرق منها شرفها بسبب لعبة وسخة أتعملت عليها ، ديانة كاره جواد وعايزه تبعد عنه وأكيد ده هيخليها تاخد أبنها بعيد عننا وده أكيد حقها ، أنتى هتبعدى عنى بعد ما خلاص مبقتش قادر أستغنى عنك

صُعقت "لبنى" من تلك الجملة الأخيرة التى تفوه بها "هاشم" فهى كان تظن أن ما قاله لها تلك المرة منذ سنوات طوال كان من أثر الكحول عليه وأنه كان يخطرف ، لم تكن تستوعب أن "هاشم" بالفعل يحمل لها بداخله تلك المشاعر ، بينما لاحظ "هاشم" صدمتها تلك ليضيف بتأكيد وإصرار رادفا بمشاعر صدقة :
_ أيوه يا لبنى مبقتش قادر أستغنى عنك ، مش عارف ليه مش عايزك تبعدى عنى!! حاسس إنك بقيتى جزء مهم جدا من حياتى ، حاسس إنى حبيتك غصب عنى يا لبنى
3

لم تستوعب "لبنى" ما يقوله "هاشم" من هول صدمتها لدرجه إنها ظنت إنه ليس بوعيه تلك المرة أيضا ، لتعقب بدهشة رادفة بإستفسار :

_ هاشم أنت..أنت فايق للى بتقوله ول...

قطع "حديثها "هاشم" الذى صاح طالبا منها الزواج وأن تكون معه رادفا بترجى :

_ أتجوزينى يا لبنى ، أتجوزينى وتعالى نعوض كل اللى راح من حياتنا ونرجع نلم ولادنا حولينا من تانى ، أتجوزينى عشان أحس إنى قدرت أكفر عن غلطتى فى حقك وفى حق نفسى وفى كل ولادنا ، أتجوزينى عشان أنا محتاجك جمبى ومحتاج أرجع ألم شمل العيلة دى من جديد

لم تستطيع "لبنى" أن تتفوه بكلمة واحدة وظلت تفكر فى طلب "هاشم" ولا تعرف هل توافق وتجمع معه شمل تلك العائلة من جديد ، أم ترفض خوفا من أن تندم على تلك الخطوة التى ستقبل عليها تلك ، شعرت "لبنى" بالحيرة الشديدة ، بينما لاحظ "هاشم" تلك الحيرة ليُحاول معها بطريقة أخرى مُتمنيا أن تنجح معها وتجلها توافق رادفا بتمنى :

_ ديانة طالبه الطلاق من جواد ، جواد بيحبها جدا ومش عايز يطلقها ، عايزك تساعدينى نرجعهم لبعض مرة تانيه حتى لو بأنك تخليها تقعد معانا هنا فى الفيلا وأحنا متجوزين ونحاول نصلح ما بينهم سوا

نظرت له "لبنى" فى عينيه بتفحص شديد وكأنها تُحاول أن تتفحص تلك المشاعر التى تندلع منهم ، بينما نظر "هاشم" إلى داخل عينيها بصدق وإحتياج رادفا بحب :

_ أرجوكى يا لبنى أنا محتاجك جمبى أوى

أومات له "لبنى" برأسها موعلنة عن موافقتها رادفة بإستسلام :

_ موافقة يا هاشم

أبتسم لها "هاشم" بكثير من السعادة والفرح مُلتقطا يدها مُقربا إياها نحو فمه طابعا عليه قبلة تعبر عما بداخله من حب وإمتنان لها متوعدا لها بداخله بكثير من السعادة والفرح
5

❈ - ❈ - ❈


_ ولا الضاااالين آآآمين ، صدق الله العظيم ، مبروك يا مالك يا أبنى

صاح بها "عامر" بعد أن أنتهوا جميعا من قرأة فاتحة "مالك" و "زينة" ، ليجيبه "مالك" بإبتسامة ودودة عازما على إلقاء ما يريد أن يصرح به رادفا بإمتنان :

_ الله يبارك فيك يا عامر بيه ، أنا بس كنت عايز أطلب من حضرتكم طلب حتى والدتى وولدتى ميعرفهوش

صاح بتلك الكلمات موجها حديثه للجميع ، لينتبه له الجميع وخاصة "جواد" الذى كان يتمنى لو يستطيع أن ينقض عليه ويذهق روحه فى تلك اللحظه ولكنه يخشى على قلب وسمعة شقيقته التى يعلم إنها تحب ذلك الملعون بعد أن شرح له "إياد" الأمر ، لتتدخل "لبنى" موجهة حديثها نحو "إياد" بدلا من "هاشم" الذى كان يبدو عليه تالحرج رادفة بإستفسار :

_ طلب أيه يا مالك يا حبيبى

أجابها "مالك" بأحترام ورسمية مُحاولا إظهار أنه صادق بكل ما فيه من ثبات رادفا بتوتر :

_ بصراحة أنا كنت عايز أطلب طلب من هاشم بيه وجواد بيه وأتمنى يوافقوا عليه ، أنا زى ما قولتلكم إنى بشتغل فى أكبر شركة سياحة فى مصر وبصراحة الشركة كلفتنى بسفرية برا مصر ممكن توصل لشهر بحاله وأنا بصراحه كنت عايز أستغل السفرية دى لصالحى وأخليها شهر عسل كمان ، يعنى أنا بقول إن خير البر عاجلة ومفيش داعى لتأخير أكتر من كده ولو حضرتكم توافقوا يبقى الفرح الأسبوع الجاى هكون شاكر أفضالكم

صُعق كلا من "محمود" و "منال" و" ملك" و"ماجدة" و"عامر" مما تفوه به "مالك" ، بينما أبتسم كلا من "ديانة" و"لبنى" و"إياد" على تلك الطريقة اللبقة اللى أستطاع بها "مالك" أن يجعل الزواج يتم فى أسرع وقت ممكن حفاظا على منظر "زينة" أمام الجميع عندما تضع مولودها ويقولون أنها وضعته فى الشهر السابع

أستمعت "زينة" لما قاله "مالك" وقد شعرت بالقلق من أن يشك أحدا من عائلته أو عمتها وزوجها من تلك السرعة التى يريد "مالك" أن يتمم بها هذا الزواج ، بينما نظر "جواد" نحو "مالك" وأدرك أنه يُحاول أن يفعل ما بوسعه كى لا يضع "زينة" فى موقف محرج وأنه يريد أن يتمم هذا الزواج قبل أن تدخل "زينة" فى شهرها الثانى

نظر "جواد" نحو "هاشم" الذى لاحظ عليه علامات التردد من أن يقبل أو يرفض هذا العرض بسبب قُصر تلك المدة التى طلب بها "مالك" أن يتم الزواج ، كاد "هاشم" أن يتحدث ليخشى "جواد" أن يرفض ولده ، ليتدخل سريعا قبل والده رادفا بثبات وهدوء :

_ والله يا مالك المُهلى أللى أنت مديهالنا صغيره جدا وده هيضرنا إننا نعمل فرح صغير ، بس طبعا القرار فى أيد زينة ، لو مستعدة لتمام الجواز فى خلال أسبوع أنا شخصا مش هيكون عندى مانع

سريعا ما أدركت "ديانة" ما يحاول "جواد" أن يفعله فهو يستنجد ب "زينة" أن تتدخل وتؤكد موفقتها بعد أن صرح بموافقته على طلب "مالك" كى لا يبدو الموضوع مريبا للجالسين ، ولكنها تعلم أن "زينة" لن تستطيع أن تدرك ما يريده "جواد" بسبب ذلك الأرتباط الواضح عليها ، لتصيح "ديانة" موجهة حديثها نحو "جواد" مُحاولة إنقاذ الموقف رادفة بإبتسامة لابقة :

_ لو على زينة فأكيد هى موافقة مفيش واحده عاقلة هتضيع على نفسها فرصة حلوة زى دى وأحسن من الخطوبة ووجع الدماغ زى ما قال مالك خير البر عاجلة

أبتسم لها "جواد" بحب ونظرات تصرخ بالشكر والأمتنان بأنها أدركت ما كان يُحاول الوصول إليه وأنه لم يفهمه أحدا سواها ، ليتدخل "إياد" مؤكدا على حديث "ديانة" رادفا بمرح :

_ على فكرة ديانة عندها حق ويابختك يا عم مالك متسهلالك يا عم ، سهلهالنا يارب بدل الجفاف اللى الواحد فيه ده
2

ضحك الجميع على إيحأت "إياد" الموجهة نحو "ملك" وذلك الشوق واللهفة الواضحة فى نبرته ، ليعقب "محمود" بعد أن أنتهى من أثر ضحكاته على حديث "إياد" ، موجها حديثه نحو الجميع رادفا بحماس :

_ طب يا جماعه حيث كده وإن كلنا معندناش مشكله والحمدلله مستعدين للجوازه دى فعلا خير البر عاجلة ، أيه رأيك يا هاشم بيه الفرح يكون الخميس الجاى إن شاء الله؟!

نظر "هاشم" نحو كلا من "زينة" و"مالك" من ثم حول نظره نحو "جواد" الذى أغمض عينيه له كأشارة بأن يوافق على طلبه وقبل أن يحول نظره مرة أخرى نحو "محمود" وقعت عينيه على "لبنى" التى أبتسمت له وأومات له بالموافقة ، لينظر "هاشم" نحو "محمود" ويبتسم له مُضيفا بهدوء :
+

_ على خيرة الله
ها هى ملازمة الفراش لا حول لها ولا قوة ، تلك المرأة المُتجبرة التى أعتاد الجميع على رؤيتها ورؤية قسوتها وجحود قلبها ، ها هى الأن لا تستطيع أن تهش بعوضة تضايقها ، ها وقد شربت من صنع يداها ، بعد أن قتلت شقيقتها وعجزت أبنة عمها وألقت بالذنب على شخصا أخر وأذت جميع من حولها لدرجة أنه لم يسلم أحد من أذية تلك المرأة ، وها هى اليوم تُعاقب على كل ما فعلته من أذية لأشخاص دمرت حياتهم جميعا

نعم هى أصيبت بعجز كامل فى كل جسدها ولكن ليس لسانها ، فهى لاتزال تسيطيع الكلام ، يمكن أن يكون الله أعطاها فرصة أخرى لتطلب السماع والمغفرته منه ومن من أذتهم ، ولكن محظوظون من يستغلون تلك الفرص التى يعطيهم إياها الله ويكفرون عن اخطائهم ، ولكنها ليست من هؤلاء المحظوظون ، بعد كل ما حدث هل ترى نفسها خاطئة أم لا؟! ، هل ستعترف بذنبها ولو حتى بينها وبين نفسها!!

دلف "جواد" غرفة "هناء" بعد أن أستمع لنصيحة طبيبه النفسى الذى نصحه بأن يوجه تلك المرأة ولو لمرة أخيرة حتى يثبت لنفسه أنه لم يعد يغشها بعد الأن وحتى ولو كانت لاتزال بكامل صحتها ، لقد حُرر ذلك الطفل الذى ظلت حابسة إياه لسنوات طوال ، بينما حولت "هناء" رأسها وهى نائمة على الفراش لكى ترى من الشخص الذى جاء لها!!

أتسعت عينى "هناء" بصدمة عندما رات "جواد" أمامها ، فهو أخر شخص كانت تتوقع أن يأتى لزياتها وهى بتلك الحالة التى هى عليها الأن ، ذلك الطفل الذى عاش حياته كلها يحاول الهروب من أمامها وتجاهلها ، ها هو الأن ياتى إليها بكامل إرادته ، يا ترى ماذا يريد؟! ، أبتسمت "هناء" بسخرية وهى تنظر نحو "جواد" رادفة بأستهزاء :

_ جى تشمت فيا يا أبن تهانى!! ولا تكونش جى تطمن عليا!! ، مهو أصل القط ميحبش إلا خناقه
2

دلف "جواد" الغرفة وهو يبتسم على كلماتها وقد أمتدت يده لسحب إحدى الكراسى ووضعه بجانب سريرها ، أمتعضت ملامح "هناء" بالإنزعاج فور رؤيتها لتلك البسمة الغير مباليه لحديثها ، ليزيد "جواد" إنزعاجها رادفا بسخرية :

_ خناق مين بقى ما خلاص ، ربنا هدك وخلص منك

أشتعلت النيران فى أعين "هناء" وبالطبع أصبحت الدماء فى عروقها تغلى من كثرة غضبها ، لتصيح "هناء" بوجه يملأه الغضب والكراهية رادفة بإنفعال :

_ جى ليه يا جواد؟!

أقترب "جواد" منها بكثير من الألم والحرقة لا يعلم بماذا يبدا حديثه!! على ماذا يعتبها أولا!! حسنا ليسألها عن بداية تلك اللعنه وما الخطأ الذى أرتكبه أحدهم بها لتفعل بهم كل هذا ، أضاف "جواد" مُعقبا بإستفسار :

_ جى أشوف الست اللى حرمتنى من أمى وعيشتى مكسور وضعيف وجبان طول عمرى ، الست اللى عجزت عمتى وأتسببت فى موت عمى وكانت بتحاول تقتل مراتى وأبنى ، الست اللى عملت لعبة وسخه على أختى وسببتلها أذى هيلازمها طول العمر ، جى أقولك ليه عملتى فينا كلما كده؟!
2
كان "جواد" يسألها بصوت منخفض مراعيا الحالة التى هى بها الأن كى لا تظن أنه جاء لكى يشمت بها أو بعجزها ولكنه كان يريد أن يجد لديها سيبا ما أولها لكل تلك الأشياء مُحاولا إيجاد مبرر واحد أو حتى تطلب المغفرة عما فعلته ، ولكن ردها خاب توقعاته ، صاحت "هناء" رادفة بغضب وإنزعاج :

_ وأشمعنا أنا أتعمل فيا كده!! ، أشمعنا أنا اللى أحب واحد مش حاسس بيا!! ، أشمعنا أنا اللى أعد أصلى وأدعى وأعيط وأتمنى طول حياتى إن الشخص اللى بحبه ده يكون ليا وميتحققليش طلبى!! ، أشمعنا أنا اللى ماخدش اللى بحبه!! تهانى أتجوزت هاشم وهى كانت بتحبه ، وماجدة أتجوزت عامر وكانت بتحبه ، ولبنى أتجوزت شرف اللى أنا كنت بحبه

قالت "هناء" جملتها الأخيرة تلك بصراخ مرير وحرقة واضحة فى نبرة صوتها مما جعل "جواد" ينصدم من تلك الحرقة التى تسببت فى تجميع الدموع فى عينيها ، بينما "هناء" أكملت حديثها بنفس ذلك الغضب والإنزعاج بالإضافة إلى ذلك النحيب رادفة بأستفسار :

_ أشمعنا أنا اللى يحصل معايا كده؟! ، يوم ما هاشم كان جى يطلب تهانى للجواز كنت فاكرة شرف كمان هيطلبنى ، بس هو مقالش حاجه وكل أمالى خابت وقتها بس مفقدش الأمل ، قولت لماجدة نروح ونعيش معاهم فى أسكندرية وبكدا أبقى قدامه على طول ويبقى شايفنى وقلبه يحن!! ، بس ده محصلش وفضلت صابرة وساكته لحد ما جيه يوم وقال أنا عايز أتجوز ، قولت بس خلاص أخيرا حس بيا وهكون معاها!! بس بردو خيب أملى للمرة التانى وكسر قلبى ، قال أنه بيحب واحد زميلته وعايز يتجوزها ، ده حتى مخدش باله إنى كنت بحبه على الرغم من إنى كنت بحاول أوصلهاله كتير أوى

أجهشت "هناء" فى البكاء وذادت شهقاتها ، بينما "جواد" ظل ينظر لها ومستمع لما تقوله ، لا يعرف أيتأثر بما تقوله!! أم يلعنها ويلعن هوسها ذاك!! هى هى نادمة أم لا؟! ، كسرت "هناء" ذلك الصمت وقد عادت إلى ذلك الجبروت وكأنها إمراة أخرى غير التى كانت تشهق منذ قليل ، لتصيح "هناء" رادفة بغضب وكراهية :

_ وقتها حلفت إنى ما أسبهولها أبدا ولازم أخليه يرجعلى مهما حصل ، بعد ما شرف أتجوز لبنى كلمت الخدامة بتاعتهم وأتفقت معاها تحط للبنى دايما حبوب منع الحمل فى الأكل أو العصير واللى كان مخلى لعبتى فضلت شغاله لمدة خمس سنين ، هو إن لبنى كانت عبيطه ومش عايزه تروح تكشف ، كانت بتقول إن كل حاجه بتيجى بوقتها ولو عندها مشكلة مش هتبقى عايزه تسمع ده بودنها ، ده أدانى فرصه أكلم شرف وأقوله أنه يطلقها ويسبها بس هو كان متماسك بيها
أمتعضت ملامح "هناء" بغضب شديد وهى تكمل حديثها رادفة بكراهية وحقد :

_ بس بردو القدر عاندنى للمرة المليون وغيرلى كل خططتى ، شرف قرر فجأة أنه ياخد لبنى ويسافروا أسبوعين برا مصر ، كنت عارفه إن بسبب السفرية دى لبنى ممكن تحمل بس فضلت أدعى إن ده ميحصلش وإن الحبوب تكون أثرت عليها ، بس ده محصلش ولبنى وشرف رجعوا وبعدها بأسبوعين أكتشفنا إنها حامل

تهاوت بعض الدموع من أعين "هناء" ولكنها لم تقلل من غضبها وكراهيتها مُضيفة بإنزعاج :

_ كل البيت كان فرحان بيها وبحملها ، حتى أختى وبنت عمى اللى هى صحبتى اللى هما أصلا كانوا عارفين إنى بحب شرف وإنى قلبى هيتكسر بسبب الحمل ده ، ومع ذلك محدش فرق معاه حاجة!! أنا بس اللى فضل قلبى يوجعنى وخاطرى مكسور وأنا شايفه بطنها بتكبر كل يوم وشرف بيتعلق بيها أكتر ، كنت بفكر مع نفسى إن الحمل ده المفروض يكون عندى أنا مش عندها هى ، المفروض إنى أنا اللى أكون مراته وأم أطفاله مش هى ، إشمعنا هى تكون معاه وأنا لا؟!
2

ظل "جواد" ينظر لها وهو لا يتوقع أن هناك مثل هذا الحقد والكراهية داخل قلب إنسان!! هل هذا هو السبب الذى جعلها تنتقم من الجميع؟! ، كان أن يسألها ولكنها قاطعته رادفة بكراهية واضحة فى نبرتها :

_ حتى أنت كمان ، أنت كمان كنت متعلق ب لبنى أوى أكتر منى وكانها هى اللى من دمك مش أنا ، كرهتك أنت كمان ، كرهتك زى ما كرهتهم كلهم ، فضلت ساكته ساكته لحد ما حملها كمل وولدت وبعدها مقدرتش أستحمل أكتر من كده

تذكرت "هناء" هذا اليوم الملعون ولكن بالطبع ليس بالنسبة لها ، لتضيف "هناء" وهى تنظر نحو "جواد" رادفة بملامح ممتعضة :

_ أتخنقت معاها على السلم وكنت عايزه أزقها وأعمل نفسى شوفتها وهى بتقع وأقولهم بس بعد ما أتأكد إن نفسها أتقطع ، بس تهانى وماجدة أدخلوا فى وقت غلط خالص وعصبونى لدرجة إنى بدل ما أزوق لبنى ، زقيت تهانى غصب عنى مكنتش أقصدها هى ، من كتر خوفى رميت ماجدة كمان عشان أقول إن لبنى هى اللى عملت كده

أنفجرت "هناء" فى البكاء مرة أخرى ولكن ليس فيما فعلته فى شقيقتها وأبنة عمها ، بل لاننا بلغت ذلك الخبر ل "شرف" وتسببت فى موته ، رادفة بندم وحسرة :

_ كان نفسى لسانى يتقطع قبل ما أتصل بشرف وأقوله حاجه ، من غير ما أقصد أتسببت فى موت الأنسان الوحيد اللى عملت كل ده عشانه ، كنت عايزه يكرها ويرميها برا حياتنا ويعرف قيمتى وقيمة حبى ، بس هو اللى مات وهى اللى عاشت ، كرهتها أكتر وصممت إنى مضيعش موت شرف بالساهل ولازم أموتها هى كمان حتى لو كان السبب أيه!!

عادت ملامحها للجبروت والحدة مرة أخرى وكأنها تتلاعب إحدى الأدوار الدرامية أمام لحنة تحكيم ما ، بينما أكملت وهى لا تشعر ولو بقدر بسيط من الندم على ما فعلته رادفة بغضب :

_ قتلت تهانى بعد اللى فى بطنها ما مات عشان أخلى هاشم يكره لبنى أكتر وكنت هقتل ماجدة كمان عشان متقولش عن اللى حصل ، بس لما أكتشفت إنها هتعيش من غير حركة أو كلام سبتها ، سبتها عشان تفضل معايا وكمان عشان نار الأنتقام فى قلب هاشم متنطفيش وهو شايف أخته بالمنظر ده بسبب لبنى وعشان ميترددش لحظه فى قتلها هى وبنتها

لم يصدق "جواد" ما كانت يستمع إليه من تلك المرأة الشيطانة المُتجسدة على هيئة إنسان!! هل هناك إناس يفعلون ما فعلته تلك المرة؟! هل هناك إنسان تجرد من كل معانى الرحة والأنسانيه ليفعل بعائلته تلك الجرأم البشعة!! حتى شقيقتها لم تسلم منها ولكن "جواد" أراد أن يخرج كل ما بداخلها رادفا بإستفسار :

_ طب وأنا!! عملتى فيا كده ليه؟!

_ عشان أنت كنت بتحب لبنى أكتر منى ، أول ما شوفت بنتها عرفت إنك هتكبر فى يوم من الأيام وهتحبها ، كمان أبوك وأبوها تقريبا كانوا حجزينكم لبعض ، رغم إن أبويا بردو كان حاجزنى لشرف وهو محبنيش ، ليه أسيب بنته تحب وتفرح وأنا مفرحتش ، ربيتك على القسوة والكره عشان يوم ما تمسك بنت لبنى تاكلها بسنانك وتقطع من لحمها ، بس أنت كنت خ** معاها أوى وبدل ما تكرها أكتر حبتها يا خيخة
2

أغمض "جواد" عينيه بهدوء وهو يرطب شفتيه بواسطه لسانه مُحاولا عدم الإنفعال أمامها مُقدرا حالتها رادفا بإستفسار أكتر :

_ طب وأختى عملتلك أيه عشان تدخليها هى كمان؟!

ضحكت "هناء" بسخرية على سؤال "جواد" الذى يبدو أنه يحقق معها ويريد معرفة كل شيء ، حسنا ستخبرة بكل شيء عساها تستطيع إخراج ذلك الوحش التر ربته بداخلة لكى يقتلها ويخلصها من هذا العذاب ، لتجيبه "هناء" رادفة بكراهية :

_ أختك عمرها ما حبتنى ، دايما كانت بتحب ماجدة وبتقعد معاها رغم إنها تقريبا ميته ، كانت بتحاول تبعد عنى أوى وكمان كانت قريبه من هاشم ومدلعه ومعرفتش أسيطر عليها زيك ، وأكتر حاجه كرهتنى فيها إنها حبت ، حبت اللى أسمه مالك ده وسمعتها وهى بتعرف ماجدة ، أشمعنا هى تحب وتكون مع حبيبها وأنا لا ، بعت ناس يخطفوها ويحطوها فى شقة إياد ويخلوه يجى ويخدروه وبعت رسالتين واحدة ل مالك والتانيه ليك

شعر "جواد" بالدهشة والأستغراب لقليلا من الوقت ، فهو لا يتذكر أن هناك رسالة ما تلقاها على هاتفه فى هذا اليوم تخص "زينة" أو "إياد" ، ولكن سريعا ما تذكر "جواد" أنه رأى "ديانة" ممسكة بهاتفة فى هذا اليوم عندما خرج من المرحاض ، ليتأكد "جواد" أن "ديانة" هى من مسحت الرساله وأنقذته من مخطط تلك المرأة الشيطانة ، ليقطع تفكيره صوت "هناء" رادفة بغضب :

_ كنت عايزاك تشوفها فى الوضع ده وتشوف مالك وإياد وتفتكرهم بيتناوبوا عليها وتقتلهم هما الأتنين ، وقبل ما تسألنى ليه!! هقولك عشان أحرق قلب ديانة على مالك عشان أنا عارفة إنها بتحبه زى أخوها ولما تعرف إنك قتلته تكرهك أكتر وتضطرك إنك تقتلها ، أما بقى بالنسبة ل إياد فده عيل فتان ووسخ سمع كلامى مع كوثر وإتفاقى إنها تقتل الجنين اللى كان مجننك إنت وأبوك ومحببكم فيها ، راح الكلب ده وقالك كان لازم أنتقم منه وأخليه يموت ، بس كل مخططى باظ عشان أنت مروحتش ، أنا لحد دلوقتى مش فهمة أنت أزاى مروحتش تشوفهم
2

أبتسم لها "جواد" بكثير من الشكر والأمتنان ل "ديانة" بداخلة مُجيبا على سؤالها رادفا براحة وفخر :

_ رحمة ربنا ، رحمة ربنا اللى حط فى طريقى واحدة زى ديانة اللى متأكد إنها ورا حذف الرساله دى ، ديانة هى الملاك الحارس والمنقذ اللى بعتهولى ربنا فى الوقت المناسب ، بعتهالى عشان تنقذنى من قسوتك وجحودك اللى زرعتيهم جوايا ، رجعتلى القوة اللى سلبتيها منى من سنين طويلة ، معاها حسيت إنى راجل بجد وعندى مشاعر وأحاسيس زى الناس ، رجعتنى أعيش من تانى وأنا فى المقابل كنت بموتها كل يوم بالحياة بسبب وسوستك اللى أوسخ من وسوسة الشيطان
1

قال "جواد" جملته الأخيرة تلك بصراخ وإنفعال وكأنه سمح لهذا الركان بداخله أن ينفجر ، بينما أنتفض جسد "هناء" متأثرا بصراخه ، ليكمل "جواد" مُضيفا بكثير من الغضب والكراهية رادفا بحدة :

_ أنا بكرهك يا هناء ، أه كنت جى وخايف بس مكنتش خايف منك أنتى لا ، كنت خايف أتهور وأقتلك بس تصدقى إنك متستهليش الموت ، الموت راحة للى زيك ، أنتى لازم تعيشى كتير أوى ، تعيشى لحد ما تعفنى على السرير ده مش قادره تتقلبى أو ترفعى صباع حتى ، زى ما عملتى فى عمتى ماجدة بالظبط ، بس إنتى عارفه بقى الفرق بينكم أيه ، الفرق إنها مكنتش قادرة تتكلم أو توصف وجعها إنما أنتى قادرة توصفى وجعك وتعرفينا إنتى بتتوجعى قد أيه عشان كل الدنيا تتاكد بإن كما تدين تدان وإن أى حد مظلوم حقه هيرجعله فى يوم من الأيام

صاحت به "هناء" بغضب وإنزعاج مماثل له مصدومة من تلك الطريقة التى يتحدث بها معها رادفة بصراخ :

_ مالك يا جواد فيه أيه؟! أنت نسيت نفسك يا و** أنت ولا أيه؟! أنا هناء يلا ، هناء اللى أنت كنت لحد من كام يوم كنت بتترعب منها وبتعملها ألف حساب ، أكتشفت إنك راجل فجأة وبتعرف تتكلم قدامى لما وقعت ومبقتش بقدر أتحرك

ضحك "جواد" بكثير من السخرية والأستهزاء على حديثها الوضح عليه إنها أصبحت تخشاه رادفا بأشمئزاز :

_ عارفة لو كنت فضلت جواد اللى أنتى ربيتيه كنت ممكن أصدقك أنى أعمل كده ، بس جواد اللى أنتى ربيتيه خلاص راح ، أتعالج وأتجوز وخلف وبيحب مراته وأبنه وهيحافظ عليهم مهما كلفه الأمر ، وهرجع الفرح والسعادة لبيتنا من جديد لدرجه إنهم هينسوكى وينسوا كل اللى عملتيه فيهم

نهض "جواد" من على الكرسى الذى كان يجلس عليه مُلقيا نظره فى أعيُن "هناء" رادفا براحة وسعادة :

_ أه بالمناسبة أنا سميت أبنى نور ومش بقولك كده عشان تفرحيلى مثلا ، أنا بقولك كده عشان بس تبقى عارفه أنه هو اللى هيبقى النور اللى هينور الضلمة اللى عملتيها فى حياتنا

بدأ "جواد" فى السير نحو باب الغرفة عازما على الخروج من هذا المكان ، ليمنعه صوت بكاء "هناء" ونحيبها المرير مُتضرعة له رادفى بترجى وضعف :

_ موتنى يا جواد ، أبوس رجلك موتنى أنا مش هقدر أعيش كده

صُغق "جواد" من طلبها ، هل هذه هى نفس تلك المرأة المُتجبرة التى ربته!! ، تلك المرأة التى كان يخشلها الجميع ها هى تتمنى الموت وحتى إنها لا تستطيع أن تحصل عليه ، ألتفت إليها "جواد" مرة أخرى رادفا بكراهية :

_ أدعى ربك هو اللى ياخدك ويريحك رغم إنى أشك إن واحدة زيك ممكن ترتاح ، مش قادرة تستحملى وضع خليتى فيه عمتى ماجدة لأكتر من عشرين سنه ، خليتى لبنى تتحبس عشرين سنه ، خليتى حياتى أنا وأهلى جحيم لمدة عشرين سنه ، وأنا النهاردة بتمناك عشرين سنه تجربى فيهم اللى أنتى عملتيه فينا

فتح "جواد" باب الغرفة وتوجه للخروج من الغرفة تاركا "هناء" خلفه تبكى وتصرخ بكثير من الغضب والكراهية رادفة بحقد وتمنى شديد :

_ أنا بكرهك يا جواد ، بكرهك أنت وأهلك كلهم ، لو فى دعوة ممكن تتقابلى وتريحنى هتكون هى إنى أسمع خبر موتكم كلكم ، بكرهكوا
3

❈ - ❈ - ❈

كانت "زينة" تجلس بمكان ما داخل القصر بمفردها وهى تبكى بكثيرأ من الحزن والإنكسار ، نعم "مالك" لم يتخلى عنها وها هو عرسهم خلال بضعة أيام ولكنها لا تشعر بأية فرحة أو سعادة ، هى تشعر بالإنكسار بسبب ما فعله بها "مالك" وعلى الرغم من أن كل ما حدث فى هذا اليوم لم يكن خطائها ولكنها تشعر بالذنب والغضب تجاه نفسها ، لو لم تذهب به فى هذا اليوم الملعون!! لما كان حدث كل هذا منش البداية ، نعم هى زفافها بعد أيام قليله على ذلك الشخص التى كانت تعشقه حد اللعنه ولكنها ليست سعيدة ، هى تشعر أن "مالك" سيتزوجها فقط ليصلح خطأه ولكن ليس من أجلها هى ، أغمضت "زينة" عينيها بألم وكسرة على كل ما حدث لها ، ليأتيها صوت والدها رادفا بأستفسار :

_ هتفضلى تعيطى كده لحد أمتى!!

ألتفت إليه "زينة" بلهفة وإشتياق رادفة بإنكسار :

_ بابا

ضمها "هاشم" إلى صدره مواسيا إياها على ما تشعر به من خذلان وإنكسار بسبب ما تعرضت له بسبب الجميع وليس بسبب "هناء" و"مالك" فقط ، ربط "هاشم" على ظهر "زينة" مُحاولا التهوين عنها رادفا بمرح :
_ فى عروسة حلوة كده فرحها بعد أسبوع تبقى أعده القعدة دى وبتعيط!!

أزدادت "زينة" فى بكائها وأخذت تنتفض داخل صدر والدتها شاعرة بالذنب والندم رادفة بنحيب وإعتذار :

_ أنا أسفة يا بابا ، أرجوك سامحنى

جذبها "هاشم" إلى صدره أكثر مُحاولا أن يهدأ من روعة أنته وإعفائها من ذلك الذنب ، ليربط على ظهرها بحنان وعاطفة رادفا بإنفعال وإعتذار :

_ لا يا بنتى أنتى اللى سامحينى ، كل اللى حصلك ده كان بسببى ، القدر حرمكم من أمكم وأنا حركتكم منى وسبت واحده زى هناء هى اللى تتحكم فيكم وفى مصيركم ، مكنتش أب كويس زى باقى الأبهات ، سبت الغضب والكراهيه تعمى عنيا عنكم ، اللى حصلك ده كان عقاب من ربنا ليا على اللى أنا عملته فى لبنى وديانة وفيكوا أنتوا كمان ، أنا اللى زرعت هناء وسطنا وسبتها تحدد مصايرنا كلنا ، سامحونى يا بنتى أنا فعلا أسف
3

تشبثت "زينة" جيدا فى رقبة والدها وهى تدفن وجهها داخل عنقه وكأنها تكتسب منه قوتها وراحتها ، مُضيفة ببكاء وتأثر بما قاله والدها قائلة :

_ أنت أحسن أب فى الدنيا يا حبيبى

فى تلك اللحظة دلف كلا من "لبنى" و"ديانة" لتتوجه "لبنى" نحو "زينة" معانقة إياها بحب وحنان وعاطفة أمومة رادفة بتأثر وأعين دامعة :

_ كفاية حزن بقى سيبى الفرحة تتدخل قلبك أي كان اللى حصل أنسيه يا بنتى وأبدأ من جديد

أومات لها "زينة" بالموافقة على حديثها وهى تُبادلها العناق بكثير من الحب والإمتنان ، لتتدخل "ديانة" مُحاولة تغير تلك الأجواء الحزينة رادفة بمرح ومشاكسة موجهة حديثها نحو "زينة" قائلة :

_ يله يا حبيبتى معندناش عرايس تقعد القعدة دى لسه عندنا تجهيزات ، الفستان والميكب أرتست و ...

قطع حديثها صوت "هاشم" الذى صاح مُناديا على أبنه رادفا بصوت عالى نسبيا كى يُنبه :

_ جواد

توقفا "ديانة" رغما عنها عندمل شعرت بوجوده فى نفس ذلك المكان الموجوده هى به ، للتوتر "ديانة" ويبدا جسدها فى الأرتجاب بسبب كل ذلك الأرتباك التى تشعر به وهى قريبة منه ، ليزيد توترها ورجفتها سماع صوته الثقيل الذى وقع على مسامعها رادفا بهدوء وثبات :

_ نعم يا بابا!!

نظر له "هاشم" بهدوء مُتأكدا أن هذه هى اللحظة المناسبة للإفصاح عما قرره هو و "لبنى" منذ عدة أيام رادفا بهدوء وثبات موجها حديثه نحو الجميع قائلا :

_ فى حاجه مهمه جدا عايز أقولكم عليها

شعرت "لبنى" بكثيرا من التوتر والإرتباك فور شعورها لمعرفة ما هو الشيء الذى يريد أن يتحدث عنه "هاشم" أمام الجميع ، لماذا دائما يضعها فى مثل هذه المواقف ذلك العجوز الأحمق ، ليكسر توترها صوت "زينة" التى صاحت مستفسرة رادفة بتعجب :

_ حاجة أيه يا بابا؟!

نظر "هاشم" إلى أبنته لثوانٍ ثم حول نظره سريعا نحو "لبنى" مُطالعا إياها بكثير من الحب واللهفة رادفا بسعادة وفرح :

_ أنا هتجوز لبنى

وقعت تلك الجمله على الجميع مثل الصاعقة ، لم يكن هناك أحدا منهم يتوقع مثل هذا الشيء!! كيف يمكن أن يكون "هاشم" و "لبنى" معا؟! ، كيف جعلها تسامحه على الرغم من كل ما فعله بها ، كيف جعلها توافق أن تكون معه وتتزوجه رغم أنه حبسها لأكثر من عشرون عاما؟!
4

نعم كان الجميع مُنصدم مما أستمعوا إليه لتو ولكن ليس كصدمة "ديانة" التى رأت المضوع من منظورا أخر تماما ، معنى أن والدتها ستتزوج من عمها ذلك سيجعلها تعيش فى نفس المنزل الذى يعيش فيه عمها ، وهذا يعنى إنها حتى بعد إنفصالها ستظل ترى وجه هذا البغيض "جواد" كلما أتى إلى القصر؟! اللعنة على حظها العسر
3

بينما أبتسم "جواد" بعد أن فاق من صدمته مدركا ما كان يعنيه والده عندما تحدثان معا فى الصباح ، ليحول "جواد" نظره نحو "ديانة" مُتمنيا بينه وبين نفسه أن يستطيع أن يخرج فكرة الطلاق تلك من رأسها وأن يجعلها تسامحه وتعطى إياه فرصة أخرى

كسر ذلك الصمت صوت "ماجدة" التى أنفجرت بالتهاليل والصياح أى "الزغاريط" وهى تسير نحو العائلة بأكملها بصحبة زوجها "عامر" بعد أن أستمعا إلى ما قاله "هاشم" ، ليزجرها "عامر" بمرح ومشاكسة فى "لبنى" رادفا بمراوغة :

_ أستنى بس يا ماجدة ناخد رأى العروسة الأول؟!

أجابته "ماجدة" وهى تنظر نحو "لبنى" مُعقبة بكثير من المرح والمشاكسة رادفة بمراوغة :

_ أسكت أنت السكوت علامة الرضا ، ولا أيه يا لبنى؟!

قالتها وهى تغمز بعينيها إليها ، ضحكت "لبنى" متذكرة إنها من قالت نفس تلك الجملة ل"شرف" عندما أتى "عامر" لزواج من "ماجدة" ، لتصيح "لبنى" موجهة حديثها نحو "ماجدة" وهى بتضحك رادفة بإستنكار :

_ دا أنتى قلبك أسود أوى

أجابتها "ماجدة" وهى تسير نحوها وتلك البسمة السعيدة تملئ وجهها رادفة بمرح :

_ لا وأنتى الصادقة دى سخرية القدر

ضحك كلا من "ماجدة" و"لبنى" وتبادل كلاهما العناق مُعبرين لبعضهم عن مدى حبهم لبعض ، لتصيح "ماجدة" موجهة حديثها نحو "لبنى" رادفة بسعادة حقيقية :

_ مبروك يا لبنى

بأدلتها الأخرى العناق بكثير من الحب والإمتنان رادفة بصدق :

_ الله يبارك فيكى يا ماجدة

صاح "عامر" موجها حديثه نحو "هاشم" الذى كانت السعادة واضحة فى عينيه رادفا بإستفسار :

_ ها طب هنفرح بيكوا أمتى بقى يا عم هاشم؟!

أجابه "هاشم" وهو يحتضن "زينة" ويضمها إلى صدره رادفا بتأكيد :

_ المأذون اللى هيكتب كتاب زينة ومالك ، هيكتب كتابى أنا ولبنى
2

على ذكر سيرة المأذون نظرت "ديانة" إلى "جواد" الذى لاحظ نظرتها تلك وقد فهم المغزى من تلك النظرة ، ليحول نظره إلى الجهة الأخرى لاعنِ حظه ، لتحاول "ديانة" أن تقترب من "جواد" دون أن يلاحظها أحد وتخرب عليهم سعادتهم ، بينما صاح "عامر" موجها حديثه نحو "هاشم" رادفا بفرح وسرور :

_ على خيرة الله يا أبن عمى ، ربنا يسعدك ويعوضكم خير عن كل الوحش اللى فات

أبتسم له الجميع مأمنين على ما تمناه "عامر" لهم ، بينما أقتربت "ديانة" من "جواد" لدرجة كبيرة حتى لا يستمع أحدا إليها ، همست "ديانة" إلى "جواد" بصوت منخفض كى لا تلفت الأنظار إليهم رادفة بهدوء وثبات :

_ لو سمحت عايزة أتكلم معاك لوحدنا
4

ألتفت إليها "جواد" مُقابلا إياها بإبتسامة جميلة وهادئة وهو يهز رأسه لها بالموافقة رادفا بنبرة يفوح منها الحب والإمتنان :
4

_ حاضر

تحركت "ديانة" من أمامه مُتجهة إلى خارج الغرفة ، ليلحقها "جواد" مُتمنيا أن يستطيع أن يحتوى الموقف ويخرج تلك الفكرة اللعينة من رأسها ، بينما كان "هاشم" و"لبنى" يُتابعا ذلك المشهد منذ أن تحركت "ديانة" من مكانها ، لينظر "هاشم" نحو "لبنى" بسعادة وفرح غامزا لها بعبنيه بمشاكسة ، لتبتسم "لبنى" على حركاته المراوغة
3

❈ - ❈ - ❈


_ طلقنى

صاحت "ديانة" بتلك الكلمة موجهة حديثها نحو "جواد" بعد أن أبتعدا عن الجميع كى لا يُفسدوا فرحتهم بما يحضرون له من مناسبات سعيدة ، رمقها "جواد" بصدمة ولكن ليس من طلبها فهو متوقع بالنسبة له ، بل صدمته كانت بسبب تسرعها وإصرارها على هذا الأمر حتى إنها لم تعطى له فرصة ليتحدث معها حول هذا الأمر ، بدأ "جواد" فى التحدث مُحاولا التأثير عليها كى تعطيه فرصة لجعلها تسامحه رادفا بضعف وإنكسار :

_ هعملك كل اللى انتى عايزاه ، بس ممكن تسمعينى شويه!!

صاحت به "ديانة" ناهية إياه عما يُفكر فيه مُحطمة جميع أماله فى وجود فرصة لكى تسامحه عما فعل بها ، نعم وهذا حقا لها بعد كل ما فعله بها ، فهو بغبائه وتسرعه حطم كل ما يمكن أن يكون بينهم فى يوما من الأيام ، لتصيح "ديانة" رافضة ما يقوله رادفة بحزم وإصرار :

_ مش عايزه أسمع منك حاجه غير الطلاق

تقدم "جواد" ببعد الخطوات مقتربا منها مُحاولا التأثير عليها بالحديث وإخراج تلك الفكرة البغيضة من رأسها وجعلها تستمع إليه ولو مرة أخيرة رادفا بترجى :
_ ديانة أرجوكى أسمعينى ، أنا ...

قاطعه "ديانة" وهى ترجع إلى الوراء بنفور بمجىد أن أقترب منها شاعرة بالرهبة والإنزعاج ، لتصيح مُضيفة بإنفعال وحدة رادفى بنبرة غير قابلة لنقاش :

_ بقولك مش عايز أسمعك ، طلقنى بقى وخلى عندك كرامة

أغمض "جواد" عينيه بإنكسار شاعرا بتلك الأهانة التى تلقاها لتو بالإضافة إلى إصرارها على عدم منحه فرصة أخرى ومسامحته ، شعر "جواد" بخيبة الأمل مدركا أنها لم تعطيه أيه فرصة للعيش مغها مرة اخرى ، نعم وكيف له أن يفكر أنها ستسامحه بعد كل ما فعله بها!! ، يجب عليه أن يلبى لها رغبتها حتى ولو كانت رغبتها تلك ستجعله يخسر كل شيء بحياته ويعود إلى ذلك الشخص القاسى مرة أخرى ، أبتلع "جواد" تلك الغصة التى تكونت فى حلقه بمرارة ، ببنما تمردت بعض الدموع من زرقاوتيه شعارا بالأنكسار عازما على تنفيذ رغبتها رادفا بألم وإستسلام :

_ أنتى طا ...

كاد أن ينطق بها وتحطم بعدها كل أماله وأحلامه بأن يكون له فرصه فى تلك الحياة ليعيش كأى شخص طبيعى بجانب زوجته وأبنه ، ولكن القدر قرر أن يمنحه فرصة أخرى ليحيا كأى شخص طبيعى ، أوقفه صوت والده الذى تدخل فى الوقت المناسب مانعا إياه من نطقها رادفا بلهفة :

_ أستنى يا جواد

صُدم كلاهما من تدخل "هاشم" المفاجئ والغير محسوب ، بينما وقف "هاشم" بين كلا منهما موجها حديثه نحو "ديانة" رادفا بهدوء وأحترام :

_ تعالى معايا يا ديانة ، عايزك فى كلمتين

شعرت "ديانة" بالتعجب لتدخل عمها فى هذا وترا بماذا يربد ان يتحدث معها فى هذا الوقت ، ولكنها سريعا ما أومأت له برأسها بالموافقة وسارت وراء "هاشم" مُتجهة معه نحو مكتبه

دلف كلا من "هاشم" و "ديانة" إلى مكتبه ليغلق "هاشم" الباب ، بينما تقدمت "ديانة" بالجلوس على أول كرسى قابلها ، جلس "هاشم" فى مُقابلتها ويبدو على وجهه ملامح الحرج والأرتباك رادفا بتمنى :

_ أطلب منك طلب وتعتبريه طلب من أبوكى مش من عمك؟!

لمعت عينى "ديانة" مُمتنه لهذا الطلب الجميل الذى أشعرها وكأنها بالفعل جالسة أمام والدها ، لتوافقة بلهفة رادفة بحب :

_ أتفضل يا عمى

أمسك "هاشم" بيد أبنة أخيه بحب وعاطفة أبوة ، مُحاولا التأثير على قرارها رادفا بنصيحة صادقة :

_ بلاش طلاق دلوقتى

رمقته "ديانة" بنظرات التعجب والقليل من خيبة الأمل ، هى كانت تظنه سيكون مثل والدها ويهتم براحتها ويحترم قرارتها وإنها لن تسطيع أن تظل مع ذلك الشخص الذى أقل ما يُقال على ما فعله بها ، هو أنه حطمها وأهانها ، وها هو الأن يقف فى صف أبنه أمامها

أدرك "هاشم" ما تعنيه تلك النظرات التى أنطلقت نحوه من أعين "ديانة" عقب ما سمعته منه لتو ، ليصيح "هاشم" مُحاولا تفسير الامر لها وتوضيح ما يريد قوله وأنه لا يهتم سوا بأمرها ، ليردف بلهفة وصدق :

_ صدقينى يا بنتى اللى بقولهولك ده مش عشان خاطر جواد ، ده عشان خطرك إنتى

تنهدت "ديانة" بأستيهاء من مُحاولة عمها الفاشلة فى التأثير عليها رادفة بحزم وإصرار :

_ بس أنا مصممه على الطلاق..!

رد "هاشم" على حديثها مُحاولا جعلها تقتنع بكلامه وهو بالفعل يقول الحقيقة ، هو لا يقول هذا الكلام من أجل "جواد" بل من إجلها هى الأخرى لانه يشعر ان بداخلها شيء جميل تجاه "جواد" ، وأيضا لرغبته الكبير فى أن يرى حفؤدة وهو يكبر أمام عينيه وتحت رعايته ، ليصيح "هاشم" مُحاولا تفسير حديثه لها رادفا بحب وصدق :

_ وأنا مش بقولك أرجعى فى قرارك ، أنا بس بقولك أجلى تنفيذة شويه كده ، مينفعش نجوز واحده ونطلق التانيه مع بعض!! ، عارف إنك مش قادره تسامحى جواد ومش قادرة تعيشى معاه وأنا مش هجبرك تعيشى معاه ، أنتى هتعيشى فى بيت أبوكى وفى أوضه لوحدك وأعتبريها فرصة أخيرة تفكرى بيها مع نفسك من أول وجديد!! ، شهرين تلاته بس ولو لسه عند قرارك أوعدك أنا اللى هطلقك منه بنفسى

أغمضت "ديانة" زرقاوتيها بأستسلام إلى حديث عمها شاعرة بالعجز أمام إلحاحه الشديد وتلك الرغبة والتمنى الذى يندلعان من عينيه ، زفرت "ديانة" بقلة حيلة وشعور بالحرج من ان ترفض رغبته تلك ، لتعقب بأدب وإستلام موافقة على حديثه رادفة بتوضيح :

_ أنا موافقة يا عمى ، بس مش عشان أفكر فى الموضوع ذى ما حضرتك طلبت لانى متاكده من قرارى ومصممه عليه ، أنا موافقة بس عشان خاطرك وعشان محدش يقول منين زينة أتجوزت ومنين أنا أطلقت ، أنا هصبر لحد بعد جواز زينة بشهرين وبعدها هستنى منك تنفذ وعدك ليا

شعر "هاشم" بقليل من الراحه بسبب موافقتها على طلبه شاعرا بأن هناك أملا بسيط فى إحياء السعادة فى هذا البيت من جديد وأن القدر يمنحه فرصة أخرى لأصلاح ما تم إفسادة منذ زمن بعيد ، أومأ لها "هاشم" بالموافقة رادفا بحب وإمتنان :

_ وأنا موافق يا ديانة

أغمضت "ديانة" عينيها بإستسلام أمام رغبة عمها ، ولكنها حاولت أن تستغل إنهما جالسين معا لتخبره بقرارها التى أتخذته فى صباح هذا اليوم رادفة بحرج :

_ عايزه أطلب أنا بقى من حضرتك طلب

رمقها "هاشم" بإهتمام وإنتباه شديد مستفسرا عن طلبها رادفا بكثير من الحب والحنان :

_ أطلبى يا حبيبتى

حمحكت "ديانة" مُحاولة أختيار كلمتها كى لا يظن عمها إنها لا تثق فيه أو يفهمها بشكل خاطئ ، لتعقب "ديانة" بهدوء وإحراح رادفة بإستأذان :

_ بعد فرح مالك وزينة بعد أذنك عايزه أبقى أنزل الشركة وأبدأ أشوف شغلى هناك

أبتسم لها "هاشم" بسعادة وتفاهم لما تريده وأنها تحتاج إلى الخروج من البيت والتعامل مع الناس مرة أخرى ، ليردف "هاشم" بحب وترحيب :

_ مكانك موجود من زمان ومستنى ينور بيكى

أبتسمت له "ديانة" بإمتنان على تفهمه الأمر وسريعا ما عانقة شاكرة إياه على تفهمه لها وموافقة على طلبها

خرجت "ديانة" من مكتب عمها لتجد "جواد" لايزال منتظرا إياها جالسا على تلك الأريكة لتتجه نحوه على الفور ، بينما بمجرد ان رأها "جواد" وقف لتبادل الحديث معها ، بينما "ديانة" لم تعطيه فرصة للحديث وسريها ما صاحت بوجه رادفة بحدة وتوضيح :

_ أنا هصبر شويه على تنفيذ إجرات الطلاق قدام الناس ، لكن بنسبالى أنا وأنت أحنا مطلقين وملكش أى حاجه عندى ولا حتى يبقى فى مجرد كلام بينا ، بالنسبالك أنا بنت عمك ديانة شرف الدمنهورى وبس

أدارت له "ديانة" ظهرها وسريعا ما شرعت فى التحرك من أمامه تاركة إياه ينظر له بتفحص شديد وكأنه يراها لأول مرة فى حياته ، قطع شروده صوت "هاشم" الأتى من جانبه ولكن على مسافة قليلة رادفا بأملا وسرور :

_ ورينا شطارتك بقى

أدار "جواد" رأسه إلى الجانب ناظرا نحو والده شاعرا بكثير من الراحة مُتذكرا حديثة مع والده فى صباح اليوم عندما قال له والده " أسمع أنا هحأول أخليها تصبر على موضوع الطلاق ده شوية وأنت وشطارتك معاها بقى ، ورينا هتخليها تطلع فكرة الطلاق من دماغها أزاى " ، أبتسم " جواد " بسعادة وسرور لدرجة جعلت أنيابه تظهر لوسع إبتسامته ، بالإضافة إلى لمعة أعينه بتلك الفرحة رادفا بحماس :


_ هتشوف

تمت ... الي اللقاء في الجزء الثاني
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-