رواية براثن اليزيد كاملة جميع الفصول بقلم ندا حسن

رواية براثن اليزيد كاملة جميع الفصول بقلم ندا حسن

رواية براثن اليزيد كاملة جميع الفصول هى رواية من تأليف المؤلفة المميزة ندا حسن في رواية براثن اليزيد حيث تختبئ أسرار الحنين وتتشابك الأحلام تبدأ حكاية حب لا تعرف للزمن حدودًا. قصة لقاء قد يبدو عابرًا، لكنه يحمل في طياته وعدا بمشاعر عميقة وتحديات تفيض بالعواطف إنها رحلة تجمع بين الفرح والألم الأمل والخيبة حيث تتأرجح القلوب بين شوق اللقاء وصعوبة الفراق هنا تتداخل أرواح تبحث عن النصف الآخر في صراع بين الحلم والواقع ويظل السؤال هل يكفي الحب وحده ليصمد أمام رياح القدر

رواية براثن اليزيد كاملة جميع الفصول بقلم ندا حسن


رواية براثن اليزيد كاملة جميع الفصول

خرجت من الغرفة عازمة أمرها على ذلك القرار الذي اتخذته في ثوانٍ معدودة بعد تلك المكالمة التي وردتها من زوجة عمها الجالس مع والدها بغرفة المعيشة الآن، لا تدري ما ذلك الهراء الذي يحدث من حولها ولكن ليس بيدها شيء آخر تفعله سوا ذلك..
فهذا ابن عمها وخلاصه بيدها هي فقط وإن كان شخص آخر تستطيع إنقاذه لفعلتها دون تردد ولكن الأمر مُريب والتفكير به مُرهق كثيرًا لذا أخذت ذلك القرار على عجلة من أمرها حتى لا تعود به وتُنهي حياة شخص بريء  وبيدها نجاته..
ولجت إلى داخل الغرفة لترى والدها وعمها يجلسان سويًا، نظروا إليها بعد أن وجدوها تدلف إليهم كما لو أن الشياطين تُلاحقها وقد خاب أمل عمها كثيرًا من تلك النظرة بعينها وأدرك أنها ترفض تمامًا أما والدها خاف بشدة أن تقول ما توقعه منها وهو الذي كان سيرفض للتو للمرة التي لا يعلم عددها بسبب كثرة التفكير ويعتذر من شقيقه بأنه ليس له دخل هو وبناته بما يحدث بعيد عنهم.. 
أخذت نفس عميق ثم زفرته لتهتف بسرعة وكأنها تتخلص من عبء ثقيل على قلبها لو أنتظر ثواني لفتك بها: 
-أنا موافقة يا عمي اتجوز ابن الراجحي
وقف والدها على قدميه ينظر إليها بذهول بعد أن قالت ما توقعه ليتحدث بحدة قائلًا وقلبه ينتفض فزعًا على ابنته: 
-أنتِ اتجننتي يا مروة؟، عايزة ترمي نفسك في نار العيلة دي ومع واحد منعرفش عنه حاجه؟
أجابته مضيقة ما بين حاجبيها باستغراب وقد عبث ضميرها بالقرار الذي اتخذته:
-مش أحسن ما حد مننا يروح فيها وبعدين أرجع أندم وأعاتب نفسي إني كان ممكن أنقذه! 
جلس والدها خلفه على المقعد وأخفض رأسه للأرض، نعم هو يعلم أن ما تتحدث به صحيح لن يستطيعوا فقد أحدًا منهم وخصوصًا أنه الآن يعتبر وحيد والديه بعد ذهاب شقيقه الأكبر..
أقترب منها عمها بعد أن وقف على قدميه تترقرق الدموع بعينيه بعدما قدمت مستقبلها للمجهول مقابل روح ابنه، احتوى وجهها بين كفيه ثم تحدث قائلًا: 
-أنا آسف والله يا بتي مكتش عايز ده يحصل بس ما باليد حيلة وده دلوقتي ابني الوحيد
تحررت دمعة واحدة فقط من أسر عينيها لتزيلها سريعًا وهتفت مُبتسمة بهدوء محاولة التخفيف عن نفسها والجميع حولها: 
-متقولش كده يا عمي، محدش عارف نصيبه فين
نظرت إلى والدها وجدته كما هو يسيطر الحزن عليه بسبب ما تتقدم على فعله، تركت عمها وذهبت إليه، جلست على عقبيها أمامه ثم تحدثت قائلة بهدوء مُصتنع: 
-بابا إحنا مفيش قدامنا حل غير كده، أنا عارفه أنك خايف عليا بس... بس كمان ده تامر مقدرش أتخلى عنه أنتَ عارف هو ايه بالنسبة لينا كلنا، أنا هكون بخير متقلقش عليا 
نظر إليها والدها مُبتسمًا بحزن ثم قبل جبينها بحنان دون أن يتفوه بحرفٍ واحد فماذا سيقول من الأساس ولا يوجد حل آخر سوا ما أقدمت عليه ابنته، لتقف هي على قدميها متجهة إلى خارج الغرفة تاركه خلفها أفكار تقتُل وتُحي.
            _____________________
دلفت إلى غرفتها وأوصدت الباب خلفها بهدوء حاولت جاهدة التحلي به أمام الجميع، وقفت أمام المرآة تنظر إلى مظهرها ثم مرة واحدة اجهشت في البكاء لما هي مقدمة عليه ولا تعلم عنه أي شيء وتتذكر مكالمة زوجة عمها لها منذ قليل والتي كانت تترجاها بها بأن توافق لتحافظ على سلامة ابنها الباقي لها..
"كانت تستمع إلى زوجة عمها الباكية ولا تدري بماذا تُجيب عليها، فقد مزق حديثها قلبها الرقيق الأبيض النقي لتستمتع إليها مرة أخرى تقول بنحيب: 
-علشان خاطري أنا يا مروة يا بتي، أنا مفاضليش غيره.. طول عمري وأنا اللي مربياكي يا مروة من يوم موت أمك الله يرحمها روديلي الجميل في ابني، أنا عارفة أنه صعب يا بتي بس مش مستحيل واقنعي تامر يا مروة الله يخليكي، ده قالب الدنيا وبيقول مستحيل ده يحصل 
اختنق صوتها بالبكاء الحاد الذي بدأت به لتقول لها سريعًا حتى تتخلص من هذه المكالمة المرهقة لروحها: 
-حاضر، حاضر يا مرات عمي 
ثم أغلقت الهاتف دون سماع أي إجابات منها فقد اكتفت بما استمعت إليه إلى الآن"
توجهت للفراش لتتمدد عليه بحزن والدموع جارية على وجنتيها فلم يكن هذا ما تحلم به، هي صاحبة الأربعة وعشرون عامًا، هي التي الحياة أمامها لا تريد الزواج وبهذه الطريقة أيضًا، لا تريد غلق المعرض الخاص بها فهذا أهم شيء عندها، لا تريد ترك الرسم، لا تريد ترك حياتها هذه، لتحتضن وسادتها والأفكار السيئة تزداد على عقلها بكثرة ولم تتوقف عن البكاء لمدة ليست بالقصيرة إلى أن غلبها النعاس لتذهب هاربة من واقعها المرير بالنوم المؤقت.
          ________________________
جلس على المقعد مقابل مكتبه ينظر إلى الفراغ أمامه وهو يفكر في تلك المعضلة التي وضعوه بها، يفكر كثيرًا في ما سيحدث لاحقًا من أشياء عدة يعلم جيدًا أنها لن تمر مرور الكرام على الجميع وهو على رأسهم..
هل حقًا سيفعل ذلك كما قال لهم؟ هل يستطيع استغلالها هكذا؟، زفر بضيق وهو يحدث نفسه مرة أخرى غير الأخرى والأخرى السابقة 
يا الله أنها أبشع الطرق لاسترداد الحق، أليس هناك طريقة أخرى؟، ما هذه التراهات التي أفكر بها ثانيةٍ فكل ذلك مر على تفكيري ولم أرى له حل قد، ما ذنب تلك الفتاة في مخططهم، ما ذنبها؟، لماذا عليها أن تنقذ ابن عمها البرئ أيضًا؟..
عاد بذاكرته لحديثه مع عمه "سابت" وشقيقه "فاروق" ووالدته "نجية" منذ أسبوع مضى  
"وقف أمامهم والصدمة تعلو ملامحه من حديثهم الذي جعله يشعر بالدهشة: 
-انتوا بتقولوا ايه؟ دا جنان وأنا مستحيل اتجوز بالطريقة الهبله دي 
صاح عمه سابت بحدة معتقدًا أنه يستطيع السيطرة عليه هكذا برفع صوته وجعله يرى أنه الكبير: 
-مفيش غيرك هيعملها يا يزيد ودي مش صعبة عليك يعني 
نظر إلى عمه بحدة هو الآخر ثم تحدث صارخًا به وهو يرى تلك النظرة بعينه: 
-صعب ايه وسهل ايه اللي بتتكلم بيه؟ دي أرواح ناس، آه شايف النظرة اللي في عنيك بتقول وأنتَ يعني يا يزيد يهمك ايه ما أنت طول عمرك مش بيهمك حد.. بس دول ناس ملهاش ذنب في أي حاجه لا الشاب اللي بتهددوا بقتله ولا البنت اللي عايزين تجوزوهالي 
وقف شقيقه الأكبر صارخًا به لعله يرضخ للأمر ويفعل ما يريدون ليتحقق العدل بالنسبة لهم فقط: 
-أنتَ هتعمل اللي بنقول عليه وأنتَ ساكت ومش هنسمعلك صوت دا حقنا.. حق أبوك وأبويا وحق مرات عمي وزاهر الله يرحمهم اللي ماتوا مقهورين بسبب اللي حصل 
تقدم منه "يزيد" بعد أن فقد آخر ذرة هدوء داخله ليمسك به من تلابيب جلبابه الصعيدي: 
-لو مش عاجبك اللي بقوله روح اتجوزها أنتَ
وهنا وقفت والدتهم "نجية" التي ترتسم على ملامح وجهها القسوة كما عمهم بالضبط لتتحدث هي أيضًا بحدة وهي تجذب "يزيد" ليبتعد عن شقيقه الذي لم يعتبره الأكبر منذ أن تزوج: 
-مش عايز تتجوزها وترجع حق أبوك يا يزيد؟ مش عايز تجيب حق ابن عمك اللي مات غدر ولا مرات عمك اللي ماتت من القهرة؟ فين يزيد الراجحي ابني الراجل اللي قال إنه هيرجع كل حاجه راحت حتى لو بالموت كنك مكنتش راجل في كلمتك يا ابن نجية والطار اللي قولت هتاخده كان لعبة من ألاعيبك 
أبتعد عنها وهو يتذكر تلك الأيام الذي مرت على عائلته قهرًا ثم قهرًا، تلك الأيام الذي توعد بها أنه سوف يعود بحقهم مهما كلف الأمر، هل كما تقول والدته أنه لم يكن رجلًا بحديثه؟!
سيطرت القسوة على ملامحه وهو يتذكر فراق والده وابن عمه، قست ملامحه وهو يتذكر كل شيء مر عليهم بسبب عائلة "طوبار" وذلك الثأر الذي بينهم، والآن الخيار بين يديه إما أن يُنهي الثأر وقتل نفس بريئة بزواجه منها وهنا يعود حق الجميع، إما أن يرفض ليفعلوا ما قالوا عليه وتضيع العائلة بأكملها..
استدار إليهم مرة أخرى ولكن وجهه لم يكن يحمل ملامحه السابقة وهو يدافع عنهم بل يحمل ملامح الانتقام والحقد والقسوة ليقول بهدوء مخيف: 
-موافق.. خليهم يشوفوا مين هو يزيد الراجحي اللي عاش نص عمره في قهر على أهله 
سيطرت ملامح الفرحة على ثلاثتهم وبالأخص عمه "سابت" تهللت اساريره وكادت أن تخرج الفرحة لتتجسد أمامه من عينيه"
ما هذه التراهات جميعًا؟، كيف لي أن أفكر هكذا، عاد مرة أخرى للقسوة، عاد لحدته وعنفوانه وهو يحدث نفسه 
هل قلت ما ذنبها؟ وما ذنبي أنا وما ذنب أمي أن تعيش أرملة وما ذنب عمي أيضًا، ما ذنب الجميع، عليها أن تتحمل كل ما سيحدث فلم يكن هناك سبب غير عائلتها فيما حدث لنا، إذا لتتذوق "براثن اليزيد" وترى كيف تكُن.
          ________________________
استمعت إلى طرقات على باب الغرفة لتستفيق  من حالة اللاوعي التي وقعت بها بعد أن استيقظت من نومها منذ ساعات وهي تفكر بمستقبلها المجهول، وقفت على قدميها متجهة إلى باب الغرفة لتفتحه بهدوء، وجدت شقيقتها الكبرى تقف أمامها ويبدو أنها علمت ما حدث من والدها لتدلف إلى الداخل مغلقة الباب خلفها بهدوء بينما جلست "مروة" على الفراش مرة أخرى ناظرة للفراغ محتضنه الوسادة الخاصة بها،
نظرت إليها شقيقتها ميار لترى أثر البكاء ظاهر بوجهها بوضوح، عينيها المنتفخة بشدة، وجنتيها الحمراء، أنفها الأحمر من شدة البكاء، جلست أمامها على الفراش القرفصاء، تنظر إليها باهتمام ثم صاحت سائلة إياها باستغراب: 
-ليه عملتي كده يا مروة؟!
نظرت إلى شقيقتها بذهول ولم تكن متوقعة منها هي بالأخص أن تسألها مثل هذا السؤال لتقف على قدميها بعد أن ألقت الوسادة بعيدًا هاتفه بحدة: 
-حتى أنتِ يا ميار بتقولي كده؟ طب ما أنتِ عارفه كل حاجه، عايزاني اسيب الطار اللي بيقولوا عليه ده يموت تامر ويخلص على العيلتين؟.. ولا عايزاني أعمل إيه أنا مش فاهمه 
وقفت "ميار" على قدميها لتواجهها وهي أيضًا لا تدري حقًا ماذا عليها أن تقول: 
-أنا عارفه شعورك والله بس لو كنتِ استنيتي شويه وحاولنا نلاقي حل كان ممكن يحصل 
ابتسمت بمرارة وهي تجيب شقيقتها بسخرية فقد حاول الجميع ولم يجدوا حل سوا ذلك وكأنه كُتب عليها أن تكُن زوجة ابن عائلة "الراجحي": 
-نلاقي حل؟ نلاقي حل إزاي دا دي تالت مرة عمي يجي فيها.. طب ماهو أول ما قال بابا رفض وقال لازم يشوفوا حل تاني يخلصوا بيه الحوار وقال بعدها أهل البلد وعيلة الراجحي مش راجعين عن الجواز مش فاهمه ليه بس أنا مكنش ينفع أفضل ساكته خصوصًا بعد ما مرات عمي كلمتني... دي كانت منهارة أوي وعندها حق أنا لازم ارضلها الجميل ما هي اللي مربياني 
جلست "ميار" على الفراش وهي تفكر ما هذه التراهات التي ظهرت من العدم لتقلب حياتهم هكذا فهم يعيشون منذ تلك الحادثة ولم يتحدث أحد من هذه العائلة أو تأتي كلمات على اسم الثأر:
-أنا مش فاهمه ايه الجنان ده بجد!.. هما جايين بعد موت ابنهم بـ خمس سنين ياخدوا طاره؟، وبعدين كمال مقتلهوش أصلًا دا كان غصب عنه وهو اتحبس وخد عقابه ومشي دا كان صاحبه... أنا مش مطمنة للحوار ده أبدًا 
نعم شقيقتها محقه ولكن هل هناك حل؟. هل هناك ما تستطيع أن تفعله ليعودا عن قرار زواجها من رجل لا تعرف عنه شيء أبدًا، الجميع يضغط عليها هي تريد الرفض بكل قوتها ولكن لا تستطيع فهم يستطيعوا أن يقتلوا ابن عمها الذي أعجبت به بيوم من الأيام، غير ذلك عمها وزوجته أنهم تعاملوا معها كما لو أنها ابنتهم ما ذنبهم أن يموت ابنهم المتبقي لهم بعد رحيل "كمال" وهجرته عنهم، وما ذنب "تامر" أيضًا في أن يُعاقب على شيء ليس له دخل به، إذا وما ذنبها؟؟..
خرجت من شرودها على صوت شقيقتها وهي تقول بهدوء شديد أو ربما برود: 
-طب وتامر هو موافق على كده؟
نظرت بعيدًا ثم أجابتها بهدوء تحاول أن تسيطر عليه ليبقى معها قليلًا: 
-مرات عمي قالتلي أنه مش موافق وبتقولي اقنعه وأنا أصلًا عايزه اللي يقنعني 
ابتلعت شقيقتها غصة تكونت في حلقها بسبب ما أخفته عنها، وتذكرت حزنها المرير على كل شيء يحدث حولها، ولكن أردفت في النهاية بتردد وارتباك: 
-مروة أنا عايزه اقولك حاجه 
استدعت انتباهها لتقول مستكملة حديثها بقلب فُتر من الحزن: 
-تامر كلمني آخر مرة لما كنا عندهم من شهرين تقريبًا وقالي أنه...  أنه بيحبك وعايز يخطبك ومستني لما تفتحي المعرض بتاعك والمفروض أنه كان خلاص هيتكلم في الموضوع ده وأنا عارفه أنك كنتِ معجبة بيه صح؟.
ابتسمت لها بمرارة بينما تكونت الدموع بعينيها لتقول بصوت مختنق بالبكاء: 
-أنا عارفه أنه كلمك 
نظرت إليها الأخرى باستغراب لتكمل قائلة بجدية شديدة: 
-سمعته وهو بيتكلم معاكي يومها لما طلعتوا الجنينة... أنا كنت معجبة بيه عادي شخصيته كلامه رجولته وجدعنته زيه زي أي حد لكن خلاص يعني اعتقد كل ده مالوش داعي دلوقتي وكمان لو كلمك مش عايزاه يعرف اني كنت عارفه ولا حتى إنك قولتيلي 
تممت جملتها بدموعها التي خرجت من عينيها تتسابق وكأن بذلك سيكون الخلاص مما يحدث لتتقدم منها شقيقتها بحزن بالغ عليها وعلى نفسها واخذتها باحضانها لتبكي هي بقهر ومرارة على أيامها القادمة الذي لا محال في الفرار منها.
         _________________________
وقف يصرخ بهم في بهو المنزل وهو يشعر أن روحه سوف تزهق منه وتخرج إلى خالقها، يشعر أن كل الحب والعشق الذي كَنهُ في قلبه لكي يحافظ عليها يذهب هدرًا الآن، اشتد الغضب به وكيف لا وهو الذي تُسلب منه معشوقته الصغيرة، كيف لا وهو مُعرض للموت في أي لحظة دون أسباب وفي بلدتهم عائلة الراجحي معها كامل الحق للأخذ بالثأر ما هذه الخرافات؟..
-أنتَ إزاي تقولهم وإزاي تقولوا لمروة؟.. يعني قولتلها من أسبوع وكل شوية رايح مصر علشان تقنعها لحد ما وافقت؟ انتوا فاكرني عيل صغير علشان تعملوا كده أنا مش هسمح أنكم تعملوا فيها كده وحتى لو بموتي 
نحبت أمه وظلت تبكي فهي منذ الصباح تحاول أن تجعله يهدأ ويلين ولكن كيف وهو الأحق بابنة عمه الذي داب عشقًا بها منذ سنوات، بينما حاول والده التحدث قائلًا: 
-يابني الله يرضى عليك مفضلش غيرك ليا أنا وأمك من يوم أخوك الكبير ما هاجر وسابنا.. صحيح هو مقتلش زاهر بس هما شايفين كده وفقدوا حد غالي عليهم ومن بعديه حد تاني وعايزين طاره ومفيش غيرك هياخدوا منه الطار ده
تريث قليلًا ثم أكمل وهو يجلس على الأريكة خلفه فقد هُلك اليوم من هنا لهناك: 
-والحل الوحيد اللي وصلوا ليه كبار البلد هو جواز حد من العيلة دي للعيلة دي ونخلص علشان يفضوا الأشكال ده 
أجابه سريعًا بعد أن استمع إلى ذلك الحكم الذي لم يسمعه من قبل معتقدًا أنه هكذا يستطيع أن يحظى بها وحتى إن تزوج غيرها، صاح قائلًا بلهفة: 
-يبقى أنا اتجوز من عندهم أنا موافق على كده لكن مروة لأ.. هما مش عندهم بنت بردو؟
أخفض والده رأسه متحدثًا بارهاق شديد بعد أن تعب بشدة من ابنه وكل ما يحدث من حوله: 
-الاختيار حصل خلاص يابني ومروة هتتجوز يزيد الراجحي
ابتعد عن والده كالثور الهائج يطيح بكل ما وقعت عينيه عليه وهو يصرخ بهم بقلب مجروح: 
-يعني ايه؟.. لأ مش هيحصل مستحيل ده يحصل مستحيل 
ذهبت والدته إليه تحتضنه وهي تبكي قهرًا على ما يحدث في منزلهم ها هي كل الأحداث تتكرر أمامها: 
-الله يخليك ما صدقنا عمك ومروة وافقوا أنا ماليش غيرك عايز تموتني مقهورة عليك؟...
تفقدها بذهول ليقول مندهشًا بعد أن استمع إليها: 
-يعني كمان غصبتوا عليها؟
ابتعد عن والدته ليصعد إلى غرفته وهو يفكر في حل ربما يجد ويجعل والده يسحب الموافقة الذي قدمها لعائلة "الراجحي" دون علمه، ولكنه كان في حالة اهتياج ربما له كل الحق بها
"هكذا نحن دائمًا نظل نخطط لشيء ما ويأتي القدر ليطيح بكل ما أردنا فعله، ليطيح بأحلامنا بعرض الحائط"
دلف إلى غرفته مغلقًا الباب خلفه بحدة مما جعله يحدث صوتًا مزعجًا، أخرج هاتفه من جيب بنطاله ليعبث به قليلًا ثم وضعه على أذنه منتظر الرد منها: 
-مروة؟..
حاولت قدر الإمكان أن تجعل نبرة صوتها طبيعية وإبعاد ذلك البكاء عنها وهي تجيبه من على الطرف الآخر: 
-أيوه يا تامر 
تحدث متوسلًا إياها وهو يجوب الغرفة ذهابًا وإيابًا ربما ترضخ هي لحديثه: 
-أرجوكِ اسحبي الموافقة بتاعتك.. متخافيش احنا ممكن نضغط عليهم واتجوز أنا من عندهم أنا موافق بس أنتِ لأ أرجوكي
تحدثت بحزم قائلة له وهي تضغط على تلك الكرة التي تساعدها في تقليل التوتر: 
-عمي قال ده كلام ناس كبيرة وقال إن قعدة كبار البلد مش هتتعاد ولا هما هيرجعوا عن اللي في دماغهم وأنا خلاص يا تامر وافقت اتمنى تقفل الحوار بقى 
اختنق صوته بسبب تلك العاصفة التي اجتاحته من بعد سماع حديثها الذي رأه غبي كثيرًا ولكنها أيضًا معها كامل الحق، استجمع شجاعته وحاول الإعتراف لها بما يكِنهُ في قلبه من عشق وحب فياض لها: 
-مروة أنتِ مش عارفه أنتِ ايه بالنسبة ليا.. ماينفعش تتجوزيه ماينفعش... مروة أنا بح...
لم تجعله يكمل ما بدأ به حيث أن الدموع جرت على وجنتيها ووجدت نفسها لا تستطيع السيطرة على تلك الدموع والشهقات اللعينة ولا تستطيع أن تسمع منه هذه الكلمات لتقول بحدة: 
-خلاص بقى يا تامر أنا وافقت وهتجوزه ومفيش رجوع متتكلمش معايا في الحوار ده تاني أرجوك.. سلام 
ثم أغلقت الهاتف دون أن تستمع منه ردًا لتلقي بنفسها على الفراش مكملة حالة الإنهيار الذي دلفت بها منذ الموافقة فحتى إن كانت لا تريد "تامر" فهي لا تريد ابن "الراجحي" أيضًا، لم تأخذ قصة إعجابها بـ "تامر" على محمل الجد فهو كان كما أي شخص يكتمل به المواصفات التي تريدها..
بينما هو لم يستطع فعل أي شيء سوا أنه ألقى الهاتف بعرض الحائط ليقع مُهشمًا إلى أشلاء وذهب ثائرًا في الغرفة يهشم ما يقع تحت أنظاره ولم يساوي ما يفعله حرقة قلبه عليها ولن يساويه أيضًا مهما فعل.
_______________________ 
"خصلاتها ذهبية كـ لون قُرص الشمس، عينيها بها زُرقة كـ زُرقة البحر في ساعة صفاء السماء، وبها خُضرة كـ لون أرض زراعية زُرعت بحبٍ، متعددة الاختلافات وقد فُتن بتلك الاختلافات"
"بعد أسبوع"
تجولت بين الأراضي الزراعية، سارت كثيرًا بين الأراضي الخضراء وهي تحاول استنشاق هواء نقي من هذه البلد الذي لطالما وجدتها جميلة ونقية بها أحب الناس على قلبها، ولكن الآن اختلفت كثيرًا فهي ستكون مكان أثرها، مكان حِرمانها من كل شيء أو ربما هي تعظم الأمور؟، لا تعلم ولكن لا تستطيع الصمود أمام كل هذه التراهات التي تراها كثيرة على عقلها..
أتت منذ ثلاثة أيام بصحبة والدها وشقيقتها بعدما قالوا أن الزفاف سيتم هنا في بلدتهم ولا مكان غير ذلك، سارت إلى مصيرها المحتوم وهي مغمضة العينين لا تستطيع الرفض بعد كل ما حدث، وإلى الآن لم ترى زوجها المستقبلي الذي فُرض عليها!..
جلست أمام بُحيرة صغيرة ميائها نقية، يتلاعب الهواء بخصلات شعرها المائل إلى اللون الذهبي الرائع، تُداعب نسمات الهواء وجهها بلطف وهي تنظر إلى المياة شاردة في مستقبلها المجهول..
أزالت ذلك الوشاح الصغير من حول عنقها ثم وضعته جوارها لتأخذ أكبر قدر من الانتعاش ولكن لم تحذر أبدًا، تسارعت الدموع على وجنتيها بلا توقف، لا تعلم لما الآن وهي بالكاد تحاول السيطرة على نفسها، دائمًا لم تكن تستطيع السيطرة على تلك الدموع اللعينة..
وأخيرًا.. تركتهم ربما تُزيل هذه الدموع بعض من الآلام الذي بقلبها أو ربما تُخفف من تفكيرها بمن سيصبح زوجها بعد أيام وهي لا تدري عنه شيئًا سوا اسمه "يزيد الراجحي"
             ______________________
هل هو الآن جالس في بيت من بيوت عائلة "طوبار"؟، لم يكن يعتقد أنه سيدلف إحدى هذه البيوت إلا بعدما تكون ملكه، هل هو الآن ضيف عندهم؟، لا لن يُعطي لهم الفرصة للتكبر عليه أنهم إلى الآن لا يعلمون من هو ابن عائلة "الراجحي"..
دوامة تدور في عقله الآن وهو جالس بينهم ومعه عمه الذي رفع رأسه في شموخ وتكبر بل وغرور أيضًا وشقيقه يفعل المثل، وإنما هو جلس وحدة وكأنه مُحاط بهالة فريدة من نوعها، جلسته فريدة من نوعها تحمل عنجهية وغرور لا يصف، ابتسامته خلفها مكائد وخبث لا يُحكى، نظرة الصقر الذي يمتاز بها تجعلك تنتفض بداخلك، أنه فريد من نوعه حقًا.. 
فكر فيما فعله الآن لقد أصبحت تلك الفتاة التي لم يراها ولو لمرة واحدة زوجته، عقد قرآنه على فتاة لم يراها من قبل، أيعقل ذلك؟، وقد كان هذا طلبه جعل والدها يذهب لها كي تمضي وتضع موافقتها على الزواج، هو من فعل ذلك، هو من جعل رؤيتها آخر شيء ولم يكن وراء ذلك إلا الملاك الذي شاهدة في وسط الحقول الخضراء، لم تبتعد عن مخيلته ولو لثانية واحدة تلك العيون الزرقاء، لم ينسى ولو لدقيقة خصلاتها الحريرة ذهبية اللون، وإلى هنا أغمض عينيه بشدة معنفًا نفسه على ما يفكر به وما يفعله دون دراية منه فقد استحوذت هي على كامل تفكيره.. 
عاد من صراعه مع نفسه على صوت عمه وهو يتحدث بغرور قائلًا بعد أن وضع قدم فوق الآخرى: 
-كده خلاص كل شيء تم إحنا هنعمل فرح على الضيق كده بعد بكره على طول عشان أهل البلد... هندبح كام عجل ونوكل الناس وخلصنا 
نظر إليه "نصر طوبار" والد "مروة" حانقًا ولكنه لم يظهر ذلك فقط من أجل ابنته: 
-اللي تشوفوه ده في الأخر فرحكم 
أجابه "فاروق" مبتسمًا بسخرية وهو يضع قدم فوق الأخرى كما فعل عمه قائلًا كلماتٍ ذات مغزى: 
-طبعًا فرحنا.. ولسه الفرح جاي ورا 
لم يفهم "نصر" وشقيقه مقصده ولكنه صمت ولم يعقب على كلماته حتى يمر اليوم بسلام فهو لا يتحمل هذه العائلة بغرورها وتكبرها ولا يدري كيف سيترك ابنته هنا بينهم!..
-أنا بكره هعدي على العروسة علشان تجيب الفستان ولوازم الفرح 
ماذا قال؟، كيف تفوه بهذه الكلمات؟، ومن أين أتت؟.. هل إلى هذه الدرجة لا يستطيع التحكم بنفسه؟، هل إلى هذه الدرجة تفكيره بـ ملاكه الخاص يفعل به ذلك؟.. نظر إليه الجميع عندما وجدوا ملامح الاستغراب على وجهه بعد ما تفوه به ليتحدث هو قائلًا وهو يحاول تدارك الأمر: 
-بكره الساعة اتناشر هكون موجود علشان منتأخرش 
ثم وقف على قدميه مقررًا المغادرة ومن بعده عمه وشقيقه ليقف أيضًا والد مروة وعمها، تقدم "يزيد" مبتسمًا بغرور إلى والدها مقدمًا يده له حتى يصافحه ثم هتف قائلًا: 
-اتشرفت بيك يا نصر بيه 
أومأ له الآخر ليستعدوا للذهاب وقد شارف "يزيد" على الخروج من باب الغرفة ولكن أوقفه ذلك الجسد الصلب الذي اصطدم به، نظر إليه ليجده شاب بمثل عمره تجولت عينيه بالغرفة لتعود إليه مرة أخرى ناظرًا له بحقد وكره شديد قد رآه "يزيد" ولكن لا يدري ما السبب له ليتحدث الآخر منتشله من قوقعة أفكاره 
-أنتَ بقى يزيد باشا الراجحي
ابتسم هو بسخرية شديدة ثم أجابه وهو يضع يديه بجيب بنطاله ليقف أمامه بشموخ: 
-آه أنا بقى يزيد باشا الراجحي، أنتَ بقى مين؟
ابتسم الآخر بسخرية مثله تمامًا ثم قلده متهكمًا وهو يضع يده بجيب بنطاله لينظر إليه بغرور مماثل: 
-أنا بقى تامر إبراهيم طوبار اللي عيلتك كانت بتفكر تقتله لو مروة نصر طوبار بنت عمه رفضت تتجوزك
ثم أكمل متهكمًا وهو يبتسم بسخرية ليتشفى به: 
-ولوني أشك في كده 
قبض "يزيد" على يده وهي بداخل جيبه، كاد أن يفتك به ذلك الطفل القابع أمامه من يظن نفسه كي يتحدث هكذا؟، هل يقول أن لا أحد يوافق على زواجه بي ولهذا تم بالغصب؟، لو فقط يستطيع أن يُهشم وجهه ويحطم أسنانه البيضاء الذي تظهر وراء ابتسامته الساخرة ولكن لك يوم صبرًا صبرًا يا "تامر"
تدخل والد "تامر" سريعًا متحدثًا بتوتر وهو يشير بيده إلى الطريق: 
-اتفضلوا... اتفضل يا يزيد يابني من هنا 
سار الجميع معه إلى باب المنزل بينما وقف "تامر" مكانه يبتسم بسخرية عليه محاولًا إخراج النيران من قلبه لما سرقه منه ذلك الحقير بنظره..
التفت إليه "يزيد" ليراه يبتسم وكأنه يقول له كانت لي الجولة الأولى يا غبي!.. ذهب ولكن كلمات ذلك الفتى الصغير بعقله لا يستطيع نسيانها وقد توعد له كما توعد لغيره من تلك العائلة فقط، صبرًا.
 
            _______________________
"في اليوم التالي"
ترجل من سيارته التي صفها أمام منزل عائلة "طوبار"، وقف مستندًا عليها بغرور متنظرًا ليأخذ من سُميت زوجته حتى تأتي بفستان زفافها أو جنازتها أيهما أقرب، هذا ما تحدث به عقله وهو يمر بعينيه على المنزل من الخارج يرى كم هو كبير ولكن ليس بقدر منزلهم، تحاوطه الحديقة الخارجية بمساحه كبيرة، غاية في الجمال والروعة، ظل دقائق منتظرًا وهو يتحدث بعقله متهكمًا على هذه الزيجة منذ البداية إلى أن أختنق من انتظاره ليتوجه صوب الباب الداخلي والذي ما أن وقف أمامه حتى فُتح..
وقف أمام الباب لا يُحرك ساكنًا ينظر إلى ملاك خرج للتو من الجنة ولكن حزين، حزين للغاية عينيه الزرقاء رائعة الجمال بها خيوط حمراء غالبًا من كثرة البكاء، أنفها أيضًا يحمل احمرار كما لو أنها تُعاني من حمى شديدة، شفتيها الوردية مضمومة بحدة، أخذ يمرر عينيه على وجهها، خصلاتها الحريرة، بكل بطئ وكل ما تحمله الكلمة من معنى، لم يفق إلا عندما تحدثت إليه بحدة قائلة: 
-ايه قلة الأدب دي أنتَ بتبص كده ليه وبعدين أنتَ مين وعايز مين هنا؟
خرج من شروده بها على صوتها الحاد وهو يفكر هل من الممكن أن تكون هي؟، أغمض عينيه بقوة ثم وضع يده بجيب بنطاله مستعيدًا هدوءه وبروده المعتاد: 
-لو أنتِ مروة يبقى اللي كنت بعمله ده مكنش قلة أدب ولا حاجه 
نظرت إليه بتوتر وهي تحاول فهم ما يرمي إليه لتخلص نفسها من التفكير مُجيبه إياه: 
-أيوه أنا مروة أنتَ مين؟
ابتسم بسخرية ثم تحدث بتهكم قائلًا: 
-معقولة مش عارفه جوزك يا حرمي المصون.. كان المفروض تحسي بردو أنه أنا زي ما أنا حسيت 
نظرت إليه بتوتر شديد كما أنها ودت لو انشقت الأرض وابتلعتها بسبب هذه السخرية المميتة بنبرته وملامحه المتهكمة عليها ولم تُجيبه على حديثه، ظلت تنظر إليه بتوتر تمرر عينيها على ملامحه شديدة الوسامة ليخرجها من تفكيرها قائلًا بود وابتسامه مشرقة ارتسمت على شفتيه كان يود إظهارها منذ وقت طويل ثم قدم يده لها ليصافحها: 
-يزيد الراجحي.. جوزك إن شاء الله ده طبعًا لو رديتي عليا بدل ما أنتِ ساكته كده
قدمت يدها له تبادله المصافحة وحاولت أن ترسم ابتسامه هادئة على شفتيها: 
-مروة
سحبت يدها منه سريعًا حيث أنها شعرت بتيار كهربي يسير بكامل جسدها حين تلامست أيديهم ليبتسم هو بهدوء بعدما لاحظ ما فعلته ثم ابتعد عن طريقها مقدمًا يديه أمامها لتتقدم هي بالسير أمامه ثم فتح لها باب السيارة الأمامي لتجلس بجواره وقد فعلها كحركة لباقة منه..
سار طوال الطريق صامتًا لم يتحدث ولو بكلمة واحدة فقط ينظر للطريق أمامه ولكنه شاردًا بها، أيعقل أن تكون هي تلك الفتاة التي لازمته منذ أن رآها؟ يالا سخرية القدر، هل هي حقًا، مازال عقله لم يستوعب ذلك وهو الذي أبعدها عن ناظريه بيوم عقد القرآن حتى تظل الأخرى بمخيلته وفي النهاية تكون هي؟.. يتذكر في ذلك اليوم عندما رآها بين الحقول الخضراء وعقله تتضارب بداخله الأفكار اللعينة..
"أخذ حصانه منذ وقت ليس بالقصير وذهب ليستنشق الهواء الحر، هواء غير مقيد مثله بالانتقام، ذهب يتجول هنا وهناك وهو يفكر بتلك الأفعال الدنيئة التي يريد أن يفعلها بمن ستصبح زوجته المستقبلية، بمن ستحمل اسمه..
طوال تلك الأيام المنصرمة وهو يفكر بها، كيف تبدو؟، كيف تتعامل؟.. هل هي قوية ولديها شخصية؟.. أم ضعيفة يسهل اللعب بها والسيطرة عليها؟ عقله كاد أن يصرخ من كثرة التفكير بها وبعائلته اللعينة، بل هو أيضًا كاد أن يفقد عقله بسبب كل ما حدث وما يحدث، إلى هنا وكفى!..
وقف بحصانه بعيد نسبيًا، رأى فتاة، لا ليس بفتاة هذه إنها ملاك، وجهها أبيض ملائكي، شفتاها وردية اللون، عينيها تشبه زُرقة البحر، خصلاتها ذهبية في ساعة تعامد الشمس عليها، ولكن مهلًا لما تبكي؟.. ترتعش شفتاها وجسدها ينتفض، تخرج منها شهقات مباغتة لتشكل لوحة فنية رائعة ولكن حزينة للغاية..
لا يدري هل رأها من قبل؟ لا يعتقد ذلك فهذا مكانه المفضل كلما كثرت الأفكار على عقله أتى لزيلها هنا ولم يسبق له أن يراها من قبل، تجذبه إليها بطريقة غريبة، لا يريد إبعاد نظرة عن تلك اللوحة التي لم يرى مثلها من قبل ولكن ماذا إذا أزال هذا اللؤلؤ الخارج من عينيها؟.. هل ستكون نفس اللوحة؟ نعم بالطبع ولكن ستكون مبتهجة..
صرخ به عقله يبعده عن هذه الخرافات التي يفكر بها ليبعد ناظريه عنها، هل أنا أحمق أم ماذا، زواجي سيكون بعد أيام وأنا هنا غارق في عيون زرقاء اللون؟..
نظر إليها مرة أخرى قبل أن يغادر المكان ولكنه وجدها تنظر إلى هاتفها الذي صدح صوته في المكان لتغلقه على الفور وقامت على عجلة من أمرها ذاهبة بعيدًا عنه وهي تزيل بقايا دموعها وتحاول ضبط أنفاسها المتسارعة من كثرة البكاء..
جذبه شيء ما إلى مكان جلوسها أزرق اللون مثل عينيها الساحرة، ترجل من على حصانه ذاهبًا نحوه ليرى ما هو، وقف أمامه ليراه وشاح أزرق صغير أنثوي للغاية، دون دراية منه أخذته يده إلى أنفه ليستنشق رائحة لم يستنشق مثلها من قبل، رائحة تحمل عطر الياسمين ورائحة أنوثتها أيضًا لتفعل له مزيج يأخذ العقول إلى مكان بعيدًا ربما لا يذهب إليه إلا قليل من قلة البشر، ولم يدري بنفسه وما يفعله فتلك الرائحة حركت كثير من المشاعر بداخله..
لف الوشاح على يده بينما يظهر شبح ابتسامة على وجهه ليعود مرة أخرى إلى حصانه صاعدًا عليه ليذهب متناسيًا أمر زيجته اللعينة فقط متذكرًا ملاكًا ذات خصلات ذهبية وعيون مثل زرقة البحر."
عاد بتفكيره إليها مرة أخرى، إلى القابعة جواره في السيارة، يتسائل هل ذلك الجمال الأخاذ أصبح له، تلك العيون الساحرة وتلك النظرة البريئة التي لطالما أبعدت النوم عنه لليالي له وحده؟، ولكنها حزينة للغاية في كل مرة يراها تكُن تبكي، هل هي غُصبت على الزواج منه كما قال ذلك المعتوه "تامر" ولكن على كل حال هذا ليس من شأنه عليه أن يسيطر على نفسه من الآن فهي تحتل كل تفكيره وتركيزه بها وهذا لن يأتي بأي نفع بتاتًا.
               _____________________
-بسم الله ما شاء الله قمر يا مدام الفستان جميل أوي عليكي 
هذا ما قالته العاملة بإنبهار بعد أن اختارت مروة أحد الفساتين المحتشمة وقاسته ليكن في غاية الروعة والجمال عليها
ابتسمت لها مروة بود قائلة بهدوء: 
-شكرًا لزوقك 
ابتسمت العاملة لها مرة أخرى ثم تحدثت بينما تشير إلى الخارج مكان جلوس "يزيد" الذي استمع إليهم جيدًا: 
-مش هتخلي جوزك يشوف الفستان القمر ده عليكي؟ 
نظرت إليها مروة بارتباك هي حقًا لا تدري ماذا عليها أن تفعل، تريه ماذا وهو لم يتحدث معها طوال الطريق وظل صامتًا: 
-لا بيقولوا فال وحش 
لا تعلم من أين اخترعت هذه الكلمات ولكن على كل حال قد فعلت لتخرج من ذلك المأزق، ابتسمت إليها العاملة ثم خرجت لتتركها مع نفسها ترى إذا كان مناسبًا أم لا ثم تبدل ثيابها..
بينما الآخر يجلس خارج غرفة القياس منتظرًا إياها تنتهي وقد ود وبشدة أن يرى ذلك الفستان عليها والذي أبهر تلك العاملة لكنه زفر بحنق فلا يستطيع التفكير بهدوء من هاتفها اللعين الذي منذ أن دلفت إلى الداخل وهو يحدث أصوات وصول رسائل عدة قد ازعجته حقًا..
حاول أن يتغاضى عن الأمر ولكنها حقًا رسائل كثيرة تُحدث أصوات مزعجة فمد يده إلى الهاتف الذي تركته بجانبه ليخمد فضوله عن هوية هذه الرسائل الكثيرة وقد سهلت مهمته حيث أنها لا تضع كلمة مرور لهاتفها.. 
ولكن ما أن فتح هذه الرسائل حتى اسودت عينيه وأصبحت قاتمة السواد من شدة الغضب الذي يواجهه الآن، قبض على يده بشدة في محاولة منه أن يهدأ من نفسه ولكن لم يستطيع فقد كان غضبه يستطيع أن يحرق أي شيء يتواجد أمامه بسبب مضمون هذه الرسائل اللعينة..
وقف على قدميه ممسكًا بالهاتف بيده والذي كان على وشك أن يهشمه ليتوجه إلى غرفة القياس كالصاعقة دالفًا إليها مغلقًا الباب خلفه بحدة، قد شارفت على ارتداء باقي ملابسها ولكن شهقت من الفزع عندما وجدت من يقبض على يدها بحدة وعصبية شديدة كادت أن تكسرها، نظرت إليه والهلع ينصب من عينيها المتسائلة لتحاول السيطرة على نفسها قائلة بشفتين ترتجف: 
-أخرج بره لو سمحت ماينفعش كده 
ضغط على أسنانه بحدة وقد زاد ضغطه على يدها لتطلق صرخة خافته من بين شفتيها، بينما هو رفع الهاتف أمامها متسائلًا بغضب ظهر جليًا على ملامحه: 
-ايه ده؟
نظرت إلى ما يضعه أمامها وهي لا تدري من ذلك وما هذه الكلمات التي أول مرة تراها لتعود بنظرها له مرة أخرى وقد تكونت الدموع بعينيها آلمًا من قبضته على يدها وخوفًا من مظهره ذلك والغضب الذي ربما يحرق الأخضر واليابس بسبب ما رآه.
                       _____________________
"يُتبع"
           "نظرة الشك بعينيك تقتُل بدلًا من المرة ألف"
تُطالع هيئته الغريبة عليها بخوف يُكاد يوقف قلبها عن النبض، عيناه يخرج منها لهيبٍ، يضغط على فكه السفلي بشدة ظاهرة، قبضته تشتد على يدها، تؤلمها بشدة، كم أن المظهر لا يروقها، تُكاد تفقد وعيها بسبب نظرته فقط.. وعيها!.. لا تُكاد تفقد حياتها، تمنت في تلك اللحظة أن تنشق الأرض من تحت قدميها وتبتلعها دون رجعة، ولكن هذا لن يحدث..
استفاقت على يده الذي اشتدت على معصمها مطالبًا بـ إجابة على سؤاله لتصرخ به والألم يحتل ملامح وجهها النقي:
-معرفش ايه ده قولتلك معرفش
تصاعد غضبه بسبب كذبها عليه، تظُن أنها تستطيع الاستخفاف به؟، هو يكره بشدة الكذب والمراوغة من أحد يقف أمامه، لوى ذراعها خلف ظهرها مشددًا عليه لتستدير إليه بظهرها عنوة، اقترب من أذنها ليهتف بغضب جلي:
-أنتِ مفكرة أنك ممكن تستغفليني؟.. لا فوقي مش أنا، الرقم متسجل على موبايلك حبيبي موبايلك ده ولا مش موبايلك؟
أجابته بخفوت احتل نبرتها بسبب تلك الدموع الجارية على وجهها بفعل قبضته على يدها: 
-موبايلي، بس والله ما أعرف حتى رقم مين ده، والله مش أنا اللي سجلته مش أنا صدقني 
ارهقته تلك النبرة الخافتة الحزينة، تمادى في غضبه وسؤالها تمادى كثيرًا، تركها وعاد بنظرة للهاتف الذي بين يديه إلى الآن، مسح على وجهه وأخذ نفسٍ عميقٍ محاولًا العثور على بعض الهدوء بداخله ثم هتف مرةٍ أخرى بصوتٍ جعله هادئ قدر الإمكان وهو يضع الهاتف أمام وجهها بعد أن فتحه مرةٍ أخرى: 
-شوفي.. الرقم متسجل حبيبي وده موبايلك أنتِ ده غير الكلام اللي باعته إزاي أصدق أنك متعرفيش عنه حاجه؟
نظرت إليه والدموع تأخذ مسارها على وجنتيها، لم تكن هذه الإهانة سهلة إلى هذا الحد الذي يعتقده حتى تقف تتناقش معه، نظرت إلى عينيه القاتمة بتردد ولكن حسمت أمرها في النهاية قائلة بثبات: 
-أنا قولتلك معرفش عنه حاجه كفاية بقى واتفضل أخرج عايزه البس هدومي
أخفض بصرة إلى جسدها بعد انتهاء حديثها ليراه ظاهرًا أمامه بسخاء فقد دلف إليها قبل أن ترتدي كامل ملابسها، رفع بصرة إلى عينيها التي تنظر إليه بحزن ليتحدث قائلًا بثبات هو الآخر عازمًا أمرة على معرفة الحقيقة: 
-مكتوب في الرسايل دي 
"مروة حبيبتي روحتي؟"
"مروة ردي البقف اللي معاكي عملك حاجه"
"هستناكي تكلميني عايز اطمن عليكي يا حبيبتي"
"متتأخريش مع الحيوان ده"
عاد إليها بنظرة بعد أن انتهى من قراءة بعض الرسائل التي اغضبته بشدة ليقول متسائلًا وهو يشير إلى صدره بـ سبابته: 
-أنا بقف وحيوان؟
لم تعد تتحمل ما يفعله، ألم تقل أنها لا تعلم شيئًا؟ ماذا يريد بعد؟، هتفت بنفاذ صبر ونبرة مرهقة: 
-قولتلك والله معرفش ياخي حتى خد الرقم شوفه أنتَ بمعرفتك بس والله أنا معرفش أعمل ايه علشان تصدق 
تقدم منها ووقف أمامها لا يفصل بينهم سوى انشات بسيطة محاصرًا إياها في هذا المكان الضيق، وضع يده على وجهها ممررًا إياها على وجنتها ثم أبعد خصلة من شعرها إلى خلف أذنها لتشعر بقشعريرة تسير في كامل جسدها بسبب لمسته لها في حين أقترب أكثر ثم تحدث بجانب أذنها بنبرة خبيثة:
-أنا عارف أن جوازنا جه فجأة أكيد كان عندك علاقات لو مكسوفه أو خايفه متخافيش ده أكيد طبيعي وأنا مقدرش أحكم على اللي قبل كده... ها جاوبيني لآخر مرة تعرفيه؟
ارهقتها نبرته الرجولية، أخذت كامل حواسها لتشعر أنها ضائعة بين كلماته وازداد صمتها عن حدة ليهمهم بجانب أذنها مرة أخرى فتحدثت سريعًا قائلة بنفي:
-لأ.. لأ معرفوش 
ابتسم باتساع على تشتُتها بجانبه وعاد مرة أخرى لخبثه وهو يرفع يده اليسرى يمررها على جانب عنقها الأيمن بينما هتف قائلًا بجانب أذنها اليسرى ضاغطًا على أحرف آخر كلماته: 
-تمام يا مروتي أنا هدور ورا الموضوع ده بنفسي بس افتكري لو طلعتي بتكدبي مــش هـــرحــمــك
قال آخر كلمتين من جملته بتمهل شديد جعلها تشعر بالزعر وهي غير مذنبة ثم عاد استكمال حديثة وهو يبتعد عنها للخارج بدون أي مشاعر:
-كملي لبس يا مروتي علشان نمشي
مروتي؟.. هل قال مروتي للمرة الثانية أم فقط اتخيل ذلك؟، أبعد كل تلك المعاناة في النقاش معه يقول مروتي؟.. وهل كان ذلك نقاش؟ لا لم يكن غير شك وإهانة ضُربت في قلبي بخنجر محارب يعلم ما الذي يفعله جيدًا، هل ستكون حياتي معه بهذه الهمجية؟.. لن أوافق على هذه التراهات بتاتًا.
                 __________________
"غريبة هذه الحياة تجعلك تشعر أنك تملك كل شيء، حتى أنه في بعض الأوقات تنسى أن هناك من يُحاسب الجميع وتعتقد أنك الوحيد الذي له كامل الحق في أخذ ما يريد ومحاسبة من يريد ولكن ستفعل ما يحلو لك وكما شئت وهناك من ينتظر عودتك إليه أما تائبًا أما راجيًا"
صرخت بهم وهي واقفة في بهو المنزل الكبير، منزل عائلة "الراجحي" تحمل قماشة سوداء اللون على يدها وتشرف على الجميع في المنزل من أول كبيرهم إلى صغيرهم، صاحت بصوت عالٍ ليستمع إليه الجميع بحدة وقد ظهرت تجاعيد وجهها بين صياحها: 
-عايزة البيت يبقى بينور وميكونش فيه ولو نقطة مش نضيفة هو احنا جايلنا بكرة أي حد دي بت عيلة طوبار بذات نفسها 
أجابتها "إيمان" مُبتسمة بسخرية جلية ظهرت على ملامحها وهي تقف أمامها: 
-متقلقيش يا مرات عمي الناس شغالة على آخرها
نظرت لها لتبتسم الأخرى بعنجهية وتعالي قائلة: 
-اومال يا إيمان لازم تشوف بيتنا ايه وبيتهم ايه.. لازم تشوف العز اللي إحنا فيه، لازم اوريها بت عيلة طوبار دي مين إحنا
أتت من خلفهم "يسرى"، وقفت معهم تنظر إلى والدتها بهدوء ثم قالت موجهه حديثها إليها باهتمام:
-الاوضه عايزة تتفرش يا ماما بقى، كده كده أصلًا يزيد مش هيبات فيها النهاردة 
نظرت إلى "إيمان" نظرة ذات مغزى ثم ناولتها قطعة القماش الذي كانت بين يديها لتقول بحزم وقوة: 
-افرشي الملاية دي يا إيمان ووضبي الاوضه زين 
 
نظرت إليهم "يسرى" بذهول غير مصدقة حديثها الذي هتفت به منذ قليل لتتحدث هي باستغراب جلي:
-أنتِ هتفرشي لعريس وعروسة فرحهم بكرة ملاية سودة نهار أسود يا ماما
نظرت إليها والدتها بحدة وعنجهية تسيطر عليها ثم اجابتها قائلة: 
-مالكيش صالح أنتِ بالحكاية دي 
ثم تركتها وذهبت وهي تفكر في كم الأشياء الذي ستفعلها في "مروة" ابنة عائلة "طوبار" ومن خلفها سارت "إيمان" لتلبي طلبها وهي تفكر كما الأخرى ماذا سيحدث بضيفة البيت الجديدة؟.. بينما تركوا خلفهم "يسرى" تشفق على عقولهم وما يحدث بداخلها وتتساءل ألهذا الحد أعينهم مُغشية أم نفوسهم مريضة؟.. كيف تكون هذه بداية عروس باللون الأسود؟.. هكذا يجعلونها ترى حياتها القادمة بدلًا من السعادة والفرح تدلف إلى سواد قاتم؟.
               __________________
"مُشتت هذا القلب النقي، أمْ العقل هو المُشتت؟.. الاثنين هذا وذاك، الاثنين وقعوا في براثن اليزيد، من يرسُم الابتسامة على مُحياه، من يقترب ليُشتت العقل والقلب وجميع الحواس، من يعمل على الاقتراب ليكون أقرب من الوريد، ألم ترى جروح لم تلتئم بعد؟، ألم ترى الانتقام بعينيه؟." 
خرجت من سيارته أمام باب منزلهم الداخلي وخرج هو الآخر خلفها ثابتة تعابير وجهه، تحمل الهدوء الشديد أو البرود الشديد أيهما أقرب، تحرك نحوها إلى جانب السيارة الآخر واضعًا يديه بجيوب بنطاله ذو اللون الأسود وقميص كما اللون الآخر أسود..
نظرت إليه وهو يتحرك، لم يجذبها غروره ولا عنجهيته بل بغضتهم بشدة ولكن ملامح وجهه جذبتها كما السحر تنظر إلى خصلات شعره الأسود اللامع أمْ هو بني؟، عينيه ذات اللون الزيتوني أمْ الأزرق أو هي خضراء؟، أنفه الحاد، شفتيه البارزة، لحيته النامية، ما هذا الاختلاف بملامحه؟ ولكن تروقها بشدة، الآن نظرت إلى جسده الرياضي كم كان متناسق، منكبيه العريضين، خصره المنحوت، الآن نظرت إلى وسامته عن حق..
خرجت من شرودها في وسامته على صوته وهو يقول بـ عنجهية تسيطر على نبرته وتراها بوقفته أيضًا وهو واضعًا يديه بجيب بنطاله وتحمل إليها شفتيه ابتسامة غرور قائلًا:
-هتبصيلي كده كتير.. لقتيني حلو ولا ايه؟
نظرت إليه ببلاهه وعيون مُشتته من نبرته الرجولية ذات الطابع الساحر على حواسها، قالت بتوتر وهي تحاول إخفاء عينيها عنه كي لا يشعر بتوترها: 
-لا أبدًا أنا بس سرحت شويه 
لوى شفتيه عابسًا معها ثم ابتسم بتهكم مجيبًا إياها:
-يمكن بردو 
ذهب إلى باب السيارة الخلفي، فتحه وأخرج منه الأكياس الخاصة بها، فستان الزفاف والحذاء الخاص به، خاتم الزواج الذي جلبه لها عنوة لتضعه بإصبعها، حملهم ثم تقدم إلى باب منزلها الذي تقدمت هي الأخرى لفتحه بمفتاحها الخاص بعد أن أشار لها برأسه كدليل على فتحه، أخذتهم منه لتضعهم بالداخل ثم خرجت له مرة أخرى..
نظر إليها مبتسمًا بودٍ لا يدري هل هو زائف أم حقيقي ليقول مُشيرًا إلى أذنه:
-هبقى أكلمك متناميش علش.....
بتر جملته عندما وجد من يتقدم منهم آتي من خلفها داخل المنزل وقد بغض وجوده الآن ذلك الطفل الصغير بنظره، رآه ينظر إليه مبتسمًا بسخرية كما السابق وكأنه يدعيه قائلًا تقدم واقتلني!..
-مروة حبيبتي كويس أنك رجعتي كنت مستنيكي 
قالها "تامر" بعدما وضع يديه حول أكتاف "مروة" محاوطًا إياها وكانت هذه أول مرة يفعلها ويتلمسها وجعلتها هذه الفعلة المباغتة ترتعش كرد فعل غير مرحب به، نظرت إليه باستغراب بينما هو مبتسمًا بسماجة واضحة..
قبض يزيد على يديه داخل جيبه وكاد أن يهشم وجه ذلك البغيض ولكنه تقدم منه متحكمًا في تفاعلات وجهه مبتسمًا بهدوء، جذبها من يدها بعدما أخرج يده من جيبه لتقف بجانبه مقابلًا "تامر" ثم قال بهدوء عكس ما بداخله: 
-لا دلوقتي مروة بقت ست متجوزة.. ايدك دي متلمسهاش تاني، ده مش علشاني ولا حاجه بالعكس 
ثم استكمل حديثه مبتسمًا بسخرية لاذعة: 
-أنا خايف ايدك توحشك 
سارت ضحكات "تامر" في أرجاء المكان لتعمل على استفزاز "يزيد" بشدة ثم ربت على كتفه بعد أن هدأت ضحكاته وقال بسخرية كما الآخر فعل: 
-عيوني يا أبو نسب 
نظر إليه بهدوء وقد احتل الغضب داخله، جذبها من يدها ليقف بعيد نسبيًا عن أعين ومسامع "تامر" ثم هتف من بين أسنانه بحدة: 
-هاتي موبايلك
قد شعرت بنظرات النيران التي يتبادلها كلًا من "تامر" و "يزيد" ولكن لم تدري ماذا حدث بينهم ليتحدث معه هكذا ولما ينظرون لبعضهم هكذا، ولم تفهم الآن لما يطالب بهاتفها ألم يصدق حديثها هذا الأبله صاحب المزاج العكر، أجابته باستغراب كان مُرتسم على ملامحها:
-ليه؟
شكه يجب أن يكون بمحله، عاد بنظرة إلى "تامر" ليراه ينظر باتجاههم وعندما رأى "يزيد" يتطلع عليه نظر بعينيه ثم أمال رأسه غامزًا له بسخرية فعاد هو بنظره إليها ليتحدث بعصبية: 
-قولتلك هاتي الزفت
-الله ما براحه 
زفرت بحدة ثم أخرجته من جيب بنطالها وناولته إياه، أخذه منها ثم فتحه وبجانبه هاتفه نقل إليه بعض الأرقام ثم ناولها إياه قبل أن يوليها ظهره وصعد إلى سيارته ذاهبًا من ذلك المكان الذي بغضه بشدة أكثر من زي قبل بسبب ذلك الطفل الصغير..
نظرت في أسره باستغراب لتبديل حاله هكذا فقد كان يتحدث بهدوء ولين قبل مجئ "تامر" هل كلماته هي التي أغضبته؟، أمْ فعلته عندما تلمس جسدها؟، تنهدت بضيق من ذلك "اليزيد" الغريب عليها ثم عادت إلى داخل المنزل دون أن تتحدث مع "تامر" الذي ابتسم بسخرية بعدما رحل "يزيد".
              ____________________
"بعد منتصف الليل"
عقله لا يرحمه من التفكير ولو قليلًا، بدايةً من "مروة" إلى الطفل "تامر" وذلك الرقم الذي وجده غير مسجل، هل عليه تصديقها؟، ملامحها حقًا كانت تحمل المصداقية الكافية ليغلق ذلك الموضوع ولكن هو مُعلق بداخل عقله كلمات تلك الرسائل التي ازعجت رجولته بشدة، يود معرفة ذلك البغيض الذي هي حتى لا تعرفه، حقًا الأمر صعب ولا يروقه أبدًا، عقله حتى لا يسعفه في التفكير بشكل صحيح ولا يدري أيضًا إلى الآن كيف ستسير حياته معها هل ستكون زوجته وحبيبته أم سيخدعها ليحصل على ما أراد منذ زمن هو وعائلته!.. 
هي كـ الملاك لا تستحق إلا المعاملة الطيبة الكريمة، وجهها أبيض بشدة، عينيها تماثل زرقة البحر تمامًا هي حقًا تجعله يضل الطريق بها، شفتيها وردية بارزة تستفزه بشدة، وخصلاتها!.. خصلاتها ذهبية اللون التي تجذبه إليها بطريقة السحر تجعله يود إخفائه عن الجميع، هو لم يخطأ عندما قال إنها ملاك، ولا يستطيع أن يكون سبب تعاسته..
نظر إلى الهاتف الذي كان جانبه على أرضية الإسطبل مترددًا قليلًا ولكن حسم أمرة في النهاية، أخذه بين يديه ثم ضغط بعض المرات ووضعه على أذنه بينما أخرج سيجارة واشعلها واضعًا إياها بفمه يستنشقها بشراهة..
أتاه الرد من على الناحية الأخرى بعدما عاود الرنين للمرة الثانية ليتحدث بانزعاج طفيف:
-مش قولتلك استنيني هكلمك؟
أخذت نفسٍ عميقٍ لترد عليه بهدوء عكس ما بداخلها بسبب نبرته تلك وكل ما يحدث من حولها: 
-مكنتش أعرف أنك هتكلمني متأخر كده وكنت لسه هنام 
استنشق من سيجارته ثم سألها بهدوء غريب مضيق ما بين حاجبيه بدون داعي:
-ممم.. عامله ايه 
أجابته بخفوت بعد أن أراحت ظهرها على ظهر الفراش خلفها قائلة بجدية: 
-الحمد لله بخير 
صمت بعض الوقت بدون حديث وهي تفعل المثل فقط تستمع لأنفاسه الصادرة عبر الهاتف فحملت قليل من الشجاعة بداخلها لتبدأ معه نقاش ربما يُفيد وتعلم ما لا تعلمه عن زوجها: 
-هو أنا ممكن أسألك سؤال؟
ابتسم نصف ابتسامة لم تصل إلى عينيه ثم أجابها قائلًا بهدوء وهو يدعس سيجارته بقدمه وهو جالس: 
-أكيد اسألي 
اعتدلت في جلستها ثم نقلت الهاتف إلى الأذن الأخرى وهتفت قائلة بجدية متسائلة عن سبب منعهم إقامة زفاف: 
-عادات وتقاليد البلد هنا بتقول أن بيكون في فرح وحنة والحاجات دي يعني وأنا من ساعة ما جيت اسمع أن عيلتكم عيلة غنية وكبيرة ليه بقى عمك قال لبابا أنكم هتعملوا حاجه كده أي كلام علشان خاطر الناس بس؟
ابتسم بداخله بسخرية شديدة على ما تفكر به، ألا تعلم لما الزواج هذه؟، تشدق ثم هتف متسائلًا هو الآخر بجدية وربما نبرته تحمل بعض الحنان: 
-عايزه تعملي فرح يا مروتي؟
مروتي!.. يجعلها هذا الإسم منه بهذه النبرة تفقد نفسها، تفقد كل ذرة تركيز تتحلى بها، وما هذا السؤال يُجيب سؤال بسؤالٍ آخر؟:
-هاا.. لأ أنا بسأل بس عن السبب 
ظهر البرود الشديد على وجهه بعد أن أغمض عينيه يعتصرهما ليهتف مُجيب إياها بفتور: 
-هو هو نفس سبب جوازنا
لما لا ينتقي حديثه؟، لما يذكرها بذلك السبب البغيض؟، ألا يرى أنه فظ الحديث كثيرًا؟.. هل يريد أن يسبب لها الحزن مثلًا؟.. أم أنه لا يريد من الأساس كل ذلك؟..
كادت أن تتحدث مرة أخرى ولكن قطع ذلك فتح الباب على مصراعيه مرةٍ واحدة لتشهق "مروة" بسبب هذه الفعلة المباغتة، وجدته "تامر" يتقدم إلى داخل الغرفة مبتسمًا فصاحت بحدة بسبب فعلته متناسية أمر ذلك الذي على الطرف الآخر من الهاتف: 
-ايه يا تامر مش اللي بيدخل على حد بيخبط الأول خضتني ياخي حرام عليك
ابتسم باتساع على مظهرها ثم صاح وهو يذهب بعيد عنها إلى آخر ركن بالغرفة ليتحدث بخفوت أيضًا: 
-معلش بس محتاج شاحن الـ Laptop بتاعك
-تمام ثواني 
تركت الهاتف على الفراش قبل أن تقف على قدميها ثم تقدمت لتحضره له من الدولاب الصغير الذي بالغرفة، أعطته له ليشكرها ثم خرج من الغرفة مبتسمًا باتساع وسخرية بذات الوقت..
أمسكت بالهاتف مرة أخرى لتتحدث معه ولكن لم تكن تدري بالنيران الذي تشتغل داخله الآن، لم تكن تعلم أن هناك حمم بركانية على وشك الإنفجار، غضبه لا يستطيع أحد السيطرة عليه، هناك بداخل عقله شكوك من الأساس لم تمحى ليتكون غيرها الآن، جز على أسنانه بغضب جلي، ممسكًا بالهاتف يكاد أن يهشمه بين يديه واضعًا إياه على أذنه بعدما وقف على قدميه، سألها بهدوء شديد وتروي في الحديث وقد كان هذا الهدوء ما يسبق العاصفة:
-الحقير ده بيعمل ايه في اوضتك في نص الليل يا محترمة؟
       "لا يكفي حديثه الفظ وأفعاله البغيضة ليكُن
         هناك عائلة تُرجمها بالحجارة وكأنها إبليس؟!"
تتساءل هل استمعت لحديثه جيدًا؟، هل كانت كلماته هكذا حقًا؟، ينعت ابن عمها بـ الحقير!.. إذًا ماذا عنه هو وعائلته؟، يسخر من أخلاقها؟، يتهكم في نطقه لكلمة "محترمة" كدليل على العكس؟.. 
استمعت لصوته الحاد بعدما طال صمتها وهو يطالب مرة أخرى بإجابةٍ على أسئلته لتأخذ نفسٍ عميقٍ محاولة أن تنتقي الحديث جيدًا وتبث الثبات في نفسها قبل أي شيء: 
-أولًا تامر مش حقير ده ابن عمي وزي أخويا بالظبط ومش هسمحلك تقول عليه حاجه وحشه أبدًا، ثانيًا أنا آه محترمة غصب عن أي حد، أما ثالثًا فهو كان جاي ياخد شاحن الـ laptop تحب تسأل عن حاجه تانية؟
تُجادل!.. ظهرت مخالب الملاك، تحولت عند نعته بـ الحقير إذًا وهو يستحق أكثر من أن يكون حقير، لا تعلم أنه لا يبغض شيء مثل ذلك الطفل الصغير، كما فعلت هي فعل..
أخذ نفسٍ عميقٍ ثم أخرج سيجارة أخرى أشعلها بهدوء وأخذ يستنشقها بشراهة وكأنه يتسابق مع أحدهم، كم كانت تصرفاته تعاكس بعضها؟، ابتسم ببرود وتحدث بسخرية جلية:
-الساعة اتناشر بالليل بيدخل اوضتك علشان ياخد شاحن؟.. وانتوا بقى متعودين على كده؟، طب ما تنامي في اوضته أحسن.. يعني التواصل هيكون أسهل 
وغد، حقًا وغد لا يفقه شيء، كلماته بغيضة  مثله الآن تمامًا، تلميحاته كريهة كعائلته، كل شيء جميل يحوله هو إلى آخر تأكله النيران ليصبح رماد لا يساوي شيء، لا يصلح للرؤية ولا الاستخدام..
تسارعت أنفاسها غضبًا بفعل كلماته التي جعلتها تشعر بالاشمئزاز، ماذا لو لم يكن زوجها ماذا سيقول أكثر من هذا؟.. أغمضت عينيها بقوة ثم هتفت قائلة له بحدة: 
-يزيد أنا مش هسمحلك تتكلم بالأسلوب الزبالة ده اكتر من كده.. ياريت تحاول تخلينا متفاهمين لأن كده مش أنا اللي هتعب لوحدي
كلماتها صحيحة، عليه أن يكون أفضل من هذا لا يجب أن يجعلها تشتعل نيران من الآن، عليه أن يكون رجل حكيم ليفعل ما يحلو له فقط صبرًا صبرًا يا مروتي..
-معاكي حق.. كلها سواد الليل وهتبقي ملكي بجد، هتنوري بيتي
استكمل حديثه متسائلًا بهدوء محاولًا إلهاء عقلها عن كلماته الغامضة بعد أن أخفض السيجارة من على فمه: 
-عملتي تجهيزات لبكرة؟، يعني مش زي ما بيقولوا يوم بتتمناه كل بنت؟
لم يستطيع إلهاء عقلها فهي لم تكن بهذا الغباء يومًا، نعم هو خبيث، ماكر، ولكن هي لم تكن الغبية، تغاضت عن كلماته بإرادتها ثم أجابته متهكمة: 
-بس أنا متمنتش اليوم ده معاك يا يزيد!..
تحاول أن ترد له ما يفعله معها ولكن لم تكن تعلم أنها طعنته بخنجر بارد دُفن داخل صدرة بالمنطقة اليسرى منه داخل قلبه تمامًا، خنجر بارد لم يقتله ولن يُشفى من أثاره، بعثرت رجولته بالأرض وهي تسرد رفضها له، ازدادت دقات قلبه وتسارعت أنفاسه بفعل جملةٍ مكونه من ثماني كلمات!.. يا لها من خبيثة هي الأخرى فقد اهلكته كلماتها ولكنه على دراية تامة بأن تلك النبرة المتهكمة لا يوجد خلفها إلا حزن عميق تحاول أن تجعله يُمحى رغمًا عن أنف الجميع..
ابتسم بسخرية لم يستطيع مداراتها وهو يعود بظهره للخلف مستندًا إلى الحائط وتحدث بحزن دفين داخل أعماق قلبه من الليلة الأولى التي قرر بها أن يتزوجها ليقول بصوت خافت: 
-ولا أنا اتمنيته بالطريقة دي يا مروة، إحنا اتحطينا في طريق مش بتاعنا ومجبورين نكمله ومش هنحدد النهاية غير لما نوصلها.. سوا نوصلها سوا يا مروة 
أغمض عينيه وقد عاد مرة أخرى ضميره يعمل، هل من بضع كلمات عاود من جديد؟، تحدث مرة أخرى بخفوت غير منتظر إجابتها:
-تصبحي على خير.. بكرة يوم طويل أوي ارتاحي شويه أنتِ متعرفيش ايه اللي جاي
أغلق الهاتف وتركها في دوامةٍ تدور بها وحدها، تركها تفكر بحديثه الغامض تارة تكون ملكة وتارة عدم معرفة القادم؟.. هل يراها ساذجة؟ هل يراها طفلة؟، هى فتاة ناضجة تعلم ما الصواب وما الخطأ، تعلم كيف يكون الكذب وكيف يكون الصدق، وهو يمارس ذكائه عليها، يتركها مُشتتة الفكر، يلعب بخبثه ومكره معها، يعتقد أنها لن تفهمه مثلًا؟، يعتقد أنها ستتركه يفعل ما يحلو له؟
لا لم يحذر أبدًا، فهو الذي فُرض عليها، هنا هي لم تختار شيء هو الذي اختار كل شيء لا يحق له الحديث بهذه الطريقة ولا يحق له أن يفعل أي شيء تبغضه هي، هو من اختار ذلك الطريق الذي يتحدث عنه لذلك يجب أن تسير هي كما تريد، ذلك العدل بالنسبة لها.. 
ولكن هناك ما يأخذ فكرها الآن بعيدًا كل البعد عن ما جال بخاطرها منذ ثوانٍ، غدًا ستكون بمنزله!.. ستكون زوجته حقًا!.. ستعيش مع عائلته الذي تبغضبها بسبب ما فعلوه بمصيرها، ستعيش مع أشخاص لا تعرف منهم أحدًا سوا ابنهم!.. هي حتى لا تعرف ابنهم.. فقط اسمه وبعض العادات مثل العصبية والهدوء والغرور والعنجهية لا تعرف إلا تقلباته المزاجية.. يُكاد عقلها يتوقف بسبب كثرة التفكير وقلبها النابض بشدة خائف مما هو مقدم عليه..
أغلق هو الهاتف ووضعه بجيب بنطاله الأمامي، ألقى بقايا السيجارة على الأرضية ودهسها  بقدمه وأخرج غيرها، كانت الثالثة له منذ بداية الحديث معها، أشعلها وسار يستنشقها كما فعل في المرات السابقة بشراهة، يضغط على كف يده الأيسر بشدة وكأنه المذنب بحقه!. جلس على الأرضية من جديد، اتكأ على ركبتيه بساعدي يديه وهو ينظر إلى الأرضية بغضب، حزن، إرهاق، لا يدري ما الذي حدث له من كلمتين فقط، بدايةً من المحادثة وهو لم يستطيع أخذ حقه بدخول ذلك الحقير غرفتها ولكن تلك الكلمات التي أتت مؤخرًا جعلت قلبه ينشق إلى نصفين، حديثها بأنها لم تكن تريده، لم تتمنى يوم زفافها معه، حزنها الدفين الظاهر في كل كلماتها دون دراية منها، جعله كل ذلك مُعذب، قلبه يحترق كالبركان، يتألم بسبب طعنة خنجر، أو أن نبضه توقف عن العمل!. لا يدري أيًا منهم ولكنه لا يستطيع الصمود أمام كل ذلك..
غدًا ستكون زوجته، ستحمل اسمه، ستعيش معه بنفس المنزل بل والغرفة.. هو لا يستطيع أن يخذل أحدًا، هو ليس قاسي كما أُطلق عليه، هو خائف بشدة ويشعر بالعجز من مصيرها معه..
وقف على قدميه وأخذ يسير بحركات غير مدروسة داخل الإسطبل بجوار حصانة، تحدث ضميره الآن إليه بعدما لم يستطع مقاومة نبرتها وحديثها، حدثه بأنها ليس لها ذنب في ذلك، لم تكن هي الجاني، لم تقتل جده ولا والده، حتى لم تتعرف على زاهر الذي قُتل على يد ابن عمها بالخطأ، لم تقتل زوجة عمه، فقط كان عمرهم قد انتهى وكل ما حدث ما كان إلا سبب، هي بريئة كالملاك حقًا دون مبالغة..
يحاول إقناع ضميره وقلبه أنه لم يكن أمامه خَيار آخر ليفعله، يحاول أن يقول بأنه سيُعيد الحق لأصحابه فقط، ليس بالخداع أو الكذب أو المراوغة بل بالحب وقد كان هذا الأسوأ على الإطلاق..
ذهب ووقف أمام حصانة الذي أطلق عليه اسمٍ على مسمى حقًا "ليل" كان أسود اللون، سواده حالك لا يوجد به ولا نقطةٍ من لونٍ آخر، كما كانت عينيه هي الأخرى قاتمة السواد، شكله مُخيف، مُهيب، تخاف الإقتراب منه ولا تستطيع النظر إليه لبضع ثوانٍ ولكنه كان صاحبة يعلم ما يريده، ومتى يجب ترويضه.. كان من أغلى الأشياء على قلبه، وقف أمامه وهو يشعر بالعجز ليقول بصوتٍ خافت خائف: 
-تفتكر هحبها يا ليل؟ ولا ده علشان هي  ملهاش ذنب؟
يصارح نفسه أم يصارح "ليل"، زجره عقله سريعًا محاولًا محو هذه الفكرة الغبية من رأسه ليعود لما كان يريده سريعًا قائلًا بأن قلبه قد أصبح رقيقًا كثيرًا ليتفوه بمثل تلك الكلمات.
               
              _____________________
"في صباح اليوم التالي"
"عندما تضع أملًا لشيء أعتقدت أنك تستطيع فعله ولا تستطيع لا يُضيع أملك فقط، بل يضيع شغفك معه"
جلست بـ إرهاق على الفراش أمام شقيقتها بعدما تحدثت معها بشأن ذلك الرقم الذي أرسل لها تلك الرسائل في وجود زوجها، هي لم تغفل عنه بل سبب لها الازعاج بسبب ما حدث وودت أن تعلم من فعل ذلك ولكن لم تحصل على معلومة واحدة مفيدة 
نظرت إلى شقيقتها "ميار" بقلة حيلة متسائلة مرة أخرى وكأنها ستجاوب بشيء أخر غير الذي قالته: 
-يعني طلع مش متسجل فعلًا؟
جلست الأخرى أمامها ثم تحدثت بهدوء مُجيبة إياها مرة أخرى:
-آه والله يا مروة طلع مش متسجل.. بس هو أنتِ يعني تعرفي حد ممكن يعمل كده مهو مش معقولة يعني ده 
زفرت "مروة" بضيق شديد ثم اعتدلت في جلستها واضعة يدها الاثنين على ركبتيها تستند عليهم ووجها لا يخلو من تعابير الانزعاج: 
-مهو المشكلة أن مفيش حد أعرفه يعمل كده
نظرت إليها "ميار" مترددة، تود أن تقول شيء ولكن تعود مرة أخرى لتصمت فـ الذي تريد أن تقوله يصعُب عليها وعلى قلبها التفوه به فنظرت إليها شقيقتها مشجعة إياها على الحديث: 
-أنا شاكه فـ.. بصراحة كده في تامر 
وقفت "مروة" على قدميها ثم هتفت قائلة بعد تفكير: 
-لأ لأ معتقدش هو بيعاملني كويس واعتقد أنه نسي الموضوع ده أصلًا 
لوت "ميار" شفتيها ثم هتفت قائلة بهدوء:
-خلاص يا مروة متفكريش في الحوار بقى واستني شوفي ايه اللي هيحصل ممكن يصرف نظر عن الهبل اللي عمله ده، المهم قوليلي عاملة ايه مع يزيد 
ابتسمت "مروة" بسخرية وهي تدير إليها ظهرها تطالع ما خلف النافذة، ثم استدارت قائلة بجدية:
-يعني.. كويسين أنا شوفته مرة واحدة، بس هو ظاهريًا شخص كويس 
وقفت "ميار" على قدميها ثم تقدمت من شقيقتها تضع يديها الاثنين كلى كتفيها تمدها بالدعم قائلة: 
-النهاردة أنتِ هتروحي بيته، أنا واثقة أنك هتنجحي معاه لأنك قوية وناجحة.. عارفة أنك كان المفروض تظبطي نفسك دلوقتي ونكون كلنا حواليكي بس أنتِ عارفة اللي فيها ومع ذلك هتكوني أحسن عروسة أنا شوفتها في حياتي كلها 
أدمعت عيني "مروة" بعد حديث شقيقتها، هل ستتركهم حقًا وتتوجه للعيش مع أشخاص لا تعرفهم أبدًا؟، هل ستبتعد عن عائلتها لأجله؟، يالا سخرية القدر ستبتعد عن موطنها وأهلها لأجل شخص لم تكن تريده يومًا..
ارتمت في أحضان شقيقتها، تخرج دموع عينيها كـ اللؤلؤ بصمت، احتوتها شقيقتها مربتة على ظهرها فتحدثت الأخرى قائلة:
-أنا خايفة أوي يا ميار 
ابعدتها "ميار" عنها ثم تحدثت بحزم وجدية شديدة: 
-متخافيش أنتِ طول عمرك قوية، إن شاء الله هتنجحي معاه وحياتكم هتكون جميلة، بس اوعديني لو مقدرتيش والجواز ده كان ضغط عليكي قولي على طول وابعدي يا مروة 
-أوعدك
احتضنتها مرة أخرى تحاول أن تمدها بالقوة اللازمة لمواجهة القادم بينما الأخرى ارتمت مرة أخرى تتشبث بأحضانها وكأنها هي الملاذ الأخير لنُصرتها وابتعادها عنه.
             ____________________
"مرت الساعات الأولى من اليوم سريعًا وكأنها تُعاكس ما تريد، دائمًا يحدث ذلك، كل ما تريده ينعكس ليصبح أسوأ مما تتخيل"
ذهب إلى منزلها "يزيد" للمرة الثالثة ليأخذ ما ستحتاج إليه ويضعه في بيته، في عش الزوجية الذي ستنتقل إليه معه بعد أن رفضت زوجة عمها الذهاب إلى منزله معترضه بسبب تعامل والدته مع جميع من هُم من عائلة "طوبار"، فقد رفضت الذهاب لبضع ساعات بسبب تعامل والدته ولم تخاف على من قالت أنها ابنتها لتضعها هناك لبقية عمرها!.. ألم تكُن أنانية في ذلك؟ أم أن الأمومة تفعل ذلك وأكثر؟.. 
لم يتحدث معها عن أي شيء فقد اكتفى بأخذ أشيائها فـ حديث أمس لم يكُن هينًا عليه سوا كان حديثها أو حديث ضميره، فهذا وذاك أصعب من أن يتذكرهم..
عندما نظر إلى عينيها شعر بالعجز والضعف الشديد، حديثها وحزنها، نبرة صوتها تتردد في أذنه وكأنها تحدثه الآن، يشعر بالذنب لما يفعله، يراها ملاك لا تدري ما يدور من حولها، لا تدري أنه يأخذها سُلم ليحصل على ما يريد، هل هناك شيء أصعب من عذاب الضمير؟! هل هناك أصعب من العجز والضعف وأنتَ الذي لم تعرفه يومًا؟ وهل هناك أصعب من أن تخدع من تُحب دون دراية منك بمحبتك له؟!..
توقعت ألا يحادثها كما فعل بالضبط فـ حديث أمس بالنسبة إليها لم يكن هينًا عليها مثله تمامًا، كما أن مخاوف اليوم تسيطر على كل ذرة تركيز تتحلى بها، الخوف يجعلها تشعر بالبرودة تسري في أنحاء جسدها، تعلم أنه لن يكُن هناك زفاف تتحاكى به ولن يكُن هناك أي شيء يجعلها تشعر بالتوتر كما يحدث في مثل هذه الحالات ولكن كل الخوف والتوتر يتكون في وجودها معه، في وجودها مع عائلته التي لا تعرف للرحمة طريق..
تنتظر أن تُزف إليه لتكن معه بقية حياتها.. مهلًا مهلًا هل حقًا سأنجح في ذلك الزواج لاستكمال بقية حياتي معه؟... 
راودها السؤال أكثر من مرة تعلم أن هناك حالات مثلما يقولون عنها "جوازة صالونات" ولكن يكن هناك فترة خطوبة غير أن الطرفين راضيين تمامًا والأهل متحابين لذلك يستمر الزواج ولكن هي.. هي ليست راضية كما أنه كذلك والأهل غير متحابين بل كانت هذه الزيجة تحت الضغط أما هذا أما ذاك، وليست هناك فترة تعارف بل تقابلا مرة ولم يفشل في اخافتها واهانتها وحادثته مرة لم يفشل بها بأن يزرع الخوف بقلبها ويجعل الحزن يتخللها من حديثه.. ولكن هي عزمت أمرها واتخذت القرار الذي وجدته مناسبًا لتسير عليه. 
               ____________________
ترتيبات، تجهيزات، كل ما كان يحدث ما هو إلا لحديث عامة المنطقة كما قال عمة "سابت"، حدث ما قاله بالضبط في اتفاقه مع والدها، الناس تتوالى لتأكل وتقوم بتهنئة كبير العائلة "سابت" وابن أخيه "فاروق" والذين يرسمون الابتسامة على وجوههم كما لو أنهم ملائكة تسير على الأرض سيرًا هادئاً، لا يعلم أحد نواياهم ولا يعلم أحد ما يفعلوه، فقط يظهرون بمظهر الرجال الأغنياء ذو الحكمة والعدل ولكن.. 
"ليس كل شيء تراه جميل من الخارج يكُن كذلك من الداخل فربما يكُن أسوأ!."
وأين هو مالك تلك الليلة؟.. يجلس مع حصانه "ليل" يدخن سيجارته بهدوء شديد كما هو في بعض الأوقات، هو إما غاضب إما هادئ، يجلس على أرضية الإسطبل وينظر أمامه بعيون الصقر خاصته، يفكر في القادم عليه كيف سيتعامل معها؟ هو لم يشفى من حديث ضميره معه، يفكر الآن ماذا سيفعل، ماذا سيقول لها ولعائلته، ماذا سيحدث للجميع وله أيضًا.. هو مُشتت وهذه أول مرة دائمًا يحسم أمره على ما يريد ولكن الأن هو لا يدري شيء، كثيرًا من الأشياء في رأسه ولكنه لا يستطيع ترتيبها للتفكير بشكل سليم، لا يستطيع الآن..
عليه أن ينهي هذه السيجارة ثم يذهب لجلب عروسه من منزل أهلها، لجلبها لحظها العثر معه، مع شخص لا يستطيع التفكير حتى!..
وقف على قدميه بعد أن أنهى السيجارة وألقاها تحت قدمه ثم قام بدعسها، عدل ياقة قميصة الأبيض.. مهلًا فقد كان يرتدي يوم زفافه بنطال أسود اللون يعلوه قميصٍ أبيض!، يا له من وغد إلى هذه الدرجة لا يهتم لمشاعرها، فقط كان عليه ارتداء حلة ليريها أنه يوم زفاف!، ولكن حتى في أتفه الأشياء لم يستطيع فعلها..
وقف أمام باب المنزل ومعه عمه وشقيقة وبعض من الأقارب ليأخذ عروسه المنتظرة، يرى الحركة التي تعج المكان من الخارج والداخل استقبله الجميع بالتهاني، استمع إلى أصوات الأغاني الشعبية كما يحدث في منزله الآن، يفكر بها هل هي سعيدة معهم بالداخل لكونها ستتزوج؟ يا له من سؤال غبي وكأنه لا يعلم الإجابة..
دلف إلى الداخل ونساء العائلة تطلق الزغاريد وتعبر عن فرحتها بكل شيء يحدث من حولهم، ولا يدرون أن أصحاب الزفاف يريدون الانتهاء من كل شيء..
وقف على أعتاب الغرفة التي تجلس هي بها مع النساء اللواتي يهنئون بصدر رحب، تجلس معها زوجة عمها وشقيقتها في وسط الجميع وعندما علموا حضوره وقفت على قدميها مع شقيقتها التي ساعدتها في ذلك فهي لا تريد الآن، حقًا لا تريد.. ماذا إذا صرخت في الجميع وقالت أنها لا تريد الزواج منه والدلوف بداخل عائلته هل سيستمع إليها أحدًا؟ ماذا إذا تصنعت الإغماء؟ أو إذا هربت؟ الآن علمت أن الأمر برمته كان صعب، كانت غبية عندما قالت إنها ستضحي من أجل ابن عمها، فليذهب الجميع إلى الجحيم..
دعمتها "ميار" بالنظرات وأخذتها من مكانها عندما وجدتها لا تريد ذلك، حاولت التخفيف عنها بالابتسام في وجهها وحثها أن الأفضل قادم ولكنها لم تكن تعلم المخاوف الذي تمر بها هي الآن.. تقدم والدها ثم أمسك بيدها بعد أن قبل جبينها بحنان بالغ وسار معها إلى حيث يقف "يزيد"
وقفت أمامه رأته بلحيته النامية كما كان، لما لم يزيلها؟ اليوم زفافه، يرتدي بنطال وقميص؟! يا لها من غبية لما ارتدت ذلك الفستان الذي اشتراه لها؟ كان عليها أن تفعل مثله ولكنها لم تكن تتوقع ذلك، لما ينظر إليها هكذا رأته مثبت نظره على وجهها وكأنه شرد به ينظر إلى عينيها مباشرة، ماذا به؟ اخفضت نظرها عندما وجدته مسلط تركيزه ونظره عليها هكذا لتشعر ببعض الخوف من نظرته التي لم تفهم لها معنى..
ألم يقل قبل ذلك أنها ملاك ليست بفتاة، أو سيدة، أو أي شيء هي ملاك فقط، لا يبالغ حقًا لا يبالغ ولكن هي جميلة من دون شيء تضع مستحضرات تجميل رقيقة للغاية فقط تبرز ملامح وجهها الجميل الذي زادته فتنه بها، ترتدي فستان زفاف مما جعلها ملاك حقًا أليس هم يرتدون الأبيض! فستان زفاف رقيق للغاية مثلها تمامًا محتشم ورائع بذات الوقت فقد كان بدايةً من الرقبة وإلى معصم يدها طبقةٍ من الشيفون التي أتت باتساع على ذراعيها ومن أعلى الصدر إلى بداية الخصر يصف شكلها ببراعه ومن ثم ينزلق باتساع، لم يكُن به أي شيء سوا أنه سادة خالص من أي إضافات بل هي كانت الإضافات..
لم يخرج من شروده إلا على صوت شقيقتها "ميار" التي تحدثت بمرح معه: 
-ايه يا عريس تُهت في زراق البحر ولا ايه
نظر لها وتصنع الابتسامة التي رسمها ببراعة على وجهه ومن ثم تقدم من "مروة" ممسكًا يدها من والدها الذي قدمها له رافعًا إياها إلى فمه ليقبلها بحنان وود شديد لم تعتاده هي معه..
تحدثت "ميار" مرة أخرى ولكن هذه المرة كانت أكثر جدية في الحديث الذي وجهته له هو وحدة: 
-إحنا بنسلمك أمانه غالية أوي عندنا يا يزيد أرجوك حافظ عليها 
ابتسم بلباقة مصتنعة كما السابقة ونظر إليها ليتحدث بهدوء خالص وهو يقول كلمات تحثها على الإطمئنان:
-متقلقيش مروة مراتي أنا هحطها جوا عيوني  
تحدث والدها هذه المرة قائلًا بنبرة أشبه بالتوسل إليه:
-مروة بنتي غالية أوي علينا، دي وردة حياتنا وأنتَ خدتها اوعى تدبل منك 
نظر إليها هذه المرة رأى الدموع تتكون داخل مقلتيها ليعيد نظرة إلى والدها متحدثًا كما السابق: 
-وردتك خلاص بقت تخصني وأنا لازم أحافظ عليها علشان تفضل على طول كده وردة زاهية وجميلة.
           ______________________
تثاقلت الأفكار على عقلها في وسط تلك الضجة المحيطة بيها، الجميع من حولها لا يشعرون، وهو أقربهم، هو لا يشعر بها أو بأي شيء يخصها، لماذا تتعجب أنه حتى لم يقدر يوم مثل يوم زفافه!..
وقفت في ردهة المنزل، الذي جابته بنظرها سريعًا وقد وجدته رائع بكل شيء من نظرة عين ومساحته كبيرة للغاية ثم عادت إلى تفكيرها المحض في مخاوفها، دقات قلبها تتسارع وكأنها تتسابق على جائزةٍ ما، لا ترى أي شخص أمامها أين الجميع؟ أين الضجة التي استمعت عنها أنها متواجدة هنا كما منزلها؟ لا يهم كل ذلك ولكن أين عائلته البغيضة التي لا تعرفهم إلى الآن؟ كل شيء مخيف وغير مرتب إلى الآن، تتسائل هل تستطيع ترتيب أمورها بعد اليوم؟!
هو يقف خلفها من بعد دلوفها للمنزل تشعر به وبأنفاسه، رائحته الرجولية تداعب أنفها، لماذا لم يتقدم منها؟ هل عليها إكتشاف المنزل بنفسها؟ يا له من وغد، ستظل تلقبه بالوغد إلى أن يكف عن التصرف مثله..
استدارت إليه بهدوء محاولة جعله حقيقي بينما هو بعينين الصقر خاصته ميزة وعلم أنها تتصنع ذلك، سألته بشفتي ترتجف وعينين تجوب المكان من حولها:
-هما.. هما فين أهلك؟ ده البيت فاضي تقريبًا 
يا ليتها لم تتسائل عنهم، هو لم يجيب فقد كان يقف واضعًا يديه في جيوب بنطاله يقف بشموخ أمامها ولم يستطيع الرد عليها فقد قامت والدته بتلك المهمة عندما خرجت من إحدى الغرف ومن خلفها الجميع لتقول بتعالي ونبرة تحمل قساوة وعنجهية لم تراهم من قبل:
-موجودين يا بت طوبار
استغربت كثيرًا من طريقتها الفظة، الغير مريحة أبدًا، عادت بظهرها للخلف بعدما استدارت لرؤيتها، تراجعت بضع خطوات إلى أن اصطدمت بجسده الواقف خلفها، نظرت إليه والخوف ينهال من عينيها، وكأن الجحيم بانتظارها وهو المنجي لها، تناجيه بعينيها وكأن الواقفون ليس أهله، قلبها يقرع كالطبول خوفًا من خذلانه لها، وكأنه قرأ كل شيء تشعر به ولأول مرة شعرت هي بأنه سند لها بعد تلك النظرة التي أشعرتها بالأمان ومن ثم احتضن كف يدها ونظر إليهم نظرات عادية خالية من أي شيء سوا التحذير: 
-إحنا تعبانين هنرتاح وبكره ابقوا اتعرفوا على بعض براحتكم 
جذبها من كف يدها إلى الدرج في وسط نظرات الجميع المنزعجة ومن ثم صعد إلى غرفته التي كانت كالشقة الصغيرة في مدخلها غرفة صغيرة بها اثنين من كنبات الانتريه وتلفاز، 
ترك كف يدها ودلف إلى مكان آخر لا تعرف ما هو داخل الغرفة، ربما هو حمام، تفكر بطريقته معها منذ يومين وبالأمس واليوم أيضًا والآن، هل هو مُختل؟ أم هي المُختلة؟ 
نهرت نفسها على تفكيرها الآن فهي لا تريد غير تبديل ذلك الفستان وأن تنال قسطًا من الراحة، ولكن مهلًا ليس كل ما نريده نلقاه..
فور أن ولجت إلى الغرفة المجاورة شهقت بفزع وجحظت عينيها على ما رأته، لم تكن تتوقع ذلك أبدًا فهي عروس وليست جثة، انسابت الدموع من عينيها سريعًا من دون مجهود ثم استندت بيدها على ايطار باب الغرفة فلم تستطع أن تتحمل تلك الصدمة وكأنهم يقولون لها أهلًا بك في الجحيم.
          "لو كانت كثرة التفكير تقتُل لصعدت روحها
                إلى السماء منذ أول وهلة رأته بها" 
ألم تُنهي عقلها عن التفكير منذ أيام؟ ها هي الآن منذ تلك اللحظة تفكر وتفكر ولم يتوقف عقلها عن التفكير ولو لحظةٍ واحدة، تلك العائلة التي انتقلت إليها لتصبح عائلتها كما يحدث مع أي فتاة ولكن هي لم تكن أي فتاة فقد كانت تحمل كامل الاختلاف..
ترى معاملة والدته لها، يا لها من امرأة حادة الطباع أو ربما قاسية أو تحمل صفات دنيئة لا تدري ولكنها امرأة سيئة للغاية معها، تعاملها كما لو كانت خادمة أتت لتخدم في بيتها، لا والله فـ الخادمة عِندها تتلقى معاملة أفضل بكثير منها ولا تدري لما تفعل ذلك، إن لم تكن موافقة على تلك الزيجة فهي أيضًا لم تكن موافقة مثلها..
وتلك المسماة بـ "إيمان" وهي لا تعلم عنه شيء تأخذ صفات حماتها كما لو كانت ابنتها، وهناك المزيد والكثير فوقها، لا داعي لتذكر تلك المواقف الغبية والكريهة منها ومن حماتها البغيضة، عقلها لا يتوقف عن التفكير في هذه العائلة وأيضًا كبيرهم ذو الصفات الخفية لا ترى منه إلا نظرات مخيفة ويماثله "فاروق" تشعر من نظرته لها كما لو كانت أخذه دمائه، الوحيدة التي شعرت باختلافها عنهم هي "يسرى" فقد كانت فتاة مرحة، واستشعرت طيبتها ولكن مع ذلك توخت الحذر..
أما عنه فقد أخذ كل ما بعقلها إليه، سلبه بذكاءٍ ودهاءٍ لم تجربه من قبل، تفكر في طريقته منذ أول يوم رأته به فقد كان بارد، قاسي، متعجرف إلى أبعد حد، مغرور بنفسه وبكونه "يزيد الراجحي" ومن ثم كان وغد لا ينتقي كلماته يسمم مسامعها بأبشع الألفاظ عنها وعن عائلتها وكأنه لا يدري من هي عائلته وكأنه لا يدري من هي أيضًا!..
يبغض ابن عمها لأبعد حد ولا تعرف ما هو السبب وراء ذلك فهو لم يفعل له شيء ولم يدري أيضًا أنها كانت معجبة به بيوم من الأيام، تذكرت أنه من بعد هذه المرحلة وكأنه بسباق مراحلة متناقضة تغير ليضع نفسه على وضع الصمت، فلم يحدثها ولو بكلمة واحدة فقط ينظر إليها بعينه ذات اللون الأخضر أو الزيتوني تعتقد أنها زرقاء..
لا تدري ولكن نظراته تُربكها، تُخجلها وربما في بعض الأحيان تهابُها، نظراته بها الكثير والكثير من الكلمات التي لا تفهم معانيها والآن المعاملة بينهما لا تفهم ماهيتها وكأنهم عصافير تغرد ولا تدري ما هي التغريدات التي يلقونها على بعضهم فمنذ ذلك اليوم وهي لا تفهمه حقًا وها قد مضى خمسة أيام على يوم الزفاف، يوم اعتبروها جثة وليست عروس..
"قبل أسبوع"
"وقفت على أعتاب الغرفة وعينيها كـ شلال المياة، تتسابق دموعها على وجنتيها بلا توقف فقد كانت الصدمة حقًا كبيرة للغاية عليها، لم تكن تتوقع ذلك أبدًا لا منه ولا من عائلته وهي التي ارتدت فستان زفاف، تعتقد أنها ستأخذ أبسط حقوقها ولكن هو لم يفعل وعائلته لم تفعل، فقد سلبوا منها ذكرى السعادة التي من المفترض أن تحيا بها طيلة حياتها لـ يستبدلون  غيرها ذكرى سوداء تحمل اللون حقيقي دون أي تغيرات لتحيا بها إلى أن تصعد روحها إلى بارئها..
خرج من المرحاض بعد أن بدل ملابسه بأخرى مريحه منزلية، وجدها تقف على أعتاب باب الغرفة تستند بيدها على الايطار وتنحني إلى الأمام، لم يطمئن من هذه الحالة التي هي عليها ليذهب إليها بحذر عاقد ما بين حاجبيه باستغراب لحالتها تلك، ناداها بخفوت بعد أن وقف خلفها ليراها وهي تستدير إليه ووجهها ملطخ بدموعها الممزوجة بكُحل عينيها، ولم يكن ذلك فقط فكانت ملامحها تحمل السخرية الكاملة وهي تنظر إليه..
اعتراه الاندهاش فور رؤية وجهها وملامحها وهو لم يفعل شيء بعد ولم يتحدث أحد من عائلته معها لما ذلك؟ سألها بهدوء محاولًا أن يجعله حقيقي فقد كان في الحقيقة برود وليس هدوء: 
-مالك في أي؟ بتعيطي ليه كده؟!
ابتسمت بسخرية لاذعة استشعرها بوضوح بينما هي هزت رأسها يمينًا ويسارًا باستنكار ثم تحدثت قائلة: 
-لدرجة دي موضوع الجواز رخيص عندك؟ أنا لو كنت أعرف كده حقيقي مكنتش وافقت حتى لو هتولعوا في البلد كلها، أنتَ مفكر أنك هتقلل مني وهسكت؟ لأ ده مش هيحصل
لم يفعل شيء ولن يفعل سيظل هادئ حتى يفهم ما تُرمي إليه وقد كان هذا ما حدث نفسه به حتى يظل هادئاً ولا يجعل غضبه يتحكم به:
-هو كان حد داسلك على طرف دلوقتي ولا حد كلمك؟ أنتِ اتهبلتي  
ضحكت عاليًا بعد أن استمعت لكلماته، كما يقولون يضرب ثم يلوم، أحقًا لا يدري ماذا فعل؟:
-حد داسلي على طرف؟ هو أنتَ مش عارف إني من يوم ما عرفتك وأنا مش عايشه حياتي أصلًا، جبتلي فستان وقولت عادي مش مهم مع أن مفيش فرح زي أنتَ وعمك ما قولتوا شوية ظيطه وظمبليطه علشان سمعتكم وسط الناس وبردو قولت عادي ولبست الفستان وأنتَ عملت ايه؟ جايلي بقميص وبنطلون! كده مقللتش مني؟ في حد يعمل كده وأنا اللي قدرتك! طب بلاش دي أنا المفروض زي ما بيقولوا يعني عروسة تستقبلني في بيتك بالطريقة دي؟ هي دي رجولة منك؟
قالت آخر كلماتها وهي تشير إلى الغرفة التي كانت تحتوي على الفراش الذي فُرش بمفرش لونه أسود فقط ولا يتداخل به أي لون آخر وفي ظهر الفراش من الأعلى ورقة كُتب عليها بخط اليد "نورتي قبرك"..

هو لم يرى كل ذلك إلا الآن يُقسم أنه ليس من فعل ذلك ويعلم من فعلها ومن غيرها والدته، ولكن ليس هو، وهي معها كامل الحق فيما تقول ولكنه لم يفعل شيء، كيف سيبرر ذلك الآن وكيف سيتحدث معها، لا يعلم هل هو يشفق عليها أم!..
وقف أمامها ثم وضع يده في جيب بنطاله البيتي ومن ثم أخذ نفسٍ عميقٍ لينظر إليها من بعدها وتحدث بجدية شديدة: 
-مش أنا اللي عملت كده، عايزة تصدقي أو لا بس مش أنا اللي عملت كده وآه متسأليش مين علشان مش هقولك 
أخذت خطوة إلى داخل الغرفة دون أن تتحدث بحرف بعد أن استمعت له وكأنها طردت الأمر من رأسها ثم أمسكت بمقبض الباب لتغلقه عليها ولكنه أعاق غلقها للباب ووقف متسائلًا باستغراب مضيقًا ما بين حاجبيه: 
-بتعملي ايه؟
زفرت بحدة ثم أجابته متهكمة:
-هغير ولا تحب أنام كده؟
دفع الباب بيده وتقدم منها وعلى محياه ابتسامة لعوب ترجمتها سريعًا وحاولت الهرب منه عندما وجدته يتقدم منها ولكنه حاصرها لتعود إلى الخلف بظهرها ولم تجد خلفها إلا الحائط ليقف هو أمامها مبتسم بمكرٍ وهي محاصرة بين يديه الاثنين:
-تحبي أساعدك؟
نظرت إلى عينيه التي تاهت بخيوطها متعددة الألوان، غابت في وجهه وملامحه، شردت في تفاصيله، استفاقت عليه وهو يقترب من شفتيها لتبعد وجهها للناحية الأخرى سريعًا وهتفت بحدة قائلة بعدما استعادت السيطرة على نفسها من حضوره الطاغي عليها:
-أبعد لو سمحت ماينفعش كده 
عاد إلى الخلف سريعًا يحك مؤخرة رأسه نظر إليها ثم خرج من الغرفة ليترك لها المساحة الخاصة بها، ولكن لم يستطيع أن يفكر بشيء غيرها فقد كانت بين يديه مستسلمة للغاية، عينيها تجذبه إليها كما لو أنها بها سحرًا ما، شفتيها التي جذبته بسرعة البرق فقد أشعلت ما بداخله ولم يستطيع السيطرة على نفسه ليقترب منها لينال ما يريد ولكنها لم تجعله يتمادى ليعود إلى رشده سريعًا..
دق باب الغرفة عندما وجدها قد أخذت ما يُقارب الساعة لتبديل ثيابها، فتحت الباب منزعجة من حضوره إليها وقد لاحظ ذلك على ملامحها الصارخة بالانزعاج ليهتف وهو يتقدم إلى الداخل:
-كل ده بتعملي ايه؟ مش في واحد عايز ينام 
استدارت إليه غاضبة من دخوله الغرفة وحديثه البارد مثله لتقول بتهكم: 
-وأنا مالي ما تنام 
جلس على الفراش ثم تمدد وأجابها قائلًا ببرود وهو يراها تشتعل أمامه: 
-إزاي وأنتِ قافلة الباب؟ 
-أنتَ بتعمل ايه؟ 
ابتسم بهدوء وهو يراها تتقدم منه بعصبية ليهتف ببرود وسخرية:
-هنام يا مروتي 
تغاضت هي عن مناداته لها بهذا الإسم، وقفت أمامه تهتف بحدة قائلة:
-اومال أنا هنام فين؟ يلا أطلع نام بره
نظر إليها بمكر وتلك النظرة اللعوب والابتسامة الخبيثة ترتسم على محياه ثم دون سابق إنذار جذب يدها بشدة لتقع فوقه ومن ثم قلبها لتكن أسفله وهو يعتليها ليتحدث وهو بالقرب من وجهها الذي لا يفصله عنه سوا نسمات الهواء: 
-أنا هنام هنا وأنتِ هتنامي هنا.. دي اوضتي وده سريري وأنتِ مراتي.. وآه أي اعتراض ممكن اعمل حاجات تانية غير أنك تنامي جنبي وبس ويعني في الآخر الإختيار ليكي
ألقى بقية جملته وهو يجوب بعينيه على كامل وجهها بنظرته الماكرة، خفق قلبها بشدة من تصرفه الغير مرحب به، عقلها وقف عن التفكير لوهلة وهي تستمع إلى حديثه، فقط تنظر إلى ملامح وجهه التي تغيب فيه كل مرة تنظر إليه، استمعت إلى بقية حديثه وعملت ما يرمي إليه لتقول بحدة وهي تبعده عنها: 
-طب أبعد خليني أعرف أنام
ابتسم الآخر بمكر وعاد إلى مكانه بالفراش ينام عليه بظهره واضعًا يديه أسفل رأسه ونظر إليها وجدها تنام بأخر ركن به تدير إليه ظهرها وهي تتمتم بكلمات لا يعلم ماهيتها ليبتسم مرة أخرى ولكن كانت ابتسامة حقيقية هذه المرة..
               ____________________
-بس هو انتوا إزاي جيتوا هنا يعني أنا مش فاهمه مش بتقولي كنتوا في الصعيد تقريبًا؟
تلك الكلمات قالتها "مروة" متسائلة باستغراب وهي تجلس مع "يسرى" التي استشعرت مدى طيبتها..
-أيوه وحتى جدك، بصي ياستي اللي أنا أعرفه إن هما كانوا عايشين في نواحي الصعيد حتى تلاقي ماما وعمي وفاروق لهجتهم مختلفة شويه مش كتير بردو لأن إحنا هنا من زمان، جدي وجدك كانوا شركا جم هنا وكل واحد أخد بيت لعيلته وكان بابا معاه وعمي سابت وبعدين كبروا في الشغل وفجأة سمعنا أن جدي أفلس إحنا منعرفش السبب ولا ايه اللي حصل بس عمي سابت قال إن جدك آسفة يعني نصب عليه وبعدين جدي مات وبعديها بكام شهر بابا مات كل ده طبعًا أنا مفتكرش منه حاجه لأني كنت صغيرة بس سمعت الكلام ده أكتر من مرة 
نظرت أمامها في الفراغ المتواجد حولها من الأراضي الخضراء وهي لا تصدق ما استمعت له، هي لم تستمع إلى هذه القصة من قبل، هل من الممكن أن يفعل جدها هذا؟ لقد مات شخصين بسببه؟ لا مستحيل فهو كان طيب، حنون، رجل وقور، عادل، مؤكد لم يفعل ذلك هناك خطأ هي حتى لا تتذكر جيدًا..
خرجت من شرودها على صوت شقيقة زوجها المُتسائلة باستغراب: 
-ايه يا بنتي روحتي فين؟
ابتسمت بود ثم اجابتها وهي تعتدل في جلستها لتواجهها من جديد:
-هنا، هو يزيد بيشتغل ايه وفاروق؟ أنا هنا بقالي أسبوعين ومش شايفه حد فيهم بيشتغل خالص 
جلست "يسرى" القرفصاء ثم تحدثت بحماس قائلة: 
-لأ إزاي بيشتغلوا طبعًا، شغلهم كله في الخشب فاروق أخويا وعمي ليهم هنا مَغلق داخل نواحي البلد وكده أما يزيد ماسك المصنع اللي في القاهرة ودايمًا قاعد هناك
استغربت لسماعها لتلك الكلمات البسيطة التي لأول مرة تعلمها عن زوجها وقد جال بخاطرها فكرةٍ ما فسألتها قائلة بجدية:
-بجد أنا أول مرة أعرف كل ده ظروف جوازنا كانت صعبة أنتِ أكيد عارفه.. بس هو معقول بيروح ويجي ده سفر من هنا للقاهرة 
ابتسمت "يسرى" بحزن هادئ ملائم للموقف وللحديث الذي قالته زوجة أخيها: 
-عارفة للأسف بس إن شاء الله كل شيء يتحل، بس يزيد أصلًا ليه بيت هناك.. أقصد إن حياته هناك أصلًا وبيجي هنا إجازات بس 
ابتسمت مروة باتساع وكأنها كانت تغرق ووجدت وسيلة النجاة التي ستأخذها للشاطئ مما جعل "يسرى" تندهش لابتسامتها تلك ولكنها لم تكن تعلم ما الذي يدور بخلدها..
-صدعتك برغي يا يسرى صح؟
ابتسمت "يسرى" ثم هتفت قائلة بحماس وهي تعتدل على مقعدها:
-بالعكس ده أنا كنت خلاص هطق والله يا مروة أنا أغلب الوقت لوحدي، الكميا بيني وبين إيمان بايظه خالص ولا حتى ماما ومن يوم ما خلصت كلية وأنا زي ما أنا كده لحد ما أنتِ جيتي بقى 
سألتها "مروة" مرة أخرى باستغراب:
-ليه محاولتيش تكوني صاحبة إيمان مثلًا 
زفرت "يسرى" بضيق شديد قد ظهر على تعابيرها ثم اجابتها قائلة بجدية:
-بصي صحيح إيمان من هنا يعني أقصد فاروق خطبها من هنا مش من الصعيد الجواني ولا حاجه، بس دماغها قفل أوي وزي ماما كده ساعات بحس أنها بتاكل بعقل فاروق حلاوة بجد خبيثة أوي وعمري ما ارتحت معاها، من يوم ما خلصت تجارة وأنا قاعدة زي ما أنتِ شايفه
صمتت لبرهة ومن ثم تحدثت قائلة: 
-طب عارفة لما جيت أدخل كلية التجارة وقفت لفاروق وقالتله جوزها بلا علام بلا بتاع وقعدت تقول الست ملهاش غير جوزها وماما وافقتها وحتى عمي سابت بس يزيد وقف معايا وخلاني أكمل تعليم غصب عن الكل، أنا ويزيد مش زي الباقي خالص 
اومأت لها "مروة" برأسها ثم قالت بخفوت وهي تقترب منها برأسها بحركة مضحكة لتفعل الأخرى المثل:
-أنا كمان بحسها مش سالكة وبصراحة وقفالي زي اللقمة في الزور وبتعمل معايا حركات بايخة تتصنف بيها حرباية
ارتفعت ضحكات "يسرى" بعد حركات "مروة" العفوية وهي تتحدث وتصف "إيمان" زوجة أخيها ولكنها صمتت عندما تحدثت "مروة" مرة أخرى سائلة إياها بجدية بعد طرأ السؤال عقلها لتعلم الإجابة الصحيحة منها دون كذب من شخص آخر:
-بس هو ليه بعد خمس سنين فتحتوا موضوع التار يا يسرى، وبعدين أصلًا ابن عمي اتحاكم ومشي وكان من غير قصده، ليه عملوا كده؟
صمتت "يسرى" قليلًا ثم نظرت إليها بجدية وتحدثت بعد أن تنهدت بهدوء: 
-إحنا مكناش نعرف حاجه يا مروة ولا حتى يزيد، يزيد اعترض وحصل خناق وسمعنا صوته وهو بيقول إنك ملكيش ذنب في حاجه زي دي بس عمي سابت وماما وفاروق كلموه وبعدين غير رأيه ووافق
صمتت "يسرى" عن الحديث عندما وجدت "إيمان" تخرج من باب المنزل مقبلة عليهم في الحديقة تبتسم ببرود..
اقتربت منهم ثم وقفت أمامهم متحدثة بضجر:
-ايه هتفضلوا قاعدين هنا طول النهار؟ قوموا ساعدونا يزيد عازم ضيوف عنده النهاردة 
نظرت إليها "مروة" باستغراب فهو لم يقل إليها شيء كهذا.. غبية ولماذا سيقول لها، هو يتعامل معها كما لو أنها ليست موجودة من الأساس، ابتسمت "إيمان" باستفزاز عندما رأت تعابير وجه "مروة" هكذا لتسألها بتهكم:
-هو يزيد مقالكيش؟
أجابتها وقد أحمرت وجنتيها من الخجل: 
-لأ ممكن يكون نسي
ابتسمت "إيمان" بسخرية لاذعة ثم تحدثت بتهكم وهي تتجه للداخل مرة أخرى: 
-نسي آه، طب يلا يا ماما أنتِ وهي تعالوا ساعدوا 
وقفت "مروة" و "يسرى" مثلها يسيرون للداخل فتحدثت "يسرى" إليها بجدية: 
-متبقيش هبلة وضعيفة معاها ولا تكشفي ورقك ليها لتفكرك بتخدمي عندها وتستغل طيبتك 
نظرت إليها "مروة" نظرة ممتنة فهي حقًا في تلك الأيام كانت ونعم الصديق لها في ذلك المنزل البغيض..
                 __________________
لقد طفح الكيل حقًا من هذه المرأة وزوجة ابنها، هي لا تكف عن ازعاجها، تستغل كل فرصةٍ ولو كانت حتى من اللاشيء لتحزن قلبها، تتذكر منذ أن دلفت هذا المنزل وهي تعاملها باحترام ولم تغلط معها ولو بحرفٍ صغير ولكنها تفعل العكس تمامًا، لا تناديها إلا بابنة عائلة "طوبار" وهل هذا شيء مشين؟! أنها غريبة الأطوار حقًا، لقد تفاوتت المرات السابقة ولم تتحدث، ازعجتها كثيرًا، تساندها "إيمان" تلك البغيضة مثل حماتها، تُكاد تُجن من أسلوبهم وتلك الطريقة الرخيصة التي يتبعونها، لو لم تكن "يسرى" معها وتحاول الدفاع عنها بكل الطرق وتحاول التهوين عليها لما بقيت هنا معهم..
استدارت والدة زوجها "نجية" إليها لتنظر إليها بحقد وكراهية ومن ثم هتفت قائلة بتهكم: 
-هاتي الخضار اللي هناك ده يابت عيلة طوبار 
تركت "مروة" السكين من يدها والذي كان تقطع به قطع اللحم لتتجه إلى الطاولة التي بالمطبخ موضوع عليها طبق الخضار الكبير أخذته واتجهت إليها وهي تعد بداخلها من واحد إلى عشرة حتى تهدأ ولا تثور على هذه المرأة العجوز، تعثرت في طريقها بسبب حبة من البصل واقعة على الأرضية ولم تراها ليقع منها الطبق محطم وتناثرت محتوياته على الأرضية وقد جاهدت حتى لا تفقد توازنها ونجحت في ذلك..
شهقت "يسرى" بفزع واتجهت إليها على الفور مسانده إياها ثم هتفت قائلة بقلق واهتمام:
-أنتِ كويسه؟ حصلك حاجه؟
لم تستطع "مروة" أن تُجيبها حيث أن والدتها قد تحدثت بحدة وعصبية لا مبرر لهما فقد كان من الممكن تفاوت الأمر: 
-مهي قدامك أهي كيف القرد تمام محصلهاش حاجه، كسرت الصحن ووقعت الخضار على الأرض هو ده اللي عملته بت طوبار، عَيله جايه من عِيلة غم بصحيح 
وقفت "مروة" مدهوشة من حديثها الفظ، بدلًا من أن تتسائل إن كان حدث لها شيء، سألت نفسها لماذا وافقت على هذا العذاب؟ ما ذنبها لتتحمل كل هذه الإهانة من سيدة مثلها، تربيتها لا تسمح لها أن تعاملها بالمثل ولكن أن اضطرت ستفعل، هي لا تحتمل بكل الأوضاع..
لم تتحدث معها بل انحنت على الأرضية تلملم ما تناثر عليها وتساعدها شقيقة زوجها بينما وقفت "إيمان" ووالدة زوجها بعيد نسبيًا، ابتسمت "إيمان" بوجهها ثم تحدثت قائلة بحماس:
-والله براوة عليكِ يا مرات عمي، البصلة اللي وقعتيها كانت هتجيب أجلها
ابتسمت "نجية" وقد ظهرت تجاعيد وجهها وهي تقول والحقد يملئ قلبها: 
-ولسه.. لسه مشافتش حاجه بت عيلة النصابين 
تريثت قليلًا ثم هتفت ببرود وسخرية بذات الوقت وهي تنظر إليها عندما كانت تجمع ما وقع على الأرضية: 
-أمها ماتت وهي عَيله والله تلاقيها طفشت من همها ولا حد رباها بعد المرحومة اللي سبتها من غير رباية 
وقع ما كان بيدها ليستقر على الأرضية مجددًا، وقفت على قدميها وتركت كل شيء وهي تنظر إليها بصدمة فقد كانت كلماتها واضحة كوضوح الشمس، ترقرقت الدموع بعينيها ومن ثم تسلقوا جفنيها ليسيروا على بشرتها الناعمة، نظرت إليها وهي تبكي قهرًا على ما تفعله بها وعلى هذا الحديث الجارح، فهي تتحدث عن والدتها وعن تربيتها التي لو لم تكن موجودة لما تركتها تفعل ما يحلو لها، ولكن يكفي حقًا..
رفعت سبابتها في وجهها وتحدثت بحزم وجدية شديدة والدموع تنهمر على وجنتيها بلا توقف:
-اسمعي ياست أنتِ أنا من يوم ما جيت هنا وأنا سيباكي تعملي اللي عايزاه براحتك ومعترضتش لكن عند أمي وتقفي دي ميته عند ربنا مش معانا هنا وأنا مش هسمحلك تغلطي فيها 
تركتها وذهبت سريعًا لتخرج من هذا المكان الذي ضاق فيه صدرها لينطبق على قلبها وكأنها ستلقى حتفها به، كلماتها لم تكن هينة أبدًا، فقد ذكرتها بوالدتها الرحلة والتي لم تحظى بالوقت معها..
اصطدمت بجسده الواقف أمامها ولم تكن تراه بسبب محاولتها إزالة الدموع من عينيها وهي تسير في ردهة المنزل لتصعد إلى غرفتها، عادت للخلف بجسدها ونظرت إليه والدموع تنهمر من عينيها بكثرة بعد أن رأته وتذكرت خيبتها..
نظر إليها باستغراب وهو يراها تبكي وعيونها منتفخة، تبكي وتنتحب أمامه ولا يدري لما، بكائها هكذا يقطع أنياط قلبه إلى أشلاء، رؤيتها هكذا كما لو أن هناك نصل حاد يأتي بقلبه نصفين، حاولت أن تذهب ولكنه أمسك بيدها متسائلًا باستغراب وقلق جلي:
-مروة اهدي، مالك فيه ايه؟
نظرت إليه بحزن خالص ونظرة عتاب لم يراها منها من قبل وكأنها تلومه على كل شيء ومن ثم سحبت يدها وصعدت على الدرج دون أن تتحدث أو تجيبه على سؤاله فقد زاد بكائها الذي جعله يندهش ويتسائل ما الذي حدث لكل ذلك، ولكن هو الآن يعلم أن ضعفه يكمن في بكائها، كلما رأها تبكي شعر بضعف وعجز شديد لم يشعر به في حياته..
رؤيتها هكذا تجعله ضعيف أمام نفسه وربما أمام الجميع، وجهها الملائكي لا يستحق إرهاقه بكثرة البكاء، قلبها الرقيق لا يستحق أن يحمل كم الحزن هذا، هو يعلم أنه منذ أن ولج حياتها وقد انقلبت رأسًا على عقب ولكن هو الآن يشعر بالاختلاف ناحيتها، يشعر وكأن حديثه مع "ليل" في السابق سيصبح حقيقة..
نظر بحزن إلى درجات السلم الذي صعدت عليه وهي تحمل بكائها معها وعاد نظرته إلى المطبخ الذي كانت خارجه منه بهذه الحالة المزرية، عزم أمره على التقدم ناحيته ليعلم ما الذي حدث وجعلها في هذه الحالة..
وقفت "يسرى" أمام والدتها تهتف بغضب وحدة قد توصلت إليهم بسبب لا مبالاتها وقسوتها على تلك الفتاة: 
-حرام عليكي يا ماما بقى البنت والدتها ميته وأنتِ قاعدة تعايريها هو يعني كان بايدها، حرام عليكي اعتبريها زيي 
صاحت والدتها بحدة هي الأخرى غير مبالية بكلماتها في حق "مروة" والوقوف بجانبها وقد كان الحقد والانتقام يعمي عينيها: 
-اخرسي يا بت أنتِ، بت عيلة طوبار عمرها ما تبقى زيك دول عار ودي واحدة منهم هتتحاسب على كل اللي عملوه 
كادت أن ترد عليها ابنتها مرة أخرى ولكن دخول "يزيد" أعاق كلماتها من الخروج وقد رُسم على وجهه كل علامات الاستفهام..
وقف أمامهم واضعًا يديه في جيوب بنطاله أسود اللون، ونظر إلى "يسرى" التي استمع حديثها مع والدته لينظر إليها باستغراب وتساءل بهدوء قائلًا: 
-ايه اللي سمعته ده؟ ايه اللي حصل مع مروة؟ 
سريعًا أجابته "إيمان" بنظرة لعوب ونبرة تحمل الجدية في ذات الوقت لتدافع عن والدة زوجها وتجعل من ارتكب الجريمة بأكملها هي "مروة":
-ولا حاجه يا يزيد الموضوع كله أننا طلبنا من مراتك أنها تيجي تساعد معانا في المطبخ علشان ضيوفك معجبهاش الحال ولما مرات عمي فهمتها أنها لازم تشتغل فكرت أنها كده بتهزقها وقامت معيطة وماشيه قال يعني بتهرب من الشغل 
نظرت إليها "يسرى" بذهول فقد كانت تكذب بكل صدق! تجعلك تشعر وكأن حديثها ليس بعده حديث، نظرت إلى والدتها وجدتها تبتسم بهدوء مستفز، إنهم حقًا لا يشعرون بكونهم بشر، "مروة" فتاة طيبة لا تستحق هذا..
استفاقت على صوت يزيد الذي وجدته ينظر إليها وقد علمت أنه لا يصدقها، قال بهدوء كما هو معتاد في حديثه:
-بس مروة من يوم ما جت وأنا بشوفها معاكم في المطبخ
تحدثت سريعًا بصدق وجدية هي الأخرى مُجيبة على كلماته وقد وجدت أن "مروة" لا تستحق منهم هذا فإذا صدق "يزيد" حديثهم ربما يحدث بينهم مشكلة وبالكاد هم يتحدثون:
-لا يا يزيد محصلش مروة كانت شغاله معانا عادي وماما هي اللي هزقتها بدون سبب وعايرتها بأمها الميته
لو كانت نظرات البشر تحرق لوقعت في حريق وسط نار مشتعلة من نظرة والدتها إليها، نظرت إليها بقسوة شديدة ربما لو استطاعت دفنها حية لفعلتها، ولكن "يسرى" لم تبالي بها فقد اشفقت على حال "مروة" وما يحدث معها.. 
اعتلت شفتي "يزيد" ابتسامة باردة، وكأنه لا يبالي بما قالته شقيقته، يظهر عليه هذا بوضوح ولكن ما قاله بجدية وحدة شديدة لوالدته و "إيمان" خالف جميع نظراته وتعابيره الذي تظهر بوضوح: 
-مش معنى إن في بينا اتفاق يبقى انتوا تعملوا اللي انتوا عايزينه لأ أنا وافقت آه بس أنا اللي هكمله ولوحدي، غير إن دي مراتي واللي يمسها يمسني وأظن الكل عارف زعلي عامل إزاي 
تريث قليلًا ثم أكمل حديثه موجهة إلى والدته: 
-بلاش... بلاش اللي بتعمليه كلنا عارفين أنها ملهاش ذنب في حاجه اعتبريها زي يسرى 
ومن ثم استدار وخرج من المطبخ بدون أن يتحدث أو يضيف حرفٍ آخر فقد كان يعلم ما تريد أن تفعله والدته، هي بداخلها نيران تشتعل بسبب ما حدث في الماضي، يعلم أن قلبها فُتر صغيرًا، ولكن لما نحمل الغير ذنب ليس له علاقة به، "مروة" بريئة، فتاة نقية ولكن حظها العثر هو من جعلها من عائلة "طوبار" لتقع مع عائلته ومع براثنه الذي لا تهدأ، لقد وقعت مع "براثن اليزيد".
             ___________________
لم تكن تظن أنه سيفعل هذا لأجلها، لم تتخيل قط!. خيب ظنها به للمرة الثانية، هي اعتادت على بروده، عجرفته، قساوته المسيطرة على ملامحه، لم تكن تتخيل أن يقف بجانبها هكذا وبهذه الطريقة، لقد أنقذها في المرة الأولى عندما نادته بعينيها وها هي المرة الثانية يقف إلى جوارها أمام الجميع..
سردت لها "يسرى" ما حدث بالحرف لتجعلها سعيدة بحديثه مع والدته ولكن لم يسيطر عليها سوى الاندهاش من فعلته تلك، تتساءل لما فعلها؟ وقد أتى إليها يطمئن قلبها من ناحية الجميع!، يبث الأمان داخل روحها بوجوده ببعض الكلمات، يحاول مداواة جرحها من حديث والدته الفظ، لم تكن تظن أنه سيفعل كل ذلك لأجلها.. لم تكن تظن أيضًا أنه سيذهب إليها بعدما حدث لـ يطيب خاطرها
"قبل ذلك الوقت"
ولج إلى غرفته يبحث عنها، لم يجدها بغرفة الصالون ولا حتى بغرفة النوم، ربما بالمرحاض؟ ولكن أيضًا لم تكن به، وقف في منتصف الغرفة واضعًا يده خلف رأسه وهو يدور بعينيه في كل إتجاه، يفكر أين ذهبت وقد رأها تصعد للأعلى، كاد أن يخرج من الغرفة ليبحث عنها ولكن قد استدعى انتباهه صوت شهقات مكتومة، وبكاء خافت..
وقع قلبه بين قدميه وهي ليست أمامه إذًا أين هي؟ توجه خلف الصوت الذي تتبعه ليعلم أين هي متواجدة وقد أخذته قدميه إلى شرفة غرفة نومهم، وجدها تجلس خلف باب الشرفة على الأرضية الرخامية تعطي ظهرها إليه منحنية على نفسها في جلستها وهي تضم إلى صدرها صورة والدتها إليها وتبكي بشدة محاولة كتم صوت بكائها بيدها..
قلبه بات منكسرًا من رؤية ملاكه هكذا، تملكه الضعف مرة أخرى وباتت ملامحه حزينة للغاية، يشعر وكأن قلبه ينقسم نصفين بسببها، بسبب دموعها ومظهرها هذا
ذهب ليقف إلى جوارها ومن ثم جلس على عقبيه لينظر إليها بهدوء وحنان هذه المرة، بينما هي رفعت نظرها إليه لترى نظرة داعمة منه، رفعت كف يدها لتزيل دموعها ولكنه كان الأسرع لـ يمد يده إلى وجهها يزيل دموع عينيها برقة من أعلى وجنييها، شددت هي بيدها على الصورة التي بين يديها في محاولة منها لمدارة الرعشة التي اعترتها وقد شعر هو برجفتها ليبتسم بهدوء..
جلس أمامها واعتدل في جلسته ليواجهها، أخذ نفسٍ عميقٍ ثم أخرجه مرة أخرى، نظر إليها بهدوء والحنان يفيض من عينيه لا تدري كيف! ثم تحدث بهمس:
-ممكن متعيطيش كده تاني.. مبحبش أشوفك كده
اعترتها الصدمة من حديثه الغير متوقع! هل هذا هو "يزيد الراجحي" الذي كان يلقي أي حديث حتى وإن لم يكن يعرف معناه، مؤكد استمعت إليه خطأ هو ليس بهذه الرقة..
استمعت إليه يكمل باقي حديثه بعدما تنحنح وقال بجدية هذه المرة:
-أنا عارف أن أمي ضايقتك، أنا آسف بالنيابة عنها.. بس هي ست كبيرة وده طبعها هي كده دايمًا.. أنا اتكلمت معاها ومش هضايقك تاني 
تحدثت هذه المرة ولم تصمت، ستتحدث من الآن وصاعدًا يكفي ما مر ولم تجني منه شيء غير الحزن والقهر، قالت له بصوت ضعيف من كثرة البكاء:
-لأ هي مش كده.. هي معايا أنا بس كده مع إيمان كويسه وزي الفل أنا بس اللي كده، أنا من يوم ما جيت هنا ومعترضتش على أي حاجة هي عايزاها بس هي بتتعمد تعمل كده والله 
نكس رأسه بحزن هو يعلم أن حديثها صحيح والدته تتعمد أن تفعل ما يزعجها، رفع وجهه إليها مرةٍ أخرى ينظر إلى عينيها التي تحمل خيوط حمراء مع لونها ثم تحدث بجدية قائلًا: 
-خلاص يا مروة أنا اتكلمت معاها وهي مش هتعملك حاجه تاني.. ولو عملت أنا هتصرف المهم أنا مش عايز أشوفك كده تاني، ماشي؟
نظرت إليه باستغراب شديد لا تعلم ما هذا التحول الذي طرأ عليه، دعمها بعينيه لتجيبه بالموافقة وهي تفكر في هذا التغير الشديد الذي ربما يصحبها معه.. 
                  __________________
ضعف غريب يعتريه عندما يراها تبكي، وكأن صدره ينطبق على قلبه ليسحقه، أو كأن خنجر قدر ضربه بالمنتصف، لا يعلم ولكن لا يريد رؤيتها هكذا أبدًا، هو إلى الآن لا يدري كيف ستسير حياته معها، لم يضع مخطط إلى الآن، كيف ستكون زوجته وبينهم حيلة، كيف سيحدث وهو لا ينام بسبب ما يقوله إليه ضميره، إنه معذب بسببها، بسبب عائلته، حتى لا يدري كيفية التفكير بشكل صحيح، إنه يأتي من هنا إلى هناك وبدون فائدة، ماذا لو كانت الملاك الخاص به وحدة، الملاك الذي رآه في وسط الحقول الخضراء ومن ثم تقدم لخطبتها والزواج منها! ألم يكن أسهل من كل ذلك؟..
منذ يوم الزفاف وهو يتحدث معها كما الغربيون عن بعضهم، ربما الصمت هو المسيطر بينهم، منذ ذلك اليوم وقد علم ما فعلته والدته بمساعدة "إيمان"، هو لم يكن يدري أنها ستفعل ذلك ولكنه أيضًا عاتبها وبشدة، جعلها تشعر بما فعلته ولكن والدته كما هي وربما تسوء أكتر..
يعلم أن زوجته ليس لها يد بكل ما حدث في الماضي أو حتى الحاضر ولكن قد وقع الإختيار عليها لتكن هي الضحية بينهم، قد عزم أمره من البداية على جلب حق الجميع ولو على نهايته ولكن هي! هي تستحوذ على تفكيره ببراءة وطيبةٍ لم يراها قد، تستغيذ به في أوقات حاجتها وكأنها تتناسى حديثها معه عن أن حياتها دُمرت بسببه، لا يعلم هل هي عفوية للغاية أم مثله تفكر وتفكر وتفكر به كما يفعل..
نظر إلى السماء الذي يحتل مظهرها الغروب، وضع يد في جيب بنطاله والأخرى على فمه ممسكًا بها سيجارة مشتعلة يدخنها، ومن ثم فكر مرة أخرى وهو يحاول ترتيب أفكاره هذه المرة ليتوصل إلى شيء كان يريده من أول لقاء بينهم، لم يريد غير ذلك وقد ألقاه عليه صوت قلبه الذي يريد قربها أكثر من أي شيء آخر، ليقرر بالنهاية أنه سيأخذ هدنة ليرى ما الذي سيحدث بينهم..
              ______________________
كان الجميع في منزل عائلة "طوبار" يجلسون على طاولة الطعام، "نصر طوبار" وابنته، أخيه وزوجته وابنه، كل منهم يأكل بصمت وهدوء وهو شارد فيما يخصه إلى أن تحدث "نصر" بجدية بعد أن رفع وجهه مقابلًا لأخيه:
-عايزين نروح لمروة بإذن الله علشان أسافر أنا وميار  
تحدث أخيه بجدية هو الآخر مجيبًا إياه وهو يترك الملعقة على طاولة الطعام: 
-ما تخليكم هنا بقى يا نصر هتروحوا هناك لمين 
أجابته "ميار" بابتسامة مصتنعه وهي تنظر إليه بهدوء:
-لأ معلش يا عمي إحنا حياتنا هناك والصيدلية بتاعتي بردو 
تنفس بعمق ثم أجابهم بهدوء:
-طيب زي ما تحبوا نبقى نروح نطمن على مروة بكرة في بيت الراجحي 
استمع إلى تلك الكلمات التي هبطت على مسامعه كـ القنابل المتفجرة، تذكر ابن "الراجحي" فور نطق والده لاسم العائلة تلك، هو لا يبغض بحياته غيرهم، ولما لا فقد دمروا سعادته وسعادة حبيبته التي من المفترض أن تكن له هو وحده، سلبوا منه حب حياته في لحظةٍ واحدة ليبقى مُشتت هكذا تأكله النيران من الداخل لمجرد التذكر..
ألقى الملعقة بعصبية ثم دفع المقعد من خلفه ووقف ليذهب إلى خارج المنزل منفعل بشدة وقد علم الجميع ما يمر به، نكس والده رأسه بحزن عليه بينما وقفت "ميار" سريعًا وخرجت خلفه..
ذهبت خلفه تناديه إلى أن وقف بجنينة المنزل الكبيرة يوليها ظهره، وقفت هي خلفه، أخذت نفسٍ عميقٍ ثم أخرجته وتحدثت بهدوء مصتنع قائلة:
-قمت كده ليه؟
وضع يديه بجيب بنطاله وزفر بضيق شديد يحتل كل خلايا جسده وهتف بضيق قائلًا:
-عايز اشم هوا نضيف 
ابتسمت بسخرية جلية ثم جذبته من ذراع يده الأيمن ليستدير إليها ويكن في مقابلتها، وضعت يدها أمام صدرها وتحدثت بحزم وجدية وهي تعلم ما الذي يمر به ويجعلها تحزن لحظها العثر أيضًا:
-لأ أنتَ قمت علشان اضايقت لما جت سيرة مروة وعيلة الراجحي صح؟ أكيد صح 
تغيرت ملامح وجهه من الضيق إلى الغضب، فقد كان في قمة غضبه وهو لم يفعل شيء لها، لم يوقفهم، لم يدافع عنها ولم يستطيع فعل شيء، الغضب بداخله من نفسه ومن الجميع..
تريثت "ميار" ثم عادت الحديث مرة أخرى بجدية شديدة حتى يفهم ما الذي يحدث من حوله:
-تامر..! مروة خلاص اتجوزت، خلاص بح مفيش مروة هنا، أرجوك أبعد عنها وانساها ومتعملهاش مشاكل كفاية اللي هي فيه أرجوك
ابتسم بسخرية بعدما استمع لحديثها هي تظن أنه يؤذيها!؟ غبية هذه "الفتاة"، تحدث بهدوء وابتسامة تزين ثغره:
-أنا أقدر أؤذي مروة؟ أنتِ عارفه أنتِ بتقولي ايه؟ ده طبعًا مستحيل إني أعمله... هو خلاص زي ما قولتي ربنا يسعدها في حياتها 
ابتسمت إليه بـ ائتمان وقد صدقت حديثه وهناك آمل طفيف داخلها كي يشعر هو بمن حوله، استدارت وعادت إلى الداخل مرة أخرى بينما تركته هو يقف مُبتسم على تلك الساذجة التي صدقته على الفور، إلى الآن لم يستطيع أحد أن يعلم ما فعله، لم يستطيعوا أن يجدوا صاحب الرقم الغير مسجل، ومن غيره فقد كان دهائه هو الذي جعله يفعل ذلك..
وقف شاردًا يتذكر ذلك اليوم الذي كانت حرقة قلبه تكاد تقتله فيه، عندما أخذها "يزيد" ليأتي بفستان زفاف لها، قد وجدها الفرصة المناسبة لتنفيذ خطته التي لم تنجح بنظره فقد كان في وقت سابق ابتاع خطٍ غير مسجل حتى لا يعلم أحد إلى من هو وقد سجل رقم الخط على هاتف "مروة" بإسم "حبيبي" وهي لم تلحظ ذلك ففي وقتها تحجج بأنه يريد رؤية شيء في إعدادات هاتفها وقد فعلها ومن ثم عندما ذهبت مع "يزيد" قام بإرسال رسائل كثيرة لتزعجها وتزعجه وحتى يلاحظ أن هناك شيء غير طبيعي بينهم ولم يكن يعلم أن "يزيد" هو من رأها أولًا فقد اعتقد أنه لم يرى شيئًا..
عاد من شروده وهو يفكر مرة أخرى، عليه أن يفعل شيئًا ليفعل ما يحلو له..
               __________________
لقد عبرت الساعة بعد منتصف الليل بقليل ولم يعد إلى الآن، لقد ودع أصدقائه منذ ساعات إذًا أين هو؟ لم تستطع النوم فقد كانت تتململ كل ثانية والنوم قد ذهب من عينيها لتبقى هكذا، ذهبت إلى شاشة التلفاز وجلست أمامها، حاولت أن تركز بما يُعرض أمامها ولكن دون جدوى عقلها يذهب إلى ذلك الشخص الذي لم يأتي إلى الآن.. 
وقفت على قدميها فجأة ونظرت إلى ملابسها المكونة من بنطال بيتي لونه أسود يعلوه قميصٍ من نفس اللون وبه بعض النقاط باللون الأبيض، توجهت إلى دولاب الملابس وفتحت دلفتها لتأخذ وشاح كبير من اللون الأخضر كما لون عينيها الآن..
لفت الوشاح حول كتفيها فقد كان الجو بارد قليلًا، خرجت من الغرفة بهدوء وهبطت الدرج بحذر حتى لا تصادف أحد من الذين تبغضهم في ذلك المنزل، إلى أن خرجت حيث الحديقة الكبيرة، أخذت تسير بها وهي واضعة يدها أمام صدرها، ربما يساعدها هذا الهدوء في التفكير بحياتها!.. 
إذًا لتفكر.. ولكن قد استمعت إلى صوت يأتي من بعيد نسبيًا، ذهبت على حذر إلى مكان الصوت وهي تفكر ربما أن يكون "يزيد"، سارت بحذر إلى هناك ولم ترى أحدًا، حاولت أن تبحث بعينيها ولكن لم يكن هناك أحد حقًا، استدارت لتعود مرة أخرى ولكن خرجت منها صرخة مدوية قد يكون استمع إليها كل من في المنزل ولكن وضع "يزيد" يده سريعًا على فمها ساحبًا إياها من الخلف لتستند بظهرها على صدره..
تحدث في أذنها بخفوت وهو يضع يده على فمها مانعًا إياها من الصراخ:
-اهدي مفيش حاجه تخوف، ده ليل 
كان جسدها بأكمله يرتجف من هول المظهر الذي رأته، فقد استدارت لتعود مرة أخرى ولكن قد رأت كائن أسود اللون، لا ليس بأسود أنه حالك السواد، قاتم بشدة وقد اخافها بل كانت مذعورة منه، جسدها يرتجف بسبب الصدمة التي تعرضت إليها..
تحدث "يزيد" مرة أخرى بعد أن أخفض يده عن فمها وجعلها تستدير إليه ليواجهها قائلًا بابتسامة تعتلي شفتيه:
-أنتِ جبانه أوي كده؟ ده ليل حصاني خايفه من ايه 
نظرت إلى ابتسامته التي لا تعلم من أين أتت، لتتحدث بخفوت وهي تقترب منه عندما وجدت أن الحصان يقترب منها: 
-أنا... أنا بس اتخضيت مكنتش متوقعة ألاقي حاجه في وشي كده، وبعدين ده شكله يخوف أوي 
لاحظ اقترابها منه بسبب تقدم "ليل"، أمسك كف يدها بين يديه وسار ناحيته وهو يقول بهدوء: 
-لأ متقوليش كده.. ليل مش بيخوف حد هو بس ممكن علشان أنتِ أول مرة تشوفيه
تمتمت من بين شفتيها بسخرية وهي تراه يتقدم منه: 
-وأخر مرة إن شاء الله 
استمعت إلى ضحكاته التي شقت سكون الليل، يا له من مظهر رائع، أنه يحمل وسامة لم تراها من قبل، هو لماذا لا يضحك هكذا دومًا، إن ضحكته تداوي جروح، ابتسم إليها بمكر ونظرة لعوب ثم تحدث قائلًا:
-وأخر مرة ليه؟ مش يمكن تحبيه بعد ما تجربي.. تعالى أعرفك عليه 
حاولت سحب يدها منه معارضه حديثه بشدة ثم قالت بصوت غير مفهوم وكلمات غير مترابطة: 
-لأ.. لأ، بص.. يزيد أصل.. أنا لأ مش هعرف، مش بتاعة خيول أنا.. أصل بص بس هقولك استنى 
وقف ينظر إليها محاولًا حجب تلك الضحكات التي يريد أن يترك صراحها لـ تدوي في أرجاء المكان، فقد كان مظهرها هذا محبب إلى قلبه بالإضافة إلى حركاتها وتلك الكلمات التي لم تستطيع إخراجها جعله يريد الضحك بشدة..
أخذت نفسٍ عميقٍ ثم نظرت إليه بخجل وإلى يدها الذي مازالت بين يده، رفعت نظرها إلى عينيه ذات اللون الزيتوني لتقول بخفوت:
-أنا عمري ما ركبت خيل ومش بعرف أتصرف في المواقف دي وأنا أصلًا مش عايزه أروح عنده ده شكله يخوف أوي
اقترب منها إلى حدٍ كبير ومازالت يدها بين يده، رفع كف يده الآخر إلى وجنتها ليمرره عليها بحنان بالغ، ومن ثم تحدث بخفوت وعينيه تمرر نظراتها على شفتيها وملامح وجهها بأكمله لتستقر على عينيها ذات اللون الأخضر، تحدث بخفوت وصوت أجش: 
-أنا معاكي هنول الشرف وأكون أول واحد تركبي معاه الخيل وهعلمك إزاي تتصرفي في المواقف دي
هل هو قال ما استمعت إليه منذ لحظات أم أنها تتخيل فقط؟ أنه تغزل بها حقًا، لقد قال كلمات بسيطة ولكن أثرها دائم عليها، أحمرت وجنتيها بشدة، لقد خجلت أكثر من السابق
استكمل حديثه قائلًا بهدوء وابتسامة:
-وكمان ليل مش بيخوف هو بس شكله مُهيب تحسيه شايل قساوه وممكن يؤذيكي لكن هو مش كده أبدًا  
خرجت منها كلماتها بعفوية وصدق دون دراية منها بعد أن استكمل حديثه:
-يعني زيك
ابتسم باتساع وهو يدير وجهه للناحية الأخرى فهي إذًا تراه هكذا!.. عاد بنظرة إلى عينيها ومن ثم تحدث بهدوء وصوت أجش يبعث القشعريرة داخل أنحاء جسدها:
-هو أنتِ لون عينيكي ايه؟ شويه أشوفها لون البحر وشويه تكون لون الزيتون وشويه لون الخضرة
نكست رأسها للأسفل تبتسم بخفوت وخجل ثم رفعت رأسها تنظر إليه وتحدثت قائلة بهمس يكاد أن يُسمع:
-ودلوقتي لونها أي
-لونها أخضر، زي خضرة الأرض بالظبط بتخلي الواحد يتوه جواها 
سعدت كثيرًا بحديثه ومصارحته هذه فقد كانت تحتاج إلى ذلك وبشدة، تريد شيئًا يخرجها من قوقعة أفكارها، ابتسمت إليه وقالت بهدوء خجل:
-على فكرة أنتَ كمان عيونك كده.. شوية زرقا وشوية خضرا
نظر إلى شفتيها التي تتحدث بخفوت، تجذبه إليها بملامحها وجمالها الرقيق، اقترب أكثر منها حتى قطع جميع المسافات بينهم وأصبح ملتصقًا بها، يده تذهب ناحية شفتيها يمررها عليها ببطء، تحدث بخفوت أمام وجهها متسائلًا: 
-ولونها ايه دلوقتي؟
نظرت إلى الأرض من تحت قدمها، وجهها سينفجر من الخجل وما يفعله، ولكنها سعيدة بقربه وحديثه، سعيدة بتواجده جوارها، تحدثت قائلة وهي تنظر إلى الأرض:
-لونها أزرق 
سألها مرة أخرى وهو على وضعه قائلًا:
-طب تفتكري ليه بيتغير لونها؟ 
أجابته دون أن تأخذ وقت للتفكير قائلة بهدوء شديد وابتسامة تزين شفتيها وهي تنظر إلى الأسفل كما كانت:
-ممكن علشان أنتَ لابس تيشرت أزرق أحيانًا لون العيون بيتغير مع اللبس وكمان أنا لابسه الشال أخضر ولونهم أخضر زي أنتَ ما قولت
صمتت لبرهة ووجدته لم يتحدث بعد، رفعت وجهها لتنظر إليه وقد رأت بعينيه رغبة شديدة، تظهر كـ وضوح الشمس في النهار، لم يُمهلها الفرصة للتحدث مرة أخرى فقد كان قد أخذ شفتيها في قبلة رقيقة تحمل بين طياتها الحب والحنان، الحب الخفي بين قلبين واحدًا منه يُكابر والآخر لم يعلم بعد أن هناك حبٍ وشغف يعتريه..
                       _________________ 
"بعد أسبوع"
نظرت خلفها لتجذب ملابسها ولكنها اكتشفت أنها لم تدخلها المرحاض معها، تذكرت أنها وضعتهم على الفراش بالخارج بعد أن أخرجتهم من الدولاب، أخذت رداء المرحاض ذو اللون الأبيض الطويل ارتدته وأحكمت إغلاقه حول جسدها، ثم خرجت من المرحاض متجهة إلى داخل غرفة النوم لتبدل ثيابها الذي تركتها بالداخل، دلفت إلى الغرفة وذهبت إلى المرآة المتواجدة بها لتقف أمامها ومن ثم التقتت مجفف الشعر من عليها لتبدأ في تجفيف خصلاتها ولكن وجدت من اقتحم الغرفة دون إنذار..
استدارت سريعًا لتراه يقف أمامها بعد أن ولج الغرفة، يرى وجهها نقي أبيض، عيناها زرقاء، شفتاها الوردية التي لا تفشل في جذبه إليها، يرى خصلاتها ينسدل منها بعض قطرات الماء تنحدر على عنقها المرمري لتستقر أعلى صدرها أو تختفي خلف الرداء الطويل هذا، تظهر ساقيها من الأسفل ليراها أمامه بسخاء واضح، نظر إليها من الأعلى إلى الأسفل وكأن عيناه لا تشبع من رؤيتها، أو كأنها لوحة غالية الثمن لا يستطيع شرائها ولكن مباح له النظر إليها والتمتع بها من بعيد..
نظرت هي إليه وقد وجدت نظراته تحمل تلك الرغبة التي رأتها من قبل، ينظر إليها وكأنها آخر نساء الأرض، ألم تقُل قبل أن نظراته تعمل على خجلها وارتباكها؟ إذًا الآن تقول إنها تقتلها خجلًا، لا تستطيع النظر إلى عينيه مباشرةً فنظراته تجعلها تود أن تفتح الأرض بابها وتأخذها للداخل دون عودة..
ذهبت فجأة من أمامه متجهة إلى المرحاض مرة أخرى بعد أن وجدت أنه يقترب منها ولكنها لم تسطيع فعلها، أعاق "يزيد" طريقها إلى المرحاض ووقف أمامها مبتسمًا ببلاهة وقد تجرأت يده مرة أخرى ووضعها خلف خصرها ليقربها منه، بينما شهقت هي وأحمرت وجنتيها أكثر من السابق ثم حاولت أن تبتعد عنه دافعه إياه بيدها ولكنه أحكم قبضة يده اليمنى على يدها ويده اليسرى كانت خلف ظهرها توضع على خصرها مقربها منه إلى أبعد حد..
أقترب بوجهه منها ثم تحدث جوار أذنها بخفوت وصوت رجولي أجش:
-بتبعدي ليه؟ البعد وحش أوي يا مروتي 
وجدت نفسها تُجيبه بخفوت وصوت رقيق يحمل الأنوثة بين طياته: 
-أنا مش ببعد يا يزيد 
صوتها، ضعفها في قربه يجعله أسعد رجال العالم، إذًا هي لا تريد البعد بل القرب، القرب الشديد ليكون لها ما تريد وهو الآخر لا يريد غير ذلك، استنشق الرائحة التي بجسدها وخصلاتها، هي رائحة الياسمين نفس تلك الرائحة التي وجدها بشالها الأزرق مثل عينيها، ابتسم باتساع وقد شعرت بابتسامته لتتساءل بداخلها على سبب الابتسامة هذه ولكنه لم يجعلها تنتظر كثيرًا وتحدث قائلًا بهدوء:
-ريحة الياسمين دي جميلة ورقيقة زيك 
إذًا لتبتسم هي الأخرى ولما لا فـ ابن عائلة "الراجحي" تغير ويوم بعد يوم يقترب منها ويغازلها لتبتسم وتسعد ربما تكن هذه بداية السعادة معه..
تريث "يزيد" ثم عاد إلى الخلف قليلًا ويده خلف ظهرها كما هي ولكن اليد الآخرى حررت ذراعيها لتستقر فوق وجنتها، قال بهدوء شديد وابتسامة تزين ثغره:
-بالليل هتركبي الخيل زي ما اتفقنا! ولا رجعتي في كلامك؟
-لأ مرجعتش في كلامي 
ابتسم بهدوء وهو ينظر لشفتيها، كان على وشك تقبيلها ولكنها فرت منه في لمح البصر متوجهة إلى داخل المرحاض مغلقة بابه عليها تحتمي من نظراته وكلماته التي تزيدها خجلًا، لا تدري هل هكذا ستبدأ حياتها معه، أم هو يريد شيء آخر؟.. سريعًا محت ذلك التفكير من رأسها فهو إلى الآن لم يفعل ما يدل على ذلك ولم يطالب بأي شيء لتعيش معه هذه الأيام بسعادة وتحاول تقبل الأمور وتغيرها، فهو يجذبها إليه بكل تفاصيله، يجذبها إليه منذ اليوم الأول برجولته وحديثه وملامحه وكل شيء فيه يجعلها تود أن تصرخ وتقول إنه "يزيد الراجحي" بكل ما فيه زوجي دون عنجهيته وقساوته التي رأتها في مقتبل تعرفهم على بعض دون غروره الذي اختفى منذ أيام..
               ____________________
تواجد ثلاثة مدبرين لخراب علاقة، وهدم حب، وخلق كرهٍ مع بعضهم البعض، كل منهم يفكر فيما يريد هو وكيف سيكون انتقامه،
تحدث كبير عائلتهم "سابت" قائلًا بجدية شديدة وهو يعتدل في جلسته على مقعد مكتبه:
-لازم تتكلم مع أخوك يا فاروق علشان يعجل ويخلصنا، إحنا مش عايزين مماطله عايزين الناهيه 
أجابه ابن أخيه الأكبر وهو يومأ برأسه مؤكدًا على كلماته: 
-عندك حق يا عمي خلينا نخلص 
نظرت "نجية" إلى شقيق زوجها الراحل وتحدثت قائلة وهي تتساءل باستغراب: 
-بس تفتكروا يعني بت طوبار هتعملها كده بالساهل؟
نظر إليها "سابت" ثم ابتسم بسخرية جلية وواضحة ليقول بتهكم مجيبًا إياها: 
-اومال إحنا اختارنا يزيد ليه يا نجية؟ يزيد هو اللي يقدر عليها وهيعرف يعمل كده 
تهكمت هي الأخرى في حديثها وقالت وهي تنهض من على المقعد: 
-ده لو مضحكتش عليه يا أبو زاهر  
استغرب من حديثها عن "يزيد" فهو ماكر، ذكي، يعلم كيف يفعل ما يريد دون خسائر، تحدث متسائلًا: 
-كيف يعني؟ 
عندما طال صمتها تسأل ابنها الأكبر أيضًا متوجسًا من حديثها القادم:
-ما تقولي يا حجه كيف
ضيقت ما بين حاجبيها وقد لاحت القسوة في نبرتها وهي تقول مشيرة بيدها:
-البت بتتمسكن، عامله مكسورة الجناح مهما عملنا فيها أنا ولا إيمان ساكته مبتردش معملتهاش غير مرة لما جبت سيرة أمها
استغرب "فاروق" من حديثها الذي لا يمت بصلة إلى ما يتحدثون به الآن ليقول دون صبر زافرًا: 
-وده داخله ايه فينا دلوقت 
ابتسمت بسخرية إليه وإلى عمه لتقول بحدة وهي تتقدم منهم: 
-يزيد طيب ومايجيش على مظلوم وإذا كان اللي بيعمله دلوقت علشان يرد حقنا فهو وافق غصب لما ضغطنا عليه.. هي لما تتمسكن وتتغنج عليه هيقف مع مين وقتيها مع مراته ولا معانا إحنا وهي قدامه ضعيفة ومكسورة
ابتسم "سابت" على حديثها وما قالته فقد أتت بنقطة لم يراها من قبل ولم يفكر بها ليتحدث بشرود قائلًا: 
-سيبكم انتوا منها دلوقت 
نظر أمامه بشرود وهو يفكر ما الذي سيحدث عندما يجلب له يزيد ما يريد؟..
                ___________________
جلست في صالون المنزل مع "يسرى" كما اعتادت أن تفعل، تتحدث معها في أمور عدة، تقوي رابط الصداقة بينهم، محاولة أيضًا أن تبتعد كل البعد عن والدة زوجها وزوجة ابنها لتسلم من حديثهم الغير مرغوب ونظراتهم الغير مريحة..
استمعوا إلى صوت ضوضاء في ردهة المنزل لتخرج "يسرى" و "مروة" معها ليروا ما الذي يحدث في الخارج..
عندما خرجت "مروة" من باب الغرفة شهقت عاليًا مُبتسمة بسعادة غامرة وركضت سريعًا تجاه والدها الذي استقبلها داخل أحضانه..
شعرت بالدفء والحنان داخل أحضان والدها من جديد لتخرج دموعها تجري على وجنتيها بهدوء، ابتعد عنها والدها متسائلًا بابتسامة:
-ليه الدموع دلوقتي يا بنتي؟
أجابته وهي تزيلهم من على وجنتيها مبتسمة بهدوء:
-دموع الفرح يا بابا
تقدمت من شقيقتها لتحتضنها هي الأخرى باشتياق جارف، فهي فقدت جو الأمان مع هذه العائلة ولم تشعر به قد إلا مع "يزيد" و "يسرى"، ابتعدت عنها وسلمت أيضًا على زوجة عمها التي كانت لها بمثابة الأم بعد رحيل والدتها..
جلس الجميع بعد أن سلمت عليهم "يسرى" وأتى إليهم "يزيد" ليرحب بهم في منزله، لو كان أتى إليه أحد وأخبره أنه سيفعل ذلك مع عائلة "طوبار" لدعاه بالجنون ولكنه فعلها حقًا، كل ذلك من أجلها، من أجلها هي فقط..
لحظات جميلة مرت عليهم سويًا ولكن كانت فقط بضع لحظات!.. ودلف إلى الغرفة مَن عليهم تعكير الأجواء وتشويه النفوس..
ابتسمت والدته بسخرية واضحة وهي تدلف إلى الغرفة وتحدثت بتهكم وعنجهية: 
-والله عشت وشوفت عيلة طوبار في بيت الراجحي
نظرت "مروة" إلى "يزيد" تستغيث به، وهو فهم طلبها، لا تود أن تعكر الأجواء بين أهلها أو تشعرهم بالإهانة لتواجدهم في منزل زوجها ولكن والدته لا تفوت أي فرصة إلا وعملت بيها
قدمتها إليهم "مروة" بتوتر وتردد كبير سيطر على ملامحها وقد لاحظة البعض:
-والدة يزيد وإيمان مرات أخوه الكبير 
ابتسم إليها الجميع باقتضاب فقد ظهرت نواياها حتى وإن لم تتحدث كثيرًا فيكفي نظرتها..
نظر "يزيد" إلى والدته بتحذير وقد فهمت ما يرمي إليه لتصمت بعد أن كانت هذه الفرصة لا تفوت بالنسبة إليها، فقد كانت عائلة "طوبار" في منزلها تحت يديها، كانت ستتفن في اهانتهم ولكن لا تستطيع ردع "يزيد" عن ما في رأسه ولا تستطيع مخالفته في هذه الأوقات بالتحديد..
بعد أن جلسوا مع بعضهم وقضوا وقت ممتع وتبادلت كل من "ميار" و "يسرى" أرقام الهواتف تحدثت زوجة عم "مروة" أمام الجميع بعد أن اوشكوا على الرحيل، قدمت إليها يدها التي كانت تحمل علبة هدايا متوسطة الحجم بهدوء قائلة:
-دي يا حبيبتي هدية تامر علشان مقدرش يجي معانا 
من تلقاء نفسها نظرت إلى يزيد الذي وجدته يقبض على كف يده بعصبية فور أن استمع إلى تلك الكلمات، فهذا الذي يدعى "تامر" يريد أن يلقنه درسًا ولكنه لم يحذر..
أخذت مروة العلبة من زوجة عمها ووضعتها جانبًا بينما قاموا ليغادرون وقد حجبت عيني مروة غمامة من الدموع الحبيسة متسائلة: 
-خلاص هترجعوا القاهرة وتسيبوني لوحدي
تقدم منها والدها الذي تحدث بجدية وحنان:
-لوحدك ايه بس يا حبيبتي مع أنتِ معاكي يزيد وأهله وكمان عمك وابن عمك هنا
تقدمت منها شقيقتها أيضًا محتضنه إياها لتودعها ثم قالت مبتسمة بهدوء: 
-وبعدين يا مروة دا أنتِ عندك أخت تانية هنا اهو ولا ايه يا يسرى
ابتسمت "يسرى" واجابتها بحماسٍ كبير قائلة:
-أكيد طبعًا مرة أكتر من أختي
ابتسمت "مروة" بهدوء بعد أن نظرت إلى "يزيد" لتراه منشغلًا بالحديث مع والدها، تدعي في نفسها بأن لا يسأل عن أي شيء يخص "تامر" فقد رأت الغضب بعينيه وهي قد تعرفت عليه به منذ اليوم الأول..
                  __________________
شعرت بالخوف كلما رأته يتقدم منها وهو معه، حقًا دون مبالغة تخاف منه، هو مخيف للغاية، غير أنها لم تتعامل معهم من قبل ولا تعلم كيف ستفعلها، هي فقط ستعتذر وتذهب إلى غرفتها وتتركه مع حصانه يفعل ما يحلو له..
انتزعها من أفكارها وهو يقول بابتسامة مشرقة تعتلي وجهه بينما يمسك بيده لجام حصانه:
-ايه خوفتي تاني؟
عادت للخلف خطوة وهي تنظر إلى الحصان تارة وإلى زوجها تارة أخرى لتقول أخيرًا بخفوت وصوت هادئ متردد:
-أنا رجعت في كلامي، بجد شكله يخوف أوي أنتَ إزاي بتتعامل معاه 
اقترب هو منها خطوة ثم أمسك بيدها وتحدث قائلًا بجدية: 
-هو بعيد عن إنك خايفة وأنتِ معايا بس ليل ده حصاني من زمان أوي وبصراحة كمان بحسه صاحبي وأحيانًا بشكيله همي 
نظرت إليه بهدوء وهي تستمع إلى كلماته وتشعر بصخب في داخلها من تقلباته وكم المعلومات التي إلى الآن لا تعرفها عنه، جذبها لتتقدم منه وجعلها تقف أمام جسده لتكن في مواجهة "ليل" الذي يقف هو الآخر أمامهم، استدارت سريعًا بجسدها لتخفي وجهها في صدر "يزيد" عندما شعرت أنها قريبة للغاية من ذلك الحصان غريب الأطوار الذي خافت من نظراته عن قرب وكأنه يتوعد لها..
شعور غريب احتل كيانه عندما دفنت وجهها في صدره متمسكه بملابسه وتحتمي به، هل هذا شعور الفرح والسعادة أم الشغف والحب أم ماذا؟ شعور لا يستطيع وصفه ولن يستطيع..
أبعدها عنه بخفه وهو ينظر إلى وجهها الذي تزينه حمرة الخجل وهتف قائلًا بحنان وهدوء:
-متخافيش أنا معاكي وهو أصلًا مش هيعملك حاجه... يلا هاتي إيدك كده
أمسك بكف يدها وتقدم من حصانه ليضعها بهدوء على رأسه تمسد عليها ويده هو الآخر تعتلي يدها ليمدها بالأمان، ثم جذب يدها مرة أخرى ووضع بها ثمرة من الجزر لتنظر إلى كف يدها ومن ثم تنظر إلى وجه "يزيد" الذي رأته يحمل هدوء العالم أجمع..
هتفت بتوتر ويدها ترتجف أعلى يده بينما تنظر إليه بخوف لتجعله يعود عن ما في رأسه:
-لأ مش هعمل كده مستحيل 
ابتسم بمرح وهو يرى خوفها من اللاشيء ليقول وهو يربت على كتفها محاولًا بث الأمان والاطمئنان بداخلها: 
-متخافيش قولتلك وبعدين أنا معاكي 
ثم جذب يدها ليضعها أسفل فم "ليل" حتى تطعمه ولكنها صاحت بتعلثم وعصبية وهتفت بكلمات غير مترابطة: 
-لأ بص استنى، علشان خاطري لأ... أنا بس هقولك... خايفة منه... أنا أصلا غلطانه إني جيت معاك
أغمضت عين وفتحت الأخرى تنظر إلى يدها الذي يأكل منها الحصان لتهدأ قليلًا عندما وجدته هادئ لا يفعل شيء، انتهى "ليل" لينظر إليها "يزيد" بهدوء قائلًا: 
-اهو ولا أكل ايدك ولا حاجه 
نظرت إلى الأرض بخجل فهي لا تستطيع التحكم بخوفها منه، أنه مُخيف لأي شخص سواه لأنه صاحبه..
رفع وجهها إليه بعد أن وضع سبابته أسفل ذقنها ليقول بصوت خافت وهو ينظر إلى عينيها تارة وشفتيها تارة أخرى:
-نركب عليه بقى؟ من غير خوف 
اومأت إليه بهدوء ليصعد هو عليه سريعًا ثم مد إليها يده مساعدًا إياها على الصعود إليه، اجلسها أمامه ولم يكن هناك فاصل بينهم فقد كانت تشعر بجسده خلفها مباشرة، لم تكن تعتقد أنه سيصعد عليه أيضًا معها، توترت كثيرًا من قربه هذا ومرت قشعريرة خفيفة في جسدها..
بينما هو يشعر بحرارة تندلع بداخله من ذلك القرب اللعين من لوحته الفنية التي لا يستطيع الإقتراب منها أكثر من ذلك، أحاط بيده جسدها ليمسك لجام الحصان الذي بدأ في السير بهدوء ثم هتف بأذنها بهدوء وهو يستنشق رائحة الياسمين الممزوج بأنوثتها:
-شدي ضهرك ومتتوتريش 
فعلت كما قال لها بهدوء ثم وضعت يدها على يده الموضوعة أمامها ملتفه على جسدها، شعرت به يضع ذقنه أعلى كتفها محاولًا إلهاء عقلها عن الخوف ولكنه لم يكن يعرف أنه هكذا يجعلها تشعر بالتوتر كما يحدث في قربه دومًا، استمعت إليه يهتف أمرًا: 
 -متلبسيش البلوزة دي تاني
استغربت حديثه ثم استدارت قليلًا بوجهها لتواجهة سائلة إياه عن السبب لقول ذلك، أجابها هو وهو ينظر إلى مقدمة فتحتها دون خجل: 
-فتحة صدرها واسعة أوي
استدارت لتنظر أمامها سريعًا دون أن تتحدث مرة أخرى وقد رأته وهو ينظر عليها ليأكد حديثه، صمت بعض الوقت وهم يسيرون بحصانه بين الأراضي ليقول متسائلًا بابتسامة:
-كان عندك معرض في القاهرة؟
ابتسمت بهدوء متذكرة معرضها الذي اضطرت بإغلاقه لتأتي إلى هنا، وتذكرت موهبتها ومهنتها التي تركتها منذ أن وضعت قدمها في هذه البلدة:
-أيوه 
تسائل من جديد قائلًا بحماس وهو يشدد يده من حولها:
-كنتي بتحبي الرسم
ابتسمت مرة أخرى باتساع وأجابته قائلة بجدية وشغف وهي تتحدث: 
-أكيد كنت بحبه أوي كان كل وقتي ضايع على الرسم والمعرض كان شغال كويس جدًا
تريثت قليلًا بعد أن صمتت وتذكرت حديثها مع "يسرى" لتأخذ نفس ثم أخرجته وعاودت الحديث قائلة بجدية متسائلة باستغراب:
 -هو أنتَ فعلًا كل شغلك في مصر؟
تحدث قائلًا بهدوء وهو يستند بذقنه على كتفها بشكل مثير له:
-شغلي وبيتي وكل حياتي هناك أنا كنت باجي هنا إجازات بس 
سألته سريعًا قائلة بجدية وتمنت بداخلها أن ينصاع إلى حديثها لتبتعد عن هنا إلى الأبد:
-طب إحنا ليه هنا دلوقتي، يعني ليه منمشيش من هنا ونقعد في بيتك اللي هناك.. أنا هفرح أوي لو ده حصل، أنا أصلًا مش مرتاحه هنا يا يزيد.. هناك هكون جنب أهلي وهكون أنا وأنتَ بس لوحدنا 
استمع إلى جملتها صحيح!، قالت هما الإثنان فقط! هي تريده فقط!.. شعر بروحه تغمرها السعادة من جديد، كلماتها بسيطة ولكن لها تأثير عليه كما السحر، تحدث بمكر وهو يشدد يده من حولها مبتسمًا ببلاهة:
-يعني أنتِ عايزه نكون أنا وأنتِ لوحدنا؟ 
صدمت من سؤاله هي فقط كانت تشرح له مدى السعادة التي ستكون بها وأنه سيكون معها ولكن قد حدث وهتف لسانها بتلك الكلمات، وجدها صامتة كما هي لم ترد عليه وجسدها بدأ بالارتجاف ليقول مرة أخرى متسائلًا بصوت خافت وهو يقترب من أذنها:
-جاوبيني يا مروة، عايزه أننا نكون سوا لوحدنا 
تريثت قليلًا وهي تنظر أمامها في الفراغ بعد أن أوقف حصانه عن السير ليستمع إلى حديثها الذي ربما يكن هو بداية السعادة لهما معًا، استدارت إليه بكامل وجهها لتكن قريبة منه تستطيع استنشاق أنفاسه تقول بخفوت ونظرة راجية:
-لما نكون بعيد عن إيمان وفاروق و..و.. ووالدتك هيكون أحسن لينا.. هنقدر نبني بيت سوا وهنحاول علشان منفشلش أنتَ في يوم قولتلي أننا اتحطينا في طريق مش بتاعنا لكن مجبورين نكمله سوا لحد ما نوصل للنهاية، بس إحنا ممكن نختار يا يزيد يا نكون مجبرين نكمل الطريق سوا يا نكمله بود وحب واحترام 
ترك اللجام بعد أن انتهت من حديثها ليتمسك بخصرها بيد واليد الأخرى اندست في خصلاتها تقربها منه حتى التقط شفتيها بين خاصته ليأخذ اكسجين الحياة والذي أباح إليه الآن فقط بموافقة كبرى منها، فهو لم يرى طريقة أخرى للرد على حديثها إلا هذه، بينما هي لم تجعله يشعر بأي شيء سوى السعادة عندما لفت يدها حول عنقه مستقبله عاصفته بكل شغف وتصميم على التكملة معه دون الفشل..
تركها بعد عدة لحظات تأخذ أكبر قدر من الهواء لرئتيها فقد انقطعت أنفاسها أثناء تلك القبلة الدامية، وضعت وجهها بالأرض بسبب خجلها منه ومن الذي يفعله بها، بينما هو تحدث بانزعاج وضيق من كثرة رنات رسائل هاتفها الذي بجيب بنطالها ليقول بضيق وهو يهبط من على الحصان بعد أن عاد به إلى المنزل:
-موبايلك ده فصيل أوي 
ساعدها في النزول من أعلى الحصان ثم تحدث بهدوء وجدية وهو يشير إلى المنزل: 
-روحي اطلعي أنا هدخل ليل وجاي
اومأت إليه بالايجاب وذهبت من أمامه بينما هو أخذ "ليل" ليذهب به إلى مكانه في الإسطبل
             ____________________
وقفت خلف باب الغرفة وقلبها يدق بعنف من هول ما تعرضت إليه على يده، رفعت يدها إلى شفتيها تتحسسها بابتسامة عزبة وكأن كل ما يفعله بات يروقها، لقد شعرت بشيء غريب وهي بين يديه، مشاعر مختلفة جميلة أول مرة لها أن تجربها، سعادة غامرة تجعل قلبها يرفرف من فرطها عليه، كلماتها التي هتفت بها كانت من داخل قلبها، هي تريد التكملة معه، لا تريد الفشل، غير أن "يزيد" تغير وأصبح شخص آخر يروقها وتنجذب نحوه بما فيه الآن..
خرجت من شرودها على صوت رسائل هاتفها المزعج كما قال "يزيد"، تقدمت للإمام خطوة ثم أخرجت الهاتف من جيب بنطالها لتفتح الرسائل وقد وجدت ما خافت منه منذ أيام..
لقد عاد مرة أخرى وهي لا تعلم من هو حتى، أنها أيضًا لم تحذف الرقم أو حتى الاسم المسجل به "حبيبي"، احتوت الرسائل على كلمات غرامية كثيرة وبعض منها به لحظات تعيشها لا يعرفها أحد غريب عنها لتذهب بتفكيرها إلى "تامر" ولكن "ميار" طمئنتها وابعدت الشك عنه تمامًا، إذًا من يفعل ذلك؟..
شعرت به خلفها وأنفاسه عالية للغاية دليل على غضبه وعصبيته، استدارت إليه سريعًا ووجهها يحمل كل معاني الخوف من ردة فعله إن كان رأى شيء بالهاتف لتراه يضغط على فكة السفلي بشدة، يغلق كف يده ويضغط عليه هو الآخر كما لو كان سيلكم أحد بوجهه الآن..
تحدث من بين أسنانه وهو يقترب منها متسائلًا بصوتٍ غاضب: 
-ايه ده؟
عادت للخلف بجسدها ونظرت إليه وهناك غمامة خلف جفنيها من الدموع تهدد بالفرار إلى الخارج وقد تذكرت أول مرة عندما وجد هذه الرسائل وقال لها بأنها لو كذبت لن يرحمها، هي الآن ليس لها ذنب في شيء ولكن تخاف من عدم تصديقه إليها:
-اهدى بس وأنا هفهمك كل حاجه 
شرارات الغضب بعينيه واضحة، فكة الذي يضغط عليه بعصبية، يده الذي ربما تتأذى بسبب ضغطه عليها هكذا، هو بحالة لا يحسد عليها أبدًا، عصبيته وغضبه دائمًا يكونوا الاقوى منه، حاول ألا يفعل شيء ولكنه لم يستطع فلم يدري بنفسه إلا وهو يجذبها من خصلاتها ذهبية اللون إليه لتفر دموعها هاربة، خائفة من موجة غضبه القادمة وهي لم ترتكب أي شيء خاطئ لتحاسب عليه..
            "قلبها الخائن يُسامحه في كل مرة وكأن   
                    خطأه لم يكُن هو الذي ارتكبه"
شرارات الغضب بعينيه واضحة، فكة الذي يضغط عليه بعصبية، يده الذي ربما تتأذى بسبب ضغطه عليها هكذا، هو بحالة لا يحسد عليها أبدًا، عصبيته وغضبه دائمًا يكونوا الأقوى منه، حاول ألا يفعل شيء ولكنه لم يستطع فلم يدري بنفسه إلا وهو يجذبها من خصلاتها ذهبية اللون إليه لتفر دموعها هاربة، خائفة من موجة غضبه القادمة وهي لم ترتكب أي شيء خاطئ لتحاسب عليه..
اقترب من وجهها الذي لا يفصل بينهم سوا انشات بسيطة ويده تشتد على خصلاتها لتتأوه من الألم الذي يعصف بها، تحدث من بين أسنانه بغضب قائلًا:
-عايزه تفهميني ايه؟ هااا عايزه تستغفليني زي المرة اللي فاتت.. اللي صدقتك فيها وقولت أكيد أنا ظالمها.. بس المرة دي مش هرحمك مش يزيد اللي يتعمل معاه كده.. بتكلمي واحد عليا وعامله فيها شريفة 
صدمات تليها صدمات مكونه من كلمات بها فقط بعض الحروف! قلبها يكاد أن يتوقف فـ الغرفة الآن بالنسبة لها تنطبق جدرانها من حولها لينطبق صدرها على قلبها جاعلة يتوقف عن النبض لتفقد الحياة، كلماته بها إهانة وازلال لها، يطعنها بشرفها وهي بريئة كـ براءة أنقى النساء، تحدثت بقهر والدموع منسدلة على وجنتيها وتحاول أن تجذب خصلاتها من بين يده القوية:
-أقسملك بالله أنا ما أعرف مين صاحب الرقم ولا عمري كلمته.. والله.. والله العظيم أنتَ ظالمني أنا عمري ما كلمت حد ولا ليا علاقات مع حد صدقني 
اشتدت يده أكثر ثم أكثر وهو يلعن بقسوة شديدة فهو منذ لحظات كان في غاية السعادة معها، لو استمر الوضع يومان أكثر لأصبحت زوجته شرعًا وقانونًا ولكن دائمًا تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، الآن هي متهمة بقضية شرف أمامه وعليها أن تُحاسب:
-عايزه تفهميني إنك متعرفيش صاحب الرقم اللي حتى مفكرتيش تمسحي اسمه ده؟! مفكرتيش تعملي بلوك للرقم حتى.. ايه شيفاني أهبل للدرجة دي؟ 
شهقت متوجعة من قبضته.. هو لا يصدقها يحق له ولكنها ليست مذنبة، لما تعاقب لما؟، صرخت بوجهه وهي تضربه في صدره بكف يدها عدة مرات متتالية ليترك خصلات شعرها:
-هتبقى أهبل فعلًا لو صدقت إني أعمل كده، والله أنا خليت ميار بنفسها تشوف الرقم لمين ومعرفتش ولو عايز تسألها كمان... أنا أصلًا والله مجاش في بالي أمسح ولا أعمل وأقسم بالله دي الحقيقة 
ابتسم بسخرية وقد رأت الشر بعينيه وهو يتحدث من بين أسنانه بعصبية بعد أن ترك خصلات شعرها:
-اه لأ أنا لازم أصدق.. ابن الك** بيقول عليا بقف! بيقولك إني همجي وحيوان.. لأ صح صح أنا لازم أصدق... عرف منين أن أهلك كانوا هنا؟ عرف منين أن أختي خريجة تجارة؟ ها منين وعرف منين أن أمي ست محدش يستحملها؟ ما تردي
نظرت له دون الإجابة هي حقًا لا تعرف من أين علم كل هذا، حتى تامر لا يعلم غير أن عائلتها زارتها.. من الذي يفعل بها هكذا؟، صرخ بها بصوت عالي جعلها تنتفض عائدة إلى الخلف لتسقط جالسة على الفراش خلفها، نظرت إليه بحزن خالص والدموع منهمرة على وجنتيها بلا توقف فقد كان حزن قلبها وخوفها منه لا يضاهي شيء..
أجاب عن الأسئلة قائلًا ببرود وسخرية وهو يقترب منها ناظرًا إليها بقسوة: 
-عرف من واحدة خاينة وحقيرة، باعت نفسها وشرفها.. بس تفتكري أنا هسكت عن وساختك دي؟ صحيح ما أنتِ من عيلة طوبار هتعملي ايه غير كده 
هبت واقفة على قدميها أمامه بعد أن مزقتها إهانته لتقول بحدة وقسوة حملتها كلماتها وهي تشير ناحيته بإصبع يدها السبابة:  
-لو أنتَ شايف نفسك مش راجل ومش واثق في إني ممكن أحبك وأعيش معاك دي مش مشكلتي لكن أنا أشرف من عيلتك كلها أنا بنت عيلة طوبار اللي مش عجباك لا أنتَ ولا حد في بيتك أحسن مليون مرة منك ومن والدتك اللي.......
هل تظن أنها تستطيع إتمام ما بدأت به؟ لو أحد غير "يزيد" لفعلت ولكن صفعته التي أطاحت بها على الفراش جعلتها تبتلع باقي حديثها داخل جوفها دون التفوه بحرف آخر، استلقت على جانبها واضعة يدها على مكان صفعته وكأنها لا تصدق ما فعل، تندب حظها العثر وتلك الرسائل وذلك الشخص الذي لو عرفته لقامت بقتله على الفور..
استند بقدمه اليمنى على الفراش ليجذبها من كلتا ذراعها جاعلًا إياها مستلقية على ظهرها مواجهة له تنظر إلى عينيه بقهر ولا تتوقف عن البكاء، بينما هو تحكم به الغضب واستفاق على الانتقام من عائلتها، ترى عائلته دنيئة وهم شرفاء؟ لترى الشرف على حق:
-عليتي مالها؟ مش عجباكي؟ أنتِ شريفة آه أنا ناسي وأنا مش راجل؟!.. تحبي اوريكي الرجولة بتاعتي عاملة إزاي... أنا لو عليا كنت عايز ده بس قبل ما أعرف اللي بتعمليه يا... يا شريفة هانم
رأته في حالة اللاوعي، غضبه يعمي عينيه، ينظر إلى مقدمة صدرها وتلتمع الرغبة بعينيه ليتحدث كـ المغيب..
تحدثت وهي تحاول أن تبعد يديه عنها الذي تقيد حركتها:
-أبعد عني يا يزيد 
ابتسم بسخرية لاذعة ثم تحولت تلك الابتسامة إلى ضحكات ساخرة عالية وهتف قائلًا ببرود وهو ينظر إليها بقهر: 
-ليه؟ مش كنتي عايزه القرب؟ مش كنتي بتقولي أنا مش ببعد 
-أبعد عني بقولك 
قهره منها ومن ذلك الرجل جعله يود أن يفعل أي شيء ليحرق روحها كما حرقت روحه وقلبه، لقد كان سعيدًا كثيرًا بقربها، لقد كان على وشك الوقوع في عشقها، قتلته بخنجر بارد، قتلته بأبشع طرق القتل ليبقى هنا ينظر إلى عينيها التي تحمل زرقة البحر ويتألم بداخله على ما فعلته..
-مش لازم اثبتلك إني راجل!؟
اقترب منها أكثر وهو ينظر إليها بسخرية ثم حاول أن يمزق مقدمة بلوزتها ويده تعبث بملابسها، ثم التهم عنقها الذي انقض عليه بهمجية شديدة جعلتها تصرخ من الألم..
ضربته بيدها عدة مرات قبل أن يحاصرها لتصرخ به بهلع وخوف يكاد أن يوقف قلبها، حاولت أن تبتعد بجسدها ولكن لا فائدة، صرخت به كثيرًا وهو لا يستمع إليها وكأنه مغيب عن الواقع..
-أرجوك بلاش هتندم والله.. بلاش والنبي يا يزيد علشان خاطري.. أبعد عني يا يزيد الله يخليك 
صرخت عاليًا عندما وجدته لا يستمع إليها فرفع وجهه إليها واضعًا يديه على فمها ليكتم صرخاتها حتى لا يستمع من في المنزل، ولكن يا ليته لم يفعل! فقد رأى القهر والحزن والخذلان ينبصقوا من عينيها التي تحمل خيوط حمراء من شدة البكاء، لقد رأى كل معاني العتاب ولبرهة رأى الكره بعينيها..
ابتعد للخلف والصدمة تحتل كيانه فقد كان مقدمًا على فعل مشين بزوجته، كاد أن يتخلى عن رجولته بهذه الطريقة الرخيصة، هذا ليس فعل من "يزيد" لقد كان شيطانه يتحكم به وبتصرفاته، ولقد ساهمت هي بدورها في ذلك..
ابتعدت هي إلى آخر الفراش تبكي بقهر واضعة يدها الاثنين أعلى صدرها، انكمشت على نفسها تضدم قدميها إلى صدرها وتحتضنهم بيدها، تفكر في فعلته لقد قارب على ارتكاب جريمة في حقها، لقد قارب على أن ينتهك برائتها بتلك الطريقة الهمجية، عصف بها تفكيرها في كثير من الأمور وهي جالسة تبكي وهو عاد إلى الأريكة التي بالغرفة وجلس عليها واضعًا رأسه بين يديه بعد أن انحنى على نفسه قليلًا وكل منهم يفكر بما حدث منذ قليل وما كانوا عليه منذ دقائق!!..
ظلوا على هذا الوضع بضع دقائق إلى أن استمع يزيد فجأة صوت شقيقتها يأتي من عبر الهاتف بلهفة وقلق:
-ألو مروة مالك يا حبيبتي؟ بترني متأخر كده ليه؟
رفع يزيد بصره إليها باستغراب ليراها ممسكة بالهاتف بيدها جاعلة إياه على وضع مكبر الصوت حتى يستمع إليه، رآها تزيل دمعة فرت من عينها بعد أن استمعت إلى صوت شقيقتها لتتحدث بخفوت وصوت ضعيف من كثرة البكاء:
-أبدًا يا ميار بس كنت عايزه أسألك على الرقم اللي كان باعتلي رسايل أصل......
قاطعتها شقيقتها سريعًا بلهفة وهي تتسائل باستغراب: 
-اوعي يكون بعتلك تاني.. أنا بجد مش عارفه مين الحيوان ده.. مروة يزيد لازم يعرف لأنه لو عرف من غيرك ممكن يفهم غلط.. مروة سمعاني؟
رفعت وجهها إليه تبتسم بسخرية وبرود فقد ظن بها السوء دون محاولة منه لمعرفة الحقيقة، عادت إلى شقيقتها قائلة بجدية:
-لأ خلاص أنا هعمله بلوك.. بقولك هو انتوا مشيتوا؟
أجابتها الأخرى بصوت مستغرب من تقلبها على الأمر برمته: 
-لأ هنمشي بكره علشان اتأخرنا النهاردة 
-طيب تصبحي على خير
ثم أغلقت الهاتف سريعًا ووضعته جوارها على الفراش دون التفوه بحرف ليقف هو على قدميه مشوش الفكر، استدار موليها ظهره واضعًا يده خلف رأسه يفرك عنقه وهو يفكر كيف ذلك؟ وما الذي فعله؟
استدار إليها مرة أخرى يهتف باستغراب وتساءل مندهشًا:
-يعني ايه الكلام ده؟ 
عندما وجدها لا ترد عليه وتنظر فقط إليه بعتاب وحزن ظاهر في كامل ملامحها ودموعها لم تجف ولو لدقيقة واحدة، تحدث وهو يقترب من الفراش يقول بخفوت وندم لتسرعه: 
-مروة أنا.....
قاطعته عندما هبت واقفه على قدميها بعد أن وجدته يقترب منها لتقول بحدة وهي تشير ناحيته بيدها إلا يقترب:
-أنا همشي بكرة الصبح وهرجع مع أهلي القاهرة، مستحيل أقعد معاك دقيقة واحدة بعد اللي عملته فيا ظلم 
لم تعطيه فرصة للرد فقد ذهبت سريعًا إلى غرفة الصالون الصغيرة وأغلقت الباب خلفها ليستمع من بعدها إلى صوت بكائها وشهقاتها المكتومة الذي تسبب هو بها، بينما هو من فرط عصبيته أطاح بكل ما كان موجود على المرآة ليحدث ضجة عالية استمعت إليها وعلمت ما يفعله، فقد كان في ذلك الوقت يكاد أن يموت من تأنيب ضميره، روحه تُعذب وكأنها في وسط نيران مشتعلة، كلمات شقيقتها تدل على برائتها، إذًا هي حقًا لا تعلم لمن الرقم!..
يكاد يفقد عقله من التفكير فيما حدث فهو لم يكن يريد أبدًا أن يصل إلى تلك النقطة معها، كيف سيجعلها تسامحه وتغفر إليه الآن؟، نظر إلى باب الغرفة المختبئة خلفه بحسره وحقد على ذلك الشخص الذي حتمًا سيعلم من هو وحينها سيجعله يتمنى الموت ولن يناله..
جلست خلف الباب تبكي وتكتم شهقاتها حتى لا يستمع إليها، لقد وضع في قلبها خناجر مسمومة واحدًا تلو الآخر حتى أتى بقلبها نصفين، لقد كانت كلماته تسبب جروح لا تُشفى، كيف يفعل كل ذلك؟ فهي منذ قليل كانت تفكر به وبتلك اللحظات الجميلة التي قضوها معًا!. وقفت على قدميها سريعًا متوجهة ناحية الأريكة التي بالغرفة ثم استلقت عليها جاعلة عقلها يتوقف عن التفكير متخذة قرار أنها ستعود غدًا مع أهلها..
                 ____________________ 
فتحت عينيها ببطء شديد تستفيق من النوم الذي لما يأتيها إلا عند شروق الشمس بسبب كثرة التفكير الذي لم تستطع منع نفسها منه، وضعت يدها على رأسها تلقائيًا بسبب ذلك الصداع الذي داهمها منذ الصباح الباكر، جلست نصف جلسة على الأريكة التي كانت غير مريحة لجسدها بالمرة، فركت فروة رأسها عدة مرات وهي تغمغم بكلمات غير واضحة منزعجة من ذلك الألم البغيض..
تذكرت أنها سوف تذهب مع عائلتها إلى القاهرة اليوم وتعود إلى منزلها من جديد وإلى حياتها التي فقدتها منذ أن أتت إلى هنا، ولكن هل ستبتعد عن زوجها؟ ستترك "يزيد" الذي اعترفت لنفسها بأنه يجذبها بكامل تفاصيله؟..
عنفت نفسها على ذلك التفكير فهو لم يفكر بها أو بمشاعرها عندما تطاولت يده عليها وسبها بألفاظ بشعة، ربما لو كان فعل شيء آخر تستطيع أن تغفره لفعلت ولكن هذا لا يغفر فكرامتها وعائلتها لا يستحقون هذه الإهانة..
وقفت على قدميها متوجهة صوب باب الغرفة لتفتحه وتخرج ترتب أشيائها وتذهب دون رجعة وليحدث ما يحدث ولكن هيهات فقد كان هذا مخططها أما هو فقد كان له رأي آخر..
حاولت فتح الباب عدة مرات ولكن دون جدوى، أمسكت بالمقبض بحدة محاولة فتحه ولكن دون فائدة، نظرت إلى الباب ثم علمت أنه من فعل ذلك ليمنعها من الذهاب ومن دونه سيفعلها فلا أحد يحبها بهذا المنزل من الأساس سواه هو وأخته، مهلًا هل هو حقًا يحبها؟! تفكر بتراهات وتركت الأمر اللازم.. 
نظرت إلى ساعة الحائط وجدتها لم تتعدى الثامنة صباحًا فعلمت أنه لم يذهب بعد، وقفت خلف باب الغرفة ثم صاحت بصوتٍ عالٍ بعض الشيء: 
-يزيد أفتح الباب 
لم تتلقى إجابة منه فوضعت أذنها على الباب تسترق السمع ولكن لم تستمع لشيء بالخارج فطرقت بكلتا يدها وصاحت بحدة:
-أنتَ كمان جايلك نوم؟ قوم أفتح الباب يا يزيد وإلا هعملك فضيحة هنا 
نهض من على الفراش جالسًا مرتعد بسبب ذلك الصوت المزعج الذي أستمع إليه، نظر حوله ليرى إن كان هناك شيء حقًا ولكن لا يوجد فعاود النوم مرة أخرى ولكن صوتها الصارخ أخترق أذنه ليجعله يهب واقفًا على أرضية الغرفة مقتربًا من باب الغرفة قائلًا بهدوء متسائلًا:
-في ايه بتزعقي كده ليه؟
اغتاظت من هدوءه وبروده في المعاملة وكأنه لم يفعل شيء أبدًا فصاحت بعصبية وهي تضرب الباب بقدمها:
-أفتح الباب يا يزيد وإلا مش هيحصل كويس.. لولا أن حاجتي جوه كنت مشيت من غير ما تعرف أصلًا 
مسح وجهه بكف يده الأيمن بينما الآخر مستندًا به على الباب يحاول أن يبعد النعاس عن عينيه، تمتم بينه وبين نفسه بكلمات غير مفهومة ربما تجعله يهدأ حتى يصلح ما أفسده:
-بتهدديني يا مروة؟
أتته الإجابة سريعًا وهي تقول بحدة وعصبية بسبب حبسه لها بهذه الطريقة:
-اعتبرها زي ما تعتبرها المهم أنك هتفتح الباب يعني هتفتحه 
ابتسم بسخرية بعدما استمع إلى حديثها الواثق وكأنه يقوم الآن بفتح الباب لتلبية طلبها الأمر:
-طب لو مفتحتوش يعني هتعملي ايه؟
صاحت بإسمه من بين أسنانها بصوتٍ غاضب:
-يــزيــد!.. 
ابتسم "يزيد" بهدوء ثم حاول معها باللين لتوافق على طلبه الذي ربما يكِن مستحيل فما فعله لم يكن بالهين لتقبله، ولكنه لم يكن يدري بالأمر ولا يعلم ما يفعله سوى أن شيطانه سول إليه أنها خائنة وهي لم تبخل عليه بمساعدته:
-أول مرة أسمع اسمي حلو كده
تريث بعد جملته أخذًا نفسًا عميقٍ ثم تحدث مجددًا بخفوت وصوت أجش:
-أنا آسف، بصي عارف إني حيوان بجد وحقير كمان على اللي عملته بس حطي نفسك مكاني.. فجأة ألاقي مراتي واقفه فاتحة رسايل شخص متسجل عندها حبيبي بيكلمها وكأنه جوزها وكأنه أنا يا مروة، غير أنه عارف حاجات يعني مش أي حد هيعرفها، ده غير إن دي تاني مرة لنفس الرقم حتى مكلفتيش خاطرك تمسحي أم الرقم أو الإسم عايزاني أفكر إزاي طيب؟
أستمع إلى صوتها الهادي يأتي من خلف الباب قائلة: 
-أفتح الباب يا يزيد
أجابها قائلًا بهدوء وهو يستند على الباب بكلتا يديه:
-هفتحه بس اوعديني مش هتاخدي أي قرار غير لما نتكلم
-أوعدك
ذهب ناحية الكومود بجوار الفراش ليجذب من عليه مفتاح الغرفة وذهب إليها ثم وضع المفتاح بالمزلاج وأداره لينفتح الباب وتظهر هي من خلفه بملامحها الباهتة وعينيها المنتفخة ربما من كثرة البكاء أو قلة النوم، خرجت لترى الغرفة بحالة يرثى لها، رأت كل محتويات المرآة على الأرضية البعض مهشم لا يصلح لشيء والبعض الآخر ربما يصلح، لم تنظر إلى وجهة مباشرة فقد هربت من رؤية ملامحه..
تقدمت إلى داخل الغرفة تعطي ظهرها إليه ليتقدم منها ممسكًا معصم يدها ثم جعلها تستدير لتكون في مقابلته بينما هي سحبت يدها من بين يده..
تغاضى هو عن الأمر ثم تحدث بهدوء وضعف ينظر إلى عينيها زرقاء اللون:
-أنا آسف بجد مكنش قصدي كل اللي حصل ده، سامحيني 
ابتسمت بسخرية لاذعة استشعرها بوضوح بينما هي رفعت نظرها إليه تنظر إلى عينيه هي الأخرى، ربما هو يعتقد أنه ارتضم بها بالخطأ، أو ربما أفسد لها محتويات دولابها؟ أنه قارب على اغتصابها بإسم الزواج، أهان عائلتها، طعن في شرفها، سبها ويقول آسف؟:
-هو أنتَ خبطني بكتفك علشان تقول آسف؟ أنتَ عارف أنتَ عملت ايه؟ تحب أقولك؟ أنتَ سبتني بأبشع الألفاظ لا وطعنت في شرفي، اهانت عيلتي، قربت ت... تغتصبني! كل ده علشان سوء تفاهم... حاولت افهمك أن والله معرفش مين ده ولا ليا علاقة بيه لكن لا إزاي الراجل اللي جواك لازم يطلع عليا...
أول مرة بجد أنا مكنتش أعرف مين حتى سجله عندي بعديها ميار سألت على إسم صاحب الخط عن طريق حد صاحبها ومعرفتش، نسيت امسحه مفكرتش أصلًا فيه تاني وامبارح دي كانت تاني مرة يبعت وأنا فعلًا معرفش هو مين والله معرفش ولا أعرف هو عرف الحاجات دي إزاي وحاولت افهمك ده لكن أنتً مفهمتش ده مش ذنبي 
اقترب منها محاولًا أن يضع يده على كتفها ولكن عادت للخلف بجسدها ونظرت إليه بهدوء ليتنفس بعمق ثم تحدث قائلًا باستغراب:
-طيب أنا معرفش كل ده عايزاني أعمل ايه يعني لما حتى متمسحيش الرقم؟ ولا لما يقول على أمي ست مش كويسه؟ وبيقول عني بقف.. أنا بقف؟ بلاش كل ده أعمل ايه أنا لما تكون دي تاني مرة لمراتي مع نفس الشخص وأنتِ كمان مقصرتيش بكلامك حطي نفسك مكاني أنا مكنتش شايف قدامي من العصبية اللي كنت فيها 
ذهبت لتقف أمام باب شرفة غرفة النوم تنظر إلى الخارج تعطي إليه ظهرها وتقول بحدة:
-كان المفروض تسمعني لأني حاولت افهمك أكتر من مرة متبررش لنفسك الغلط 
تقدم هو الآخر محاولًا أن يجعلها تعود عن ما في رأسها وتظل معه:
-أنا مش ببرر يا مروة بس أنا محتاجك! محتاجك تفضلي معايا هنا علشان نعمل اللي قولتي عليه مش قولتي هنكمل الطريق سوا؟ مش علشان غلطة صغيرة هنهد كل حاجة أرجوكي بلاش تمشي..
استدارت تصرخ في وجهه بغضب وعصبية:
-دي مش غلطة صغيرة يا يزيد أنتَ لو كنت كملت اللي بدأته كانت حياتنا سوا ادمرت ياريت تكون فاهم ده كويس، طبعًا غير أنك بتكره عيلتي أنتَ وكل اللي هنا وأنا مش هعرف أعيش كده مش هعرف أعيش في وسط ناس كارهين أهلي وكارهني كمان 
مسح على وجهه بعصبية ثم هتفت ببرود وتهكم مجيبًا على كلماتها: 
-طيب ياستي غلطة كبيرة مش صغيرة لكن خلصت وأنا اعترفت بغلطي وطالب فرصة تانية فيها ايه يعني؟ ومكملتش في اللي بدأته علشان عايزه برضاكي وبعدين هو مين قالك أني كاره أهلك أنا اتعصبت وكنت مخنوق ومش شايف قدامي علشان كده قولت كل اللي قولته امبارح ومتقدريش تثبتي غير ده لأن عمري ما قولت عليهم حاجه 
تركته متوجهة ناحية المرحاض بخطوات سريعة متخطيه إياه لتهرب من ذلك النقاش المهلك لاعصابها، أخذ خطوة واسعة ثم التقط معصم يدها جاعلها تستدير إليه ثم دفعها ناحية الحائط ليقف مقابلًا لها محاصرًا إياها وهتف بصوت واثق قائلًا: 
-أنا آسف أوعدك اللي حصل مش هيتكرر تاني بس أنتِ مش هتخرجي من هنا غير على جثتي أنا محتاج فرصة أرجوكي
أكمل بهدوء قائلًا: 
-أنا معرفتش مين الشخص ده أنا كمان وحاولت أعرف الخط طلع مش متسجل فعلًا يبقى تعمليله بلوك وتشيلي الإسم من عندك 
تريث مرة أخرى ثم تحدث بابتسامة عريضة ونبرة تحمل الخبث: 
-أوعدك إن كل اللي هيتكرر بينا هو اللي حصل امبارح واحنا على ضهر ليل.. فكراه؟
أحمرت وجنتيها بالحمرة بسبب ذكرة لذلك الأمر، فقد كانت جريئة إلى حد كبير عندما وضعت يدها حول عنقه تبادله القبلة، دفعته ثم ذهبت سريعًا إلى المرحاض متهربه من موجة المكر الذي يتحلى بها ليجعلها ترضخ له وتتبسم بوجهه..
                _________________
جلست "إيمان" على الفراش بجانب زوجها "فاروق"، تمددت بجواره مظهره ساقيها البيضاء بسخاء ثم نظرت إليه بمكرٍ وتحدثت قائلة بهدوء:
-إلا قولي يا فاروق.. أخوك هيعمل ايه مع مراته 
مرر عينيه عليها من أعلاها إلى أسفل قدميها مزيلًا عرق جبهته بيده وهو ينظر إليها باستغراب غير مدرك مقصدها بهذا الحديث عن أخيه وزوجته فقال متسائلًا:
-يعمل ايه إزاي يعني؟
ابتسمت بسخرية قبل أن تقترب منه واضعة كف يدها على كتفه العريض قائلة بجدية لتحثه على الحديث معها:
-قصدي في حوار الأرض 
نظر إلى فتحة قميصها من الأعلى والتي تعمدت أن ترتديه ليظهر مقدمة صدرها، رفع نظره إليها مرة أخرى وتحدث بجدية:
-مش خابر يا إيمان عمي سابت عايز الموضوع يخلص ويزيد شكله مطول معاها بت طوبار 
التمعت عينيها بمكر ونظرة خبيثة قبل أن تقترب منه مرة أخرى ملتصقة به وهتفت قائلة بفحيح لتجعله يتحدث مع أخيه متعجلًا ثم يقم بتطليق زوجته: 
-أنتَ أخوه الكبير وليك كلمة عليه كلمه وخليه يخلص ويعمل زي ما اتفقتوا الله.. وبعدين خد بالك البت دي مش سهلة دي سهُنه وخبيثة وهتاكل بعقل أخوك حلاوة لو مفتحش ليها
نظر أمامه هذه المرة وتحدث بشرود وهو يتذكر حديث والدته عنها مثلما قالت زوجته بأنها فتاة غير سهلة للعب بها:
-أمي قالت نفس الكلام ده.. أنا هكلم يزيد كده كده زي ما قال عمي ونخلص من الغم ده 
ابتسمت باتساع وعادت بظهرها إلى ظهر الفراش مستندة عليه براحة لتقول بخفوت وصوت خافض:
-أيوه كده أخيرًا.. ناخد اللي عايزينه ونرجع الحق لصحابه ونرميها بره البيت وتبقى عبره لمن يعتبر
تتحدث وكأن المال وغيره لها، وكأن كل شيء ملك لتلك العائلة هو حق لها، الخبث ينبصق من عينيها، والكذب يصدر على صوتها، الجميع يريد الانتقام من شخص ليس له ذنب في شيء، ولا يعلم حتى ما يدور من حوله..
                   __________________   
الجميع يجلس بغرفة الصالون في منزل عائلة "الراجحي" ماعدا "يزيد" وكأنه جو أسري كما يظهر ولكن بالحقيقة هو جو مُحمل بتحطيم النفوس السليمة بواسطة نفوس مريضة، جو يهدم كل معاني اللذة والفرحة..
وبالطبع لا يحدث ذلك إلا لها، هي الوحيدة الغريبة بينهم والغير مقبولة بالنسبة لهم، يرونها فتاة من عائلة عدوة كريهة، وكل منهم يأخذها بذنب ليس لها فيه فعل..
جلست على الأريكة بجوار "يسرى" التي كانت تمسك الهاتف بيدها تعبث به وهي تُريها شيء ما، بينما هادِمات لحظات السعادة يلقون عليها كلمات صُنعت من جروح، هي كانت راحلة بلا رجعة، لقد قررت ذلك وعزمت التنفيذ ولكنه لم يجعلها تفعل، ألح عليها كثيرًا معتذرًا عن ما بدر منه في آخر مرة بينهم، اعترض طريقها بالقوة ليجعلها تبقى ولا ترحل عنه طالبًا فرصة أولى وأخيرة ليصلح ما بينهم، وليكونوا زوج وزوجة متقبلين بعضهم في جميع الأحوال دون الضغط من أي شخص..
فاستجاب قلبها الخائن له وبقيت معه ولم ترحل عنه معلله لنفسها بأنها ستجرب هذه المرة فقط حتى لا تفشل معه وعندما تسأل نفسها تجيب بأنها قد اوفت وفعلت ما عليها..
وحقًا دون شيء آخر هي منجذبة إليه تعلم أنها مقاطعة إياه منذ ذلك اليوم وها قد مر أسبوعين ولكن اعتذاراته التي لا تستكين، والهدايا التي لا يمل من تقديمها لها تجعلها تريد أن تقول له أنها سامحته، ابتسامته العذبة وعينيه صاحبة الألوان المتعددة تجعلها تغيب عن العالم وكأنها بوادر الحب الذي لم تخوضه يوم بحياتها..
استمعت إلى والدة زوجها فظة الحديث تقول بصوتٍ عالي إلى زوجة ابنها الأكبر بسخرية وتهكم ناظرة إليها:
-كنتي تصدقي يا إيمان إن الشحاتين يقعدوا وسطينا كده في يوم 
ابتسمت الأخرى بتشفي وكأن تلك المسكينة قتلت لها قتيل ولكن هكذا هي النفوس المريضة تكره دون أسباب، تحدثت مجيبة والدة زوجها بسخرية هي الأخرى:
-لأ والله يا مرات عمي بس لا وكمان ايه بجحين 
تنفست ثم بدأت العد من واحد إلى عشرة لتهدأ نفسها وهي تنظر في شاشة الهاتف الذي تحمله "يسرى" مذكرة نفسها بكلمات "يزيد" عندما حاول محادثتها، فقد قال لها أن مهما يحدث أو يبدر منهم لا تجيب عليهم بالحسن أو السيء وإن لم تستطع التحكم بنفسها فعليها تركهم وتلجأ إليه هو فقط من يستطيع استيراد حق زوجته..
حاولت أن تفعل كما قال وثبتت نظرها في شاشة الهاتف لترى فساتين تريها إليها "يسرى" التي تريد شراء بعض منها..
مرة أخرى تحدثت والدة زوجها بعد أن اعتدلت في جلستها وقالت إلى شقيق زوجها بجدية وابتسامة: 
-بس قولي يا أبو زاهر هي مين العيلة اللي قالوا عليهم حرامية من كام سنة وسيرتهم كانت على كل لسان
نظر "سابت" إلى "مروة" بنصف عين وهو يعلم ما تريد الوصول إليه زوجة أخيه ليقول بتعاطف زائف وكأنه يشمت: 
-ما خلاص يا حجة بقى اللي ربنا ستره مش إحنا اللي هنفضحه 
ضحكت إيمان التي نظرت إلى زوجها ومن بعده عمه "سابت" ثم قالت مبتسمة وهي تحمل الخبث داخل كلماتها:
-مهو اتفضح وخلاص يا عمي هو كان لسه هيتستر من تاني
كلماتهم لم تكن هينة عليها، كل ما يتحدثون به تعلم أنه موجه إليها ولكن هل حقًا عائلتها عُرفت بهذا؟ متى وكيف هي تعلم أنهم شرفاء وجدها كان رجل عادل، حكيم، طيب وحنون القلب، كيف يقولون كل ذلك عنهم وهم ليس بكل هذا السوء، هناك شيء خفي، بعض الخيوط لا تظهر من هذا الحديث وعليها معرفة ما حدث ليكِنوا بقلوبهم كل هذا الكره لهم فـ مقتل "زاهر" كان دون قصد وقد كان "كمال" صديقه وأخذ أيضًا محاكمته لما إذًا كل هذا؟
أخرجتها "يسرى" من شرودها لتجعلها تقرأ شيء ما على شاشة الهاتف ثم انفجرت الاثنين ضاحكين بشدة لينظر إليهم الجميع بغيظ وقد كان الغيظ الأكبر من نصيب "يسرى" لأنها تقف بصف تلك الفتاة البغيضة بالنسبة لهم..
تحدثت والدة زوجها بحدة وعصبية وصوت عالي وهي تعنفها على تصرفها الغير مقبول: 
-مالك يابت طوبار ما تلمي نفسك شويه ولا أهلك معلموكيش الأدب... هنا البيت ليه أصول وصوتك المرق ده مش عايزه اسمعه تاني بلاش قلة حياء ومسخرة
نظرت إليها بذهول فهي فقط ضحكت بصوت، ماذا فعلت لكل هذه المحاضرة عن الأخلاق والتربية وهي لا تعلم عنها شيء؟ جعلت تفكيرها يخمد داخل عقلها عندما استمعت إلى"يسرى" تتحدث إلى والدتها قائلة بضيق واضح:
-محصلش حاجه لكل ده إحنا بنضحك عادي.. مرقصناش في وسط البلد 
اخرسها أخاها عندما تحدث بعصبية مجيبًا عليها بحدة: 
-بتردي على أمك وإحنا قاعدين مش عاجبينك ولا ايه 
نظرت إليه مروة بسخرية ثم وقفت على قدميها متجهة إلى خارج الغرفة بعد أن قالت بهدوء: 
-عن اذنكم..
                ___________________
خرجت إلى حديقة المنزل وجلست على مقعد بها مريحة ظهرها إلى ظهره ثم نظرت إلى السماء قبل أن تغلق عينيها وتجعل عقلها يقف لبرهة عن التفكير.. 
جلست على المقعد دقائق في ذلك الجو الذي يحمل الهواء المنعش، تذكرت أنها لم تراه اليوم واعتقدت أنه ربما يكن بجانب "ليل" في الإسطبل يدخن سجائره المضرة بالصحة، وقفت على قدميها ثم توجهت إلى هناك بهدوء وهي تسير، لم تستمع إلى صوته أو أي دليل يحثها أنه بالداخل..
دلفت بهدوء وهي تبحث عنه في الأرجاء إلى أن رأت "ليل" الذي وجدته ينظر إليها، ابتلعت ما بحلقها بتوتر وهي ترى عينيه منصبه عليها بتركيز لتحاول أن تسترق السمع ربما يكن بالداخل في الناحية الأخرى فهي لن تستطيع أن تدلف وتمر من جانب "ليل" المخيف هذا وكأنه علم ما تفكر به ليظهر إليها أنه ليس مربوط بشيء ويتجه نحوها..
فزعت عندما وجدته يتقدم منها وسريعًا استدارت لترحل عن هنا ولكنها اصطدمت في حائط ربما لين قليلًا لأنه يحمل قلب في الجهه اليسرى!.. رفعت نظرها إليه بتوتر وخوف وقد كانت دقات قلبها تقرع كالطبول، ليتحدث قائلًا هو بابتسامة عريضة ونبرة تحمل الجدية بعض الشيء: 
-اهدي بقى مش كل ما تقربي منه تعملي كده 
ابتعدت عنه بهدوء وهي تتجه ناحية الباب لتخرج منه قائلة بخفوت: 
-أنا أصلًا ماشيه 
جذب يدها ليجعلها تعود مرة أخرى إلى مكانها في الإسطبل ثم دفعها إلى الحائط الذي خلفه بعد أن غير وضعيته ليقترب منها ويجعل تفكيرها مشتت به: 
-اومال جيتي هنا ليه؟
أنزلت بصرها إلى الأرضية ثم حاولت التحكم في نفسها وارتجافتها من قربه المهلك إليها وقالت بصوت خافت متردد: 
-كنت بتمشى وحبيت أشوف المكان فدخلت
قرب وجهه منها حتى أصبح لا يفصل بينهما سوا انشات بسيطة ورفع يده إلى وجنتها يمررها عليها بحب وحنان كما عادته بينما الأخرى يضعها على الحائط محاصرها بها، ثم هتف متسائلًا بابتسامة وصوت أجش:
-مش ناويه تسامحيني بقى وتنسي اللي فات؟
لم يكن يعلم أنها سامحته ولكن عليها أن تفعل ذلك لتسترد حقها وتجعله يعلم أنها ليست سهلة كما ظن في البداية أو أن الإهانة لها ولعائلتها ستمر مرور الكرام، أو أن كرامتها لا تعني لها شيء، ولم يكن يعلم ما ستفعله هي ليجعله يدخل في حالة غضب منها فقد اكتفى.. 
دفعته "مروة" بشدة في صدرة بقبضة يدها حتى جعلته يأن من ضربتها ثم نظرت إليه بحدة ولاحت نظرة غرور بعينيها وتقدمت لتذهب من أمامه تاركه إياه يقف خلفها ينظر في أثرها بذهول ولكن قد ظهر الغضب على ملامحه فتوجه خلفها سريعًا ووقف أمامها ثم انحنى سريعًا ورفعها على كتفه يحملها وسار بها مرة أخرى إلى حيث كانوا هم الاثنين..
دلف يزيد بها إلى الداخل ثم ألقاها بقسوة على الكثير من التبن الموضوع على الأرضية لتخرج من بين شفتيها صرخة على أثر وقعتها التي سببت إليها الألم 
اقترب منها متحدثًا بعصبية وغضب بعدما حاول بشتى الطرق لارضائها وهي لا ترضى:
-أنتِ اتجننتي ولا ايه؟ فكراني ايه علشان تعملي كل ده..
نظرت إليه بخوف وهلع تحاول مداراته فكل مرة يكن بهذه الحالة يحدث ما لا يحمد عقباه ولكن هذه المرة هي من فعلت عمدًا لتتحمل النتيجة إذًا.
             ______________________
    "تقترب من النيران في كل مرة وكأنها مياة عذبة جارية       
                ليست نيران تلتهم كل ما مر أمامها"
دلف يزيد بها إلى الداخل ثم ألقاها بقسوة على الكثير من التبن الموضوع على الأرضية لتخرج من بين شفتيها صرخة على أثر وقعتها التي سببت إليها الألم 
اقترب منها متحدثًا بعصبية وغضب بعدما حاول بشتى الطرق لارضائها وهي لا ترضى:
-أنتِ اتجننتي ولا ايه؟ فكراني ايه علشان تعملي كل ده؟
نظرت إليه بخوف وهلع تحاول مداراته فكل مرة يكن بهذه الحالة يحدث ما لا يحمد عقباه ولكن هذه المرة هي من فعلت عمدًا لتتحمل النتيجة إذًا..
ابتلعت ما بحلقها بتوتر محاولة استجماع شجاعتها لتقوم بالرد عليه بدون خوف من مظهره ولا غضبه، صاحت بصوتٍ عالٍ نسبيًا وهي تقول بحدة:
-وأنتَ كنت فاكرني ايه لما عملت اللي عملته؟
ابتعد للخلف بحركات هوجاء ثم تقدم منها مرة أخرى وهو يسب بداخله على غبائها وكبريائها الذي لا يرضى، أجابها قائلًا بنفاذ صبر: 
-ما قولنا كنت متزفت متعصب واعتذرت مليون مرة بقالي أكتر من أسبوعين بحاول ارضيكي وافهمك إنه غلط مش هيتكرر وأنتِ أبدًا زي ما تكوني صدقتي 
أدلت له تعابير وجهها عن تهكمها الصريح، ضيقت ما بين حاجبيها قائلة بهدوء مستفز متسائلة:
-والله؟ يعني كل مرة هتعمل حاجه هتقولي كنت متعصب صح؟
تنفس بعمق شديد واقترب منها متكئًا على قدمه اليمنى ثم سائلها بصراحةٍ ووضوح: 
-من الآخر أنتِ عايزه ايه؟
أجابتها لم تكن متوقعة، فقد انتظر لتجيب على سؤاله ليصلح ما أفسده ولكن تلك الإجابة ليس لها مُصلح: 
-ايه اللي بين عيلتي وعيلتك يا يزيد؟ ليه بتكرهونا أوي كده ايه اللي حصل لكل ده 
تريثت قليلًا ثم قالت مرة أخرى بحدة وجدية شديدة:
-غير موت زاهر ابن عمك!
ابتعد إلى الخلف مولي ظهره إليها متهربًا من الإجابة على سؤالها الغير مرغوب به الآن لتقف على قدميها متقدمه منه ثم سألته مرة أخرى لتجعله يجيب عليها ولكنه احتار في الإجابة، نظر إليها بعد أن غير وقفته وتحدث بجدية قائلًا:
-هو ده فعلًا السبب الوحيد.. موت زاهر هو اللي عمل كده وأنا وأنتِ اتجوزنا علشان الكره والاشتباكات اللي كانت هتحصل تقف عند حدها ولا نسيتي سبب الجوازه دي 
نظرت إلى عينيه بألم يغزو قلبها وأجابته ببرود بعد أن وضعت يدها أمام صدرها:
-لأ منستش بس أنا شايفه إن الكره ده زي ماهو ومفيش أي حاجه اتغيرت بدليل اللي حصل جوه من شويه 
استغرب حديثها الذي قالته بهدوء شديد فعقد ما بين حاجبيه سائلًا إياها عن ما حدث دون علمه:
-ايه اللي حصل؟
ابتسمت بسخرية لاذعة واستدارت توليه ظهرها وتذكرت ما تحدثوا به عن عائلتها لتقول بتهكم صريح: 
-مع إنك المفروض تكون عارف.. بس هقولك أصل وأنا قاعدة جوه مع العيلة الكريمة بتاعتك قالوا عن أهلي حرامية وإن البلد كلها زمان عرفت أنهم ناس حرامية وقال ايه هما بيستروا عليهم علشان حرام الفضيحة، طبعًا غير اللي والدتك بتعمله فيا كل مرة بس أنا محبتش اصغرك وأرد عليها مع أن كان هيبقالي الحق في ده
أبتعد قليلًا متجهًا ناحية "ليل" الذي وقف بجواره، تغاضى عن تهكمها وطريقة حديثها فقد كان همه الأكبر ماذا يفعل؟ هل يفعل كما كان الاتفاق بين أهله وأحبته؟ أما يستجيب إلى معذبة ويترك كل شيء يذهب إلى الجحيم سوى صاحبة العيون الملونة بألوان زاهية؟ ودون دراية وجد نفسه يتحدث قائلًا وهو يتجه ناحيتها:  
-طب ايه رأيك لو بعدنا عن كل ده؟ اللي كنتي عايزاه أنا كده كده كنت راجع القاهرة ما كل حياتي هناك زي ما قولتلك بس هنستنى شويه... مش كتير... وهنرجع سوا 
يشتتها بحديثه لقد ترك سؤالها وذهب إلى مكان آخر حتى لا يُجيب أو ربما هو يبحث عن حل الإِبتعاد عن هذه الأسئلة وإجاباتها، وضع يده على كتفيها وجعلها تستدير إليه ثم تحدث مرة أخرى بهدوء: 
-سيبك من عيلتي وعيلتك وكل حاجه حصلت.. أنتِ طلبتي أننا نبعد وأنا بلبي طلبك أهو علشان نبدأ سوا وتغفريلي اللي حصل أوعدك إنه مش هيتكرر تاني.. واديني شويه من ثقتك ما أنا زي جوزك بردو 
ابتسمت على دعابته السخيفة، ولكنها فكرت سريعًا في عرضه وجدته مغري حقًا، ستحاول معه في زواجها، ستتواجد بالقرب منه كما تريد، ستبتعد عن عائلته، وكل ذلك سيعمل على إنجاح علاقتهم سويًا: 
-موافقة بس زي ما أنا هثق فيك أنتَ كمان لازم تثق فيا 
اقترب منها أكثر بعد أن وضع يده على خصرها وهتف أمام شفتيها قائلًا بصوت أجش: 
-من ساعة اللي حصل وأنا بثق فيكي أكتر من نفسي... خلاص اتعلمت الدرس 
أبعدته بيدها ثم حاولت الفرار من قربه المهلك لجميع حواسها وحاجتها في أن تنعم بدفء جسده عند احتضانها ولكنه قبض على معصم يدها عندما وجدها تفر هاربة من أمامه فتحدث قائلًا: 
-رايحه فين؟
تعلثمت في إجابتها وهي تحاول أن تسحب يدها من بين يده قائلة بخفوت وصوت هادئ متردد: 
-هتمشى.. قصدي هنام الوقت، الوقت أتأخر 
ابتسم باتساع فقد كان تأثيره عليها ظاهر وبشدة في كل مرة يراه بوضوح بينما يجعله فخور بنفسه وبرجولته الطاغية عليها، جذبها لتتقدم منه ثم وضع يده خلف خصرها مرة أخرى وهو يعبث معها واليد الأخرى يعدل بها خصلات شعرها واضعًا إياهم خلف أذنها متحدثًا بجانب أذنها بخفوت وصوتٍ جعل القشعريرة تسير في أنحاء جسدها: 
-مش وعدتك أن كل حاجه هتحصل بينا هتكون زي اللي حصلت على ضهر ليل.. ولا أنتِ كنتي واخده حباية جراءة ساعتها؟ 
دارت عينيها في جميع اتجاهات الإسطبل لتختفي عن عينيه الذي صبها عليها، حالها كان مشتت للغاية لا تستطيع حتى التنفس براحة من قربه الشديد منها ونظراته الماكرة الخبيثة التي تجردها من ملابسها بينما هي في شرودها التقط شفتيها في قبلة رقيقة ودودة حاول قدر الإمكان أن يبث بها إعجابه الشديد بها وإرادته بقربها منه، شهقت بفزع فقد فعلها دون دراية منها وهي داخل شرودها في تفاصيله وما يفعله بها..
تركها وهو يلهث بعنف مقتربًا منها متحدثًا أمام شفتيها بلين وصوت خافض يحمل الكثير من المشاعر الجياشة:
-مروة أنا بحاول والله العظيم ومش عايزك تبعدي، أنا عايزك 
أجابته بخفوت وضعف بعد أن استمعت كلماته التي أصابتها داخل قلبها باللين لتوافقه على كلماته: 
-أنا كمان مش عايزه أبعد عنك 
لم يتدارك نفسه بعد الإستماع إلى تلك الكلمات فقد وجد نفسه يقبلها مرة أخرى بنهم وشوق وكأنه كان غريق في بحر زُرقتها وهي التي انتشلته بشفتيها وردية اللون لتكن أكسيد الحياة من بعد اختناق دام بطول مدة زواجهم، دس يده في خصلاتها خلف رأسها يقرب وجهها منه ليأخذ القدر الكافي الذي يجعله يتنفس من بعده ويده الأخرى تدفعها إلى الخلف لتستقر بظهرها مستندة إلى الحائط وهو أمامها يكمل ما بدأه بعدما وجدها تستجيب له بضراوة واضعه يدها خلف عنقه تقربه منها كما يفعل لترفع راية الاستسلام لقلبه وحضوره الطاغي عليها. 
                 ___________________
لم تكن تدري أنه بهذه البساطة، والحب، والاهتمام، في تلك الأيام التي مرت عليهم سويًا منذ أن تعاهد كل منهم على النجاح في هذه العلاقة تعرفت عليه حقًا من كل جانب، لقد كان بسيط، يدلف القلب دون أن يستأذن صاحبه، ابتسامته تجعل عقلها وروحها يتوقفون عن العمل، مناداته لها بـ "مروتي" تجعل قلبها يدق بعنف لسعادته، لم تكن تعلم أنه هكذا ولو أتى أحد يقص عليها أن هذه طباعة لقالت عنه مجنون فهي منذ أن عرفته رأت عناده وتكبره وذلك الغرور والعنجهية التي يحملها داخل ثنايا روحه، ولكن ليس عليك الحكم على شخص دون التقرب منه فهو الآن بالنسبة لها يعني الكثير والكثير..
نظر إليها "يزيد" وجدها تنظر إليه دون خجل فعلم أنها شارده، نظر إليها هو الآخر بشغف يضغط على قلبه، نظر إلى وجهها وملامحه الملائكيه، ابتسم باتساع حين تذكر تذمرها بالأمس عندما حاول العبث معها بيده على جسدها، هي بالنسبة له الآن الحياة وكأن عند غيابها يغيب الأكسجين الذي يتنفسه، لا يستطيع الابتعاد عنها، ويحارب قلبه بذات الوقت خوفًا من عشقها وكأنه لم يفعل بعد..
أتت"يسرى" مُبتسمة ثم جلست بجانب "مروة" وهتفت قائلة بحماس: 
-ايه ده بقى أنا كده هتعود على قعدتكم دي كل يوم
ابتسم يزيد بهدوء مُجيبًا إياها وهو ينظر إلى "مروة" بنصف عين ويرى خصلاتها ذهبية اللون تطاير مع الهواء:
-ياستي اتعودي وهو أنا يعني هقعد مع حد أغلى من مراتي... وأختي 
نظرت إليه الأخرى بخجل من حديثه أمام شقيقته بينما "يسرى" صفقت بيدها عاليًا قائلة بحماس وفرحة:
-أيوه بقى ياست مروة، كل يوم قاعدة رومانسية في الجنينة وأنا اجي ابوظها، لأ وكمان كلام حلو ورومانسي لأ أنا احسدكم بقى 
لكزتها مروة بيدها في ذراعها قائلة بحدة بينما الخجل ينبصق من كامل وجهها بسبب احمراره:
-بطلي رخامة
ابتسمت "يسرى" ثم قالت بجدية وهي تعتدل في جلستها بجانب "مروة" المقابلة ليزيد: 
-معلش هبوظ القاعدة شويه بس لحد ما الاوردر يوصل 
سألتها مروة بهدوء وهي تنظر إليها باهتمام: 
-طلبتي الحاجات اللي اخترناها امبارح؟ 
اومأت الأخرى بالايجاب فتابعت مروة بجدية وحماس شديد مبتسمة:
-الـ t-shirt الأحمر جميل أوي على فكرة
انتبه "يزيد" إلى ما قالته فسألها باستنكار مضيقًا ما بين حاجبيه بشدة واستغراب: 
-أحمر!... مفيش لون غير الأحمر؟!..
اعتدلت مروة ناظرة إليه ثم أجابته باستغراب وتساءل:
-وماله الأحمر دا لون زاهي وحلو
استمعت مروة إلى ضحكات "يسرى" الساخرة من كلماتها ثم أجابتها هي بعد أن توقفت عن الضحك قائلة بجدية: 
-يزيد يا مروة يطيق العمى ولا يطيق اللون الأحمر معقوله متعرفيش؟..
نظرت إليه مرة أخرى باستغراب ودهشة فهي لم تكن تعلم بهذا الشيء فأجابتها قائلة بتساءل:
-لأ مكنتش أعرف.. بس ايه السبب 
نظر يزيد إلى "يسرى" بغضب وحدة قائلًا بصوت غاضب: 
-بوقك ده ايه.. مش بيتبل فيه فوله أبدًا
ابتسمت "يسرى" باتساع ثم نظرت إلى مروة متجاهلة "يزيد" الذي كان يموت غيظًا منها فلم يكن يريد أن تعلم زوجته بهذه القصة التافهة: 
-يزيد وهو صغير شاف عجلة بتندبح وأول ما شاف الدم قعد يعيط ومن يومها وهو كارهه اللون ده زي العمى 
رفعت مروة نظرها إلى من بعد أن استمعت إلى تلك الكلمات رأته يكاد ينفجر من الغيظ فعلمت أنه لم يكن يريدها تعلم فعملت على اغاظته وتحدثت بسخرية وهي تضحك بصخب: 
-ده بجد؟ يزيد الراجحي مش بيحب اللون الأحمر علشان شاف دم... مش قادرة أصدق
نظر إليها بغيظ ثم تقدم للإمام في مقعده وتحدث بسخرية هو الآخر قائلًا بتشفي بينما ينظر إلى زرقة البحر داخل عينيها: 
-على الأقل كنت صغير الدور والباقي على الكبيرة العاقلة اللي بتخاف من الحصان اللي بيركبه أقل عيل 
ضيقت عينيها ناظرة إليه بغيظ شديد وهو يبتسم باتساع بينما تحدثت "يسرى" قائلة بذهول: 
-بتخافي من ايه؟ ده أحسن حاجه هي ركوب الخيل
اندفعت قائلة بحدة وعصبية من سخريته عليها وعلى خوفها قائلة: 
-آه الخيل مش أبو لهب اللي عند أخوكي 
نظر إليها بحدة وعصبية قائلًا بنفاذ صبر بسبب عدم تقبلها لـ "ليل" حتى بعد أن اقتربت منه أكثر من مرة: 
-مروة!.. 
وقفت على قدميها بعد أن وضعت خصلاتها خلف أذنها وتحدثت قائلة بهدوء سائلة إياهم: 
-هعمل قهوة تحبوا اعملكوا معايا 
اومأ إليها "يزيد" وفعلت "يسرى" المثل لتتقدم "مروة" إلى داخل المنزل لصنع القهوة لثلاثتهم.. 
                 ________________
جلست على مكتبها داخل الصيدلية الخاصة بها وتجلس مقابلة إليها صديقتها التي كانت تحاول التخفيف عنها قليلًا:
-أنا بجد مش عارفه أقولك ايه.. بس أنا شايفه إنك تنسيه خلاص 
ابتسمت بسخرية جلية وواضحة قبل أن تقول بحزن خالص ونظرة خائبة: 
-أنساه! أنساه إزاي يا نهى؟ ده كل عمري.. كل لحظة من حياتي كنت بحبه هو وهو ولا هنا 
اشفقت الأخرى على حالها فقد كان صعب للغاية عليها وعلى من تُحب ومن يُحب هو: 
-قولتلك قبل كده يا ميار عرفيه إنك بتحبيه ماهي عمرها ما هتكون ليه أبدًا 
أجابتها والدموع تقف خلف جفنيها سائلة إياها هل يحق لها الفرار؟: 
-عمرها ما هتكون ليه بس بردو بيحبها.. وعمره ما شافني غير ميار، ميار وبس 
تحيرت صديقتها منها ومن كلماتها، سألتها قائلة باستغراب:
-أنا مش فهماكي أنتِ ولا عايزه تنسيه ولا عايزه تعرفيه اومال ايه بقى؟.. هتفضلي كده بتتعذبي وخلاص 
أجابتها وهي تزيل دمعة لاذت بالفرار من بين حفنيها: 
-اقوله ايه تعالى اتجوزني أنا بحبك وأنا عارفه أنه بيحبها من وهو صغير؟.. تعرفي هي كمان كانت معجبة بيه لولا اللي حصل... أنا تفكيري غبي ومش عارفه اعمل ايه يا نهى خايفة يشوف واحده تانية غيري وأنا زي ما أنا قاعدة مستنياه يلمحني ولو حتى من بعيد 
منذ سنوات وسنوات وهي تعشقه وهو يعشق أخرى والأخرى قد ذهبت لغيره، لم تستطيع التحدث أو البوح بمشاعرها ناحيته أبدًا فقد كان ذلك أصعب من التواجد بين نيران مشتعلة.. أتقول له أعشقك وهي تعلم أنه يعشق شقيقتها؟!.. هي ليست دنيئة إلى هذه الدرجة.. 
                  ___________________  
قبل ذلك دلفت مروة إلى المطبخ لصنع القهوة لثلاثتهم وقد وجدت بغيضة حياتها ومحطمة النفوس بالداخل، دلفت ولم تنظر إليها وصبت كامل تركيزها على ما تفعله لتخرج بسلام فهي لا تريد الدخول معها بأي جدال، فقد علمت كيف تفكر وتعلم أيضًا أنها لا تحبها بتاتًا ودائمًا تختلق الكلمات المسمومة لتلقيها على مسامعها..
وضعت القهوة على النار ثم وقفت بجانبها تنتظر حتى تنضج، أتت "إيمان" ووقفت جوارها متصنعة الانشغال وهي تدندن كلمات بذيئة لم تكن موجهة إلا لـ "مروة"، وحاولت هي قدر الإمكان ألا ترد عليها وتأخذ القهوة وترحل ولكن ظلت "إيمان" على وضعها إلى أن وقفت أمامها تقول بسخرية واستهزاء: 
-إلا قوليلي يا مرمر ماتعرفيش نجيب منين شوية أدب واحترام نرميهم على عيلة طوبار؟
لقد فقدت كل هدوءها، العد من الواحد إلى العشرة لن يفيدها بعد الأن، فقد كانت غاضبة بشدة من هذه المرأة البغيضة وودت لو اقتلعت خصلاتها من تحت حجابها: 
-من نفس المكان اللي هنجيب منه لعيلتك إن شاء الله
اعتدلت الأخرى في وقفتها ثم قالت مبتسمة باستغراب وتساءل:
-الله الله ده القطة طلع ليها لسان أهو بترد بيه 
ابتسمت "مروة" بسخرية لاذعة استشعرتها "إيمان" بوضوح بعد أن وضعت يدها تربت على كتفها قائلة: 
-القطة عندها لسان وسنان وضوافر وبتعرف تاكل وتخربش انتوا بس اللي فكرتوها سهلة لما اتعاملت معاكم باحترام بس لو عايزاني أتعامل معاكي بغيره أنا تحت أمرك
اغتاظت من ردها عليها الذي اشعرها بالإهانة فقد كانت تتحدث بتهكم وسخرية، أجابتها قائلة بحدة وعصبية: 
-ما تتكلمي عدل يا بت عيلة طوبار أنتِ هتنسي أصلك 
سارت ضحكات "مروة" تعبي المكان حتى أن الأخرى قد ذُهلت من ردة فعلها ولكن لم تكن طويلًا حيث اجابتها مروة قائلة: 
-على الأقل عندي أصل.. الدور والباقي بقى على.... ولا بلاش
أغمضت "إيمان" عينيها ببرود وفتحتها مروة أخرى قائلة بجدية متسائلة باستغراب: 
-حتى لو معنديش مش أحسن من شوية حرامية سيرتهم كانت على كل لسان في البلد وطلعوا نصابين
تريثت ثم أكملت قائلة بحزن تصنعته بسخرية: 
-صح ما أنتِ مكنتيش هنا تلاقيكي كنتي في عزا الست الوالدة اللي يرحمها 
صاحت "مروة" بصوتٍ عالٍ غاضبة من تهكمها وطريقة حديثها عن والدتها وعائلتها قائلة بحدة وعصبية: 
-قولت قبل كده محدش يجيب سيرة أمي وإلا قسمًا بالله مش هيحصل كويس 
ابتسمت الأخرى وسألتها وهي تعتدل في وقفتها أمامها واضعة يدها في خصرها: 
-هتعملي ايه يابت الحرامية والنصابين؟
أجابتها مروة بغضب شديد وحدة قائلة: 
-النصابين والحرامية دول يبقوا عيلتك لأنك واحدة حقيرة مستحيل تكوني طالعة من بيت سوي أو محترم 
لم تعطها "إيمان" الرد بالكلمات كما كانت تفعل منذ قليل بل أمسكت القهوة الساخنة الذي كانت قد فارت منذ لحظات وسكبتها بمنتهى البساطة على فخذها وهي تنظر إليها بتشفي وحقد دفين داخل عينيها، بينما صرخت "مروة" عاليًا فقد كانت القهوة ساخنة للغاية وشعرت أن فخذها يُسلخ بسبب سخونة القهوة عليه..
تجمعت الدموع بعينيها وهي لا تطيق الألم الحاد ذلك.. رفعت عينيها إليها وجدتها تنظر إليها بتشفي ثم صاحت قائلة بهدوء وبرود: 
-ده علشان قليتي ادبك عليا أما الجاي علشان تتأدبي المرة الجاية 
رفعت يدها عاليًا في الهواء تنوي صفعها ووضعت مروة يدها على وجهها عندما علمت نواياها ولكن لم يحدث شيء، أنزلت يدها ونظرت إليها لترى "يزيد" يقبض على يدها بشدة وتكاد يدها تنكسر، ينظر إليها بغضب جلي وهي في قمة الضعف والجبن... 
تقدمت منها "يسرى" تنظر إليها باستغراب ووجدت بنطالها البيتي عليه أثار قهوة فسألتها قائلة باستغراب:
-ايه ده مالك؟ 
أجابتها وهي تتمسك بيدها بشدة مغمضة عينيها من شدة الألم قائلة بخفوت:
-القهوة وقعت عليا 
استمع "يزيد" إليها فترك الأخرى وتقدم منها متلهفًا، أمسك بيدها وأجلسها على مقعد في المطبخ سائلًا إياها بقلق واضح: 
-أكيد بتوجعك، كانت سخنة؟ وريني كده 
حاول أن يرفع طرف بنطالها للأعلى ولكنها وضعت يدها على يده متمسكة بها هاتفه بأسمه بضعف ثم قالت: 
-أنا كويسه هطلع احطلها حاجه 
سألها ناظرًا إليها باستغراب: 
-وقعت عليكي إزاي؟
نظرت إلى "إيمان" مطولًا وودت لو قالت له أنها هي من سكبتها عليها، عادت النظر إلى عينيه مرة أخرى وأجابته قائلة: 
-وقعت غصب عني
أتت "يسرى" سريعًا بعد أن تركتهم وانحنت أمام مروة قائلة لها بقلق: 
-وريني كده خليني احطلك عليها المرهم ده   
وقف على قدميه وعاد بنظره إلى زوجة أخيه التي كانت على وشك صفع زوجته، تقدم منها ونظر إليها بنظرة الصقر خاصته ثم سألها قائلًا بجدية:
-رفعتي ايدك عليها ليه
أجابته وهي تكذب حتى لا تأتي بالتوبيخ لنفسها أو تعطي فرصةٍ لأحد بالتعديل عليها فقالت بحدة وكأنها المجني عليها: 
-علشان مراتك مش متربية ولا محترمة ومحتاجة تتأدب من جديد...
لم يجعلها تكمل وصلة توبيخها لزوجته حيث صرخ بها بعنف وغضب بعدما أمسك معصمها يضغط عليه بحدة شديدة جعلتها تتألم: 
-أخرسي.. هو أنا يعني مش عارفك يا إيمان هانم ولا عارف مراتي، قسمًا بالله لو ما كنتي مرات أخويا لكان هيبقالي تصرف تاني خالص معاكي، بس أنا لسه عامله إحترام
نظرت إليه وإلى تلك التي خلفه تنظر إليها بضعف والأخرى تضع لها ذلك الكريم ليعالج ما سببته هي، ثم جذبت يدها منه بألم وتركته وخرجت من المطبخ عازمة أمرها على تخريب الأمر على الجميع ليس هي فقط
عاد "يزيد" بنظره إلى "مروة" التي نظرت إليه بضعف وقد كان الألم يظهر على وجهها أخفض بصره على قدميها الذي عالجتها "يسرى" ليرى معظم ساقها الأبيض فقد سكبت القهوة على فخذها، وقفت مروة سريعًا بخجل ثم عدلت بنطالها البيتي ونظر هو إليها بضيق من تصرفها ثم تقدم منها أخذًا يدها قائلًا بهدوء: 
-تعالي ارتاحي فوق شوية واحكيلي اللي حصل   
صعد بها إلى الأعلى حيث غرفتهم، ولج معها إلى الداخل وجعلها تجلس على الفراش بهدوء ومن ثم جلس جوارها ناظرًا إليها بهدوء شديد عاقدًا يديه مع بعضهم البعض أمامه، هتف متسائلًا باستغراب: 
-ايه اللي حصل؟، احكيلي
نظرت إليه هي الأخرى وشعرت أن الألم يزول شيء فـ شيء، تحدثت بهدوء وهي تعتدل ساردة إليه ما دار بينها وبين "إيمان" داخل المطبخ..
نظر هو إليها بشك بعد أن انتهت من حديثها، تريث قليلًا ثم سألها باستغراب: 
-القهوة وقعت عليكي إزاي؟
ترددت في الحديث فقد قالت له من قبل أنها من سكبتها وهو يعاود السؤال مرة أخرى بشك، أجابته بتردد قائلة:
-قولتلك وقعت غصب عني
وقف على قدميه ثم هتف بحنق وضيق من تصرفها مع "إيمان" فهو قد نبه عليها من قبل ألا تجيب أحد يريد مضايقتها ولكنها لم تفعل كما قال ضاربة بكلامه عرض الحائط: 
-هو أنا مش قولتلك مترديش على حد منهم مسمعتيش الكلام ليه 
نظرت إليه بذهول فقد كان يقول حديث غير معقول هي تصمت منذ أن أتت ولم يتغير شيء، تحدث معهم بألا يزعجونها ولم يتغير شيء، وعندما ردت عليهم أيضًا لم يتغير شيء،  أجابته بحدة قائلة:
-أنتَ بتقول ايه؟ عايزني أسكت لحد امتى دي تقريبًا مفكرة إني خدامة عندها.. لأ والله الخدامين حتى مش بيتعاملوا كده، مش فاهمه ليه الكل كارهه عيلتي وأنتَ مش بتقولي حاجه أنا بجد تعبت من العيشه دي 
زفر بضيق شديد وهو يعلم أن معها كامل الحق في حديثها، تقدم منها وجلس مرة أخرى جوارها على الفراش واضعًا يده خلف ظهرها يربت عليه بحنان ثم تحدث قائلًا بهدوء: 
-معلش أنا آسف.. أنتِ معاكي حق، يلا قومي غيري هدومك والبسي حاجه مفتوحه بدل البنطلون علشان تحطي مرهم تاني 
نظرت إليه باستغراب بل بـ اندهاش كيف يتحدث بهذه البساطة وهذا الهدوء، يغير مجرى الحديث حتى لا تسأله عن شيء لا يريد الإجابة عنه!.. نعم إنه دائمًا يفعل هكذا..
وقفت على قدميها بهدوء متقدمة ناحية الدولاب لتأخذ ما يناسبها من الملابس ثم توجهت إلى المرحاض بنفس ذلك الهدوء وهي تنظر إلى عينيه مستغربه من تحوله بينما هو يعلم ما تفكر به ويعلم أن هناك أسئلة برأسها تريد الإجابة عليها ولكن هو لن يستطيع فعلها لن يجازف بأي شيء ولو كان صغيرًا فهو مشتت الفكر ولا يدري ما الذي سيفعله بعد انتهاء تلك الهدنة التي أخذوها سويًا.. 
                   ________________
حية وتلتف حول عنقك بالمحبة!، لتأتي بخلاصك بين يديها وكأنك المذنب للوثوق بها..
دلف "فاروق" غرفته بعد منتصف الليل ليريح جسده قليلًا من كم المتاعب الذي تلاحقه في عمله، ولكن لم يكن يحذر أبدًا فوجد "إيمان" تجلس على الأريكة بالغرفة تسيل دموعها من عينيها بكثرة فكر في لحظات عن سبب ذلك الوضع الذي هي فيه ولم يجد سبب فهو يعلم أن الجميع لا يخالفها في شيء ووالدته تحبها إذًا ما الأمر؟..
تقدم منها وجلس جوارها ناظرًا إليها باستغراب ثم هتف متسائلًا بصوت مُرهق قلق:
-مالك يا إيمان في ايه؟
وكأنها كانت القشة الذي قسمت ظهر البعير، انفجرت في وجهة وهي تزيل دموعها المزيفة قائلة بجدية وتهكم:
-مالي؟ مالي ايه وأنا مش عارفه أعيش في البيت ده 
زفر بحنق وضيق ثم تقدم منها في جلسته والتقط كف يدها بين يديه وحاول التحدث بهدوء قائلًا: 
-ايه اللي حصل بس ما أنتِ عايشه فيه من زمان 
أجابته بسخرية جلية وبصوتٍ عالٍ وهي تجذب يدها منه واقفة على قدميها تواجهه بحدة: 
-اديك قولتها زمان مش دلوقتي ما خلاص البيت بقى بتاع بت طوبار
زفر مرة أخرى بضيق أكبر من ذي قبل فقد كان لا يريد شيء إلا بعض الراحة: 
-ما تقولي ايه اللي حصل يا إيمان ياباي.. عملتلك ايه يعني 
جلست جواره ونظرتها الخبيثة تلتمع في عينيها تظهر لمن يريد معرفة الحقيقة حقًا ولكن هو لم يكن كذلك فلو كان يريد المعرفة لعلم بغير ذلك كثير من الأشياء المخفية، تحدثت وهي تارة تصيح وتارة أخرى تبكي لتجعله يتعاطف معها تشكي له من أخيه وزوجته وكأنها الملاك البريء في كل شيء..
وقف على قدميه ينظر إليها بشك جلي ثم تحدث سائلًا إياها بقلق بالغ: 
-يزيد عمل كل ده معاكي.. ومراته الغلطانه كمان! 
وقفت أمامه تظهر ضعفها وقلة حيلتها لتأخذه لصفها ويحدث ما يحدث بينه وبين أخيه: 
-يقولي اخرسي يا إيمان هانم هو أنا يعني مش عارف عمايلك! ومسكني كده ليه هو أنا كنت ايه يعني دا أنا اللي شايله البيت ده من زمان أوي حتى أختك وقفت مع مراته بقى أنا حرباية بيقولي يا حرباية يا فاروق... أنتَ لازم تجبلي حقي زي هو ما عمل مع مراته الغلطانه كمان 
وقف ينظر إليها ويستمع إلى كلماتها الخبيثة المليئة بالكره لهم، وهي بدورها أخذت تلقي على أذنه كلمات قاسية وعنيفة تجعله لو كان يريد الصلح لـ أراد الخراب للمنزل بأكمله، مدعية قلة حيلتها وضعفها أمام أخيه وعليه هو أن يجلب حقها منه ومن زوجته..
                   ________________
                               "يُتبع"
  "ما يجعل الإنسان مُشتت هو عدم المعرفة!،
      قد يكون هذا أو ذاك ولكن لا تدري أي 
          منهم فتصبح مُشتت الفكر"..
سارت في وسط الحقول الخضراء كما تحب أن تفعل دائمًا في هذه البلدة ولكن كل مرة تكُن تفكر في شيء مصيري يحدد مجرى حياتها، تنفست بعمق رائحة الهواء الرطب الذي كان يداعب خصلاتها الذهبية، وضعت يدها أمام صدرها وسارت تتذكر لحظاتها معه، كلماته، نظراته الحنونة تارة والغاضبة تارة أخرى، نظراته وكلماته التي أحيانًا تحمل معنى الحب الخالص وأحيانًا أخرى ترى التشتُت الواضح عليهم..
هي ليست فتاة صغيرة لا تفهم معنى للحياة بل هي كبيرة تفهم جيدًا ولكن هناك ما يُخفى عنها!.. هناك ما لا يريد أن تعلم به، والجميع حقًا تحمل لهم الشفقة والسخرية فلو علمت ما يدور حولها لحاولت تصليح الأمور، لكانت الآن زوجته حقًا، لكان كل شيء بينهم يسير كأي زوجين حقيقيين ولكن هذا لم يحدث ولن يحدث إلا عندما تكشف الحقائق وهم وحدهم يعلمون بها، هو! وعائلته البغيضة..
ألا يريد أن تكون زوجته حقًا؟، ألا يريد أن يعيش معها أسعد لحظات حياته؟، وإن كان يريد لما لا يخبرها كل شيء هم يريدونه؟ لما دائمًا يتهرب من إجابة أسئلتها؟، هي ترى بوضوح الحب في عينيه أو أنها تتوهم لأنها منجذبة إليه وبشدة؟ لا هذا ليس توهم أنه حقًا يحبها، لهفته، قلقه، تصرفاته ونصفه لها أمام الجميع يجعلها ترى الحب به..
وهي تنجذب إليه يومٍ عن آخر، تريد رؤيته دائمًا أمامها، تريد رؤية ضحكته، ابتسامته، رؤيته من بعيد وهو على ظهر "ليل" يركض للبعيد ويعود، النوم جواره وأن تنعم بأحضانه وهو غافي غير واعي لما تفعله، جميع ما به يجذبها إليه فقد تخلى عن غروره معها، لم ترى عنجهيته منذ فترة، لم ترى نظرة الصقر الذي عرفته بها فقط ترى نظرات حب وهيام..
من يستمع إليها الآن سيضحك بشدة، يالا السخرية هل هذه نفسها التي بيوم عرسها كانت تريد تصنع الإغماء لتهرب منه؟.. هل هذه نفسها التي كانت تريد الهرب وليذهب الجميع للجحيم، لم تكن تعلم أنه هكذا لم تكن تعلم أن هذا سيحدث ولم تكن تعلم أنها ستريد القرب الدائم منه وربما أكثر..
ابتسمت بهدوء ورقة وهي تضع يدها على شفتيها بخجل تتحسس موضع قبلته حينما حاصرها في الغرفة مقتربًا منها ليأخذ قبلةٍ رقيقة ناعمة من شفتيها..
عادت من تفكيرها على صوت شخصٍ قريب منها يتحدث بصوتٍ عالٍ ليلفت انتباهها: 
-الجميل نزل بلدنا تاني.. ياه دي نورت وربنا 
نظرت إليه رأته شابًا يبدو في مثل عمر يزيد وسيم هو الآخر ولكن هي تعرفه، رأته من قبل، ضيقت عينيها ناحيته محاولة تذكر أين رأته إلى أن تذكرت فنظرت إليه بحدة قائلة بجدية: 
-هو أنتَ مش بتزهق ولا ماشي تعاكس في خلق الله وخلاص 
ابتسم باتساع بعدما أقترب منها وسار على بعد خطوةٍ واحدة ليقول بهدوء مُبتسم: 
-ولا ده ولا ده بس أخر مرة شوفتك هنا كانت من شهور ودي تاني مرة أهو يبقى لازم أعرف أنتِ مين ولا أنا غلطان؟
استدارات زافرة بحنق وضيق من كلماته ثم هتفت وهي تبتعد عنه: 
-مجنون 
سارت عائدة إلى المنزل مرة أخرى والذي لم تبتعد عنه كثيرًا تاركة ذلك الشخص الأبله دون إجابة أخرى أو حتى تعطيه بعض التركيز، نظر هو إليها مبتسمًا بسخرية فهو فقط يريد أن يعلم من هي لا أكثر من ذلك فهناك من تشغله، وجدها تدلف إلى منزل "الراجحي" بكل أريحية ليستغرب كثيرًا من أين هي تعرفهم، وما علاقتها بهم فهو يعرفهم جيدًا ولم يراها معهم من قبل..
                 ____________________
استمعت إلى أصواتهم العالية وهي تدلف من البوابة وقد كان من بينهم صوت زوجها العالي للغاية، استغربت كثيرًا من الذي يحدث وما الذي أوصلهم إلى ذلك الأمر فهي تعلم أنهم عائله واحدة ولا يحدث هذا عادة بينهم..
دلفت إلى الداخل حيث هم متواجدين لترى الجميع ينظر إليها بينما ابتسم "فاروق" بسخرية قائلًا وهو يشير ناحيتها: 
-اهي الهانم شرفت 
تقدم منها يزيد بلهفة وقلق قابضًا على معصم يدها متحدثًا بجدية وهو ينظر إليها: 
-كنتي فين؟
نظرت إلى الجميع بغرابة هل هي من أحدث هذا القلق بينهم لغيابها في الصباح هكذا أم ماذا، تحدثت مجيبة إياه بقلق وتردد: 
-كنت بتمشى
تحدث "فاروق" مرة أخرى بعصبية مشيرًا ناحيتها بغضب وحدة: 
-الهانم كانت بتتمشى ولا على بالها مفكرة نفسها لسه عايشه في البندر 
نظرت إلى يزيد وكانت تود بشدة أن تجيبه على هذه الكلمات اللاذعة، هناك حقًا رغبة ملحة تُريدها أن تُجيب عليه وتجعل الجميع يقفون عند حدودهم ولكن ترك "يزيد" يدها بحدة متقدمًا من أخيه بعصبية والغضب يعمي عينيه قائلًا: 
-مش هسمحلك يا فاروق تتكلم مع مراتي بالأسلوب ده 
تقدم الآخر منه قائلًا بحدة وعصبية فقد رسخت زوجته بداخل عقله كلمات مسمومة من الأمس إلى اليوم ليأتي بحقها التي تدعي أنها تريده بسبب ظلمهم إليها: 
-أنا هنا الكبير من بعد عمك وكل اللي أنا عايزه هو بس اللي هيحصل ولا تكونش نسيت يابن الراجحي 
أجاب "يزيد" وهو ينظر داخل عينيه بقوة: 
-كبير على نفسك يا فاروق مش عليا ولا على مراتي.. أنا هنا مسؤول من نفسي وهي مسؤوله مني.. سمعت يا فاروق 
صاحت والدته بعد أن طفح كيلها من تصرفات ابنها الذي من المفترض يأتي بحق الجميع من عائلة "طوبار" ولكن ما يحدث الآن أن ابنة تلك العائلة أوقعت الشقيقين ببعضهم وترى أن ابنها قد عشقها حقًا حتى يقف هكذا أمام الجميع للدفاع عنها: 
-اخرس يا يزيد.. أخوك الكبير غصب عنك وعن الكل.. بت طوبار هتفرقكم عن بعض ولا ايه، قدمها قدم خراب على البيت كله
فرت دمعة من عينيها حزنًا على ما تعرضت له من تلك العائلة، استدارت لترحل عنهم جميعًا ولكن يده منعتها عن ذلك، خلل أصابع يدها بأصابع يده وتمسك بها بشدة أمام الجميع ثم هتف بقوة وجدية دون خجل: 
-هريحكم مننا إحنا الاتنين 
استدار بها ليرحل عنهم عائدًا إلى بيته في القاهرة ولكن كلمات شقيقه الجادة جعلته يقف مكانه دون تحرك: 
-بلاش يا يزيد وإلا هخليها تخرب على دماغ الكل وأنتَ أولهم
يعلم أنه يفعلها، إنه "فاروق" النسخة الثانية من قسوة "سابت الراجحي"، سيقول لها سبب الزواج الحقيقي ويخرب كل ما بدأه معها، ستتركه لا محال ولن تعود إليه أبدًا..
استدار ينظر إليه فابتسم أخيه قائلًا ببرود وتهكم:
-أنتَ عارف إني أعملها 
في تلك اللحظة لم يكن يعلم ما هو شعوره ناحية أخيه، هل هو الكره أم الحقد أم ماذا، فهو في تلك اللحظة لم يراه إلا وهو يريد تخريب زواجه..
استمع إلى صوت تلك المرأة الخبيثة تقول بابتسامة متهكمة بسخرية: 
-بدافع عنها باستماته ولا كأنك عارف سبب الجواز يا أخو جوزي 
أتعلم هي أيضًا السبب الحقيقي!؟. ولما لا فـ أخيه كالخاتم بأصبع زوجته تفعل به ما يحلو لها في أي وقت..
أجابها بعصبية وحدة وقد فاض الكيل به من كم الكلمات السمومة التي سمعها: 
-أنتِ تخرسي خالص كل ده بسببك أنتِ 
صاح شقيقه هو الآخر بعصبية مدافعًا عن زوجته: 
-أخرس أنتَ يا يزيد 
غضبه يعمي عينيه حقًا، عصبيته تبتلعه إلى داخلها، كاد أن يذهب إليه ليمسك بعنقه ويفتك به بسبب هذا الغضب الذي يعتريه من أجله هو وزوجته ولكن أستمع الى صوتها الضعيف تهتف باسمه وهي تجذب يده إلى خارج الغرفة لتبتعد عن الجميع به فهو الذي كان يقف ضدهم معها ولكن هناك ما يخفى حقًا..
                  __________________
جلس على الأريكة في غرفة الصالون الصغيرة التابعة لغرفة نومهم وجلست جواره بتوتر ثم تحدثت قائلة بحزم: 
-ليه كل اللي حصل تحت ده يا يزيد ايه السبب؟
نظر إليها بغضب ثم أجابها وهو يبتعد بوجهة للناحية الأخرى قائلًا بحدة: 
-أنا مش فايق للأسئلة بتاعتك دي 
نظرت إليه باستغراب ودهشة فهي ليست لها ذنب فيما حدث منذ قليل بل هو من المفترض أن يخفف عنها فالجميع أهانها بكلمات أو بأخرى، وضعت يدها أسفل ذقنه وجعلته يستدير إليها وتحدثت بجراءة وحزم قائلة: 
-اومال هتفوق امتى أنا كل ما بسألك عن حاجة يا أما بتهرب من الإجابة يا أما بتكدب عليا، جاوبني ايه اللي حصل؟
أجابها قائلًا بنفاذ صبر: 
-فاروق كان بيحاسبني علشان اتعصبت على إيمان امبارح لما كانت هتضربك ومش مقتنع أنها هي اللي غلطانه كالعادة وشدينا في الكلام قصاد بعض زي ما شوفتي ها مرتاحة كده؟ 
مرة أخرى نظرت إليه تلقي عليه سؤالًا أخر تريد الإجابة عليه بشدة: 
-أنتَ مسكت ايدي وكنت ماشي وقفت ليه بعد كلام فاروق.. ايه اللي ممكن يعمله وبيهددك بيه؟
وقف على قدميه مبتعد عنها ثم دلف إلى غرفة النوم ومن بعدها دلف إلى المرحاض متهربًا من الإجابة ولكنها لم تتركه، دلفت خلفه إلى المرحاض ثم تحدثت بحزم وجدية شديدة: 
-مش هسيبك غير لما أعرف كل حاجه أنا من حقي أعرف
صاح بصوتٍ عالٍ وهو يشير بيديه قائلًا بعصبية: 
-مفيش حاجه، ده أخويا يهددني بـ ايه، ايه الجنان اللي بتقوليه ده فكري في كلامك قبل ما تطلعيه 
أغمضت عينيها بقوة ثم فتحتهم وهتفت قائلة بضجر بعدما انتهى من حديثه الذي لا يدخل عقل طفل صغير إذا استمع إلى تهديد أخيه له: 
-هعتبر نفسي صدقت كلامك ده.. قولي بقى ايه السبب اللي كانت بتتكلم عنه إيمان؟ ايه سبب جوازنا 
ضرب بيده عرض الحائط بعصبية وقد قارب على فقد عقله بالكامل مما يحدث معه لينفجر قائلًا مرة واحدة بصوتٍ عالٍ وغضب جلي فجره بها: 
-هيكون ايه يعني هو أنتِ محضرتيش الجوازة مثلًا ولا مش عارفه إحنا اتجوزنا ليه؟ تحبي افكرك اتجوزنا علشان التار اللي بينا علشان ابن عمك الك** ده مايموتش ارتاحتي كده، يلا أخرجي بره 
خرجت وتركته يعاني وحدة من ذلك الحمل الثقيل الذي يكاد يفتك به وبروحه، تركته يعاني مع ذلك السر الذي لو علم به الجميع لم يضع بباله ولكن هي فقط من يريده لا يعلم بشيء، نظر إلى انعكاس صورته في مرآة المرحاض وقد حضر ضميره مرة أخرى بعد أن استفاق من غيبوبته معها..
بينما هي لم يدخل عقلها كل ما تحدث به ومازالت تريد أن تعلم الحقيقة ولكن الشيء الوحيد الذي يجعلها سعيدة في وسط ما حدث هو وقوفه جانبها، وأخذ مكانة السند لديها أمان الجميع..
                  __________________ 
وهي تجلس في الحديقة على مقعد خشبي جذب انتباهها رائحة تعلم صاحبها جيدًا، لم تغفل عنه دقيقة واحدة منذ رحيله، دقات قلبها تسارعت وسارت تقرع كالطبول، خافت من أن تستدير لتراه يكِن سراب وتتوهم من كثرة تفكيرها به، ولكن هذه هي رائحة عطره حقًا، استدارت بهدوء وهي تدعي بداخلها ألا يكون تخيل وقد كان..
رأته يقف أمامها مباشرةً، كما هو لم يتغير به شيء ربما فقط زادت وسامته عن ذي قبل، نظرت إليه باستغراب واندهاش فهو حقّا أمامها، قالت مبتسمة ببلاهة غير مصدقة تواجده: 
-سامر!
أما عنه فقد رأها وهو يدلف إلى الداخل، يعلم أن هذه جلستها منذ زمن، وقف خلفها ينظر إلى خصلاتها ويملي عينيه من جمالها، يرى تحركاتها العفوية ويتذكر ضحكاتهم سويًا..
أجابها قائلًا بابتسامة عريضة ونبرة تحمل الهدوء والحنان: 
-أيوه سامر
ابتسمت وحاولت ضبط أفعالها ثم قالت بجدية مبتسمة وهي تسلم عليه بيدها: 
-حمدالله على السلامة، جيت امتى؟
هتف قائلًا بهدوء وابتسامة تزين ثغره:
-الله يسلمك.. أنا جيت امبارح 
نظرت إليه مطولًا بهدوء ثم تحدثت قائلة بحماس وفرحة عارمة: 
-نورت البلد كلها 
ابتسم إليها بصدق وقد كان ذلك ظاهر إلى أبعد حد ثم سألها باستغراب وتساؤل: 
-مين اللي دخلت عندكم الصبح ولون شعرها أصفر أو بني كده
استغربت سؤاله ثم أجابته بعد أن تذكرت "مروة": 
-قصدك على مروة؟ 
سألها مرة أخرى باستغراب وهو يريد أن يعرف من تكون وما درجة القرب بينهم: 
-مين مروة دي 
ابتسمت باتساع ثم أجابته متهكمة بسخرية: 
-آه صح ما أنتَ كنت غايب عننا ومحدش عارف يوصلك.. المهم يا سيدي مروة تبقى مرات يزيد أخويا
دُهش بشدة مما أستمع إليه فكيف "يزيد" تزوج ومتى ومن هذه الفتاة وأين وجدها ولما لم يخبره؟، تحدث قائلًا بهدوء: 
-إيمان فين أسلم عليها ويزيد؟
-جوه تعالى 
أخذته إلى الداخل حيث أخته وصديقه الذي لم يراهم منذ فترة طويلة، بينما هي تسير بجانبه والسعادة تجتاح كيانها فقد عاد حبيب القلب والعقل والروح، عاد إلى موطنه الأصلي بجوارها دون أن يشعر سوى ببعض النظرات والكلمات اللطيفة من جانبه..
               ________________
بعد أن سلم على أخته بحرارة دلف إلى مكتب صديقه ليراه جالس خلفه وفور دخوله إليه رفع "يزيد" نظره إلى الباب ليراه يقف أمامه، ابتسم باتساع ثم وقف على قدميه متقدمًا وفعل الآخر المثل، اقترب منه محتضنًا إياها مسلمًا عليه بحرارة وشوق كبير، ربت "يزيد" على ظهره ثم تحدث قائلًا: 
-ايه المفاجأة الجامدة دي يا وحش.. حمدالله على السلامة
ابتعد "سامر" إلى الخلف وذهب خلف "يزيد" بعد أن تقدم ليجلس على الأريكة بالمكتب وجلس جواره، تحدث مبتسمًا بهدوء: 
-بس ايه رأيك مفاجأة جامدة فعلًا
أجابه "يزيد" وهو يعتدل ناظرًا إليه بهدوء ثم هتف متسائلًا باستغراب:
-مقولتش ليه انك جاي كنت جبتك من المطار 
أجابه الآخر قائلًا: 
-ياعم ما قولنا مفاجأة.. المهم قولي ايه الدنيا معاك وايه اللي سمعته ده أنتَ بجد اتجوزت؟
ابتسم "يزيد" بسخرية جلية وواضحة رأها صديقة ليخاف من القادم، ولكن "يزيد" تحدث قائلًا ببرود: 
-ما بلاش أنتَ لسه جاي مش حمل حوارات 
ابتسم "سامر" باتساع ثم تحدث بحماس قائلًا: 
-لأ قول كل حاجه ودلوقتي تعرفني اتجوزت إزاي من غيري ومن غير حتى ما أعرف دي مكانتش سفرية ياخي اللي تبدل حالك كده 
ابتسم بسخرية لاذعة ثم وقف على قدميه وذهب لينظر من خلف زجاج الغرفة موليًا ظهره إليه ثم بدأ بهدوء أن يقص على صديقه ما حدث منذ أول يوم تحدثوا به عن زواجه إلى التعرف على ملاكه في وسط الحقول إلى اكتشافه أنها نفسها ليكُن قدره ميسر معها ومن ثم ما حدث بينهم إلى اليوم من شد وجذب من الطرفين وحادثه عن شعوره تجاهها..
ذُهل "سامر" من هذا الحديث الذي أستمع إليه وسار يفكر كيف لـ "يزيد" أن يفعل هذا؟ كيف لشخص عادل مثله يفعل ذلك بفتاة ليس لها ذنب في ما يحدث للجميع؟، كيف له أن يفكر بهذه الطريقة الرخيصة؟..
تحدث بذهول متسائلًا باستغراب: 
-أنتَ إزاي تعمل كده؟، هي أكيد متعرفش أي حاجه حصلت ولا هي اللي قتلت ابن عمك دا أنتَ بتقول كمان أنها مكنتش عايشه هنا 
ابتعد "يزيد" عنه يهرب من كلماته التي علم طريقها إلى أين يذهب ووقف يوليه ظهره ثم تحدث ببرود: 
-أهو اللي حصل
صرخ عليه صديقه بسبب رؤية اللا مبالاة الذي يتحدث بها ولا يهمه الأمر: 
-حرام عليك يا يزيد ذنبها ايه أنها تعيش معاك وأنتَ بتخدعها، حط يسرى مكانها 
صرخ الآخر مجيبًا إياه بصوتٍ عالٍ وعصبية شديدة وقد كان يريد هذا حقًا: 
-حرام عليا ايه؟ أنتَ مش عارف أنا حاسس بـ ايه ولا ضميري عامل فيا ايه، متعرفش بفكر في ايه وأنا بشوفها نايمة جنبي ومأمنه ليا، أنا في نار جوايا ولو بأيدي أمسح كل اللي حصل زمان هعمل كده بس مش بأيدي مش بأيدي يا سامر 
اشفق الآخر على وضعه فهو حقًا يعاني دون أن يعلم أحد، تحدث مقترحًا عليه: 
-خدها وامشي من هنا ياخي قاعد ليه ما أنتَ طول عمرك قاعد في القاهرة 
أجابه بعد أن جلس على الأريكة ووضع رأسه بين كفيه مهمومًا على ما يحدث: 
-فاروق هيقولها ويقول للكل ويخربها فوق دماغي 
مسح "سامر" وجهه بعنف ثم نظر إليه بهدوء وتحدث قائلًا بجدية شديدة بعد أن وجد أن ذلك هو الحل الأمثل: 
-يبقى تقولها أنتَ على كل حاجه 
ضحك "يزيد" بسخرية وهو ينظر إلى صديقه متحدثًا بتهكم: 
-آه وفكرك هتبص في وشي بعد كده؟
نظر "سامر" إلى أرضية الغرفة بضعف فلا يوجد حل مناسب لتبقى معه بعد أن تعلم أو حتى يوجد حل لعدم فعل ذلك، يشفق كثيرًا عليه فعندما رأي ملاك خطف أنظاره كانت هي دون الجميع..
جلس يزيد يفكر هل سيستمر الوضع هكذا؟ وإلى متى؟ 
↚ 
                  _________________
حاولت "مروة" أن تأخذ من "يسرى" شيء يفيدها في أن تعلم ما يحدث، جلست جوارها على الأريكة في غرفة الصالون التي بغرفتها هي و "يزيد" ثم تحدثت قائلة بتساؤل: 
-يسرى ايه السبب لجوازنا أنا ويزيد غير اللي أنا أعرفه 
ابتسمت "يسرى" بهدوء وعقلانية ثم تحدثت بحزم وهي تضغط على يد مروة: 
-أنا والله معرفش أي سبب تاني غير اللي أنتِ تعرفيه وحاولي يا مروة متفكريش في الموضوع ده 
وقفت مروة أمامها تهتف بحدة وعصبية فهي تكاد تجن من الذي يحدث حولها من الجميع: 
-مفكرش إزاي؟ الكل بيتكلم في الموضوع ده وأنا من حقي أعرف لو فيه سبب تاني ليه يزيد اتجوزني؟ مش أنا اللي اخترعت ده لأ دول هما اللي قالوا.. طب قوليلي ليه فاروق مش عايز يزيد يمشي من هنا؟
هزت الأخرى رأسها يمينًا ويسارًا باستنكار يدل على عدم معرفتها شيء فقالت "مروة" بحنق: 
-حتى يزيد مش بيحكيلي أي حاجه وديمًا بيخبي عني.. أنا بحس بده  
وقفت "يسرى" أمامها ثم تحدثت قائلة بهدوء وهي تقترب منها: 
-علاقتك أنتِ ويزيد اتحسنت مليون المية حرام عليكي تعكنني على نفسك وعليه بالطريقة دي سيبك من إيمان وفاروق وماما يزيد مش بيسكت لحد خصوصًا لو قربلك أنتِ، عيشي يا مروة معاه وسيبك من أي حد، معقولة مش شايفة التغير اللي حصله؟
تقدمت مروة من الأريكة وجلست عليها بهدوء تفكر في كلمات شقيقة زوجها فهي محقة، هناك تغير كبير في علاقتهم وهي من جديد تريد إجابات لأسئلة غبية مثلها، جلست "يسرى" جوارها بهدوء هي الآخر، استدارات مروة تنظر إليها ثم سألتها فجاة: 
-مين اللي كنتِ واقفه معاه تحت في الجنينة ده 
ابتسمت "يسرى" بهيام وحب واجابتها بهدوء: 
-ده سامر أخو إيمان
ضيقت "مروة عينيها ثم تحدثت بسخرية وتهكم: 
-صح مهو مش معقول يكون سمج كده لله وللوطن
أجابتها الأخرى سريعًا بلهفة وحماس وهي تصلح لها ما قالته عن من هواه القلب: 
-لأ بالعكس يا مروة سامر ده غيرها خالص حاجه كده مفيش زيها، جميل وحنين وطيب و....
تريثت قليلًا ومن ثم تحدثت قائلة باستغراب: 
-وبعدين أنتِ عرفتيه منين علشان تقولي عليه سمج؟ 
ابتسمت "مروة" باتساع ثم اعتدلت في جلستها حيث استدارت بجسدها كليًا لتواجهه "يسرى" تحدثت بتهكم صريح قائلة: 
-خلينا فيكي الأول وبعدين أقولك عرفته منين، ايه هي غمزت.. لأ غمزت ايه دي شكلها واقعة خالص 
ضربتها "يسرى" بخفة في ذراعها وهي تبتسم بخجل قائلة بجدية: 
-لأ على فكرة ده صاحب يزيد أوي وعيب اللي بتقوليه ده 
غمزت إليها "مروة" متحدثة بعبث معها:
-يابت؟.. لأ لأ قولي بقى بجد شكل في حاجه صح؟  
ابتسمت "يسرى" بخجل وهي تنظر إليها باهتمام ثم تحدثت بشغف وحب خالص: 
-بحبه يا مروة لأ بحبه ايه ده أنا بموت فيه، تصدقي إني بحبه من تلت سنين وعمري ما اتشجعت وقولتله ولا عمري هعملها، بحب أشوفه دايمًا قدامي وأكلمه، بحب أشوف ضحكته بحس إني طايرة في السماء لما بس يضحكلي 
استمعت إلى كلماتها وقد كان هذا نفس ما تشعر به تجاه "يزيد"، هل من الممكن أن تكن علاقتهم تطورت إلى أن أصبحت تحبه؟!..
نظرت إلى"يسرى" ثم سألتها قائلة بجدية متسائلة: 
-طب وهو؟
-هو يدوب من قبل ما يسافر بس وهو بيلمحلي كده بنظرات أو كلام.. كان مسافر بقاله ست شهور أهو كانت روحي بتطلع فيهم وأنا مش شيفاه وكنت بخاف أكلمه يفكرني حاجه كده ولا كده 
استكملت حديثها مرة أخرى وهي تسألها باستغراب: 
-عرفتيه منين بقى؟
لم تريد "مروة" أن تجعلها تراه بصورة غير لائقة أو تخرب الود بينهم بسبب المواقف السخيفة الذي رأته بها فأجابت قائلة
-كنت بشوفه في الإجازات لما أنزل هنا والنهاردة شوفته بالصدفة وشافني وأنا داخله هنا وكان حابب بعرف أنا مين بس متكلمناش
تريثت قليلًا ومن ثم قالت لها بابتسامة عريضة ونبرة فرحة: 
-ربنا يجعله من نصيبك يا حبيبتي
أجابت الآخرى سريعًا بلهفة: 
-يارب يا مروة يارب
ابتسمت لها وهي تفكر فيما قالته فهي تشعر بكل ما تشعر به وأكثر!، تريد قربه الدائم لها، تريد أن تنعم بأحضانه، وكلماته، تريد أن ترى ضحكته ونظراته، عفويته وكل شيء يفعله، هل هذا بوادر حب؟
               _________________
                               "يُتبع"
شهرًا كاملًا مر عليهم سويًا كما السابق بحلوه ومره، لحظات تكُن بها الحياة جميلة كـ أغنية يتراقص عليها العاشقين تحت أمطار غزيرة بصبحة مشهد رومانسي يجعلك تود المغامرة للحصول على مثله..
ولحظات تكن بها الحياة حالكة سوداء كـ سواد الليل في ليلة رعدية يحدث بها صواعق تجعلك تود الاختباء داخل جحر إلى الأبد..
حاله معها هكذا من الحِلو إلى المُر وعندما يأتي ذلك الحلو يتمسك به وكأنه إذا فقده سيموت لا محاله، يتمسك به وكأنه هو نجاته معها، حقًا هو كذلك لا يود أبدًا أن يكون هناك نزاعات بينهم فلا أجمل منها وقت السكون، ولا أروع منها وقت الصفاء، ولا أرق منها وقت المغازلة..
فريدة،.. فريدة بنوعها ولا يوجد مثلها، يريدها،.. يريدها بكل جوارحه، الإبتعاد عنها كأنه أبتعد عن اكسجين الحياة، يرى الحاضر والمستقبل معها هي وحدها، يرى نفسه زوج حقيقي لها بعد أيام، يرى أولاده منها في المستقبل، ولا يوجد سوى عقبه واحدة فقط أما أن تجعله يعود كما كان "يزيد الراجحي" صاحب نظرة الصقر والذي يحمل قساوه وعنجهية مفرطة أو أن يكون "يزيد الراجحي" رجل عاشق لزوجته.. 
نظر إلى أخيه الجالس أمامه خلف مكتبه بهدوء شديد كما أعتاد في تلك المواقف، تحدث قائلًا بهدوء متسائلًا: 
-طلبتني ليه في حاجه مهمة؟
ابتسم الآخر بسخرية ثم نظر إلى داخل عينيه بقوة متحدثًا بتهكم صريح:
-فين الورق يا يزيد؟ 
استغرب "يزيد" من سؤاله وعن أي ورق يتحدث، تصنع ذلك ببراعة، اعتدل في جلسته وهتف قائلًا باستغراب وتساءل: 
-ورق ايه مش فاهم 
تقدم "فاروق" إلى الأمام وشبك أصابع يده ببعضها على ظهر المكتب ومن ثم هتف متسائلًا ونظر إليه مترقب أجابته: 
-أنتَ لسه مخلتهاش تمضي على الورق؟
أدار رأسه للناحية الأخرى زافرًا بحنق وضيق من حديثه فهو لا يود أن يستمع إلى كلماته الآن بالتحديد، تابع فاروق قائلًا بحنق:
-أنتَ ايه بالظبط؟.. مش قولت أيوه حق العيلة وحق أمي وابن عمي وحق الكل... ايه جاي تنخ دلوقتي لمراتك ولا تكنش حبيتها؟
ابتسم بسخرية بعدما انتهى أخيه من حديثه ثم سأله هو قائلًا: 
-ايه مش من حقي أحب؟
أجابه الآخر قائلًا بحدة وهو يقترب منه برأسه مؤكدًا حديثه بالضغط عليه: 
-مش دي، حب براحتك واتجوز براحتك إنشالله حتى تتجوز أربعة لكن مش دي مش بت عيلة طوبار، هي هنا علشان حاجه واحدة بس 
وقف "يزيد" على قدميه موليه ظهره يفكر في حديثه بجدية شديدة ثم استدار إليه وصاح قائلًا بهدوء: 
-اعتبروني مقولتش حاجه.. أنا مش هكمل في اللعبة دي خلاص مروة بقت مراتي وأنا هكمل معاها حياتي واللي عايزينه اعملوه بس متستنوش مني حاجه 
كاد أن يخرج من المكتب بعد أن ألقى بتلك الكلمات عليه ولكنه وقف أمام الباب مباشرة ويده على المقبض عندما وجد أخيه يضحك بـ هستيرية، نظر إليه بشك من على بعد يحاول التفكير في سبب لتلك الضحكات التي عبت أرجاء المكان..
صمت "فاروق" بصعوبة شديدة عن الضحك وقف على قدميه هو الآخر ينظر إليه بسخرية ثم تحدث بتهكم وعنجهية قائلًا: 
-فكرك لما تقول كده هنسكت؟ عارف عمك اللي باعتني أكلمك وكان مفكر أنك يزيد اللي رباه بس يخسارة.. المهم خليني أعرفك حاجه مهمة أنتَ لو فكرت مجرد تفكير أنك متعملش اللي اتفقنا عليه أنا بنفسي هقولها... هقولها يزيد اتجوزك علشان ينصب عليكي وياخد كل اللي قدامك واللي وراكي أنتِ وعيلتك.. وهقولها أن كل الحب والحنان دول كانوا من جوا اللعبة علشان بس تسبك الحوار كويس واظن أنها بتدور كده كده على سبب الجواز الحقيقي.. غير أن أمك هتأكد الكلام وعمك والكل وابقى وريني بقى هي هتبص في وشك تاني إزاي 
صمت لبرهة ثم عاود الحديث بتهكم: 
-هيبقى حقها مهو مش معقول تعيش مع واحد متجوزها علشان يسرقها 
ترك "يزيد" مقبض الباب واستدارت إليه بجسده كليًا ينظر إليه بنفور وغضب وضعف بنفس الوقت، تسأل بهدوء قائلًا: 
-ليه كل ده؟
أجابه الآخر بقسوة شديدة تظهر على وجهه دون كلماته كما عمه تمامًا: 
-علشان حقنا.. كل اللي هما فيه ده حقنا وهيرجع.. عارف امتى؟ لما أنتَ زي الشاطر تضحك عليها بكلمتين حلوين وتاخده منها
استدار "يزيد" تاركًا إياه خلفه وضع يده على مقبض الباب ثم فتحه وخرج وهو يفكر فيما قاله أخيه بجدية ففي كلتا الحالتين لن ينجوا إذا كان منهم أو من زوجته، لا يدري ما السبيل الآن في الخلاص من كل هذا، يأخذها ويذهب لن يصمت عمه وأخيه، يعترض كما فعل لن يصمتوا أيضًا وحتى إن أعطاهم ضعف ما عندها لن يأخذوه فهم يريدون ما تمتلكه عائلة "طوبار" إذًا آخر الحلول هو أن يأخذ منها ما تملكه..
                   ________________
ينظر لها من بعيد حيث كانت في غرفة النوم وهو جالس في غرفة الصالون التابعة لها، أمامه حاسوب على الطاولة ينظر إليه تارة وإليها تارة أخرى، بينما هي كانت تمشط خصلاتها أمام المرآة..
في تلك الفترة المنصرمة لم تكن تتواجد بالأسفل كثيرًا، في وقت الطعام وعندما يكون "يزيد" متواجد فقط فهي لا تود التشابك مع أحد سوى أن كان بالحديث أو الشجار، تأتي إليها "يسرى" دومًا إلى غرفتها وتفعل "مروة" المثل حتى لا تختلط بأحد من أصحاب المنزل البغيض على قلبها..
دلفت إلى غرفة الصالون وجلست على المقعد جواره ثم أشعلت التلفاز وتمسكت بجهاز التحكم لتستمع إلى شيء ما حتى لا تشعر بالملل وهو يعمل.. 
أغلق الحاسوب ثم نظر إليها بتردد ولكنه قد عزم أمره على ما سيفعله، سألها متصنعًا عدم المعرفة: 
-مش البيت اللي كنتوا قاعدين فيه ده بتاع عمك يا مروة 
نظرت إليه بعد أن اخفضت صوت التلفاز وأجابته قائلة بجدية متسائلة: 
-قصدك أي واحد؟
استدار إليها بجسده وجلس بأريحية على المقعد جوارها ثم تحدث قائلًا بهدوء: 
-اللي كنتوا قاعدين فيه يا مروة هو أنا شوفت غيره 
ابتسمت بهدوء مجيبة إياه بجدية: 
-لأ البيت ده بتاعي أنا
بمهارة عالية تصنع الاندهاش وأظهره على ملامح وجهه وسألها باستغراب قائلًا: 
-بتاعك إزاي مش المفروض يكون بتاع عمك أو والدك 
تحدثت بمرح وهي تبتسم إليه دون أن يكن في مخيلتها ما يدور بخلده عن الذي سيحدث: 
-أنا مش زي أي حد بردو
ضحك بخفه وهو ينظر إليها ثم عاود من جديد السؤال عن ما يريد، وهو ذكي للغاية سيعلم ما يريد بطريقة غير مباشرة حتى لا يثير شكوكها نحوه: 
-لأ بس إزاي بردو 
جلست القرفصاء أمامه مستعدة للحديث القادم على صفو نية منها دون أن تُخَونه:
-هو كان ملك لبابا.. لأ هفهمك بص يا سيدي عمي قسم الورث بينه وبين بابا وبابا لما أخده قسمه بيني وبين ميار والبيت ده كان من نصيبي وكمان بيت تاني بس أنا بعته وفلوسه في البنك وجيت ابيع ده كمان بابا رفض وقال اخليه ليا لأي ظروف وميار كمان عملت زيي غير طبعًا الأراضي بردو مبعناش حاجه منها لأن عمي مشغلها وبناخد ناصيبنا منها فلوس وغيره من خيرات ربنا
ضيق عينيه ثم سألها محاولًا أن يأخذ كل المعلومات التي يريدها حتى يكن طريق الوصول أسهل: 
-والأراضي بتاعتك دي قد ايه؟
-بتاع عشرين فدان 
ابتسم بهدوء ثم أراح ظهره إلى ظهر الأريكة وتحدث بجدية متسائلًا باستغراب:
-طب ووالدك مالوش حاجه خالص 
نفت حديثه مجيبة إياه وهي تشير بيدها ناحيته تقص عليه بهدوء ما ود معرفته: 
-لأ طبعًا البيت اللي في القاهرة بتاعه هو وكمان شايل فلوس في البنك.. بص إحنا كل واحد فينا عنده ماله الخاص يعني أختي ميار عندها الصيدلية بتاعتها وأنا كان عندي المعرض بتاعي حتى المكان اللي فيه ده ملكي بس بنعرف إزاي نحافظ على الفلوس وكمان بابا كان بيصرف على البيت مش إحنا كان دايمًا بيقولنا كل واحدة تشيل فلوسها لنفسها محدش عارف هيحصل ايه.. يعني كان دايمًا بيحاول يأمن علينا 
اومأ برأسه بهدوء وهو يعاود فتح الحاسوب مجددًا فقد أخذ ما كان يود معرفته ويعلم الآن ما تمتلكه هي ليس سوى المعرض، البيت، الأراضي وبعض المال في البنك، بسهولة استرسلت في الحديث وقصت عليه كل شيء كان يحدث معها ولم تخاف منه أو تهاب غدره، ذلك يجعله يرى نفسه حقير إلى أبعد حد..
وجدها تسأله بعد أن وقفت على قدميها بهدوء متجهة للخارج: 
-تحب أجبلك عصير تشربه 
نظر إليها باندهاش وهو يراها تهم الخروج من الغرفة بهذا الفستان الذي يظهر جسدها بسخاء، سألها قائلًا ببرود:
-أنتِ رايحه فين؟
أجابته سريعًا حتى تخرج قائلة بلا مبالاة: 
-هنزل أجيب عصير واجي
وقف على قدميه مضيقًا ما بين حاجه ينظر عليها من الأسفل إلى الأعلى والعكس وهو يستشيط غضبًا من استهتارها:
-نعم ياختي؟! رايحه فين باللبس ده بتستعبطي 
نظرت إلى نفسها وقد شكت أنها ربما نسيت ولكن وجددت نفسها مرتدية نفس الفستان ذو اللون الأسود الذي به فتحة صدر على شكل رقم سبعة، من دون أذرع، يتوسطه حزام من نفس اللون حول خصرها، يصل طوله إلى بعد ركبتها بقليل، نظرت إليه مرة أخرى باستغراب ثم سألته بدهشة: 
-ماله الفستان مهو كويس أهو
زمجر بغضب من بين أسنانه ثم اقترب منها قاطعًا المسافة بينهم متحدثًا بحدة وجدية شديدة:
-كويس منين بالظبط؟. من الفتحة اللي على صدرك دي ولا درعاتك اللي باينه كلها ولا يمكن نص رجلك اللي برا الفستان.. أنتِ ناسيه إن فاروق تحت وعمي واظن عرفتي إن سامر بيجي في أي وقت هو كمان 
نظرت إليه دون أن تجيبه وودت بشدة أن تبتسم على مظهره وكم كان ظاهرًا عليه مدى غضبة وغيرته عليها، غيرته من أن يراها أحد غيره هكذا، تخلت عن صمتها محاولة العبث معه وهتفت بخفوت: 
 -يعني هو مش حلو عليا 
سريعًا أجابها بالنفي بلهفة وحماس متحدثًا بجدية وهو ينظر إلى زرقة البحر بعينيها: 
-بالعكس جميل أوي عليكي لكن ده لما تبقي هنا معايا مش مع حد غيري فهماني
اومأت برأسها بالايجاب وهي تحارب تلك الابتسامة التي تود أن تظهر على وجهها تزين شفتيها، استمعت إليه يقول بتحذير وحدة: 
-مش عايز كل شوية أعلق على لبسك يا مروة أنتِ أكيد عارفه أنا عايز ايه
عاد مرة أخرى يجلس على الأريكة وبداخله نيران الغيرة مشتعلة، تلك الحمقاء كانت تود أن تهبط لأسفل بهذه الملابس الكاشفة لجسدها، وغيره يرى جمال ساقيها البيضاء، ومقدمة صدرها الذي تخفيها عنه ذاته، التفكير في ذلك يقتله، ماذا لو لم يكن موجود؟ لفعلتها حقًا.. نظر إليها بغضب عندما توقف عقله عند تلك النقطة ووجدها تدلف إلى الداخل لتبدل ملابسها مرة أخرى فحاول أن يهدأ من هذه الثورة بداخله فهي قد استمعت إلى حديثه وهو يعلم أنها لن تفعلها مرة أخرى..
تركته وغادرت الغرفة بعد أن بدلت ملابسها بـ أخرى محتشمة للغاية، عاد بظهره للخلف وأسند رأسه على ذراعيه خلفه وهو يفكر بها وهل أحبها حقًا ويستطيع أن يعترف بذلك أمام نفسه والجميع أم فقط لا يريد الابتعاد عنها؟..
فكر بهدوء شديد هو يحب التواجد معها، يعشق التحدث إليها، يذوب ذوبًا عندما يغازلها ويرى خجلها، يحب كل ما فيها، خصلاتها ذهبية اللون، عينيها ذات الألوان المتعددة، ملامح وجهها، عفويتها، طيبتها، كل شيء بها يجعله يراها مختلفة عن الجميع والجميع سواء..
 الإبتعاد عنها يقتله، يشعر بأن هناك ما ينقصه ولا يستطيع المضي قدمًا دونه، أن ينظر إليها وهي نائمة جواره ذلك شعور آخر لا يستطيع أن يصفه بكلمات، أن تمتد يده إلى وجهها يتحسسه وهي غافية فهذا الأكثر غرابة من الشعور السابق..
يريدها ويحتاج لتواجدها، يريد أن يتم زواجه منها حقًا فهناك رغبة شديدة تلح داخله كلما اقترب منها وشعر برجفتها بسبب حضوره واقترابه منها، رغبة تجتاح كيانه كلما رأي احمرار وجهها من الخجل وتندلع حرارة النيران بداخله تتهاتف ليجعلها زوجته.. وأخيرًا الآن هو يغير عليها لقد شعر بنيران في قلبه عندما خُيل له أن يراها غيره هكذا كل ذلك ويسأل نفسه أيحبها؟ أنه يعشقها فوق العشق عشقًا، يذوب في ضحكاتها ويموت غارقًا في محيطها الأزرق القابع داخل عينيها..
               _________________
"بعد  أسبوع"
كانت تسير في الردهة وهي تضع وجهها في شاشة الهاتف الذي تنظر إليه باهتمام وهي تضغط عليه بيدها، لم تنظر أمامها وهي تسير مما أدى إلى تعثرها في طرف السجادة الذي كان سيجعلها تنبطح أرضًا ولكن وجددت من يتمسك بخصرها بشدة من الخلف فرفعت نظرها إليه لتراه يقف أمامها دون خجل يتمسك بها، نظرت إليه بعيون تحمل العشق له وحده، نظرات ساكرة توزعها على وجهه الذي حرمها منه طوال أشهر غيابه..
بينما هو يفعل المثل، ينظر إلى عينيها البنية وعينه تحمل إليها كل معاني العشق الخالص، انتبه إلى الوضع الذي هم به فاعتدل في وقفته وعدلها معه ثم وقفت أمامه بخجل تنظر إلى الأرضية بعينيها فتحدث هو بهدوء قائلًا:
-مش تاخدي بالك يا يسرى 
نظرت إليه مبتسمة ببلاهة ثم أجابته: 
-كنت مركزة في الموبايل 
ابتسم إليها بهدوء وتحدث بخبث ومكر محاولًا أن يغازلها: 
-لأ خدي بالك بعد كده ما احنا عايزينك بردو 
اعتراها الخجل وأحمرت وجنتيها بشدة فتحدثت محاولة أن تخفف من حدة التوتر الذي داهمها: 
-أنتَ داخل ليزيد؟
-لأ أنا خارج من عنده أهو همشي بقى يلا مع السلامة وخدي بالك من نفسك 
خرج من المنزل وهي تنظر في أثره، تنظر في أثر حبيب عشقته، وتمنت أن يكون زوجها في يومًا من الأيام فكل ذلك الإنتظار يجب أن يأتي بأشياء تحمل السعادة والفرح لا شيء غيرهم..
               _________________
-طيب ما تفهمني واخدني على فين
قالت هذه الجملة بعد أن يأست من أسئلتها الغير مُجابة حيث دلف إلى غرفتهم بصمت غريب وجذبها من يدها عنوة إلى الخارج دون أن يتفوه بحرفًا واحدًا..
وقف أمام غرفة قريبة إلى حد ما من غرفتهم ثم فتحها بمفتاح خاص أخرجه من جيبه ووضعه بالمزلاج وأداره لينفتح الباب، نظرت إليه باستغراب فهي لم تدلف هذه الغرفة أبدًا منذ أن أتت ولا تعلم حتى ما الذي يوجد بها..
أشار لها بيده حتى تتقدم للداخل ففعلت على مضض وهي لا تدري ما الذي يحدث ولما كل ذلك الصمت وهو بدوره دلف خلفها ثم أشعل الأنوار بالغرفة لتكن المفاجأة الكبرى بالنسبة إليها..
شهقت عاليًا مُبتسمة بفرح وسعادة غامرة حيث أنه عندما أضاء الغرفة رأت ما بها من أدوات رسم حديثة، ألواح خشبية، أوراق رسم كبيرة للغاية، فُرش وألوان كثيرة متعددة الاختلافات، الكثير والكثير من أدوات الرسم التي أحبتها طوال حياتها..
نظرت إليه والدموع حبيسة عينيها من شدة الفرحة فلم تكن متوقعة أن يفعل ذلك لأجلها ولم تكن تتوقع أن هذه المفاجأة ستأتي بهذه السعادة على قلبها..
نظر إليها مبتسمًا بسعادة غامرة لرؤيتها سعيدة هكذا وتحدث بحبٍ قائلًا: 
-ايه رأيك في المفاجأة دي؟
ركضت ناحيته ودست جسدها بأحضانه، أدارت يدها حول جسده متمسكة به بشدة ورأسها وُضع على موضع قلبه تمامًا لتستمع إلى نبضاته المتسارعة فلم يكن متوقع ردة فعلها تلك.. لف يده هو الآخر حول جسدها متمسك بها كليًا ينعم بدفء أحضانها في تلك اللحظات السعيدة.. 
ابتعدت عنه بعد فترة حيث كان متمسك بها بشدة، أمسكت خصلاتها لتضعها خلف أذنها بخجل ووجهها ينظر إلى أرضية الغرفة، بدوره هو وضع سبابته وابهامه أسفل ذقنها ليرفع وجهها جاعلة تنظر إليه..
نظر إلى زرقتها بحبٍ واهتمام جلي ثم تحدث قائلًا بهدوء وابتسامة تزين ثغره:
-أنا مكنتش أعرف إن دي هتكون ردة فعلك لو كنت أعرف كنت عملتها من زمان
ابتسمت بخجل ومن ثم نظرت حولها وعاودت النظر إليه مجددًا قائلة بـ ائتمان وفرحة: 
-أنا بجد مبسوطة أوي دي أحلى هدية وأحلى مفاجأة عملتها ليا، بجد شكرًا   
تقدم منها إلى أن قطع جميع المسافات بينهم وأصبح ملتصقًا بجسدها ويستطيع أن يستنشق أنفاسها، قال بنبرة لعوب ونظرة خبيثة رأتها بعينيه:  
-لأ في طريقة تانية ممكن تشكريني بيها يعني أكيد مش ده اللي هاخده بعد كل التعب ده 
لم تفهم مقصده جيدًا فنظرت إليه باستغراب وتساؤل، تحدثت متسائلة بصوت خافت بسبب اقترابه الشديد منها: 
-إزاي مش فاهمه 
طبع شفتيه فوق شفتيها يقبلها بحبٍ جارف قد أعترف به لنفسه قبل الجميع، قبلها وكأنه يفعلها للمرة الأولى حيث أنه كان معترف بذلك الحب القابع بقلبه لها، أقترب منها أكثر فأكثر وهو على موضعه يرتوي من شفتيها وجمالها الذي يجذبه إليه كل مرة يراها بها..
وقد كانت بدورها تساعده في ذلك ولم تكن المرة الأولى، تجرأت كثيرًا عن ذي قبل، لمستها قبلته لها من الداخل وسارت القشعريرة في أنحاء جسدها أثر لمسته المحبة إليها، قربته منها بشدة لتنعم بدفء أحضانه وتنال قدرٍ من السعادة بجواره..
تجرأ هو الآخر وسارت يده على أنحاء جسدها ولكن عندما شعرت هي بذلك أبعدته عندها سريعًا وعادت إلى الخلف تلتقط أنفاسها الضائعة بسبب قبلته الطويلة..
بينما هو الآخر أخذ يلهث بعنف بسبب انقطاع الهواء عن رئتيه أثناء تقبيله لها، استغرب من تصرفها وابتعادها عنه فقد كان كل شيء يسير على ما يرام ولكن تغيرت بثواني..
استدارت إليه بعد أن أجمعت شتات نفسها من حضوره المهيب عليها، وقد تذكرت شيء هام للغاية لم تجد إليه إجابة بخلدها لذا تريد إجابة منه هو، تحدثت سائلة إياه بجدية واستغراب:
-أنتَ ليه جبت الحاجات دي هنا مش قولت إننا هنمشي؟ 
ليست بالغبية ليلهي عقلها بمثل هذه الأشياء الصغيرة فهي متذكرة!.. متذكرة وعده لها بالرحيل، تحدث بهدوء وابتسامة هادئة قائلًا: 
-مفكرتش بصراحة أنا بس حبيت افرحك
ضيقت عينيها بشك ناحيته، اقتربت منه بهدوء عندما وجدته استدار وأولاها ظهره، تحدثت بجدية قائلة:
-طلما جبتهم هنا يبقى إحنا مش هنمشي دلوقتي صح؟
لم يحرك ساكنًا، كور يده داخل جيب بنطاله وضغط عليها بشدة، تحدث مجيبًا من بين أسنانه بحدة طفيفة: 
-قولتلك مفكرتش أصلًا بلاش هبل بقى وكلام بتخترعيه 
وقفت أمامه لتواجهه غير مقتنعة بحديثه وتحدثت قائلة بحدة وجدية هي الأخرى متمسكة بذراعه: 
-لأ فكرت وقولت هجبهم كده كده مش هنمشي دلوقتي وإلا كنت هتقول لنفسك لأ بلاش خليها بعدين لما نمشي علشان يفضلوا معاها
زفر بحنق وصوت مسموع، أبعد يدها عنه وذهب إلى خلف زجاج النافذة لينظر إلى الخارج متهربًا منها فهي محقة ولم تكن غبية حتى لا تفهم، تحدث قائلًا ببرود وسخرية: 
-هو أنتِ دايمًا كده؟ أي لحظة حلوة لازم تنكدي فيها نكد الستات المصرية 
اقتربت منه بحدة وجذبته لتجعله ينظر إليها ثم تحدثت قائلة باستغراب ودهشة: 
-أنا بس نفسي أفهم فاروق قالك ايه خليك رجعت في كلامك أنتَ قايلي بقالك كتير إننا هنمشي من هنا  
تشنجت عضلاته وأجابها بعصبية وحدة فهي تذكرة بتهديد أخيه له كلما تحدثت معه بهذا الموضوع:
-أنا اللي مش فاهم مالك ومال فاروق ليه مفكرة أنه بيهددني بحاجه؟ دول مجرد شوية شغل لازم يخلصوا قبل ما أمشي وبعدين ما إحنا لوحدنا أهو طول الوقت ولا بتقعدي مع حد ولا بتكلمي حد مالك بقى فيه ايه؟ 
استمعت إلى كلماته الذي قلبها ضدها، نظرت إلى ملامحه المتشنجة ويده الذي يقبض عليها، أكملت الحديث معه بجدية شديدة:
-يعني ايه مالي ومال فاروق هيكون مالي يعني انتوا اللي كلامكم كان واضح أوي وأنتَ كنت واخد قرار أنه خلاص هنمشي ورجعت فيه من كلمه قالها هو.. ده غير أني عايزه بيت لوحدي مش اوضه لوحدي اتحبس فيها 
نظر إليها ببرود ثم تحدث وهو يخرج من الغرفة دون أن يعطي إليها إجابة مفيدة: 
-ربنا يسهل 
خرج وتركها وحدها في وسط هذه الدوامة، هي تريد أن تعلم ما الذي يحدث بينه وبين أخيه ليجعله كـ المربوط هنا في هذا المنزل البغيض، تريد أن تخرج منه وتذهب إلى بيت لهم وحدهم ربما تستطيع أن تبني فيه حياة زوجية سعيدة..
"بعد أسبوع"
بعد أن فكر جديًا وجد أنه يريدها جواره إلى الأبد، نظراتها وعينيها البنية، خصلاتها السوداء الحريرية، كل ما بها يشغله ليلًا مع نهارًا، أخذ القرار الصائب بالنسبة إليه وقد عزم أمره عليه لتكُن دائمًا معه وجواره بمعرفة الجميع..
يجلس أمام "يزيد" متوتر ومرتبك منذ دقائق، حيث أنه هاتفه منذ نصف ساعة قائلًا له أن هناك شيء هام للغاية يريد أن يحدث به ولم يتحدث إلى الآن..
ألقى"يزيد" القلم الذي كان ممسكًا به بين أصابعه على المكتب بضيق شديد وزفر بحنق قائلًا: 
-أنتَ هتتكلم في يومك اللي مش فايت ده ولا أقوم وأسيبك 
زفر "سامر" هو الآخر بتوتر يظهر في كل حركة تصدر عنه، تحدث قائلًا بضيق وهو يعتدل في جلسته لينظر إليه:
-ياعم ما تهدى عليا الموضوع حساس شويه وأنا يعني... متوتر كده ومرتبك 
ضحك بشدة ساخرًا من حديثه الغير متوافق مع عمره بالنسبة إليه ليقول متهكمًا وهو يلوي شفتيه: 
-ليه إن شاء الله مراهق ولا حاجه؟
زفر "سامر" بضيق وغضب من حديثه الساخر عنه فهو في موقف لا يحسد عليه ولا يعلم من أين يستطيع البدء بالحديث، وقف على قدميه متقدمًا من "يزيد" ليمسكه من تلابيب ملابسه قائلًا بجدية شديدة:
-بقولك ايه أنا مش ناقص تريقه كمان أنا من امبارح بالدرب على الكلمتين دول 
نفض "يزيد" يده عن ملابسه ووقف أمامه يتحدث من بين أسنانه بحدة:
-طب ما تتكلم ياخي هو أنا هاكلك في ايه يا سامر 
جلس مرة أخرى ثم أخذ نفسٍ عميقٍ ونظر إلى عينيه قائلّا بجدية وهدوء: 
-يسرى!
فهم "يزيد" ما يرمي إليه فور نطقه لإسم شقيقته فلم يكن بذلك الغباء يومًا، تصنع الجدية الشديدة واعتدل في جلسته متحدثًا:
-مالها يسرى؟
زفر مرة أخرى ونظر إليه وهو محاولًا التحكم في انفعالاته والتحدث بهدوء: 
-أنا عايز أطلب ايديها... مش هلاقي حد أحسن منها أكمل حياتي معاه 
ذهب "يزيد" ناحية النافذة يوليه ظهره حتى لا يرى تعابير وجهه وابتسامته، تصنع الانزعاج ببراعة وتحدث قائلًا ببرود: 
-أنتَ عارف أنك صاحبي وزي أخويا يا سامر بس.... بس كل شيء نصيب أنا آسف 
اندهش من حديثه الغير متوقع، والغير مبرر فهو لم يفعل شيء مشين يومًا ليرفض من قبل أعز أصدقائه، تحدث متسائلًا باستغراب ودهشة بعد أن وقف على قدميه: 
-ليه؟.. ليه يا يزيد أنتَ عمرك شوفت مني حاجه وحشه تمنعني أخد أختك؟ 
استدار إليه مرة أخرى وقد كان يود الضحك بأعلى صوته عندما رأي ملامح وجهه الحزين ونظرته المندهشة، هتف "يزيد" بهدوء وهو يضع يده في جيب بنطاله:
-بصراحة كده في حد اتقدملها وإحنا عطناله كلمة 
أقترب منه وهو لا يصدق ذلك الحديث السخيف، فهو رآها أمس بنفس ضحكاتها وخجلها الذي يراه في كل مرة بها، لم تقل شيء، لم يعلم بهذا الأمر الذي حدث بالتصادف مع قراره؟!: 
-حد مين؟
أجابه الآخر قائلًا بجدية شديدة وقد قارب "سامر" أن يفقد صوابه بسببه:
-أنتَ!..
وضع يده خلف رأسه يدلك عنقه بعد أن جلس على المقعد خلفه بهدوء شديد، تريث بعض الوقت ليفهم ما فعله يزيد به ثم تحدث بهدوء شديد وبرود قائلًا: 
-بتلعب عليا يعني؟... آه ماشي 
وقف على قدميه سريعًا متقدمًا منه بعنف وهو محدد هدفه ناحيته فقد قارب على فقد عقله وقلبه أيضًا بسبب مزحه سخيفة منه، أمسك بتلابيب قميصه وهو يتحدث بعنف وعصبية: 
-بتستعبط يا يزيد أنا كنت هموت 
بسخرية وبرود أجابه دون أن يلمسه بيديه: 
-لو مرجعتش مكانك وعدلت القميص تاني هتموت فعلًا لما أرفض بجد 
حمحم "سامر" بخجل مرتبك خائفًا من تهديده، ترك قميصه ثم عدله ماسحًا عليه بهدوء، عاد إلى مقعده ثم تحدث قائلًا بجدية هذه المرة:
-فعلًا بقى ايه رأيك يعني موافق 
-أكيد موافق هو أنا هجيب لـ يسرى حد زيك منين بس أنتَ لازم تتقدم رسمي لعمي وفاروق دي الأصول وكمان ناخد رأي يسرى لأنه الأهم 
غزت الابتسامة شفتي "سامر" وغمرت السعادة قلبه الذي كان يدق بعنف شديد من الفرحة الذي احتلته، تحدث بتوتر قائلًا: 
-خلاص خدلي معاد معاهم، أنا.. أنا مش عارف أقولك ايه 
وقف سريعًا وذهب ناحية "يزيد" محتضنًا إياه بسعادة وفرحة شديدة، شدد "يزيد" على احتضانه مبتسمًا بسعادة هو الآخر وتحدث قائلًا بود: 
-مبروك مقدمًا يا أبو نسب
____________________
أصبحت أقرب من القرب نفسه إليه، أعترف أنه يحبها؟ الآن يعترف أنه يعشقها، يذوب عشقًا بها، اقترابه منها يجعله لا يود شيء آخر من الحياة، ابتسامتها بوجهه تجعله بين الغيوم يحلق في السماء..
أكتشف كثيرًا من الأشياء عنها، علم كل ما تحبه وتكره، كل ما تفعله ولا تفعله، يريد أن يدخل في ثناياها ليعلم كل ما يخصها وإن كان صغيرًا ليس له قيمة..
أبعدها عن أهله كامل البعد ما عدا "يسرى" أوقف الجميع عند حدهم في نقاش بينهم قائلًا أنهم إن لم يعاملونها باحترام فـ سيذهب وليحدث ما يحدث فهو لا يود رؤيتها حزينة بسببه بأي شكل من الأشكال، فـ رؤية الحزن بعينيها يجعله عاجز، ضعيف لا يستطع الحراك أو التحدث أو فعل أي شيء، يريدها سعيدة ولا شيء سوى السعادة تدق باباها وتدخل الفرحة والبهجة على قلبها ليقرع كالطبول ويستمع إليه ثم يبتسم باتساع لتحقيق ما ود لها..
بينما هي تحيرت بين الحب والانجذاب فقط! رأت الحب بعينيه وكأنه يعترف بهما، رأت العشق بأفعاله وكأنه يعترف فيهما بحبه وعشقه إليها، لا تستطيع أن تكذب حدسها فهو واضح كوضوح الشمس، يظهر للأعمى حتى أن شقيقته قد قالت لها هكذا، يحبها حقًا تأكدت من أقواله وأفعاله، نظراته، كل ما فعله إليها في الفترة الماضية، وقوفه جوارها في كل شيء، مراضاتها بعد أي نقاش يشتد به الغضب عليها، أبعاد أهله عنها لتنعم ببعض الراحة في تلك الفترة الباقية كما قال للذهاب.. 
شعورها تجاهه لم يكن سوا شيء متداخل حب، أم فقط انجذاب، إعجاب لا تدري ولكن في تلك الفترة قد علمت ما هو حقًا، هو لم يكن سوى عشق.. عشقٍ خالص ملئ بالوفاء والإخلاص، اعتادت على تواجده معها، حديثه الممل والغير ممل، ابتسامته، نظرته، حتى ملابسه، كل شيء يخصه أصبحت عاشقة له، ولكن إلى الآن لا تعلم ما السبيل لجعل تلك الحياة السعيدة دائمة دون خوف من القادم، دون منازع وأشخاص تخرب ما بُني! تتساءل ماذا إذا عشقته وعشقها سيتزوجها حقًا! سينجب منها أطفالًا؟...
دلف إلى غرفة الصالون وأغلق الباب خلفه بهدوء وجدها تجلس على الفراش والهاتف في يدها منشغلة به ولم تراه أو تشعر بتواجده، وقف قليل من الوقت وهو ينظر إليها دون أن يدلف للداخل، رأها تبتسم تارة وتعبس بوجهها تارة أخرى فدلف للداخل لتنظر إليه بهدوء وابتسامة تزين شفتيها
سألها ناظرًا إليها باستغراب وابتسامة في نفس الوقت وهو يقترب منها ليجلس مقابلًا لها على الفراش: 
-بتضحكي على ايه في الموبايل؟
ابتسمت باتساع ثم أجابته وهي تجذب قدميها من أمامه لتجلس القرفصاء: 
-كنت بقرأ رواية 
حرك عينيه بطريقة لطيفة ثم سألها مرة أخرى مبتسمًا بسعادة لرؤيتها سعيدة هكذا معه:
-اسمها ايه طيب 
-طبقات فرقتنا ولكن
اعتدل في جلسته أمامها ومازال مبتسمًا، تحدث قائلًا بهدوء وهو يستند بيديه على الفراش أمامها: 
-عايز أقولك على حاجه 
دق قلبها لا تدري لما فحديثه طبيعي ولكن نظرته اربكتها، اقترابه منها شتت تركيزها، عادت للخلف سريعًا لتجيبه سائلة إياه بتوتر:
-ايه 
تحدث بجدية وهو يخبرها بطلب "سامر" للزواج من شقيقته: 
-سامر طلب أيد يسرى مني وأنا وافقت بس قولتله أنه لازم يتقدم لعمي وفاروق ونشوف رأيها، أنتِ ايه رأيك
هبت واقفة على قدميها والسعادة تندفع من عينيها بكثرة ظاهرة بوضوح، تحدثت بتعلثم وسعادة وهي تسأله بجدية: 
-أنتَ بتتكلم جد؟ يعني سامر عايز يتجوز يسرى؟ 
استغرب ردة فعلها ودهشتها الغير مبررة بالنسبة إليه ولكنه أجابها باستغراب: 
-آه 
اندفعت قائلة بسعادة والحديث يسترسل منها وراء بعضه بعفوية وهي تتحرك جواره محاولة أن تبث الدعم إليه وتدعم قرار الموافقة: 
-رأي؟ طبعًا نوافق سامر كويس جدًا، لازم تخليهم يوافقوا ماينفعش يرفضوا، ده يسرى هتفر...
صمتت عن الحديث عندما وجدت نفسها تتحدث في منطقة محظورة ولكنه قد فهم ما الذي كانت ستقوله، ليعلم على الفور رد شقيقته فهي صديقتها وبردة الفعل هذه علم كل شيء، وقف على قدميه أمامها متسائلًا باستغراب عابثًا معها: 
-ردة فعلك غريبة شويتين 
جلست بهدوء بعدما شعرت أن ما فعلته خاطئ وتحدثت ببراءة وتوتر حاولت إخفائه عنه: 
-ولا غريبة ولا حاجه أنا بس فرحانه ليسرى
صمتت لبرهة ثم تحدثت مرة أخرى متسائلة بجدية لتلهي عقله عن ما قالته وفعلته: 
-أحضرلك هدوم؟ هتاخد شاور؟..
استدار ناحية الدولاب وهو يجيبها قائلًا: 
-أنا هاخد
أخذ ملابسه من الدولاب ثم تقدم ناحية المرحاض واختفى بداخله وفور دخوله إليه وإغلاق الباب من خلفه كانت هي خرجت من الغرفة ذاهبة سريعًا إلى غرفة "يسرى" لتلقي عليها ذلك الخبر السعيد.. 
ولجت إلى غرفة "يسرى" مبتسمة بعد أن فتحت إليها الباب، أغلقته هي وتقدمت لداخل الغرفة ساحبة "يسرى" من يدها، تحدثت بخفوت وابتسامة واسعة: 
-عندي ليكي خبر بمليون جنيه 
اندهشت "يسرى" من طريقتها الغير معهودة، نظرت إليها باستغراب متسائلة داخل عقلها ما الذي أصابها، تحدثت قائلة بجدية:
-في ايه؟ وخبر ايه ده 
وضعت "مروة" يدها أمام صدرها وتحدثت بغرور وهي تنظر إليها بتعالي مازحة معها: 
-الحلاوة تكون على قد فرحتك بالخبر ولونه مايتقدرش 
زفرت "يسرى" بحنق وضيق بعد أن عصرت عقلها حتى تعرف ما الذي تتحدث عنه ولم تستطيع: 
-ما تقولي يا مروة بقى
أجابتها الأخرى بتريث وهدوء تام:
-سامر.... طلب.... ايدك من يزيد 
صرخت الأخرى عاليًا بفرحة شديدة، احتضنت "مروة" بشدة، صعدت على الفراش تقفز عليه وهي تصرخ بها هل حقًا: 
-بجد.. بجد والنبي؟
اومأت إليها "مروة" وهي تبتسم بسعادة لرؤيتها سعيدة هكذا ثم تحدثت قائلة سريعًا: 
-جه ليزيد النهاردة وطلب ايدك ويزيد وافق هيجي يطلبك رسمي.. مبروك، أنا ماشية يزيد زمانه خرج من الحمام بس أنا مقدرتش استنى للصبح 
استدارت لترحل وذهبت عند باب الغرفة وهمت بالخروج ولكن أوقفها صوت "يسرى" التي قالت بحب وعيون دامعة: 
-مروة أنا متشكرة أوي لكل حاجه عملتيها معايا من يوم ما جيتي، أنا بحبك أوي
ابتسمت إليها "مروة" بحبٍ ثم خرجت وتركتها تستمتع بلحظاتها السعيدة التي ستجلب إليها الفرحة طوال حياتها مع من تحب ومن يهواه قلبها..
خرجت مروة وذهبت إلى غرفتها وودت وبشدة عندما رأت فرحة "يسرى" أن تمر تلك اللحظات عليها لتتذكرها أينما تحيا ولكن إذا تذكرت اللحظات التي مرت عليها لن تتذكر سوى بكاء ورفض تام قد تحول الآن إلى حب...
سألها يزيد بعد أن دلفت للغرفة قائلًا بجدية:
-قولتيلها مش كده؟ مش هقولك على حاجه تاني 
ابتسمت ابتسامة مهزوزة ثم تحدثت وهي تتقدم منه بهدوء: 
-كنت عايزه افرحها 
ابتسم هو الآخر إليها بحب وود، صعدت على الفراش لتنعم ببعض الراحة موليه ظهرها إلى مكان نومه، أغلق هو أضواء الغرفة وتقدم من الفراش مستلقيًا في مكانه ثم جذبها إليه يحتضن خصرها ويقربها منه للغاية مستنشقًا رائحة الياسمين الممزوجة برائحة أنوثتها الخاصة..
ارتعش جسدها من قربه المهلك إليها فتحدثت قائلة اسمه بتوتر وارتباك وهي تحاول الإبتعاد عنه: 
-يزيد!..
لم يجيبها بل أصدر صوتًا يدل على عدم اعتراضها ثم زاد من تمسكه بها مقربها منه إلى أن ألصق ظهرها بصدره العريض وأغلق عينيه لينام وهو يستنشق رائحتها...
وضعت يدها على يده التي يتمسك بها بهدوء، وحاولت ألا ترتجف، تعودت على الوضع سريعًا ونامت بين يديه بأريحية وقد شعرت بالأمان من كل جانب..
______________________ 
في الخمسة أيام المنصرمة تم الإتفاق بين "سامر" وعائلة "يسرى" حيث أنه ذهب إليهم بصحبة والدته فلم يكن لديه غيرها هي وشقيقته بعد أن توفى والده، تحدث مع عمها وأخاها الأكبر وصديقه "يزيد" الذي مهد إليه الطريق ووقف جواره في كل شيء يسانده لتتم الزيجة بخير عليه هو وشقيقته ولم يعترض فاروق لأن "سامر" شقيق زوجته وعلى معرفة به وبأخلاقه وظن أنه إذا رفض سيعمل على إغضاب زوجته وسيولد ذلك مشكلة بينهم..
فرحت والدة "يسرى" كثيرًا فهي كانت تريد منذ زمن أن تتزوج حتى لا تأخذ لقب العانس الذي اخترعوه في عاداتٍ متخلفة وهي صاحبة الستة وعشرون عامًا في مقتبل شبابها..
لم تكن "إيمان" تعلم بنوايا أخاها إلا عندما تحدثت مع والدتها، لم تسعد بهذه الزيجة فهي لم تكن تريد "يسرى" لأخيها كانت تريد أخرى تكن من اختيارها غير "يسرى" التي تقف بطريقها دائمًا مع "مروة" ابنة عائلة "طوبار" ولكن لن تستطيع أن تفعل شيء على الأقل سترحل من المنزل وتبتعد عنهم..
أما بالنسبة لمروة فقد سعدت كثيرًا من أجل صديقتها، شعرت بأن تلك السعادة لها هي، لم ترى "يسرى" تشعر بتلك الفرحة من قبل لذا ساعدتها في كل شيء، قدمت إليها الدعم النفسي والمعنوي دون الجميع وشعرت كما لو أنها شقيقتها، كما قالت لها "يسرى" أنها تحلق في السماء بوجود الجميع معها وتحقيق حلم حياتها بجوارها..
________________________
-خلاص بقى يا يسرى كل حاجه مظبوطة والله 
اردفت "مروة" بهذه الكلمات بعد أن عجزت في إقناع "يسرى" بأن كل شيء على ما يرام وأنها جميلة للغاية في هذه اللحظات
تحدثت "يسرى" بتوتر شديد وهي تدلك يدها ببعضها البعض من هول الموقف الغريب عليها وقد كانت تريد أن تكون جميلة في عين "سامر" في يوم خطبتهم: 
-حاسه إن الميك آب مش حلو؟ الفستان لونه مش لايق عليا؟
تقدمت منها زوجة شقيقها مبتسمة بهدوء مقدرة ذلك الموقف، تحدثت بهدوء وود وهي تربت على كتفها: 
-يسرى حبيبتي الفستان تحفة عليكي بجد والميك آب رائع ممكن تهدي بقى كل ده علشان أنتِ متوترة يا حبيبتي 
وكأنها كانت تود أحدًا يدفعها لتأكد من ذلك، عاودت السؤال مرة أخرى بشكٍ وهي تنظر إلى مظهرها في المرآة: 
-بجد؟ يعني حلوة 
ابتسمت "مروة" باتساع وأجابتها قائلة بحماس وفرحة: 
-قمر، ممكن بقى امشي علشان ألبس أنا كمان واطلع ليزيد لبسه؟ 
اومأت إليها "يسرى" قبل أن تحتضنها بحبٍ ونظرة ائتمان بعينيها، فهي الوحيدة التي وقفت جوارها وساعدتها في كل شيء كانت تريده، تحملت شكوكها وتوترها، ولم تتركها في لحظة أرادت تواجدها بها..
خرجت "مروة" من غرفة شقيقة زوجها متجهة إلى غرفتها لتخرج ملابس "يزيد" الذي سيرتديها في حفل خطبة شقيقته ولترتدي ملابسها هي الآخر فقد كان "سامر" ووالدته والمقربون من العائلة على وصول إلى المنزل في أي لحظة..
دلفت غرفتها وتوجهت إلى غرفة النوم الرئيسية، أخرجت من الدولاب ملابس "يزيد" لتضعهم على الفراش ولكن جذب انتباهها صندوق هدايا متوسط الحجم ليس كبير موضوع على الفراش، لم تكن تتوقع أن يحضر إليها مفاجأة في مثل ذلك الوقت فقالت لنفسها أنها ربما تخصه هو..
تركتها في موضعها ووضعت إليه ملابسه على الفراش ثم تقدمت من الدولاب مرة أخرى لتخرج الفستان الذي سترتديه ولكن لم تستطع أن تمنع نفسها من رؤية ما في الصندوق، تقدمت منه ثم فتحته بتوتر محاولة معرفة ما في داخله، رأته قماش لونه أحمر قاتم مع بطاقة صغيرة كُتب عليها بضع كلمات..
أمسكت الورقة وقرأت ما كتب عليها بخط اليد وقد تغيرت تعابير وجهها إلى الاندهاش والاستغراب الشديد فهي علمت أنه لا يطيق اللون الأحمر كيف له أن يحضر إليها شيء لونه أحمر لترتديه؟
فقد كتب على الورقة 
"أول ما شوفته لقيته متفصل عليكي، حابب أشوفك بيه النهاردة، يزيد"
تركت الورقة جانبًا ثم أمسكت بقطعة القماش ليظهر إليها ثوب رائع ولكن مفتوح للغاية! هل أشتراه بكامل عقله؟ لقد كان الثوب يحمل فتحة صدر على شكل مربع كبير للغاية غير رسمة صدره المنحوتة بدقة، أكمامه واسعه، وهناك فتحة في مقدمته من الأسفل ستظهر ساقها، يصل إلى بعد الركبة بقليل!.. 
فكرت قليلًا فهو دائمًا يعلق على ملابسها المفتوحة قليلًا فقط، أما هذا مفتوح للغاية وهي لا ترتدي مثل هذه الأشياء المكشوفة والتي تظهر أكثر مما تخفي، لن ترتديه مؤكد فلا تريد أن تصبح بهذا الشكل الغير مرغوب به ولكن هو قد أتى به لها، هل يريد أن يتخطى كرهه للون الأحمر وهي مرتدية إياه؟ تحيرت كثيرًا فإذا كان يريد ذلك ستفعل وإذا لا فلن تفعلها وتظهر جسدها بهذه الطريقة، فكرت قليلًا وحسمت أمرها في النهاية أنها سترتديه لأجله هو فقط وقد تغلب عليها قلبها في أن تجعله سعيد ولو بشيء كهذا..
دلفت المرحاض لتبدل ملابسها وترتديه، نظرت إلى نفسها بعد أن ارتدته وقد كان حقًا رائع على بشرتها البيضاء وخصلاتها الذهبية ولكن يظهر معظم ساقها اليسرى غير فتحة الصدر هذه، وكان ملتزق بجسدها بشدة وكأنه منحوت عليه.. فكرت في أن تبدله وترتدي ثوبها الذي أحضرته مع "يسرى" ولكن هي لا تود أن تخجله فقد أحضره إليها وطلب منها برقة وحب واحترام.. سريعًا خرجت من المرحاض قبل أن تغير رأيها وترتدي غيره..
وقفت أمام المرآة تمشط خصلاتها ذهبية اللون ثم وضعت أحمر شفاه لونه أحمر قاتم كما لون الثوب فقط لتظهر جمالها الطبيعي الخلاب..
استنشقت رائحة عطرة المميزة في الغرفة فاستدارت لتراه يقف عند ايطار الباب، نظرت إليه مبتسمة بحبٍ بينما هو كانت البلاهة تسيطر عليه، أتى بها من الأسفل إلى الأعلى، رأي جمال ساقها وبياضها المغري، انحنائات جسدها الذي فُصلت كما لو كانت لا ترتدي شيء، خصرها المنحوت، مقدمة صدرها وعنقها المرمري الذي يظهر بأكمله، لقد تاه في تفاصيلها، اللون الأحمر عليها بمعنى أخر، هو حقًا شيء أخر وكل شيء معها يكن غير أي شيء..
استمع إليها وهي تسأله بابتسامة تعتلي شفتيها وحمرة الخجل قد تشكلت بوجهها: 
-أنتَ هنا من امتى؟
تقدم للداخل دون أن يحيد نظره عنها، وقف أمامها وتحدث ببلاهة مبتسمًا: 
-من وقت ما كنتي بتحطي روج 
استدارت حول نفسها لتريه الثوب وكأنه لم يراه ولم يفصله عليها تفصيلًا، تحدثت سائلة إياه بجدية: 
-ايه رأيك 
اقترب منها أكثر لتبتعد هي للخلف وهي تعلم نواياه، تحدث بغمز ونبرة لعوب خبيثة: 
-جامد، محتاج حاجه كده
تغاضت عن كلماته ثم تقدمت من الفراش سريعًا تجذب ملابسه من عليه، وضعتهم بين يديه وهتفت بجدية قائلة:
-طب يلا إلبس هدومك بسرعة علشان ننزل
استغرب حديثها قليلًا فقال لنفسه أنه ربما لم يستمع جيدًا إلى حديثها الذي هتفت به للتو، أردف هو سائلًا إياها باستغراب: 
-ننزل فين؟ أنتِ هتنزلي بالشكل ده؟
رأته مختلف عن قبل لحظةٍ واحدة، اختلفت تعابيره من الهيام إلى الاستغراب الشديد، ونبرته أيضًا قد تغيرت من الهدوء إلى القلق، أجابته بهدوء: 
-أيوه 
ألقى ثيابه بغضب على الفراش جوارهم ثم تحدث بعصبية وحدة بعدما أمسك معصمها بجدية شديدة:
-أنتِ اتجننتي ولا ايه ما تظبطي كده تنزلي بالمسخره ده فين؟ 
تأوهت من مسكته إلى يدها بهذا الشكل، ودُهشت من تحوله الغريب عليها من اللين إلى القوة المفرطة، أجابته بتوتر وقد خافت منه ومن تقلباته بعض الشيء: 
-مش أنتَ اللي قولتلي أنك عايزاني ألبسه النهاردة
ترك يدها وهو ينظر إليها بدهشه فهو لم يراه إلا الآن وهي مرتدية إياه فكيف سيقول ذلك، أردف بحدة وجدية: 
-قولتلك ايه أنتِ فعلًا اتجننتي أنا أول مرة أشوفه أصلًا 
احتلت الصدمة كيانها ونظرت إليه باندهاش ثم تحدثت قائلة باستغراب ودهشة: 
-يزيد ممكن تهدى أنتَ اللي جايب الفستان وكان معاه بطاقة مكتوب فيها أنك عايزاني ألبسه النهاردة، هو أنتَ لحقت نسيت 
صاح بصوتٍ عالٍ للغاية وهو يجيبها بعصبية مفرطة، وحركات هوجاء ناحيتها: 
-نسيت ايه بقولك مجبتش أي زفت وهو أنا لما اجيب هجبلك المسخرة دي علشان تتلوي بيها قدام الرجالة 
-طيب العلبة والورقة أهم شوف حتى الـ......... 
قطعت كلماتها عندما نظرت على الفراش ولم ترى شيء غير ملابسه!، لقد تركت الصندوق والبطاقة هنا، هي متذكرة جيدًا لذلك، نظرت إليه بتوتر شديد ثم تقدمت لداخل غرفة الصالون تبحث عنهم ربما تكن غير متذكرة ولكنها لم تجد شيء حتى بالمرحاض لم تجد شيء.. 
استدارت لتراه يقف أمامها، وضع يده في جيب بنطاله ووقف ينظر إليها بقسوة شديدة، فلم يكن يتخيل أنها من الممكن أن تفعل ذلك وترتدي ملابس مثل هذه لتظهر بها أمام الرجال: 
-كنتي هتنزلي بالفستان ده تحت لو أنا مطلعتش وشوفته صح؟
نظرت إلى الأرضية فهي حقًا كانت ستفعل ذلك، أنبت نفسها بشدة على ذلك الغباء منها الذي يجعلها ترتدي شيء كهذا ولكن إذا لم يكن هو الذي أحضره من فعل ذلك، تحدثت برجاء وهي تقترب منه بهدوء: 
-والله العظيم استغربت أنك جايب حاجه زي كده ومكنتش هلبسه بس خفت تزعل مني علشان كده لبسته والله كان في صندوق وورقه مكتوب فيها أنك عايزني ألبسه بس معرفش راحوا فين صدقني ده اللي حصل أنا أصلًا جايبه فستان وأنتَ شايفه يا يزيد 
-عفريت دخل حطه وكتب عليه إن أنا اللي جايبه يعني!
تحدث بتهكم يسخر من كلماتها التي لا تدلف عقل طفل صغير، نظرت إليه بحزن شديد ثم تحدثت قائلة بحزم وجدية: 
-ده اللي حصل وأنا مش مضطرة أكدب أنتَ عارف لبسي كويس 
أجابها قائلًا مرة أخرى بتهكم وسخرية من كلماتها: 
-المشكلة إني عارف لبسك
سألته بحزن صريح يظهر بعينيها بسبب تهكمه عليها بتلك الكلمات التي تقول بأنها ترتدي غير الملابس المحتشمة: 
-أنتَ مش مصدقني؟ وبعدين ماله لبسي لما بتعترض على حاجه مش بردك فيها وأنتَ عارف إني بلبس كويس وحاجات محترمة 
صاح بصوتٍ غاضب وهو يدفعها للخلف لتستقر بجسدها ملتصقة في الحائط وقد عمته غيرته عليها متذكرًا تلك المواقف الذي ظهر جسدها بها:
-هي فين المحترمة دي ايه مش فاكرة البلوزة اللي كانت مفتوحة زي الشباك والفستان اللي كان مبين رجليكي كلها ولا تحبي افكرك بالفستان التاني اللي لما وطيتي في الجنينة ظهر صدرك كله وفاروق داخل من البوابة، سكتي ليه فين المحترمة دي أنتِ عامله الليلة دي كلها علشان تلبسي اللي أنتِ عايزاه مهو أنا مجبتش حاجه ومفيش حد هنا هيتهبل في عقله ويعمل حركة بالمنظر المقرف ده
شهقت بفزع عندما دفعها للحائط وتحدث بغضب وصوت عالي، كلماته جرحت كبريائها، تعلم أنه عندما يكون غاضب يقول ما لا يعلم معناه ولكنه قاسي للغاية في الحكم عليها فهي فعلت كل ذلك ظنًا منها أنه لأجله، انفجرت باكية أمامه بشدة وبكاء حاد، وضعت وجهها بين يديها منحنية على نفسها وهو يقف أمامها مندهش من ردة فعلها..
نظر إليها باستغراب وقد شعر بالضعف يجتاحه مرة أخرى فتحدث بتردد قائلًا: 
-أنتِ بتعيطي ليه دلوقتي عايز أفهم 
لم يلقى منها ردًا غير أنها ازدادت في البكاء فتحدث مرة أخرى بهدوء ولين حتى تتوقف هي: 
-طيب خلاص... خلاص أنا آسف 
أخذها بهدوء وأجلسها على الفراش بعد أن مسح وجهها من الدموع العالقة به، جلس على عقبيه أمامها ثم تحدث قائلًا بجدية: 
-قومي غيري الزفت ده وهنتكلم في الموضوع بعدين 
أجابته بحدة وهي تمسح على وجهها وهناك شهقات متفرقة تخرج من بين شفتيها: 
-مش نازله
أخذ نفسٍ عميقٍ ثم أخرجه محاولًا السيطرة على غضبه الغير طبيعي وتحدث قائلًا بجدية شديدة: 
-قومي يا مروة غيري الزفت ده واقصري الشر وبعدين هنتكلم ونشوف ده حصل إزاي.. يلا 
نظرت إليه بحزن وخوف، فلم تكن كلماته هينه عليها، فعلت ما فعلته لأجله فقط وتخلت عن مبادئها لكي ترضيه وهو في النهاية يحدثها بكل هذه القسوة، ويقول بأن ملابسها غير محتشمة غير أنها تظهر جسدها عمدًا مع أنه يلفت نظرها إلى ذلك!.. كم أنه فظ الحديث في وقت غضبه كما هو ولم يتغير ذلك ولن يتغير، لا يدري ما الذي يقوله وما تأثيره على الشخص الذي يقف أمامه فقط يتحدث وليحدث ما يحدث..
مرت بضعة أيام عليهم وهي مازالت تفكر من الذي قد يفعل بها ذلك الشيء؟ وقف عقلها وهي تحاول أن تعثر على فكرة واحدة تدلها على الفاعل ولم تجد حتى أنها فكرت بـ "إيمان" ربما تكُن هي من فعلتها ولكن جديًا وجدت أن "إيمان" من أين لها بثوبٍ راقي باهظ الثمن مثل هذا، نعم تستطيع أن تأتي بالمال ولكن ذوقها ليس راقي هكذا غير أنها محجبة إذًا كيف ستتعرف على مثل هذه المحلات؟.. وتعتقد أيضًا أنها لا تعلم محلات لمثل هذه الملابس في خارج بلدتهم فمؤكد لا يوجد بداخلها فساتين كهذه لا يرتديها سوى أشخاص في مجتمع راقي يحمل الرفاهية ولا تهمهم أن كانت الملابس محتشمة أو لا..
هي حتى تعجبت من أين لـ "يزيد" بثوب كهذا وهو لم يخرج من البلدة ربما من على إحدى المواقع؟ ولكن ليس هو، هل من الممكن أن تكن "إيمان" هي من أتت به من على إحدى المواقع؟ لا هي أيضًا ليس لها بهذه الأشياء إذًا من يكون؟ حتى أن "يسرى" فكرت معها عندما قالت لها "مروة" ما حدث بعد أن تمت الخطبة على خير ولم تجد فاعل لهذه الفعلة الدنيئة، فـ والدتها لا تستطيع فعل شيء كهذا ولا شقيقها ولا عمها، الشكوك تدور حول "إيمان" فقط ولكن أيضًا شكوك ضعيفة..
لو فقط تجد الورقة لعلمت من فعلها ولكن وكأن الأرض ابتلعتها هي والصندوق ولم تجد لهم أثر، ما كسرها حقًا هو تفكير زوجها بها لم تكن تعتقد أنه سيقول مثل هذه الكلمات المسمومة، حديثه عن ملابسها المكشوفة أهانها حقًا فأول مرة قد قال لها على تلك البلوزة ولم تعد ترتديها مرة أخرى لأجله، وفي المرة الثانية عندما انخفضت للأرض بجسدها انخفض الثوب لأسفل وأخيه يدلف من البوابة وهذا لم يكن بقصدها ثار عليها دون حق فهي لا ترتدي إلا المناسب لها وفي آخر مرة عندما كانت تهبط لأسفل بثوب قصير اعترض طريقها ولم تعترض!..
تفعل كل ما يقوله ويظن بها السوء!.، يقول أنها من افتعلت كل ذلك لترتدي ذلك الثوب المفتوح والملتصق بجسدها وهي فعلت ذلك فقط لترضيه!، غضبه وثورته عليها دائمًا ما يكونوا مصحوبين بكلماتٍ مسمومة تسمم روحها، ولكن ما حدث من نقاش بينهم بعد الخطبة أظهر إليها أنه يحاول التخفيف من حدة كلماته ولكنه إلى الآن مازال غاضبًا..
"قبل بضعة أيام" 
بعد إنتهاء الخطبة على خير دلف كل فرد منهم إلى غرفته لينالوا قسطًا من الراحة، بينما هم صعدوا إلى غرفتهم دلفت هي ودلف "يزيد" من بعدها مغلقًا الباب خلفه بحدة، سريعًا ذهبت ناحية الدولاب وأخرجت ملابسها ثم تقدمت من المرحاض لتختفي بداخله حتى تبدل ثيابها..
رأها وهي تهرب منه ومن مواجهته علم ذلك جيدًا، جلس على الفراش ينتظرها حتى يتحدث معها فيما حدث قبل أن يهبطوا إلى الأسفل، نظر إلى الفستان الملقى على الفراش أمامه وتذكر كم كان رائع حقًا عليها، أليس ذلك اللون الذي يبغضه؟ ولكنه أحبه وبشدة عندما رآه يعانق جسدها ويرسمه له بدقة وقد كان وكأنه فُصل عليها هي دون الآخرين، لكن تفكيره بها جعله يفكر أيضًا إن كان حديثها صحيح وهناك من أحضره فمن سيكون؟ مؤكد أنه ليس هو، هو لم يحضر شيء إليها فهي قد اشترت ثوب لها مع يسرى وقد رأه قبل ذلك، هل ممكن أن تكون والدته من فعلتها لتحدث مشكلة بينهم؟ ولكن والدته لا تعلم بهذه الأمور أبدًا هل من الممكن أن تكون "إيمان" من فعلتها ذلك محتمل لأن "يسرى" لن تفعل ذلك أبدًا..
وجدها تخرج من المرحاض متجهة إلى الفراش دون أن تنظر إليه ولو حتى بطرف عينيها، مرتدية بيجامة بنطالها طويل وواسع أيضًا وكذلك بلوزتها ذات الأكمام الكبيرة والواسعة، نظر إليها باستغراب وتعجب من مظهرها فهذه أول مرة تفعلها وترتدي مثل هذه الأشياء حتى لم تفعلها في أول زواجهم!..
جلست على الفراش ثم استلقت في مكانها المعهود وأولته ظهرها، تحدث سائلًا إياها باندهاش: 
-ايه اللي أنتِ لبساه ده؟
أجابته بحدة وتهكم ولم تتحرك من مكانها متذكرة حديثه واهانته لها: 
-ده اللبس اللي بيعجبك
وقف على قدميه ثم استدار حول الفراش بحدة ليمد يده جاذبًا إياها من عليه فوقفت أمامه بتوتر بينما تحدث هو بعصبية: 
-أيوه ده اللي يعجبني لما يكون في حد غيري معاكي ولا عايزاني أفرح لما ألاقيكي لابسه عريان قدام الناس؟ 
رفعت سبابتها أمام وجهه تحدثه بنفاذ صبر وحدة فقد قال حديث كثير لم يحاسب عليه وأعتقد أن سكوتها عنه ضعف منها:
-أنا مش بلبس عريان يا يزيد لاحظ أنك قولت كلام كتير غلط في حقي وأنا ساكته علشان بس مقدرة أنك متعصب لكن الموقف ده أنا اتحطيت فيه غصب عني وكل ده علشان خاطر بس مزعلكش وارضيك بس شوف أنتَ بتكلمني إزاي 
ضحك بتهكم وسخرية فـ حديثها يثير شفقته، أفعلت ذلك لأجله غبية هل تصدق أنه يأتي إليها بمثل هذا الثوب من الأساس!..:
-هو أنتِ مصدقة نفسك بتقولي ايه؟ أنا إزاي هجبلك حاجه زي ده بأي عقل قوليلي 
صرخت بوجهه بعصبية وحدة بعد أن وجدته لا يصدق حديثها وكأنها حقًا فعلت ذلك عمدًا: 
-أنتَ ايه ياخي بأقسملك بالله إني لقيته هنا ومعاه ورقة مكتوب فيها أنك عايزاني ألبسه واستغربت أنك إزاي تجيب حاجه زي ده بس في الآخر لبسته علشانك.. علشان فكرت أنه أنتَ وإني المفروض مزعلكش 
جز على أسنانه بحدة شديدة دفعها للخلف فوقعت على الفراش جالسة، أمسك معصمها بحدة يضغط عليه بين يديه عمدًا ثم انحنى عليها متحدثًا بفحيح في أذنها: 
-قسمًا بالله صوتك ده ما يعلى عليا تاني لأي سبب من الأسباب لكون موريكي وش عمرك ما شوفته وهنسى أي حاجه بينا يا مروة هانم 
ارتبكت بشدة وتسارعت أنفاسها من اقترابه وتهديده لها، تنفست بسرعة وهي تضغط على عينيها بقسوة لتحمل ألام يدها الذي يفتك بها بين يديه، لم تستطيع أن تتحمل أكثر من ذلك فتحدثت بضعف وصوت خافض للغاية قائلة: 
-سيب ايدي بتوجعني
ضغط عليها بشدة وكأنه لم يستمع لحديثها، اقترب منها أكثر حيث أسند إحدى ساقيه على الفراش ومازال متقدم منها يتحدث بأذنها بهدوء شديد:
-هاخد الفستان ده وهعرف مين اللي جابه ومش عايز أسمع أي حاجه عنه تاني ده غير أني مش هعلق على هدومك تاني لأن لو ده حصل قسمًا بالله لألبسك على مزاجي وأنتِ متعرفيش مزاجي لما يجبني 
تأوهت بصوتٍ مسموع أثر ضغطه على يدها الذي مالت إلى اللون الأزرق قليلًا حيث أنه يضغط عليها بشدة، نظرت إليه عن قرب بحزن وبريق الدموع بعينيها، استمعت إليه يقول بحدة متسائلًا: 
-فاهمة يا مروتي؟؟!
أجابته سريعًا بلهفة وخوف حتى تتخلص من قبضة يده على يدها الذي صار ألمها لا يحتمل: 
-فاهمه فاهمه خلاص
ترك يدها فمسكتها بالأخرى تدلكها وملامح وجهها تحمل بعض الألام، رفعت نظرها إليه عندما وجدته لم يتحرك من مكانه بل جعل وجهه مقابلًا لوجهها، ابتلعت ريقها لتتحدث معه ولكنه وجد نفسه لا يستطيع المقاومة أمام وجهها الذي يحمل عينين تهلك وشفتين تُميت..
التقط شفتيها بين شفتيه في قبلة دامية، بث فيها غيرته عليها وغضبه منها ومن ذلك الثوب الذي ارتدته لتهبط به أمام الجميع، عاد بها إلى الخلف لتستقر على الفراش، يقبلها بحب بعد أن أخذت قبلته مسارًا أخر ثم يديه أيضًا سارت عليها بجرأة فتململت أسفله عندما وجدت يده تمر على جسدها، أمتدت يده لتفك أزرار قميصها وقد أظلمت الرغبة عيناه ولكنها دفعته بحدة قائلة بهلع:
-لأ لأ
ووقفت على قدميها على أرضية الغرفة تلتقط أنفاسها لاهثه بسبب انقطاع الهواء عن رئتيها، وجدته ينظر إليها بتعجب من تحولها في كل مرة قربه يأخذ فيها مسارًا أخر يعتبر تقدمًا في حياتهم سويًا، سألها باستغراب وهناك طيف غضب يظهر بعينيه: 
-ليه لأ؟ 
اردفت بتعلثم والدموع تقف حبيسة خلف جفنيها، فلم تكن تريد اقترابه بهذه الطريقة الرخيصة الذي يريدها عندما فقط يريد حتى أنهم لم يكونوا في لحظة رومانسية بل كانوا يتشاجرون: 
-علشان... علشان لأ، أنتَ!، أنا.. أنا مش عايزه كده مش علشان أنتَ عايز كده يبقى اوكي تمام.. لأ مش ده القرب اللي أنا عايزاه 
حديثها محق ولكن ألا ترى تغيره؟، ألا ترى حبه لها ولهفته في الإقتراب منها؟ سألها بضيق قائلًا وهو يقف على قدميه بعيد عنها قليلًا: 
-أنتِ شايفه أن أنا عايز كده وخلاص مفيش أي أسباب تانية 
تحدثت برجاء ولهفة ربما يقول ما تريد أن تستمع إليه:
-مش لازم أنا أشوف أنتَ ممكن تقول لو فيه حاجه تانيه هتوفر عليا وعليك كتير أوي من فهم غلط لصح... قول يا يزيد قول 
انتظرت طويلًا لكي يتحدث، ترجته بعينيها ليقول ما تريد الإستماع إليه وما يرمي إليه هو الآخر ولكن طال انتظارها وطال صمته، لم يتحدث فقط نظر إليها وتعابيره هادئة لم يظهر عليه أي تأثر بحديثها، اومأت إليه برأسها بحزن وذهبت سريعًا إلى المرحاض وأغلقته خلفها لتبكي على ما حدث منذ قليل فقد ترجته لكي يقول أنه يحبها، لماذا هو صعب هكذا فحديثه ونظراته وأفعاله يقولون أنه يعشقها لما لا يريد البوح بذلك؟
أما هو فقد وجد نفسه غبيًا للغاية لما لم يتحدث ويعترف بعشقه لها فهي تشعر بذلك ولا تريد الإقتراب منه إلا عندما يكن هناك رابط قوي بينهم، ولكنه حقًا غبيًا ليضيع من بين يده فرصة كهذه..
___________________
وقفت السيارة أمام الصيدلية ثم خرج منها بهدوء ودلف إليها بعد أن خلع نظارته الشمسية عن عينيه، نظر إلى ابنة عمه الجالسة على مكتبها تتابع حاسوبها الشخصي بعينيها، حمحم بصوته لترفع رأسها تنظر إليه ولم تصدق نفسها فقد احتلت الصدمة كيانها، لم تكن تتوقع أن تراه الآن أبدًا وأين في صيدليتها!. ذاهب إليها في مكانها بالتحديد!
خرجت من صدمتها على صوته المازح عندما قال وهو يجلس: 
-هتبصي كده كتير مفيش حتى اتفضل 
عنفت نفسها على ذلك الغباء وقفت تنظر إليه ببلاهة متناسية نفسها: 
-احم لأ طبعًا اتفضل 
ابتسم بسخرية بعدما استمع لها وقال بتهكم صريح: 
-بعد ايه بقى ما أنا قعدت من زمان 
استدارت حول المكتب وذهبت لتجلس في مقابلته وهي تبتسم باتساع والفرحة تكاد تخرج من عينيها بسبب رؤيته هذه:
-ازيك يا تامر عامل ايه؟
أجابها وهو يتقدم للإمام بجسده ناحيتها بهدوء وابتسامة تزين ثغره:
-الحمدلله بخير أنتِ عامله ايه وعمي 
-احنا بخير، بس يعني زيارة غريبة شويه 
مرة أخرى يبتسم وكأنه يوزع ابتسامات مجانية، أردف قائلًا بجدية: 
-كان عندي شغل قريب من هنا فقولت اعدي أسلم عليكي مايصحش ابقى هنا ومشوفكيش 
يدق قلبها فرحًا بتلك الكلمات العفوية التي تخرج منه لتعمل على إسعاد قلبها وروحها وكل شيء ينبض في جسدها فتحدثت بتردد قائلة:
-لأ بقى يبقى تتغدا معانا أنا وبابا اوعى متوافقش 
باستغراب تحدث متسائلًا متعجب لما لن يوافق ولما هي تبتسم هكذا ببلاهة وليست على ما يرام:
-موافقش ليه؟ موافق طبعًا 
ابتسمت باتساع شديد ولكن زالت ابتسامتها عندما تحدث متسائلًا: 
-مروة كويسه؟ أصلي برن عليها كتير مبتردش عليا حتى جربت أرقام غريبة 
إلى الآن يفكر في شقيقتها التي تزوجت والآن تكون حياة أسرية مع زوجها في سعادة، وهو إلى الآن يقف عند نقطة أنه يحبها منذ الصغر ويريد أن يتزوجها وتصبح له، لا يرى أنها تحبه؟ لا يرى أنها ضحت من أجل شقيقتها التي لم تكن تحبه من الأساس! فعلت ذلك فقط لأنها تعلم بحبه إليها ولم تكُن تريد أن تخرب كل شيء عليهم، لم تكن تريد أن تصبح شرير القصة لذا صمتت ولكن القدر وقف إلى جوارها، تزوجت شقيقتها غيره وهو إلى الآن لا ينسى وكأنه يحارب حبها إليه وما باليد حيلة فالحب ليس منا فهو من مكان لا نستطيع الحكم عليه بل هو الذي يحكم علينا دائمًا..
تحدثت بحدة وبجدية هذه المرة تجيبه على سؤاله عن شقيقتها ولتلفت نظره إليها قليلًا ربما يكن لها نصيب به: 
-سيبك من مروة بقى يا تامر مروة خلاص اتجوزت ليه مش قادر تستوعب ده وبعدين جوزها قالها متردش على أرقام غريبة علشان كان في حد بيبعتلها رسايل وبيضايقها، بص قدامك هتلاقي اللي بيفكر فيك واللي عايزك بجد أنتَ بس شيل الغشاوة اللي على عنيك وهتلاقي قدامك بالظبط اللي بيتمناك 
استغرب حديثها الذي بدأته بحدة شديدة ثم انخفضت نبرتها إلى اللين والترجي وكأنه فهم ما ترمي إليه ولكن يكذب حدسه فلا يعتقد ذلك أبدًا..
___________________ 
وجدته يعدل ملابسه أمام المرآة والذي كانت مكونه من حُلة سوداء ولأول مرة تراه يرتديها منذ أن عرفته، منذ ذلك اليوم وهو مكفهر الوجه لا يتحدث معها إلا للضرورة أو أمام أحد حتى لا يخجلها أو يظهر عليهم الضيق، من المفترض أن تكون هي من يفعل ذلك وليس هو فقد ترجته لكي يتحدث ولم يفعل، هو الذي ابتعد وليس هي..
حاولت أن تشغل نفسها بتنظيف الغرفة حتى لا تسأله إلى أين يذهب ولكن لم تستطيع فبعد تضيع الوقت في رفع الشيء ووضعه مكانه تحدثت سائلة إياه بهدوء وهي تقف خلفه:
-هو أنتَ رايح فين؟
نظر إليها عبر المرآة بتهكم وهو يعدل ربطة عنقه متذكرًا رفضها له والذي يعلم أنها محقة به ولكن هناك شيء يزعجه، رجولته لا تسمح له بموقف كهذا معها، قال بسخرية سائلًا إياها:
-هيفرق معاكي
أجابته بثقة كبيرة بعد أن وجدته يتهكم في حديثه وتعلم لأنه منزعج منذ أن رفضته قبل بضعة أيام: 
-أكيد طبعًا 
نظر إليها مطولًا بهدوء مستغرب من أجابتها السريعة التي تأكد فيها أنه يفرق معها كثيرًا، أردف قائلًا بجدية وهو يستدير إليها: 
-مسافر 
شهقت بفزع وخوف عندما نطق تلك الكلمة الصغيرة المكونة من خمسة أحرف، وقد ظهر الهلع على ملامحها فاقتربت منه بسرعة قائلة برجاء ولهفة: 
-وهتسبني لوحدي؟ 
لقد رأي الهلع مرتسم بوضوح على ملامحها، الدموع خلف جفنيها تهدد بالفرار، ولكنه تحدث قائلًا ببرود: 
-مظنش غيابي هيفرق معاكي أوي لو قبل كده كنت قولت ماشي لكن دلوقتي لأ مظنش 
دمعة خائنة فرت هاربة من عينيها وسريعًا زالتها وهي تنظر إليه بحزن وعتاب خالص تحمله إليه: 
-ليه كل ده؟ علشان قولت لأ؟ مش أحسن من اللي كان هيحصل من غير رضا وقبول بينا وبعدين تعالى هنا المفروض أنا اللي أزعل مش أنتَ، ليه بتعمل كده بجد؟ 
انفجرت باكية أمامه بشدة بعد أن سألته لما يفعل هكذا وكأنها تنتظر تلك اللحظة منذ زمن لتبكي بكاء حاد، زفر بحنق وضيق فهو لا يود أبدًا أن يراها تبكي، لا يريد أن يضعف بهذه الطريقة المخجلة، أردف بحدة وجدية:
-متعيطيش وأنتِ بتكلميني.. أنا مسافر القاهرة ورايا شغل مستعجل هخلصه وأرجع
استدار ليذهب ناحية الباب فذهبت خلفه سريعًا تتمسك بيده بلهفة وتحدثت برجاء والدموع عالقة بـ اهدابها: 
-خدني معاك طيب هقعد عند بابا وميار ومنين ما تخلص هرجع معاك، متسبنيش هنا لوحدي 
نفض يده من بين يدها ونظر إليها بهدوء وفي داخله براكين ثائره بسبب هذا المظهر التي هي عليه، تحدث قائلًا ببرود: 
-لأ، ده بيتي أنا مش سايبك في الشارع، ابقي اقعدي مع يسرى وأنا مش هطول على بالليل هبقى هنا 
بترجي تحدثت مرة أخرى ربما يرضخ لطلبها: 
-أرجوك
-قولت لأ
استدار سريعًا ليذهب وتركها في الغرفة تقف تنظر في أثره باستغراب ودهشة فقط من أجل كلمة لا تركها وذهب هكذا بعد أن تغير بشدة في معاملته إياها، هي فقط تريد أن يكون كل شيء صحيح بينهم وهو هكذا يجازيها!..
بينما هو ذهب ولم ينظر خلفه خاف من ضعف قلبه أن يستدير ويعود إليها ولا يتركها أبدًا، نظراتها ورجائها لا يعلم كيف صمد أمامهم هكذا وتركها أنها حقًا معجزة، ذهب وهو يفكر ما الذي سيفعله معها في القادم..
_______________________ 
عاد بعد منتصف الليل، ولج إلى الغرفة ولم تكن موجودة بها أعتقد أنها بالمرحاض، فبدل ملابسه بأخرى مريحة واستلقى على الفراش يريح ظهره بعض الوقت، وجد أنها تأخرت كثيرًا بالداخل فوقف على قدميه متقدمًا من المرحاض، وقف أمامه ودق الباب عدة مرات ولم يلقى منها ردًا هلع ووقع قلبه بين قدميه من أن يكون أصابها شيء بالداخل ففتح الباب سريعًا ولكن لم تكن موجودة، تعجب كثيرًا فأين ستذهب في هذا الوقت من الليل؟..
خرج سريعًا من الغرفة يبحث عنها في المنزل وفي حديقته ولم يجدها فصعد مرة أخرى إلى الأعلى سريعًا ليراها إن كانت في غرفة شقيقته ولكن وهو يصعد أستمع إلى صوت يأتي من غرفته فذهب إليها مرة أخرى ووجدها هي بالداخل..
أغلق الباب بحدة فاستمعت إليه ولكن لم تنظر له، تقدم منها والغضب يلوح بعينيه، أمسك يدها يديرها إليه ليسألها قائلًا: 
-كنتي فين في الوقت ده؟
أجابته بهدوء شديد وابتسامة هادئة تزين شفتيها بعد أن وضعت يدها الأخرى على صدره:
-كنت هنا هكون فين يعني 
جز على أسنانه بحدة شديدة وهو يراها تكذب عليه ولا يعلم أين كانت في هذا الوقت المتأخر من الليل، غير أنها تغيرت منذ الصباح إلى الآن مئة وثمانون درجة في معاملتها إياه، زفر بحنق وضيق ثم تحدث مرة أخرى محاولًا أن يبث الهدوء بداخله: 
-مكنتيش موجودة في الاوضه ولا حتى تحت، كنتي فين؟
-في اوضة الرسم 
نظر إليها بشك جلي قد رأته في عينيه لتبتسم بهدوء بينما هو تساءل ليرى صدقها: 
-بتعملي ايه؟
رفعت لوحة من على الأريكة وضعتها أمام وجهه لتريه إياها مبتسمة بهدوء وحب تكنه له: 
-كنت بعمل دي
نظر إلى اللوحة بضيق ليجد صورته بها، أنه هو حقًا لقد رسمته، رسمته بـ الألوان خصلات شعره حالكة السواد، عينيه بها لونين الأخضر والأزرق وكأنه مزيج بينهما يريح النظر إليهما، يبتسم بهدوء، ابدعت بها حقًا وكأنه هو أو كأنها صوره تم التقاطها له ليس رسمه، رفع نظره إليها مرة أخرى ووجدها هي التي تتحدث هذه المرة قائلة مُبتسمة بحب: 
-ايه رأيك فيها 
لم يستطيع ألا يبتسم أمام هذه الابتسامة المشرقة رغم انزعاجه من كل شيء، أجابها قائلًا بهدوء: 
-جميلة تسلم ايدك
تحدثت بحماس مرة أخرى وهي تتقدم منه لتكن قريبة إليه: 
-فضلت طول اليوم بظبطها علشان تطلع كده 
اومأ إليها بهدوء شديد فنظرت إليه بحزن، تريثت قليلًا ثم قالت بصوت خافت ونبرة حزينة راجية وهي تعود للخلف بجسدها قليلًا بعد أن وضعت اللوحة على الأريكة: 
-أنا آسفة لو كنت عملت حاجه زعلتك أنا مقصدش بس كل اللي عايزاه أننا نكون حابين وجود بعض في كل حاجه مش مجرد أننا عايزين وخلاص، حابين كل حاجه بنعملها سوا دي حياة وبيترتب عليها حاجات كتير أوي لازم نكون مرتبنلها أرجوك بلاش تعاملني كده أنتَ وجودك جنبي فارق معايا أوي.. أنا عايزه أفضل معاك على طول ومش عايزه أبعد عنك بس محتاجه شوية وقت 
اقترب هو هذه المرة بعد أن استمع لحديثها الذي راق لعقله وقلبه وروحه وكل شيء به، أردف سائلًا إياها بتريث وهدوء: 
-قولتي ايه؟
-محتاجه شوية وقت!
فعل حركة بأصبع يده السبابه تدل على أنه يريد الذي قبلها، فتحدث بتردد قائلًا: 
-اللي قبلها 
ابتلعت ما في جوفها متحدثة بخفوت والقلق والتوتر يسيطران عليها كليًا: 
-إن وجودك جنبي فارق معايا وإني مش عايزه أبعد عنك وأفضل معاك على طول! 
وضع يده على خصرها مقربها منه والأخرى على وجنتها، أخفض رأسه مسندًا إياه على رأسها مغمضًا العينين ففعلت المثل بعد أن وضعت يدها على خصره تحيطه بهما..
ابتلع ريقه وشعر أنه يود التحدث الآن، ذلك الوقت المناسب للبوح بما يريد، شعر أن قلبه يدق بعنف شديد وكأنه يستعد لما سيقوله فتحدث بتردد قائلًا وهو يلتقط أنفاسه بصعوبة: 
-مروة أنا.... أنا
صمت ولم يكمل ما بدأ به فتحدثت هي شاعرة أنه يود التحدث ولا يستطيع فدعمته بسؤالها قائلة بهدوء حانِ: 
-أنتَ ايه يا يزيد قول 
مرة أخرى أخذ نفس عميق كانت أنفاسها من ضمنه ثم تحدث بتوتر: 
-ممكن اللي هقوله تستغربيه بس والله دي الحقيقة... مروة أنا.. أنا بحبك، بحبك ومقدرش أعيش لحظة من غيرك متبعديش عني أنا مش عايز البعد بينا 
لم يستمع إلا لأنفاسها السريعة وقد شعر بيدها تنزلق من حول خصره لتستقر جانبها، ربما صُدمت من حديثه فقال مرة أخرى: 
-بحبك ومش هسيبك ومش هقربلك إلا برضاكي وحبك يا مروتي..
أنفاسها تكاد تحسب، الهواء ينسحب من حولها، تشعر أنها في حالة إغماء، الكلمة هزت حصونها، لقد كانت لها أثر كبير عليها عندما استمعتها من بين شفتيه، شعور لا يوصف لا تعلم كيف توصفه ولكنها سعيدة، سعيدة لأنه أخيرًا أعترف أنه يحبها الآن فقط تستطيع أن تقول أنهم سيكونوا زوج وزوجة فهي أيضًا تحبه..
استغرب أنه لم يجد منها ردًا إلى الآن فهمس باسمها بهدوء وصوت خافت ولم تجيبه هي بالكلمات، رفعت يدها مرة أخرى تحاوط خصره وابعدت جبينها عن جبينه واضعة رأسها على موضع قلبه تحتضنه بشدة غير قادرة على الحديث ولكن كانت تريد ذلك العناق الذي يمدها بالدفء والحب القوي، الذي يشعرها بالأمان والحنان أيضًا..
هو علم أنها لا تود التحدث أو أنها لا تعلم ما الذي تقوله، لم يأتي بعقله أنها لا تحبه لأنه وجد منها الكثير والكثير ليقول أنه على الأقل هناك إعجاب منها ناحيته، لذا سينتظر اعترافها له بحبها ووقتها سيجعلها زوجته قولًا وفعلًا، ولن يتركها مهما حدث فهذه ملاكه الغالي الذي عثر عليه صدفة بدايةً وتدبير القدر نهايةً..
_________________
                                  "يُتبع"
"بعد ثلاثة أيام"
دلف إلى غرفة شقيقته بهدوء بعد أن فتحت الباب له، يضع يده في جيب بنطاله ناظرًا إليها بجمود لم تعهده منه، دلف إلى الداخل ثم أغلق الباب خلفه، أردف سائلًا إياها ببرود كما عادته في تلك المواقف: 
-أنتِ طلبتي أي Order يوم خطوبتك؟
نظرت إليه باستغراب لسؤاله الغريب أو الغير متوقع منه ثم أجابته محاولة أن تكون هادئة ولكن نظراته توجسها: 
-آه طلبت 
-طلبتي ايه 
أيضًا سؤال غريب غير الأول فهذه أول مرة "يزيد" يكون يريد معرفة الأشياء الذي تجلبها إلى نفسها، قالت بتوتر: 
-لبس كان عاجبني وحاجات ليا يعني
تقدم إلى الداخل وهو ينظر إليها بشكٍ واستغراب قد شعرت به هي، أردف سائلًا إياها: 
-معاكي الفاتورة؟
حاولت أن تتذكر إن كانت معها أو لا ثم تحدثت قائلة بجدية:
-آه معايا 
-هاتيها 
ذهبت لتأتي بـ الفاتورة من أحد الإدراج، تذكر "يزيد" الذي حدث عندما كان يراجع الكاميرا الموضوعة أمام البيت ورأى "يسرى" وهي تستلم أكياس من أحد عمال التوصيل الخاصة بمكان بيع ملابس راقية وقد عرفه من الإسم المدون على قميصه الأحمر، تذكر الثوب سريعًا الذي أتى لـ "مروة" فأخذه شكه إلى "يسرى" التي ربما كانت تود أن تكون مفاجأة إليها منه ولا تعلم أنه يعارض هذه الملابس، لم يظن السوء بشقيقته ولكنه كان يريد أن يعلم إن كانت هي أم لا..
أتت إليه "يسرى" بـ الفاتورة، أخذها منها ثم نظر بها يراجع ما بها إلا أن وجد أن الثوب مدون بها حقًا، كتب لونه الأحمر وماركته وسعره الذي كان عاليًا للغاية ولم يكن غيره بهذه المواصفات بالورقة.. 
نظر إليها "يزيد" والشك يزداد بداخله ناحيتها أنها من فعلت ذلك ولكن لما كذبت على مروة وحاولت أن تعرف معها من الفاعل؟ هل لأنها خجلت من فعلتها بعد أن حدث تشاجر بينهم؟ سألها "يزيد" وهو يضع الفاتورة أمام وجهها:
-هاتي الفستان ده أشوفه..
نظرت إلى الورقة بصدمة فهي لم تتذكر أنها طلبت شيء كهذا ويبدوا أنه مشابهة لثوب "مروة" الذي أحدث المشكلة بينهم، رفعت نظرها إلى شقيقها متحدثة بتوتر: 
-بس أنا مطلبتش حاجه زي دي.. مش أنا اللي طلبته
بهدوء تحدث مرة أخرى محاولًا أن يعلم منها ما حدث: 
-إزاي مش دي الفاتورة بتاعتك؟ 
أردفت سريعًا بلهفة وتوتر من ظنه بها السوء فهي حقًا لا تعلم من أين لها بهذا الثوب في الفاتورة حتى أنه لم يأتي مع أشيائها: 
-أيوه دي الفاتورة وكل اللي فيها بتاعي بس الفستان ده أنا مطلبتوش حتى أنه مجاش في حاجتي إزاي موجود هنا
رأته ينظر إليها بجمود ولم يحرك ساكنًا فعلمت أنه بشك بها وبأنها من فعلت ذلك، قالت برجاء محاولة أن تشرح له ما حدث: 
-يزيد أنتَ شاكك أن أنا اللي عملت كده وجبته لمروة والله أبدًا أنا حتى معرفش هو مكتوب في الفاتورة إزاي
صمتت لترى ردة عليها ولكنه لم يتحدث، فُتح الباب بهدوء وظهرت من خلفه "مروة" التي يبدوا عليها أنها استمعت لما دار بينهم من حديث، ابتسمت بهدوء ابتسامة مهزوزة تُجبر نفسها عليها، دلفت للداخل وأغلقت الباب خلفها، نظرت لـ "يزيد" بهدوء ثم تحدثت بثقة قائلة: 
-يسرى متعملش كده أبدًا صدقها، أنا واثقة من كده 
عاد "يزيد" بنظره إلى يسرى ينظر إليها بهدوء متحدثًا بجدية: 
-أنا مش شاكك فيها أنها عملت ده عن قصد أنا بقول أنها ممكن تكون عملت كده بحسن نية أنها تجيبلك هدية على اسمي بس وسعت منها شويه 
أردفت "يسرى" نافية حديثه الذي لم يحدث ولم تفعله من الأساس: 
-لأ معملتش كده بردو والله 
سألها مجددًا بإصرار على معرفة الحقيقة منها هي: 
-طب عايز أفهم إزاي جه في الفاتورة بتاعتك ولا إزاي حاسبتي على حاجه مش معاكي ولا طلبتيها؟
تذكرت ما حدث سريعًا ثم أجابته مبررة موقفها محاولة أن تبعد شكه عنها لأنها لم تفعل وأيضًا سيجعل "مروة" تشك بها حتى ولو كانت واثقة أنها لم تفعلها:
-أنا معرفش جات إزاي صدقني بس هو كل اللي حصل إني طلبت اللي عايزاه ولما جه استلمته ودفعت بـ Credit card بتاعتي الحساب وأخدت الفاتورة من غير ما أبص عليها حتى..
رأت الشك بعينيه لم يزول فقالت مرة أخرى: 
-طب أنا هأكدلك أنا حتى ماخرجتش حاجه من الـ Order يدوب شوفتهم هجبهولك علشان تصدقني 
هتفت "مروة" سريعًا بخجل وهي تراها هكذا في موضع الإتهام: 
-لأ خلاص يا يسرى إحنا عارفين أنك متعمليش كد.....
صمتت ولم تكمل حديثها الذي كانت تدافع عنها به فقد شلت أطرافها بسبب الصدمة التي تعرضت لها الآن ومن أقرب شخص لها بالمنزل من بعد "يزيد" نظر إليها زوجها ليراها تنظر على شيء ما داخل الدولاب الذي فتحته شقيقته، تنظر عليه بصدمة وعينيها مثبته عليه لتعرف إن كان هو أم لا وللأسف الشديد كان هو حقًا..
تقدمت للإمام بجوار "يسرى" التي كانت تخرج الأشياء من دولابها، مدت "مروة" يدها وأخرجت الصندوق الذي أتى الثوب به واختفى، نظرت يسرى على الصندوق الذي أول مرة تراه هنا في غرفتها وليس هكذا فقط بل في دولابها خافت من أن تصدق "مروة" أنها من فعلت ذلك ولكن أي شخص محلها سيصدق..
رفعت لها الصندوق أمام عينيها وتحدثت بضعف وخيبة أمل بها: 
-ده الصندوق اللي جالي فيه الفستان بيعمل ايه هنا؟
ترقرقت الدموع بعيني "يسرى" وتحدثت برجاء وضعف متلهفة وخائفة من أن تفقد صديقتها الوحيدة هنا: 
-والله يا مروة ما أعرف أنا أول مرة أشوفه وحياة ربنا 
رفعت "مروة" الغطاء عنه ووجدت الورقة به كما هي أسندت الصندوق جانبًا ثم أخذت الورقة قرأتها مرة أخرى، ذهبت لتضعها أمام وجه "يزيد" قائلة بخفوت:
-دي الورقة وده الكلام اللي مكتوب فيها أهو أنتَ كنت مفكر إني بكدب عليك 
رأي الحزن في عينيها فقد تذكرت كلماته لها في تلك اللحظة وتشكيكه بها وبأنها من فعلت كل ذلك، أغمض عينيه بقوة ثم فتحتهم ناظرًا إلى شقيقته التي كانت تود أن تصرخ وتقول أنها ليست من فعل ذلك: 
-مروة صدقيني مش أنا 
أقترب منها شقيقها بهدوء شديد دون أن يتحدث بأي كلمة ودون سابق إنذار هوى على وجنتيها بصفعة مدوية أطاحت وجهها للناحية الأخرى، وضعت يدها في مكان صفعته ولم تتحدث، خرجت الدموع من عينيها بغزارة بينما "مروة" صرخت عليه بشدة مقتربة منها تدفعه للخارج: 
-أنتَ اتجننت، أخرج بره دلوقتي يا يزيد 
خرج بعد أن دفعته "مروة" للخارج عنوة ثم ذهبت إليها بعد أن أغلقت الباب، تقدمت منها ثم تحدثت قائلة بجدية فقد لعب الشك دوره عليها هي الأخرى: 
-معلش يا يسرى متزعليش منه أنتِ عارفه إن الحوار ده عمل بينا مشكلة كبيرة وهو مشكش فيكي هو بس فكر إنك عملتي كده بحسن نية
نظرت إليها "يسرى" باكية والدموع لا تتوقف عن الخروج من عينيها، تحدثت بخفوت: 
-أنتِ مصدقة إني أعمل فيكي كده؟ أنتِ أختي يا مروة والله مش أنا مقدرش أعمل كده وأنا فعلًا معرفش مين اللي عمل كده والله مش أنا... عارفه إن كل شيء بيقول أن أنا اللي عملت كده بس أحلف بأيه أنه مش أنا
ابتسمت لها ابتسامة مهزوزة ثم تحدثت وهي تقف على قدميها مغادرة للغرفة: 
-خلاص يا يسرى متزعليش من يزيد على اللي عمله هو بس اتعصب واعتبري الموضوع محصلش 
ثم خرجت من الغرفة وتركتها وحدها تبكي فقد أعتقد شقيقها أنها من فعلت ذلك غير أن "مروة" يبدوا عليها عدم تصديقها وهي محقة فكل الدلائل ضدها ولها الحق في الانزعاج منها، زالت دموعها بيدها وحدثت نفسها بأنها يجب أن تعلم من الذي فعلها لتريهم أنها بريئة ولم تفعل شيء..
__________________
جلست في حديقة المنزل تحتسي كوب من الشاي بهدوء وراحة بعد أن استمعت لكل ما دار بينهم، والجميع أغبية بنظرها لا أحد يعلم ما الذي حدث حقًا، ألم تكن "مروة" و " يسرى" صديقتان؟ إذًا ماذا حدث الآن كيف تصدق أنها تفعل ذلك بها، ويالا غباء "يسرى" التي حتى لا تعرف ما ثمن أشيائها وما الذي دفعته، ضحكت بشدة وهي تتذكر ما فعلته والذي ساعدها به غباء "يسرى" الكلي..
"قبل يوم الخطبة"
كانت "يسرى" جالسة تطالع الهاتف في يدها منذ دقائق ثم نادتها والدتها من المطبخ فتركت الهاتف على الأريكة جوارها دون أن تغلقه، رأته "إيمان" والذي اعتقدت أنها تتحدث إلى أخيها فأرادت أن تعرف ما الذي يتحدثون به، ولكنها وجدت صور لملابس كثيرة أشكال متعددة وراقية وبعض المجوهرات وغيرها من الزينة، وقع نظرها على ثوب أحمر قاتم مفتوح من عند الرقبة فتحة واسعة كما أنه ضيق وبه فتحه في المنتصف من الأسفل تظهر الساق، خطر ببالها فكرة خبيثة لا تخرج إلا من شيطان يريد تحطيم كل شيء وخرابه..
طلبت ذلك الثوب مع البقية الذي طلبتهم "يسرى" وعلمت متى ستأتي إليها الأشياء من خلال أخذ جوله في الموقع المفتوح، تركت الهاتف مكانه وذهبت إلى مكانها تتابع التلفاز وكأنها لم تفعل أي شيء..
وفي اليوم التالي علمت الميعاد الذي ستستلم به "يسرى" وانتظرت إلى أن أخذت أشيائها وصعدت إلى غرفتها، فتحت الباب عليها سريعًا وجدتها تهم بفتح الأشياء تحدثت سريعًا قائلة بجدية:
-مرات عمي عايزاكي تحت 
أجابتها "يسرى" بجدية هي الأخرى قائلة: 
-طيب ثواني ونازله 
قاربت على فتحة مرة أخرى فتحدثت "إيمان" بحدة وجدية قائلة: 
-وأنا مش هاخد الشتيمة عنك يا ست يسرى انزلي الأول 
تأفأفت "يسرى" بضيق ثم خرجت من الغرفة وأغلقت الباب حتى لا تلتقي منها وصلة توبيخ لن تصمت هي عنها وستعكر صفوها في يوم خطبتها..
افتعلت "إيمان" أنها ذاهبة إلى غرفتها حتى ذهبت "يسرى" ثم عادت من جديد ولجت الغرفة ثم فتحت الأكياس وأخذت الثوب ووضعت كل شيء في مكانه وخرجت من الغرفة ذاهبة إلى غرفتها..
انتظرت إلى أن ذهبت "مروة" إلى غرفة "يسرى" لتساعدها في تجهيز نفسها، وضعت الثوب في الصندوق الذي اشترته وكتبت تلك الورقة ووضعتها معه ثم ذهبت بحذر إلى غرفة "مروة" ووضعت الصندوق على الفراش مبتسمة بشر والحقد ينبصق من عينيها، ثم مرة أخرى دلفت لتأخذ الصندوق حتى لا يتبقى أثر أو دليل على حديثها الذي ستقوله إلى زوجها..
ومن ثم الآن وبعد كل شيء وضعت الصندوق مرة أخرى في دولاب "يسرى" كي تكن هي موضع الإتهام الرئيسي في هذه اللعبة الحقيرة الذي بدأتها هي.. 
خرجت من شرودها في ذلك اليوم متذكرة ما فعلته ثم ضحكت بأعلى ما عندها من صوت على غباء الجميع فقد نشب شجار حاد بين "مروة" و "يزيد" تبعه ابتعادهم عن بعض لبضعة أيام وقد لاحظتهم وأيضًا أبعدت "يسرى" عن "مروة" لتبقى وحدها أمامها دون حامي ولكن هل سيظل هذا سرًا؟..
______________________
-اللي أنتَ عملته غلط، يسرى متعملش كده
أردفت "مروة" قائلة تلك الكلمات إلى يزيد الذي انزعج من كثرة عتابها له، تحدث هو بضيق قائلًا: 
-طب قوليلي إزاي الفستان في الفاتورة بتاعتها وهي اللي طالبة كل حاجاتها وكمان دفعت تمنه طب لو هنقول أنه مثلًا جه غلط ودفعت تمنه من غير ما تاخد بالها جه اوضتك إزاي بالورقة اللي فيه
جلست "مروة" على الأريكة أمامه بعد أن احتارت في ذلك الأمر فهي إن قالت أن "إيمان" من فعلت مؤكد لن يصدق وهي نفسها لا تصدق فـ "إيمان" لا تعلم ما الذي طلبته "يسرى" من الأساس، سألها باستغراب متعجب من سكوتها: 
-سكتي ليه جاوبيني 
-مش عارفه أقول ايه.. بس حتى لو يسرى ليه تعمل كده 
جلس جوارها وأمسك يديها بين يديه بأريحية وضع يده الأخرى على وجنتيها وتحدث بهدوء: 
-ممكن تكون عملت كده بحسن نية 
أجابته هي بثقة هذه المرة وهي تعلم أن "يسرى" لن تكذب لو فعلتها: 
-لو كده فعلًا كانت قالت يسرى مش كدابه 
تنهد بعمق شديد وهو يهز رأسه يمينًا ويسارًا باستنكار ثم قال لها بهدوء: 
-بقولك ايه خلاص انسي سوا هي ولا لأ الموضوع عدا 
ابتسمت إليه ووضعت يدها على يده بهدوء قائلة بجدية وهي لا تود أن يكن هناك فجوة بين "يسرى" و "يزيد" خصوصًا أنها تعلم ما هي علاقتهم بـ "فاروق":
-طيب أنا أصلًا خلاص نسيت بس ممكن تصالح يسرى حتى لو هي يا سيدي أنا راضية وأنتَ مكنش ينفع تمد إيدك عليها على الأقل قدامي
زفر بضيق وكاد أن يسحب يده ولكنها شددت عليها وقالت راجية إياه ليفعل ما تريد: 
-علشان خاطري
ابتسم باتساع عندما وجدها تؤثر عليه بها هي وبتعابير وجهها الطفولية، تحدث مبتسمًا ببلاهة: 
-بحبك يا مروتي
ابتسمت باتساع هي الأخرى وشددت بيدها على يده الذي رفعها إلى فمه يقبلها بحنان وحب فياض يظهر على كل أفعاله وتعابيره..
______________________ 
بكت كثيرًا وهي تقص عليه ما حدث بينها وبين شقيقها وزوجته، لقد قالت له كل ما حدث تود لو أنه يقول لها من الذي فعل كل ذلك لتكن التهمة من نصيبها هي وكل الدلائل ضدها..
أردف قائلًا عبر الهاتف بتعجب وذهول: 
-أيوه يا يسرى بس إزاي ده حصل بردو ماهي حاجه متدخلش العقل لأن أنتِ اللي طالبه الحاجة دي مش حد تاني 
أجابته بنبرة مرهقة فقد هُلكت من كثرة الحديث والتبريرات: 
-أيوه أنا بس مش أنا اللي طلبته والله، بقول حتى مكنش في الحاجه بتاعتي إزاي بقى أنا مش فاهمة 
فكر قليلًا في حديثها وكيف أنها طلبته ولن تكُن هي!، في الفاتورة مدون ودفعت تمنه ولم تعرف به، وضع في غرفة "مروة" وهي لا تدري حتى أن الصندوق والورقة عندها ومازالت تقول ليست هي: 
-هو أنا ممكن أقولك حاجه بس متفهميش غلط 
-قول
تحدث بتريث وهدوء قائلًا: 
-مش ممكن تكوني أنتِ حبيتي تعمليها مفاجأة ليها ولما قلبت جد قولتي أنه مش أنتِ
هل قصت عليه كل ما حدث ليقول ذلك الحديث مثل أخيها؟، هي لم تفعل، لم تفعل ستصيب بالجنون الجميع يقول أنها فعلت بحسن نية وهي لم ترى الثوب إلا عندما رأته مع "مروة"، تحدثت قائلة بجدية:
-محصلش يا سامر والله أبدًا، أنا هتجنن مين اللي هيكون عمل كده بس
أردف بهدوء محاولًا تهدئتها هي الأخرى عن التفكير في ذلك الموضوع الذي ارهقها:
-طيب ممكن تهدي بس أكيد كل حاجه هتبان 
أجابته بحدة وهي تتذكر نظرة مروة إليها قبل أن تغادر غرفتها:
-اهدى إزاي بس يا سامر علاقتي بمروة هتدمر وهتصدق إن أنا اللي عملت كده، هتفكر إني زي الباقي..
مرة أخرى يحاول أن يجعلها تهدأ قليلًا، تحدث قائلًا بهدوء وجدية: 
-مروة عارفاكي كويس ومن اللي قولتيه ليا هي كده مصدقتش حاجه عنك أهدي بقى
تنهدت بضيق شديد خائفة من أن تبتعد عنها "مروة" غير ظن شقيقها بها، أجابت بهدوء:
-اتمنى
__________________ 
-شايفك اتعودتي على ليل
أردف بتلك الكلمات وهو على ظهر جواده "ليل" بينما هي تجلس أمامه ملتصقة به بشدة تستند بظهرها على صدره العريض وتمسك بيدها لجام الحصان وهو يحيط خصرها مقربها إليه بحبٍ، أجابته مُبتسمة باتساع على كلماته فهي تعلم أنه يتهكم عليها بسبب خوفها منه في السابق:
-هو ليل في زيه بردو مش معقول أخاف من حصان Cute كده 
ضحك "يزيد" عاليًا بكامل صوته بعد أن استمع لكلماتها عن "ليل" رمز القوة والخوف، سألته بضيق قائلة: 
-ايه سبب الضحك الجامد ده 
وضع ذقنه على كتفها يبتسم ابتسامة عريضة وأردف بحماس وسخرية بذات الوقت بجانب أذنها: 
-بضحك على Cute أصل كان في حد كده بيقول إن ليل ده أسود زي السما وبيخوف زي العفاريت 
لوت شفتيها بضيق شديد منه وزفرت بحنق قائلة بجدية متهكمة بسخرية عليه:
-تصدق إنك رخم فعلًا وبعدين عادي لما أخاف من حصان أحسن ما أخاف من لون 
ضحك مرة أخرى عاليًا وكأنها تقول نُكت مضحكة وعندما انتهى من ضحكته انحنى على عنقها وقبلها برقة ثم قال بخفوت وصوت أجش في أذنها: 
-خلاص ده كان زمان، من قبل ما أشوفه عليكي 
سارت الرعشة في جسدها مرة أخرى من اقترابه المهلك وحديثه الذي يحمل الغزل لها، كم تود أن تبوح له بمكنونات قلبها لزيل أي حواجز بينهم، استجمعت شتات نفسها وهتفت بسخرية: 
-بردو بتخاف 
حدثها بأذنها مرة أخرى سائلًا إياها بهدوء وعبث: 
-طيب أنا بخاف وأنتِ لسه بتاخفي من ليل؟
ضحكت عاليًا بسخرية وأجابته ببرود وتهكم ناظرة إليه بعد أن وجهت نظرها له:
-لأ طبعًا هو ده سؤال ما أنا أهو على ضهره وكمان ماسكه اللجام 
ابتسم بخبثٍ ومكر وهو يفكر في شيء ما للعبث معها وجعلها تعترف أنها إلا الآن تخاف منه:
-دلوقتي نشوف 
توجست منه ومن نظرته تلك وعلمت أنه ينوي فعل شيء ما ولكن صمتت وتمادت في صمتها حتى لا تجعله يسخر منها مرة أخرى، أخذ منها اللجام ليمسكه هو ثم جذبه بشدة ليجعل الجواد يركض بسرعة شديدة، صرخت "مروة" عاليًا وتحدثت بخوف وهي تتمسك في قدميه الاثنين بيدها فلا يوجد ما تتمسك به غيره حيث أنها أمامه: 
-يزيد والنبي لأ هيوقعنا براحة 
ضحك عليها مرة أخرى وأسرع من جديد ليركض الجواد بأقصى سرعة ممكنة، ثم تحدث قائلًا بصوت عالي متهكم: 
-كشيتي ليه مش قولتي مش بخاف 
يرفعها ويخفضها وتشعر أنها ستقع من عليه في أي لحظة أجابته بحدة وهي تدعي في نفسها إلا تقع من عليه: 
-أيوه مش بخاف منه دلوقتي بس خايفه من السرعة دي بطل بقى 
لم يستمع إليها بل أكمل فيما يفعله وهو يضحك بشدة وقد شعرت هي أنها ستقع من عليه، استدارت إليه بجسدها فقط وضعت يدها الاثنين حول خصره وعانقته بشدة متمسكة به والخوف والهلع يسيطران عليها من هذه السرعة الغير ممكنة، بينما هو شعر بجسدها يختبئ داخل جسده خائفة من سرعة "ليل"، جعله يعود مرة أخرى إلى مكانه ولكن قد أخفض من سرعته وظلت هي على وضعها تدس جسدها داخل أحضانه..
عندما شعرت بتوقف "ليل" أخرجت نفسها ثم نظرت إليه مبتسمة بحبٍ وتحدثت قائلة: 
-قولت إني مش خايفة علشان أنتَ معايا ومش هخاف طول ما أنتَ معايا بس أنتَ عارف إني مش بحب السرعة ودي أول مرة يجري كده وأنا عليه
ابتسم لها وقد مس قلبه حديثها الذي قالت به أنها تشعر بالأمان جواره، أقترب منها وقبلها برقة قبلة سريعة وعاد إلى الخلف برأسه مرة أخرى واعتدلت هي أيضًا ناظرة إلى الأمام، تنهدت ثم تحدثت بهدوء قائلة: 
-عايزه أسألك عن حاجه بس تجاوبني من غير عصبية 
خمن ما الذي تود أن تتحدث به وتركها لتقول ما تريد: 
-ماشي 
أخذت نفس عميق وتحدثت وهي كما هي لم تحرك ساكنًا قائلة بجدية متسائلة باستغراب: 
-قولتلي هنمشي ومحصلش وشكلك مش ناوي صح؟
تنهد هو الآخر وزفر بضيق شديد فهو يود الذهاب من هنا أكثر منها ولكن ما الذي يستطيع أن يفعله فأن استطاع وفعل شيء ستذهب هي من بين يديه، تحدث قائلًا بجدية: 
-هتلاقيني في يوم بقولك يلا بينا نمشي امتى مش عارف بس أكيد هيجي.. ممكن بقى متفكريش في الموضوع ده وعيشي كأن ده بيتك
اومأت إليه برأسها بهدوء ثم قالت بصوت خافت: 
-يلا نطلع بقى أنا عايزه أنام 
-يلا 
ترجل من على الحصان ثم أخذها من عليه لتقف على الأرضية أمامه فتحدث قائلًا:
-اطلعي وأنا جاي وراكي 
اومأت إليه ثم ذهبت وتركته وهو أخذ حصانه ليضعه في مكانه بـ الإسطبل..
صعدت "مروة" إلى غرفتها ثم بدلت ملابسها إلى أخرى مريحة للنوم مكونه من بنطال بيتي قصير يصل إلى الركبة وبلوزة بنصف كم فوقه، جلست على الفراش ترتشف من كوب المياة الذي بين يدها..
دلف "يزيد" إلى الغرفة مبتسمًا بسعادة غامرة تحتاجه لما يحدث بينهم في هذه الأيام، فتح الدولاب ثم أخذ منه ملابس تناسبه للنوم أيضًا ودلف إلى المرحاض ليبدلهم ثم خرج سريعًا مرتديًا بنطال بيتي وتيشرت نصف كم لونه أسود يبرز عضلات جسده..
صعد "يزيد" على الفراش يستلقي مكانه بينما هي الأخرى تنام في مكانها ككل يوم توليه ظهرها، اقترب منها محتضنًا إياها من الخلف ووضع وجهه بالقرب من خصلاتها يستنشق رائحتها..
تحدث سائلًا إياها بتريث وهدوء وصوت أجش يبعث القشعريرة داخل أنحاء جسدها:
-هو أنا قولتلك النهاردة أني بحبك؟
أجابته بنبرة خافته من أثر اقترابه منها الذي يجعلها مشتتة للغاية: 
-آه قولتلي
-طب بحبك
تنفست بعمق وضربات قلبها تتسارع بشدة، استدارت إليه وأصبحت مقابلة إلى وجهه ثم تحدثت دون أن ترتب كلماتها، فقط وجدت نفسها تريد البوح هي الأخرى كما فعل:
-وأنا كمان بحبك 
نظر إليها بدهشة وظهرت الفرحة الشديدة عليه ولكنه منع نفسه من ذلك خائفًا، اعتدل يستند بذراعه على الفراش ثم تحدث قائلًا بجدية: 
-مروة أنتِ مش مضطرة ترديلي الكلمة وأنتِ مش حاسه بيها، حبيبتي أنا هستناكي لو العمر كله 
ابتسمت بخجل ثم جذبته إليها ليستلقي على الفراش ناظرًا إليها مرة أخرى ولكن باستغراب، تحدثت هي بخفوت وأصبحت وجنتيها حمراء بشدة من الخجل:
-مين قالك إني مضطرة أو بردلك الكلمة وخلاص؟!.. يزيد أنا.. أنا بحبك زي ما بتحبني بقولهالك من كل قلبي أنا بحبك
ابتسم باتساع وقد كان قلبه يقفز من الفرحة لاستماعه تلك الكلمات البسيطة منها، اومأ إليها بعينيه وكأنه يود التأكيد على كلماتها فأومات إليه هي الأخرى مبتسمة بخجل هامسة إليه بحب: 
-والله بحبك
في لمح البصر كان "يزيد" يقبلها بشوق وحنين كبير، باشتياق جارف يكاد أن يقتله معه، وبدورها لم تمنعه بل وضعت يدها خلف رأسه تقربه منها وتبادله قبلته الدامية، انخفض إلى عنقها المرمري يقبلها بحب وشوق كبير للغاية، حاول أن يزيح عنها بلوزتها ونظر إليها بتردد وكأنه ينتظر منها اعتراض على ما يفعله كما المرات السابقة ولكنه لم يجد منها غير الخجل المميت دليل على موافقتها له، فأكمل ما بدأه بحبٍ وليفعل ما يحلو له جاعلًا إياها زوجته قولًا وفعلًا...
لم تغفل عينًا لها منذ تلك اللحظة التي اتُهمت بها أنها خائنة لصديقتها، منذ لحظة دخولها موضع إتهام ليس لها به شيء، أخذها التفكير من كل شيء حولها لتعلم من فعل ذلك باسمها هي، ودت لو أخذت روحه بيديها..


تفكيرها أخذها تدريجيًا إلى جميع من بالمنزل بدايةً من عمها "سابت" ولكن التفكير به في هذا الموضع غير سليم لأنه لا يقرأ ولا يكتب فكيف سيفعل ذلك إلا باستعانة أحد وحتى لو هو، لا يفعل شيء كهذا أنه بعيد كل البعد عن هذه الألاعيب الرخيصة، لا تراه إلا عند تناول الطعام، حديثه جديًا للغاية، قراراته مصيرية، أبعدته عن تفكيرها ثم انتقلت إلى والدتها، أيضًا لن تعرف كيف تتصرف بالهاتف وتطلب فستان كهذا، غير أنها لا تفعل هكذا أنها لو ودت التخريب على "مروة" لفعلتها بوجهها وهذه لن تكون أول مرة بل على العكس أنها دائمًا تقول بوجهها ما تريد وتفعل ما تريد ليست مضطرة أن تفعل ذلك غير أنها إذا فعلت لن طورتها هي في هذه الفعلة مؤكد لن تكون تريد أن يحدث بينها وبين شقيقها أي شيء غير مرغوب به..


إذًا هو فاروق؟ أيضًا فاروق لا يأخذ هاتفها ولو بالصدفة وكيف أخذ الفستان من بين أغراضها دون أن تعلم؟، وكيف دلف إلى غرفة "يزيد" و "مروة" لا يتجرأ على دخولها فهي غرفة زوجة أخيه، أم يفعلها؟ لا لا فاروق ليس دنيء إلى هذه الدرجة، إذًا من فعلها؟..


لا يوجد غير تلك الحية "إيمان" هي التي تفعل كل شيء ولكن أيضًا كيف فهي لا تسطيع، متى أخذت هاتفها وطلبت ذلك الفستان في أثناء طلبها هي ومتى أخذته ومتى فعلت كل هذا، هي ستُجن حقًا لا يوجد غيرها الآن هي فقط أو "يزيد" أو "مروة" ومؤكد هما مستبعدان إذًا لا يوجد سواها! مهلًا مهلًا لقد تذكرت شيء..


في تلك الأثناء التي كانت تطلب ما تريد تركت الهاتف على الأريكة عندما ذهبت إلى والدتها في المطبخ!.. تركته مفتوح وذهبت ولم يكن سوى "إيمان" الجالسة بالغرفة أيعقل أن تكن فعلتها في تلك الأثناء! نعم فهذا هو الوقت الذي طلبت به ما تريد ليس وقتًا أخر، ولكن كيف أخذته من بين أغراضها؟ مهلًا مرة أخرى..


يا لك من امرأة خبيثة لا تحتاج إلا لبعض الحِيل بحياتها، تذكرت أنها عندما استلمت الأشياء من العامل صعدت إلى غرفتها ومن ثم صعدت خلفها "إيمان" لتقول لها أن والدتها بحاجة إليها وظلت هي بالأعلى متجهة إلى غرفتها ربما عادت مرة أخرى وافتعلت ذلك!، غير أن والدتها لم تكن بحاجة إليها وهي لم تعلق على الأمر فقد صعدت مرة أخرى لترى الأشياء ومن ثم وضعتهم كما كانوا في خزانتها..


إذًا "إيمان" هي من فعلت كل ذلك، طلبت الفستان من هاتفها وجعلتها تدفع ثمنه وهي التي استلمته أيضًا دون علم منها! أخذته ووضعته في غرفة مروة بالورقة والصندوق ومن ثم أخذتهم مرة أخرى لتضعهم في غرفتها وتكُن هي المتهم الوحيد بهذه الجريمة وكل الدلائل ضدها وضد حديثها الذي ظهر إليهم كذبًا، علمت الآن لماذا فعلت كل هذا هي تريد أن تبعد "مروة" عنها، تريدها أن تصفى لحالها هذه البغيضة اللعينة، حمدًا لله أن "سامر" ووالدته ليس بهذا الشر والحقد أنها فرعًا منازعًا لأهله، هي لن تصمت عن ما فعلته وستجعل الجميع يعلم بفعلتها الرخيصة..   

               __________________


أنارت الشمس عرفتهم منذ ساعات كثيرة ولكن لم يستيقظ أحدًا منهم إلى الآن فقد كانت ليلتهم الأولى سويًا بليلة أمس..


تململت "مروة" على الفراش بانزعاج من أنوار الشمس الذي تشعر بها وهي مغلقة عينيها، شعرت بشيء صلب أسفل رأسها غير الوسادة القطنية الناعمة، غير أنها مكبلة، هناك شيء ثقيل صلب على قدميها، حيث كان ذراع "يزيد" أسفل رأسها بينما قدمه اليسرى فوق قدميها محيطًا إياها بجسده..


فتحت "مروة" عينيها ببطء شديد فقد كان النور قوي في الغرفة لقد غفت عن غلق باب الشرفة بالأمس، نظرت حولها لترى "يزيد" ينام جوارها محيطًا جسدها بجسده، رفعت رأسها للأعلى تنظر إليه عن قرب، وكم كان وسيمًا يخطف الأنظار والقلوب في برهة واحدة، خصلاته السوداء مبعثرة بعشوائية، عينيه مغلقة بهدوء، أنفه حاد شامخ، شفتيه مذمومة للأمام بحدة، تفاحة آدم بارزة في عُنقه، صدره عاري ويظهر جسده العضلي، نصفه السفلي مغطى بشرشف مثلها أسفله، لقد كان رجلًا جذاب يأخذ جميع الأنظار إليه وقد تاهت هي الآن في وسامته وجمال رجولته..


شعرت بصداع خفيف يداهم رأسها فوضعت يدها بهدوء تدلكه وحاولت أن تأخذ جسدها من أسفل قدمه ولم تستطيع فقد كانت تريد أن تذهب لتستحم وترتدي ملابسها وتخرج قبل أن يفيق من نومه ويخجلها بما فعله أمس كما فعل قبل نومهم، حاولت مرة أخرى ولكنه كان ثقيل للغاية أو ربما هو يشعر بما تفعله!.. 


فتح عينيه الذي ظهر من خلفها محيطًا في غاية الزُرقة، رأها وهي تحاول أن تذهب من جواره فضغط بقدمه عليها حتى لا تستطيع فعادت هي مرة أخرى بجسدها إلى الفراش تستلقي عليه ودن سابق إنذار وجدته يعتليها مبتسمًا بخبث ومكر تعرفه هي جيدًا..


تحدث بمكر واستنكار ونظرة لعوب تلوح على ملامح وجهه الذي مازال يحمل أثار النوم:


-على فين يا جميل؟


شهقت بفزع فقد أعتقدت أنه نائم، ولكنه كان يسخر منها، علمت الآن كيف كان ضغط قدمه يزداد عليها، أردفت بانزعاج واضح: 


-خضتني، وبعدين هروح فين يعني رايحه الحمام 


سألها مبتسمًا بخبث ومكر مرة أخرى وهو يهبط بجسده إليها ليكون مقابل وجهها مباشرة:


-وبتتسحبي زي الحرامية ليه؟


توترت بشدة من حديثه فقد فهم ما كانت تريد أن تفعل، يا له من وغد، نظرت إليه متحدثة بتوتر:


-مش.. مش بتسحب ولا حاجه ده.. ده بس مكنتش عايزه أصحيك من النوم علشان أنتَ نايم متأخر  


هبط بوجهه إلى جانب ووجهها ووضع شفتيه مقابلًا لأذنها يهتف بمكر وخبث يريد العبث معها قليلًا: 


-وهو أنا نايم متأخر ليه؟ تعرفي؟


دفعته بكلتا يدها بعنف ليبتعد عنها فقد أصبحت وجنتيها حمراء بشدة وأرادت أن تبتعد عنه حتى لا يخجلها أكثر من ذلك فهو يتعمد أن يفعل بها هكذا، التقط كلتا يدها بيده الاثنين وسارت ضحكاته عالية تعم أرجاء الغرفة فتحدثت هي بانزعاج قائلة:


-يزيد! أرجوك بلاش كلامك ده بيحرجني 


هبط إلى شفتيها يقبلها بحبٍ وهدوء ومن ثم نظر إليها بشغف يظهر بعينيه قبل أن يتحدث به، أردف مبتسمًا بهدوء وهو يقول لها:


-صباحية مباركة


أخفضت عينيها لتنظر إلى صدره هاربه من عينيه، فكلماته تخجلها إلى أبعد حد وتجعلها تتذكر ما حدث ويصبح وجهها يشتعل من حمرة الخجل، ابتسم مرة أخرى باتساع وأردف قائلًا بمرح: 

-لأ بقولك ايه مش كل ما أقول حاجه وشك يعمل زي الطماطم كده صحصحي معايا الله يرضى عليكي ده لسه قدامنا كتير 


رفعت وجهها إليه مبتسمة بخجل شديد ثم تحدثت بلين وهي تحاول الإبتعاد عنه ليستجيب ويتركها:


-طب أبعد بقى عايزه أخد دش وانزل شويه الوقت أكيد متأخر دلوقتي 


ضحك ضحكات متفرقة بتهكم وسخرية شديدة على حديثها فقد كان يخطط لشيء أخر وسيفعله حتمًا ولكن براءة عقلها جعلته يقول لها أن تفتعل الحديث بلين ليتركها، تحدث قائلًا بجدية بعد أن أخفى ابتسامته: 


-مهو إحنا هناخد دش وننزل وكل حاجه بس مش قبل ما نخلص اللي بينا 


هبط بنظرة على شفتيها لتفهم على الفور ما يرمي إليه بحديثه وكادت أن تعترض ولكن قد ابتلع كلماتها داخل فمه بعد أن التقط شفتيها يقبلها بشغف وحبٍ شديد ومازال ممسكًا بيدها الاثنين بين يديه حتى لا تبتعد عنه ولكن فور أن تركها بادلته القبلة ليتغير مصيرها وتصبح قبلة جامحة، وضعت هي يدها في خصلات شعره تدس أصابع يدها مبعثرة إياه أكثر لتقربه منها ومن ثم دلف بها إلى بحور عشقه الواسعة، ليريها أمواجه وجزره الرائعة..


بعد فترة ليست قصيرة 


جلست "مروة" على الفراش مرتدية قميصه البيتي الذي كان ملقى أرضًا، وقد أحبه كثيرًا عليها فقد كان كبير للغاية يصل إلى نصف فخذيها، وقفت على قدميها بهدوء متجهة إلى المرحاض ولكنه أعاق طريقها ليتمسك بيدها ثم جذبها إليه بحدة لتقع فوقه على الفراش وسار يعبث بيده بجرأة على جسدها فصاحت هي به بحدة وجدية: 


-يزيد بطل بقى بجد، بص الساعة بقت واحدة وإحنا لسه هنا زمانهم بيقولوا علينا ايه دلوقتي


أجابها بمرح وهو يحيط خصرها بكلتا يديه بينما هي تحاول الإبتعاد فلو تمكن منها لن يتركها إلى يوم غد:


-يقولوا اللي يقولوه مش مراتي.. الله 


تحدثت بجدية وخجل وهي تضع يدها على صدره:


-طب أنا عايزه أروح الحمام 


نظر إليها جديًا يحاول أن يرى كذبها ولكن لم يستطيع فتركها بهدوء لكي تذهب وفورًا ذهبت من أمامه متجهة إلى المرحاض وعندما وقفت أمام بابه أخرجت لسانها له بمرح وسعادة كـ الأطفال ثم تحدثت:


-شربتها..


ابتسم هو الآخر بمرح واضعًا يده الاثنين خلف رأسه يستند عليهما وأجابها بتوعد شديد:


-مسيرك يا مُلخية تيجي تحت المخرطة


ضحكت بصوتٍ عالٍ ثم دلفت إلى المرحاض وأغلقت الباب خلفها بينما هو كان قلبه يتراقص فرحًا وسعادة، فلم يكن يتوقع أن تعترف بحبها إليه بهذه السرعة وأن يتم زواجه منها، أنه الآن في أسعد لحظات حياته، لقد أكتشف أنه يعشقها ولا يستطيع العيش دونها، أنها تمثل له اكسجين الحياة، نظر أمامه مبتسمًا بسعادة تغمر قلبه وكل خلية في جسده..


            ___________________


أسبوعين مروا عليهم ولقد كانوا من أروع الأيام الذي عاشوا بها سويًا، تعرف كل منهم على الآخر إلى أبعد حد وساروا يعلمون أصغر التفاصيل عن بعضهم، لم يكن سوى الحب والعشق رفيقهم ولحظاتهم الرومانسية والجامحة..


قدم "يزيد" إليها كل ما يمتلكه من حب وعشق يكِنه في قلبه لها، جعلها تحلق في السماء بتلك اللحظات الرومانسية الخاصة بهم، وجعلها أيضًا تكف عن خجلها الدائم لتصبح أمامه بجرأة عالية لم يكن يتوقعها هو..


بينما هي فعلت مثله أظهرت إليه كم الحب المكنون بقلبها له، جعلته يرى جمالها وجمال روحها، قدمت إليه كل ما يريده محاولة إسعاده وتعويضه عن تلك اللحظات التي ابتعدت عنه بها، تحلت ببعض الجرأة وتركت خجلها جانبًا لتسعده وتغمر قلبه بالفرحة كما يفعل معها..


وقفت والدته "نجية" على باب المنزل ورأته يقف بعيد نسبيًا أسفل شجرة كبيرة هو وزوجته في لحظة رومانسية بينهم وهي تتدلل عليه أمامها وترى ذلك بوضوح، دلفت إلى الداخل والغيظ يأكل قلبها فـ ابنة عائلة "طوبار" عرفت كيف تأكل عقل ابنها وتجعله مثل الخاتم بإصبعها، الآن ابنها لن يفعل شيء لهم فهو غارق في عشقها، سيذهب كل شيء هدرًا أن استمر الوضع هكذا، لا لن تتركها تفعل ما تريد ستريها كيف تفعل ذلك به..


دلفت إلى غرفة الصالون التي كانت جالسة بها وأيضًا كنت تجلس "يسرى" التي كانت تنظر إلى "إيمان" بكره، ثم بعد قليل دلفت مروة هي الأخرى وجلست جوار "يسرى" مبتسمة بسعادة فهذه الأيام تمر على قلبها بفرح لا يوجد مثله ولكن لم تدم كثيرًا..


نظرت إليها والدة زوجها بشر متوعده لها بأن تنزع تلك الفرحة المُرتسمة على وجهها وتخلق شجار بينها وبين ابنها، تحدثت قائلة بجدية: 


-أنتِ يا بت طوبار أنا مش طلبت منك قهوة


انتبهت مروة إلى حديثها وقد علمت ما تنوي فعله، تحدثت هي بهدوء مجيبة إياها حتى لا تنزع فرحتها:


-أيوه ما هي على التربيزة أهي  


نظرت والدة زوجها إلى القهوة ومن ثم إليها مرة أخرى وتحدثت بقسوة وغلاظه: 


-وأنا كنت فين لما جبتيها، القهوة باردة كيف التلج أشربها إزاي أنا


تنفست "مروة" بعمق محاولة أن تهدأ نفسها قدر الإمكان فهي تنوي فعل شيء سيء سيعود على الجميع بالحزن: 


-أنا عملتها ولما جبتها أنتِ كنتي في الحمام حطتها لحد ما تطلعي وأخدت قهوة يزيد علشان متبردش.. هقوم أعملك غيرها سخنة 


نهتها عن ذلك عندما وجدتها تهم بالذهاب حيث قالت لها بغضب وقسوة شديدة لا تليق إلا بها: 


-مش عايزه منك حاجه قهوتك كيف السم 

ضغطت بأسنانها على شفتيها حتى لا تُجيبها بعاطل ونظرت إلى "يسرى" بهدوء والتي اومأت إليها برأسها كدليل ألا تُجيبها، عادت إلى الخلف تستند بظهرها على الأريكة فاستمعت إلى صوتها مرة أخرى يقول بتهكم وسخرية:


-قهوة ايه اللي عايزاه مظبوطة، ما أنتِ أصلًا مالكيش إلا في خطف الرجالة 


أجابتها مروة بحدة هذه المرة وقد طفح كيلها فهي لا تريد النزول إلى الأسفل من أجل هذا الحديث البغيض على قلبها: 


-رجالة ايه اللي خطفتها معلش.. هو أنا كنت خطفت جوزك  


وقفت "نجية" على قدميها تهتف بغضب وعصبية من كلمات "مروة" التي تجرأت وأجابتها مرة أخرى:


-جوزي ايه يا قليلة الحيا، ما أنتِ خطفتي ابني زي ما تكوني سحراله


تشدقت "مروة" بسخرية بعد أن وقفت هي الأخرى تجيبها على حديثها الغير صحيح وكأنهم كذبوا الكذبة وصدقونها: 


-سحراله حته واحدة.. ده على أساس يعني أن مش انتوا اللي مقررين عن الجوازه دي، كدبتوا الكدبه وصدقتوها!


تحدثت "يسرى" بعد صمتٍ طويل قائلة إلى والدتها بجدية وانزعاج وهي تقف أمامها: 


-ما كفاية بقى كل يوم موال من بتوعكم دول ما تسيبيها في حالها 


تحدثت "إيمان" عن والدة زوجها مُجيبة إياها بسخرية وعنجهية وهي تضع قدم فوق الأخرى جالسة على الأريكة ببرود كما هي:


-وأنتِ مالك يا خطيبة أخويا هي عينتك محامي عنها 

 

ودت لو تفتك بها الآن أمام الجميع، أرادت لو جذبتها من خصلات شعرها المختبئة أسفل حجابها، أردفت "يسرى" بسخرية مبادلة إياها: 


-بلاش أنتِ تتكلمي يا إيمان علشان حسابك لسه مجاش


توترت "إيمان" للحظات من أن تكون قد كشفت ما فعلته، ولكنها من أين ستعلم؟ عادت لتبتسم بسخرية مرة أخرى دون أن تُجيبها فقد توترت كثيرًا من حديثها..


استدارت "مروة" لترحل وتذهب إلى غرفتها حتى ينتهى كل ذلك ولكن استمعت إلى صوت والدته مرة أخرى تقول بعنجهية وقسوة: 


-رايحه فين يا قليلة الرباية.. أنا بكلمك تقفي وتردي عليا


استدارت إليها مرة أخرى ووجهها أحمر من شدة الغضب الذي كبتته بداخلها حتى لا تندم على شيء ولكن لم تستطيع، أجابتها بحدة وعصبية: 


-أنا مش قليلة الرباية يا ست أنتِ أنا لو قليلة الرباية بصحيح كنت رديت عليكي وعرفتك مقامك


-مروة


استمعت إلى صوته القاسي يهتف باسمها وقد استمع إلى حديثها مع والدته، استدارت تنظر إليه لتراه غاضب بشدة، لم يتحرك جفنًا لها فهي لم تكن خاطئة بل تتحمل أخطاء الآخرين:


تحدث بقسوة شديدة وهو يشير إليها إلى خارج الغرفة: 


-اطلعي فوق 


حاولت أن تتحدث حتى لا تملئ والدته رأسه بالحديث الكاذب، أردفت بانزعاج وضيق واضح:


-أنتَ......


لم تكمل جملتها التي قد بدأت بها حيث صاح بصوتٍ عالٍ بها: 


-قولت على فوق 


خرجت من الغرفة بغضب شديد وواضح فهو لم يستمع إليها فقط استمع إلى نهاية الحديث ولم يعلم من الذي افتعله، تركته وصعدت إلى الأعلى بانزعاج واضح وقد نجحت والدته في كسر فرحتها ونزع سعادتها من قلبها..


             ___________________


-ما خلاص بقى يا مروة أنا مش متفق معاكي على اللي هيحصل.. الله 

استفزها حديثه بهذا البرود وكأن ما تفعله والدته شيء هين، أنها لا تستطيع أن تجلس بمكان بالها صافي يجب أن تعكره هي أو "إيمان":


-أنتَ بتكلم كده إزاي بجد أنا مش قادرة أفهم


التقط يدها بين يديه وتحدث بهدوء محاولًا اقناعها بكلماته:


-يا حبيبتي أنا قولتلك دي أمي مقدرش أعملها حاجه غير إني أتكلم معاها، عارف أن طبعها صعب ومش هيتغير بس أنا قولتلك بلاش تردي عليها ومسمعتيش الكلام 


سحبت يدها من بين يديه وتحدثت بحدة مُجيبة إياه: 


-يعني بعد كل اللي قالته ليا وأفضل ساكته؟.. أنا حاولت أخرج من الاوضه وهي اللي بردو كملت في كلامها مقدرتش أمسك نفسي أكتر من كده 


تأفأف من حديثها مبتعدًا بوجهه عنها ثم وقف على قدميه متقدمًا من باب الشرفة يعطي لها ظهره: 


-تقومي تردي عليها بالطريقة دي والكلام ده 


اندهشت من حديثه فهو الآن يراها المخطئ بردها على والدته أما هم فلم يفعلوا شيء!، أجابته باستنكار ودهشة:


-يعني أنا اللي غلطانة في الآخر!


استدار إليها يهتف بضيق وانزعاج: 


-ياستي أنا اللي غلطان ممكن متنكديش علينا بقى 


-يعني ايه منكدش أنا بتفاهم معاك 


أجابها بحدة وقد أتى بأخره معها فهو منذ أن صعد من الأسفل وهو يحاول أن يجعلها تهدأ وتصمت عن ذلك الحديث وهي لا تفعل:


-وأنا قولتلك اللي عندي مش هروح اطرد أمي ولا أهزقها مثلًا


صاحت بحدة وبصوتٍ عالٍ هي الأخرى مُجيبة إياه فهي لا تستطيع الصمود أكثر من ذلك أمامهم:


-مشيني أنا من هنا.. أنا مش عايزه أقعد في البيت ده، قولتلك آه أني مش هتكلم في الحوار ده تاني بس لحد هنا وكفاية أنا تعبت 


اقترب منها على حين غرة ممسكًا بذراعها بحدة بين أصابعه الذي غرزت بلحم ذراعها، وتحدث من بين أسنانه بحدة وجدية شديدة:


-أولًا صوتك ميعلاش عليا أظن قولتها قبل كده، ثانيًا سبق وقولتلك إني عندي شغل هنا لازم أخلصه 


وضعت يدها على يده الممسكة بذراعها تحاول فكها من عليها بينما تهتف بغضب وهي تنظر داخل عينيه بجدية: 


-بطل كدب عليا أنا مش عيلة صغيرة.. بشوفك مش بتروح أي شغل هنا على عكس فاروق وعمك طول اليوم بره وبردو بشوفك شغال على الـ Laptop بتاعك معنى كده أنك بتخلص شغلك اللي هناك من هنا صح؟


علمت بكل ما يحاول مداراته، أنها ليست فتاة غبية، ليست امرأة ضعيفة يتغلب عليها ببضع كلمات ولكن أيضًا ماذا يقول لها، تحدث مجيبًا إياها وهو يضغط على ذراعها بحدة:


-لأ مش صح 


سألته بجدية وترجي ربما يُجيبها بكلمات تدلف عقلها هذه المرة: 


-طب فهمني أنتَ قولي ايه الصح بدل ما أنا حاسه نفسي معمول عليا مؤامرة


ردد كلمتها باستنكار ودهشة مفتعلة بعد أن ترك يدها وهو يعلم بقرارة نفسه أن ما تحدثت به صحيح:


-مؤامرة!!


أجابته بجدية وهي تدلك يدها بعد أن تركها فأصابعه تركت أثرها عليها:


-أيوه مؤامرة.. تقدر تقولي امتى سألتك سؤال ورديت عليا رد منتقي؟. أنتَ حتى مقولتش رد مقنع في عدم خروجنا من هنا مع أن يسرى قالتلي أنك كنت بتيجي أجازات بس حتى أنتَ قولت، اشمعنى دلوقتي حابسني هنا في وسط ناس بيكرهوني طول الوقت يا إما مرزوعة هنا معاك وطبعًا بتعمل اللي أنتَ عايزه أو أقعد مع يسرى اللي ببقى بتطفل عليها أو أنزل ويحصل مشكلة زي دلوقتي كده.. 


ما الحل في الإبتعاد عن حديثها الأن؟، المراوغة، سيراوغ في الحديث حتى يبتعد عن ذلك النطاق الذي لا يطيقه، تهكم في حديثه وأجابها بسخرية وضيق:


-بعد ما نكدتي علينا وبوظتي الليلة أنتِ عايزه ايه 


نظرت إليه بدهشة فهذا كل ما يفكر ليلته الجامحة التي كان يريدها! إلا يكفيه كل ليلة ليأتي الآن في وسط حديث مصيري ويفكر بهذه الطريقة؟ تحدثت بتساؤل ودهشة:


-هو ده كل اللي بتفكر فيه يا يزيد؟ الليلة اللي باظت!!.


-عايزه ايه يا مروة


جلست على الفراش وتحدثت مرة أخرى مُجيبة إياه ولكن بهدوء فقد هلكت من الحديث معه والذي كان يفكر هو في آخر:


-عايزه أمشي من هنا 


ابتعد عنها بانزعاج إلى نهاية الغرفة مجيبًا إياها بحدة وجدية لا تتقبل النقاش: 


-وأنا قولتلك قبل كده هنمشي في الوقت المناسب اللي أشوفه أنا ومش هيحصل غير كده اعتبري أن مفيش بيت تاني وإن ده بيتي الوحيد ودي أخر مرة تردي فيها على أمي لو كلمتك أمشي وسيبيها وموضوع أننا نمشي من هنا لو اتفتح تاني مش هيحصل كويس


أنهى حديثه بمنتهى الجدية ثم ذهب إلى خارج الغرفة وتركها، لقد حاصرته بحديثها فهي تفهم كل شيء وهو لا يريد خسارتها، لا يريد الإبتعاد عنها، أنها زوجته، حبيبته كل شيء له أصبح يحبها أكثر من نفسه وأكثر من أي شخص أخر، لا يعلم كيف سيخرج من هذه الورطة فهو كلما توصل لقرار شعر أنه خطأ، والأن يأخذ كل ما لها وتملكه ويعطيه إليهم ثم يذهب بعيدًا بها؟..


تركها وحدها في الغرفة، بكت على حديثه بهذه الحدة معها، بكت على أنه لا يفعل ما تريده الآن، وبكت على تفكيره بما يريد هو، تتحدث معه عن ما تريده وما يزعجها وهو يفكر بليلة معها كان يريدها، لقد خذلها بحق، تشعر وكأنه عاد مرة أخرى لصلابته معها فقد لأجل والدته التي تخطئ بحقها دائمًا، نعم لقد تحدث معها ومنعها عن الإقتراب منها ولكنها مازالت تفعل، ما ذنبها هي؟  وقفت على قدميها وذهبت إلى الشرفة وهي تزيل دموعها من على وجنتيها، وجدته على ظهر "ليل" ويركض بسرعة شديدة إلى خارج المنزل..


دلفت مرة أخرى إلى الداخل واستلقت على الفراش محتضنه نفسها وهي تفكر ما الذي تفعله معه فهو قد قطع كل الطرق بحديثه هذا..

             __________________


دلفت إليها غرفتها قبل أن يعود أخيها لتتحدث معها وتواجهها بما فعلته والذي عرفته هي، تحدثت "يسرى" بجدية متسائلة:


-طبعًا من غير ذرة شك أنتِ اللي عملتي كده 


جلست "إيمان" على الفراش ببرود مجيبة إياها بسخرية:


-عملت ايه إن شاء الله


ابتسمت "يسرى" بوجهها متحدثة بعبث لتجعلها تقول ما تريد سماعه: 


-مشكلتك إنك غبية يا إيمان، لما أنا خرجت وسبت موبايلي مفتوح وأنتِ أخدتيه وطلبتي الفستان الكاميرا كمان كانت مفتوحة بس كاميرا خفية زي ما بيقولوا وسبتك تعملي كل ده علشان أشوف اخرك فين


توجست لبعض اللحظات ومن ثم عادت للبرود لتعترف هي بنفسها قائلة:


-وبعدين يا حبيبتي عايزه ايه؟ مش عرفتي إن أنا اللي جبت الفستان وحطيته وشيلته؟ ها عايزه ايه؟


سألها شقيقة زوجها باستنكار ودهشة: 


-أنتِ إزاي قذرة كده بجد؟ هتستفادي ايه من كل ده 


وقفت على قدميها ثم تحدثت بحدة وجدية: 


-شيء مايخصكيش يلا بره عايزه أنام


ابتسمت "يسرى" بسخرية ثم أجابتها وهي تخرج من الغرفة: 


-متفكريش أنها عدت كده بالساهل ده لسه التقيل ورا


ثم خرجت من الغرفة وتركتها تفكر في تلك الكلمات التي أثارت ريبتها، فلم تعرف ما الذي تفكر به "يسرى" أو ما الذي تنوي فعله بها، وفي كلتا الحالتين تستحق "إيمان" أسوأ من ذلك.. 
منذ أن رأها واستمع إلى حديثها وهو يفكر به كل يوم، وكل لحظة تمُر وتُحسب من عمره، حديثها أثار فضوله ليعلم عن من تتحدث، ربما هو يعلم ولكن يشعر أن هناك خطب ما!.. 
نعم فهي مؤكد لن تتحدث عن نفسها لأنها تعلم أنه عاشق لشقيقتها "مروة" هي أول من صارحها بذلك لتساعده في الوصول إليها، مؤكد لن تكون هي التي تحدثت عنها، إذًا عن من تتحدث؟ هل يترك "مروة" كما قالت هي؟ أحيانًا يرى أنها محقة هو كان يحبها بشدة ولكن هي الآن متزوجة، مهلًا هل قال أنه كان يحبها؟ إذًا وماذا الآن هل هو الآن لا يحبها؟، أنه لا يدري وفكره مُشتت للغاية، فهو كان يحب "مروة" والآن لا يدري لما شعر أنه ليس كما السابق، غير حديث "ميار" شقيقتها! أنه حقًا لا يدري شيء ولكن يمكنه أن يفكر بشكل هادئ وصحيح..
أنه كان يحب "مروة" منذ زمن، أراد أن يتزوجها ولكن القدر كان له رأي أخر، حاول ابعادها عن زوجها ولكن لم ينجح، الآن هو يشعر أن مشاعره تجاهها قد تغيرت! ربما هو يسأل عنها ويريد معرفة اخبارها للتشفي بـ "يزيد" إن كان هناك مشكلة أو لا فـ سيفعل هو، ولكن بعيدًا عن كل هذا حديث ابنة عمه "ميار" أثار فضوله، أنه قضى اليوم معها هي وعمه وفي كل ثانية تمُر وهو يراها يفكر بحديثها، إلى الآن وهو يفكر، يجب أن يعلم وإن كان هناك من يتمناه حقًا مثلما قالت فـ سيعطي نفسه فرصة ليعشق مرة أخرى ربما تكن صائبة وتنجح هذه المرة دون الفراق..
جلس على الفراش خلفه، التقط الهاتف من جواره على الكومود، أخذ ينظر إليه بتردد بين يديه، يفكر هل يحدثها أم لا، ولكن في النهاية ضغط عدة مرات على شاشة الهاتف ووضعه على أذنه منتظرًا الإجابة من الطرف الآخر الذي أجاب قائلًا يتساءل:
-ألو، تامر!
تنحنح بإحراج فهو لا يدري ما الذي سيقوله لها وما الداعي من هذا الإتصال، أدار الهاتف على الأذن الأخرى وتحدث بتردد مرتبك: 
-ازيك يا ميار عامله ايه؟
أجابته من على الطرف الآخر وصوتها يحمل الهدوء: 
-الحمد لله بخير، انتوا عاملين ايه
وقف على قدميه متقدمًا من نافذة غرفته، متحدثًا بجدية محاولًا تصنُعها:
-تمام بخير، احم
استشعرت أن هناك خطب ما، أنه يريد أن يقول شيء، الإتصال غريب وهو مرتبك قليلًا ربما هناك شيء لا يستطيع أن يبوح به: 
-تامر هو فيه حاجه ولا ايه؟
تنحنح مرة أخرى مترددًا كثيرًا لا يعرف كيف يخبرها بما يريد، انتظر لحظات ثم تحدث بجدية متسائلًا:
-ميار.. لما كنت عندك الكلام اللي قولتيه أن حد حواليا وكده!.. مين، مين دي؟
تنفست بعمق، ما هذا السؤال الغبي؟ ألا يدري إلى الآن؟ ألا يعلم كم تعشقه وتكِن كل الحب بقلبها له؟ أجابته بهدوء محاولة أن تريه إياه ليفهم ما تريد قوله هي:
-مقدرش أقولك أنا يا تامر، لازم أنتَ اللي تعرف لوحدك، لازم أنتَ اللي تحس بده، وتحدد الشخص من أفعاله وكلامه حتى لو كان بعيد بس هو قريب، يمكن أقرب حد ليك في اللحظة دي، فكر.. فكر كويس وأنتَ هتعرف لوحدك وهستناك تيجي وتقولي أنك عرفت هي مين، مع السلامة 
أغلقت الهاتف وتركته في دوامةٍ لن يخرج منها، فلا يوجد أحد أمامه سواها هي، هي الوحيدة التي أمامه الآن وهي أقرب شخص إليه في تلك اللحظات فقد كان يحادثها!.، تفكيره يقوده إليها ولكن يخاف أن يكون مخطئ وتكن لا تفكر به من الأساس..
أما هي ابتسمت لأنه ربما على أول الطريق، يفكر بحديثها، يفكر بها، يريد أن يعلم من الفتاة! ربما ليكون قصة حب معها، مؤكد سيفعل ذلك فـ شقيقتها الآن متزوجة تُكَون أسرة لها، الآن هو على أول الطريق لينساها ويبدأ من جديد وربما تكن البداية القادمة معها..
         ___________________________
"في صباح اليوم التالي"
كانت تنظف الغرفة وترتب الفراش بعد أن استيقظت واستيقظ هو الآخر فقد نام بوقت متأخر بالأمس حيث أنه ظل في الخارج مع "ليل" كثيرًا بعد أن تركها وذهب..
دق باب الغرفة بهدوء، ذهبت لتفتح الباب بعد أن ارتدت رداء أبيض طويل حتى كاحليها مفتوح من الأمام وبه حزام على الخصر احكمت غلقه عليها حيث أنها كانت ترتدي شورت قصير يصل إلى ما قبل الركبة وبلوزة قصيرة بالكاد تصل إلى خصرها، فتحت الباب بهدوء وجددت أنها "يسرى" من بالخارج، أشارت إليها بالدخول فدلفت وأغلقت "مروة" الباب مرة أخرى..
سألتها "يسرى" بجدية وهي تدلف للداخل:
-يزيد فين
أجابتها "مروة" بهدوء وهي تجلس على الأريكة مشيرة إليها لتجلس:
-بياخد دوش لسه صاحي 
عزمت "يسرى" أمرها منذ الأمس، منذ أن تحدثت مع "إيمان" عليه أن يعلم كل شيء ليعلم أيضًا أنه ظلمها كثيرًا: 
-طيب شوفيه علشان عايزاكم 
استغربت "مروة" من حديثها فماذا ستريد الآن أن تقول لهم هم الاثنين، إذا كان بخصوص الفستان فقد غُلق الموضوع عندها، سألتها عاقدة ما بين حاجبيها بشدة:
-في حاجه حصلت؟
ابتسمت إليها الأخرى بهدوء وتحدثت وهي تشير ناحية غرفة النوم الذي بها "يزيد" يستحم بالمرحاض:
-يزيد يجي بس وهقولك 
وقفت مروة على قدميها تهتف بجدية متجهة ناحية الغرفة: 
-طيب هشوفه
ذهبت إلى داخل الغرفة متوجهة إلى المرحاض، دقت عليه بهدوء منادية إياه ليرد عليها بجدية من الداخل مستفهمًا ماذا تريد:
-يسرى هنا عايزاك 
-طيب هاتي هدومي من عندك 
عادت إلى الغرفة ثم أخذت ملابسه من على المقعد وتقدمت مرة أخرى إلى المرحاض دقت عليه ثم فتحته مناوله إياه الملابس بهدوء ثم عادت مرة أخرى تجلس مع "يسرى" تنتظره.. 
دلف إليهم في غرفة الصالون بعد أن انتهى من حمامه، مستغربًا من جلستهم هكذا وماذا تريد شقيقته، وقف أمامهم ثم سألها قائلًا بجدية: 
-في ايه مالك؟
وقفت "يسرى" هي الأخرى على قدميها ثم دون حديث عبثت بهاتفها قليلًا ليصدح بصوتين كل منهم يقول حديثًا مصيري، وقفت "مروة" على قدميها بذهول من الذي استمعت له عبر هذا الهاتف بينما عيني "يزيد" تلونت بالخيوط الحمراء من شدة الغضب حيث كان الهاتف ينقل لهم ما دار بين "يسرى" و "إيمان" بالأمس واستمع كل منهم إلى اعترافها بأنها من أوقعت ببعضهم البعض وأنها من فعلت كل ذلك  بدايةً من طلب الفستان إلى وضع الصندوق والورقة بغرفة "يسرى"..
أغلقت الهاتف ثم سردت لهم ما توصلت إليه وهي تفكر حيث أنها تركت الهاتف جوار "إيمان" غير ذلك اليوم الذي صعدت به إليها وتركت هي أشيائها، سردت إليهم كل ما حدث بالتفاصيل حتى يعلمون أنها بريئة ولا تفعل شيء كهذا..
قالت بحزن شديد وهي تنظر إلى شقيقها الذي تطاول عليها معتقدًا أنها الفاعل:
-ده كل اللي حصل وأنا زي زيكم مكنتش أعرف أي حاجه، أنا عمري ما أعمل كده في مروة
أجابتها "مروة" بعد أن خرجت من صدمتها بينما ظل هو صامت يفكر فيما حدث وما قالته، قالت بهدوء وابتسامة زائفة: 
-إحنا مشكناش فيكي يا يسرى ويزيد مكنش قصده 
وجدته يتقدم من باب الغرفة بعصبية شديدة فعلمت على الفور ما الذي يريد فعله، تحركت سريعًا إليه ممسكة بيده بحدة متسائلة بجدية:
-رايح فين؟
جذب يده منها متحدثًا بعصبية شديدة وهو يشير بيده ناحية الباب فقد كان يريد تلقينها درسًا لا تنساه حتى لا تطيق الإقتراب منه أو من زوجته:
-رايح للزبالة اللي تحت دي علشان اعرفها مقامها 
أجابته بحدة مراعية عدم رفع صوتها عليه فهي لا تريد ما يقوله، إن الجميع بالأسفل يحبون "إيمان" على عكسها فـ في كلتا الحالتين ستكون الخاسرة: 
-لأ متعرفهاش لا مقامها ولا غيره كفاية بقى مشاكل 
نظر إليها بدهشة، الآن لا تريد ذلك من كان يتحدث بالأمس؟ سألها باستنكار متعجبًا من حديثها: 
-يعني ايه؟ دي خلتني أشك فيكي وفي أختي وهي السبب في كل اللي كنا فيه عايزاني أسكت؟ 
أجابته بجدية مؤكدة على حديثه وهي تقف أمامه متذكرة حديث أمس بينهم الذي مازال يترك أثر بها: 
-آه تسكت علشان في الآخر أنا اللي هتأذي سواء منك أو منهم ولا نسيت امبارح هما عملوا ايه وأنتَ عملت ايه؟
وقف ينظر إليها داخل عينيها وهي تفعل المثل كل منهم يتذكر حديث أمس وما فعله هو عندما رحل وتركها غير غضبه وعصبيته عليها، نظرت إليهم "يسرى" مستغربة من حديثهم سويًا هكذا ولكن تحدثت مخرجة كل منهم عن نظراته إلى الآخر:
-مروة عندها حق فاروق زي الخاتم في صباع مراته ومهما عملت مش هيغلطها وماما كمان بالعكس دي ممكن تفرح أنها عملت كده بلاش أحسن يا يزيد هيحصل مشاكل وخلاص أنا بس كنت حابه أعرفكم أنه مش أنا 
اقتربت منها "مروة" التي ابتسمت إليها بحب ثم عانقتها دون سابق إنذار وتحدثت قائلة بهدوء: 
-أنا مشكتش فيكي للحظة اللي حصل بس شتتني شوية بس أنا عارفه أنك متعمليش كده 
ابتسمت "يسرى" هي الأخرى باتساع، ابتعدت عنها "مروة" ليقترب "يزيد" محتضنًا إياها هو الآخر قائلًا بجدية: 
-معلش متزعليش مني
ابتسمت إليه بحب تشدد على احتضانه ثم تركتهم وذهبت وهي في غاية السعادة أنها أثبتت لهم أنها ليس لها يد بما حدث.. 
اقترب منها بعد أن وضع يده في جيبه بنطاله البيتي، مضيقًا ما بين حاجبيه ثم سألها باستنكار:
-معقول مش عايزه تاخدي حقك منها ولا حتى تعرفيها أنك عرفتي؟
نظرت إليه بجدية وليس هناك أي تعابير أخرى على وجهها ثم تحدثت مجيبة إياه:
-مش فارقة معايا وبعدين أنا خلاص اكتفيت مشاكل وإهانة في البيت ده
قالت جملتها ثم تركته وذهبت إلى المرحاض بينما هو وقف ينظر في أثرها بدهشة..
              _____________________   
دلف إلى الغرفة بعد أن عاد من الخارج منذ نصف ساعة، يجلس في الخارج على الأريكة ممدد قدميه عليها ويضع حاسوبه على قدميه منذ أن ولج إلى الداخل وهو يعمل عليه ولم ينظر إليها حتى، بينما هي تجلس على المقعد المجاور له تطالع شاشة التلفاز وما يعرض عليها، تريد أن تتحدث معه بخصوص زيارة أهلها الذي لم تذهب إليهم منذ زواجها ولكن كلما أتت لتتحدث تصمت عندما تراه يصب كامل اهتمامه على الحاسوب..
ظلت على ذلك الوضع ما يقارب ربع ساعة أخرى، وجدته يترك الحاسوب من يده واضعًا إياه على الطاولة أمامه بينما أخذ يدلك عنقه بيده، تركت هي الريموت من يدها نظرت إليه ثم تحدثت بجدية: 
-أنا عايزه أتكلم معاك
نظر إليها متأفأف من حديثها الذي اعتاد عليه وهو إما متى سنذهب، أو ما الذي يحدث، سألها بهدوء وهو يعود بظهره للخلف بعد أن جلس باعتدال:
-ايه
اعتدلت هي الأخرى بجلستها ثم نظرت إليه بهدوء قائلة: 
-عايزه أروح أقعد في بيتنا يومين
دون أي نقاش أو حديث آخر وجدته يقابلها بالرفض التام الذي يظهر على جميع ملامح وجهه:
-لأ
استغربت من رده عليها فهي منذ أن تزوجته لم تراهم إلا مرة واحدة وكلما طلبت منه رفض، نظرت إليه بدهشة متسائلة بتعجب من رفضه:
-هو ايه اللي لأ أنا من يوم ما جيت هنا مخرجتش ولا شوفتهم حتى، مش من حقي أشوف أهلي  
أمسك هاتفه من على الطاولة أمامه يتطلع به مجيبًا إياها ببرود تام:
-من حقك بس أنا قولت لأ 
أغضبها هدوءه، لا بروده الذي أغضبها وقفت على قدميها أمامه تضع يدها الاثنين بخصرها متسائلة بحدة: 
-ولأ ليه إن شاء الله
وقف "يزيد" هو الآخر أمامها بعد أن وضع الهاتف على الطاولة مرة أخرى، يتحدث ببرود كما هو:
-كنت عايز أقولك بمزاجي بس للأسف أنا مشغول اليومين دول 
ابتسمت باتساع والسخرية تجتاحها، نظرت إليه وتحدثت بتهكم قائلة: 
-آه صح أنا ناسية مشغولياتك اللي مش بتخلص بس على العموم ياسيدي أنا مش هحتاجك معايا هروح لوحدي ها لسه عندك اعتراض؟ 
ابتسم هو الآخر بسخرية كما فعلت أقترب منها إلى أن أصبح يتبادل الهواء الذي تتنفسه هي، وضع يده خلف خصرها والأخرى يعبث بخصلات شعرها بها وتحدث بتهكم: 
-مفيش مرواح في أي مكان يا حبيبتي سواء برضاكي أو غصب عنك..
أخذت يده تعيد خصلات شعرها إلى الخلف لينظر إلى عنقها المرمري وهو يبتلع ريقه، أخذ يمرر إصبعه السبابة على طول عنقها إلى مقدمة صدرها ثم تحدث مرة أخرى وهو ينظر إلى عينيها: 
-آه صح.. اعدلي أسلوبك معايا وقت الخناق شويه
نظرت إليه بهدوء أو كانت هي تتصنع الهدوء فقربه منها مُهلك للأعصاب، يحدث ضجة بداخل عقلها وجسدها بسبب ذلك القرب المهلك الذي تعشقه، اقترب بهدوء إلى شفتيها وكاد أن يقبلها إلا أن هاتفه صدح في الإرجاء معلنًا عن وصول إتصال إليه..
نظر إلى الهاتف وهو على وضعه معها ونظرت هي الأخرى إليه لترى المتصل أنثى تُدعى "ريهام"، تركها مبتعدًا عنها ثم أخذ الهاتف وتقدم من الغرفة الأخرى دالفًا إلى الشرفة وأغلق الباب من خلفه، بينما وقفت هي والنيران تعبث بداخلها، واشتد بها الضيق لفعلته ومن تلك "ريهام" ولما يتحدث معها وما درجة القرب بينهم؟، أخذت الغيرة مسارها لديها وأشعلت النيران بداخلها وفتحت البراكين أيضًا لتثور في داخل قلبها وهي تتأكل لمعرفة من تلك ولما يحدثها..
                 ____________________
"في المساء"
عندما فكر في حديثه معها أمس وجد نفسه مخطئ بشدة، فهي لم تفعل شيء ليحدث كل ذلك، بل هي كانت الضحية وكان من المفترض أن يقف جوارها، ولكن في المقابل قد غضب وثار عليها وذلك من حديثها الفظ وصوتها الذي ترفعه عليه، ما حدث بسبب حنقه منها، واليوم أيضًا كان مخطئ معها كثيرًا، ولكن لا يستطيع أن يتحكم بنفسه وحديثه عندما هي تتهكم عليه أو ترفع صوتها، فكر في مصالتحها فهم لم يمر عليهم كثيرًا منذ أن أصبحت زوجته حتى يضيع الباقي في منازعات بينهم...
ولج إلى داخل الغرفة بهدوء مبتسمًا، يبحث عنها بعينيه في الأرجاء ولم يجدها، دلف إلى الشرفة التي وجدها جالسة بها على المقعد تنظر إلى السماء، تلف ذراعيها حول جسدها العلوي محتضنه نفسها، تقدم إلى الداخل ثم جلس على المقعد أمامها، نظرت إليه بهدوء دون أن تتحدث معه، وجدته يبتسم ببلاهة ولم ترحها تلك البسمة فهو من الأمس إلى اليوم تاركها بوضع لا تحسد عليه..
انحنى بجذعه من على المقعد إلى ناحيتها ليقترب منها ثم أمسك بيدها الاثنين بين يديه رفع واحدة إلى فمه يقبلها بحنان ثم رفع الأخرى كما الأولى ليفعل المثل، نظر إلى عينيها بحبٍ خالص وقد كانت نظرته تكفي عن أي كلمات ولكن تحدث هو بهدوء وحنان بعد أن وجد نفسه المخطئ:
-أنا آسف مكنش قصدي اضايقك، بس ممكن متفتحيش السيرة دي تاني 
نظرت باستغراب شديد فهو بالأمس ثار عليها ومن ثم ذهب ولم يعد إلا بعد نومها، واليوم منذ الصباح وحديثه فاتر يخلوا من أي مشاعر أما الآن فهو يعتذر بحب وحنان! ضيقت ما بين حاجبيها وهي تنظر إليه ليفعل مرة أخرى كما الأولى مقبلًا يدها الاثنين ومن ثم جبينها، وتحدث مرة أخرى بمرح مبتسمًا:
-خلاص بقى ميبقاش قلبك أسود، أنا آسف بس اتعصبت شويه وأنتِ عارفه عصبيتي غبية حبتين متزعليش بقى
لم يجد منها ردًا مرة أخرى بل كانت تنظر إليه بكل دهشة متعجبة من تغيره المفاجئ ثم قررت أن تنال منه على طريقتها لطالما هو يفعل ذلك، تنفس بعمق ثم ابتسم بهدوء وقبل باطن يدها اليمنى متحدثًا بجدية:
-خلاص بقى يا مروتي، أنا بحبك ومقدرش أشوفك زعلانه مني كده.. ادلعي براحتك بس مش في الزعل ياستي 
انهى جملته غامزًا إليها بإحدى عينيه فابتسمت هي تلقائيًا بسبب طريقة تفكيره الدائمة في أمور أخرى تمامًا، ابتسم هو الآخر باتساع ثم ترك يدها ومد قدمه قليلًا ليخرج شيء من جيب بنطاله..
أخرج علبة صغيرة للغاية ثم فتحها أمام عينيها مخرجًا منها سلسال ذهبي اللون، به قلب متوسط الحجم بنهايته ثم أعطاه لها..
أخذته بين يدها وقد كان مظهره مبهج بشكل لا يوصف، أعجبها بشدة وقد أدمعت عينيها من أفعاله الغير متوقعة بالمرة، نظرت إليه مبتسمة بخجل وهتفت قائلة بحماس: 
-جميلة أوي أوي 
ابتسم هو الآخر ليعود بظهره إلى ظهر المقعد متحدثًا بتباهي أمامها وهو يشير بيده ناحيتها بغرور مُصتنع: 
-لأ ولسه كمان لما تفتحيها 
نظرت إليها بين يديها وأعادت النظر إليه هو أومأ لها بتأكيد على أن تفتحها ففعلت بهدوء، أدمعت عينيها مرة أخرى والابتسامة تتسع بوجهها لتزينه برقة وخجل، وجدت بداخل السلسال ثلاثة قلوب اثنين كبيرين توجد بواحد منهم صورة لها والأخر بها صورة لـ "يزيد" وفي المنتصف الصغير فارغ ليس به أي صور..
رفعت نظرها إليه مرة أخرى ممتنة له فقد أدخل السعادة على قلبها بعد أن كان الحزن يرافقها، تحدثت بخجل وهدوء:
-جميلة أوي يا يزيد.. ربنا يخليك ليا يا حبيبي
وقف على قدميه متقدمًا منها ثم أخذ منها السلسال وهو يبتسم ببلاهة، وقف خلفها ليضعه حول عنقها المرمري، أزاحت خصلاتها الذهبية للأمام حتى يستطيع أن يضعه بسهولة، وضعه وأحكم غلقه ثم وضع قبله على إحدى كتفيها متقدمًا بقبلة أخرى إلى عرقها النابض، وأخرى على عظمة الترقوة..
لقد أشعلت النيران بداخله بقربها إليه ورؤيته إليها بهذه الطريقة، أنها حتمًا ستكون هلاكه بجمالها الأخاذ، فكلما اقترب منها شعر بنيران تحترق داخله وبراكين ثائرة تطالب بقربه الشديد منها..
بينما تلك المسكينة التي تذوب من قربه المُهلك تجلس وتعطي له كامل الحرية بما يريد ولكن تكاد تموت من الخجل الذي كانت قد تخلت عنه في هذه المواقف، وجنتيها يصرخون من الخجل بتلونهم بالحمرة الشديدة..
توقف "يزيد" عما يفعل متقدًما من مقعده مرة أخرى يجلس عليه وتحدث بخبث ومكر مبتسمًا على مظهرها: 
-الصورة الفاضية دي بقى لابننا أو بنتنا كله كويس ولا ايه رأيك 
لم تفكر بهذه النقطة جديًا، ماذا إذا أصبحت حامل هنا في هذا المنزل وما يحدث به؟ لا لن تفعلها مؤكد لن تفعلها هنا، سألته بجدية وهي تنظر إليه بشدة:
-أنتَ عايز ولاد يا يزيد؟ 
استغرب من حديثها الغير منطقي هذا، كيف له ألا يريد أولاد وبالخصوص منها هي! هل جُنت لتسأل سؤال مثل هذا؟، أجابها بجدية وتأكيد هو الآخر قائلًا:
-أكيد طبعًا عايز هو ده كلام... سؤالك غريب أنتِ مش عايزه مني يا مروة؟
شهقت بحدة بسبب حديثه والذي ربما قد فهم حديثها بالخطأ ليقول هكذا، أنها تريد أن يصبح لديها أطفال منه هو عشقها الوحيد ولكن ليس هنا بمكان كل من فيه مرضى:
-ايه اللي أنتَ بتقوله ده أكيد عايزه ولاد منك.. أنا كنت بسأل بس مش قصدي حاجه 
نظر إليها بهدوء وهو يرى جديتها في الحديث أو حدتها ليتأكد من حديثها الذي راقه وبشدة فابتسم بهدوء وهو يأخذ يدها يقبلها مرة أخرى وأخرى، ثم وقف على قدميه متحدثًا بجدية:
-أنا نسيت أروح لـ ليل قبل ما أطلع هنزل أشوفه تيجي معايا؟
ابتسمت بهدوء وهي توافقه بهز رأسها إلى الأعلى والأسفل، أمسك بيدها ثم سار وهو يحتضن كفها بعد أن وقفت من على المقعد ليذهب بها إلى"ليل" في الأسفل..  
                 ____________________
-ليل بدأ يحبك من كتر ما بيشوفك معايا  
نطق بتلك الكلمات البسيطة "يزيد" وهو مبتسمًا بسعادة يقف بجانب "ليل" الذي كان يرتشف المياة من حوض كبير خاص به..
تقف هي بعيد نسبيًا عنهم تضع يدها أمام صدرها مُحيطة جسدها وتحدثت مبتسمة بسعادة مثله: 
-طب ما يمكن علشان أنا كمان بقيت بحبه
ابتسم باتساع لتنكمش عينيه، سار به إلى مكانه مرة أخرى وأجابها قائلًا:
-يمكن بردو
اقترب عليها، وضع يده الاثنين على الحائط من الناحيتين ليحاصرها بين جسده من الأمام والحائط خلفها، اقترب بوجهه ليضع قبلة سريعة على وجنتها اليمنى ثم أبتعد إلى الخلف ينظر إليها بسعادة: 
-مش يلا بينا، وحشتيني 
أنزلت يدها من على جسدها ثم أمسكت قميصه المفتوح من الناحيتين مقتربه منه لتقول بخجل حاولت التغلب عليه:
-وأنتَ كمان وحشتني
صاح عاليًا بسعادة ومكر وهو يعبث معها:
-يا فرج الله أخيرًا
أخفضت وجهها خجلًا رفعه هو مرة أخرى بإصبعه السبابة وقبل وجنتها اليسرى سريعًا كما الأخرى ثم أخذها ليخرج من الإسطبل صاعدًا إلى غرفته..
ترك يدها وهو يسير في حديقة المنزل معها مخرجًا من جيب بنطاله علبة سجائره وأشعل واحدة منهم واضعه في فمه يستنشقها بشراهة، نظرت إليه بحدة لا تريده أن يستعمل هذا الشيء كثيرًا فهو مضر للغاية..
سحبتها من بين شفتيه سريعًا ثم ألقتها على الأرضية ودعستها بقدمها، نظر إليها هو باستغراب ودهشة كيف استطاعت أن تفعل شيء كهذا معه هو؟، تحدث بجدية قائلًا: 
-عارفه لو حد غيرك عمل الحركة دي كنت عملت فيه ايه؟ كنت هاكله زي ما أنا هاكلك دلوقتي 
ابتسمت بتهكم وقد أعتقدت أنه سيتحدث بجدية، اقتربت منه بعد أن وقف أمامها وتحدثت قائلة بجدية شديدة:
-لأ بجد ممكن تقلل السجاير وياريت لو تبطلها يكون أحسن دي مضره أوي يا يزيد
اقترب هو الآخر بخبث وهو يعبث معها بشيء من الحب الذي يكنه إليها: 
-وايه المقابل؟
أخذت تفكر وهي تنظر إليه بطفولة شديدة واضعه إصبعها على جانب رأسها لتبتسم بخجل ثم تقدمت منه للغاية واضعه يدها الاثنين حلو عنقه وأخذت تستنشق زفيره وهو العكس، أغمضت عينيها مستعدة لتقبله على شفتيه بينما هو لم يتحمل اقترابها أكثر من ذلك ويبقى كما هو، وضع يده حول خصرها مقربها منه بعد أن سارت النيران داخل جسده مشتعله لقربها، وما كادت إلا تقبله لتستمع هي وإياه إلى صوت أنثوي للغاية يصرخ بإسمه في حماس:
-يــزيــد
أبتعد عنها ينظر إلى بوابة المنزل الأمامية ليراها تتقدم منهم سريعًا تاركه حقيبتها الكبيرة عند الباب بعد أن دلفت وركضت سريعًا لترتمي بأحضانه وهي تبتسم بسعادة بالغة وهتفت قائلة:
-يزيد وحشتني أوي أوي ياخي
لم يضع يده عليها بل ألجمت الصدمة لسانه، ولم يستطع أن ينظر إلى زوجته حيث أنها كانت تقف جواره ناحية المرأة التي تحتضنه، أبعدها عنه بهدوء وتحدث قائلًا:
-حمدلله على السلامة، بس أنتِ جيتي ليه دلوقتي مش قولتي الوقت أتأخر وكنتي هتيجي بكره؟
وقفت أمامه وتحدثت بحماس شديد وهي تبتسم بسعادة:
-غيرت رأي في آخر لحظة وجيت قولت بما أن العربية معايا مش مهم بقى 
ابتسم لها بهدوء وأدار رأسه ناحية زوجته التي قد كانت قاربت على الإنفجار من تلك الحقيرة التي تحتضن زوجها في وجودها دون أي حياء غير أنها تقول أنها اشتاقت له كثيرًا، تملكتها الغيرة وقد اشتعلت النيران بداخل قلبها تود لو تفتك بها وبابتسامتها البلهاء، وتذكرت سريعًا تلك المرأة التي كان يحدثها على الهاتف وقالت ربما هي تلك الخبيثة، وضعت يدها أمام صدرها مرة أخرى وهي تنظر إليه منتظرة منه تعليق عما حدث ليتحدث هو بعد أن ابتلع ريقه وقد علم أنها ستريد محاولة أخرى ليرضيها:
-مروة مراتي يا ريهام، ريهام صديقتي وماسكة كل شغلي يا مروة في القاهرة وجت علشان كان في حاجات مهمة في الشغل 
نظرت إليها بعد أن تصنعت الابتسامة ثم قالت بهدوء مريب:
-أهلًا بيكي 
وقفت الأخرى أمامها بعد أن قدمها إليها "يزيد" نظرت إليها ببرود وخبث وثم أردفت قائلة متصنعة الدهشة:
-ما مراتك قمر أهي يا يزيد مش زي ما سمعت 
نظرت إليه مروة بدهشة، هل قال لها أنها بشعة؟ ليس بها شيء جميل؟ هل تحدث معها عنها؟ نعم من أين ستعلم إلا منه هو، هو من قال لها ذلك ليكسر كبريائها وكرامتها، مؤكد هي صديقته منذ زمن أما هي زوجته فقط منذ بضعة أيام!!
-عن اذنكم!..
سارت سريعًا دون أن تنظر إليه عائدة إلى الداخل لتصعد إلى غرفتها والدموع تلمع بين جفنيها على ما استمعت له وما رأته بينه وبين تلك الحمقاء، ألا يكفيها البقية لتأتي تلك التي يظهر عليها الدهاء
لم يكن يريد أن يحدث ذلك وفي هذا الوقت بالتحديد!، غير تفكيره بأنه لم يتحدث مع "ريهام" عنها إذًا لما قالت ذلك؟، هو قال أنه سيتزوج وثم قال أنه تزوج بالفعل ولأسباب عادية مثل أنها امرأة تصلح لأن تكون زوجته!، يعلم تمام العلم أن الكلمات أثرها سيكون كبير على زوجته وإن لم يحدث أي شيء أقله ستقول أنه من قال ذلك عنها!، ذكرها لصديقته بالبشعة أو أنها ليست جميلة كأي امرأة!، يكاد عقله ينفجر بسبب كثرة التفكير فيما حدث فهو للتو قام بـ مراضاتها بعد ما حدث أمس لتأتي هي وتخرب كل شيء هكذا في لمح البصر!..


رفع بصره إلى نافذة غرفته ورأى نورها مشتعل فعلم أنها لم تنم بعد، هو جلس بالحديقة قليلًا بعد أن أوصل صديقته إلى غرفة الضيوف لتستريح بها، جلس يفكر فيما سيقوله لها عما حدث وما يحدث وما سيحدث..


وقف على قدميه يدلك عنقه بيده وهو ينظر إلى النافذة التي أُغلقت وأُغلق من خلفها نور الغرفة..


ذهب إلى الداخل ثم صعد متوجهًا إلى غرفته وهو يحضر كلماتٍ للأسف منها، دلف إلى الداخل مغلقًا باب غرفة الصالون ثم تقدم إلى داخل غرفة النوم، وجدها نائمة في مكانها على الفراش توليه ظهرها، لم يكن ينتظر هذا أبدًا فهو كان ينتظر ليلة غير هذه مؤكد قبل أن تأتي "ريهام"..

تقدم منها وجلس على الفراش في مكانه بعد أن خلع حذائه من قدميه، وضع يده على ذراعها مقتربًا منها يتحدث بحنان وهدوء لأنه يعلم جيدًا أنه المخطئ مرة أخرى:


-مروتي حبيبتي عايز أتكلم معاكي 


لم تنم بعد وتستمع إلى حديثه جيدًا وتعلم ما الذي يريده هو ولكن فضلت الصمت فتحدث هو مرة أخرى بنفس تلك النبرة السابقة:


-أنا عارف إنك لسه صاحيه ممكن تقومي نتكلم شويه 


أجابته وهي مغلقة عينيها بحدة وعصبية لم تستطيع السيطرة عليهم فهي قلبها مشتعل بسبب أفعاله هو فقط: 


-آه لسه صاحيه بس هنام ومش عايزه أتكلم في حاجه ممكن تبعد بقى!


أخذ نفسٍ عميقٍ وصعد بكامل جسده على الفراش خلفها وتحدث بعد أن رتب حديثه الذي سيقوله لها حتى تقتنع:


-أنا عارف إنك زعلتي من كلامها بس هي أكيد مش قصدها صدقيني، وطبعًا أكيد بتقولي إن أنا اللي قولتلها كده بس وحياتك عندي ما حصل ولا اتكلمت معاها في شيء يخصك 


فكرت لثواني هل تتحدث معه وتقول ما أرادت قوله أم تتركه هكذا وحده يعاني مثلما يفعل بها دومًا؟ وجدت نفسها تستدير له وتجلس أمامه على الفراش هاتفه بحدة وجدية:


-أنا بجد زهقت كل شويه تعمل حاجه أسود من اللي قبلها وتيجي تعتذر بس بجد لأ يا يزيد لأ مش كل مرة بقى الله 


لم يستمع إلى حديثها بل كان عقله وقلبه بمكان آخر وعينيه متواجده معهم بنفس هذا المكان، انخفض الغطاء عنها لأسفل عندما جلست على الفراش ليظهر جسدها أمامه بسخاء ويظهر ذلك القميص ذو اللون الأسود الذي لا يخفي عنه شيء ويظهر بشرتها البيضاء  بسبب تعاكس لونه الأسود معها، سلبت منه عقله بجمالها ورقتها وحديثها وكل أفعالها، الآن يتحدثون بشيء هام وهو ينظر إليها بهذه الطريقة! ماذا فعلت به هل سحرت له عند أحد الدجالين؟.


انخفض بجسده ناحيتها وهو مغيب الفكر، كل ما أراده شيء واحد يضع عينيه عليه، وما كاد أن يقترب منها ليأخذ ما أراد حتى دفعته هي بحدة وهي تنظر إليه بدهشة شديدة متسائلة بجدية:


-أنتِ مسمعتنيش صح؟ دماغك في مكان تاني كل مرة بتعمل كده.. هو أنتَ كل تفكيرك هنا 


ابتلع ما بحلقه وأخذ نفسٍ عميقٍ مرة أخرى وزفره محاولًا يهدأ نفسه عما في عقله الآن، نظر إليها بتوتر وقال لها بمكر وهو يغمز لها بعينه:


-أنا آسف معلش أعمل ايه بس جمالك محيرني 


ابتسمت بسخرية بعد أن اعتدلت أمامه في جلستها ليظهر جسدها أكثر ثم تحدثت متهكمة:


-جمالي؟ مش جمالي ده اللي سمعت عنه الست صاحبتك 


أخذ كف يدها عنوة بعد أن عاندته وسحبته منه ثم رفعه إلى فمه يقبله بحب معتذرًا منها عما حدث: 


-وقسمًا بالله أنتِ في عيني أحلى ست في الدنيا وحياتك عندي تاني أنا عمري ما قولتلها حاجه تخصك وهي أكيد مش قصدها معلش أنا آسف وبعدين يعني هو إحنا لحقنا كفاية بقى 

نظرت إليه بتردد مُرتبك لا تريد أن تستمع إلى حديثه وتتركه يفعل ما يحلو له في كل مرة، سحبت يدها وسألته بجدية قائلة:


-مقولتليش ليه أنها جاية هنا 


أجابها مبتسمًا بهدوء وهو يعلم ما الذي تريد أن تصل إليه بكل هذا:


-علشان نوفر على بعض، دي تبقى ريهام صاحبتي في المقام الأول وبتشتغل معايا في المصنع وماسكه كل الشغل في غيابي يعني الفترة اللي قعدتها هنا دي كلها كانت هي اللي شايله كل حاجه ويوم ما سافرت كان في حاجات لازم أكون موجود وأنا اللي أمشيها.. النهاردة بقى ياستي هي كلمتني وكان في شويه ورق وحاجات عايزه تتراجع لازم أنا أشوفها قولتلها أني مش هعرف اجي قالت إنها هي اللي هتيجي تقعد يومين ونشوف كل حاجه سوا هنا... ها ارتحتي 


سيطر الهدوء عليها وهي تستمع إلى كلماته لتعلم ما صلته بها وما الذي تريده، وضعت يدها الاثنين أمام صدرها وتحدثت بتذمر:


-مش مرتاحة ليها 


ضحك بشدة على حديثها وسارت ضحكاته في أرجاء الغرفة فنظرت إليه بحنق وضيق، وضع يده على بطنه من كثرة الضحك قم تحدث بصعوبه قائلًا:


-علشان غيرانه منها يمكن


أجابته بجدية تصنعتها عندما توترت من حديثه الصحيح والذي تريد مداراته عنه وأكملت حديثها متهكمة عنها:


-لأ أنا مش غيرانه منها بس هو كده وخلاص مش مرتاحة ليها وبعدين أنا مروة طوبار أغير من دي


هدأت ضحكاته وأجابها بخبث ومكر عابثًا معها لتترك كل شيء حدث خلفها وتكن معه الآن:


-ومالها دي؟ دي حتى قمر و.......


لم تجعله يكمل الحديث الذي بدأه عنها حيث صرخت بإسمه عاليًا محذرة إياها وهي تضع يدها على فمه دافعه إياه باليد الأخرى على الفراش خلفه ليستلقي عليه وهي تعتليه، نظر إليها مبتسمًا والشغف يغلف عينيه وهو ينظر إلى وردية وجهها، علمت هي ما الذي يفكر به الآن وما الطريق الذي سيخوضه..


أتت لتبتعد عنه وتذهب من فوقه ولكنه لم يجعلها تحذر لفعلها، سريعًا عندما رآها تذهب قلب الوضع وجعلها هي من يستلقي على الفراش لينهال عليها ويأخذ ما يريد وليجمع الحروف المتبقية في قبلة واحدة تجمعهم هم الاثنين لشخص واحد، ليذهب معها إلى أماكن لم تدخلها من قبل إلا بوجوده هو جوارها..


                   _________________


"في صباح اليوم التالي"


فتح عينيه قبلها على نور الشمس الذي يدلف من باب الشرفة، يبدوا أنها نسيت غلقه مرة أخرى، نظر إليها وجدها تتوسط صدره وتنام عليه بأريحية وكأنه وسادة، يدها ملتفه حول خصره وقدمها تضعها على قدمه وكأنها مكبلة إياه حتى لا يستطيع أن يهرب منها.. 


قلبه يؤلمه بشدة عندما يراها تُأمن له بهذه الطريقة، يراها تعشقه وترى الأمان والسند به، ولا تعلم ما الذي يفعله من خلفها، قلبه يؤلمه عندما يرى نظراتها إليه ويتذكر أنه أول خيباتها، هز رأسه بعنف ليطرد هذه الأفكار عن عقله الآن وليبقى معها.. معها هي فقط..


ابتسم بسعادة وهو يسترجع ذكريات أمس معها، وزادت الابتسامة اتساعًا وهو يتذكرها دون خجل تفعل ما يريده وما تريده، وضع يده على أنفها يمرر إصبعه السبابة عليه بعبث ليجعلها تستفيق من النوم..


حركت رأسها بانزعاج ودفنته في صدره ورفعت يدها لتضعها حول عنقه، ضحك بشدة ثم تحدث بمكر:


-ايه هنفضل طول اليوم هنا يعني ولا ايه.. لو عليا أنا مش ممانع على فكرة 


أنزلت يدها مرة أخرى وتنفست بعمق بعد أن استمعت لحديثه، أبعدت رأسها أيضًا ووضعته على الوسادة لتقول وصوتها ناعس وكذلك ملامحها:


-خلاص قوم وأنا هنام شويه كمان 


أقترب عليها ثم طبع قبلة رقيقة على جبينها متحدثًا بهدوء وحب:


-لأ قومي خلينا نفطر سوا 


-طب ما تنام شويه كمان 

قبلها مرة أخرى ولكن على وجنتها، أبتعد من جوارها رافعًا الغطاء من عليه ثم التقط بنطالة من على أرضية الغرفة ليرتديه:


-لأ مش هينفع الوقت متأخر أصلًا أهو يا مروتي 


نظرت إليه بنصف عين وهو يرتدي البطال متذكرة لحظات أمس التي لم تعيشها إلا معه هو فقط، ضحك بسخرية وهو يراها تنظر إليه بنصف عين، أقترب منها بعد أن ارتدى البنطال وتحدث بخبث:


-مش كبرنا على الحاجات دي بقى؟ 


أخفت وجهها تحت الغطاء وهي تبتسم بسعادة ولا تريد أن تنظر إلى وجهه فهي حقًا فعلت أشياء لم تكن تتوقع أن تفعلها، تركها أسفل الغطاء ثم دلف إلى المرحاض بهدوء، رفعت هي وجهها ولم تراه سريعًا أخذت قميصه من على أرضية الغرفة وارتدت إياه..


خرج من المرحاض لينظر إليها بدهشة، فقد كانت ترتدي قميصه الأبيض تاركه أول أزراره مفتوحة لتكشف عن مقدمة صدرها، أكمامه طويلة للغاية تصل إلى أصابع يدها، ويصل القميص ذاته إلى منتصف فخذيها وخصلاتها الذهبية مبعثرة حول وجهها لتعطيها مظهر ساحر يخطف الأنفاس..


لقد سلبت روحه وعقله وقلبه وتفكيره أيضًا ماذا تريد بعد، هل يوجد شيء لم تأخذه؟ اقترب منها ليأخذها في قبلة دامية يبث بها أشواقه إليها وشغفه ناحيتها، حبه لها منذ أن رأى وجهها الملائكي..


أبتعد عنها بعدما شعر أنه بحاجه إلى الهواء مثلها، نظر إلى داخل تلك العيون الساحرة ثم تحدث بعشق جارف يحمله إليها ونبرة ساكره أثر قبلته لها: 


-مش عارف عملتي فيا ايه.. من أول يوم شوفتك فيه حتى قبل ما أعرف إنك أنتِ اللي هتجوزها وأنتِ سحراني 


لم تفهم ما الذي قاله، هل هو رآها قبل أن يعلم أنه سيتزوجها؟ متى؟ وأين؟ فهي لا تذكر أنها رأته قبلًا، سألته باستغراب قائلة:


-أنا مش فاهمه حاجه.. أنتَ شوفتني امتى؟ 


ابتسم بسعادة وهو يتذكر ذلك اليوم الذي رأى ملاكه به ولكن سريعًا زالت الابتسامة عندما تذكر أنها كانت تبكي ولأنها ستتزوجه:


-شوفتك قبلها بـ يومين تقريبًا.. كنتي قاعدة عند البحيرة الصغيرة اللي هنا دي، ده كان المكان المفضل بتاعي كل ما احتاج أني استريح وأفكر شويه كنت بروح هناك بس المرة دي كانت مختلفة لما روحت..


نظر إليها وشغفه يكاد يخرج من عينيه، وحبه ينطق به كل شيء داخله قبل شفتيه، أكمل حديثه قائلًا:


-لما روحت شوفت ملاك.. فعلًا وقتها أول ما شوفتك قولت دي ملاك عيون بلون البحر وشعر زي لون الشمس بالظبط مناخيرك حمرة من العياط.. كان نفسي أقرب منك والمسك.. تعرفي يومها أنا نسيت أني هتجوز أصلًا وكنت بفكر فيكي وبقول ياترى هي مين وشوفي بقى النصيب عمل فينا ايه لقيتك أنتِ في النهاية 


سيطر الاندهاش على ملامحها تكاد تكذب حديثه، هل حقًا هو أحبها منذ هذه اللحظة أم فقط أعجب بها.. هل حدث ذلك من الأساس ورآها قبل أن يعلم أنها زوجته، سألته باستنكار:


-ده بجد؟


ابتسم باتساع ثم تقدم من الدولاب وفتحه، عبث قليلًا في محتوياته ثم أخرج لها ذلك الوشاح الأزرق الصغير الذي قد نسته عندما كانت جالسة هناك، رفعه أمام وجهها وتحدث بمرح:


-طب وكده هتصدقي؟ ده الشال بتاعك 


ابتسمت بسعادة وهي تأخذه من بين يديه، نظرت إليه وقد كان وشاحها حقًا واعتقدت أن الهواء أطاح به بعيدًا عنها:


-ده بتاعي فعلًا وأنا فكرته طار بسبب الهوا، هو معاك من يومها


أومأ لها برأسه مبتسمًا ولكن ابتسامته ليس كعادتها بسبب ما يريد أن يقوله لها، سألها قائلًا بجدية:


-كنتي بتعيطي ليه؟ علشان هتتجوزيني يا مروة؟ 


تقدمت منه ووضعت يدها على صدره ناحية قلبه لتستمع إلى دقات قلبه العنيفة، أجابته بهدوء محاولة التخفيف عنه وعن حدة سؤاله: 


-منكرش إن ده السبب بس وقتها أنا مكنتش أعرف عنك أي حاجه غير إنك يزيد الراجحي لكن دلوقتي أنتَ كل حاجه بالنسبة ليا يا يزيد، أنا دلوقتي بحبك ومقدرش أعيش من غيرك لحظة واحدة بس أنتَ بالنسبة ليا الهوا اللي بتنفسه يا حبيبي.. انسى اللي فات وخلينا في اللي جاي 


ابتسم بسعادة غامرة فكلماتها خففت عنه كثيرًا، أن يستمع لاعترافها بهذه الطريقة يجعل قلبه يرقص فرحًا، قربها منه محتضنًا إياها بشدة ثم تحدث قائلًا وقلبه ينتفض بمكانه فرحًا:

-وأنا بموت فيكي يا أحلى حاجه حصلت في حياتي، بحبك أوي يا مروتي.


            _________________________


"دائمًا ضحكاتهم تملأ المكان أينما كانوا، اتخذوا بعض أصدقاء وأخوه، ويا محلى الصداقة والوفاء"


ابتسمت "مروة" بمرح وهي تستمع إلى مغامرات شقيقة زوجها مع خطيبها "سامر" صديق زوجها أيضًا، فـ حديثها ليس له أي رد فعل سوا الضحك عليهم وما يفعلوه ببعضهم..


صمتت "يسرى" وهي تزفر بمرح هي الأخرى ثم تحدثت قائلة وهي تعتدل في جلستها لتنظر إلى "مروة" مضيقة عينيها:


-شكل الرجالة كلها زي بعضها وهنتعذب 


ابتسمت "مروة" بسعادة وهي تتذكر زوجها وكلماته الحنونة وأفعاله الذي تربكها وتخجلها ثم أردفت مجيبة إياها بسخرية: 


-هو آه كلهم زي بعض بس أنا طبعًا جوزي حبيبي غير الكل.. حاجه كده مش موجودة اليومين دول 


عادت "يسرى" برأسها للخلف من شدة الضحك على حديثها الآن فمن يراها منذ ثلاثة أشهر ويرى حديثها وتعبيرات وجهها عند ذكر "يزيد" زوجها لا يراها الآن وهي تتدافع عنه وتسرح به أيضًا..


نظرت إليها "مروة" بغيظ ثم التقطت الوسادة من جوارها وألقتها عليها وهي تزفر بحنق من سخريتها على حديثها بينما وضعت "يسرى" يدها أمام وجهها حتى لا تصطدم به الوسادة ثم أخذتها ووضعتها جوارها وتحدثت معها وهي تحاول السيطرة على  ضحكاتها: 


-خلاص خلاص أنا بس افتكرت أول ما جيتي، على العموم ربنا يخليكم لبعض وأشيل عيالكم قريب..


ابتسمت "مروة" بسعادة غامرة وهي تتخيل ذلك عندما تنجب طفل يكن أبنها وابن "يزيد الراجحي" زوجها المحب لها، تمتمت بعد "يسرى" قائلة:


-يارب يا يسرى 


وقفت "يسرى" على قدميها ثم تقدمت من "مروة" وجلست جوارها على الأريكة بحديقة المنزل ثم تحدثت وهي تميل عليها بجدية: 


-صحيح نسيت أسألك هو أنتِ شوفتي ريهام؟.. أصلك نزلتي وخرجنا على هنا 


تعكر صفوها بذكر تلك المدعوة صديقته، صاحبة الحديث الفظ والتي تسير بتمايل وكأنها تتراقص على مسرح أمام جمهور عريق، أجابتها بجدية بعد أن عبث وجهها بالضيق:


-شوفتها امبارح أول ما جت.. كنت أنا ويزيد هنا 


سألتها الأخرى باستغراب من تغير ملامح وجهها سريعًا هكذا بمجرد ذكر اسم "ريهام":


-ايه ده ومالك كده اضايقتي


لوت شفتيها بضيق وهي تقلدها أمس عندما تحدثت مع "يزيد" أمامها دون خجل منها وهي زوجته!:


-وحشتني أوي أوي يا يزيد.. بنت تبته وأنا مش مرتاحة ليها نهائي 


اعتدلت "يسرى" وأردفت بجدية قائلة: 


-بصي بصراحة أنا أعرفها من زمان لأنها مش أول مرة تيجي هنا بس يعني مشوفتش منها حاجه وحشة وعلى فكرة يزيد عمره ما بصلها غير على أنها صحبته وشغاله معاه وبس علشان تطمني 


زفرت بهدوء بعد أن نظرت أمامها ووضعت يدها أمام صدرها متحدثة بتوتر:


-أنا مطمنة من ناحية يزيد طبعًا بس هي اللي قلقاني 


نظرت "مروة" أمامها ووجدتها قادمة ناحيتهم فزفرت مرة أخرى بضيق أكثر من السابق وهي لم تكن تريد أن تتصادم معها، قالت لـ "يسرى" بخفوت إلى أن ضحكت الأخرى بسخرية:


-جبنا سيرة البومة


أتت "ريهام" على ضحكات "يسرى" وابتسامة "مروة" المخفية عنها، جلست بهدوء أمامهم ثم تحدثت بسخرية وابتسامة زائفة:


-ما تضحكونا معاكوا 


نظرت إليها "مروة" مُبتسمة بسماجة ولم ترد "يسرى" عليها فتحدثت هي مرة أخرى بخبث ومكر موجهة حديثها إلى غريمتها "مروة" التي لم تتعرف عليها: 

-متعرفناش كويس يا مروة امبارح.. لازم أعرفك كويس زي يزيد أصل أنا أعرفه جامد أوي وأعرف كل حاجه تخصه 


إذًا هي من بدأت ذلك، وبدورها لن تصمت وستريها من هي ابنة عائلة "طوبار"، والآن فقط أكدت شعورها ناحيتها فهي ليست هينة بالمرة وربما تنضم إلى حزب المرضى الذين هنا كما اسمتهم، نظرت إليها مروة وابتسمت بسماجة واضحة ثم نظرت إلى"يسرى" التي وجدتها تبتسم بهدوء وهي تعلم ما الذي ستفعله صديقتها، أعادت "مروة" نظرها إلى غريمتها وتحدثت بسخرية وبرود مستفز:


-طبعًا طبعًا تعرفيه محدش ينكر ده ما أصل انتوا صحاب من زمان بس يا حبيبتي أكيد محدش يعرف جوزي قدي مهو أصلو جوزي أنا مش حد تاني يعني 


وقفت على قدميها ببرود وخبث وتحدثت وهي تنظر إليها مبتسمة بسخرية: 


-معلش لازم أطلع بقى أحضر حاجتي أصل يزيد بره وهيرجع تعبان محتاج حاجه تطري عليه 


نظرت إلى شقيقة زوجها ووجدتها تضع يدها على فمها تكتم ضحكاتها التي لو تركت لها العنان لـ ملئت المكان من حولها، رفعت "يسرى" وجهها إليها هي الأخرى ثم تحكمت بضحكاتها وهتفت وهي تقف خلفها لتذهب معها:


-خديني معاكي يا مورو


وذهب الاثنين مُبتعدين إلى الداخل يضحكون بسخرية على ما قالته لها "مروة" بينما تركوها خلفهم تنهش النيران عقلها ولسانها وتعنف نفسها.. لما لم ترد على تلك الغبية زوجته وعكرت صفوها كما فعلت هي الآن، براكين بداخلها تثور والشرر يتطاير من عينيها ووجهها بالكامل أشتعل بحمرة الغضب من كلمات تلك البغيضة على قلبها..  


-شكلها عكرت مزاجك 


استمتعت إلى تلك الكلمات من "إيمان" التي جلست جوارها دون أن تلاحظ ذلك، نظرت إليها ولم تتحدث فيكفيها ما فعلته بها الأخرى..


تحدثت "إيمان" مرة أخرى بضيق وهي تزفر عائدة إلى الخلف لتعتدل في جلستها: 


-ايه مالك متبقيش سهلة كده وأي حاجه تصدك.. مروة دي أضعف من اللي أنتِ متخيلاه بكتير دوسي عليها ولا هتعمل حاجه واسألي مجرب 


ابتسمت الأخرى واتسعت ابتسامتها، إذًا هنا من يقف معها ولو مرةٍ واحدة على الأقل:


-هي حرقاكي أنتِ كمان؟


نفخت بشفتيها وفعلت حركة بيدها تدل على أنها تضايقها بشدة، ثم تحدثت بسخرية وتهكم:


-أنا ومرات عمي عملنا فيها البدع ولا كانت بتتكلم إلا بس من فترة صغيرة طلعلها لسان واتكلمت 


دقت الفرحة على باب قلبها عندما استمعت لما قالته تلك الخبيثة الماكرة، تحدثت سائلة إياها بجدية وهي تعتدل لتستمع إلى الحديث جيدًا:


-ووالدة يزيد بردو 


ضحكت "إيمان" عاليًا ثم أجابتها بسخرية:


-دي هي أساس الموضوع 


قالت الأخرى بعد أن راقها الحديث وبشدة مبتسمة على ما استمعت إليه وما تستمع إليه أيضًا: 


-لأ دا أنتِ تحكيلي بقى!


وسارت الاثنين يتحدثون، تروي ليها "إيمان" ما حدث دون أن تقول على بعض التفاصيل حتى تكن لها هي فقط والأخرى تتسائل وتتسائل لتعلم كل ما كان يدور بينهم وتتحدث وتفعل ما تريد على أساسهُ.. 


                 __________________


"في المساء"


أرادت أن تفاجئه بشيء ما كما يفعل معها لتحفر بعقله ذكريات لا تُنسى، ليمر العمر بهم والذكريات تمر على خيالهم معه، تذكرت أنها جعلت "يسرى" تطلب لها بعض الأشياء عن طريق الانترنت ومن بينهم قمصانٍ أعجبتها، ذهبت ناحية الدولاب ثم عبثت بمحتوياته وأخرجت ما تريده وعزمت أمرها عليه، وضعت القميص على الفراش ثم فكرت قليلًا ماذا تفعل أيضًا وقد وجدت أنها ستذهب إلى الأسفل لتصنع له عشاءً بيدها هي وقد فعلتها..


نزلت إلى الأسفل وتوجهت إلى المطبخ حيث أنها تعلم أن بذلك الوقت لا يكون أحد بالأسفل خارج غرفته، الجميع بذلك الوقت يكون في غرفته، صنعت له ما يحبه من الطعام وأيضًا عصير الليمون بالنعناع الذي علمت منذ قريب أنه يحبه للغاية..


بعد كثير من الوقت انتهت من إعداد الطعام وعلمت أنه على وصول في أي لحظة من اللحظات، أخذت الطعام وصعدت إلى غرفتها مرة أخرى ووضعته على الطاولة بغرفة الصالون ثم ذهبت للداخل وأخذت ما سترتديه ودلفت إلى المرحاض لتستحم..


خرجت بعد دقائق معدودة وهي مرتدية قميص لونه أحمر قاتم حيث أنها أرادت أن تجعله يعشق ذلك اللون ولكن عليها هي فقط، ستجعله ينسى كره له ولن يتذكر سوى حبه للون وحبه لها..، كان القميص بحبال رفيعة للغاية، يظهر مقدمة صدرها بالكامل، يصل إلى فخذيها ويظهر قدميها البيضاء بسخاء، بالإضافة إلى أنه من قماش الشيفون الذي يظهر ما أسفله..


ذهبت ناحية المرآة ووضعت القليل من أحمر الشفاه ليبرز جمالهم والقليل أيضًا من كُحل الأعين الذي حددها وأظهر زرقتها الرائعة، نظرت إلى هيئتها برضاء تام متخلية عن خجلها للأبد بعد أن تحدثت في كثير من الأمور مع "يسرى" وبعد ما حدث بالأمس أيضًا..


نظرت إلى الساعة وجدتها قاربت على منتصف الليل وقد قال لها أنه سيأتي بذلك الوقت، ذهبت ترى كل شيء وتضعه بمكانه ليكن مثالي ويروق له، وجدت أنها قد نسيت عصير الليمون بالنعناع في الأسفل ولم تأتي به..


ضربت بيدها على جبهتها وزفرت بضيق كيف ستنزل إلى الأسفل الآن، عليها أن ترتدي فستان أو بنطال وبلوزة وتفسد مظهرها وتعيد ترتيبه مرة أخرى، حركت رأسها بخفة يمينًا ويسارًا محدثة نفسها أن لا يوجد أحد بالأسفل من الأساس فليس هناك حاجه لتعدل كل ذلك من جديد، تقدمت إلى داخل غرفة النوم وأخذت رداء القميص من على الفراش حيث تركته مكانه، ارتدته سريعًا وكأنه سيخفي شيء فكان مثل القميص يصل إلى فخذيها ومن نفس القماش يظهر ما أسفله ولكن أكمامه طويلة إلى عنق يدها فقط..


خرجت من الغرفة بهدوء متجهة إلى المطبخ لتأخذ العصير وتعود مرة أخرى وعقلها يطمئنها على أنه لا يوجد أحد مثل السابق ومثل كل يوم!..
ما كادت أن تخطوا آخر خطوات الدرج وتذهب إلى المطبخ إلا أنها رأت "فاروق" شقيق زوجها يخرج من غرفة المكتب ووقعت عينيه عليها ليقف مدهوشًا من المظهر الذي رآها عليه وما كادت أن تذهب هي الأخرى بعد أن تسارعت دقات قلبها مما حدث ومن ذلك الموقف الذي ربما يؤدي بحياتها إلا أن باب المنزل أحدث صوتًا لتنظر ناحيته وقد وجدته هو من وقف ينظر إلى المظهر أمامه بدهشة إلى أن فهم ما الذي يحدث في ثواني فقط..


اشتعلت عينيه بجمرات النيران وكاد أن ينقض عليها ولكنها لم تعطيه الفرصة لذلك، هربت سريعًا من أمامهم وشكرت الله كثيرًا وهي تصعد على الدرج ركضًا أن قدميها سارت معها ولم تخونها فقد كانت نظرات زوجها تقتل الميت مرة أخرى ما بالك بها..


نظر "يزيد" إلى شقيقه والغضب يعمي عينيه، رآه وهو ينظر إليها.. لما لم يغض بصره عنها! أليست زوجة شقيقه؟، فهم "فاروق" ما الذي يريد شقيقه قوله ولم يكن في حالة تسمح له بالحديث فعاد مرة أخرى إلى المكتب وأغلق الباب خلفه سريعًا حتى لا يقع بنقاش سيكون هو الخاسر به، فهو من أخطأ ولكن لم يكن ذلك بيده..


بينما الآخر غضبه أعمى عينيه مما رآه، يكاد أن ينفجر قلبه من شدة الحزن مما فعلته هي، ويكاد عقله يحرقه من كثرة الأفكار الذي يرميها عليه، صعد على الدرج ركضًا ليذهب إليها ويجعلها تعلم كيفية التصرف في هذا المنزل وكيفية التصرف بإسم "يزيد الراجحي" زوجها.. لقد نهشت النيران قلبه وهو يرى شقيقه ينظر إلى جسدها بهذه الطريقة الرخيصة، ولقد ثارت البراكين داخله من غيرته عليها.. لتتحمل إذًا فهي دائمًا من تكسر القوانين تجاه حديثه عن ملابسها..

دلف إلى المكتب مرة أخرى وأغلقه خلفه بعد أن رأى نظرة شقيقه إليه، مُرتبك، يرتجف، وكأن عقله وقف عن العمل وجسده شُل برؤيتها!..
جميلة وكأنها الأنثى الوحيدة الباقية بالعالم، ليست جميلة وإنما رائعة الجمال، هل هناك ما يعبر أكثر من ذلك؟ أعتقد لا..، عندما رآها أمامه وقف كالمشلول ولم يستطيع تحريك أي عضو من أعضاء جسده سوى عينيه.. عينيه الذي أكلتها من الأعلى إلى الأسفل والعكس، بُهر بذلك الجمال الطبيعي الذي لأول مرة يأخذ باله منه، لأول مرة يراها هكذا، جميلة حد الفتنة..
الآن فقط علم لماذا شقيقه مُتمسك بها، نعم ولما لا فمن ذلك المجنون الذي يتخلى عن امرأة كهذه؟..
سريعًا عاد لصوابه وعنف شيطان عقله الذي جعله يتخيل جسد زوجة شقيقه ويتفرس به، استفاق ضميره النائم منذ زمن ليعنفه على فعلته الشنيعة، ولقد وجد نفسه أخطأ وبشدة، كيف له أن يتخطى حدوده إلى هذه الدرجة وينظر إلى زوجة أخيه هذه النظرة الكريهة؟، كيف طاعته عينيه وظلت تنظر إليها؟ لما لم يخفض عينيه عنها ويغض بصره كما أمره ربه؟.. لقد تمادى كثيرًا هذه المرة في حق شقيقه وزوجته.. وحتى لو كان لا يريدها له لم يكن يجب عليه أن يفعل ذلك..
جلس على المقعد خلفه يتذكر زوجته "إيمان"، مسح على وجهه بكف يده العريض وأعاد رأسه للخلف متمتمًا بخفوت وحزن:
-استغفر الله العظيم، يارب سامحني.. استغفر الله العظيم
وظل على هذا الوضع يتمتم بالاسغفار ويدعوا إلا يحدث بينه وبين شقيقه مواجهة فهو لم يكن بقصده فعل ذلك ولا يريد أن يرى نظرة "يزيد" هذه مرة أخرى..
                 __________________ 
دلف إلى داخل غرفته وأغلق باب غرفة الصالون من خلفه متقدمًا سريعًا إلى غرفة نومه وكأن الشياطين تلاحقه في سيره، وضع يده على مقبض الباب ليفتحه ولكنه لم يحذر بعد.. لقد وجده مغلق من الداخل، ضرب الباب بقدمه بعصبية وحدة من فعلتها تلك.. 
لكن تلك المسكينة عنما رأت نظرته لها ارتعدت ودب الرعب أوصالها وخُيل لها كثير من المشاهد الذي ربما يفعلها "يزيد" فهي أكثر من يعرفه وقت غضبه، لذلك أغلقت الباب عليها من الداخل لتتفادي طيشه وغضبه الذي سيخرجه عليها..
ضرب الباب بقدمه مرة أخرى وبحدة أكثر من السابق وهو يصيح من خلف الباب بصوت عالٍ نسبيًا لتستمع إليه: 
-افتحي الباب واقصري الشر يا مروة 
ابتلعت ما بحلقها بصعوبة بعد أن جلست على الفراش تنظر إلى الباب بخوف أصهر قلبها، فقد خانتها قدميها عندما دلفت إلى الداخل ولم تستطيع الوقوف عليهم أكثر من ذلك، فأغلقت الباب سريعًا وجلست على الفراش، الخوف يسيطر عليها ويهشم قلبها بعد دقاته العنيفة، جسدها بأكمله يرتجف فهو قد حذرها بدل المرة خمس وست مرات من ارتداء الملابس المكشوفة خارج الغرفة وهي بدورها خربت كل شيء وارتدت قميص لا يستر منها شيء!.. هي لم تفعل شيء بهين خصوصًا عليه هو وتعلم أنه يحق له ما يفعله ولكن أيضًا مر عليها غضبه كثيرًا وتعلم أنه ليس سهلًا، تعلم أنه يفعل أشياء لا يكون واعي لها لذلك هي خائفة من "براثن اليزيد" وقت غضبه وعصبيته المفرطة..
صدح صوت دق الباب من الخارج ولكن بعنف وهو يصيح بصوتٍ عالٍ محذرًا إياها بجدية شديدة تلي عصبيته:
-وديني وما أعبد يا مروة الباب ده لو ما اتفتح الثانية دي لكون كاسره ومسمع البيت كله اللي هيحصل..
وقفت على قدميها الذين يرتجفوا من شدة الرعب الذي وضعها به، وقفت خلف الباب واستمعت إلى صوت أنفاسه العالية، وضعت يدها على المفتاح بتردد لتستمع إلى صوته مرة أخرى يقول بهدوء مرعب:
-افتحي الباب وعدي الليلة أحسنلك يا مروة مش هقول تاني!..
حركت المفتاح بالمزلاج عدة مرات بخوف ورعب يكاد يقف قلبها بعد ذلك النبض السريع، ولم تسمح لها الفرصة ولا قدميها بأن تبتعد عن الباب فقد دفعه سريعًا ودلف إلى الغرفة كالثور الهائج الذي يبحث عن فريسته..
قبض على خصلات شعرها الحريرية ذات اللون الذهبي متناسيًا فتنته به ولم يرى سوى مظهرها منذ دقائق أمام عينيه وعين شقيقه، بينما الأخرى صرخت بفزع عندما انقض عليها يجذبها من خصلاتها بحدة وقد شعرت أنه سيقتلعها من جذورها بين يده..
دفع الباب بقدمه ليغلقه حتى لا يستمع أحد لما يدور بينهم وسار بها إلى داخل الغرفة وهو قابض على خصلاتها بحدة جعلتها تبكي من شدة الألم، سألها باستنكار ودهشة بعد أن أظلمت عيناه وجعلها تنظر إليه وهو ممسك بها بهذا الشكل:
-ايه المنظر القذر اللي شوفته ده؟.. نازله تحت بقميص نوم يا محترمة، وياريته قميص ده ولا كأنك لابسه حاجه!
انتحبت بشدة وهي تبكي أثر مسكته لها بهذه الطريقة المؤلمة، جاعلها تنظر له وجاذبًا خصلاتها للخلف ليتضاعف الألم، نظرت إلى عينيه قاتمة السواد بضعف متحدثة بتردد وارتباك:
-والله.. والله ما كان قصدي، أنا.. أنا نزلت قبل كده ومكنش فيه حد تحت كالعادة فكرت أنه مفيش حد معرفش أنه موجود والله 
هكذا تطفئ نيرانه؟ بقولها أنها سبق وهبطت هكذا؟ اشتعلت نيران الغيره مجددًا بقوة أكثر من السابق وعينيه تطلق الشرر عليها، اشتدت يده على خصلاتها لـ تتأوه بألم أكبر من ذي قبل..
تحدث بعصبية مفرطة وكأنه على وشك الفتك بها في تلك اللحظات لأنها وضعته ووضعت نفسها بمثل هذا الموقف الرخيص:
-يا بجاحتك يا شيخة يعني نزلتي قبل كده بالمنظر الرخيص ده وبتكرريها تاني!
هوت دمعاتها سريعًا وراء بعضها من أثر حديثه، ومن دقات قلبها العنيفة نتيجة لخوفها الزائد منه ومن مظهره الغير مبشر بالخير أبدًا، تحدثت بقلة حيلة مصححة فكرته وهي تشهق بعنف:
-لأ والله أبدًا كنت بهدومي.. نسيت العصير بعد ما لبست كده ونزلت أجيبه علشانك
شهقت مرة أخرى بألم شديد حيث اشتدت يده مرة أخرى على خصلاتها وأقسمت بداخلها أنها اقتلعت بيده: 
-سيب شعري هيطلع في إيدك!
استمع لحديثها وترك خصلات شعرها لتشعر بالراحة ولكن لم تدم طويلًا حيث قبض على ذراعها واضعًا إياه خلف ظهرها مشددًا عليه ليشعرها بالألم كيف يكون، بينما هي شعرت أن ألم جذب خصلات رأسها لم تكن شيء بجانب ما يفعله بها الآن...
صرخ بأذنها بعصبية شديدة ولا يدري ما الذي يتفوه به وهو يضغط أكثر على ذراعها حيث كانت تقابله بظهرها:
-وهو أنا كنت طلبت منك زفت عصير؟ قولتلك على حاجه؟.. فرحانه بجسمك وبجمالك وبتفرجي أخويا عليهم!
صرخت به بحدة وهي تتلوى بين يديه بعد أن وقعت كلماته على أذنها كالسم الذي يجعلك تموت بالبطيء، فـ تفكيره بها بهذا الشكل قتلها من الداخل وهي من كانت تفعل كل ذلك له:
-أنتَ اتجننت!.. بتقول ايه يا مجنون أنتَ، قولتلك مكنش فيه حد ومكنتش أعرف أنه موجود 
ترك يدها قبل أن يديرها إليه ثم دفعها للخلف بحدة لتصطدم بالحائط خلفها مما جعله يرتضم بعنف بظهرها لتصرخ عاليًا متأوه بسبب الألم الذي عصف بها واقترب هو منها قابضًا على فكها بعنف متحدثًا بتهكم صريح:
-متعرفيش ايه بالظبط؟ متعرفيش إن أخويا وعمي عايشين معانا في البيت ولا هما بالنسبالك زي جوزك عادي مش هيضر خليهم يشوفوا ويملوا عينهم 
جرت الدموع على وجنتيها بلا توقف، كلماته كانت بالنسبة لها كالنصل الحاد الذي ينغرز بقلبها بلا رحمة ليأتي به نصفين، تعلم أنه وقت غضبه لا يعلم ما الذي يتحدث به وما الذي يقوله أو يفعله ولكن هي ليس لها ذنب بأن تتحمل كل ذلك فلم يكن بقصدها ما حدث..
دفعته بيدها بعنف ضاربة إياه بصدره بشدة لكي يبتعد عنها، ثم صرخت بوجهه بعصبية وحدة ترد على كلماته ذات الأثر الذي لن يُمحى ولم تفكر في أن يستمع أحد إلى صوتها العالي:
-أنتَ بجد اتجننت ومش واعي للي بتقوله يا أهبل، أخوك وعمك ايه دول اللي هخليهم يبصوا عليا يا مجنون، كل ده علشانك الزفت اللبس ده علشانك والأكل اللي بره ده علشانك والعصير اللي نزلت أجيبه علشانك كل ده علشان سيادتك وفي الآخر تقولي كده.. وبعدين هو مش كل يوم الكل بيكون في اوضته أنا ذنبي ايه في اللي حصل!
صفعة مدوية أطاحت بها على أرضية الغرفة، تعلم تمام العلم أنها يجب ألا ترفع صوتها عليه، حذرها بدل المرة ألف ومازالت تفعلها وترفع صوتها عليه وأيضًا تسبه بالشتائم.. لتتلقى عقاب على كل ما فعلته في يومها هذا..
وضعت يدها على وجنتيها مكان صفعته وهي جالسة على الأرضية بعد تلك الصفعة، هذه المرة الثانية الذي يتطاول بيده عليها، ذُهلت من ردة فعله فهو منذ أن دلف وصوته عالي ويلقي عليها كلمات كالسموم ولكن إذا حكمت أحدًا ستكون هي المخطئ في النهاية!، بكائها لم يشفع لها عنده هذه المرة فقد كانت النيران تنهش داخله كلما تذكر نظرة أخيه لها وهي مرتدية هذا القميص.. 
جذبها من يدها لتقف أمامه مرة أخرى وهي تنظر إليه بعتابٍ لم يلتفت إليه وأكمل ما بدأه متحدثًا بهدوء عاصف:
-المرة الجاية هقطع لسانك لو صوتك علي عليا.. وبعدين تعالي هنا ذنبك ايه إزاي يعني؟ أنتِ بتستعبطي؟ مش عارفه تلبسي هدومك.. معملتيش حساب حد يكون خارج حد يكون داخل ايه عرفك أنتِ إن الكل في اوضهم ها؟
لم تجيبه بل ظلت تنظر إليه بضعفٍ وعتابٍ ترسله بعينيها الباكية وتقول له على خطأه ولكنه لم يبالي لها هاتفًا بصوت عالي متسائلًا:
-ما ترُدي ولا دلوقتي القطة أكلت لسانك 
لم يلقى منها ردًا مرة أخرى وقد عملت على اغضابه وبشدة وهي تنظر إليه هكذا، نظر إلى ذلك القميص الذي ترتديه وتذكر نظرة شقيقه لها وهي مرتدية إياه، ولم يفكر بشيء إلا أن يزيله عنها..
شهقت بفزع عندما وجدت يده تمزق القميص عليها ليقع على الأرضية أسفل قدمها إلى قطع قماش لا تصلح لشيء وتقدم هو من الخزانة وفتحها بحدة مصدرًا صوتًا قويًا على أثر فتحتها، أمسك بقميص أبيض ظهر بوجهه وألقاه بوجهها لترتديه فهي وقفت تبكي بشدة بعد أن مزق القميص عليها..
أخذت القميص الذي ألقاه عليها من على الأرضية وكان له هو، ارتدته ولم تفكر بأي شيء سوى أن تداري جسدها عنه في تلك اللحظات..
-أنا بقى هعرفك إزاي تكسري كلامي في كل مرة ياست هانم.. للمرة المليون أتكلم معاكي في حوار اللبس ومفيش فايدة وطلما مجاش بالذوق يبقى بالعافية 
قال كلماته وهو يخرج كل ملابسها من الخزانة بحدة وعصبية، ما يقع بيده ويراه محتشمًا يضعه بمكانه وما لا يروقه يمزقه إلى قطع أمامها، أمسك فستان طويل محتشم فوضعه مكانه والتقط بلوزة أخرى بحبال رفيعة وصدرها مفتوح بشدة فمزقها بغلٍ وهو ينظر إلى عينيها بلا شفقة فـ نظرة شقيقة لها لا تفارقه وتعصف بعقله بلا هوادة..
ظل على ذلك الوضع لدقائق كثيرة وهو يمزق ملابسها إلى أن جعل معظم الملابس لا تصلح لأي شيء سوى أن ينظفوا بها الأرضية، وقد كانت هي جالسة على الفراش تنظر إليه وهي تبكي وتراه يمزق ثيابها ولم تقوى على التفوه بحرف واحدًا فهو في حالة يُرثى لها..
أغلق الدولاب بعد أن انتهى من مهمته ثم جذب القميص الممزق هو الآخر ووضعه فوق البقية، نظر إليها وحذرها بعينين الصقر خاصته:
-إياكي ثم إياكي تيجي جنبهم 
أدارت وجهها وجسدها وتمددت على الفراش في مكانها جاذبة الغطاء عليها وهي تزيل الدموع العالقة بـ اهدابها، فقد بكت كثيرًا إلى أن ألمتها عينيها، فكرت كثيرًا به وبما فعله بها، هي أرادت أن تفعل شيء جميل لهم ولم تكن تعلم أنها سترى شقيقه بالأسفل، لم تكن تعلم أنه متواجد من الأساس..
تعلم أنها مخطئة كما قال وهو محق في حديثه ولكن لما يقسوا عليها إلى هذه الدرجة، لما وقت غضبه يقول ما لا يعلم معناه، ويكسر قلبها بحديثه الفظ البشع، لقد اتهمها بأبشع الأشياء مرة أخرى وهو في حالة اللاوعي غير صفعة لها وجذبه لخصلات شعرها بهذه الطريقة.. من المخطئ الآن هي أم هو؟..
بعد أن نامت على الفراش خرج من الغرفة إلى الشرفة وأخرج من جيبه علبة سجائره وأشعل واحدة وأخذ يدخنها بشراهة، مخرجًا بها كل حقده وغله مما حدث، يتذكر لحظة دخوله ونظرة شقيقه إلى جسدها والقميص الذي كانت ترتديه..
لقد كانت فاتنة تخطف الأنفاس، تذيب العقول والقلوب، ولو كنت راهبًا لودت أن تكون معها، قتلته تلك النظرة هو يعلم معناها جيدًا ولكن أيضًا هو شقيقه مؤكد لم يكن بقصده..
المخطئ الوحيد هنا هي زوجته هي من فعلت كل ذلك، جعلت شقيقه ينظر إليها وجعلت النيران تشتعل بقلبه وكأنها تحرق داخله وما حوله، هي من جعلته يثور عليها وهذا حقه ولن يتراجع عنه فالحديث لا يأتي بنتيجة معها.. 
ربما كانت تريد أن تكون ليلتهم جامحة وتريد أن تسعد قلبه بما فعلته ولكن أتى كل شيء بالخطأ بسبب تكاسلها وعدم ارتداءها ملابس محتشمة لتهبط بها، وكل من يخطئ عليه أن يتحمل نتيجة خطائه كما تفعل معه..
              ____________________
"في صباح اليوم التالي"
استمعت إلى ضحكات تلك البغيضة الجديدة بالمطبخ وهي متقدمة لتدلف إليه، تحمل على يدها تلك الصينية التي أعدتها بالأمس وكانت سبب كل ما حدث هي وذلك العصير الذي لا تعلم ما تقوله عنه..
ولجت إلى المطبخ ثم وضعت الصينية على الجزيرة التي بالمطبخ بهدوء دون أن تنظر إلى أحد به والذين كانوا "إيمان" وصديقتها الجديدة في كل مخطط دنيء مثلهما "ريهام" و "يسرى" التي نظرت إليها باستغراب وإلى محتويات الصينية التي كانت كما هي لا يظهر على أي طبق من الأطباق أنه قد وضع أحد يده به..
أخذت تضع كل محتويات الصينية بمكانها المناسب بينما ذهبت إليها "يسرى" تقف جوارها متسائلة بجدية واستغراب:
-ايه ده الصينية زي ماهي ليه؟
أجابتها "مروة" باقتضاب وضيق وهي تتحرك بالمطبخ بخفه وهدوء: 
-مأكلناش حاجه
نظرت إليها الأخرى باستغراب أشد من ذي قبل، أمسكت بمعصمها بهدوء وسألتها مرة أخرى:
-مالك في ايه؟ ايه اللي حصل 
جذبت "مروة" يدها بهدوء وأجابتها قائلة بحزن:
-بعدين يا يسرى 
ثم خرجت من المطبخ وهي ترى تلك النظرة الشامته بعين "ريهام" وكأنها تعلم ما الذي حدث لتنظر إليها هكذا..
تقدمت "ريهام" من "إيمان" وتحدثت قائلة  بجدية وابتسامة مُرتسمة على محياها:
-شكلها والعه بينهم 
لم تستطيع الأخرى أن تُجيبها حيث دلف إليهم "يزيد" بوجه مقتضب يتساءل عن زوجته:
-فين مروة؟
أجابته "يسرى" سريعًا قائلة وهي تشير ناحية الباب:
-لسه خارجة دلوقتي.. ممكن في الجنينة 
عاد مرة أخرى وذهب إلى الخارج ليراها، بحث عنها في طريقة ولم يجدها، ذهب إلى الحديقة يبحث عنها هناك أيضًا ووجدها بالفعل في طريقها إلى مكان "ليل"، تقدم إليها سريعًا وأمسك بكف يدها بحدة ليجعلها تستدير له:
-اطلعي فوق 
نظرت إليه باستغراب شديد من وجوده الآن هنا ومن حديثه ونظراته وكل شيء به، تحدثت متسائلة بجدية:
-ليه؟
أجابها بحدة وصوت عالي ولكن اخفضه سريعًا عندما تدارك نفسه:
-متنزليش هنا خالص غير في وجودي فاهمه؟! يلا اطلعي فوق من غير كلام كتير 
جذبت يدها منه ثم رحلت دون أن تتحدث كما قال لها لتتفادى غضبه وعصبيته عليها في هذا المكان تحديدًا..
                 ___________________
مرت عدة أيام والوضع كما هو عليه منذ آخر ليلة حدث بها ذلك الأمر الذي قلب كل شيء رأسًا على عقب.. 
لم يتغير "يزيد" كثيرًا في معاملته إياها بل كان أشد قسوة من السابق، لا يغازلها، لا يشعرها بحبه لها كما السابق، لا يتحدث معها من الأساس، كل شيء باهت غير مبهج.. 
تواجده جوارها بالغرفة دون الإقتراب منها يقتله، يشعر وكأن هناك ما ينقصه في بُعدها عنه، وكأن الحياة تسير بشكل غير طبيعي بالمرة، ولكن عليه أن يفعل ذلك، عليه أن يجعلها تعلم ما الصواب وما الخطأ فيبدو أنها لا تعلم عنهم شيء.. 
نظرة شقيقه لها إلى الآن لم تُمحى من ذاكرته بل كل يوم وكل ساعة وكل دقيقة يتذكرها، يتذكر نظرة شقيقه إلى زوجته ويتذكر ملابس زوجته الفاضحة أمام شقيقه..
جعلها لا تهبط إلى مجلس العائلة بالأسفل إلا بوجوده هو معها، لم يكن ذلك غرضه الأساسي بل كان يريدها أن تبتعد عن "فاروق" في غيابه، لم يشك في شقيقه أو يشك في أخلاقه ولكن لا يستطيع أن يكون هادئ أكثر من ذلك، لم يستطيع أن يصمت عن كل شيء فيكفي أنه لم يتحدث مع شقيقه عن نظرته لها ولمعة عينيه وهو يرى جسدها أمامه..
لن يكره شقيقه ولن يُخَوِنَهُ، أنه يعرفه جيدًا ويعرف أنه يحب زوجته ولكن هو أيضًا مجبر على ذلك.. بينما الجميع في المنزل لاحظ التذبذب الذي بين "مروة" و "يزيد" فهو كان كـ وضوح الشمس واستغلت ذلك مؤكد "ريهام" الذي إلى الآن لم تذهب حيث أنها كانت ستجلس يومان فقط ولكن عندما تغيرت الأمور بين "يزيد" وزوجته استغلت الفرصة للتقرب منه أمامها بحجة العمل..
بينما هي علمت ما الخطأ الذي فعلته، ندمت كثيرًا عليه ولم تكن تحسب أن الأمر سيصل إلى هنا ولكنه هو لم يعلم ما الذي فعله وإلى الآن يراها هي الجانب المخطئ الوحيد..
نعم لقد كانت من بدأ بالأمر ولكنه تناسى كل شيء بينهم ولم يظهر منه سوى غضب، عصبية، قسوة مفرطة وكلمات كـ السموم تدخل جسدها لتفتك به، وجعل المنزل أيضًا علم ما الذي يحدث بينهم بسببه هو.. احتارت كثيرًا في أن تتقدم هي إليه وتتناسى ما فعله أو تنتظر أن يأتي هو ويعتذر منها كما كل مرة؟..
                __________________
-ازيك يا عم يزيد يلي مش معبرنا خالص.. كلمتك كتير مش بترد 
أردف "سامر" بتلك الكلمات وهو يجلس جوار صديقه أمام تلك البحيرة الصغيرة التي رأى بها زوجته لأول مرة
-معلش مكنتش مركز اليومين دول 
تحدث "سامر" مرة أخرى بحماس وسعادة وهو يعتدل جواره في جلسته على الأرضية:
-أنا قابلت عمك وفاروق امبارح واتفقنا نعمل الفرح بعد خمس شهور من دلوقتي 
سأله "يزيد" بهدوء وهو يلقي بالحجارة الصغيرة في البحيرة دون أن يستغرب لما حدث دون عمله:
-ويسرى عارفه؟
ابتسم الآخر بسخرية وتهكم وأجابه وهو يلتقط حجارة ويلقيها هو الآخر:
-ومراتك كمان عارفه.. مفيش غير أنتَ 
أبتعد عن نقطة زوجته كليًا، لا يريد التفكير بها الآن، لا يريد أن يشعر بالوحدة دونها ودن تواجدها معه، سأله مرة أخرى باهتمام:
-بس مقولتليش هتعيشوا فين؟ هنا ولا في المهندسين
أردف "سامر" بتأكيد وهو يلوي شفتيه:
-لأ أكيد في المهندسين أنتَ عارف شغلي في الشركة كله هناك ويادوب هنا إجازات ده طبعًا لو مسافرتش تاني.. من الآخر يعني هنا ولا هناك ولا في أي مكان يسرى هتكون معايا 
ابتسم "يزيد" بهدوء ابتسامة لم تصل إلى عينيه وتحدث قائلًا وهو يربت على كتفه:
-ألف مبروك يا حبيبي
ابتسم له "سامر" ولكنه منذ أن جاء يشعر أن هناك خطب ما به، ما الذي حدث معه جعله هكذا.. ربنا علمت زوجته بكل شيء، تساءل باستغراب:
-بس أنتَ مالك فيك ايه كده؟
-ولا حاجه ولازم أمشي.. يلا سلام 
لا يريد أن يتحدث بذلك أبدًا أمام أحد، لا يريد أن يقول ما حدث لغريب عنهم، لا يريد أن يعري زوجته وشقيقه أمام أي شخص كان، لذا ألتزم الصمت ووقف على قدميه ذاهبًا بعيد تاركًا صديقه ينظر في أثره باستغراب ودهشة شديدة..
                   _________________
-ده كل اللي حصل.. أنا مكنتش عايزه أحكي لحد حاجه خاصة كده بس أنا تعبت بقالنا دلوقتي أسبوعين على الحال ده وهو معاند أوي معايا ومستغل ريهام في أنه يغيظني وأنا مش مستحملة نفسي أصلًا علشان استحملها معاه.. كده أنا اللي غلطانه ولا هو؟
قالت هذه الكلمات بحزن بعد أن وجدت أن لا فائدة به ولا فائدة بها، وكلما زاد البعد بينهم اقتربت منه تلك البغيضة على قلبها..
أجابتها "يسرى" بحزم وجدية شديدة أرادت أن تظهرها لها حتى تعلم ما الذي ستفعله:
-بصراحة أنتِ اللي غلطانه.. آه كنتي عايزه تعملي حاجه كويسه بس أنتِ اللي عكتيها بردو يا مروة.. أي حد مكان يزيد كان عمل كده وأكتر كمان، ده من غيرته عليكي وعصبيته أن أخوه شافك وأنتِ متزينة ليه هو.. وأنا مش بقول كده علشان أخويا ولا بنصفه عليكي بس ممكن يكون شاف فاروق بيبصلك وملحقش حتى ينزل عينه ده يعمل نار جواه من المنظر بس
استمعت إلى حديثها، أنها محقة فعلًا ولكنه أيضًا تمادى ولكن هي تعلم تماديه في عصبيته لا يستطيع أن يسيطر عليه، سألتها مرة أخرى قائلة:
-يعني أعمل ايه دلوقتي؟
ابتسمت الأخرى ابتسامة ذات مغزى وأردفت بجدية:
-صالحيه
نظرت "مروة" في الفراغ تفكر في حديث "يسرى" وكلماتها الصحيحة وما الذي ستفعله ليعود كما السابق معها ويعتذر أيضًا مثلها عما بدر منه، فهي لن تعتذر وحدها نعم أخطأت ولكن هو أيضًا أخطأ عليه أن يفعل المثل حتى لا يتمادى مرة أخرى معها ويرفع يده عليها مهما كانت الأسباب
منذ ذلك الحين الذي تحدث معها به وهي لا تدري هل ما حل عليها سعادة أم حيرة بسبب ما فعلته؟، منذ أن قال لها "تامر" أنه يود معرفة كل شيء عن ما قالته له وهي هكذا بين السعادة والحزن من هنا تارة ومن هنا تارة..
تخاف أن يأخذ خطوة متقدمًا بها إليها ويكن في النهاية لا يشعر بها من الأساس!، أو ربما يأخذ خطوة ناحية شخص آخر فهو لا يدري أنها هي من قصدته بحديثها..
زفرت بهدوء وهي تنظر على المارة في الأسفل من نافذة ذلك المطعم الذي تجلس به، أتت صديقتها "نهى" من بعيد لتقف هي على قدميها تسلم عليها بحرارة وشوق:
-حمدلله على السلامة
جلست الأخرى أمامها مُبتسمة، وضعت حقيبتها جوارها على المقعد ثم أجابت بحماس:
-الله يسلمك.. قولي بسرعة ايه الموضوع بقى 
ابتسمت "ميار" باستنكار متعجبة من صديقتها فهي قد أتت اليوم من سفرها مع زوجها الذي ذهبت معه منذ بضعة أيام ولم تحتمل أن تنتظر أكثر من ذلك، تود وبشدة معرفة ما حدث والذي لم تقصه عليها "ميار":
-في ايه بس براحة يابنتي
تقدمت منها الأخرى ووضعت يدها على الطاولة أمامها تتحدث بجدية:
-لأ بقى مش كفاية مردتيش تقوليلي وأنا مسافرة قال ايه لازم تكوني هنا علشان نتناقش بهدوء... يلا قولي 
مازالت "ميار" مُبتسمة إلى الآن، تقدمت منها هي الأخرى بعد أن تنهدت بهدوء وراحة لأنها ستروي ما حدث لشخص ما، تحدثت بهدوء شديد وهي تروي لها بداية من كلماته إلى نهاية كلماتها ولم تترك حرف إلا وقالته لتفهم ما الذي سيحدث منه ربما يصيب ظنها..
تهللت أسارير "نهى" وتحدثت قائلة والابتسامة تزين ثغرها:
-ده كويس أوي أوي كده هو بدأ يفكر طبعًا يا ميار وكمان نسي مروة 
عادت الأخرى تستند بظهرها إلى ظهر المقعد خلفها وقد ظهر اليأس على ملامح وجهها وهي تقول:
-أنا بجد مش عارفه بعمل ليه كده.. كان المفروض أنساه وأشوف حياتي بس مقدرتش، أنا مش عارفه ممكن يحصل ايه بعدين، خايفة لو الحكاية تمت افتكر أنه بيحب مروة.. أو في أي تجمعات يختلط بمروة.. أنا محتارة أوي يا نهى 
أنها تفكر بشكل صحيح حياتها لن تكن وردية بهذا الشكل ولكن هي فقط من يستطيع أن يغير كل شيء، أجابتها "نهى" بجدية وهدوء:
-أنا معاكي في كلامك بس تامر أكيد نسي مروة لأنها خلاص اتجوزت ومش هتبصله، وفي التجمعات كل ما تشوفوا بعض هيكون جوزها معاها أكيد.. أنتِ بس فكري براحة وطلعي الحكاية دي من دماغك علشان متعملش حساسية بينك وبين أختك
تحدثت سريعًا قائلة بلهفة عندما أتت إلى هذه النقطة:
-لأ طبعًا مفيش حاجه هتغيرني من ناحية مروة ولو كان مين حتى
ابتسمت صديقتها بهدوء وهي تراها هكذا تخاف وبشدة على علاقتها بشقيقتها.. بينما تريثت الأخرى قليلًا ثم تحدثت مرة أخرى:
-خايفه يفكر في حد تاني مش فيا 
عادت "نهى" إلى الخلف وهي تنستد إلى ظهر المقعد وتحدثت بجدية وثقة: 
-هيطب عليكي مرة واحده يخطبك وهتقولي نهى قالت 
           _______________________
دلفت إلى الغرفة بخطى مترددة، تفكر في حديث "يسرى" بجدية فقد اقنعتها أنها المخطئ الوحيد من البداية..
دلفت إلى غرفة النوم، وجدته ممدد على الفراش يضع حاسوبه على قدمه وينظر إليه بتركيز شديد، ذهبت إلى مكانها على الفراش وجلست عليه متقربه منه حتى تجعله يلين معها، أغلقت الحاسوب بيدها ونظرت إليه بتردد قائلة بصوتٍ خافت:
-هنفضل كده كتير؟!
نظر إلى عينيها الذي هربت زُرقتها منها ليحل محلها لون الخضرة الرائعة المحببة لقلبه، أبعد نظره عنها متحدثًا بسخرية وهو يجب على سؤالها:
-شوفي مين عمل كده واسأليه 
اقتربت منه إلى أن سارت تجلس جواره ولا يفصل بينهم شيء ثم نظرت إليه وهو يدير وجهه بعيد عنها وقالت بنبرة حافظت على ظهورها خافتة وضعيفة حتى يرضخ:
-أنا آسفة
أعاد نظرة إليها بعد أن استمع حديثها، ينظر إليها بجدية شديدة ولا يوجد تعابير على وجهه سوى ذلك ولم يتحدث ولو بحرفٍ واحد فقط ينظر إليها، فتابعت هي بهدوء:
-أنا بجد آسفة.. والله مكنتش أقصد كل اللي حصل ده، مجرد كنت حابه أعملك مفاجأة يا يزيد 
ابتسم بسخرية ثم وقف على قدميه مبتعدًا عنها تاركًا الفراش وتحدث بتهكم قائلًا: 
-آه تقومي تنزلي بقميص زي اللي كنتي لبساه ده في وسط البيت اللي المفروض أنه بيت عيلة.. ممكن حد لسه مرجعش.. حد خارج.. بس إحنا مش بيهمنا صح؟
وقفت هي الأخرى وتقدمت لتكن مقابله له وتحدثت بجدية متذكرة ما فعله:
-وأنتَ كمان مقصرتش يا يزيد كفاية البهدلة والكلام السم اللي أخدته منك.. أنا مراعية أنك وقتها مكنتش في وعيك أصلًا 
اقترب منها بهدوء شديد وهو ينظر إليها نظرة ذات مغزى، أردف بجدية بعد أن وقف أمامها مباشرة وملامح وجهه تتغير في كل مرة يتحدث بها:
-مش في وعي!... وديني يا مروة لو كان حد تاني غير فاروق أخويا لكونت دفنتك مكانك أنتِ وهو 
حديثه كما هو، تتغير الكلمات ولكن هي نفس المعاني الذي يوصلها إليها، في المرة الأخرى لم يكن واعي فغضبه كان يعميه وقدرت هي ذلك ولكن الآن هو واعي جيدًا.. إذًا لماذا يقول هذه الكلمات؟.. تحدثت بجدية متسائلة بتعجب:
-أنتَ بتتكلم كده كأني روحتله برجلي وقولتله أتفرج عليا أرجوك 
-آه عملتي كده يا مروة روحتي برجلك 
ذُهلت أكثر من حديثه وردوده عليها، أتت له لتجعله يعود كما السابق وتعتذر عما بدر منها وهو كما هو يلقي كلمات مسمومة عليها!..
نظرت إليه بحزن شديد وتحدثت متسائلة باستغراب:
-يعني جايه اعتذرلك على اللي عملته ده يكون ردك؟ بدل ما أنتَ كمان تعتذر على اللي عملته؟ مديت إيدك عليا للمرة التانية واتهمتني بحاجات بشعة وقطعت هدومي وحرقتها!...
تحدث مُجيبًا إياها بتهكم وسخرية شديدة وهو يشير عليها بيده باستهزاء: 
-جاية تعتذري علشان غلطي.. مديت ايدي عليكي علشان بدل ما تعتذري كنتي بتقاوحي وبتعلي صوتك عليا.. اتهمتك بسبب اللي شوفته.. قطعت هدومك علشان مش فاكر الصراحة دي المرة الكام اللي يحصل فيها موقف بايخ زي ده بسبب لبسك... أعتذر على ايه بقى ماهو لكل فعل رد فعل  
أجابته بعصبية شديدة بعد أن انتهى من حديثه وقد غلت الدماء بعروقها وهو يتهرب منها ومن اعتذارها: 
-عايز ايه يعني يا يزيد.. عجبك وإحنا كده؟ ولا عجبك قربك من ريهام قول متكسفش 
أجابها ببرود وهو يجلس أمامها على الفراش مرة أخرى محاولًا أن يخفي ابتسامته عنها:
-ريهام بقالها سنين قدامي لو عايزها كنت اخدتها
ذهبت إليه وجلست على عقبيها أمامه بهدوء وهي عازمة أمرها على إنها تلك المنازعة بينهم والعودة كما السابق وأفضل بكثير، تحدثت برقة وهدوء شديد:
-أنا بعتذرلك وبقولك آسفة يا يزيد.. مش حابه بعدنا عن بعض بالطريقة دي علشان خاطري كفاية بقى.. وعلى فكرة أنا مغلطش لوحدي أنتَ كمان غلطان لأنك عالجت الموضوع بطريقة غلط 
تذكر نظرة شقيقه مرة أخرى وقد رُسمت داخل عقله ولم تُمحى، أردف بضيق شديد بعد أن أمسك بمعصمها بحدة:
-والمفروض أعمل ايه وأنا شايف أخويا بيبص لمراتي كده؟ أنا كان في نار جوايا وأنا شايفه وشايف نظرته ليكي وكل ما أفتكر النار بتقيد من تاني.. كنتي عايزاني أعمل ايه قولي 
جذبت يدها منه بهدوء، وقفت على قدميها وجلست جواره ثم دون مقدمات عانقته وبشدة وهي تشعر بأثر كلماته عليها فهو محق للغاية، تحدثت وهي تشدد على احتضانه:
-أنا آسفة يا حبيبي والله غصب عني.. مش قادرة أكمل كده من غيرك يا يزيد أنتَ بالنسبالي النفس اللي بتنفسه.. سامحني أني حطيتك في الموقف ده
زفر بهدوء بعد أن استمع لحديثها، جذبها أكثر إليه وبادلها العناق هو الآخر متحدثًا بهدوء بجانب أذنها:
-أنا كمان آسف متزعليش مني.. أوعدك عمري ما أمد ايدي عليكي تاني بس أنا مكنتش شايف قدامي 
أبتعدت عنه متحدثة بحماس وهي تحاوط وجهه بكفي يدها وتنظر داخل عينيه التي أصبحت زرقاء بشدة بسبب قميصه الأزرق:
-يعني صافي يا لبن؟
ابتسم بسعادة غامرة فلم يكن يريد أن يحدث ذلك من الأساس، أسبوعين متتاليين وهم كما الغرب عن بعضهم، لم يروقه ذلك أبدًا غير أنه كان يشعر بالذنب لما فعله بها.. ولا يريد أن يطول هذا الحال عليهم أنه يريد أن ينعم باحضانها.. أردف يُجيبها بسعادة:
-حليب يا قشطة 
نظر إلى وردية وجهها الذي يذوب عند الإقتراب منها وهناك رغبة ملحة للإقتراب ودق بابها الآن ليشعر بكرم الضيافة عندها هي وحدها.. أقترب من شفتيها بعد أن وضع يده خلف رأسها يقربها منه لتتيح له الفرصة ليفعل ما يريده وما يحلو له.. 
قبلها بهدوء شديد ورقة بالغة لبعض الوقت وكأنها قطعة حرير غالية الثمن يخاف خدشها، استمر في قبلاته الحنونة الرقيقة لعبض من الوقت الآخر..
ثم دون سابق إنذار داهم شفتيها بقبلة دامية، قاسية لم ترغب بها أبدًا منه في تلك اللحظات بينهم.. دفعته بعد اختناقها وقد وجددت أنها لا تتحمل أسنانه الذي عضت على شفتيها بعنف..
أبتعد عنها وهو يبتسم بسخرية ليتشفى بها وبحالها، وجدها تلهث بعنف وشفتيها متورمة من فعلته فتحدث بمرح قائلًا: 
-بس بردو كل ده مايمنعش إني أخد حقي بطريقتي
مررت إصبع يدها على شفتيها وهي تشعر بالحرارة تندلع منهم، أردفت بانزعاج وضيق وصوتٍ خافت:
-سافل
استمع إليها وابتسم بمرح قائلًا بجدية:
-بتقولي حاجه يا حبيبتي؟
نظرت إليه بهدوء وقد وجدتها الفرصة المناسبة للتحدث فيما تريده منه فقالت برقة بعد أن وقفت على قدميها وذهبت لتجلس على قدميه بأريحية:
-بقول إني عايزه أزور بابا وميار.. أنا مروحتش هناك خالص يا يزيد من وقت ما اتجوزنا 
لفت يدها حول عنقه بغنج واضح فأعاد هو خصله متمردة لخلف أذنها مُجيبًا بجدية:
-بس كده؟ نروح بكره الصبح يا ستي 
نظرت إليه غير مصدقة حديثه فهو أول مرة يوافق على طلبها هذا بهذه السرعة والجدية، تحدثت متسائلة بلهفة:
-بجد؟
-بجد
لفت يدها حول عنقه بشدة محتضنه إياه وهي تقبله من وجنته بسعادة غامرة وقد تعالت ضحكاته وهو يرى ردة فعلها هذه الغير متوقعة
-بحبك أوي يا زيزو يا قمر أنتَ
نظر إليها نظرة ذات مغزى وأردف بمرح قائلًا:
-مدام فيها زيزو يبقى استعنى على الشقى بالله 
               ____________________
"في صباح اليوم التالي"
جلست جواره في سيارته منذ لحظات متوجهين إلى العاصمة لزيارة عائلتها، تحدثت متسائلة عندما وجدته لم يتحرك:
-ما تطلع يا يزيد واقف ليه؟
أجابها بفتور بعد أن استمع إلى سؤالها وهو ينظر إلى الهاتف الذي بيده:
-مستني ريهام 
استغربت حديثه بشدة فلما ينتظر تلك البغيضة وهو ذاهب معها إلى عائلتها، سألته مرة أخرى باستغراب ودهشة:
-نعم؟ مستنيها ليه 
ترك الهاتف من يده ووضعه أمامه ثم نظر إليها بهدوء وتحدث مُجيبًا إياها بجدية:
-رايحه معانا القاهرة يا حبيبتي، هنوصلها في الطريق 
تحدثت بحدة وجدية شديدة بعد أن ألقى كلماته تلك عليها وهي لا تدري كيف علم بذلك ولما لم يقول لها:
-وأنتَ ليه مقولتليش؟ وبعدين ماهي معاها عربية 
زفر بضيق وهو يعلم أنها تُغار منها وبشدة ولكن دائمًا تحمل الأمور فوق بعضها، أردف بجدية محاولًا إقناعها بما حدث وهو يعلم أنها لن تصمت:
-لما عرفت وإحنا بنفطر يا حبيبتي قالت إنها هي كمان هترجع وطلبت مني أوصلها في طريقنا 
تحدثت مرة أخرى بحدة متسائلة فهي تعلم أنها معها سيارة هنا إذًا لما ستذهب معهم؟:
-وعربيتها فين بقى إن شاء الله؟
استدار إليها بجسده لينهي هذا الحوار سريعًا، أمسك بكف يدها رافعًا إياه إلى فمه ثم قبله برقة وهدوء وأجابها قائلًا بجدية:
-عربيتها فيها حاجه بايظه يا روحي.. هتتصلح وابعتها ليها ممكن تهدي بقى 
جذبت يدها منه ونظرت أمامها دون أن تتحدث ثم أتت غريمتها وجلست بالمقعد الخلفي قائلة بصوت هادئ:
-سوري يا يزيد اتأخرت 
أجابها وهو ينظر إلى الطريق أمامه بعد أن أدار محرك السيارة وذهب بها:
-لأ عادي ولا يهمك 
كان الطريق طويلًا وهي لا تستطيع أن تتحدث معه بهدوء أو تقول ما بخاطرها بسبب تلك البغيضة التي تجلس بالخلف تتحدث معه بين الثانية والأخرى بأي شيء يُقال وهو يُجيبها باقتضاب فقط لأنه يعلم أن زوجته منزعجة وبشدة..
تحدثت "ريهام" بجدية وهي تنظر إلى "مروة" ومن ثم "يزيد":
-اظن كفاية راحة بقى يا يزيد المصنع محتاج وجودك فيه  
أجابها بجدية هو الآخر وهو ينظر إلى الطريق بتركيز:
-همر عليه النهاردة بما إني هنا 
أجابت مرة أخرى بسعادة أخفتها وهي تنظر إلى "مروة" بتشفي:
-كويس هستناك
بينما نظرت إليه "مروة" بانزعاج وضيق شديد وهي لا تصدق أنه سيتركها ويذهب، تحدثت بضيق واضح قائلة: 
-تروح فين يا يزيد هو إحنا مش جايين لأهلي بردو؟
نظر إليها ومن ثم إلى الطريق وتحدث بهدوء راجيًا إياها أن تتفهم موقفه:
-معلش يا حبيبتي أنتِ عارفه إني عندي شغل كتير متراكم هبص عليهم بس وارجعلك متقلقيش هنقضي اليوم سوا 
نظرت إليه بضيق ثم أدارت وجهها الناحية الأخرى تنظر من الزجاج على السيارات في الخارج وهي تفكر به وبما يفعله بها من مواقف غريبة وكلمات أغرب..
أمسك بكف يدها وهو يقود السيارة ورفعه إلى فمه يقبله مرة أخرى بهدوء حتى لا تنزعج تحت أنظار القابعة بالخلف، ابتسمت "مروة" لذلك فقط لأنها رأته وهو يقبل يدها ومن ثم تحدث قائلًا:
-متزعليش بقى يا مروتي مش هطول عليكي 
ابتسمت بوجهه بسعادة لما فعله أمام الأخرى وتناست ما كانت تفكر به من الأساس وظل هو ممسكًا بيدها والأخرى يقود بها السيارة وقد علم أن ذلك سيأتي بنتيجة حتمًا لذا فعلها..
           ______________________
أوصل "ريهام" إلى منزلها ثم ذهب مع "مروة" إلى منزل عائلتها الذي جلس معهم بضع دقائق وذهب إلى المصنع لكي يرى ما الذي يحدث به بغيابه، ويباشر عمله من جديد وهو هناك، أخذ بعض الساعات وهو بالخارج ثم عاد مرة أخرى  إلى منزل "مروة" وجلس مع عائلتها وقت هادئ ومريح..
قالت "ميار" مُبتسمة بهدوء بعد أن ابتلعت ما بحلقها من طعام وهي تنظر إلى "مروة" التي تجلس أمامها على طاولة الطعام:
-بجد مفاجأة هايلة يا مروة كنتوا اعملوها من زمان 
ابتعلت "مروة" هي الأخرى ما بحلقها ونظرت إلى "يزيد" ومن بعده "ميار"، ترسُم ابتسامة على محياها:
-يزيد كان مشغول أوي ومحبش إني اجي لوحدي.. كان عايز يكون معايا 
حرك "يزيد" رأسه يمينًا ويسارًا يبتسم بسخرية على حديثها فهي تكذب فقد كان يفعل ذلك فقط ليجادلها..
أكمل طعامه بهدوء إلى أن استمع إلى والدها يقول بسعادة قد رُسمت على ملامحه بدقة صادقة:
-والله البيت منور يا يزيد يابني 
أجابه "يزيد" مبتسمًا هو الآخر فقد كان "نصر" بوجهه البشوش يجعل النفوس صافية:
-ده بنورك طبعًا يا نصر بيه 
ابتسم والدها بهدوء، تنحنح ثم قال بحرج شديد وهو يضع الملعقة بطعامه قبل أن ينظر له:
-بصراحة يعني يابني إحنا كنا خايفين منكم ومقلقين كلنا على مروة... يعني هتروح بيت منعرفش فيه حد وكمان السبب مش طبيعي بس الحمدلله أنتَ طلعت راجل تقدر تصون بنتي، لحد النهاردة مروة عمرها ما اشتكت وباين على وشها السعادة 
ابتسمت بسعادة وهي ترى والدها يمدحه فهو محق للغاية بكل كلمه قالها ولكن لم يقول أن العشق حليفهم الآن، أخفضت يدها إلى أسفل الطاولة لتتمسك بيده بشدة وهي تبتسم بوجهه، بينما هو تصنع الابتسامة رغمًا عنه، لم يكن قادرًا على فعلها، الرجل يمدح به، يقول أنه رجلًا، يقول أنه صان ابنته، ألا يدري ما الذي يريد فعله بها إلى الآن؟، ألا يدري أنه لا يختلف شيئًا عن السارق، لقد أتت الكلمات بمقتل عن حق، فهو لا يريد أن يستمع إلى أي من هذه الكلمات التي تمدح رجولته فليس عنده ذرة منها من الأساس، يكاد يختنق صدره على قلبه ليسحقه أسفله ويلقى حتفه..
سحب يده الذي قبض عليها بشدة من أسفل يدها وتؤكد هي بتلك الفعلة على حديث والدها.. أنه ليس كذلك!
استغربت فعلته فنظر إليها في محاولة منه أن يبتسم ويلقي كل شيء خلفه الآن حتى لا يلاحظ أحد ما يحدث معه وقد اقتنعت هي بعد أن قال بجدية:
-الحمدلله شبعت.. سفرة دايمه، تسلم ايدك يا ميار 
ابتسمت له بهدوء وأجابته قائلة:
-بالهنا والشفا 
وقف على قدميه ثم ذهب إلى غرفة الصالون بعد أن استأذن منهم، لينفرد بضميره ويخرسه حتى لا يكتشف أحد أمره أو تلاحظ زوجته ما يحدث له وتمطر فوق رأسه أسئلة لا يعلم لها إجابة..
ذهب خلفه والد زوجته ليجلس معه بينما بناته منهم من تصنع الشاي للجميع والأخرى تضع محتويات السفرة بمكانها المناسب داخل المطبخ..
أتت "مروة" بصينية الشاي وخلفها شقيقتها التي قدمت لوالدها الشاي وجلست جواره بعد أن وضعت "مروة" الصينية على الترابيزة أمامهم وفعلت شقيقتها المثل لزوجها وجلست جواره..
تحدث "نصر" قائلًا بجدية وهو يسأل زوج ابنته:
-هو كل شغلك هنا في المصنع يا يزيد؟
أجابه بفتور معتقدًا أنه يتبادل معه الحديث فقط:
-آه
نظر الآخر إلى ابنته وقد عاود نظره إلى زوجها وتحدث بجدية قائلًا:
-أنا عارف من قبل جوازك من مروة أنك شغال هنا وليك بيت كمان وكنت عايش فيه.. ليه مرجعتش تعيش هنا أنتَ ومراتك؟ أظن العيشة هنا أحسن ليك ولمروة كمان 
ترك الكوب من يده ثم نظر بانزعاج إلى زوجته والذي أعتقد أنها من قالت لوالدها أن يقول ذلك حيث أن آخر نقاش بينهم حذرها من أن تتحدث بهذا الأمر، أعاد نظره إلى والدها وتحدث بجدية شديدة: 
-لأ مش أحسن ولا حاجه أنا بتابع شغلي عادي ومروة كمان عايشة كويسة معانا.. إن شاء الله هنيجي هنا لكن لما ظروفي في الشغل هناك تتحسن شويه 
شعرت باختلافه في الحديث عن زي قبل نظرت إلى والدها الذي وجدته يهز رأسه إليه متفقًا معه، قالت بهدوء وابتسامة:
-تعالى يا يزيد شوف البيت واوضتي.. عن اذنك يا بابا 
ذهبت معه إلى غرفتها، دلفت معه وأغلقت الباب خلفها فلم يعطيها فرصة للحديث وقال هو بانزعاج:
-أنتِ اللي قولتي لوالدك يقولي كده صح؟
نظرت له باستغراب ودهشة فهي لم تتحدث مع والدها بشيء وهو فقط كان يتجاذب معه الحديث، قالت بنفي:
-لأ مش صح أنا مقولتش حاجه 
ابتسم بسخرية وهو يتجه ليجلس على الأريكة التي بالغرفة وتحدث بتهكم قائلًا:
-لا يا شيخة عايزه تفهميني أنه هو اللي قال كده من نفسه!
اتجهت ناحيته ووقفت أمامه تنظر إليه بضيق من حديثه وأفعاله غير أنه لا يصدقها، قالت بحنق وانزعاج:
-آه يا يزيد هو اللي قال من نفسه والمفروض لما أقولك حاجه تصدقني أنتَ عارف إني متعودتش على الكدب 
وقف أمامها وتغاضى عن الأمر برمته متحدثًا بهدوء وجدية تُحي ملامحه: 
-ماشي يا مروة مصدقك.. أظن لازم نمشي بقى قدامنا طريق طويل وسفر من هنا للبلد، أنتِ قاعدة معاهم طول اليوم وادينا المغرب أهو
استغربت حديثه ولكنها كانت متوقعة ذلك، تحدثت باستنكار وهناك ما تخطط له: 
-ايه ده هو إحنا هنمشي؟
نظر إليها بهدوء وتحدث مُجيبًا إياها بجدية شديدة: 
-آه لازم نمشي 
اقتربت منه بغنج ليس واضحًا له ولكنها كانت تعلم ما الذي ستفعله حتى يرضخ لما تريد هي، وضعت يدها على صدره وسارت يدها تعبث بشكل غير واضح:
-طب ما تخلينا لبكره
وضع يده على يدها الاثنين الذين يعبثون به وتحدث بتوتر وقد فهم ما ترمي إليه:
-مش هينفع يا حبيبتي لازم نرجع 
اقتربت منه أكثر وجذبت يدها من أسفل يده، أخذت تفتح له أزرار قميصه الأبيض وهي تتمايل أمامه بجسدها وتحدثت بخفوت وصوتٍ تعلم جيدًا أنه يروق له:
-بس أنتَ مشوفتش اوضتي ولا أي حاجه فيها
رفع نظره وعينيه الذي تريد أن تخرج من مكانها في أنحاء الغرفة ليرى فراش في المنتصف ومرآة، وهناك أريكة أيضًا والكثير من اللوحات المعلقة على الحائط، لم يستطيع التركيز بسبب يدها الذي فتحت كل أزرار قميصه وسارت تعبث بصدره العاري، أمسك بيدها سريعًا بعد أن اندلعت النيران بداخله..
تحدث بمكر وخبث غامزًا لها وهو يلهث بعنف بسبب ما فعلته به:
-اللي بتعمليه آخرته وحشه.. علشان مش هعرف أعملك حاجه هنا لما نرجع بيتنا هردلك كل ده 
أجابته وهي تعلم إلى أين يذهب حديثه وستستمر إلى أن تصل إلى ما تريد وهو المكوث هنا إلى بضعة أيام بعيد عن كل شيء في منزله: 
-طب ما ترده هنا ايه اللي مانعك
نظر إلى الفراش خلفها ثم أعاد نظره إليها من جديد وتحدث بخبث قائلًا وهو يشير بعينيه إليه:
-السرير ده جامد؟
توردت وجنتيها بالحمرة ولكن أكملت فيما بدأته متغاضيه عنها وهي تجيبه بغنج:
-أوي أوي
ابتسم باتساع بعد أن وضع يده على وجنتها مستدير بها ليجعلها تستند على الحائط وهو أمامها وتحدث بخبث: 
-مش اللي في دماغك يا أستاذة أنا أقصد يعني بما أنه سريرك هيشيل شخصين ولا لأ 
ابتسمت هي الأخرى وأجابته بهدوء وهي تلوي شفتيها: 
-يشيل أربعة وعشرين شخص لو عايز 
اندلعت ضحكاته في الغرفة عندما قالت هذه الكلمات ليصحح لها غامزًا بعينيه ومقصده ماكر خبيث:
-أربعة وعشرين حصان قصدك؟
قُتلت الكلمات في فمها حيث أنه سأل ولم يعطيها الفرصة لتُجيب ملبي لها طلبها في المكوث هنا أكثر وأخذًا ما وجدته هي يناسبه لتغريه، أخذًا منها لحظات العشق والغرام التي لا يعرفها سوى المتزوجين المحبين لبعضهم، لا يعرفها سوى العاشق لزوجته، أخذًا منها ما يريد ويعطي لها لحظاتٍ لا تُنسى برفقته، لحظاتٍ تروي ظمأ عاشته في مقتبل زواجهم
"اليوم التالي"
جلست جوار شقيقتها في الشرفة ينظرون على المارة من أسفلهم، تتحدث كل منهن وتروي للأخرى ما يدور معها، ارتشفت "ميار" من فنجان القهوة وتحدثت سائلة إياها باستغراب بعد أن استمعت حديث شقيقتها الغريب عليها:
-للدرجة دي بتحبيه؟!
أخذت الأخرى نفس عميق وزفرته بهدوء مُجيبة إياها وهي تقف على قدميها متقدمة من سور الشرفة:
-بحبه؟ يزيد كلمة حب قليلة عليه 
وقفت شقيقتها متقدمة منها وهي تبتسم مستغربة تبدل حال "مروة" هكذا وعلامات الاستفهام على وجهها أيضًا فتحدثت "مروة" مرة أخرى:
-بقيت بموت فيه.. بعشقه، حاجه كده كبيرة أوي أوي
استمعت إلى سؤال شقيقتها التي هتفت بجدية:
-كل ده امتى وإزاي؟
داعبت نسمات الهواء خصلاتها الذهبية مبعثرة إياهم لتزيحهم للخلف وتحدثت قائلة بهدوء:
-مش عارفه.. يمكن لما حسيت معاه بالأمان في وسط عيلته، لما حسيت أنه بيدافع عني قصاد الكل، ولما شفت الحب ليا في عيونه.. عمري ما كنت أتخيل أن ده يحصل ولا إني أحب كده بس يزيد مختلف.. مختلف أوي كنت بشوفه الأول متكبر ومغرور وكلامه سم
ابتسمت بسخرية بعد أن وقفت هنا وأكملت مرة أخرى بتهكم:
-ومازال سم بردو بس لما يتعصب.. هو طيب وحنين وشهم وعمره ما ظلمني حتى لما بيغلط لو طَول في العتاب في الآخر بيرجع.. أنتِ مصدقة اللي أنا بقوله؟ أنا حبيته لدرجة متتوصفش 
ابتسمت "ميار" وادمعت عينيها فرحًا شديدًا لها ولشقيقتها، تحدثت قائلة لها بحماس:
-النصيب.. كنتوا مكتوبين لبعض ومكتوب أن ده يحصل 
ابتسمت "مروة" بسعادة وهي تتذكره بكامل تفاصيله، ملامحه الوسيمة الرجولية، كلماته وصوته الأجش الذي يقشعر له الأبدان، جسده وملابسه كل شيء به يجعلها تتذكر السعادة والفرح لا شيء غيرهما..
تحدثت "ميار" بعد أن ترددت كثيرًا في سؤالها ذلك ولكن هذا الوقت المناسب لترضي ضميرها ولتعيش حياة سعيدة خالية من الشكوك كما قالت صديقتها:
-طب و... وتامر نستيه؟ 
استدارت إليها " مروة" بجسدها وتحدثت بجدية مُجيبة إياها بعد أن استنكرت حديثها:
-نسيته؟.. أنا أصلًا محبتش تامر يا ميار، أنا قولتلك أعجبت بيه زي أي راجل كان ممكن يتقدملي وأعجب بيه وكمان من يوم ما يزيد دخل حياتي وهو بالنسبالي أخويا مش أكتر من كده 
ابتسمت "ميار" بهدوء خافية مشاعرها عنها وكم السعادة التي داخلها الآن وتحدثت مرة أخرى معللة حديثها السابق:
-أصله كان قالي أنه بيكلمك موبايلك مقفول أو مش بتردي تقريبًا علشان يطمن عليكي
عادت وجلست مرة أخرى مكانها وأردفت بهدوء:
-ما أنتِ عارفه أن يزيد غيرلي الرقم علشان الرسايل اللي كانت بتيجي، وبصراحة طلب مني مديش الرقم لتامر ولا أكلمه ومحبتش أعمل حوار بينا خصوصًا أن خلاص يعني هو أكيد مش فاضي ولا أنا
-آه معاكي حق.. طب وأهله عاملين معاكي ايه؟
لوت شفتيها وتحدثت بعد أن تذكرتهم جميعًا وكأنهم يقفون أمامها الآن:
-عيلته بالنسبة ليا يسرى 
جلست جوارها "ميار" بعد أن ابتسمت بمرح وأردفت قائلة:
-بكلمها على طول دي جميلة أوي وروحها حلوة
اومأت إليها "مروة" بتأكيد فسألت مرة أخرى:
-والباقي 
أجابتها بسخرية وتهكم:
-لأ دول فريق تاني بس عادي أنا مش بتعامل معاهم خالص ولو حصل حاجه يزيد مش بيسيب حقي
ابتسمت شقيقتها ثم ربتت على يدها الموضوعة على قدمها وتحدثت قائلة بابتسامة عريضة:
-ربنا يخليكم لبعض
أجابت مرددة خلفها ومستكملة حديثها وهي تنظر إلى الساعة بيدها لتراه قد تأخر عليها 
-يارب.. مش عارفه أتأخر في المصنع ليه كده، المفروض يجي علشان نروح المعرض ويشوفه 
-زمانه جاي متقلقيش 
زفرت بضيق وهي تقول:
-بيستغل وجودنا هنا علشان يشتغل
___________________
بعد أن فتح لها باب المعرض دلفوا سويًا إلى الداخل، أنه مغلق منذ فترة طويلة، منذ أن تزوجت منه وربما قبله بأيام أيضًا.. فتحت الأنوار لترى كل شيء بوضوح، لترى معرض الرسومات واللوحات الخاصة بها الذي أغلقته فقد من أجل الزواج منه..
نظر هو في أنحاء المكان بعينيه، رأى كثير من اللوحات المعلقة على الحوائط ولكن عليها الكثير من الأتربة وخيوط العنكبوت في جميع زوايا المعرض، الأتربة على الأرضية أيضًا والمقاعد الجلدية ذات الألوان الباهتة بسبب كثرة الأتربة عليها..
نظر إلى زوجته بعد أن أخذ تلك الجولة بعينيه ليرى الدموع متكونه داخل جفنيها تهدد بالفرار إلى الخارج.. ذهب ليقف جوارها وأحاط جسدها محتضًا إياها بذراعه الأيمن متحدثًا معها بلين وهدوء معتذرًا منها:
-أنا آسف
نظرت إليه بـ زُرقة البحر المتواجد داخل عينيها وبه بعض اللؤلؤ الصغير متسائلة باستغراب لما يعتذر، سألته قائلة بجدية:
-بتعتذر ليه؟
أدارها إليه لتقف أمامه بجسدها فوضع يده الاثنين على كتفيها قائلًا بندم على ماحدث لها بسببه:
-علشان الحالة دي بسببي أنا.. والمعرض اتقفل بسببي 
ابتسمت بسخرية شديدة على حديثه الغريب فلو كان حدث ذلك منذ أن كانت مراهقة لوافقت عليه وخصوصًا بعد أن علمت من هو:
-ولو رجع بيا الزمن تاني هعمل كده.. دا أنتَ النصيب الحلو والعوض الجميل، أنتَ بالنسبالي أهم من مليون معرض يا مجنون 
من المفترض أن تُسعد قلبه هذه الكلمات، ولكن هو كلما رآها تحبه بهذا الشكل وتتخلى عن كل شيء لأجله يعبث ضميره معه من جديد وليس هناك ما بيده يفعله أما أن يقول هو لها ولن تنتظر معه دقيقة واحدة وهذا مؤكد وأما أن يرفض طلب عائلته ويقولون هم لها وهذا الأسوأ وأيضًا لن تنظر بوجهه مجددًا وأما أن يفعل ما طلبوه ويبدله لها بماله الخاص ويأتي لها بضعف ما يأخذه ولكنها لن ترضى بخروج عمها من أرضهم ولن ترضى بإعطاء منزلها لعائلته..
نظرت إليه باستغراب بعد أن وجدته شرد منها فتحدثت وهي تترقع بيدها أمام وجهه سائلة إياه:
-مالك سرحت فين 
-فيكي
قالها بحبٍ بعد أن أخرج كل شيء من عقله مستمتعًا معها وحدها، تحدث مرة أخرى والعشق ينفرط من عينيه وكلماته:
-سرحت فيكي وفي كلامك... أنا بحبك وأنتِ بالنسبالي أهم من أي حد في الدنيا دي كلها 
استكمل مرة أخرى بجدية قائلًا وهو يشير إلى المكان من حوله:
-المكان ده محتاج إعادة تدوير
ابتسمت بهدوء قائلة وهي تبتعد عنه تدلف إلى الداخل لترى كل شيء:
-لأ مش للدرجة دي.. أنا هنزل اللوح من على الحيطة وامسحها وهكيسها واشيلها من هنا وهنضف المكان وبس 
أقترب منها هو الآخر بعد أن استمع حديثها وأردف هو الآخر بجدية سائلًا:
-طب وليه هتشيلي اللوح؟
-مهو أكيد مش همسحها واحطها تاني كده هتبوظ خالص 
حك فروة رأسه من الخلف بيده وهو يفكر في حل ما يجوز لها ولا تغلق المعرض مرة أخرى، تحدث بحماس بعد أن ابتسم:
-طب ما تفتحي المعرض..
ابتسمت هي الآخر بسعادة غامرة وقد دقت الفرحة قلبها معتقدة شيء ما غير ما يقوله هو، سألته بسعادة قائلة وهي تقترب منه:
-بجد؟ ممكن افتحه زي زمان.. يعني هنعيش هنا؟
عبثت ملامح وجهه فقد فهمت حديثه بالطريقة الخطأ أو ربما الطريقة التي تجدها تناسبها، تحدث بهدوء وجدية قائلًا:
-لأ أنا أقصد أن حد يقف فيه وكده كده أنتِ بترسمي هناك على طول وكل فترة الرسومات اللي جاهزة اجبهالك هنا أو لما نيجي زيارة مثلًا 
عبثت ملامح وجهها أيضًا وتقدمت من الحائط تُزيل اللوحات من عليه مُجيبة إياه بهدوء:
-لأ أنا مش عايزة حد يقف فيه
أجابها بفتور وهو يتقدم منها يساعدها فيما تفعل فلا يريد أن يطول الحديث ويدخلون في أمور أخرى:
-براحتك
تحدثت متسائلة بجدية وهي ترسم ابتسامة مقتضبة: 
-ايه رأيك فيه بعيد طبعًا عن الحالة دي 
أجابها هو الآخر مبتسمًا بهدوء وهو ينظر إلى المعرض مرة أخرى:
-جميل ومساحته حلوة جدًا 
ابتسمت له بهدوء وبدأت في زيل كل اللوحات بمساعدته لها وتضعهم في أكياس كبيرة للحفاظ عليهم، ثم بدأت معه في تنظيف المكان وتنظيمه على الوضع الجديد، تحت نظرات الحب منه وكلمات الغزل الواضحة..
بعد فترة طويلة ربما كانت أكثر من ثلاث ساعات جلست معه على الأريكة الجلدية ذات اللون الأسود الذي عاد إليها بعد أن نظفتها "مروة"..
تحدثت بـ إرهاق وهي تنظر إليه معتذرة منه:
-معلش تعبتك معايا 
-تعبك راحة يا جميل 
قال جملته البسيطة مبتسمًا ليعجل الابتسامة تعتلي ثغرها هي أيضًا ثم أرتفع صوت هاتفه الذي يعلن عن مكالمة ما، أخرج الهاتف من جيبه ورأى أنها "ريهام" من تتصل فلم يريد أن يجيبها أمام زوجته حتى لا تنزعج فذهب إلى الخارج ليجيبها..
نظرت إليه بعد أن خرج باستغراب ثم وقفت على قدميها تنظر إلى المكان بعناية لتتذكر كيف كان وكيف أصبح الآن، أخرجها من تفكيرها ذلك الشخص الذي وجدته يدلف إلى الداخل مبتسمًا بهدوء ثم تحدث قائلًا بتساؤل:
-أستاذة مروة؟
-أيوه أنا.. اتفضل 
بينما وقف "يزيد" على الجانب الآخر أمام المعرض يتحدث في الهاتف مع "ريهام" عن بعض الأمور التي تحتاجها في المصنع.. نظر من بعيد عليها داخل المعرض وقد وجدها تقف مع شخص ما تبتسم بسعادة أو ربما تضحك، وهو يزين ثغره ابتسامة بلهاء ذلك الأحمق..
أغلق الهاتف بوجه "ريهام" بعد أن اشتعلت النيران داخله بسبب وقفتها مع ذلك الشخص الغريب وضحكتها أيضًا معه، تقدم حتى يذهب إليهم وقد وجده يصافحها وذهب إلى الخارج مقابلًا له..
وقف أمامه ينظر إليه بضيق وبداخله غضب شديد ليسأله بهدوء مناقض لحالته تمامًا:
-أنتَ مين.. قصدي تعرف مدام مروة منين 
استغرب الآخر سؤاله الغير منطقي وتوتر من نظرته الهادئة تلك مع ملامحه المُرتسم عليها الضيق فتحدث بجدية قائلًا:
-مروة صاحبتي.. قصدي كانت صاحبتي في الكلية، عن اذنك 
سريعًا ذهب من أمامه بعد أن أنهى مهمته الذي وجدها صعبة كثيرًا، نظر "يزيد" إليه ليراها قد اختفى بعيدًا في وسط السيارات التي تمر من جوارهم..
تقدم ليذهب إليها، دلف إلى المعرض ولم يُمهلها الفرصة للتحدث قائلًا هو بتساؤل:
-مين ده؟
جلست مرة أخرى على الأريكة وتحدثت بهدوء مجيبة إياه:
-كان بيسأل عن لوحة معينة هنا، قالي أنه جه أكتر من مرة بس كان المعرض مقفول 
نظر إليها باستغراب وليس شك فيكفي شك بها إلى الآن، تحدث باستنكار متعجب قائلًا:
-بس هو مقاليش كده!
وقفت تنظر إليه باستغراب شديد وسائلته وهي تبتسم بسخرية:
-اومال قالك ايه 
-قالي مروة صاحبتي من الكلية وبعدين مشي
استغربت حديثه مرة أخرى وأجابته بهدوء وجدية:
-لأ خالص أنا أصلًا أول مرة أشوفه هو ممكن اتلغبط... أو كان معايا فعلًا فقال كده هو شكله في سني بردو وكمان كلامه بيقول أنه فاهم في المجال 
سألها بضيق وهو يشير بيده إليها وقد عبث برأسه حديثها:
-أيوه يعني أنا أفهم ايه؟
أعتقدت أنه عاد مرة أخرى ليشك بها وبحديثها، وقد رأت غضبه وضيقه بسبب اختلاف الحديث، أردفت بانزعاج وجدية:
-معرفش بس أنا بردو معرفوش، أنتَ بتشك فيا ولا ايه؟
تحدث سريعًا ليتفادى أي شيء قريب من هذا الأمر قائلًا بجدية بعد أن جعل وجهه يعود لطبيعته:
-لأ طبعًا أشك فيكي ده ايه.. أنا بثق فيكي وفي كلامك أكتر من نفسي 
ابتسمت بسعادة بعد أن استمعت لكلماته ولم تتحدث هي فوجدته يقول بجدية مرة أخرى:
-يلا نمشي بقى علشان نلحق نوصل المنيا أنتِ لسه هترجعي بيتكم 
اقتربت منه بهدوء ثم وقفت أمامه، وضعت يدها على صدره العريض وأرادت التحدث ولكنه أنزل يدها إلى الأسفل مرة أخرى متحدثًا بجدية:
-اتكلمي من غير الحركات دي لأن طلباتك مش مربوطة بكده يا مروة وده مش غرضي خالص 
نظرت إليه بخجل فهي حقًا كانت تفعل هكذا ليرضخ لطلبها مرة أخرى، أخفضت وجهها إلى الأرضية فرفعه هو سريعًا قائلًا مرة أخرى:
-ولو طلبك أننا نقعد تاني في بيتكم فده مش هيحصل لأني بصراحة مرتحتش وأنا قاعد في بيت مش بتاعي بس عملت ده علشانك 
تحدثت سريعًا مجيبة إياه بحماس ظهر بعينيها الذي كانت تموت خجلًا منذ لحظات:
-لأ في بيتك أنتَ
سألها باستنكار متعجبًا:
-ايه؟
تحدثت بحماس مرة أخرى وهي تقترب منه أمله أن يوافق ويجلسون هنا لبعض الوقت:
-ايه بقولك هنقعد في بيتك اللي هنا.. نرتاح شوية من الضغط ومن البيت وقعدتي لوحدي في غيابك.. فرصة تتابع شغلك ونفصل شوية أرجوك وافق.. أرجوك علشان خاطري، والنبي والنبي يا يزيد 
جعلها تصمت واضعًا يده على فمها قائلًا لها بابتسامة ساخرة:
-خلاص في ايه!.. هو راديو وانفتح في وشي 
سألته بتوجس وهي تنظر إليه بنصف عين قائلة:
-يعني موافق؟
نظر إليها بجدية شديدة وتصنع التفكير ثم قارب على نطق رفضه وقد استشعرته هي ليخيب أملها ويقع قلبها بين قدميها ولكنه سريعًا قال:
-طبعًا موافق
لم تمهلة الفرصة بعد ذلك لقول أي كلمة فقد قفزت عليه محتضنة إياه بيدها الاثنين تضعهم خلف عنقه وتحيط جسده بقدميها تقبله بفمه قبلة سريعة.. بينما هو ترنح للخلف من مفاجآتها ووضع يده الاثنين خلف خصرها يتمسك بها بشدة.. وجدها تقبلة سريعًا وتبتعد عنه ولكنه لم يجعلها تحذر فأخذ شفتيها بقبلة شغوفة.. 
-بحبك أوي يا زيزو يا قمر أنتَ
سألها بدهشة وبصوت أجش يداعب وجهها وأنفاسه تستنشقها لقربه الشديد منها:
-للدرجة دي فرحانه؟
أجابته بسعادة كبيرة وبرقة بالغة وهي تعبث بخصلات شعره حيث أنه مازال يحملها:
-طبعًا فرحانه مش هقعد معاك لوحدنا؟.. بعيد عن الدوشه والكلام الكتير، بعيد عن كل حاجه هقضي وقت جميل مع حبيبي إزاي مش هبقى فرحانه بقى؟
وضع قبله صغيرة على شفتيها قائلًا لها بجدية بعد أن اقتنع بحديثها:
-عندك حق.. طيب إحنا هنروح فين دلوقتي؟
-هنروح عندنا أعرفهم أننا هنروح بيتك واجيب هدوم ليا وحاجتي.. صحيح أنت عندك هدوم هنا؟
أومأ بالايجاب قائلًا: 
-آه في البيت
اومأت إليه والسعادة تغمر قلبها بقربه منها، احتضنته بشدة وهي تشعر بدفء أحضانه، وتستنشق رائحته الرجولية المميزة الخاصة به وحده، بينما هو شدد من احتضانه لها وقلبه يرفرف لسعادتها تلك.
____________________
ذهبت معه إلى منزل والدها لتأخذ ما تريده من هناك، وبالفعل حدث، أخذت بعض الملابس الذي وجدتها تناسب التواجد معه في المنزل، وأخرى تناسب الخروج لم تكن تناسبها كثيرًا لأنها ملابسها قبل الزواج ولكن تدبرت الأمر فهي لم تستطيع أن تجلب ملابس معها من منزله حتى لا يعلم ما الذي كانت تنويه..
أخبرت والدها أنها ستذهب مع "يزيد" إلى منزله لبضع أيام ثم العودة مرة أخرى إلى منزله ببلدتهم، ولم يضغط عليهم بالتواجد بمنزله حتى يكون على راحته مع زوجته بمنزله هو..
أخبرته أيضًا أن يُسلم على شقيقتها حيث أنها كانت في عملها بالصيدلية الخاصة بها، ذهبت بعد أن ودعته هي و "يزيد"..
"بعد نصف ساعة"
وصل "يزيد" إلى العمارة التي يقطن بها وصف سيارته أسفلها حتى تترجل "مروة"، نظرت هي إليها من النافذة وجدتها عمارة شاهقة عالية للغاية ومظهرها يوحي بالرقي والغناء أيضًا، نظرت إلى المكان ووجدته به كثير من العمارات المتشابهة، عادت نظرها أخيرًا إلى زوجها متحدثة بحماس:
-المكان تحفه
ابتسم بوجهها متحدثًا بهدوء وهو يفك حزام الأمان عنه:
-طب يلا ننزل 
سألته باستغراب فلا يوجد سيارات أو أي شيء مصفوف هنا على الطريق:
-أنتَ هتسيب العربية هنا؟
-لأ هركنها في الجراش 
قالت باستنكار ودهشة متعجبة من حديثه الغير متزن:
-طب ما تركنها مرة واحدة أنتَ هتطلع وتنزل تاني علشان تركنها 
ابتسم مرة أخرى وتحدث بجدية قائلًا وهو يشير إليها: 
-لأ هطلعك البيت وهنزل أجيب شويه طلبات لأنه فاضي تمامًا وبعدين هركنها لما ارجع، فهمتي يا مروتي 
اومأت إليه فأشار إليها برأسه حتى تترجل ففعلت وهو الآخر ترجل من السيارة متقدمًا ناحيتها بعد أن جلب حقيبتها المتواجد بها الملابس ليدلف إلى الداخل، قابلهم رجل في منتصف الخمسين من عمره مبتسمًا بسعادة مرحبًا بـ "يزيد" بحرارة: 
-يا مرحب يا مرحب مصر كلها نورت يا يزيد بيه
ابتسم "يزيد" وهو يصافحه مجيبًا إياه:
-بنورك يا عم سعيد.. عامل ايه 
-في فضل ونعمه من عند ربنا يا بيه وكله من خيرك 
أردف "يزيد" بهدوء قائلًا:
-لأ متقولش كده ده خير ربنا... معلش يا عم سعيد هات النسخة اللي معاك من المفتاح علشان نسيت نسختي 
هرول إلى داخل غرفة صغيرة وهو يقول بعجلة:
-من عنيا يا بيه 
سريعًا أتى بهم مقدمهم إليه، أخذهم منه "يزيد" وتحدث مرة أخرى قائلًا وهو يشير إلى زوجته:
-مروة مراتي يا عم سعيد هنقعد معاك هنا كام يوم ونرجع البلد تاني 
تحدث وهو ينظر إليها باحترام قائلًا بلهفة وحب:
-يا ألف نهار مبروك.. مصر منورة يا ست هانم 
ابتسمت إليه بسعادة وحب تبادلة إياه فقد وجدته رجلًا بشوش محب:
-ربنا يخليك 
أخذها "يزيد" بعد أن استأذن منه قائلًا له أيضًا أنه سيهبط إليه مرة أخرى، دلف إلى المصعد الكهربائي فتحدثت قائلة:
-شكله بيحبك أوي 
ابتسم بوجهها وأردف بهدوء:
-بيحب كل الناس وبالأخص الكويس معاه وشايفه يعني 
اومأت إليه بهدوء ثم وصل المصعد إلى الدور الذي به بيته، خرج منه معها ثم وضع المفتاح بالمزلاج فسألته باستغراب:
-هو ليه معاه نسخة من المفتاح صحيح
-علشان يجيب حد ينضف البيت ويهويه كل فترة 
فُتح الباب ثم جعلها تدلف ودخل هو خلفها بعد أن أخذ المفتاح مرة أخرى ووضعه بجيبه ووضع الحقيبة على الأرضية جواره، دلفت إلى الداخل توزع نظرها بالمنزل وقد كان رائع وهذه الكلمة قليلة لوصفه.. أثاثه الظاهر لها راقي كثيرًا وأحدث شيء رأته، يتماشى لون الحوائط مع المفروشات ومع الأثاث هناك صور ولوحات معلقة تعطي مظهر رائع وبعض المزهريات والتحف الموضوعة على الأثاث، المطبخ يظهر لها فهو مفتوح على الخارج..
سارت للداخل لترى الغرف وظهر لها أنهم أربعة غرف ربما، عادت مرة أخرى وهي تنظر إليه بأكمله فبدا لها كبير للغاية ومساحته رائعة وكل شيء به رائع..
تحدث "يزيد" قائلًا بجدية بعد أن وقف أمامها وهو يشير إلى إحدى الغرف بالداخل:
-دي الاوضه اللي هنام فيها، اوضتي خدي حاجتك حطيها هناك واكتشفي المكان على ما أنزل أجيب شوية حاجات من السوبر ماركت.. مش عايزة أجبلك حاجه؟
اومأت إليه بالرفض مبتسمة ثم قالت بهدوء:
-متتأخرش بس 
-حاضر
قالها ثم استدار مرة أخرى وخرج من المنزل بينما هي أخذت تقفز بسعادة فـ أخيرًا ستحظى ببعض الوقت بعيدًا عن الجميع وربما تسير خطتها كما هي وتجعله يطلب من نفسه المكوث هنا دائمًا
شهرًا كاملًا قد مر عليهم في منزله البعيد كامل البعد عن أهله وأهلها، عن الكلمات والثرثرة من الجميع، بعيد عن كل أفعالهم وأقوالهم، فقط هم الإثنين معًا وليس هناك أحد آخر، وماذا كان؟ لم يكن غير شهر السعادة بالنسبة إليهم، كلاهما أرادوا المكوث هنا إلى بقية الحياة..
شعر "يزيد" أنه أبتعد عن كل شيء يرهقه ويفكر به، كلمات أخيه، والدته، عمه، بعيد عن كل شيء يزعجه ليقابله بجلسته مع من أحبها قلبه، جلسة مليئة بالحب والمشاعر الجياشة، شعر وكأنه لمس السماء بيده وأخذ منها نجمة فريدة من نوعها، أراد لو بقى طوال العمر هنا في هذا المنزل بعيد عن كل شيء فقط يبقى بين يدها وفي الليل بعد يوم طويل به عمل مرهق يخبئ نفسه داخل أحضانها، فقط لو يتحقق ما يريد!.. سيفعلها.. قريبًا سيفعلها رغمًا عن أنف الجميع فهو لن يستريح بحياته كما تفعل هي معه..
وهي أيضًا لم تقل عنه بشعور السعادة بل تفوقت عليه، أن يبقى معها شهرًا كاملًا دون أن يتحدث عن العودة هذا إنجاز عظيم، أن يذهب إلى عمله في الصباح ويعود جالسًا معها إلى اليوم التالي فهذا كمٍ من السعادة المتراكمة، أن يغدق عليها بحنانه وحبه هذا الفرح الذي دق قلبها، وأن يأخذها في كثير من الليالي للسير سويًا فهذا لا تريد بعده شيء، رأت أنه أحب المكوث معها بعيد عن الجميع، رأت الرغبة الملحة بعينيه على الإستقرار هنا ولكن لا تدري ما سبب رفضه، كثير من السعادة مرت عليها في هذا الشهر لنجاح ما كانت تريده وما مر به معها..
               ____________________
دلفت قبله إلى داخل بيتهم المليء بالحب والعطاء، بينما دلف هو خلفها مغلقًا الباب بهدوء، تقدمت إلى الداخل ثم جلست على الأريكة ورفعت قدمها اليمنى على اليسرى وأخذت تفك رباط حذائها ذو الكعب العالي والذي سبب الآلام لقدميها، بعد أن زالته عنها رفعت الأخرى وفعلت المثل ثم عادت بظهرها للخلف وهي تزفر براحة بعد أن جعلت قدميها تستريح من هذا الحذاء الغريب..
نظر إليها مبتسمًا بعد أن وضع مفاتيحه في مزهرية جوار الباب متقدمًا منها بهدوء شديد، جلس جوارها على الأريكة ثم أمسك قدميها الإثنين جاعلها تتمدد جواره واضعًا قدميها على فخذيه وأخذ يدلكهم إليها بهدوء وحنان ناظرًا لها والابتسامة لا تفارق شفتاه..
أردف بهدوء وهو يعمل كما هو متسائلًا بجدية وهو ينظر إليها:
-بتوجعك أوي؟
فتحت عينيها الذي كانت أغلقتهم منذ أن بدأ في تدليك قدميها، تحدثت مجيبة إياه بضيق:
-لأ ارتحت شوية، هو تقريبًا علشان أول مرة ألبسها 
أجابها هو بتهكم وسخرية وهو يضغط على قدميها:
-لأ وأنتِ الصادقة دا علشان لونها أحمر 
زفرت بهدوء ضاحكة فحديثه ربما صحيح، هتفت وهي تنظر إليه بنصف عين بعد أن أزاحت خصلاتها خلف أذنها:
-عندك حق جيت أفك العقدة بتاعتك قمت اتعقدت أنا.. خصوصًا أخر مرتين ولا لما نزلت بالقميص
ترك قدميها بعد أن أردفت بهذه الكلمات جاعلة إياه يتذكر ما حدث في الليلتان، الأولى الذي تبعها رفضها له والثانية التي تبعها الإبتعاد عنها لمدة أسبوعين وهذا لم يكن كل شيء، تهجمت ملامحه وظهر الضيق عليه وهو يقول:
-وايه اللي جاب السيرة دي دلوقتي؟
وقف على قدميه ليذهب إلى الداخل بعد أن عادت له ذكريات نظرة شقيقه إليها والذي قد قارب على الشفاء منها، أمسكت يده سريعًا متحدثة بلهفة بعد أن جلست على الأريكة:
-في ايه أنتَ زعلت؟، أنا مش قصدي حاجه
سحب يده منها متحدثًا بجدية شديدة وهو يذهب إلى غرفته:
-وهو فيه ايه يزعل.. أنا رايح أغير هدومي 
نظرت إليه وهو يبتعد إلى الداخل، لم تكن تقصد ما تحدثت به فقط كانت بضع كلمات، تعلم أنه لا يريد تذكر تلك المرات وبالأخص عندما رآها شقيقه ولكنها حقًا لم تكن تقصد..
لقد عادوا للتو من عشاء رومانسي كيف لهذا أن يحدث؟، وقفت على قدميها لتذهب خلفه حتى تجعله يلين قليلًا، دلفت إليه الغرفة ووجدته يبدل ملابسه بأخرى بيتية، وقفت خلفه ثم تحدثت بخفوت ونبرة هادئة:
-أنتَ بجد زعلت؟ يزيد أنتَ عارف أنه مش قصدي
استدار إليها بعنف بعد أن استمع لصوتها الخافت البرئ من كل شيء سوى البراءة نفسها، تحدث بحدة وعصبية قائلًا:
-مش قصدك ايه بالظبط أنتِ عارفه اني مبحبش السيرة دي بتفكرني بالمنظر الرخيص اللي شوفتك فيه
نظرت إليه بدهشة وذهول، كلماته البغيضة عادت مرة أخرى فقط لقولها أشياء لم تقصدها؟.. متى كانت على مظهر رخيص؟.. دائمًا يضع الحق فوقها وحتى لو كانت معترفة به.. وهو فقط من يحق له أن يخطئ ويعتذر..
نظرت إليه والدموع خلف جفنيها بفعل كلماته السامة التي يقولها دائمًا، استدارت وعادت لنخرج من الغرفة بعد أن وجدت نفسها ستختنق إذا بقيت أكثر من ذلك، بينما هو لعن بداخله فقد كانت كلماته قاسية يعلم ذلك ولكن أيضًا لم يقصد خرجت الكلمات منه سريعًا دون أن يتحقق في ماهيتها..
ألقى القميص على الفراش ثم ذهب خلفها سريعًا يستوقفها، أمسك بذراعها جاعلًا إياها تستدير إليه في منتصف الصالون حيث كانت متوجهة إلى الشرفة، أغمض عينيه بشدة ثم فتحها متحدثًا بآسف: 
-أنا آسف مقصدش اللي قولته 
خرجت الدموع من عينيها فور استماعها لحديثه، سحبت يدها منه ثم قالت بحدة وهي ترفع إصبعها السبابة في وجهه:
-أنا عمري ما كنت رخيصة يا أستاذ يا محترم ولا عمري ظهرت لأي حد بمنظر رخيص، دي كانت صدفة واظن الموضوع ده خلص 
وضع يده الإثنين على كتفيها متقدمًا منها وأردف بندم واضح:
-خلاص يا ستي أنا آسف والله متزعليش، بس أنا السيرة دي بتعصبني يا مروة 
أبعدت يده مرة أخرى عنها وتحدثت بجدية شديدة:
-هو أنتَ كل ما تتعصب تقول أي حاجه مش بتحسب كلامك خالص، وبعدين لما تقول على مراتك كده الغريب يقول ايه 
ظهر الحنان الذي بداخله مخرجًا إياه وهو يمسح دموعها عن وجنتيها: 
-قطع لسان أي حد يقول كلمة عليكي وقطع لساني أنا كمان.. خلاص بقى أنا آسف وأدي راسك أبوسها 
أنهى كلماته جاذبًا رأسها إليه ليقبله بحب وهدوء معتذرًا عما بدر منه ثم تحدث مرة أخرى وهو ينظر إليها غامزًا بعينيه ومقصده وقح:
-خلاص بقى يعني بقالنا شهر مفيش خناقات هنتخانق دلوقتي.. أنا آسف يا حياتي ورحمة أبويا الحج في تربته ما كنت أقصد 
نظرت إليه بهدوء تدقق في ملامحه ثم هتفت بجدية وحزن مرة أخرى مقررة أن تقول ما في داخلها:
-يزيد أنتَ على طول كده في وقت عصبيتك بتقول أي كلام وأي هبل ومتعرفش تأثيره عليا
رفع كف يدها الأيمن إلى فمه يقبله بحب والآخر مثله بحنان، قبل وجنتها اليمنى ثم اليسرى ومرة أخرى قبل أعلى رأسها متحدثًا بندم:
-أنا آسف قولت.. يارب ينقطع لساني لو قولت حاجه زعلتك تاني، وبعدين مش كفاية سيباني واقف في البرد ده من غير هدوم!
نظرت إليه وجدته يقف أمامها بسرواله الداخلي فقط فتحدثت سريعًا قائلة بلهفة وجدية: 
-ايه ده أنتَ مجنون البلكونة مفتوحة هتاخد برد كده 
غمز إليها متحدثًا معها بمرح حتى تنسى كلماته:
-أنتِ بتستعبطي ما أنتِ اللي موقفاني وفرحانه بمنظري 
جعلته يستدير ودفعته متقدمة معه إلى الداخل وهي تحرك رأسها يمينًا ويسارًا دلالة على ضيقها منه فلو تركته أكثر لبرد حقًا فالجو رطب وقد بدأت ليالي الشتاء..
بعد كثير من الوقت الذي استغرقه في تبديل ملابسه بمساعدتها وعدم جعلها تبدل ملابسها وحدها، فعل كل ذلك فقط حتى يمحي تلك الكلمات التي ألقى بها على مسامعها ولكن هي لن تُمحى بهذه السهولة، استلقى جوارها على الفراش محتضًا إياها أسفل الغطاء الثقيل يبث الدفء إليها..
تحدث وهو يمرر يده بين خصلات شعرها الحريرية سائلًا إياها باستغراب:
-صحيح نسيت أسألك هو الكتب اللي اشترتيها النهاردة دي هتقريها؟
رفعت رأسها تنظر إليه بتركيز فهذا السؤال غبي للغاية ولما قد نبتاع الكتب إلى لقرائتها؟، أجابته بتهكم وسخرية قائلة:
-وهو المفروض يتعمل بيهم ايه؟ ما أكيد هقرأهم 
ضغط على أنفها بأصابعه بسبب تهكمها عليه وتحدث وهو يعبث بخصلاتها كما كان:
-قصدي أنهم كتير يا حبيبتي
أعادت رأسها كما كان في أحضانه وتحدثت بحماس قائلة:
-عادي أنا بحب الكتب جدًا والروايات 
-طب بتقري لمين؟ 
ارتفعت بجسدها لتكن مقابلة له ثم تحدثت بجدية شديدة وهي تسرد له:
-أحمد خالد توفيق وطه حسين ونجيب محفوظ وغيرهم كتير بس الفترة اللي فاتت عرفت كُتاب إلكتروني حلوين أوي زي مروة محمد و.....
استمعت إلى ضحكاته الذي افزعتها فقد أتت دون مناسبة لتراه يتحدث قائلًا بسخرية قبل أن تكمل حديثها:
-وبتقري لمروة علشان على اسمك ولا ايه 
تحدثت بفخر قائلة له:
-منكرش أن ليا الشرف أكون على اسمها بس أنا بقرأ لها علشان هي كاتبة ممتازة وعلى فكرة جبت بين الكتب رواية ليها اسمها يكفيك بعادًا حلوة أوي نقرأها سوا بقى
ابتسم بسعادة وهو يراها تتحدث بشغف وحبٍ شديد فتحدث هو قائلًا بابتسامة:
-عيوني ليكي يا حياتي.. يلا بقى ننام علشان أنا فاصل شحن 
ابتسمت بوجهه فاقترب هو منها مقبلًا جبينها محتضًا إياها دالفًا بها أسفل الغطاء ليذهبوا سويًا في ثبات عميق..
                  ___________________ 
"بعد مرور شهر آخر"
-يوه ياخي هات السمنة دي أحط على الصينية 
قالت كلماتها بضيق وهي تطلب منه منذ ربع ساعة أن يأتي إليها بالسمن الموجود في رف مرتفع لا تستطيع أن تصل إليه
تحدث مُجيبًا إياها وهو يبتسم باتساع على ما تفعله:
-مش لما تعملي العجينة الأول يا مجنونة أنتِ
زفرت بضيق وهي تنظر إليه وإلى ذلك الرف فقد كانت تريد أن تفعل ما يأتي برأسها هي وليس هو:
-ياخي وأنتَ مالك؟
جعلها تغضب أكثر عندما رأته يبتسم بسخرية عليها وعلى ثقتها بما تفعل أمامه الآن:
-ياحبيبتي أنا أعرف أن المفروض العجينة تتعمل الأول ونسيبها شوية وبعدين نفردها لما ندهن الصينية ولا تكونيش بتعملي حاجه غير البيتزا؟..
نظرت إليه مرة أخرى بضيق، لقد طفح الكيل منه، نظرت إلى الدقيق أمامها بجدية ثم عادت نظرها إلى زوجها مرة أخرى، ابتسمت بهدوء قائلة:
-طيب خلاص أنا مكنتش عايزه أعرفك سر الخلطة بس أمري لله هقولك.. تعالى بقى لما أقولك
تقدم منها وهو مندهش هل هناك سر للبيتزا أيضًا؟، وقف أمامها دون أن يُخَوِنَها وعندما وقف في ثانيتها كان قد اصطدم الدقيق كله بوجهه..
عادت هي للخلف وهي تضحك بصوتها كله، فقد أهلكها مظهره الذي بدا كالمهرج، ضحكاتها لم تهدأ حيث وضعت يدها على بطنها وخرجت الدموع من عينيها..
بينما هو لم يتخيل أن تفعل به ذلك، احتل الغضب ملامحه ونظر إليها بحدة وعصبية متحدثًا بجدية:
-أنا يتعمل فيا كده يا مروة؟
وضع يده على وجهه يزيل بقايا الدقيق عنه وهو ينظر إليها وهي مازالت تضحك، نظر إليها بخبث بعد رأى واستمع إلى ضحكاتها:
-طيب أنا هعرفك 
تقدم راكضًا منها ليمسك بها ولكنها لم تمهلة الفرصة حتى ذهبت راكضة هي الأخرى من أمامه خارجة من المطبخ تركض في أنحاء البيت، وقفت خلف مقاعد السفرة تتحدث إليه بتوتر وهو على الجانب الآخر:
-اهدى يا مجنون عَيله وغلطت هتعمل عقلك بعقلها؟ 
ضحك بصوته كله أمامها ثم نظر إليها غامزًا بعينيه متحدثًا بوقاحة:
-عَيله مين يا أم عَيله اومال امبارح بالليل كنتي ايه 
أحمر وجهها وتحدثت بغضب فهو دائمًا يتعمد أن يخجلها وهي تحاول أن تبتعد عن هذه العادة:
-يزيد بطل بقى
تقدم منها بهدوء وتروي متحدثًا فيما لا يروقها حتى يشتت تفكيرها فيما كان يحدث منذ قليل:
-أعمل ايه بقى ما أصل أنا مراتي قمر
-يوه 
زفرت بضيق شديد متناسية أنه يقترب منها إلى أن حاوط خصرها رافعًا إياها عن الأرض متحدثًا بانتصار:
-تعالي هنا رايحه فين؟..
حاولت الإبتعاد عنه ولكنها لم تستطيع، تقدم من الأريكة ثم وضعها عليها معتليها وهو يتحدث بمكر:
-كنا بنقول ايه بقى؟
أجابته وهي تحاول دفعه عنها بقبضة يدها حتى تذهب سريعًا ولكن دون جدوى:
-مكناش بنقول حاجه 
-بذمتك أنا يتعمل فيا كده؟
ضحكت مرة أخرى كما السابق متذكرة مظهره منذ لحظات، أردفت قائلة:
-منظرك كان يهلك من الضحك 
نظر إلى شفتيها التي تسرقه إليها في كل مرة تتحدث أو تبتسم أو أيًا كان ما تفعله، انخفض إليها يقبلها بجنون وكأنه على وشك الموت وهي المنجي له، يقبلها بشغف كبير وكأنها آخر ما تبقى على وجه الأرض، ولم ترفض ذلك هي بل بادلته جنونه الغير طبيعي بصدر رحب متناسية أي شيء آخر..
               ______________________
مرة أخرى وأخرى يجتمعون مع بعضهم، من يريدون تدمير كل شيء جميل لأسباب واهية لم يتحققوا منها..
جلست "نجية" أمام ابنها الكبير ثم قالت متسائلة:
-وبعدين
أجابها ولدها وهو لا يدري أيضًا ما الذي يجب أن يفعلوه:
-مش عارف.. أنتَ رأيك ايه يا عمي؟
تقدم للأمام وتحدث بعد تفكير قائلًا بجدية شديدة: 
-كلمه.. قوله بيقولك عمك لو مرجعتش أعتبر مرتك عرفت بكل حاجه يا ابن الراجحي ويمكن زيادة حبتين 
ظهرت تجاعيد وجه "نجية" وهي تتحدث بكل هذه القسوة:
-اختارنا غلط من الأول.. قولنا يزيد هو اللي هيخلص كل حاجه وأهو داب في عشقها ومش شايف غيرها 
أجابها "فاروق" متحدثًا بجدية:
-البت حلوة يا حجة وأي حد يدوب فيها 
تحدث عمه بصرامة واضحة قائلًا:
-ماهي مرته دلوقت يعمل اللي هو عايزه مقولناش حاجه لكن أنه يحبها لا وألف لا 
وقف "فاروق على قدميه متقدمًا إلى الخارج وهو يهتف بجدية:
-أنا هكلمه وهو هيرجع متخافوش حتى لو أتأخر شوية 
وقف الآخر بعده متقدمًا إلى الخارج مثله قائلًا بهدوء اصتنعه:
-هروح أريح شوية 
ثم دلف إلى الخارج وسار في رواق المنزل ليصعد على الدرج متوجهًا إلى غرفته في ذلك المنزل، دلف إلى الغرفة وأغلق الباب من خلفه، أزال عنه جلبابه ووضعه على المقعد بجوار الباب ثم تقدم للداخل بخطوات ثابتة وهادئة، نظرته لا تعبر عن أي شيء فقط نظرة عادية، جلس على الفراش وهو ينظر إلى صور زوجته وابنه المعلقة على الحائط، لطالما كان هادئ وغامض مثل بعض الحروف في الكلمات لا تظهر ولكن متواجدة وتغير المعنى الحرفي لها، هو كان كذلك منذ أن بدأنا بسرد ما حدث من البداية إلى الآن وظهوره قليل، حديثه قليل، كل ما يفعله قليل ولكن أثره كبير للغاية..
وقف على قدميه ثم تقدم من الحائط وأزال الصور المعلقة من عليه، أمسك بصورة ابنه الراحل "زاهر" ثم جلس على الفراش مرة أخرى وهو ينظر إلى الصورة متحدثًا بحزن وكأنه يتحدث مع شخص ما حقيقي:
-ايه رأيك في أبوك؟ فاضل قليل وهاخد حقك وحق أمك.. هاخد حقكم من أي حد شارك في موتكم ولو بالقليل، جدك وأهو مات وعمك مكنش ليه ذنب بس مات هو كمان النصيب الكبير بقى لعيلة طوبار هموتهم واحد ورا التاني.. ويزيد وفاروق اللي بيتمتعوا بتعبي وشقايا اللي أنتَ كنت أولى بيه يا ابن عمري.. بس متقلقش كله بأوانه... كله بأوانه
نظر أمامه بعد أن ألقى نظرة سريعة على صورة زوجته الراحلة، نظر إلى الفراغ وقد كانت عينيه مليئة بالحقد والشر الذي لو حاولوا توزيعه على العالم أجمع لفاض منهم وقد كان هذا سببه الحزن المفرط على شريكة حياته وابنه الوحيد، يستحقوا الحزن عليهم إلى بقية حياته ولكن الحزن ليس بتخريب حياة البشر وتدبير المكائد لهم!، وكان بالنسبة إليهم عمهم هو والدهم وكبيرهم، كان هو الباقي من عائلتهم الكبيرة ولكن يالا الصدمة عند معرفة ما يفعله بهم!..
                 ___________________
"في المساء"
وقف في شرفة بيته ينظر على المارة والسيارات أسفل البناية، يدخن سيجارته بهدوء شديد، ذهنه ليس صافي بل كان شاردًا فيما حدث اليوم.. كلمات شقيقه إليه وتلك القرارات الذي أخذوها إن لم يعد ستكون صعبة عليه وحده.. ستكون بالموت إليه إن فعلوا ما قاله حقًا، حدة ذكائه ومكره لا يسعفه في حل تلك المعضلة أو أنه يخاف أن يفشل، كلماتهم أخيرة وحادة على عقله، عمه وشقيقه لن يتنازلوا ويعلم أيضًا أنهم يفعلون أي شيء للحصول على ما يريدون، يخاف خسارة من دق قلبه لها بسبب أشياء كـ الهواء بالنسبة إليه، يخاف خسارة من أصبحت كل شيء له في هذه الحياة، يخاف خسارة حبها، ومن هنا لن يفعل هو أي شيء، يخاف أن يخطئ فتضيع منه إلى الأبد..
دلفت إلى الشرفة منذ لحظات ولم يحرك ساكنًا فلم يراها من الأساس هو عقله في مكان آخر منشغل بما وقع على رأسه من انتقام مقيد به..
وضعت يدها على ظهره بعد أن وقفت جواره وتحدثت متسائلة باستغراب:
-ايه ده سرحان في ايه 
نظر إليها بعدما أخرجته من شروده، نظر إلى صفاء عينيها متنهدًا بـ إرهاق شديد وقد كان عقله قارب على الشكوى منه.. تحدث بهدوء قائلًا:
-مفيش يا حبيبتي
نظرت إلى السيجارة بيده وكم كانت تبغض هذه السجائر، تخاف وبشدة على صحته تعلم أن تأثيرها لن يظهر الآن بل سيظهر في المستقبل، قدمت يدها لتأخذها من بين يده ولكنها سريعًا وضعها في اليد الأخرى متحدثًا بجدية:
-أرجوكي بلاش تاخدي مني السجاير بعد كده وهي في أيدي، وياريت لو متخديهاش خالص 
أردفت بانزعاج وضيق منه ومن أفعاله الغير محسوبة:
-قولتلك قبل كده أنها غلط ومش بحب أشوفك بتدخن 
زفر بضيق هو الآخر وقد كان يتمسك بآخر ذرة هدوء يتحلى بها فهو لا يستطيع أن يتحدث أو أن يفعل أي شيء بصورة طبيعية، تحدث بغضب قائلًا وهو يشير إلى الداخل بيده:
-مش بتحبي تشوفيني وأنا بدخن يبقى ادخلي جوا وسيبيني بقى
اقتربت منه بهدوء وقد علمت أنه منزعج من شيء ما فلم يكن هكذا أبدًا دون أسباب، وضعت يدها الإثنين على وجنتيه وتحدثت بهدوء متسائلة:
-مالك يا حبيبي في ايه
ألقى السيجارة على الأرضية ودعسها بقدمه ثم وضع يديه الإثنين فوق يدي "مروة" وتحدث بجدية قائلًا:
-مروة إحنا لازم نرجع 
سحبت يديها من أسفل يده وعادت إلى الخلف خطوة، وقد هوى قلبها بين أقدامها فلا تريد العودة أبدًا، هل ستعود بعد أن اعتادت على هذه الحياة، ستذهب إلى الضوضاء بقدميها و هي في يدها أن تستقر في الهدوء.. تحدثت متسائلة بجدية:
-ليه؟ ما إحنا كده كويسين 
أقترب هو منها بعد أن علم ما جال بخاطرها وضع يديه على أكتافها متحدثًا برجاء:
-أرجوكي يا مروة بلاش كلام في الموضوع ده أنا مش ناقص، إحنا لازم نرجع البلد ومن غير نقاش أظن عملت اللي أنتِ عايزاه وأزيد كمان 
استغربت حديثه، ومن قبل استغربت أفعاله فسألته مرة أخرى غير السابقة:
-مالك في ايه؟ حاسه أن فيه حاجه 
أبتعد عن مرمى عينيها متحدثًا وهو يراوغ:
-عندي مشكلة في الشغل شغلاني شويه.. متشغليش بالك أنتِ هتتحل، المهم حضري نفسك علشان نرجع 
جعلته ينظر إليها مرة أخرى وتحدثت بهدوء ولين مُترجية إياه حتى يرضخ لها:
-طب أسبوع واحد بس
أبتعد تاركًا إياها وتحدث هو الآخر بجدية رافضًا طلبها:
-مروة لأ كده كتير أوي
لحقته تنظر إليه بحبٍ ولين قائلة:
-علشان خاطري.. أسبوع واحد بس هو ده كتير عليا؟
تركها ودلف إلى الداخل متحدثًا بجدية:
-ماشي يا مروة هو أسبوع واحد 
              ______________________
"بعد أسبوع"
فكر كثيرًا وكثيرًا ثم توصل إلى حلٍ يعتقد أنه سينجح في فعله، نعم سينجح.. هو لن يتحدث مع أي منهم ولن يفعل أي شيء يؤذي زوجته، لن يستغلها، ولن يعطي لهم شيئًا من أمواله، سيصمت ولن يتحدث إلى أن يبدأ أحد منهم معه الحديث حينها سيرفض واضعهم أمام الأمر الواقع وسيخرج كل ما كنه قلبه وسيفعل كما يفعلون معه من تهديد وغيره، كل ما يستطيع فعله سيفعله.. وبعدها يصارح زوجته بكل شيء ويبدأ مرة أخرى غير الأولى على وضوح تام، سيقول لها سبب الزواج الحقيقي الذي تسائلت عنه مسبقًا، وسيحاول أن يجعلها تلين له وتستمع إلى قلبه الذي يصرخ حبًا بها..
                __________________
حاولت دفعه بيدها ولكن هو ثابت أمامها، محاصرًا إياها بيده الموضوعة على الحائط خلفها، يبتسم بزهو وغرور بينما هي الغضب يجتاحها ولكن تحدثت بهدوء قائلة:
-يزيد بطل بقى الله 
ابتسم بسعادة وهو يجيبها قائلًا بمرح:
-أبطل ايه مش لما تتعاقبي الأول
وضعت يدها على وجنته وتحدثت بهدوء ولين ماكر يخرج من إمرأة:
-طب أنا عندي فكرة أحسن، بما أننا هنرجع بكرة تعالى نشغل فيلم حلو كده ونسمعه سوا مع شوية فشار ونودع البيت
أقترب منها ليتحدث بجانب أذنها بنبرة خبيثة وماكرة:
-فشار ايه وفيلم ايه مش بتقولي هنودع يبقى نودع بذمة وحاجه تليق بيا 
دفعته بقبضة يدها في صدره ثم تحدثت بجدية وهي تبتعد عنه إلى الخارج:
-بقولك ايه هنسمع فيلم يعني هنسمع فيلم بس كده، يلا حضر الدنيا وأنا هعمل فشار 
خرجت من الغرفة وتركته يضحك خلفها، يضحك على هذه السعادة التي كُتبت لا عليه منذ وجودها، تقدم من الكومود بجوار الفراش ثم فتح أحد إدراجه ليأخذ منه فلاشه كان بها بعض الأفلام الجيدة، بحث عنها بين محتويات الدرج ولم يجدها، أغلقه ثم فتح أخر وبالفعل وجدها التقتها منه ثم أغلقه ووقف على قدميه ليذهب يفعل كما قالت له..
ولكن جذبه شيء داخل محتويات هذا الدرج!.. استدار مرة أخرى ومن ثم فتحه ليخرج ما وقعت عليه عينيه بالخطأ، نظر إليه بين يده بذهول تام بعد أن علم ما هو وتأكد من الذي مدون عليه، احتلت الصدمة كيانه وجمدت أطرافه، هل حقًا هذا لها؟، ماذا تفعل به؟ لما لم تتحدث عنه قبلًا أو تأخذ رأيه فيما تريد فعله؟
ألا يحق له أن يعلم؟ يعلم ماذا فهو لو يعلم لم يكن يتركها تفعل ذلك رغمًا عنها وعن الجميع، نظر إليه مرة أخرى ولكن قد تحولت الصدمة إلى غضب عارم وحزن شديد، غضب لو تركه سيحرق الأخضر واليابس وحزن تلبسه منذ أن جال بخاطره أنها لا تريد الآن.. أو ربما لا تريد أبدًا ولكن في كل الحالات أخطأت وعليها أن تعلم ذلك على طريقته..
دلفت إلى الغرفة ووجدته يعطيها ظهره ينظر إلى شيء ما في يده ربما، تحدثت متسائلة بجدية ومرح:
-ما يلا ياعم زيزو الله دا أنا خلصت 
استدار إليها وقد علمت من تلك النظرة القاتمة بعينيه أن هناك شيء قد حدث، تحدثت مرة أخرى متسائلة وهي تقترب منه:
-مالك في ايه؟
رفع ما بيده ثم سألها بنبرة خالية من أي شيء سوى البرود:
-بتاع مين ده؟
نظرت إلى ما بيده ثم أجابته بجدية شديدة ولم يأتي بخلدها ما دار داخل عقله من كلمات وخطط وأفعال:
-بتاعي 
أخذ نفس بعد أن استمع لاجابتها الصريحة وزفره بصوت مسموع، ثم تحدث مرة أخرى متسائلًا وعينيه تزداد قتامه:
-أنتِ عارفه ايه اللي في أيدي ده؟
-حبوب 
وضعت البنزين جوار النيران ولا تريد أن تشتعل إلى السماء؟!، أكمل هو ما لم تقوله بغضب وعصبية وهو يلقي الشريط الذي بيده بوجهها بحدة شديدة:
-منع الحمل!..
وضعت البنزين جوار النيران ولا تريد أن تشتعل إلى السماء؟!، أكمل هو ما لم تقوله بغضب وعصبية وهو يلقي الشريط الذي بيده بوجهها بحدة شديدة:
-منع الحمل...
نظرت إلى الشريط الذي أتى بوجهها بحدة ثم استقر على الأرضية، عقلها لا يستوعب ما الذي حدث له في ثوانٍ هكذا، أنه دواء لم تستعمله قط منذ أن تزوجت بالفعل منه.. منذ ما يقارب ثلاث شهور وأكثر، رفعت نظرها إليه مره أخرى وجدته يقترب منها بعصبية وحركات هوجاء فعادت للخلف خطوة بخوف ظاهري مرتسم على ملامحها، قبض هو على معصم يدها متسائلًا بصوتٍ عالٍ وعصبية شديدة:
-ما تردي وتقولي أنها حبوب منع الحمل ولا فكراني أهبل هتكدبي عليا؟ 
ها قد عدنا إلى العصبية ومن ثم إلى الكلمات المسمومة التي لا يعلم معناها سوى بعد فوات الأوان وأحيانًا لا يعلم أبدًا، تحدثت بهدوء حتى تمتص غضبه ويدها مازالت بين يده الذي تشتد عليها:
-لأ مش هكدب عليك يا يزيد لأني متعودتش أعمل كده.. دي فعلًا حبوب منع حمل لكن أنا مستعملتهاش خالص 
ترك يدها وأخذ نفسٍ عميقٍ محاولًا أن يتحلى بالهدوء حتى لا يفقد السيطرة على نفسه في وسط غضبه ويفعل ما لا يريده، سألها بجدية شديدة:
-جيباهم منين الحبوب دي؟
أجابته هي الأخرى بجدية وصدق تحلت به ليصله بالعكس:
-كانوا في بيتي يا يزيد.. جبتهم في وسط حاجتي بالغلط 
من هنا داهمت عقله فكرة أنها تكذب وتكذب، من في بيتهم سيأخذ مثل هذا الدواء؟، تحدث بتهكم صريح وكلمات غير محسوبة:
-وكانوا في بيتكم بيعملوا ايه؟ مين عندكم بياخد مانع للحمل يا هانم يا ترى أختك بقى؟
صرخت به بعصبية هي الأخرى عندما لامس حديثه بالسوء شقيقتها الكبرى، أنه أغبى شخص رأته بحياتها وقت عصبيته وغضبه:
-احترم نفسك يا يزيد وكفاية لحد كده 
قبض على يدها الاثنين دافعًا إياها لتصطدم بالحائط خلفها بشدة جعلتها تتأوه بألم شديد حدث بفعل دفعته، تحدث بصوت يشابه الفحيح أمام وجهها:
-اومال عايزاني أقول ايه؟ أفهم ايه أنا من كلامك ده.. يا إما بتوعك وبتكدبي عليا يا إما بتوع أختك مهو مش معقول اللي بتقوليه ده
أردفت بجدية وهي تنظر داخل عينيه الذي تكذبها في كل مرة يصدق بها غضبه الذي يسيطر عليه:
-بتوعي يا يزيد كنت بستعملهم قبل ما اتجوزك وبعد ما اتجوزنا كمان بفترة ده كان في بيتنا ولما جيت عندك خليت يسرى تجبلي غيره من عندكم في البلد وتقدر تسألها لأنها عارفه كويس أنا كنت باخده ليه... لما روحنا البيت عندنا وأنا بجيب حاجتي جبته بالغلط علشان كنت مستعجلة ولما جيت هنا شوفته وسيبته مكانه أنا من وقت ما اتجوزنا بجد وأنا عمري ما أخدت حاجه 
صمتت لبرهة وهي تنظر إليه ثم تكونت الدموع في عينيها وتسألت بجدية:
-هو أنتَ مفكر إني باخد وسيلة علشان مخلفش منك مثلًا؟ 
تسأل هو الآخر قائلًا بجدية كما فعلت مضيقًا ما بين حاجبيه:
-وهو في بنت بتاخد حاجه زي كده قبل الجواز بردو؟ 
نظرت إلى الأسفل وهي ترى تكذيبه لها واضح بعينيه وكأنها تنسج قصص من داخل عقلها، لقد ألمها ذلك كثيرًا إذًا أين الثقة التي بينهم والتي يتحدث عنها دائمًا، أجابته بهدوء قائلة:
-أيوه فيه يا يزيد نادر لما حد ياخده وأنا كنت من النادرين دول، الآلم اللي غصبني اخده بإذن من الدكتورة
ترك يدها وعاد للخلف خطوة متسائلًا باستغراب مضيقًا ما بين حاجبيه بشدة:
-نفترض إن كلامك صح، ليه مفيش حمل لغاية دلوقتي؟
رفعت نظرها إليه بعد أن احتلت الصدمة كيانها من سؤاله الغبي، سيطرت الدهشة على ملامحها فهو مؤكد أصابه الجنون:
-أنتَ شكلك اتجننت فعلًا هو ده سؤال؟ ده شيء بتاع ربنا 
استدار وهو يتنفس بصوت مسموع وواضح فقد أتى على أعصابه كثيرًا حتى لا تنفلت منه، تحدث بشك صريح وهو يوليها ظهره:
-بتاع ربنا وماله لكن أنتِ اللي مش عايزه وعلشان كده بتاخدي الحبوب دي 
ذهبت إليه وقد فاض بها حقًا إلى متى ستظل تبرر له ما يحدث وما حدث وكل شيء، وقفت قبالته وتحدثت بعصبية هي الآن جاعلة نفسها تخرج ما تكنه:
-أنتَ مالك بقى في ايه بجد؟ ليه كل ما نكون كويسين تخلق حاجه من العدم وتبوظ الدنيا على دماغنا؟ أنا سبق وقولتلك إني فعلًا عايزه اخلف منك
استكانت وأكملت ما بدأته بغضب وجعلته يذهب لليلن والخفوت:
-أنا بحبك ومش شايفة حد في حياتي غيرك، عايزه اخلف منك النهاردة قبل بكره بس ده مش بأيدي.. والله من يوم ما اعترفت بحبي ليك وأنا ما أخدت من الحبوب دي خالص صدقني 
لا يعلم ما الذي عليه قوله الآن، حديثها لمس قلبه ولكنه لا يصدقها.. يشعر أنها بالفعل تستخدم وسيلة حتى لا تنجب منه أطفال، تحدث بهدوء هو الآخر قائلًا:
-طيب يا مروة يبقى تعالي بكره قبل ما نسافر نروح لدكتورة تكشف عليكي ونشوف لو في مشكلة طلما بتقولي أنك مش بتاخدي حاجه   
سألته باستنكار وهي تتراجع للخلف مبتعدة عنه:
-أنتَ عايزاني أروح لدكتورة اقولها أنا متجوزه بقالي كام شهر يتعدوا على الصوابع ومخلفتش؟ دي هتتريق عليا 
جذبها من يدها إليه لتصطدم بصدره العريض وتحدث هو بغضب وهو يضغط على يدها فقد فاض به هو الآخر:
-بقولك ايه بلاش استعباط بقى هنروح يعني هنروح ولا أنتِ خايفه من حاجه 
سألته بخفوت وهي تحاول سحب يدها منه:
-أنتَ ليه وقت عصبيتك أو لما بيحصل أي موقف بتنسى كل حاجه حلوة بينا؟
ضغط على يدها أكثر عندما وجدها تحاول سحبها بالقوة وتحدث وهو يقترب من وجهها ببرود شديد وكأنه لا يوجد به حياه:
-أنا مش بنسى أي حاجه بس أنا جاهل في الكلام ده وهبقى قاسي وناسي فعلًا لحد ما أعرف الصح في كلامك لأني عايز اخلف والخلفه دي منك أنتِ مش من حد تاني سوا كان براضاكي ولا غصب عنك
ترك يدها وذهب ناحية الكومود بجوار الفراش، أخذ من عليه علبة سجائره ثم خرج من الغرفة إلى شرفة الصالون ليبقى وحده يفكر في حديثها الغير مفهوم بالنسبة إليه، فكيف تأخذ مثل هذه الأشياء قبل الزواج؟ أليست لها أغراض معروفة؟ نعم حديثها مترابط ولكن هو لا يصدقه، لا يدلف عقله بتاتًا ودائرة الشك حولها هل من الممكن أن تكون حقًا لا تريد؟..
بينما هي جلست على الفراش مذهولة مما حدث، ولما لا فهو هكذا دائمًا يتناسى كل شيء في غضبه، ولكن هو لا يثق بها، لا يصدق حديثها، يعتقد أنها لا تريد أطفال منه، وهي على النقيض تمامًا، لقد اعترفت بحبها له وسط تلك الدوامة وقالت ما تريده وإلى الآن لا يصدقها؟..
سحبها من أفكارها صوت هاتفه الموضوع على الكومود بجوار الفراش والذي أعلن عن وصول مكالمة ما وقد استغربت كثيرًا فالوقت الآن تعدى منتصف الليل، اتكأت بيدها على الفراش لتنظر وترى من المتصل وقدر رأتها فعلًا.. أنها تلك البغيضة على قلبها "ريهام" كادت أن تأخذ الهاتف وتجيبها معنفه إياها على اتصالها في هذا الوقت المتأخر من الليل ولكنه دلف إلى الغرفة قبل أن تأخذه بيدها وأخذه هو وذهب مره أخرى إلى الشرفة ليتحدث به..  
عاد بعد وقت قليل إلى الغرفة مرة أخرى متقدمًا من الدولاب الذي فتحه وأخرج منه بنطال أسود وقميص من نفس اللون، وجدته يزيل عنه بنطاله البيتي ويبدله بالآخر وفعل المثل مع القميص ثم أخذ جاكت معلق خلف باب الغرفة لونه أسود أيضًا وارتداه على ملابسه وأخذ يجمع في أشيائه الشخصية تحت نظرها..
لم تستطيع التحمل أكثر من ذلك وهي تنتظر أن يقول ما الذي يفعله أو إلى أين هو ذاهب ولكن دون جدوى، تحدثت متسائلة باستغراب بعد أن وقفت على قدميها:
-أنتَ رايح فين دلوقتي؟
-خارج 
تقدمت منه بهدوء شديد وداخلها يشتعل وهي تعلم أنه ذاهب إلى تلك البغيضة:
-ما أنا واخده بالي أنك خارج، رايح فين يا يزيد في وقت زي ده 
ابتسم بسخرية وهو يمشط شعره أمام المرآة ثم أجابها بفتور قائلًا:
-ده شيء مايخصكيش 
ذهبت لتجلس على الفراش بهدوء شديد أسندت ظهرها إلى ظهر الفراش ثم تحدثت ببرود وفتور كما فعل معها الآن:
-تمام... لما تلاقي واحد غريب مسمياه صاحبي زيك كده بيكلمني في نص الليل وانزله هبقى أقولك مايخصكش 
نظر إليها عبر المرآة بعينيه الذي تمتاز بنظرة الصقر، ترك الفرشاة وتقدم منها اتكأ على الفراش بقدمه اليسرى وتحدث أمامها بهدوء:
-عدي الليلة يا مروة.. عديها علشان وديني أنا على أخري والناهية هتبقى وحشه
تحدثت مرة أخرى وهي مازالت مستمرة في الهدوء:
-مش فاكر يوم ما تامر دخل عليا الاوضه عملت ايه وده يبقى زي أخويا بالظبط مش حد غريب زي الهانم اللي رايح تقابلها دلوقتي 
يبغضه بشدة، لا يكره رجل بحياته مثله، صرخ بها بصوتٍ عالٍ وقد قارب حقًا على الإنفجار:
-أنتِ عايزه ايه في يومك ده؟ والله شكله هيبقى طين على دماغك 
صرخت هي الأخرى بصوتٍ عالٍ مثله وقد تملكتها العصبية مرة أخرى:
-عايزاك تحترمني وتحترم وجودي زي ما بعمل معاك بالظبط يا أستاذ ولا هو الاحترام للزبالة بتاعتك بس؟
رفع يده وكاد أن يهوى بها على وجنتها ليصفعها ويجعلها تعود إلى رشدها فقد على صوتها مرة أخرى بالإضافة إلى كلماتٍ ليس لها داعي ولكن قد تذكر ذلك الوعد الذي قطعه لها بأنه لن يرفع يده عليها مرة أخرى..
أخفض يده ونظر إليها بغضب ثم وقف على قدميه وتقدم إلى خارج الغرفة ثم إلى خارج المنزل بأكمله، وتركها وحدها وعندما أدركت ذلك جعلت دموع عينيها تخرج لتونس وحدتها وأفكارها..
              ____________________
يجلس مقابل لها في مكان عام يدلف إليه الكثير من الأشخاص وحتى إن كان في مثل ذلك الوقت المتأخرة من الليل، تنظر له بعينين خبيثة وماكرة إلى حد لم يصل إليه أحد، لا تحبه ولا تريده ولكن ماذا إذا كانت النفس مريضة؟.. 
هو صديق عمل بالنسبة إليها لا يناسبها ليكون زوج فقط يناسبها للتباهي به.. معروف داخل أنحاء البلد من هو "يزيد الراجحي" ذلك الشاب في مقتبل العمر الذي حقق كثيرًا في مجال صناعة الأخشاب، تتباهى بإسمه وبكونه رفيقها.. تحضر معه الإجتماعات الهامة، تذهب معه إلى أماكن معروفة، فقط هذا ما تريده ولكن لما ذلك الخبث بعينيها؟.. لما حركاتها الماكرة تجاه زوجته؟.. 
ربما لأنها دخيل بينهم وشخص جديد في حياته يقضي معظم الوقت معه، أو ربما لأنها تأخذ أكبر من حجمها أو لأنها اقتربت إليه أكثر منها! أو ربما لأنها مريضة!!.. من يفعل ذلك غير مريض نفسي غير متزن يريد أن يؤذي أشخاص لم يفعلوا له شيء في يوم من الأيام..
تحدث بهدوء وجدية قائلًا وهو يشير إلى الأوراق أمامه بعد أن وقع عليها:
-في حاجه تاني عايزه تتوقع؟
سحبت الأوراق من أمامه بيدها بهدوء ونعومة والابتسامة تزين ثغرها ثم تحدثت قائلة:
-لأ كده تمام 
عاد بظهره للخلف بعد أن تنهد بضيق شديد يظهر على ملامحه متسائلًا بجدية:
-ايه اللي خلاكي تستني على الورق ده ما أنا كنت في المصنع الصبح 
اقتربت هي إلى الأمام وتحدثت بهدوء ولين بعد أن تشابكت يدها على الطاولة:
-كنت سبتهم في البيت ونسيتهم وشوفتهم قبل ما أكلمك على طول قولت الحقك قبل ما تسافر
أومأ إليها بهدوء، تقدم إلى الأمام ورفع فنجان القهوة بين يده يرتشف منه بهدوء وداخله هناك براكين ثائرة، في عقله شيء يود أن يقوله لها أو هو سؤال يود أن يعرف أجابته ولكن هو متردد لا يريدها أن تفهم بشكل خاطئ أو أن يصل إليها ما حدث بطريقة ما فهذا السؤال والإجابة عليه ليس بهذه السهولة أبدًا..
ترك القهوة من يده ثم أخرج سيجارة من العلبة الذي أمامه على الطاولة بجوار هاتفه ووضعها بفمه دون أن يشعلها فهذا المكان ممنوع التدخين به، أخذ نفسٍ عميقٍ وهو يراها ترتشف من عصير البرتقال بهدوء، ثم حسم أمره على التحدث..
أمسك بالسيجارة بيده والأخرى عبثت بخصلاته من الخلف، ثم تحدث قائلًا بتساؤل:
-عايز أسألك عن حاجه بس يعني..
تنحنح بحرج شديد بينما هي تركت الكوب من يدها سريعًا وتسائلت قائلة:
-حاجه ايه قول على طول مالك؟
وضع السيجارة باليد الأخرى وتحدث وهو يحاول ألا يتراجع فهو يود معرفة الحقيقة حتى يرى إن كان قد أخطأ وعلى كل حال هي فتاة وإن علمت حتى بالفهم ما حدث لتعلم إذًا، سألها وهو عاقد ما بين حاجبيه بشدة:
-هو في واحدة ممكن تاخد حبوب منع الحمل قبل الجواز.. يعني تكون مش متجوزه وبتاخد الحبوب دي لأسباب تانية؟
استنكرت الحديث ونظرت إليه باستغراب ثم أدارته برأسها، لما يسأل عن شيء كهذا؟ ابتسمت بهدوء شديد ثم قالت بجدية وهي تأكد حديثها:
-لأ طبعًا أنتَ قولت أهو حبوب منع الحمل إذًا هي بتمنع الحمل فقط يعني مالهاش أي أسباب تانية بتتاخد علشانها وكمان دي كارثة لو بنت بتاخدها إزاي يعني لأ طبعًا مفيش واحدة هتعمل كده إلا لو مش عايزة تخلف
نظر إليها بجدية، الضغط يزداد عليه هذه فتاة ولا تعلم ما الذي حدث، إذا كان هو لا يعلم هذه الأمور فهي مؤكد تعلم.. تنفس بعمق مرة أخرى دون أن يضيق صدره فهو قد اكتفى لليوم..
وقف على قدميه ثم أخرج من جيبه بعض النقود ووضعهم على الطاولة وتحدث قائلًا:
-أنا لازم أمشي مروة لوحدها.. تحبي أوصلك الوقت متأخر 
-لأ لأ أنا شوية وهمشي وبعدين معايا العربية 
لم يصر عليها فهو من الأساس كان يريد أن ينقله أحد إلى منزله، ذهب إلى الخارج وأخذ سيارته عائدًا إلى منزله مرة أخرى وهناك برأسه مليون سؤال وجواب لا يهم ذكرهم ولكن يكفي أنه يعاني..
               ____________________
فتح باب منزله بمفتاحه الخاص، ولج إلى الداخل بعد أن أخذ المفتاح من المزلاج، وضعه في المزهرية بعد أن دلف، زفر بضيق يظهر عليه فقد هُلك من كثرة التفكير ومن هروبة من عائلته وهروبه من مواجهتها.. لقد مل من كل ذلك حقًا، نفض ذلك عن رأسه وتفكيره ودلف إلى الداخل بخطوات ثابتة فلم يكن يريد غير أن يمدد جسده على فراشة ويأخذ قسطًا من الراحة..
ولج غرفته ورأى كل شيء كما هو، الحقائب الموضوعة منذ الصباح الخاصة به وبها والذي تحمل ما يخصهم من ملابس إلى أشياء خاصة ولكن مع ذلك لم تضع "مروة" كل شيء يخصهم بها بل تركت بعض من ملابسها وملابسه.. تركت أشياء تخصهم على أمل الرجعة إلى هنا مرة أخرى..
لم يجدها في الغرفة، أو المرحاض أو الغرف الأخرى ولم ينادي عليها أيضًا ولكن عندما تبين له أنها ليست متواجدة في المنزل هبط قلبه ليستقر بين قدميه هلعًا وخوفًا عليها، فمن الممكن أن يكون تمادى معها وهي على حق وهو لا يعلم بهذه الأمور..
أو يكون حادثها أخاه! من الممكن أن يفعلها قد يكون قص عليها كل شيء وبعد ذلك تركته وذهبت!..
أو هناك غيره ما حدث عندما تركها هو وذهب إلى صديقته.. قلبه يؤلمه بشدة وعقله لا يستطيع التفكير فقط كل ما يفكر به ويتوقعه هو الأسوأ والأسوأ..
عاد مرة أخرى يدلف الغرف وهو ينادي باسمها بلهفة وخوف شديد، أخرج هاتفه ليحادثها منه ولكنه وجد هاتفها على الفراش في الغرفة في الداخل، فكر سريعًا عليه الخروج لمعرفة أين ذهبت وهم على فعل ذلك.. ولكن نظر إلى باب الشرفة وهو يمر على غرفة الصالون ليجدها مغلقة كذبًا وليست حقيقة، سريعًا ذهب إلى الشرفة مقتحمها لتفزع وتقفز من مكانها بخوف يكاد يوقف قلبها..
نظرت إليه بخوف ثم تسلل إليها الشعور بالأمان عندما رأته هو، وضعت يدها على قلبها الذي علت دقاته من الصدمة والأخرى أزالت دموع كثيرة على وجنتيها ويبدو أنها كانت تبكي..
تقدم منها سريعًا أخذًا إياها باحضانه بلهفة وقلق شديد ظهر عليه منذ أن دلف، شدد على احتضانها بينما هي مدهوشة مما يحدث وما الذي جعله يتغير هكذا؟..
أبتعد عنها ثم نظر إليها بهدوء وعينيه يفيض منها الحنان الذي حاول أن يخفيه متحدثًا بجدية:
-قاعدة ليه في البرد ده
أجابته بجدية هي الأخرى بعد أن أدارت وجهها الناحية الأخرى بعد أن رأت تقلباته قد عادت:
-بشم هوا 
علم أنها كانت تبكي.. تبكي بقهر وضعف لينتابه هو الآخر الضعف الشديد الذي يشعره أنه عاجز عن فعل أي شيء إن كان حديث أو فعل..
عاد إلى الخلف وجعل حالة الجمود تعود مرة أخرى إليه بعد أن تأكد أنها بخير ومازالت معه وتحدث بجدية بعد أن تذكر ما حدث قبل ساعات:
-يلا ادخلي نامي علشان الطريق طويل 
استمعت لحديثه دون أن تتفوه بحرف ولم يكن بها شيء واحد يستطيع أن يتحدث ويجادل ففعلت وبينما تخطي بقدميها إلى الداخل أكمل هو حديثه قائلًا بجمود:
-وكمان لسه مشوار الدكتورة..
وقفت أمام باب الشرفة الذي كانت تتخطاه للداخل بعد أن استمعت إلى جملته فقد كانت تعتقد أنه لن يفعل ما قال ولكن هو يتحدث جديًا.. إذًا يفعل ما يشاء ويضع نفسه موضع السخرية..
أكملت طريقها إلى الداخل دون التفكير في أي شيء آخر سوى الراحة وهو أيضًا وقف في الشرفة بعد أن أخرج سيجارة أراد أن يخرج ما بقلبه بها دون التفكير..
            _____________________
"في صباح اليوم التالي"
سار في طريق العودة إلى بلدته مرة أخرى بعد هذه الشهور الذي كانت معنى كلمة الراحة بالنسبة له ولزوجته، الآن هو عائد بعد أن طلبوا منه ذلك ويعلم أنهم سيتحدثون معه في كل شيء مر سوى أن كان اليوم أو غد أو بعد غد سيتحدثون لا محالة وقد علم هو ما الذي سيقوله وهذا سيكون آخر ما لديه وليفعلوا ما يحلوا لهم أن استطاعوا.. سيترك كل شيء لهم ويبتعد بزوجته بعد أن تعلم كل ما حدث.. عليها أن تعلم ذلك..
ولكن ليبتعد عن كل هذا.. هو الآن لا يدري كيف سيجعلها تلين له مرة أخرى فقد تخطى حدوده معها بكثير من المرات ولن يلومها في أي مرة لو تركته، ولكن هو لا يستطيع دونها، لقد تأكد من الطبيبة التي زارها معها لكي يكذب حديثها ولكن هي محقة وكل ما قالته كان صحيح..
لا يعرف كثير عن هذه الأمور النسائية وأيضًا يعرف أن دواء كهذا له أسباب معروفة فقط.. بجانب كلمات "ريهام" المؤكدة غير حديث زوجته الذي لا يدلف عقله.. كل ذلك جعله لا يصدقها ويظن بها السوء ولكن بعد أن ذهب بها إلى الطبيبة قبل العودة تأكد أنه أخطأ بحقها مرة أخرى غير الأولى والثانية والثالثة.. لقد كانوا كثيرون..
"تذكر حديث الطبيبة وهي تُجيب سؤاله بهدوء شديد ووقار بعد أن رفعت النظارة الطبية عن عينيها:
-طبعًا وارد يا أستاذ يزيد إن آنسة تاخد الحبوب دي، عادي جدًا
رأت زوجته تتقدم منهم بعد أن عدلت ملابسها وجلست على المقعد أمامه مقابلًا لها، وقد رأت الحزن بعينيها الباكية، لقد مر عليها كثير من هذه الحالات ولكن هذه مختلفة، ومن معرفة مدة الزواج وسؤاله عن شيء كهذا قالت مرة أخرى بعد أن فهمت ما يحدث:
-أما بالنسبة للحمل فهو كل شيء طبيعي ده غير طبعًا أن مدة الجواز صغيرة ربنا لسه ماردش... عايزاك تطمن واضح أن المدام مش بتاخد أي وسيلة 
نظر إليها وهو لا يعلم ما الذي يشعر به لتقف على قدميها دون أن تجعله يعلم ما الذي يمر على خلدها فقد كانت تعابير وجهها حادة كثيرًا، سلمت على الطبيبة ورحلت وهو من خلفها"
أبعد نظره عن الطريق لينظر إليها بحزن وهو لا يعلم ما الذي يجب عليه فعله أو قوله حتى؟! نظر إلى الطريق مرة أخرى وهو يراها لم تتحدث معه منذ أن خرجت من المنزل إلى أن ذهبوا للطبيبة وإلى الآن!.. يعلم أن ما فعله صعب للغاية ولكن هو بالنهاية إنسان يخطئ ويود المسامحة على خطأه..
مد يده اليمنى إليها والأخرى تتولى القيادة، أمسك بكف يدها ليقبله بهدوء ثم تحدث معتذرًا عما بدر منه:
-أنا آسف.. يارب كنت موت قبل ما أعمل كده 
سحبت يدها منه بهدوء أو برود بالمعنى الصحيح ثم أجابته بجدية شديدة وملامحها حادة لا تحمل أي تعابير:
-بعد الشر عنك
علم أن مهمته لن تكن بهذه السهولة بل ستكون أصعب من الصعب نفسه، لقد أذى نفسيتها كثيرًا بما فعله وما يفعله كل مرة... يعترف أنه يستحق أكثر من ذلك..
وضعت رأسها يمينًا على نافذة السيارة تنظر إلى السيارات والطريق بالخارج وعقلها منشغل به وبما فعله.. لقد شكك بها وبحديثها.. يعتقد أنها لا تريد أن تنجب منه أطفالًا.. تحدث عن شقيقتها بالسوء، وتحدث عنها أيضًا بالسوء.. تطاول بالكلمات بكثرة، قارب على التطاول بيده مرة أخرى ولكن قد توقف بآخر لحظة.. هذا هو الجانب الوحيد السيء به.. أنه وقت غضبه حقًا يتناسى على شيء ولا يتذكر سوى أنه غاصب الآن وعليه أن يخرج ما يكنه من غضب داخله..
هذه أكبر المشكلات تواجدًا بحياتها معه فهي ستكمل حياتها معه.. ستكون زوجته إلى الأبد ولكن لن تستطيع أن تتعايش مع هذا في كل مرة يحدث أي شيء ينسى أنها زوجته ويتحدث معها كما لو كانت شخص سيء ولا يوجد أسوأ منه..
قهرها منه هذه المرة غير كل المرات السابقة، لا تعلم كيف عليها أن تظهر ذلك وما الذي ستفعله  معه ولكنها حقًا حزينة للغاية منه ومن أفعاله..
              _____________________
كثيرًا من الأمور تشعر أنها أفضل شيء بالنسبة إليك ولكن بعد مرور الوقت تعلم أنها لم تكن إلا أسوأ شيء، ربما هيأ لك أنها ما تريده..
جلس "تامر" في شرفة غرفته يفكر ويفكر في ذلك الأمر الذي شغله في الشهور الماضية، أعطى لنفسه مدة طويلة كي يفكر براحة دون تخطي الحدود ودون تحكيم قلبه وحده أو عقله وحده..
بعد تلك الفترة وابتعاده عن ابنة عمه "مروة" ومعرفة مدى سعادتها مع زوجها تخطى تلك الفترة الطويلة التي قال بها أنه يعشقها، الآن أصبحت بالنسبة إليه مجرد ابنة عمه وإن اقتربت أكثر ستكون شقيقته غير ذلك لا يوجد..
علم تمام العلم أنه كان مخطئ لو فقط كان فكر قليلًا لوجد ذلك ربما إعجاب بجمالها أو احترامها أو أي شيء آخر لكنه ليس حب.. هو لم يمنع زواجها من غيره لو أحبها حقًا لجعلهم يقتلوه قبل أن يرى حبيبته في أحضان شخص آخر ولكنه لم يفعل، وحتى لو لم يكن يستطيع هو بعد محاولة أو اثنين لتفريق بينها وبين زوجها تركها!.. واتجه إلى أخرى وهذا يكفي حقًا ليغلق صفحة حبه لـ "مروة" ويعتبر أنه لم يكن موجود من الأساس ويلتفت إلى من سلبت عقله وقلبه حقًا..
"ميار" بعد كلماتها في آخر محادثة بينهم أصبح منشغل بكل كلمة قالتها، يفكر ويفكر من الذي تتحدث عنها ربما هو مخطئ مرة أخرى ولا يدري ولكن أبتعد عن التفكير بأي فتاة أخرى ووضع أمام عينيه "ميار" ليرى هل هو منجذب إليها؟ يحبها؟ أم ما الذي يحدث..
ثم يوم بعد يوم يتذكر حديثها من الصغر، أفعالها ونظراتها، تصفح صورها عبر مواقع التواصل، وجد نفسه لا يشبع من النظر إليها والتفكير بها، كثير من المشاعر تجتاحه لن يستطيع أن يعبر عنها ولكن هو الآن أخذ قرار وسينفذه قبل أن يحدث شيء يخرب كل ما أراده كما السابق..
وقف على قدميه متقدمًا إلى داخل الغرفة ثم إلى خارجها ذاهبًا إلى والده الذي كان يجلس في غرفة الصالون مع زوجته، دلف إليهم "تامر" ثم وقف أمام والده وتحدث بجدية شديدة دون مقدمات:
-أنا عايزه اتجوز ميار بنت عمي نصر 
نظر والده إلى زوجته باستغراب شديد عاقدًا ما بين حاجبيه بشدة وزوجته مثله، ثم سأله قائلًا باستنكار:
-مرة واحدة كده طب بالراحة علشان أفهم
جلس "تامر" أمام والده على الأريكة ثم تحدث قائلًا بجدية:
-مفيهاش فهم يا حج أنا عايز اتجوز ميار بنت عمي نصر، تبقى مراتي وأم عيالي ايه الصعب في ده؟
وقفت والدته على قدميها ثم أطلقت ما يسمى "زغروطه" لتعبر عن مدى سعادتها بما قاله ابنها، بينما ابتسم والدها باتساع ثم تحدث من جديد:
-اللي أقصده إنك يعني جبتها مرة واحدة كده 
-بصراحة لأ يعني أنا كنت بفكر في الموضوع من زمان وخدت قرار خلاص وقولت أعرفك علشان تشوف هنعمل ايه 
ابتسم والده وتحدث قائلًا بسعادة:
-هنعمل ايه هنطلبها من عمك طبعًا 
صاحت والدته بسعادة غامرة وهي تتقدم منه لتحتضنه:
-ألف مبروك مقدمًا يا حبيبي، هيوافقوا إن شاء الله
أجابها وهو يبادلها العناق بسعادة وابتسامة هو الآخر متمنيًا بداخله أن توافق كما قالت والدته:
-الله يبارك فيكي
                ____________________
وقفت السيارة أمام البوابة الداخلية لمنزل عائلة "الراجحي" سريعًا خرجت منها لتتوجه إلى عشها الصغير في هذا المنزل البغيض على قلبها ولكن قابلتها "يسرى" أمام الباب في الخارج، احتضنتها بشدة معبرة عن مدى اشتياقها إليها:
-حبيبتي وحشتيني أوي أوي
بادلتها "مروة" ولكن ليست بنفس هذه الحرارة فـ بداخلها ما يكفي لتكن الأن بين يدي طبيب نفسي، أجابتها بجدية:
-وأنتِ كمان وحشاني.. معلش هطلع ارتاح شوية الطريق تعبني 
نظرت إليها "يسرى" باستغراب ودهشة فهي لم تكن هكذا يومًا ولكن تحدثت مُبتسمة ببلاهة:
-آه آه طبعًا اتفضلي 
أبتعدت عنها "مروة" بعد أن ألقت نظرة عليه خلفها وهو يقف عند السيارة ينظر إليها، ثم سارت إلى الداخل سريعًا وهي تتمنى بداخلها أن تصل إلى الغرفة بسلام..
ذهبت "يسرى" إلى "يزيد" تحتضنه بحرارة ثم سألته باستغراب وجدية:
-هي مالها؟ تعبانة ولا ايه 
أجابها بجدية هو الآخر لا يريد أن يظهر ما يحدث بينهم لأحد:
-آه الطريق تعبها
سار إلى الداخل معها ثم دلف إلى والدته في مطبخ المنزل، ذهب إليها ثم عانقها بشدة ومهما حدث وبدر منها تظل والدته وحنانه بهذه الحياة، تظل منبع الأمل والحب بالنسبة إليه، تحدث بهدوء وهو يشدد على احتضانها:
-وحشتيني 
استغربت والدته حالته هذه فهو دائمًا كان يسافر بالشهور بعيد عنها ويأتي يسلم عليها كما المعتاد ولكن الآن اختلف، شددت هي الأخرى على أحضانه وتحدثت بحنان مس قلبه:
-وأنتَ كمان ياحبيب أمك وحشتني 
أبتعد عنها بهدوء وهو يبتسم ابتسامة باهتة فسألته بعد أن وضعت يدها على وجنتيه:
-مالك يا حبيبي، فيك ايه؟
-تعبان، تعبان أوي ومحدش راحم 
اقتربت منه والدموع تكونت خلف جفنيها ثم تحدثت بحنان ولهفة:
-بعيد الشر عنك من التعب يا ضنايا، متخافش كله هيمر 
ابتسم بوجهها مرة أخرى ثم تركها وذهب وهو لا يعلم ما الذي يفعله إليها لتغفر له هذه المرة فقط، ترك والدته خلفه متوجسة من الذي تحدث به ولدها، وقد خفق قلبها داخل اضلعها مقررة شيء ما بعد أن رأت حالته..
          "ماذا تُريد من قلب لم يرى منك إلا الحزن؟!"
مر أسبوع بعد عودتهم وكأنه سنوات، شعر بأنهم لم يكونوا أيام قليلة غفا بهم بل كانوا سنوات تمُر ببطء شديد بسبب تجاهلها له ومعاملتها الباردة معه، حاول بكل جهد أن يتحدث معها في أي شيء ولكن دون جدوى لا يقابله منها سوى البرود والهدوء التام، حاول أن يفعل كل ما كان يفعله في السابق ليجعلها ترضى ولكن تقابله بالتجاهل وإذا أجابت تجيب بأن ليس هناك داعي لما يفعله!..
 
لقد ارهقه ما حدث، يعلم أنه مخطئ من جميع الإتجاهات وهذه ليست المرة الأولى التي يخطئ بها معها ويقول كلمات لا تليق بامرأة نقية كهذه ودائمًا تسامحه على أخطائه ولكن هذه المرة صعبة للغاية، وهو مهما حدث إنسان يطمع في المسامحة فبُعدها عنه بهذه الطريقة البشعة يقطعه إلى أشلاء مصغرة، رؤيتها بهذا البرود تجاه الجميع ونظرة الحزن لا تفارها يجعله يود قتل نفسه لما تسبب به، ولكن هو لا يستطيع التحكم بغضبه ليس له حيلة في ذلك، هو أحيانًا يخطئ بحق نفسه عندما يكن غاضب ولا يستطيع التعديل على هذا الأمر..
ولكن بعد ما حدث قطع وعدًا على نفسه أنه سيحاول جاهدًا أن يتخلص من هذه العادة السيئة فقط لأجلها، والآن عليه أن يفكر ماذا سيفعل مع مروة حياته ليقضي على هذا التجاهل الآتي منها وتعود زوجته المرحة المحبة إليه..
ولكن هناك ما يشغل تفكيره أيضًا!.. لماذا لم يتحدث معه عمه أو "فاروق"؟ هل صرفوا نظرهم عن هذا الموضوع عندما وجدوه متعب ولا يستطيع التحمل أكثر؟ أم أنهم ينتظروا لتتحسن الأمور؟ أم ماذا؟.. 
على أي حال هو يعلم ما الذي سيفعله لن يعطي لأحد شيء ولن يأخذ منها شيء فقط سيرفض ويصارحها بما حدث منذ أول يوم ثم يذهب بها إلى حيث ما تريد.. فقط لينظر قليلًا وليبدؤا هم أولًا..
                 __________________
السعادة بالنسبة إليها الآن تكمن في تواجدة بمنزلهم لخطبتها!.. يا له من وغد الآن فقط علم من هي؟ الآن فقط شعر بحبها له؟ الآن فقط قرر أن تكن زوجته كما قال للتو؟، ألم تكن أمامه منذ سنوات تعشقه وهو ليس هنا!؟.. أيًا كان ما حدث أو يحدث الآن هي فقط عليها أن تكون سعيدة للغاية بما يحدث، فـ ربها الكريم استجاب لدعواتها بأن يكن "تامر" ابن عمها هو زوجها الصالح والباقي لها..
نظرت إليه بجدية وهي تراه مثبت أنظاره عليها وكأنه شارد بها وبجمالها الذي لم يلاحظه سوى الآن، تحدثت بجدية سائلة إياه:
-اشمعنى دلوقتي يا تامر وليه أنا ولا علشان مروة خلاص اتجوزت 
اعتدل في وقفته ثم وضع كوب العصير على حافة سور الشرفة الذي يقفون بها سويًا، تحدث هو الآخر مجيبًا إياها بجدية:
-ميار.. أنا صحيح كنت بحب مروة لكن من وقت ما اتجوزت فعلًا وهي بالنسبة ليا شيء تاني خالص.. بنت عمي وبس ولو قربت أكتر يبقى أختي، يمكن كمان أنا كنت معجب بيها بس مش بحبها.. أنا لو بحبها فعلًا مكنتش رضيت بالأمر الواقع حتى لو هموت
زفر بهدوء ثم قال مرة أخرى مسترسلًا في الحديث:
-أنا لما فكرت بجد وحكمت قلب وعقلي سوى ملقتش غيرك قدامي تكوني مراتي، صورتك جت قدام عنيا ومش مفرقاني، حاسس أني مش عايز أبعد عنك أبدًا ومش عايز حد تاني يقربلك... أنا بجد عايزك يا ميار 
كلماته مست قلبها بشدة ولكنه يعاني في الحديث.. يخرجه بصعوبة، هذا ما تراه لما ذلك؟ ولكن أيًا كان الأمر الأهم الآن أنه هنا لأجلها هي فقط..
تحدثت متسائلة بجدية وهناك ابتسامة تزين ثغرها:
-يعني مروة فعلًا بالنسبة ليك أختك؟
-والله العظيم مروة أختي وبس... طب أقولك قدام ربنا تحرم عليا زي أمي وبنتي وأختي ها ايه تاني؟
نظرت إلى الأرضية مبتسمة بسعادة غامرة وقد كان قلبها قارب على الإنفجار داخل أضلعه بسبب كثرة نبضه من الفرحة، ولكن لما تنسى أهم شيء تريد معرفته، نظرت إليه مرة أخرى وتحدثت سائلة بجدية:
-هسألك وتجاوبني بصراحة 
أومأ إليها بهدوء كدليل على الموافقة لتكمل هي قائلة:
-أنتَ عملت حاجه لمروة بعد ما اتجوزت.. بعتلها رسايل مثلًا؟
أبعد نظرة عنها وتطلع على المارة في الخارج لا يدري ما الذي يقوله!.. يقول أنه أراد تخريب حياتها؟ صمت لبعض الوقت ثم قرر أن يقول كل شيء ليبني هذه العلاقة على الصدق، نظر إليها مرة أخرى وتحدث قائلًا:
-آه بعتلها، الرسايل اللي كانت بتوصلها مني.. لما يزيد اتجوزها وخلاص كده مقدرتش أعمل حاجه حسيت أنه كسبني في جوله مصارعة مثلًا وكان نفسي أنه يطلقها لما يشوف الرسايل دي.. كنت بتعمد ابعتها في وقت هو معاها فيه بس محصلش كده بالعكس حبوا بعض، تدبير ربنا..  أنا في الوقت ده السكينة كانت سرقاني بس أنا بحكيلك أهو علشان مش عايز اخبي أي حاجه ونفتح صفحة جديدة ومستعد أجاوب على أي سؤال هتسأليه 
صمتت لبرهة ثم دون سابق إنذار داهمته بهذا السؤال:
-أنتَ بجد عايزني؟
ابتسم بهدوء شديد فيبدو أنها لا تقتنع بسهولة، أردف قائلًا بمرح وسعادة:
-والله العظيم عايزك أنتِ يا ميار يا بنت عمي نصر وعايز اتجوزك واخلف منك كمان دستة عيال 
تشكلت حمرة الخجل على وجنتيها يبدوا أنها وراثة عن هذه العائلة، سألته مرة أخرى محاولة مداراة خجلها:
-من امتى؟
-من أول مرة اتكلمنا فيها عن أن في حد حواليا عايزاني، أهو الكلام ده من شهور بس منستش كل يوم بفكر فيه علشان أخد قرار صح لأن دي مش هتكون حياتي لوحدي 
لا تريد أكثر من ذلك حقًا فقد اكتفت وما فعله في السابق لن تتذكره أبدًا، هو الآن "تامر" فقط، "تامر" الذي تعشقه فوق العشق عشقًا
نظرت إليه بخجل وسألته مبتسمة: 
-تفتكر بابا وافق؟
ضحك بشدة على كلماتها وهذه النظرة التي تحملها إليه ثم قال بمرح:
-لأ هو عمي نصر وافق من ساعة ما دخلنا البيت أصلًًا 
أجابته بضيق محبب وابتسامة لا تستطيع إخفائها:
-يا رخم 
-قلب الرخم وعيون الرخم وروح الرخم 
على الكلمات أن تُقطع هنا ولا يتحدث أحد نهائيًا، فهو أصبح لها حقًا وينتظر الموافقة منها، عليها أن تنظر إليه بحب وتبادله إياه لتنعم بكل ما هو جميل جواره لا بل عليها أن تحمد الله كثيرًا لما قدمه إليها، تشكره على فضله عليها وتحقيق حلم ظنت أنه بعيد كبعد الأرض عن السماء..
                     ________________ 
بعد أن غابت الشمس أمسكت "ميار" بهاتفها مرة أخرى لتتحدث مع شقيقتها وتخبرها بما حدث اليوم، لقد نسيت أخبارها حيث أن صديقتها تحدثت كثيرًا وبقيت لوقت طويل عبر الهاتف تتحدث معاها..
كانت مروة جالسة في غرفة الصالون أمام شاشة التلفاز تطالع ما يعرض أمامها بهدوء بينما هو يجلس داخل غرفة النوم على الفراش ممدد قدميه ويضع عليهم حاسوبه الخاص ويبدوا من تركيزه أنه يعمل، استمعت مروة إلى صوت هاتفها الذي صدح بالمكان، وقفت على قدميها وتقدمت للداخل حيث هو متواجد ورأت الهاتف جواره على الكومود، تقدمت منه ثم أمسكته وذهبت لتقف أمام باب الشرفة من الداخل حيث كان الجو بارد..
أجابت مروة مبتسمة بهدوء بعد أن وضعت الهاتف على أذنها:
-ميار حبيبتي عامله ايه؟ وحشاني أوي أنتِ وبابا
استمعت إلى الأخرى تهتف بحماس ولهفة:
-وأنتِ كمان والله يا مورو وحشاني، أنتِ اللي عامله ايه 
-أنا الحمدلله كويسه أوي
أجابت الأخرى بسعادة غامرة وفرحة مسيطرة عليها:
-يارب دايمًا يا حبيبتي.. أنا كنت عايزه اقولك على حاجه 
استغربت "مروة" حديثها فسألتها سريعًا مضيقة ما بين حاجبيها:
-في ايه؟
ابتسمت "ميار" وتحدثت بهدوء محاولة  السيطرة على تلك الفرحة التي اجتاحتها:
-تامر ابن عمي جه واتقدملي النهاردة
-ايه؟ تامر؟
احتلت الصدمة كيانها، "تامر" و "ميار" منذ متى وكيف ولما هي تعلم الآن فقط، هل هذا حقًا؟ أفكار كثيرة داهمتها وتوقفت عندما استمعت لحديث ميار..
-ايوه تامر يا مروة، اتقدملي النهاردة.. كان هنا هو وعمي ومرات عمي وأنا موافقة
ابتسمت مروة سريعًا بعد أن وضحت الصورة أمامها من جميع الزوايا بعد أن استمعت لها وتحدثت قائلة بابتسامة عريضة:
-ألف مبروك يا روحي، بجد ألف مبروك ربنا يتمم بخير.. اوعي تعملوا حاجه من غيري 
ابتسمت "ميار" من جديد وتحدثت بحماس قائلة:
-مستحيل طبعًا.. بس أنا قولت لبابا يديني شوية وقت وأول ما اخليه يرد عليه هكلمك تيجي 
-ألف مبروك أنا فرحت أوي أنتِ وهو تستاهلوا كل خير 
-حبيبتي يا مورو ربنا يخليكي وعقبال ما أشوف ولادك أنتِ ويزيد كده 
محت ابتسامتها فور استماعها لتلك الكلمات الغير مناسبة بالمرة لذلك الوقت والمواقف الذي تمُر بها على طريق الرحلة الصعبة هذه بجواره، تحدثت مرة أخرى:
-تسلمي يا حبيبتي.. تصبحي على خير
استدارت بعد أن أغلقت الهاتف لتضعه على الكومود مرة أخرى فداهمها بسؤاله المهتم:
-مالها ميار؟
تحدثت بجدية شديدة وبرود يحتل ملامحها ونبرتها وهي تجيبة قائلة:
-تامر طلبها للجواز
سريعًا ذهبت من أمامه إلى حيث ما كانت قبل أن تدلف إليه وهو عندما رآها تهرب من مواجهته أو التواجد معه حتى أغلق الحاسوب ذلك وألقاه جواره بحدة واضعًا يده الاثنين خلف رأسه مستندًا إلى ظهر الفراش لا يفكر بذلك الطفل تامر وأنه سيتزوج ميار الجميلة النقية، لا يفكر فيما قالته بل يفكر بها هي زوجته العنيدة أو ربما هي معها الحق أو كامل الحق ولكنه لا يعلم ما الذي يفعله وما الذي يحدث الآن من الأساس!..
                ___________________
"اليوم التالي"
ذهب "يزيد" منذ أن استيقظ إلى مَغلق الأخشاب مع أخيه "فاروق" بعد أن طلب منه ذلك لكثرة العمل هناك وبقيت هي في الغرفة إلى الآن ففي الآونة الأخيرة هي حبيسة الغرفة وهادئة هدوء لا يوصف..
تقدمت مروة من خزانة الملابس وفتحتها ثم أخرجت صندوق كبير وضعته على الأرضية وانحنت تأخذ منه صندوق هدايا متوسط الحجم، كان هذا الصندوق لم يفتح إلى الآن أخذته ووضعته على الفراش ثم أعادت الصندوق الكبير إلى داخل الخزانة مرة أخرى وأغلقتها..
تقدمت من الفراش وجلست عليه ثم أمسكت الصندوق وفتحته بهدوء لترى ما الذي يوجد بداخله وقد كانت علبة صغيرة لونها أزرق بداخلها سلسال راقي جدًا ورقيق وأنثوي للغاية.. منحوت على شكل عين ولم تكن أي عين فقد كانت عينها هي!.. عينها صاحبة الألوان المتعددة يبدوا أنه كان يرى هذا أيضًا، كانت تحمل ألوان متعددة كمثل ألوان عينيها تمامًا.. رأتها جميلة حقًا وقد اعجبتها للغاية..
أخذت الصندوق والسلسال ثم وقفت أمام المرآة وضعتهم عليها ثم تقدمت بيدها إلى عُنقها لتنزع سلسال "يزيد" الذي منذ أن أعطاها إياه وهي لم تنزعه عن عُنقها فقد كان يحمل صورة لشخص أحبته أكثر من نفسها..
وضعت سلسال "يزيد" على المرآة ثم أمسكت ذلك السلسال المصاحب لشكل عينيها ووضعته حول عُنقها لترى مدى جماله عليها، فقد كان حقًا رقيق مثلها.. نظرت في الصندوق مرة أخرى لترى أن هناك ورقة على ما يبدوا..
أخرجتها ثم نظرت بها لترى كلمات خطت بخط اليد وقد كانت:
"ملقتش حاجه توصف اختلافك غير دي"
ابتسمت بهدوء ثم وضعت الورقة بالصندوق وهي تفكر ما الذي ممكن أن تحضره لهم؟.. استدارت لتجلس على الفراش وجدته يقف عند إيطار الباب كما كل مرة حتى لا تراه وهو ينظر عليها.. استغربت نظرته لها فهو يضع عينيه على عنقها الذي يزينه سلسال آخر غير الذي يخصه.. فكرت قليلًا ثم استدارت لتأخذ سلساله وترتديه مرة أخرى ولكن استمعت إلى صوت شقيقته التي تنادي عليها فأجابت سريعًا وخرجت من الغرفة..
تقدم هو إلى الداخل، ألقى جاكيته على الفراش ثم تقدم من المرآة ليرى ذلك الصندوق وقد تذكره على الفور فهو لا ينسى مثل هذه الأشياء..
لقد كان هذا الصندوق نفسه الذي أعطتها إياه زوجة عمها عندما أتت لزيارتها هنا وقالت لها أنه هدية من "تامر" ابن عمها، جز على أسنانه بحدة ثم أمسك به وأخذ تلك الورقة ليرى ما بها أيضًا ولم يعجبه ما كُتب أطبق يده عليها بحدة ثم ألقاها على المرآة بعصبية..
استدار ليذهب ولكنه عاد لينظر مرة أخرى على ذلك السلسال الذي حمله بين يده فقد نزعته عن عُنقها وهو يحمل عائلته، يحمل صورة له ولها ولمن سيكون ابنهم في المستقبل.. 
دون أدنى إهتمام منها تركته هنا ووضعت أخر لغيره يتغزل بها، أليس من المفترض أنه سيكون زوج أختها؟ ما الذي جعلها تخرج هديته إليها الآن؟..
ألقاه بحدة على المرآة وتقدم من المرحاض وهو في غاية الغضب الذي يحاول أن يسيطر عليه حتى لا يفقد ما تبقى بينهم..
دلف إلى المرحاض ليستحم ثم بعد أن انتهى رأى أنه لم يأخذ ملابس معه إلى الداخل حتى أن رداء الحمام ليس هنا!..
فتح الباب بهدوء ثم هتف بصوتٍ عالٍ مناديًا باسمها ولم تجيبه فنادى مرة أخرى وأخرى إلى أن طفح الكيل به وصرخ بصوتٍ عالٍ ليراها وهي تدلف الغرفة راكضة..
تحدثت متسائلة باستغراب وهي تراه يقف خلف الباب:
-في ايه؟ ليه كل الزعيق ده 
تحدث بعصبية بعدما رآها تتحدث بكل هذا البرود: 
-أنتِ كنتي فين؟
-عند يسرى
-هو أنا مش لسه راجع من بره مش المفروض تشوفي لو محتاج حاجه لكن إزاي طلعتي تجري على بره 
ابتعلت ما بجوفها وتحدثت بهدوء شديد وهي تنظر إليه:
-أنا آسفة محتاج ايه 
نظر إليها باستغراب شديد لا يصدق الذي يحدث ما هذا الاستسلام والبرود الذي أصابها؟.. تحدث قائلًا بجدية:
-هاتي هدوم ألبسها الجو برد 
-حاضر 
                 ____________________
منذ الصباح وقد تغيرت معاملته لها مئة وثمانون درجة ففي الأيام المنصرمة كان يحاول مراضاتها بسبب ما حدث ولكن منذ أن رأى هدية "تامر" وهو منزعج، غاضب، لا يريد أن يفعل شيء بهدوء وعلى ما يبدو أنه قد فهم الأمر بشكل خاطئ كما كل مرة.. ابتسمت بسخرية وتحدثت بينها وبين نفسها فهذه ليست المرة الأولى ليشك بها فقد كانت مرات كثيرة وليس مرة واحدة.. 
قررت شيء واحد فقط ستفعله والآن..
تقدمت إلى داخل الغرفة وأغلقت باب الشرفة من خلفها، ثم ذهبت إليه في غرفة الصالون كان يشاهد على التلفاز رياضة المصارعة يبدو أنه يريد أن يلكم أحدًا..
جلست أمامه على الأريكة ثم تحدثت قائلة بجدية: 
-على فكرة أنتَ مش محتاج تتعصب ولا تتغير معايا 
نظر إليها ببرود شديد ثم أبعد نظرة وتحدث بجدية قائلًا:
-مين قالك اني متعصب ولا متغير معاكي
ابتسمت بسخرية ثم اعتدلت أمامه متحدثة بهدوء كما اعتادت هذه الآونة:
-بلاش نلف وندور على بعض.. أنا لما فتحت هدية تامر فتحتها علشان أعرف أرد الهدية مش أكتر لأنه خطب وأختي زي ما أنتَ عارف، مش علشان أرجع حنين فات ولا حاجه لأن بردو سبق وقولتلك إننا أخوات 
نظر إلى عنقها وقد وجدها أعادت سلساله مرة أخرى إلى مكانه المناسب فنظر أمامه وتحدث قائلًا بسعادة داخلة فقط:
-وأنا مش بشك فيكي يا مروة ومقولتش حاجه من اللي قولتيها دي 
وقفت على قدميها وتقدمت من باب الغرفة ثم استدارت وقالت له بعتاب ونظرة مرهقة:
-مش لازم نتكلم باللسان ممكن نتكلم بالنظرات.. أو الأفعال
فتحت باب الغرفة وخرجت منه وأغلقته خلفها وتركته ينظر في أثرها بانزعاج فهو لا يستطيع إلى الآن أن يعلم ما الذي يفعله حتى تعود كما السابق ويُمحي من عقلها ما قاله وفعله..
                    __________________
ذهبت إلى حيث يوجد صديقه الذي يستمع فقط، ذهبت إلى "ليل" المهيب صاحب الألوان السوداء في كل شيء، جلست أمامه وهي تنظر إليه بـ إرهاق وضعف غريب عليها لم تعتاده ولم يأتيها من قبل..
تحدثت بهدوء قائلة:
-ازيك يا ليل؟.. تصدق وحشتني 
ابتسمت بسخرية وهي تراه ينظر إليها دون أي ردة فعل منه وكأنه لا يرى شيء أمامه:
-ايه حتى أنتَ مش مصدقني، عندك حق هتصدقني إزاي وصاحبك مكدب كل كلمة بقولها حتى أنه معندوش ثقة فيا 
نظرت إلى الأرضية وتحدثت متسائلة وهي تشعر بالضياع:
-تفتكر أنا غلط أني جيت معاه بعد اللي حصل؟ طب هو أنا المفروض أمشي؟ 
رفعت نظرها إليه مرة أخرى بعد أن تكونت الدموع داخل عينيها الذي بُهت بريقها:
-أنا تعبت.. تعبت منه أوي يا ليل وهو مش حاسس، مش حاسس بيا خالص وشايف أن حبه ليا كفاية، شايف أنه المفروض يعمل كل اللي هو عايزه وأنا أسكت واستحمل 
خرجت الدموع من عينيها تفر هاربة على وجنتيها البيضاء، نظرت إلى عينيه السوداء وتسألت بجدية:
-هو أنا غلط في ايه معاه؟.. ولا حاجه أنا كل اللي بعمله أني بستحمل وبسمع كلامه.. استحملت كتير من عيلته اللي مش طيقاني ومستعدة استحمل أكتر من كده كمان بس هو يكون كويس معايا.. يكون يزيد اللي بحبه وقت النقاش في أي حاجه، وقت ما يقولي بحبك، وقت ما يحضني، مش عايزه أشوف يزيد العصبي اللي بيقول أي كلام مهما كان هو ايه مش عايزه أشوف يزيد اللي لما الغضب بيتملكه بيمد أيده عليا ويرجع يتأسف..
خرجت الدموع منها بغزارة وهي تسترسل في الحديث أمام جواده، حتى أنها انتحبت في البكاء وأصبح صوتها عالٍ: 
-أنا مش ممكن أكمل بالطريقة دي خلاص تعبت منه ومن كلامه السم اللي بيموت فيا بالبطئ.. تعبت من قلة ثقته فيا، أنا هكمل معاه العمر كله؟؟.. طب إزاي وهو كده مستحيل أقدر مستحيل أفضل عايشة مع واحد مش بيثق فيا واحد لما بيتعصب بيتحول لهمجي مش بشوفه في الوقت ده غير كده، واحد مخبي كل حاجة عني وكل إجاباته على اسألتي ناقصه..
-أنا بحبه أوي.. بحبه أكتر حد في الدنيا دي ونفسي فعلًا أفضل معاه العمر كله وأخلف منه بس هو اللي بيبعد وهو اللي بيعمل كل المشاكل دي بقلة ثقته فيا وبعصبيته، هو الطرف الوحيد الغلطان هو اللي بيخبي كل حاجه عني.. كل اللي بيعمله بس أنه يغلط ويرجع يعتذر وأنا زي الهبلة اسامحه
-أنا جوايا حاجات مش عارفه اوصفها، مش عارفه أقول ايه ولا عارفه أعمل ايه حاسه أني اتغيرت أوي من وقت اللي حصل حاسه أن مش هاممني حاجه وبقيت سلبية أوي
نظرت إليه وهي تزيل تلك الدموع العالقة بـ اهدابها وتحاول السيطرة على تلك الشهقات الخارجة من جوفها:
-أنتَ فاهمني؟
ابتسمت بسخرية متحدثة بعد أن وقفت على قدميها:
-دوشتك بمشاكلي مع صاحبك أنا آسفة 
أما هو بعد أن استمع لكل هذا الحديث والألم المتواجد داخلها خرجت دمعة من عينه عليها، على كم الأذى والحزن الذي سببه لها، أزالها سريعًا حتى لا يتيح الفرصة لغيرها بالخروج، أنه يحبها، يعشقها كما تفعل هي بل وأكثر أيضًا، الآن الألم بداخله مضاعف عما سبق، الآن هو يموت ألف مرة في الدقيقة الواحدة، كيف له أن يسبب كل هذا الحزن لها؟ لصاحبة العيون الساحرة، كيف له أن يبيح لنفسه فعل كل هذا بها؟، أنها تحمل كثيرًا وكثيرًا في قلبها حزن منه وهو في كل مرة يجعله يزداد.. 
يعترف بخطئه نعم هذه المرة كان الخطئ ليس هينًا ولكن هذا بسبب حبه لها يريد أن تنجب له أطفالًا، هذا ليس مبرر يعلم أيضًا ولكنه يعشقها فوق العشق عشقًا.. ماذا يفعل الآن معها؟ ماذا يقول؟ ما الحل في هذه الورطة؟ كيف سيجعلها تعود كما السابق ويسترد روحها الذي غادرتها بسببه..
هو يثق بها كما يثق بنفسه لما لا تفهم هذا؟.. فقط غضبه ما يجعله في هذه الصورة.. على كل حال سيجد طريقة للتحدث معها في كل شيء مضى وأيضًا سيترك الغضب والعصبية الزائدة في ركن بعيد عنهم هم الاثنين، علها ترضخ له.
ولج إلى داخل الغرفة ولم يجدها، فكر أنها ربما مازالت بالأسفل ولكنه أستمع لأصوات تأتي من المرحاض فعلم أنها متواجدة به أغلق باب غرفة الصالون من الخارج ودلف إلى غرفة النوم عازمًا أمره على إنهاء تلك المسألة بينهم..
وجدها تخرج من المرحاض بوجهٍ باهت كما الأيام السابقة، بيدها منشفة، نظرت إليه نظرة خاطفة ثم أزاحت نظرها عنه وتقدمت إلى الداخل وقفت أمام الفراش وأزاحت عنها ذلك الرداء الطويل لتبقى بما أسفله وقد كان قميص لونه أبيض يصل إلى ما قبل كاحليها بقليل، أحباله عريضة، يحمل نقوش بيضاء على صدره فقط..
بعد أن وضعت الرداء على المقعد تقدمت من الفراش لتتمدد عليه ولكن على حين غره وجدت نفسها بين أحضانه، لا تدري كيف حدث ومتى ولما ولكن هي الآن بين أحضانه!، يضع يده اليمنى خلف رأسها يقربها منه والأخرى حول خصرها مشددًا على احتضانها كما لو أنه سيفقدها إذا تركها!..
استغربت ما حدث ونظرت أمامها في الفراغ بذهول لما يفعله هو، ولكن أمام ذلك الدفء المنبعث من عناقه لها لم تستطيع الصمود، لفت يدها هي الأخرى حول عنقه تجذبه إليها كما يفعل مشددة على ذلك العناق الغريب والذي كانت تحتاجه وبشدة، ولكن هو دائمًا هكذا كل شيء يأتي منه ليس بمعاده بل بعده بفترات..
طال العناق وكل منهما محتضن الآخر بشدة وكأن الحياة متوقفة على ذلك العناق، طال العناق وكل منهما صامت ولا يتحدث فقط يشعر بذلك الدفء.. 
أبتعدت عنه بعد أن تركها ينظر إلى داخل زُرقة عينيها وهي تبادلة تلك النظرة الغريبة على كلاهما، كل منهما يتحدث بتلك النظرة بكثير من الكلمات هو آسفة يظهر بعينيه راجيًا منها الغفران كما كل مرة تغفر بها له وهي ترمي أسهُم العتاب عليه متحدثة بأنه لا يمكن الغفران هذه المرة فقد تفوقت على جميع المرات السابقة..
استدارت لتذهب إلى الفراش بعد أن اخفضت عينيها عنه ولكنه لم يسمح لها، أمسك بمعصم يدها يديرها إليه مرة أخرى ثم تحدث بخفوت وحزن:
-أنا آسف.. سامحيني 
نظرت إليه ولم تتحدث ولكن نظرتها تقُل الكثير، تقُل أنه كل مرة يفعل ذلك ويعود مع آسفة الذي لا يغير شيء بل كلما سامحته ازدادت الأخطاء وكثر الأسف..
عندما وجدها صامتة تحدث مرة أخرى بنظرة دافئة تحمل الكثير من المشاعر:
-أنا آسف.. سامحيني يا مروة، أنا عارف إني غلطان واستاهل أي حاجه تحصلي بس أنا مش قادر على كده.. وعد مني هبطل العصبية الزايدة والكلام اللي بقوله.. وعد مني هعملك كل اللي أنتِ عايزاه من غير كلام بس بلاش تبقي كده
ضغطت على يده وكأنها تود أن يستمع لحديثها دون ترك يدها، دون البعد عنها، تحدثت بهدوء وخفوت كما فعل قائلة:
-أنا آسفة بس مش قادرة خلاص تعبت من الكلام ده.. تعبت من كل حاجه حواليا 
يعلم أن ما فعله ليس بهين وهي على حق، ولكن هو يريد زوجته ليست هذه الدُمية، تحدث برجاءً قائلًا:
-لو فعلًا بتحبيني سامحيني.. أنتِ عارفه أن طبعي وحش لما بتعصب بس هغير ده علشانك سامحيني وارجعي مروة مراتي وحبيبتي 
مجهدة إلى حدٍ كبير، حتى أنها لا تستطيع أن تفاوضه أو تتحدث فيما افتعله هو ولكنها أردفت بجدية:
-أرجع ايه؟ طب ما أنا كنت الشخص اللي أنتَ عايزاه بس أنتَ اللي تعبتني وخلتني كده، أنتَ اللي عملت كل ده بعصبيتك وشكك فيا، أنتَ اللي مش بترحمني وبتسم بدني بكلام مفيش واحدة بتسمعه.. هو مفيش حد بيتخانق غيرنا يعني مهو أكيد كل الناس بتتخانق لكن مش كل الناس عصبية زيك يا يزيد أنا تعبت بجد.. تعبت ومش قادرة بقى 
لن يفكر كثيرًا فهو على دراية تامة أن حديثها صحيح وهو من يفعل كل ذلك بهم، قال بهدوء محاولًا السيطرة عليه وجعله يرافقه إلى نهاية الحديث:
-هعملك كل اللي أنتِ عايزاه بس بلاش تكوني كده.. أنا والله بتعذب من اللي عملته وكل ما بشوفك كده ببقى عايز أموت نفسي... كفاية أرجوكي
-أنا محتاجة أراجع حساباتي تاني يا يزيد 
نظر إليها باستغراب خائفًا من أن يكون قد فهم ما تريده صحيح، تساءل بتردد قائلًا:
-يعني ايه مش فاهم 
تركت يده ثم اولته ظهرها وهتفت بتوتر وتردد بذات الوقت:
-يعني محتاجة أراجع حساباتي يا يزيد.. محتاجة أبعد شوية وأكون لوحدي
سريعًا وقف أمامها مباشرةً وملامح وجهه تتغير بين الثانية والأخرى كلما استمع لحديثها، هتف بحدة وجدية شديدة لا تتحمل النقاش:
-مستحيل ده يحصل.. مروة متفكريش في حاجة زي دي خالص أنا مش هسيبك لوحدك ولو يوم حتى وعمري ما هسيبك غير لما ابقى ميت، سمعتي 
-محتاجه أخد مساحتي الخاصة 
نظر إلى عينيها وتحدث مُجيبًا إياها بجدية:
-براحتك خدي الوقت اللي تحبيه لكن وأنتِ معايا وإحنا سوا ووعد مني هتغير وهتشوفي شخص تاني.. أرجوكي
لم تفعل شيء سوى أنها أومأت إليه برأسها وتوجهت إلى الفراش متمدده عليه ومن فوقها الغطاء الثقيل وتركته يفكر بها وهل هي وافقت على ما قاله أم أنها مازالت تفكر بما تريده هي..
ربما تفكر بما تريده فهي لم تتحدث معه كثيرًا ولم تثور عليه أو تقول ما ينصفها أكثر من ذلك!.. ربما ما هي به الآن بسببه وحالة الجمود هذه أيضًا بسببه.. ليس ربما بل مؤكد. 
_________________
"بعد أسبوع"
ترجلت من السيارة بعد أن وقف أمام العمارة المتواجد بها منزل والدها، تنظر له بغرابة، لا تدري لما ولكن تشعر أن هناك شيء ليس طبيعيًا إن كان بها أو به، خرجت شقيقته هي الأخرى لتقف جوار زوجته بينما هو صف السيارة جوارهم ثم خرج منها ليفتح الصندوق الخلفي لها مُخرجًا منه صناديق هدايا كبيرة الحجم قليلًا، ناول شقيقته واحدًا منهم ثم ناول زوجته هي الأخرى مثلها وبقى هو بكيس كبير في يده.. أغلق السيارة ثم تقدم ثلاثتهم إلى داخل البناية..
فتحت الباب "نهى" التي كانت متواجدة منذ الصباح مع صديقتها، رحبت بهم كثيرًا وتقدمت "مروة" لتسلم عليها بحرارة:
-نهى عامله ايه والله وحشاني أوي 
احتضنتها صديقة شقيقتها مبتسمة بسعادة بعدما رأتها ثم هتفت مُجيبة إياها بتهكم وعبث:
-يا بكاشه اللي واحشه حد بيسأل عليه
ابتعدت "مروة" متحدثة بخجل فهي محقة ولكن هناك ما يشغلها طوال الوقت عن الجميع: 
-في دي عندك حق... نسيت أعرفك ده يزيد جوزي ويسرى أخته 
نظرت نهى إليهم ثم رحبت بهم بشدة ودلفوا إلى الداخل معها، خرجت "ميار" من غرفتها لتسلم عليهم جميعًا مرحبة بـ "يسرى" كثيرًا شاكرة إياها على حضورها..
ثم احتضنت شقيقتها بحرارة وشوق فلم تراها منذ شهور مضت فهتفت مروة قائلة مُبتسمة وهي تشعر بالفرح لأجل شقيقتها:
-ألف مبروك يا روحي ربنا يتمم بخير وأشوفك لابسه الأبيض
-الله يبارك فيكي عقبال ما أشيل ولادك أنتِ ويزيد 
زالت الابتسامة وهي تنظر إليه تراه متلهفًا لما قالته شقيقتها، أبعدت كل ذلك عن تفكيرها سريعًا فهي لا تريد أن تذهب بدوامة الأفكار وتنزع فرحتها وفرحة شقيقتها، تصنعت الابتسامة مرة أخرى وجلست معهم بالغرفة جواره هو، مال عليها قليلًا متحدثًا بجدية وصوت خافض:
-تعالي عايزك 
نظرت إليه باستغراب ولم تستطيع أن تجيبه حيث أنه وقف على قدميه متقدمًا إلى خارج الغرفة بعد أن استأذن الجالسين باحترام.. 
وقفت أمامه في الخارج تتساءل بعينيها عن ماذا يريد فأجاب هو بهدوء وجدية:
-أنا هنزل اعدي على المصنع لحد ما تخلصوا وبعدين هاجي 
وضعت يدها أمام صدرها وتحدثت بتهكم قائلة:
-وأنتَ بقى جاي علشان تروح المصنع؟
تنفس بعمق، يعلم أنهم كما كانوا ليس هناك أي جديد سوى أنها أصبحت تتحدث ولكن بعصبية أو تهكم لا يهم المهم أن هناك تقدم حتى ولو كان اختلاف بـ مزاجها، أجابها بجدية:
-هقعد أعمل ايه يعني في وسطكم؟ حتى نصر بيه مش هنا.. هعدي على المصنع أشوف أخباره وهرجع قبل المعاد
-طيب 
تقدم منها ليقبل أعلى رأسها بحنان وحبٍ يخاف من خسارته، أبتعد متحدثًا:
-خلي بالك من نفسك 
أومأت إليه برأسها ليبتسم هو بلين وهدوء ثم خرج من المنزل ليذهب إلى وجهته المنشودة وهي مكان عمله، تاركًا إياها تفكر به وبما يحدث بينهم ولكن ليس هذا الوقت المناسب 
بعد ساعات مرت حضر "تامر" ومعه والده ووالدته إلى منزل عمه "نصر" لحفل خطبته على "ميار"، كان حفل خطبة ولا أروع من ذلك وما جعله حقًا ليس له مثيل هي السعادة والفرحة البادية على وجوه الجميع خاصًا "ميار" وظهر "تامر" هو الآخر سعيد للغاية فقد استفاق بعد غفلة دامت مدة ليست قصيرة ولكن كان هذا حكم الله وما هو فيه الآن أيضًا حكم الله.. سعادتهم هم الاثنين لا توصف والابتسامة المُرتسمة على وجوههم تعبر عن كل شيء داخل قلوبهم وتجعلهم كتاب مفتوح لمن حولهم..
سعدت مروة لشقيقتها كثيرًا واكتشفت لما كانت دائمة السؤال عن حبها لـ "تامر" يا لها من مضحية.. لم تتحدث ولو مرة واحدة عن ذلك الأمر إلا عندما تأكدت من حبها لـ "يزيد"، ابتسمت بسعادة وهي تراه يضع خاتم الخطبة بإصبع شقيقتها متمنية لهم السعادة الدائمة..
فرح لهم أيضًا "يسرى" و "نهى" صديقة "ميار" ووالدها وعمها وزوجته فرحين لابنهم وهي أيضًا، فرح لها أيضًا "يزيد" ولكنه إلى الآن لا يتقبل "تامر" بالمعنى الكلي!..
بعد أن وضع خاتم الخطبة بإصبعها وقدم التهنئة الجميع جلسوا وتوقفت أصوات الأغاني الشعبية العالية.. وقد كان يزيد يقف عند باب الشرفة من الداخل ليدخن سيجارته التي لا يستطيع الإستغناء عنها، نظر إلى الداخل وجد زوجته تتقدم منهم مروة أخرى تحتضن شقيقتها معبرة لها عن سعادتها بها ومتمنية لها السعادة الدائمة ومن ثم قدمت يدها إلى ابن عمها البغيض لتهنئة فقام بوضع يده بيدها ثم جذبها إليه ليقبل كلتا وجنتيها محتضًا إياها وهو يبتسم ببرود!..
ألقى سيجارته سريعًا على الأرضية ودعسها بقدمه وهو يتقدم إليهم في الداخل وقد قارب على الإنفجار من أفعالها، لماذا جعلته يقترب منها إلى هذا الحد؟ ألا ترى زوجها؟ ألا تحترمه على الأقل؟.. أحمر وجهه من شدة الغضب الذي حاول التحكم به، ضغط على يده الذي وضعها داخل جيوب بنطاله الأزرق، تقدم منها ثم تصنع الابتسامة بصعوبة قائلًا إلى "ميار":
-مبروك مرة تانية
-الله يبارك فيك 
نظر إلى زوجته بهدوء وجدية شديدة مُرتسمة على ملامح وجهه متحدثًا:
-عايزك
علمت ماذا يريد فقد رأته وهو ينظر إليها عندما احتضنها "تامر" ولكن لم يكن لها دخل بهذا الشيء فهو من جذبها إليه عنوة فقط كانت تود المصافحة ليس إلا، ابتسمت إليهم ثم أردفت مستأذنة:
-عن اذنكم
أشار إليها برأسه لتتجه معه إلى ركن بالمنزل بعيد نسبيًا عن الجميع ثم وقف أمامها بوجهه الذي يحمل الجدية التامة ليس شيء سواها وتحدث قائلًا:
-هنزل استناكي تحت في العربية هاتي يسرى وانزلي هنروح البيت هنا ونرجع المنيا الصبح
تحدثت متسائلة باستغراب فـ حفل الخطبة مازال مستمر وهو يريد الرحيل، وليس حفل شخص عادي أنه حفل شقيقتها!:
-هنمشي دلوقتي؟، لسه بدري 
أجابها بفتور قائلًا وهو يبتعد عنها ليتوجه إلى والدها:
-هروح أسلم على والدك وأنزل.. عشر دقايق وتكونوا تحت
نظرت عليه وهو يبتعد من أمامها متوجهًا إلى والدها بحزن خائفة من أن تعود نوبة الغضب المفرط إليه بعد كل ما حدث إليهم، تعلم معه كامل الحق ولكن هي لم تكن تريد ذلك، هو من جذبها إليه ليحتضنها بدافع الإخوة ليس إلا..
____________________
جلست على الفراش تنظر إليه بعد أن بدل ملابسه ووقف في شرفة الغرفة يدخن سيجارته ولم يتحدث معها عن أي شيء!.. نفضت ذلك عن رأسها ووقفت هي الأخرى تبدل ملابسها بهدوء شديد جاعلة عقلها يتوقف عن التفكير لبضع لحظات فقط.. 
بعد أن انتهت ذهبت إليه ووقفت جواره ثم سألته بجدية وهي تنظر إليه:
-خلتنا نمشي ليه؟
لم تلقى ردًا منه، لم ينظر إليها من الأساس وبقى كما هو يدخن سيجارته بهدوء مستفز إليها، فصاحت بحدة قائلة:
-هو أنا مش بكلمك؟
استدار إليها متحدثًا بحدة هو الآخر وقد كان يريد الهدوء أكثر من ذلك:
-عايزاني استنى لما الحقير ابن عمك ده يعمل ايه؟
تهكمت على حديثه قائلة بسخرية:
-اديك قولت ابن عمي يعني زي أخويا وقريب هيبقى جوز أختي بطل بقى الغيرة الغبية دي 
وضع السيجارة بالمنفضة على سور الشرفة بعصبية ثم نظر إليها متحدثًا بضيق شديد من حديثها الغبي للغاية وهي لا تشعر بالنيران بداخله:
-بقولك ايه متاكليش دماغي بأم الكلمتين دول، ابن عمك يعني يجوزلك أخوكي دي تقوليها لما يبقى ابن أمك وأبوكي ولا أنا اسيب لحم مراتي للي يسوا واللي ميساوش واركب قرون علشان أعجب سيادتك ومتبقاش غيرة غبية؟
لم تجيبة، ماذا ستقول؟ لا تعلم من الأساس هل هو معه حق في هذه الكلمات البذيئة أم ماذا؟ نظرت في الخارج ولم تعطيه إهتمام بعد تلك الكلمات، وجدته يستند على سور الشرفة وتحدث بجدية متسائلًا: 
-بتخليه يعمل كده ليه يا مروة؟
أجابته بهدوء وصوت خافض وهي تنظر إلى الخارج كما هي:
-غصب عني أنا كنت بسلم عليه وهو اللي شدني واتصدمت من الموقف ومعرفتش أعمل حاجه 
-تمام 
لم يقول إلا هذه الكلمة البسيطة ولكن كانت من خلف قلبه وعقله وروحه وكل شيء داخله، فقد كان يحترق بنيران الغيرة والغضب ولكن لا يستطيع أن يفعل أكثر من ذلك، هو على أول الطريق معها لن يتحدث ولن يقول شيء سيجعلها تعلم ما الخطأ الذي فعلته دون أن يتحدث، دلف إلى الغرفة وصعد على الفراش ليتمدد ومن ثم وضع الغطاء فوقه وتوجه للنوم..
وقفت هي تنظر إليه وإلى ردة فعله الغريبة كليًا عليها، منذ متى وهو هكذا؟ ربما يحاول التخفيف من حدة غضبه وثورته ولكنها أيضًا مخطئة هي مؤكد لن تتحمل أن يفعل هو هذا الشيء مع أي امرأة أخرى، ستجعله يلين ويغفر لها فهي أيضًا لم تفعل هذا بقصد منها لقد حدث على حين غرة..
_______________________
"بعد مرور شهر"
تحدثت "ريهام" بحقد وغل يظهر في كل حرف تخرجه من بين شفتيها:
-ده واد غبي.. قولتله يروح المعرض ويحكي معاها ولما يزيد يسأله أنتَ مين يقوله أنه كان حبيبها وكانوا زملا ومع بعض على الحلوة والمرة ويسبك الدور وحتى لو مسألوش يقوله هو راح الغبي ده أول ما شاف يزيد خاف وكش في نفسه وقاله أنهم كانوا زملا لا أكتر ولا أقل وبوظ الدنيا الغبي ده 
ابتسمت بمكر ثم أكملت:
-بس في المرة التانية لما جالي يزيد واتكلم معايا حسيت أنه شاكك فيها أنها بتاخد وسيلة لمنع الحمل وأنا مقصرتش خليته يتأكد بدل ما هو شاكك
قاربت "إيمان" على التحدث ولكن صمتت عندما وجدت من يدلف إلى المطبخ بهدوء شديد و ملامحه جادة.. 
دلف إليهم "يزيد" ثم استأذن من زوجة شقيقه أن تتركهم وحدهم ففعلت وهي تحمد الله كثيرًا أنها لم تتحدث فمؤكد أنه استمع إلى حديث "ريهام" من الألف إلى الياء..
ابتلعت "ريهام" ما وقف بحلقها فهو قد يكون استمع إليها، نظرت إليه بتوجس وهو يتقدم منها بهدوء ولكنه ابتسم قائلًا:
-طبعًا أنا وأنتِ صحاب من زمان أوي وأنا من غيرك في الشهور اللي فاتت دي مكنتش هعرف أمشي شغلي نهائي بسبب الظروف اللي حصلتلي.. فـ أنا عايز أقولك شكرًا 
حمدت الله كثيرًا وكثيرًا بنفسها فقد وقع قلبها بين قدميها من أن يكون استمع لما قالته عنه وعن زوجته وما فعلته، تحدثت بسعادة قائلة:
-متقولش كده يا يزيد أنتَ عارف إنك أعز صاحب عندي
-وعلشان كده يا ريهام بقولك اطلعي من حياتي 
صدمة.. وقعت عليها كالصاعقة، كلماته حادة وشديدة الجدية، نظرت إليه باستفهام فقال هو بهدوء: 
-البيت ده بيتي وأنا فتحتهولك ومراتي استقبلتك فيه وأنتِ غدرتي بيا، صحيح مروة مكنتش مرتاحة لوجودك بس أنا طمنتها وقولتلها إنك صاحبتي وعمرك ما تعملي حاجه وحشه لكن للأسف.. لولا أنك جيتي امبارح بقى بالورق مكنتش هعرف أنتِ عملتي ايه، من غير كلام كتير بقى هبعت هشام بكره المصنع يستلم كل شغلك وصفي حسابك معاه وامشي وخلينا كويسين مع بعض من بعيد يا ريهام.. توصلي بالسلامة 
تركها وذهب إلى الخارج وهو في غاية الحزن على تلك الفتاة التي اعتبرها صديقته!.. لقد كانت تريد التخريب بينه وبين زوجته كما يفعل الآخرون ولكن لما ذلك؟. لما الجميع كاره وجود مروة والسعادة بحياته؟. لن يحزن عليها حمدًا لله أنه كشفها قبل فوات الأوان. 
بينما هي وقفت مندهشة من الذي حدث وكم كانت غبية حقًا!.. الأن فقط عن خسارته استفاقت!.. هي لما فعلت كل ذلك؟ لما تكره زوجته؟ فهي لم تفعل معها أي شيء سيء؟ هي لا تحبه حتى تغير منها هو فقط صديق لها لماذا إذًا فعلت كل ذلك؟ لقد كان غباء منها وجعلها تترك كل شيء يضيع هدرًا.. لقد كانت غبية لا تفقه شيء عندما فعلت كل هذا ولكن تستحق ما فعله بها لقد كان كريمًا معها أيضًا.. توجهت إلى الداخل لتضب أغراضها حتى ترحل من هنا دون رجعة مقررة الذهاب الآن..
____________________
دلف غرفته ووجدها تجلس أمام التلفاز، أغلق الباب وتقدم منها بهدوء ليجلس جوارها ثم تحدث قائلًا:
-أنا خليت ريهام تسيب الشغل 
أغلقت التلفاز ونظرت إليه باستغراب شديد ثم تحدثت بجدية متسائلة:
-متقولش علشان أنا زعلت أنها جت امبارح!؟..
تمدد على الأريكة ووضع رأسه على قدميها فوضعت يدها على خصلات شعره تمررها بهدوء، لقد أصبحت العلاقة بينهم كما كانت بالسابق وأكثر قربًا بمرور مواقف عليهم تحكم "يزيد" فيها بغضبه وبمرور مواقف أظهر كلا منهما الحب القابع داخل قلوبهم..
تحدث بهدوء قائلًا:
-اكتشفت أنها بتعمل غلطات كتير أوي وأنا مش واخد بالي 
تحدثت باستغراب وتساءلت ومن ثم قدمت حسن النية الذي يوجد بداخلها لكل من حولها:
-وهو علشان بتعمل غلطات يبقى تمشي؟ مش هي صاحبتك يا يزيد، اديها فرصة تصلح الأخطاء دي
نظر إليها مُبتسمًا بهدوء فقد كانت ملاك برئ كما قال، لم يخطئ إلى اليوم في وصفها:
-لأ يا مروة كان لازم تمشي.. ممكن منتكلمش في الموضوع ده؟
أومأت إليه بهدوء ولكن برأسها ألف سؤال عن ما الذي حدث حتى يجعلها تترك العمل معه؟
نظر إليها مبتسمًا بـ إرهاق ثم تحدث قائلًا بهدوء:
-بقولك ايه أنا تعبان ما تريحيني 
ابتسمت بسعادة وهي تخلل أصابعها داخل خصلات شعره الذي يضعه فوق قدميها، وعلمت ما الذي يريده فهتفت بهدوء وخفوت قائلة:
-بحبك
ابتسم بوجهها ثم اعتدل ليجلس أمامها وقارب على الإقتراب من شفتيها ليقبلها بهدوء وحب معبر عن مدى سعادته بوجودها ولكن وجدها سريعًا تهم للذهاب إلى المرحاض واضعة يدها على فمها، ذهب خلفها سريعًا ولكنها أغلقت الباب عليها ليقف بالخارج ينتظرها وهو يطالب بمعرفة أي شيء يجعل قلقه يخمد..
-افتحي يا مروة بقى الباب ده قلقتيني 
صمت لبرهة ثم هم بالتحدث مرة أخرى ولكن وجدها تخرج وهي تجفف وجهها بالمنشفة، اقترب منها سريعًا متحدثًا بلهفة وخوف:
-مالك في ايه؟ 
نظرت إليه بهدوء هي الأخرى وتحدثت بجدية:
-مالك أنتَ فيه أي أنا واخده برد في معدتي من يومين
نظر إليها وقد كان يود أن يستمع إلى شيء آخر ولكن ليس هو على الأغلب، تحدث قائلًا بتساؤل:
-برد بس؟
علمت ما الذي يرمي إليه لتجيبه بهدوء ونظرة ضائعة: 
-للأسف 
وضع يده حول كتفيها وتحدث بهدوء وهو يأخذها إلى الفراش قائلًا: 
-طيب يا حبيبتي بكره نروح نكشف 
أجابته قائلة بعد أن جلست على الفراش: 
-لأ لأ أنا معايا العلاج بتاعي ده دور لازم اخده في الشتا 
-متأكدة؟
-آه 
أغلق الأنوار وتوجه ليتمدد جوارها بعد أن سحب الغطاء عليهم قائلًا بهدوء وهو يحتضنها:
-طب يلا ارتاحي شوية، تصبحي على خير 
-وأنتَ بخير يا حبيبي 
_________________ 
"اليوم التالي"
وكأن السعادة خلقت الآن بالتحديد لتكون على اسمها، "مروة" ذلك الإسم الذي اختاره جدها ليكن من نصيبها أحبته ولكن أحبته فوق الحب حبًا بعد أن عرفت حبيبها، بعد أن نادها بـ "مروة قلبه" وبعد أن قال في كل الأوقات "مروتي"..
التشتت كان من نصيبها منذ أن عرفته خوفًا من فرط عصبيته ولكن حنانه وحبه كان الطاغي على كل شيء به، وقد مر شهر منذ ذلك اليوم الذي طلبت به البعد لفترة وإلى الآن لم يأتي اليوم الذي يزداد فيه غضبه عليها..
لم يفعل أي شيء غير لائق، لم يتحدث بعصبيه على أتفه الأشياء كما السابق، أو حتى أشياء ذات قيمة، هو الآن هادئ، لين، حنون، بعد ما حدث أصبحت حياتهم أهدى بكثير من السابق.. أفكارها مشتتة إلى الآن لا تدري هل تتحدث عن حبها له؟ أم حبه لها؟ أو التغير الذي طرأ على حياتهم؟ أو تلك المفاجأة التي تريد أن تضعها بقلبها له؟ أتدرون؟ الأحسن من كل ذلك هو أن تهبط إليه وتحضره إلى هنا.. 
أول مكان اعترفت إليه بحبها فيه وهو أيضًا، نظرت إلى الغرفة التي جهزتها هي و "يسرى" لتظهر في أحسن صورة لتحظى معه بلحظات لا تُنسى وتجعله لا يتذكر سوى هذه اللحظات ماحيًا من عقله كل ما مر عليهم من حزن، ستفعل كل شيء ليبقى سعيد، ستفعل كل شيء لأجله، لأجله فقط!..
ذهبت إلى خارج الغرفة متوجهة إلى غرفة شقيقة زوجها التي سمحت لها بالدخول فور أن دقت الباب، دلفت إليها لتسألها قائلة بابتسامة: 
-فين أخوكي ده المغرب هيأذن
ابتسمت الأخرى بسخرية شديدة وتهكم ثم أجابتها قائلة:
-سيدي يا سيدي على اللي مش قادر يستنى.. تحت ياختي في المكتب روحيله 
أجابتها "مروة" والابتسامة تشق طريقها على وجهها متحدثة بحماس:
-عقبالك ياختي.. ويلا بقى حضري نفسك علشان عندنا حاجات كتير نعملها الفرح فاضل عليه أقل من شهرين 
-عيوني يا جميل 
تركتها "مروة" وخرجت بعد أن أغلقت الباب لتهبط الدرج بهدوء، والسعادة تغمُر قلبها، تسيطر عليها لا تدري هل الأمر يستدعي كل هذا أم لا ولكن الأمر حقًا غريب عليها وهي سعيدة للغاية وتريد أن تجعله يسعد معها لذا عليه أن يرى الغرفة أولًا..
ذهبت أمام باب المكتب، وضعت يدها على المقبض وكادت أن تحركه لتدلف إليه ولكن.. ليس كل ما يتمناه المرء يحدث..
زالت الابتسامة عن ثغرها تدريجيًا، السعادة التي كانت تدق كالطبول بقلبها الآن تدق خوفًا، قهرًا، جسدها بأكمله يرتعش، تكونت الدموع خلف جفنيها وأصبحت زرقة عينيها مُعتمة للغاية، كل ما حلمت به وكأنه كان زجاج وبغمضة عين ولحظة تهور سقط ليقع على الأرض مُتهشم إلى أشلاء..
كل ذلك حدث بثوانٍ، لحظات، لحظات استمعت بها إلى صوت شقيقه من خلف الباب وهو يهتف بقسوة وجدية:
-ضحكت عليك بت طوبار ولا ايه، كفاية بقى يا ابن أمي وأبويا فات كتير أوي وده مكنش الاتفاق فين اللي اخدته منها الوقت بيعدي؟.. لولا بس أن أمي هي اللي سكتتنا عنك الفترة اللي فاتت كان هيبقالنا تصرف تاني
واستمعت إلى صوت عمه هو الآخر يقول بحزم شديد:
-إحنا اتفقنا يا يزيد أنك هتاخد منها كل اللي تملكه وترجع حق العيلة وخدنا منك كلمة راجل 
ومن ثم أمه بصوتها البغيض على قلبها:
-كل الكلام الحلو اللي بتضحك عليها بيه ده مكفهاش، والحركات الماسخه بتاعتكم دي مجبتش نتيجة علشان تاخد منها اللي أنتَ عايزة 
-حاضر، بس كده؟ هعمل كل اللي انتوا عايزينه.. ما انتوا أهلي وأولى ليا من أي حد
ومن ثم هوى قلبها بين قدميها وتركت المقبض تضع يدها على جانبها الأيسر خوفًا من فقدان حياتها، الدموع الآن تعرف مصارها الصحيح بعد أن استمعت إلى كلماته التي خرجت من جوفه ببساطة، بهدوء وكأن شيء لم يكن، وكأن ما عاشته معه كان كذبه!... 
كان؟.. هو حقًا كان كذبه، يكذب ليأخذ كل ما تملكه!، يكذب ليكون بصف عائلته الكريهة!، كل ذلك كذب؟، كل ما مر عليهم كذب، مؤامرة.. قد قالت له قبل أن هناك مؤامرة تحدث من حولها ولم يُخيب ظنها.. ولكن ما جعل القهر يسيطر عليها أنه شريك بتلك المؤامرة
استكمل حديثه قائلًا بجدية شديدة بعد أن وقف على قدميه أمامهم:
-انتوا فعلًا أهلي، وأولى ليا بس أنا مش أولى ليكم.. ليه؟ مستكترين عليا الفرحة اللي أنا فيها؟
وقف أمام والدته سائلًا إياها باستغراب وحزن تلبسه منذ أن علم أنهم لا يريدون شيء سوى الانتقام والمال:
-مستكتره على ابنك الفرحة مع مراته؟ امتى شوفتيني فرحان؟ قوليلي يمكن مش فاكر؟ قوليلي أنا بقالي كام سنة وأنا حمار شغل ليكم؟ لحد ما بقى عندي تلاتين سنة وعمري ما فكرت اتجوز دا انتوا اللي فكرتوا ولما فكرتوا كان علشان مصلحتكم مش علشاني ووافقت.. وافقت بعد ما كلامكم غلبني بس هي وحبها وخوفها عليا غلبوني أكتر.. بتحبني أكتر منكم يا عالم 
أجابته وهي تنظر إليه خائفة من أن يكون حديثه صحيح متغلبه على عرق الأمومة قائلة بجدية: 
-محدش هيحبك أكتر من أهلك
صرخ بها بعنف وداخل قلبه يحترق لأجل كل شيء حدث معه:
-كدب، كل ده كدب انتوا محدش فيكم حبني هي الوحيدة اللي حبتني 
استدار ليقف أمام شقيقه الذي من المفترض أنه الأكبر، ابتسم بسخرية وتكونت الدموع داخل عينيه محاولًا السيطرة عليها، تحدث قائلًا:
-الأخ الكبير أهلًا أهلًا، اللي مش بيفكر غير في نفسه ودلدول مراته
أتى ليتحدث بغضب حتى يصمت عن ذلك الحديث ولكن يزيد صرخ هو الآخر قائلًا:
-اسكت خالص.. متتكلمش خالص يا ابن الراجحي، ايه حرقتك ما أنتَ دلدول مراتك هو أنا قولت حاجه غلط ماهو ده اللي بيحصل كل يوم وفي كل ساعة وكل دقيقة وكل لحظة.. أنتَ عارف مراتك دي عملت كام حاجه تخرب البيوت العمرانه من وراك؟ طبعًا متعرفش ولو عرفت يعني هتعمل ايه؟.. ولا حاجه... بتحبوني إزاي دا أنتَ لما شوفت مراتي في اليوم إياه مغضتش بصرك عنها 
نظر إليه بتقزز بينما أخيه أخفض وجهه بالأرض، ابتسم بتهكم ثم استدار إلى عمه والذي أتى دوره ليأخذ نصيبه من هذا الحديث القاسي:
-عمي الراجل الوقور الصالح.. يا مليون مرحب بيك، عارف يا عمي المفروض أنك الكبير العاقل الوحيد اللي فقد كتير بينا المفروض تقول لنفسك اتعظ لكن إزاي؟ أهم شيء الانتقام والفلوس.. مش كده؟
أبتعد عنهم جميعًا ووقف قبالتهم، نظر إليهم واحدًا تلو الآخر بهدوء والحزن يسيطر على جميع خلاياه، تحدث قائلًا بكسره وضعف:
-في ظل أنكم حسستوني أني مش مهم وانتوا شايفين سعادتي معاها.. يعني على الأقل كان المفروض تقدروا ده وتقولوا ده الواد فرحان خلاص بلاها الحكاية دي وخلوه فرحان لكن ده محصلش، هي بقى كانت بتعمل كل الحلو ليا.. كنت أنا بغلط وهي تتعذر، أضرب وهي تصالح، وأبعد وهي تقرب، هي الوحيدة اللي كانت عيلتي، هي اللي حسستني بالحب والحنان، الاهتمام..
نظر إلى والدته وأكمل مبتسمًا:
-الأمومة مش القسوة، وكانت الزوجة الصالحة بين كل ده، إزاي عايزاني أضحك عليها وابيعها كده بالساهل؟.
وضع يده بجيب بنطاله ووقف بشموخ بعد أن زال دمعه أرادت الفرار من حبس جفنه، تحدث بقسوة وجدية شديدة:
-اللي عايزينه مش هيحصل.. وأهي مراتي فوق اللي عايز يطلع يقولها يتفضل يروح وكده كده هي نص ساعة بالكتير وهقولها بنفسي كل حاجه من الألف للياء.. بس وديني ما واحد فيكم يعملها قبلي ويروح يقولها ما هيبقى ليكوا حد اسمه يزيد في الدنيا دي 
نظر إلى والدته متحدثًا بحدة ونفس تلك القسوة ترافقه:
-تنسي أن ليكي ابن اسمه يزيد
ومن ثم نظر إلى شقيقه وأكمل:
-وأنتَ تنسى أن ليك أخ من الأساس، وديني وما أعبد ما هتشوفوا وشي مدا الحياة لحد ما أموت ولما أموت محدش فيكم واقف في عزايا.. ابقوا اعملوها بقى 
بسرعة الرياح خرج من الغرفة وإلى خارج المنزل وعقله يكاد يتوقف عن التفكير، من كثرة ما وجد فيه الآن، لقد أخذ قراره اليوم ستعلم كل ما حدث، لن يصمت أكثر من ذلك، لن يدعها تضيع منه إلى الأبد سيقول لها كل شيء وينتهي ذلك العناء، سيذهب بها إلى أي مكان تطالب به حتى يبتعد عن الجميع..
بينما في الداخل نظرت والدته إلى ابنها الأكبر وهي تفكر في كلمات "يزيد" لقد كان يتحدث بحرقة وحزن لا يصف، لقد عانى ابنها كثيرًا وهي تزيد عليه معهم، منذ شهر وجدته مرهق، جعلتهم لا يتحدثون معه حتى يستريح، كان عليها أن تجعلهم لا يتحدثون أبدًا، لقد استمعت إلى كلمات تقطع الآن نياط قلبها، ابنها معه كامل الحق في حديثه، وهي معهم عليه كيف تعتذر منه، كيف تقول أنها كانت تريد أن تأتي بحق زوجها؟ عائلة زوجته تستحق أسوأ شيء ولكنها كانت تعاقب ابنها وليس تلك العائلة!..
              _______________________
وقفت خلف باب الغرفة والدموع تجري على وجنتيها، قلبها يقرع كالجرس الذي وضع أحدهم إصبعه عليه دون أن يُحيده عنه، القهر والخذلان يسيطران عليها، لقد خذلها بأبشع الطرق، قابلته وهو متعجرف مغرور، تغير تدريجيًا أحبته إلى درجة لا توصف، عشقته، تطيق العمى ولا تطيق الأذى إليه ولو برياح تزعج عينيه، أحبته إلى درجة الجنون والهوس، عشقته إلى أن أصبحت لا تستطيع النوم سوى جواره، اعترفت بحبها إليه وهي متيقنة أنه يحبها، فعلت كل ما كان بوسعها لتعيش معه بسعادة، والآن فقط علمت لماذا لا يستطيع أن يبتعد عن أهله ويعيش معها بمنزله!.. لا تستطيع أن تصف كيف تحبه وتعشقه، كيف تخاف عليه كما لو أنه من تبقى لها من الدنيا وما فيها، لا تستطيع أن تصف أي شيء..
دلفت إلى داخل غرفة النوم ودموعها لا تتوقف عن النزول، نظرت إلى كل شيء فعلته بالغرفة، تلك الورود الحمراء الذي وضعتها بكل مكان، هذه الشموع المنتظرة لاشعالها، الفراش الموضوع عليه مكتوب منها إلى حبيب قلبها، زينة الجدران، معطر الجو الذي ينعش الغرفة برائحة الياسمين الذي يعشقها، ذلك الطعام الذي يحبه، مشروب الليمون بالنعناع أيضًا هناك..
دلفت بهمجية إلى الغرفة وسارت تبعثر كل شيء في الأرجاء، أمسكت الشموع من على الكومود والقتهم أرضًا، دعست الورود بقدميها وهي تبكي وتنتحب بصوتٍ عالٍ، أخذت المكتوب ومزقته إلى أشلاء ثم نظرت إليه بين يديها وسارت دموعها أكثر عندما علمت حجم الكارثة الذي أصبحت بها عندما نظرت إلى ذلك المكتوب!، ولكن لم تستطيع الصمود أكثر من ذلك، ألقت ما بيدها أرضًا ودفعت صينية الطعام بيدها ليتناثر على أرضية الغرفة، وتنكسر الصينية إلى أشلاء، بيدها ألقت كل محتويات المرآة لتتهشم وتصبح دون فائدة، ثم أخذت عطرها الخاص الذي يحمل رائحة الياسمين والقته ليتهشم وتتناثر قطع الزجاج على الأرضية مع الرائحة النفاذة، جذبت ملاءة الفراش والقتها أرضًا هي الأخرى ودعستها بقدميها عدة مرات، ثم ومن دون مقدمات هوت قدميها لتجلس بجانب الفراش..
جلست تبكي بقهر على كل لحظة مرت بحياتها معه، تبكي على ذلك الحب الذي اعتطه إياه، تبكي على كل شيء فعلته معه، نظرت إلى الفراش الذي كانت تنام عليه جواره، جوار شخص كان يريد سرقتها؟.. لم يكن آمين على أي شيء بها، لم يكن آمين على أي شيء يخصها، الشعور الملازم لها الآن ليس له وصف لقد كذب عليها، خدعها بحبه لها، كل ما فعله خدعه، كل تلك المشاعر خدعه؟ النظرات والكلمات؟ تلك اللحظات الحميمية أيضًا كانت خدعه؟ كيف فعلها؟ كيف تحكم بنفسه ليفعل كل ذلك؟ وضعت يدها على فمها عندما ازداد صوت بكائها.. الآن هي تائهة ولا تعلم ما السبيل للبعد عن كل ذلك؟..
داهم عقلها شيء واحد فقط وهو عمها، وقفت سريعًا على قدميها ومن دون التفكير خرجت من الغرفة، هبطت الدرج وخرجت من المنزل لتذهب إلى بيت عمها الآن سريعًا، لتعلم كل ما حدث بالماضي يجعله يفعل بها ذلك الأمر الشنيع..
بين بيت عمها بيت زوجها عشرة دقائق مشيًا على الأقدام، سارت ومازالت الدموع تخرج وكأنه أبواب السماء داخل عينيها فتحت لتمطر كل هذا الكم من الماء، تتذكر حديثه وتهديدات "فاروق" له بالحرف الواحد وهو يخضع حتى لا يفضح أمره، تتذكر كلمات الجميع لها وله وقد كان كل ذلك جزء من المسرحية عندما أراد الذهاب، يا له من وغد، هذا هو السبب الحقيقي للزواج إذًا!.. هذا هو الذي يعرفه الجميع ولا أحد يقوله لتكن المغفلة الوحيدة التي يأخذون منها ما أرادوا..
تتذكر ذلك اليوم الذي ظل يسأل به عن كل شيء تملكه لقد كان يريد معرفه أملاكها حتى يأخذها منها، تتذكر كل شيء الآن فقط فهمت ما الذي كان يحدث..
تتذكره وهو يوافقهم قائلًا أنهم أهم من أي شخص آخر..
لقد أحبته، أحبته بشدة ولا تستطيع العيش بدونه حتى الآن بعدما عملت كل شيء، أنه"يزيد" من جعل حياتها ترسم الابتسامة بنفسها ولكن كان يكذب، يخدعها لتقع بعشقه وتسلمه ما يريد بسهولة، لتعطيه كل ما تملكه هي وعائلتها.. 
وكأنه أتى بخنجر بارد ووضعه بنصف قلبها وهو ينظر داخل عينيها دون ذرة ندم، وهي تبتسم إليه وتقول أحبك..
وصلت إلى منزل عمها، دلفت من البوابة الخارجية إلى الحديقة وقد وجدت تامر يتحدث بالهاتف مبتسمًا بسعادة، ربما يتحدث مع شقيقتها، على الأقل يوجد هناك واحدة منهم سعيدة، رآها من بعيد فأغلق الهاتف سريعًا وأتى لها يسألها بلهفة بعد أن رأي مظهرها عن قرب:
-مالك يا مروة في ايه.. ايه اللي حصل 
نظرت إليه ولا تستطيع التحدث فقط تريد البكاء، البكاء المطلق لا يصاحبه أي شيء، نظرت إليه وتذكرت غيرته من ابن عمها هل أيضًا كانت كذبه؟!.. ازدادت الدموع في الهطول وتحدثت بصعوبة سائلة إياه:
-عمي فين؟
لا يستطيع الضغط عليها وهي في هذه الحالة أشار إلى الداخل وهو يمسك يدها يساعدها على الدخول:
-جوا تعالي
دلفت إلى المنزل ورأت عمها يجلس ومعه زوجته يشربان كوبان من الشاي، انتفض عمها لمظهرها عندما وقعت عينيه عليها ووقف سريعًا متقدمًا منها يهتف بلهفة وخوف:
-مروة بنتي مالك.. حصلك ايه
خرجت الكلمات منها كالميتة لا تود إلا معرفة ما حدث فقط:
-ايه اللي حصل زمان بينكم وبين عيلة يزيد يا عمي
ساندتها زوجة عمها لتجلس على الأريكة وسألتها قائلة بجدية وخوف:
-اوعي يكون يزيد ضربك 
حضرت شياطين "تامر" عندما استمع إلى هذه الكلمات من والدته، صائحًا بصوت عالي وهو يتوجه للخارج:
-ضربها!.. دا أنا أشرب من دمه 
نادته سريعًا قائلة بلهفة وخوف من أن يصيب زوجها ومن خدعها بالحب مكره:
-لأ يا تامر معملش حاجه والله... علشان خاطري تعالى
فعاد مرة أخرى يسألها ما الذي حدث وتجيب بأنها تريد أن تعرف كل شيء في المقام الأول، فجلس عمها وقد بدا الحزن عليه الآن، وجلس "تامر" جوارها مطالبًا بهدوئها ثم استمعت إلى صوت عمها يقول بجدية وهو يقص عليهم الذي حدث منذ سنوات مضت:
-جدك وجد يزيد كانوا صحاب من زمان أوي من لما كانوا في الصعيد الجواني واللي لحد دلوقتي ماشين بتقاليده، كبروا وكبروا شغلهم سوا وجم على هنا ولسه صحاب والعيلتين صحاب... جالهم واحد خواجه طلب منهم يدخلوا فلوسهم في الحديد وهما في الوقت ده كانوا تجار خشب ومايفهموش حاجه في الحديد.. جدك خاف ليضيع شقاهم ورفض أما جد يزيد صمم لما الخواجه لعب في دماغه، فضوا الشراكه سوا وراح جد يزيد حط فلوسه كلها مع الخواجه وإذا فجأة يطلع نصاب وفص ملح وداب وبعديها مات جده 
نعم استمعت إلى تلك الكلمات من "يسرى" ولكن ما ذنب عائلتها، ليس لهم علاقة بما حدث، لقد حظره جدها وهو لم يستمع ما ذنبهم الآن!..
استمعت إليه يكمل بحزن وأسى:
-عاشوا في فقر وحزن، جدك حاول يساعدهم سابت عم يزيد رفض رفض تام ومنعرفش ايه السبب، جدك مات.. صحيح عمره خلص بس من زعله على صاحبه، وبعديها بكام شهر مات أبو يزيد حاولت أنا أساعد بردو سابت رفض أي قرب مننا مرة واحدة كده ومن هنا بدأت العداوة وقالوا إن جدك نصب عليهم وكل اللي عندنا ده بتاعهم بس يعلم ربنا إن ده محصلش يابتي ده كان من قهرهم 
كل ما فعله كذب بدافع مكذوب فيه؟!.. تحزن على ماذا الآن؟ عليه أم على عائلتها المظلومة؟ أم على نفسها وحبها؟ تحزن على من؟..
-العيلتين بعدوا عن بعض تمامًا ما عدا كامل وزاهر فضلوا أصحاب، زاهر أبوه مكنش يعرف كان خايف منه أما أنا كنت عارف وسبتهم قولت يمكن يرجعوا كل حاجه زي الأول وترجع الصلة اللي كانت بينا حتى علشان عضم التربة، بس حصل غير كده في يوم كانوا سهرانين وزاهر تقل بالكلام على كامل وقالوه كتير عننا وأننا حرامية ونصابين مستحملش كامل وضربوا بعض وهما بيضربوا بعض كامل زقه وقع على دماغه على حجرة في الأرض وساح في دمه... بعديها بكام يوم ماتت أمه وراه والعداوة زادت بس كامل خد جزاءه وانحبس ومن بعد ما خرج أهو مشوفتوش لحد النهاردة وهو مهاجر.. وأنتِ عارفه الباقي     
وقفت على قدميها ووقف جوارها "تامر" فتحدثت قائلة بجدية وهي تزيل دموع عينها:
-أنا همشي.. لو مجتش هنا قبل الساعة عشرة تعالى خدني من هناك
أمسك بيدها بحدة، خائف عليها، خائف أن يصيبها مكروه وسط تلك العائلة وهو لا يعلم من الأساس ما الذي يحدث، تحدث قائلًا بجدية:
-تمشي فين؟ مش هتطلعي من هنا غير لما أفهم في ايه وايه اللي عمل فيكي كده
أردفت بجدية هي الأخرى مقدرة قلقة عليها:
-اسمعني أرجوك.. أنا مش هقدر أقول حاجه دلوقتي.. متخافش عليا أنا في بيت يزيد ومحدش يقدر يعمل فيا أي حاجه طول ما يزيد معايا 
خرجت الدموع مرة أخرى على هذا الكذب الذي تتحدث به، هي لن تشعر بالأمان معه بعد الأن، فقط قالت هذا لتجعله يتركها تذهب ولكن "يزيد" ليس أمانها الآن وللحقيقة أصبحت تخاف منه..
-ممكن متقولش حاجه لميار ولا بابا، ومتنساش الساعة عشرة!
أومأ إليها ثم سارت وتركتهم، حاول الخروج معها ولكنها منعته ليبقى ينظر في أثرها ولا يدري ما الذي يحدث معها، ابنة عمه الغالية على قلبه، الذي اعتبرها شقيقته!..
خرجت وقد حل الليل على البلدة بأكملها، ازداد الهواء والبرد القارس، وضعت يدها حول صدرها تحتضن نفسها وهي تسير متجهة إلى منزل زوجها الكاذب، الهواء الطلق يزيح خصلاتها للخلف بشدة وقوة، وأعلنت السماء حزنها على ما حدث لها وأصبحت تمطر بغزارة..
أمطار السماء تهطل وأمطار عينيها معها، ماذا تقول بعد كل ما حدث، عائلتها ليس لها دخل فيما حدث معهم، لم يفعلوا شيء مشين لهم، لما إذًا فعلوا بها كل ذلك؟، لما أرادوا الانتقام منهم وهم بريئين؟ هل هو يعرف ذلك؟ مؤكد يعرف.. مؤكد 
سارت البرودة داخل جسدها وهي تسير وتبكي خائفة من القادم عليهم ثلاثتهم!..
                ___________________
فكر كثيرًا وكثيرًا، لقد ذهب الكثير من الوقت بصحبتها وهو خائف، لو فقط تحدث معها وقال الحقيقة منذ البداية لبقيت معه، لاحترمت صدقه وحبه لها وبقيت، ولكن الآن حتمًا ستذهب..
ولكن لا يهم إن أرادت تفعل لن يمنعها هي بالنهاية زوجته ويستطيع أن يجعلها تعود إليه، تعود إلى منزله ليبقوا به ويستكملون العيش سويًا هناك كما أرادت، يحبها، بل يعشقها وسيفعل أي شيء لأجلها، لأجل اسعادها، هو كان مخطئ والآن سيصلح هذا الخطأ باعترافه على نفسه وعلى كل شيء فعله..
دلف إلى غرفة الصالون وجد رائحة الياسمين تقابله بقوة، أخذت عقله هذه الرائحة، لو تعلم ماذا تفعل به هذه الرائحة لبقى بالنسبة إليها هش ضعيف كما أضعف الرجال، ولكن مهلًا!.. كلما تقدم إلى الداخل وضحت الرؤية يرى أشياء مبعثرة في الأرض لأول مرة منذ زواجه!..
دلف إلى غرفة النوم وياليته لم يفعل!.. الفراش ليس عليه ملاءة، أوراق ممزقة على الأرضية، شموع ملقاه في كل مكان، ورود ذابلة في كل مكان أيضًا، طعام متناثر وصينية مهشمة محتويات المرآة متناثرة ومهشمة أيضًا..
ما الذي حدث وكأن عاصفة حلت على الغرفة بعد تزينها؟ نظر إلى الحوائط وجدها مزينه بكلمات لم يفهم ماهيتها، وأوراق غريبة الشكل أيضًا، ربما كانت تحضر مفاجأة له ولكن ما الذي حدث؟ لم ينتظر طويلًا فقد أخذ يبحث عنها أين هي في ظل كل هذا؟..
لم يجدها نادى بصوته ولم ترد عليه، ربما عند شقيقته ولم تستمع؟ أتى ليخرج من الغرفة وجد شقيقته تدلف على أثر صوته فتحدث بجدية:
-نادي لمروة يا يسرى 
نظرت إلى الغرفة بذهول واستغراب تام وقد حزنت كثيرًا على ما فعلوه ليبقى نهايته هكذا:
-مروة مش عندي، وبعدين مين عمل كده في الاوضه دا إحنا قعدنا ساعات نعمل الزينة دي 
سألها باستنكار ودهشة قائلًا بجدية ولهفة أيضًا:
-مش عندك إزاي اومال فين.. دي مش تحت
نظرت إليه بضيق شديد ثم أردفت بجدية وانزعاج:
-أنتَ أكيد زعلتها، حرام عليك من الصبح من بتحضرلك المفاجأة دي 
أبتعد عنها يزيد ينظر من شرفة الغرفة ربما تكون في الخارج ثم أجابها بفتور قائلًا:
-هو أنا شوفتها أصلًا أنا لسه راجع من بره 
-يعني ايه دي نزلتلك من المغرب تحت 
هوى قلبه بين قدميه متقدمًا منها يسألها بلهفة وخوف من أن يكون ما توقعه من حديثها حدث بالفعل:
-نزلتلي فين؟
-تحت في المكتب 
وجدها تدلف من خلف شقيقته، خصلاتها تلتصق على وجهها، تقطر المياة من ملابسها، الدموع عالقة بـ اهدابها، الحزن مرتسم على جميع ملامحها، لم يتعرف عليها، ولا يعرف ما الذي حدث لها في هذه الساعات القليلة..
نظرت إليها "يسرى" متحدثة بلهفة وخوفٍ عليها وبالأخص بعد رؤية مظهرها:
-مروة كنتي فين.. وايه اللي حصلك 
أجابتها بعد وقت وهي تنظر إليه ولم تحيد نظرها عنه، تعاتبه بعينيها الحزينة على ما فعله:
-سيبينا لو سمحتي شوية
نظرت إليها "يسرى" وقد احتلت الصدمة كيانها، ما الذي حدث معها؟ لما تتحدث هكذا؟ وما الذي حل بالغرقة؟ هي لا تفهم شيء ولكن على أي حال خرجت وتركتهم وحدهم كما طلبت منها..
دلفت هي إلى الداخل ثم جلست على طرف الفراش غير قادرة قدميها على حملها أكثر من ذلك، ولم تحيد نظرها عنه بعد!، نظرتها له تحمل العتاب، الحزن، والخوف أكثر شيء ولكن هناك ذرة ثقة من تلك التي كانت بقلبها له سابقًا تقول لها أنه "يزيد" حبيب القلب والعقل والروح لا يفعل شيء يؤذيها!..
تقدم هو الآخر منها ووقف أمامها لا يدري لما قلبه يؤلمه هكذا منذ أن قالت شقيقته أنها هبطت إلى الأسفل لتراه!، ولكن إن استمعت سيكون أفضل بكثير هكذا تكون علمت كل شيء وسهلت عليه مهمته وستسامحه لحديثه عنها..
تحدث قائلًا يتساءل بجدية وهو ينظر لمظهرها الغير مُرتب بل كان يُرثى له:
-كنتي فين؟
أجابته بعد أن استمعت إلى سؤاله بهدوء ومازالت نظراتها كما هي تصيبه بالريبة:
-كنت عند عمي
ضيق ما بين حاجبيه بشدة مستغربًا لما كانت هناك عند ذلك البغيض ابن عمها؟، وكيف لها أن تذهب دون إذنه؟، ولما في هذا الجو الغير مستقر بالمرة:
-كنتي هناك بتعملي ايه؟.. وإزاي تخرجي من غير ما تقوليلي؟
وجدها تبتسم بسخرية شديدة ثم وضعت يدها الاثنين حول صدرها تحتضن نفسها وقد بدأت تشعر بالبرد يصل إلى خلاياها، فتحدث هو قائلًا بجدية خائفًا من أن يصيبها شيء:
-طب قومي غيري هدومك الأول وبعدين نتكلم 
استدار ذاهبًا إلى الخزانة وتفكيره يدعوه لإخراج ملابس لها حتى تبدلها بتلك المُبتلة ولكن فور تقدمه استمع إلى سؤال واضح وصريح بالنسبة إليها يخرج بنبرة حزن طاغية وقد شق سكون الصمت الذي أتى منها:
-ليه عملت كده؟
استدار مرة أخرى ينظر إليها باستغراب، ثبت نظره على عينيها الحزينة للغاية وقد وقع قلبه بين قدميه خوفًا من القادم، ابتلع ما وقف بحلقه وتحدث قائلًا:
-عملت ايه؟
أكملت متجاهله كلماته وهي تقول بضعف وكلماتها جلبت خلفها الدموع التي كانت توقفت منذ قليل:
-أنا حبيتك!..
تقدم منها ببطء وهو لا يدري ما الذي يحدث، حقًا لا يدري!.. هل استمعت؟ حدث شيء عند عمها؟ ماذا يجري؟ تحدث قائلًا بهدوء شديد وضعف انتقل إليه:
-وأنا كمان بحبك 
السخرية هي التي سيطرت على جميع ملامحها بعد الاستماع إلى كلماته الكاذبة، واستكملت مجيبة إياه بصوتٍ خافض مُهلك:
-كداب، ولو بردو أنا حبيتك أكتر وعلى قد الحب ده بالظبط في دلوقتي هنا وجع وحزن وقهر رهيب عمرك ما هتحس بيه
أكملت حديثها وهي تشير إلى قلبها بحزن وضعف اجتاح كيانها، وقفت على قدميها أمامه وتحدثت قائلة بابتسامة لا تدري من أين استاطعت أن ترسمها على شفتيها:
-ليه يا يزيد دا أنا حبيتك.. حبيتك أكتر من نفسي ووثقت فيك وكنت بالنسبالي كل حاجه حلوة في حياتي!.. ليه تكسرني بالشكل ده؟
وقف هو الآخر أمامها متحدثًا بجدية واستغراب يتساءل ليستطيع الإجابة على حديثها:
-أنتِ بتتكلمي عن ايه بالظبط؟
صرخت بوجهه بصوتٍ عالٍ وقد فاض كيلها منه ومن أفعاله وتصرفاته، إلى الآن وهو يكذب!:
-ما كفاية استعباط بقى ياخي.. ايه لسه مكمل في المسرحية الرخيصة دي؟
ثم بضعف وبكاء أكملت:
-عارف أنتَ لو كنت جيت طلبت مني كل حاجه أملكها كنت هديهالك من غير تفكير.. من غير ما أسألك ليه حتى والله العظيم، دا أنا سلمتك نفسي وعشت معاك لوحدي بين أهلك اللي بيكرهوني مستنجده بيك، نمت جنبك وأنا مأمنه ليك.. تقوم تعمل فيا كده؟ كل ده علشان شوية فلوس ملهاش قيمة بين الحب اللي فكرته حقيقي
لا يستطيع التحدث، ماذا يقول؟ ماذا يفعل؟ يبدوا أن هناك شيء خاطئ ولكن هو السبب به، هو فهم الذي تتحدث عنه..
أردفت مرة أخرى والدموع تتهاوى من عينيها لتمر على وجنتيها الحمراء بشدة لا تدري من أي سبب:
-بتقولهم حاضر، بس كده؟ هعمل كل اللي انتوا عايزينه.. ما انتوا أهلي وأولى ليا من أي حد... طب وأنا؟ وأنا ايه مش قولتلي أنك بتحبني؟.. مش قولت عايز تخلف مني وتكمل معايا؟ ولا ده كمان كان علشان الفلوس وتضمن أنك هتاخد كل حاجه من عيلتي؟
تحدث قائلًا بضعف هو الآخر وقد قتله حديثها، ينظر إلى عينيها الحزينة وهو لا يدري ما الذي يقوله لها في هذه الحالة:
-مروة أنا مكنتش هعمل كده صدقيني.. طلما سمعتي دي يبقى سمعتي الباقي.. كملي 
ابتسمت بسخرية متحدثة وهي تشير إليه:
-عايزاني استنى أسمع ايه بعد كده؟. اسمعك وأنتَ بتقول ايه أكتر من كده ولا كنت استنى لما اسمعك وأنتَ بتقول خلاص أنا أروح اطردها أحسن!، أسمع ايه يا يزيد أكتر من كده؟
اجاب بقهر هو الآخر وقد فهم أنها لم تستمع إلا لكلمات السخرية التي تحدث بها مع عائلته ولم تستمع إليه وهو يدافع عنها قائلًا بأنها حبيبته وزوجته ويالا سخرية القدر:
-كنتي اسمعي.. كنتي اسمعي وأنا بقول قد ايه بحبك وقد ايه أنا سعيد معاكي.. وأنا بقول أن عمري ما هعمل فيكي كده
احتضنت جسدها وقد بدأت حقًا بالشعور بالبرد وإلى الآن ملابسها مُبتلة مياة، بكت بدون مجهود وأصبح صوت بكائها عالي أكثر من السابق:
-بتكدب ليه خلاص كل حاجه بانت قول أنك مش عايزني، قول أنك مش بتحبني، خلاص هي كده خلصت 
قبض على يدها بشدة يتحدث بجدية شديدة وإصرار على التكملة:
-لأ مخلصتش أنا مش بكدب أنا بحبك.. بحبك وهفضل أحبك لآخر نفس.. مش عايز أي حاجه منك غيرك يا مروة.. والله العظيم من أول لحظة حسيت بحبك وأنا صرفت نظر عن الموضوع ده خالص وعرفتهم أكتر من مرة وآخر مرة كانت النهاردة ياريتك سمعتي للآخر وكنتي فهمتي يا مروة قد أنا بحبك ومحتاجك 
ألقت نفسها بين أحضانه دون سابق إنذار، لفت يدها حول عنقه تحتضنه بشدة إليها وبكائها يزداد وصوت شهقاتها يعلو في أذنه:
-مش قادرة اصدقك يا يزيد.. مش قادرة، أنا كنت عملالك مفاجأة الاوضه كانت متزينه علشانك.. كنت هقولك إني..
صمتت لبرهة وهي تبتلع ما وقف بجوفها، فكرت للحظة ثم عادت عن ما برأسها لتقول وهي تنتحب وتشدد على احتضانه:
-كنت هقولك إني بحبك.. ليه يا يزيد أنا عليتي معملتش أي حاجه فيكم، عمي قالي كل حاجه حرام عليك ليه تعمل فيا كده
شدد هو الآخر على احتضانها وقربها منه، ثم انتقلت إليه عدوى البكاء منها لتخرج الدموع من عينيه حزنًا على ما يحدث بينهم منذ اللحظة الأولى، وتحدث بضعف متوسلًا:
-والله وأنا بحبك يا مروة.. عمري ما فكرت أاذيكي.. أنتِ روحي إزاي بس هعمل كده
شعرت ببكائه!.. هل هو يبكي حقًا؟ هل يحبها أم يكذب؟ لا تدري شيء، لا تدري هل كل ما مر عليهم كان كذب؟، ابتعدت عنه ثم تقدمت ناحية الخزانة وأخرجت صندوق كبير وضعته على الفراش ثم فتحته وكان يحتوي على مجوهرات وزينة من الذهب وثمة هناك أشياء أخرى، سألته باستغراب وجدية:
-طب ليه كنت بتجيب هدايا غالية كده طلما عايز تاخد فلوسي؟.. ليه جايبلي عقد ألماس؟. وليه كل الدهب ده؟. ولا يكونش فضة وبتضحك عليا 
تقدم منها ومازالت الدموع عالقة بـ اهدابه هو الآخر ليقول بنفي وثقة مؤكد حديثه:
-والله أبدًا يا مروة كل ده أصلي
-طب ليه يا يزيد 
جلس على الفراش بضعف ثم نظر إليها وتحدث بجدية وإرهاق داهمه وهو لم يفعل شيء بعد:
-منكرش أن ده كان سبب الجواز من الأول بس والله العظيم من وقت ما حبيتك ونسيت الموضوع كله.. يمكن أهلي منسوش بس أنا رفضت، النهاردة بس قررت أني هقولك كل حاجه ونسافر بعيد 
أتت مرة أخرى وجلست جواره ثم احتضنته لتنعم بأخر عناق منه بعد ما قررت فعله، وقد شعر بذلك! شعر بأنها ستذهب دون رجعه بعد كل هذا الحديث وهو لا يدري ما الذي يفعله..
عانقته وبدأت في البكاء بصوت مرتفع وهي تضغط عليه بشدة، وقد قابلها بالمثل مع اعتذارات كثيرة يكررها بين بكائه واعترافات كثيرة بعشقه لها ولكنها لم تكن تستمع إلى أي شيء يقوله بل كانت تتذكر لحظاتهم سويًا وحبها له.. تفكر كيف ستتركه، ولكن ستفعل.. 
ابتعدت ووقفت على قدميها ثم قالت وهي تزيل دمعاتها محاولة السيطرة على صوت بكائها:
-ورقتي توصلي بيت بابا يا يزيد
وقف على قدميه سريعًا محاولًا التحدث بعد أن ألقت عليه هذه الصدمة ولكنه وجدها أصبحت خارج الغرفة! سريعًا ذهب خلفها للخارج...
ركضت لتذهب إلى منزل عمها ومن ثم إلى منزل والدها، خطوة وتهبط الدرج لتستمتع إلى صوت "يسرى" الصارخ وهي تحذرها الهبوط 
-متنزليش يا مروة في زيت عندك
ولكن.. كانت خطوة هي الفاصلة، وضعت قدمها على الدرج ومن ثم لم تدري بنفسها إلا وهي تهبط على جسدها بأكمله وليس قدميها، خرجت صرخة مدوية منها وهي تجد نفسها تنزلق بجسدها!.. ووضعت يدها على بطنها خوفًا وهلعًا من القادم!..
وجدت "يسرى" يزيد يأتي ركضًا هو الآخر والهلع مسيطر عليه فحذرته النزول ببطء وقد فعل ليصل إليها سريعًا وهي ملقاه على الأرضية بين يدي شقيقته فاقدة للوعي بعد أن استأذن منها وقد استسلمت له ليأخذها من هذا الواقع!..
تحدث بذعر وهو يحرك يده على وجهها بعد أن أتت والدته هي الأخرى على صوت صرختها:
-مروة حبيبتي.. مروة!
قالت "يسرى" بذعر متذكرة حمل "مروة" والذي كانت ستخبر زوجها عنه:
-يزيد الحقها مروة حامل
رفع نظرة إليها بصدمة.. صدمة فقط؟ لقد ذُهل، متى! متى كانت حامل دون أن تخبره وكيف ولما؟ ما الذي يحدث من حوله، سألها بخوف شديد وهو من الأساس لا يدري بماذا يفكر وماذا يفعل:
-يعني ايه؟
-مروة حامل وكانت هتقولك النهاردة 
وقد كان الحزن في هذه الليلة يسيطر على الجميع والجميع هنا خاص بـ "يزيد" و "مروة" زوجته وحبيبته، هل سيستطيع أن يتخطى تلك الأزمة ويعود بها إلى عرش حبه؟
ُهُدم المعبد!.. ولكن على رأسه هو فقط، هو الوحيد المتضرر بين الجميع، ربما هو حزين والقهر يسيطر عليه أكثر من زوجته فـ حبه لها لم يكن بهين، ولكن الخطأ يعود إليه وعليه أن يفعل الصواب كما فعل الخطأ، يعلم أن ذلك سيكون أصعب شيء مر بحياته ولكن سيفعل..


رآها وهي تبكي وتنتحب بضعف شديد أمام ناظريه بسبب حبها له، بسبب الثقة التي أعطتها إياه، بسبب خذلانه لها والسبب الأول والأخير خيانته لها..


هو الآخر كان يعاني ولا يعلم ذلك غير الله، ضميره لم يتركه لينام براحة ولو ليلة واحدة، عشقه لها يحدثه كل يوم عن الإفصاح عما حدث، وروحه تناجيه منذ اللحظة الأولى خائفة الفقد والبعد عنها وهي روحه أليس؟..


الآن الندم هو سبيله الوحيد عما فعل، لقد أخطأ عندما أنتظر كل هذا الوقت حتى يعترف لها، كان عليه الإعتراف مبكرًا ربما كانت سامحته، لا ليس ربما حتمًا كانت ستسامحه فهو من أعترف لها وهو من قال أنه يحبها..


هناك كثير من المشاعر تجتاحه لا يعرف ماهيتها غير الحزن والقهر لا يعرف غير الخذلان والندم، استباح لنفسه كل شيء والآن يندم لفعله!. الآن لا يريد غيرها!.. لا يريد مالها ولا ماله هو الآخر لا يريد أهله الذين ألقوا به في التهلُكة، لا يريد غيرها..


حزنه الأكبر من أي شيء الآن هو منها، حامل!.. دون إخباره ولو كانت ستخبره كما قالت شقيقته لما أرادت الطلاق والذهاب من دون إخباره؟!.. كانت ستذهب دون أن يعلم بحملها!..


لقد كانت ستذهب دون أن يعلم أنها تحمل داخل أحشائها طفل له وحده!، ستذهب بعيد عنه به وهو لا يدري!.. وتعلم كم كان منتظر طفلًا صغيرًا منها ومنه!.. هل ما فعله بها كان كثير عليها إلى هذا الحد؟..


تذكرها عندما احتضنته، لقد داهمت عقله الآن هذه الكلمات منها ليعود بذاكرته إلى داخل تلك الكلمات ربما كان مقصدها منذ اللحظة الأولى أن تبوح له حقًا..


"ألقت نفسها بين أحضانه دون سابق إنذار، لفت يدها حول عنقه تحتضنه بشدة إليها وبكائها يزداد وصوت شهقاتها يعلو في أذنه:


-مش قادرة اصدقك يا يزيد.. مش قادرة، أنا كنت عملالك مفاجأة الاوضه كانت متزينه علشانك.. كنت هقولك إني..


صمتت لبرهة وهي تبتلع ما وقف بجوفها، فكرت للحظة ثم عادت عن ما برأسها لتقول وهي تنتحب وتشدد على احتضانه:


-كنت هقولك إني بحبك.. ليه يا يزيد أنا عليتي معملتش أي حاجه فيكم، عمي قالي كل حاجه حرام عليك ليه تعمل فيا كده"


مرة أخرى يعود إلى واقعة بعد أن تذكر ما قالته، لقد كانت الغرفة مُزينة لأجله، كانت ستخبره، ساعدتها شقيقته كما قالت، هي ودت أن يكون يومًا لا يُنسى وقد كان ولكن بعد أن خرب هو كل شيء..


يجلس على المقعد في رواق المشفى ينتظر خروج الطبيب من الداخل، وضع رأسه بين يديه منحني على نفسه بعد أن كثر التفكير على عقله..


وقف على قدميه وأخذ يسير ذهابًا وإيابًا، والقلق ينهش داخله بقوة، لقد تأخر الطبيب في الداخل هي بغرفة الطوارئ منذ قدومهم إلى هنا، شيطان عقله يصور له الكثير من الأشياء البشعة الذي لو حدثت لبقى نادم طوال عمره..

حك مؤخرة رأسه بيده وهو ينظر إلى باب الغرفة المغلق، ثم دون مقدمات وجد من يجذبه من ذراعه بقوة لينظر إليه وقد وجده ابن عمها البغيض، الطفل الصغير كما رآه:


-مروة فين؟.. أنتَ عملت فيها ايه 


زفر بضيق شديد وكأن ما كان ينقصه هذا الأبلة ليأتي إليه الآن، أجابه بضيق وحنق قائلًا:


-هكون عملت فيها ايه دي مراتي 


أردف "تامر" بضيق هو الآخر وود لو فتك به الآن ردًا على ما فعله بهم جميعًا هو وعائلته:


-ماهي المصيبة أنها مراتك.. عملت فيها يا ابن الراجحي؟ مروة جات عندنا ومنظرها ميصورش لا عدو ولا حبيب 


نظر يزيد إلى باب الغرفة وقد كان كل شيء به معلق مع فتح هذا الباب ثم نظر إلى ذلك الأحمق الذي يقف أمامه وتحدث مُجيبًا إياه بهدوء ربما يصمت:


-مشكلة وحصلت زي ما أي مشكلة بتحصل بين أي اتنين متجوزين 


لم يتغير أي شيء بتفكير "تامر" فهو يعلم كيف تفكر ابنة عمه يتحدث هكذا وكأن هذه أول مشكلة وهذا أول رد فعل لها، أجابه بتهكم صريح:


-والمشكلة اللي بين أي اتنين دي تستدعي أن مروة تيجي عندنا وتفتح القديم وتقولي لو مجتش قبل الساعة عشرة من بيت الراجحي تعالى خدني 


نظر إليه بغتة وقد احتلت الدهشة كيانه، هل قالت ذلك؟ هل كانت خائفة منه إلى هذا الحد؟ لقد قالت أنه أمانها الوحيد ماذا حدث الآن؟ لا يستطيع أن يصدق هذه الكلمات المسمومة!..


أكمل "تامر" حديثه قائلًا بجدية:


-ولما روحت بيت سعادتك قالولي أنها وقعت من على السلم وجت المستشفى


أردف "يزيد" بهدوء قائلًا بجدية حتى يصمت ذلك الحقير:


-آه مشكلة عادية هي بس اللي مخنوقة وعايزة ترجع القاهرة شوية، متشغلش بالك أنتَ بينا 


ضغط "تامر" على كفه بعصبية ثم أجابه وقد أحمر وجهه عضبًا لكذب "يزيد" عليه:


-أنتَ شايفني عيل قدامك ولا ايه.. الشويتين دول تعملهم على حد غيري يا ابن الراجحي 


ابتسم يزيد بتهكم وسخرية شديدة ناظرًا إليه بهدوء شديد ولم يتحدث عندما وجد الطبيب أخيرًا قد خرج من الغرفة، تقدم سريعًا منه ولحق به "تامر" ليعرف ما الذي حدث لابنة عمه..


وقف الطبيب أمامهم ولم يمهل "يزيد" الفرصة للسؤال عنها فقد رأى القلق بوضوح على وجهه فتحدث هو بلهجة عملية هادئة:


-اطمن يا أستاذ يزيد المدام بخير والجنين كمان بخير الوقعة بس سببت شوية كدمات في جسمها والإغماء بسبب الخضة وإرهاق ظاهر جدًا عليها لكن هي الحمدلله كويسة، محتاجة شوية محاليل وأدوية وتقدر تخرج بكرة الصبح لو حبت 


شكر الله سريعًا وقبل أي شيء، أنها بخير بفضل الله كان من الممكن خسارة طفله، سريعًا استعاذ من الشيطان وشكر الطبيب طالبًا منه الدلوف إليها ولكنه أعترض معللًا حاجتها للراحة ثم أنصرف عنهم..

جلس "يزيد" على أقرب مقعد له وأخذ يحمد الله على سلامتها وسلامة طفله القادم بأمر الله، لقد كانت حياتهم على المحك وقلبه كان ينتظر فزعة قادمة له بسبب ما فعله..


جلس "تامر" جواره ثم ألقى عليه سؤاله وقد كان مستغرب حقًا:


-هي مروة حامل؟


أومأ إليه "يزيد" بالايجاب دون أن يتحدث فنظر "تامر" أمامه ثم أردف بخفوت:


-مبروك 


نظر إليه "يزيد" بهدوء شديد مطولًا في صمته ثم أجابه بصوت أجش:


-الله يبارك فيك


                ____________________


تُدافع عن صديقتها التي انتهكوا حقها في هذا البيت الظالم، تُدافع عن ابن أخيها القادم في الطريق إليهم وقد كان سيلقى حتفه اليوم قبل أن يروه حتى!..


صرخت يسرى بصوتٍ عالٍ وقد فاض كيلها من هذه العائلة التي يحمل الجميع داخلها عيوبٍ لا تُطاق:


-كفاية كدب بقى أنا شيفاكي بعيوني دول وأنتِ بتفضي الزيت على السلم بقصدك ونفس العيون دول شافوكي وأنتِ بتسمعي كلامي أنا ومروة لما كانت بتقولي أنها حامل


عمود البيت "نجية" والدة الصبية الذي دفعتهم إلى الانتقام وهي لا تعلم شيء سوى بعض الكلمات المفبركة من شقيق زوجها، منذ ذلك اليوم الذي عاد به ولدها "يزيد" مهمُومًا من سفرة وهي تفكر هل كانت على خطأ؟.. ولكن شيطان عقلها لا يتركها تعود عن خطأها ما فعلته في تلك المدة هو جعلهم يتركون "يزيد" حتى يستريح ثم يعودون مرة أخرى للحديث معه ولكن الآن حديث "يزيد" جعل ضميرها الميت يستيقظ مرة أخرى، تفكر هل كانت أمًا له؟. هل كان سعيد مع زوجته؟.. وكثير من الأشياء تدور داخلها وأكثرها حرقه عليها هو ذلك الطفل الذي كانت تتمنى كل يوم أن ينجبه "فاروق" أو "يزيد"


تحدثت متسائلة بجدية واستنكار غير مصدقة أن "إيمان" من الممكن أن تقتل روح:


-أنتِ اللي عملتيها؟ كنتي هتقتلي ابن ابني!..


صرخت "إيمان" وكأنها المجني عليها، تقول بعصبية وحرفية شديدة نافية التهمة عنها:


-انتوا هتصدقوها دي محروقة على الست مروة وعايزة تلبسني مصيبة 


لوحت "يسرى" بيدها بعصبية وحقد دفين تجاه تلك الحقيرة الكاذبة ثم قالت بتأكيد:


-كدابة يا إيمان.. أنتِ سمعتي ومروة بتقول أنها حامل وأنا شوفتك وقولت يمكن ربنا يحنن قلبها علشان مخلفتش وأهو حتى طفل للبيت تعتبره ابنها هي كمان.. لكن مكنتش أعرف أن قلبك أسود للدرجة دي 


نظر "فاروق" على زوجته وضميره يعبث معه على أكمل وجه.. زوجته كانت ستقتل طفل أخيه!.. هذه ليست أول أفعالها الدنيئة هو يعلم ويتوقع أن تكون قد فعلت ذلك أيضًا لن يكذب شقيقته، استمع إليها تصرخ بغضب:


-بت أنتِ مش هتتجنني عليا إذا كان جوزها مايعرفش أنا اللي هعرف


أكملت "يسرى" للجميع دون النظر إلى ما تقوله:


-وأنا خارجة من المطبخ شوفتك بعيوني بتحطي زيت على السلم وعلى ما دخلت اجيب حاجه امسحه كانت مروة نزلت عليه وملحقتش احظرها.. ده غير القهوة اللي كبتيها عليها وحرقتي رجليها ومروة مردتش تقول لحد.. وغير الفستان اللي جبتيه على اسم يزيد وبردو منعت يزيد عنك.. أنتِ ايه يا شيخه شيطانه!.. عملتلك ايه لكل ده 


تحدثت والدته قائلة بحزن قد ظهر على ملامحها:


-لو كنت أعرف أنها حامل كنت وقفت كل حاجه... كله إلا عيال عيالي دا أنا بقالي سنين بتمنى ضفر عيل تقومي أنتِ عايزه تموتيه 


صرخت "إيمان" بغل وحقد ظهر الآن بعد أن استمعت إلى حديث والدة زوجها وهذا هو بالتحديد الذي كانت تخاف منه:


-أهو أنا بقى عملت كل ده علشان كده.. لو كنتي عرفتي أنها حامل مكنتيش هتكملي وكنتي هتخليها تقعد على قلبي العمر كله وتبقى هى الكل في الكل ماهي أم الواد

لم ترى شيء بعد ما فعله زوجها... لطمها على وجهها بكل قوته وغله وحقده الذي كان يدفنه داخل قلبه معللًا أنه يحبها.. متغاضيًا عن كل أفعالها، سال خيط رفيع من الدماء بجانب شفتيها بينما هو لم يجعلها تستوعب ما الذي حدث لتراه يمسك خصلاتها القابعة أسفل حجابها وهو يصرخ بغضب شديد:


-هي حصلت يا بنت الك**، حصلت تقتلي ابن أخويا.. بس أنا اللي غلطان أنا اللي سبتلك الحبل وخليتك تعملي اللي أنتِ عايزاه، بس على مين دا أنا فاروق الراجحي 


دفعها إلى آخر الرواق ثم تقدم منها مرة أخرى وهي مذهولة ولا تصدق ما الذي يحدث وكيف تجرأ "فاروق" على فعل ذلك، لم يمهلها الفرصة للتفكير حيث دفعها مرة أخرى وأخرى إلى أن أصبحت عند باب المنزل ثم فتحه ودفعها للخارج وهتف بعنف وقسوة قائلًا:


-مش عايز أشوف وشك هنا تاني يا بنت الك** يلا في ستين داهية


ثم دفع الباب بوجهها ودلف إلى الداخل وهو يفكر كيف عليه الإعتذار من شقيقه؟. كيف عليه أن يبرر ما حدث؟. وكيف وكيف وكيف وكأن كل ما فعله بحياته لم يكن إلا خطأ..


ولم يكن حال والدته أفضل منه بل كانت أكثر ندمًا وحزنًا على ما فعلته..


بينما عمه كان يقف في الأعلى ينظر إلى ما حدث تحت أعينه بهدوء داعيًا في داخله أن يكون ذلك الصغير قد مات داخل أحشاء والدته..


أن تستوعب ما حدث كان من أصعب الأشياء عليها لذا وجدت نفسها تجر قدميها وخيباتها ذاهبة إلى منزل والدها دون التفكير في أي شيء عليها فقط الجلوس والراحة ثم تفكر فيما حدث وما سيحدث..


                 ____________________


دلف إلى الغرفة القابعة بها بعد أن أذن له الطبيب لرؤيتها، ببطء شديد أخذته قدميه إليها وهو خائف من مواجهة أخرى، خائف من كلمات تخرج منه ومنها لتقتل روحين البراءة هي عنوانهم..


نظر إليها بهدوء بعد أن دلف الغرفة، ممددة على فراش المشفى، مغطاة بملاءة بيضاء، وجهها شاحب كشحوب الأموات، عينيها منتفخة ربما من البكاء، ونظرتها حزينة ربما من فعلته بها..


جلس على الفراش جوارها، لم يتجرأ على الإمساك بيدها وقد كان يود فعلها وبشدة، ولكن نظرتها له تجعله يرى نفسه دنيء إلى أبعد حد، حقير من الدرجة الأولى وقد كان حقًا هكذا!...


ابتسم بتهكم صريح رأته هي أيضًا بوضوح ثم استمعت إليه يقول بتساؤل ونبرة خافتة:


-كنتي هتمشي من غير ما أعرف إنك شايلة ابني!.. وكمان عايزة تطلقي يا مروة 


وزعت نظرها على كل أنش به، تود أن تشبع عينيها منه فقد كان زوج وحبيب وكل شيء في فترة من فترات حياتها، هل جعلتها فترة وتناست أنه مازال زوجها؟!... نظرت إلى تهكمة وكأنه ترك لها خيار آخر تفعله ليأتي الآن يعاتبها..


أجابته بصوت خافت مرهق وهي تنظر داخل عينيه بهدوء حاولت التحلي به:


-أنتَ مسبتليش إختيار تاني 


ضيق ما بين حاجبيه بدهشة متسائلًا وهو يحاول إقناع نفسه أيضًا بحديثه:


-وحبي ليكي كان ايه؟.. ده مش اختيار يا مروة تقدري تاخديه 


ابتسمت بذهول واستغراب شديد لحديثه الغير منطقي بالمرة، تتسائل هل هو نفسه مقتنع بهذا الحديث، أجابته بهدوء تحلت به وهي تضغط على يدها أسفل الملاءة:


-حب ايه ده؟. أنتَ كدبت الكدبة وصدقتها؟.. لأ يا يزيد كل اللي عملته علشان تاخد فلوسي مني وتخليني ابقى مزلوله ليك ولأهلك.. انتقام من أهلي المظلومين ولو في يوم حسيت بحب ليا فده مش حب ده يمكن علشان شكلي عجبك.. أو العلاقة هي اللي عجبتك، أو كنت بتعشلك يومين معايا بما إني مراتك لكن محبتنيش مفيش حد بيحب وبيعمل كده أبدًا


كلماتها ليست محسوبة وجميعها ليست صحيحة، لقد أحبها، عشقها، كانت بالنسبة له اكسجين الحياة، كيف تتحدث هكذا؟.. أقترب أكثر منها ثم تحدث بصدق يتلألأ داخل عينيه وينطق به لسانه:


-أنتِ بتقولي ايه؟. كل اللي بتقوليه ده أنتِ نفسك مش مصدقاه.. أنا حبيتك، حبيتك ده ايه!. أنتِ بالنسبة ليا النفس اللي باخده يا مروة، أنتِ الحاجه الوحيدة الحلوة اللي في حياتي.. أنا غلط وبعترف بغلطي كان لازم اصارحك من الأول، كان لازم أقولك كل حاجه من يوم ما قولت إني بحبك بس أهو ده اللي حصل... أنا مش طالب منك أي حاجه غير إنك تاخدي وقتك في التفكير

أقترب منها أكثر إلى أن أصبح أمامها مباشرةً لا يبعد بينهم كثيرًا، تجرأ وأمسك بيدها بين كفيه يضغط عليها بهدوء ثم تحدث بترجي مُكملًا:


-يزيد بيحبك ومايقدرش يعيش من غيرك أرجوكي بلاش تخليني أموت بالبطئ، يزيد ومروة جايلهم ابن في الطريق أرجوكي خلينا نبني عيلة خاصة بينا بعيد عن الكل


الصدق يتجسد داخل كلماته لقد رأته وشعرت به ولكن.. سحبت يدها منه بهدوء شديد بينما تفر دموعها هاربة إلى الخارج ليرى ضعفها مرة أخرى، تحدثت بخفوت وهي تبتسم ويدها تزيل تلك المياة من على وجنتيها:


-يزيد لو بيحب مروة بجد كان حماها من كل حاجه بتاذيها سواء كانت أهله أو هو، يزيد لو بيحب مروة كان قالها اتجوزتك علشان كذا وكذا لكن أنا بحبك وعايزك، يزيد لو بيحب مروة مكنش سمح لحد يقرب منها ومن اللي يخصها، يزيد ضعيف وجبان، يزيد خايب وخايف هو ده يزيد الحقيقي اللي للأسف أنا حبيته وأمنته على نفسي.. هو في ثقة أكتر من كده؟


أخفض وجهه ينظر إلى الفراش غير قادر على مواجهة حديثها الذي يراه صحيح ولكن يصعب المهمة عليه استمع إليها تكمل حديثها بتهكم واضح وصريح وكما هي الدموع لا تتوقف عن الخروج من مقلتيها:


-حياة ايه وعيلة ايه اللي بتتكلم عنها دي.. نبني عيلة بالكدب والغش؟، أنتَ مش فاكر كام مرة جيت على نفسي علشان أكون معاك؟.. مش فاكر كام مرة اتعرضت للإهانة بسببك وبسبب أهلك؟.. مش فاكر كرامتي اللي اتمسح بيها الأرض؟.. وفر عليا وعليك يا يزيد وطلقني هو ده الحل الوحيد بينا 


رفع رأسه سريعًا إليها مندهش من حديثها فهي أخذت قرار ولا تريد الرجوع عنه، تريد الإبتعاد عنه وتركه وحده، يعلم أن كل ما تتحدث به ما هو إلا من قهر قلبها، يعلم أنها تحبه مثله تمامًا ولكن هو لا يستطيع، تحدث بلهفة وخوف مترجيًا إياها:


-بلاش تقولي كده يا مروة اديني فرصة أصلح اللي حصل أرجوكي أنا مش هقدر أعمل اللي بتقولي عليه ده، مش هقدر 


أزالت دمعاتها ثم هتفت بهدوء شديد وكأن ما تقوله شيء تافهه بلا قيمة:


-طلقني وابنك هتشوفه وقت ما تحب مش همنعه عنك أبدًا ولو خايف عليه من إني اتجوز بعدك متقلقش أنا عمري ما هعملها 


تجرأت يداه بشدة، أقترب منها وأخذ وجهها بين كفيه مقربًا وجهه هو الآخر منها غير مصدق حديثها الذي تتفوه به، لقد أخطأ ولكن لا يستطيع تحمل هذا العقاب، تحدث بخفوت وحزم:


-مستحيل.. مستحيل أعمل كده مش هطلقك أنا بحبك وعايزك وابني هيتربى بينا إحنا الاتنين يا مروة افهمي الكلام ده كويس علشان متتعبيش.. شيلي فكرة الطلاق دي من دماغك، خدي الوقت اللي أنتِ عايزاه لحد ما نرجع مش هعترض وهعمل كل اللي تطلبيه ومش هنرجع البلد نهائي لكن طلاق مش هيحصل


دفعته بيدها الاثنين في صدره بحدة وعصبية بعدما استمعت إلى كلماته، عاد للخلف قليلًا ليراها تصرخ به وهي تبكي بشدة وتنتحب وكأن البركان قد فاض داخلها ليقرر الخروج:


-أخرج بره، أنا مش عايزه أشوف وشك.. أنتَ واحد كداب وخاين أنا مستحيل أأمن على نفسي معاك من تاني.. أبعد عني وسبني أعيش وأصلح اللي بوظته فيا 


حاول الإقتراب منها فدفعته مرة أخرى بحركات هوجاء وبكائها يزداد بحدة حرقة على حبه، وقهر على خيانته، أقترب منها هو الآخر بجدية شديدة أمسك بيدها الاثنين رافعًا إياهم أعلى رأسها وأقترب من وجهها بهدوء ليتحدث بجدية شديدة وكلمات حازمة:


-اطلبي أي حاجه غير البعد، أنا مقدرش على كده.. بلاش ندمر نفسنا علشان غلطة أرجوكي يا مروة.. أرجوكي


اسلبت عينيها عنه وشهقاتها تعلو، ثم دون سابق إنذار تحدثت بقهر قائلة بعد أن نظرت إلى عينيه الساحرة:


-أنا كمان مقدرش على بعدك، أنا حبيتك وبحبك وهفضل أحبك لآخر نفس فيا، بس مش هقدر أكمل وكأن مفيش حاجه حصلت.. مستحيل 


اعترافها أول طريق العودة، يا لها من ملاك لا يدري أي شيء بخبث البشر، اعترفت أنها تحبه وستظل تحبه وهو الخائن الوحيد هنا، تحدث بهدوء وصوت أجش:


-هنحاول سوا.. أنتِ عايزاني وأنا عايزك وفي طفل جاي في الطريق يبقى ليه البعد يا مروة 


صرخت بوجهه بصوتٍ عالٍ وبعصبية شديدة بسبب إلحاحه عليها أن تظل، وإن تحدث أكثر سترتمي داخل أحضانه الآن وتتناسى كل شيء:


-أخرج بره بقولك وكفاية لحد كده.. كفاية بقى 


نظر إلى عينيها الذي تقول غير شفتيها، نظر إلى شفتيها الذي ترتعش من كثرة البكاء، أشبع عينيه من ملامح وجهها أجمع، ولم يستطع إلا الإقتراب وطبع قبله على شفتيها..


وضع شفتيه على خاصتها محاولًا أن يأخذ ما يريد وأن يلين قلبها ويجعل ضعفها يتسرب إليها عائدة عن قرار الإنفصال ولكن..


وجد يزيد من يجذبه بحدة من أمامها ليقف على قدميه ثم شعر على حين غرة لكمه في وجهه بشراسة جعلته يترنح للخلف فاقدًا توازنه ليستمع إلى صرختها الذي خرجت بإسمه:


-يــزيــد 


وضع يده على وجهه بجانب شفتيه يتحسس لكمة هذا الأبلة له، حاول الإقتراب منه ليردها إليه بأضعاف مضاعفة ولكن استمع إليها تقول بلهفة وخوف وتوسل زادها ضعفًا:


-أرجوك كفاية علشان خاطري.. علشان خاطري 

استمع إلى الأبلة هو الآخر يقول بعصبية وغضب عارم:


-في ايه يا ابن الراجحي بقالها ساعة بتقولك أمشي كفاية بقى لحد هنا وسيبها في حالها 


ابتسم بتهكم شديد وهو يدلك وجهه بيده ويعلم نوايا ابن عمها الحقير لذا تحدث قائلًا:


-حالها هو حالي.. مروة مراتي ومش هتخلى عنها أبدًا 


نظرت مروة إلى "تامر" الذي وجدته يهم الإقتراب منه مرة أخرى وهي تعلم إن حدث هذا ستكون مذبحة، صرخت قائلة بحدة:


-تامر إياك تقرب منه 


استدارت إلى "يزيد" ثم أردفت بجدية:


-لو سمحت أمشي بقى 


نظر إليها باستغراب كيف لها أن تطلب من زوجها الرحيل ومن ذلك الأبلة البقاء، من الأولى بها؟:


-أمشي واسيبك معاه؟.. وأنا عارف نواياه كويس


أشار عليه "تامر" مُتحدثًا باستغراب ودهشة:


-نواياه ايه اللي المجنون ده بيتكلم عنها؟..


نظرت إليه بخوف شديد تخاف أن يتحدث ويقول ما لا يروق الجميع خاصة شقيقتها!، هو لا يحب "تامر" ولكن لا يستطيع أن يصمت ويرى أنه يريدها إليه، تحدثت بتوسل قائلة:


-يزيد كفاية أرجوك


استدارت إلى ابن عمها متحدثة بجدية شديدة وودت أن تغلق أبواب الجحيم عليها قبل أن تأخذ الجميع في طياتها الحارقة:


-تامر لو سمحت ممكن تروح تجيب عمي.. أنا عايزاه يتكلم مع يزيد


سألها باستنكار ودهشة قائلًا بجدية وهو يشير على "يزيد":


-واسيبك معاه؟..


نظرت إلى "يزيد" الذي رأت بعينه نظرة عتاب خالصة وكأنه يقول لها هل أصبحت غريب إلى هذه الدرجة؟.. فعادت إلى "تامر" قائلة بحزم:


-أنتَ مش هتسبني مع حد غريب يزيد يبقى جوزي يا تامر 


ابتسم "يزيد" بزهو وذهب ليجلس على الأريكة التي بالغرفة ناظرًا إلى "تامر" بهدوء مستفز وود بشدة أن يرد له لكمته مضاعفة، سيفعلها لا محالة، ولكن لما تريد عمها الآن؟.. 


خرج "تامر" من الغرفة ليفعل ما قالت عليه هي وابتلع نظرات "يزيد" له، وود لو لقنه درسًا ليجعله يعلم ما الصواب وما الخطأ ويجعله يعاملها باحترام فقد هُلك بسبب نبرتها وهي تترجاه أن يتركها..


بينما مروة نظرت إلى "يزيد" الذي يعتقد أنها هكذا ستجعل الود يعود وتعطيه فرصة ثانية!.. تشفق عليه حقًا فما فعله لا يغتفر ولو بعد حين..


              ______________________ 


-ممكن تحكيلي ايه اللي حصل؟.. إيمان روحت البيت وكل اللي طالع عليها إنك السبب في اللي حصلها حتى مردتش تخليني أكلم فاروق 


نظرت إليه وهو يقود السيارة متجه بها إلى زوجة أخيها القابعة بالمشفى، تحدثت بجدية مُجيبة إياه:


-أنا السبب؟.. لأ السبب هو غل أختك وحقدها على مروة اللي من غير أي سبب 


زفر بضيق ثم نظر إليها سريعًا وأعاد نظرة إلى الطريق ليتسائل مرة أخرى:


-طيب ممكن أفهم في ايه 


استدارت بجسدها قليلًا لتكن في مواجهته ثم تحدثت بضيق وحنق وهي تنوي أن تقص عليه كل شيء حدث:


-احكيلك من الأول بقى مع أن مكنتش عايزاك تعرف أي حاجه من دي، إيمان يا سامر من يوم مروة ما جت البيت وهي وماما عاملين عليها عصابة.. سواء كان تريقة ولا تلقيح ولا مشكلة يوقعوها فيها!... واللي إيمان عملته كتير بصراحة، مرة رفعت ايديها على مروة لولا يزيد لحقها ومرة تانية وقعت القهوة عليها حرقتها ومرة تانية جابت الفستان اللي اتعمل عليه المشكلة ولبستها فيا وهي السبب المرة دي كمان.. حطت الزيت على السلم لمروة علشان البيبي ينزل بعد ما عرفت أنها حامل 


وجدته ينظر إليها بعدم تصديق وصدمة شديدة احتلت ملامح وجهه وألقى عليها سؤاله قائلًا:


-إيمان اللي عملت كل ده 


أجابته بتأكيد وهي تجعله هو يجاوب:


-اظنك عارف أختك أكتر مني وعارف كويس أوي أنها تعمل أكتر من كده..


لم يُجيبها بل أبعد نظرة عنها وهو يفكر لما تفعل كل ذلك بتلك الفتاة المسكينة فهي في كل الأحوال تُخدع من الجميع وأولهم زوجها..


وجدها تُكمل مبتسمة بسخرية:


-وأنا عارفه كمان أنها عاتبتك أنتَ ووالدتك على خطوبتك مني وقالتلك أنك لازم تسيبني علشان أنا مش هنفعك، صح؟


مرة أخرى يسألها وعقله لا يعمل ولو بنسبة واحد بالمئة، مستغرب من أين لها أن تعلم بهذا الحديث:


-عرفتي الكلام ده منين؟


-منها هي نفسها وعرفت ليه لما كنت بتيجي عندنا مكنتش بتتكلم معاها 


أكمل هو بعد أن مسح على وجهه بيده:


-علشان شدينا سوا لما رفضت اسيبك وقالت كلام كتير غلط في حقي وحق أمي


أومأت إليه بتفهم ثم أردفت بأمل وهي تعتدل في جلستها:

-مروة بنت كويسة جدًا اتمنى مايكونش حصلها حاجه ولا هي ولا البيبي 


تحدث قائلًا بهدوء وهو يأمل مثلها أن يكونوا بخير لأجل صديقه الذي على وشك الإنهيار:


-إن شاء الله يكونوا بخير 


           ________________________


غابت في أفكارها مشتتة بين الواقع والحقيقة المُرة الذي وجدتها، بين الحب والكره، الخداع والأمل، غابت بين حنانه وخذلانه لها، أليس لها حق في أن تعشق رجلًا؟..


منذ البداية وهي ليست مُخيره، قالوا تزوجي "يزيد" لينتهي الثأر ففعلت!، تحملي "يزيد" وقساوته وغروره وعنجهيته لتُسير المركب بكم فتحملت!، أنها عائلته ولن يتغيروا عليكِ بالصبر فصبرت!، أحبك "يزيد" فأحببته!، يُهين "يزيد" فـ أفعل وكأني لا أعلم!، يبتعد "يزيد" فـ أقترب!، يقسوا "يزيد" فـ ألين قلبه!، يضرب "يزيد" فـ أعتذر في سبيل العيش معه وجعل المركب تُسير، في سبيل حُبه وقُربه، في سبيل لمساته وكلماته، في سبيل أحضانه وتلك اللحظات بها..


ولكن ماذا فعل "يزيد" الآن ما كان إلا رجل يعمل مُحتال تزوجني ليحتال علي ويأخذ ما أملكه أنا وعائلتي بسبب شيء لا أعلمه إلى الآن..


ماذا فعل "يزيد" إلا رسم الحب على لوحة ورقية تمزقت عندما علمت الحقيقة المُرة؟


ماذا فعل "يزيد" إلا أنه سلب مني أعز ما أملك وجعله ملك له في ليالي معدودة إلا وهو قلبي؟..


نظرت إليه وهو يجلس على الأريكة والدموع عالقة بعينيها بعد هذا التفكير الصريح بما فعله بها، وجدته ينظر إليها والتوسل داخل عينيه، الأمل يود أن يحتل ملامحه ولكنه خائف، الحب بدأ بالظهور مرة أخرى وإن فعل لن تستطيع المقاومة!..


نظر إليها بخوف وضعف غريب تسلل إليه، عاجز عن جعلها تسامحه أو حتى تفكر في ذلك، عاجز عن قربه منها، عاجز عن كل شيء يخصها..


ولكن عليه أن يقص كل ما حدث لها الآن قبل حضور عمها ربما تُشفق عليه!..


وجدته يتحدث بهدوء بعد أن اعتدل على الأريكة وأصبح وجهه ينظر إلى الأرضية أسفل قدميه:


-كُنا أغنيا.. جدي وجدك كانوا صحاب وشركا في كل حاجه، عملوا شغل كويس مع بعص وجم هنا في البلد دي بعد ما سابوا بلدهم.. في يوم جالهم واحد علشان يدخلهم في تجارة الحديد ويبقوا ناس ليهم وزنهم لما يعملوا مصانع ويظهروا لكن جدك رفض وجدي هو اللي كمل مع الراجل ده 


كلماته هذه صحيحة عمها قال هذا بالضبط إذًا ليكمل وتعرف أين تلك الثغرة التي لا تفهمها، أكمل هو مرة أخرى بعد أن أخرج سيجارة ووضعها بين أسنانه دون إشعالها:


-الراجل طلع نصاب وجدي كان ساهم معاه بكل اللي يملكه وبقينا على الحديدة، جدي مات... ووراه أبويا وعرفنا من عمي أن جدك هو اللي بعت الراجل ده وكانوا متفقين سوا أنهم ينصبوا عليه... كل الأملاك راحت ليكم من وقتها وإحنا مصممين نرجع كل حاجه أخدها جدك مننا  


-لحد ما جه اليوم اللي زود كل الكره اللي في قلوبنا بعد ما كامل قتل زاهر ووراه ماتت مرات عمي.. البيت كان في حداد على أربع أشخاص طلعوا منه من غير رجعة بسبب عيلتك... وصمننا على الانتقام وأننا نرجع حقنا حتى لو بالجواز 


مددت جسدها بأكمله على الفراش وعادت برأسها إلى الوسادة بعد أن رفع نظرة إليها، ثم هتفت مصححة له:


-قصدك بالحب.. الحب يا يزيد أسوأ طرق استرداد الحق، ويا سلام بقى لو كان زي حالتك كده الحق بتاعك باطل


لم يفهم ما الذي تقصده بحديثها عن الباطل، نعم هو يعلم أن الحب هو أسوأ الطرق لاسترداد الحق وقد ظهر هذا الآن ولكن ما الذي تقصده بحديثها عن حالته والباطل:


-مش فاهم تقصدي ايه


سألته بجدية لتستطيع أن توضح له أكثر:


-هو عمك عرف منين أن جدي هو اللي نصب عليه؟


أتى ليُجيبها وقارب على  النطق ولكنه عاد وأغلق شفتيه وهو ينظر إليها باستغراب شديد، فهو حقًا لا يعلم من أين عمه علم بهذا الشيء؟ نظر إليها وقال باستنكار:


-مش عارف


ابتسمت بسخرية متحدثة بهدوء وهي تضع يدها على بطنها أمامه وتضغط عليها:


-دلوقتي لما عمي يوصل هتعرف 


حديثها غامض؟ هل تعلم شيء هو لا يعلمه؟ ماذا سيقول عمها؟ ولما تريده أن يتحدث معه؟.. وضع رأسه بين يده بعد أن انحنى على نفسه وقد أصبح التفكير مرهق للغاية وهو لا يود شيء غير احتضان زوجته في غرفة نومه على فراشه ثم أن يخلد للنوم!...
أتى عمها بعد لحظات ثم جعلته "مروة" يقص على "يزيد" كل ما قاله لها عن ما حدث بالماضي، وكيف رفض جدها المشاركة محذرًا جده أيضًا، كيف حاول جدها المساعدة أكثر من مرة ومن خلفه عمها وهم لا يريدون، جعلته يتحدث بكل شيء حتى يرى أن ما فعله لم يكن إلا شيء فاضح له ولعائلته، جعلته يأكل أنامله ندمًا..


لم يصدق "يزيد" ما هذا الحديث الذي يُقال أمامه!.. ولكن هو بالفعل منطقي ليس مفبرك أو لا يُصدق!.. كيف علم عمه بما حدث إذا كان الرجل ذهب ولم يعد؟.. لما قال إن جدها أخذ أموالهم وهو في هذا الوقت كان غني وعنده كثير من الأملاك والأموال؟.. لما يفعل ذلك بصديق عمره الذي توفى من بعده؟..


نظر إليها بقهر وضميره يعبث معه بكل الطرق، الحزن سيطر على قلبه وفعل حداد إلى النهاية أو الرجعة، ملامحه بُهتت وعينيه اختفى بريقها، وكأن الحياة من أمامه وقفت.. أو أنه وجد نفسه وحيد على كوكب آخر.. أو أن هناك بركان على جزيرة ما سيثور وهو الوحيد عليها..


خرج من الغرفة وتركها خلفه حزينه عليه.. لقد كان يُسير خلف عمه الذي أعتقد أنه أبًا له ولم يُخَونهُ في يوم من الأيام، حزينه على ضعفه وخوفه، حزينه على كل شيء يمر به الآن...


               _____________________


دلف إلى المنزل ثم إلى غرفة الصالون الذي يأتي منها الصوت ووجد أن عمه يجلس ومعه ووالدته وشقيقه فنظر إليهم بحزن شديد وقد خفق قلب والدته ووقفت على قدميها ثم سألته بخوف كان حقيقي هذه المرة:


-ابنك حصله حاجه يا يزيد 


لم يُجيبها بل أكمل في سيره إلى أن وقف أمام عمه ونظر إليه بغضب وضيق وحزن وقهر لا يعلم كيف يتخلص منهم ثم سأله بهدوء شديد حافظ عليه:


-ليه عملت كده؟
ولجت إلى داخل الغرفة بهدوء وهي تتشوق لرؤية زوجة أخيها بعدما عملت أنها لم يُصيبها مكروه هي أو جنينها..


ولجت للداخل ووجدتها نائمة على الفراش مغمضة العينين فنظرت إليها بحبٍ وهي تحمد الله داخلها لأجل سلامتها وسلامة أخيها المعلقة بها، جلست على مقعد جوار الفراش بهدوء دون أن تحدث أي صوت..


وجدت "مروة" تُميل رأسها ناحيتها بعد أن فتحت عينيها ببطء يبدو أنها لم تكن نائمة، نظرت إليها بسعادة ولهفة قائلة:


-حمدالله على سلامتك يا مروة.. الحمدلله إنك بخير 


نظرة "مروة" إليها كانت جامدة ليس بها أي مشاعر سوى الجمود والجدية الخالصة، استغربت "يسرى" لذلك ولكن لم يطول استغرابها فـ "مروة" تحدثت بحدة مردفة:


-أخرجي بره 


وزعت "يسرى" بصرها بالغرفة لترى إن كان هناك أحد آخر غيرها توجه له الحديث ولكن ليس هنا سواها!.. هل تقول لها أن تذهب بهذه الطريقة الفظه؟..


سألتها بجدية وهي تنظر إليها مستغربة من حديثها مشيره إلى نفسها:


-دا أنا؟.. أنتِ مالك فيكي ايه مش مظبوطه من ساعة ما رجعتي من بره 


ابتسمت بسخرية وتهكم بعد أن استمعت حديثها الغير منطقي، ثم تساءلت هي بتهكم:


-من ساعة ما رجعت من بره ولا من ساعة ما دخلت بيتكم اللي كان جهنم على الأرض ليا؟


اقتربت "يسرى" بجسدها قليلًا وهتفت بجدية وهدوء لعلها تفهم ما الذي يحدث:


-مروة أظن الحوارات دي خلصت من زمان.. أنتِ ويزيد كويسين ومالكيش شأن بحد في البيت دا حتى فاروق لما عرف باللي إيمان عملته طردها 


توسعت عيونها بشدة، هل "إيمان" من فعلت ذلك؟، سكبت الزيت على الدرج لتجعلها تجهض جنينها؟.. نعم تفعلها وتتوقع منها أكثر من ذلك أيضًا ولكن من أين عملت أنها تحمل طفل داخلها؟.. نظرت إلى "يسرى" بشكٍ واضح ثم سألتها بحدة:


-إيمان عرفت منين إني حامل؟


رأت "يسرى" هذا الشك بعينيها صريح للغاية، حزنت بشدة وكأنها لا تعرفها أو كأن هناك شيء حل عليها ليجعلها تتغير هكذا مئة وثمانون درجة، أجابتها بجدية:


-سمعتنا وإحنا بنتكلم وقت ما كنتي بتقوليلي


ابتسمت "مروة" مرة أخرى بتهكم ثم أردفت بجدية وانزعاج وهي تعتدل لتجلس نصف جلسة بجسدها:


-اسمعي.. بيت الراجحي هعتبر إني مدخلتوش في حياتي، وأخوكي خلاص خرج منها ومبقاش يلزمني ولا أي حد فيكم يلزمني يا.. يا يسرى 


وقفت على قدميها بذهول غير مدركة ما الذي تتحدث به زوجة شقيقها، هل هي بوعيها أم ماذا؟، سألتها باستنكار ودهشة:


-في ايه يا مروة؟، لو أنتِ زعلانه مع يزيد أنا مليش دخل 


زفرت بضيق وحزن وقد تكونت الدموع بعينيها الأن مرة أخرى غير الأولى على أشخاص اعتقدت أنهم يُحبونها، هتفت بحزن وحدة بذات الوقت:


-لا أنتِ ولا يزيد ولا إيمان ولا أي حد في البيت بتاعكم كلكم ناس حقيرة، كلكم استغليتوا ضعفي وطيبتي علشان تضحكوا عليا، بس خلاص مروة فاقت وعرفت كل حاجة، عرفت كل اللي كنتوا ناوين عليه بلاش بقى تمثلي أكتر من كده وأخرجي برة بكرامتك 


الذهول يحتل ملامحها، لا تدري عن ماذا تتحدث!. ماذا تقول!، هي لم تفعل لها أي شيء غير الخير، وقفت جوارها أمام أهلها وهذا يكون جزائها؟.


              _____________________ 


دلف إلى المنزل ثم إلى غرفة الصالون التي يأتي منها الصوت ووجد أن عمه يجلس ومعه ووالدته وشقيقه فنظر إليهم بحزن شديد وقد خفق قلب والدته ووقفت على قدميها ثم سألته بخوف كان حقيقي هذه المرة:


-ابنك حصله حاجه يا يزيد 


لم يُجيبها بل أكمل في سيره إلى أن وقف أمام عمه ونظر إليه بغضب وضيق وحزن وقهر لا يعلم كيف يتخلص منهم ثم سأله بهدوء شديد حافظ عليه:


-ليه عملت كده؟ 

نظر إليه عمه ببرود قاتل وبقى هكذا لبعض الثواني ثم هتف يسأله بهدوء وهو يريح ظهره للخلف أكثر:


-عملت ايه يا ابن أخويا


تحولت أنظار "يزيد" من الحزن والغضب إلى الدهشة والاستنكار، هل مازال يخفي حقيقته.. لقد فُضح الآن، أردف بقهر وهو يُجيبه بعصبية:


-عملت ايه؟ أقولك، عيشتنا في كدبة من وإحنا صغيرين إن جد مروة السبب في اللي حصلنا، ربتنا على الانتقام من ناس مظلومة، كبرتنا وإحنا مفكرين إن حق الناس حقنا، خلتني ظلمت واحدة بريئة من أي شيء، دمرت حياتها وقتلتها بالبطئ ولسه بتسأل عملت ايه؟


وقف "فاروق" يسأله بجدية ودهشة بعدما استمع حديثه الذي لأول مرة يستمع إليه:


-أنتَ بتقول ايه يا يزيد 


أجابه بصوتٍ عالٍ وقد فاض به الكيل على كل ما يحدث وما سيحدث قريبًا بعد أن تتركه زوجته:


-أنتَ مش عارف حاجه، عمك كدب علينا في كل الكلام اللي قاله.. كله كان كدب ومشينا وراه وإحنا مغمضين واديني أهو أنا الوحيد اللي بيدفع التمن في ابنه ومراته 


تحدث والدتهم بخوف من أن يكون حديث ولدها صحيح وكل ما فعلته ما كان إلا ظُلم بين ستحاسب عليه:


-ما تتكلم يا أبو زاهر ايه اللي بيقوله يزيد ده 


لم يتحدث وتركهم يفعلوا ما يحلوا لهم وهو جالس بهدوء شديد أو برود شديد ينظر إليهم واحدًا تلو الآخر ويأتي بملامحهم بذهنه..


تحدث "يزيد" مرة أخرى بعصبية قائلًا وهو يوجه نظرة إلى والدته وشقيقه:


-هيقول ايه؟ هيقول أن كل أملاك عيلة طوبار من تعبهم وشقاهم وأنه كان كداب لما قال دا حقنا؟ ولا يقول إنهم حاولوا أكتر من مرة إنهم يساعدوا وقت الأزمة وهو اللي رفض وبدل الخير بالشر؟ ولا يقول إنه ضحك على عيال أخوه وكبرهم على الغدر والانتقام وخلاهم يظلموا الناس علشان أهداف محدش يعرفها غيره


وقف عمه على قدميه متقدمًا منه إلى أن وقف أمامه ثم بكف يده صفعة على حين غرة بشدة جعلت وجهه يستدير للناحية الأخرى، شهقت والدته بفزع وتقدمت سريعًا إلى جوار ابنها لتراه إن كان بخير وقد تفاجئ "فاروق" من فعلة عمه الغير مرحب بها بالمرة وتقدم هو الآخر من شقيقه ليراه..


بينما "يزيد" تحسس مكان صفعته بهدوء ولكن داخله يشتعل، نيران ثائرة بداخله بعد هذه الفعلة الدنيئة منه وهو المخطئ الوحيد..


استمع إلى عمه وهو يقول بجدية وحزم وتعابيره قاسية للغاية:


-أنتَ خسرت ايه ابنك اللي لسه مجاش على وش الدنيا ولا مراتك اللي عشت معاها ميكملش سنة... أما أنا، أنا خسرت أبويا وأخويا ومراتي وابني اللي كان راجل، خسرت مالي ومال ابني، خسرت شبابي وحياتي، خسرت كل حاجه 


صرخ بحدة وعصبية بهم سائلًا إياه:


-قولي أنتَ خسرت ايه 


لم يُجيبه "يزيد" بل الذي تحدث هذه المرة هو "فاروق" قائلًا بجدية شديدة هو الآخر بعد أن وجد أن هناك كثير من الأشياء لا يعرفها:


-كلنا هنموت يا عمي بس هما سبقونا أما يزيد مراته وابنه عايشين هيفضل بقية حياته بيتعذب على فراقهم


نظر إليه "يزيد" وقد كانت مشاعرة متضاربة بين الحزن والفرح الغضب والهدوء، كل شيء ولكن هذه أول مرة يدافع عنه شقيقه!..


أكمل "فاروق" متسائلًا: 


-قول يا عمي ايه اللي حصل وايه اللي يزيد بيتكلم عنه 


صرخ بهم بعصبية وغضب وهو يقول ما يكِنهُ داخل قلبه منذ سنوات كثيرة ليست واحدة أو اثنين:


-أيوه أنا اللي عملت كل ده.. أيوه هما ناس بريئة بس جدهم السبب ليه محاولش يمنع أبويا بالغصب وهو عارف أنه بيضيع فلوسه، ليه موقفش قصاده.. سابه يضيع كل حاجه بهواه.. أبويا مات بسبب الخسارة اللي لو كان منعه عنها صاحبه مكنش مات ولا كان أخويا مات.. أبوكم، وابنهم اللي قتل ابني ومن وراه مراتي.. كل ده مش كفاية يخليني أخد كل اللي عندهم وأحرق قلبهم عليه.. بقيت لوحدي في وسطكم بتحسر على خسارة كل اللي ليا واللي بعد ما موت هيبقى ليكم مش لابني


صمت للحظة بينما الجميع بحاله ذهول من حديثه الغير منطقي، هذا أمر الله لقد توفاهم!.. والمال له كيف سيجعله يعود عن ما في رأسه بالغصب وهو ماله!..


مرة أخرى بقسوة أكبر من ذي قبل جعلت الجميع قلوبهم بين أقدامهم:


-ولو كنت عرفت أن مراتك حامل كنت نزلت الولد من بطنها بأيدي قبل إيمان ما تعملها.. بس مش من نصيبي إيمان كانت أسرع


ماذا؟ زوجة شقيقه هي من فعلت ذلك بزوجته؟.. نظر إلى شقيقه الذي وجده ينظر بأرضية الغرفة بخجل، نظر إلى والدته التي جلست ووضعت رأسها بين يديها من كم الصدمات بهذا اليوم الذي لا يريد الإنتهاء..


شيء واحد سيطر على الجميع في هذه اللحظة إلا وهو الندم!...


نظر "يزيد" إلى الجميع ثم تحدث قائلًا بجمود:


-بعد كل اللي حصل ده أنا ماليش قعدة معاكم هنا.. انتوا ممكن ترجعوا مع بعض زي الأول لكن أنا لأ


استكمل حديثه وهو يخرج من الغرفة متوجهًا إلى غرفته بالأعلى:


-هروح ألم حاجتي وحاجه مراتي ومش هخليكم تشوفوا وشي ده تاني 


خرج وهو عازم أمره على ذلك بعد أن علم بما حدث منذ البداية، عمه مريض مؤكد، كيف له أن يفعل كل ذلك بهم لأجل أشخاص توفاهم الله!.. الحقد والانتقام هو المسيطر الأول عليه وهو وشقيقه كانوا مثل آله يُملي أوامره عليها وهم ينفذون!..


الحزن والندم سيطر على والدته وشقيقه.. لقد كانوا يسيرون وراء وهمٍ حقيقي لم يبحثوا عن الحقيقة ولو مرةٍ واحدة وكان ظلم الناس عليهم سهل!.. كيف يعبرون عن مدى حزنهم وندمهم على كل شيء قد حدث؟، كيف يعتذرون من ابنهم وزوجته؟، كيف يجعلوه يعود إليهم مرة أخرى ويفعلون له ما يريد؟..


تفرقت الأسرة وتفرق جمعهم بسبب وهمٍ وانتقام غريب ليس له أي أساس سوى كلمات عمهم المحروق على فقدان أحبته..


بين كل ذلك صعد "سابت" إلى غرفته وتركهم في حالة ذهول، دلف إليها ثم أخذ صورة زوجته وابنه من على الحائط وتقدم إلى الفراش ليتمدد عليه وهو يحتضن الصور والحزن يتغلغل داخل أعماق قلبه شاعرًا أنه قارب على التوقف.


           __________________________


دلفت إلى السيارة جوار "سامر" مرة أخرى لتعود إلى منزلها ولكن كانت مختلفة كثيرًا عن قبل.. الدموع عالقة بـ اهدابها ووجهها أحمر بشدة ولا يبدو عليها أنها بخير..

تسائل باستغراب بعد أن رآها هكذا وهو يقود السيارة إلى وجهته:


-في ايه مالك 


خرجت الدموع من عينيها عقب سؤاله وتحدثت بخفوت وحزن:


-مروة طردتني وقالتلي كلام كتير أنا مش فهماه


نظر إليها باستنكار بعد حديثها ثم أعاد نظرة إلى الطريق وهو يهتف بحنان ولين: 


-طيب ممكن تهدي علشان أفهم


ازداد بكائها فهي لا تعلم ما الذي حدث لتقول كل هذا الحديث القاسي إليها وهي لم تفعل شيء بها بل اعتبرتها شقيقتها وليست زوجة شقيقها..


أوقف "سامر السيارة بجانب على الطريق ثم نظر إليها بهدوء وهو يزيل دموعها من على وجنتيها وهتف وهو ينظر إليها برجاء بعد أن استدارت له:


-ممكن تهدي وتبطلي عياط


ترك لها مساحتها في البكاء بعد أن عجز عن جعلها تهدأ ثم صمتت بعد فترة فتحدث هو قائلًا بلين:


-ممكن أفهم بقى ايه اللي حصل 


أردفت بضيق وانزعاج وهي تروي له ما حدث:


-في مشكلة بينها وبين يزيد ومصممة على الطلاق حتى أنها بهدلتني وقالتلي أننا نصابين وناس ظالمة والمؤامرة اللي اتعملت عليها هي خلاص عرفتها 


استدار "سامر" ينظر إلى الطريق بعد أن علم ما الذي حدث.. أنها حتمًا علمت ما سبب الزواج وما الذي أراد فعله "يزيد" بها.. هتف بشرود قائلًا:


-المشكلة اللي بينهم عمرها ما هتتحل بسهولة، ده لو مروة اتنازلت أصلًا 


وجهت نظرها عليه.. هو يعلم ما الذي حدث!، يعلم ما المشكلة بينهم!، سألته باستغراب:


-أنتَ عارف اللي حصل؟


توتر من نظرتها وتردد من اخبارها، ولكن أمام تلك النظرة الواثقة بأنه يعلم وبأنه سيتحدث لم يجد حل غير أن يقول لها فهي الشخص الوحيد إلى الآن الذي لا يدري داخل عائلته..


صُدمت من شقيقها وعائلتها ومن خطيبها أيضًا!، كيف لهم أن يفعلوا بها هكذا، مَثل أخيها الحب عليها!، ولكن كيف العشق كان يظهر عليه لها في كل لحظة!.. أرادوا ذبحها بالحب والضعف!، معها كامل الحق وأكثر فيما تفعل لقد خُدعت في حب حياتها، زوجها، ووالد ابنها أيضًا..


سألته بدهشة وهي لا تصدق أنه مشارك بهذه الجريمة:


-أنتَ إزاي تخليه يعمل فيها كده؟ له معتبرتهاش أنا ولا حتى أختك


علم أنها ستقول هذا ومن الآن وصاعدًا لن تأمن له لأنه ساعد في ظلم بريئة، زفر بضيق ثم أردف بخفوت:


-أرجوكي بلاش تقولي كده أنا حاولت مع أخوكي أكتر من مرة وهو اللي كان مصمم على رأيه وخايف تعرف من غيره 


-روحني..


حاول الحديث ليجعلها تعلم أنه لم يكن بيده شيء يفعله ولكنها منعته مطالبة بالعودة إلى منزلها دون حديث.. فـ الصدمة صعبة للغاية عليها، كيف إذًا على مروة؟..


             ________________________


"اليوم التالي"


بعد أن أخذ ما يخصه هو وزوجته من بيت عائلته ووضعه بالحقائب الخاصة بهم، وضعهم بالسيارة وذهب إليها مرة أخرى ومنذ أمس وهو جالس خارج الغرفة في الرواق وحده بعد أن جعلت "تامر" يذهب ولم يكن موافق على هذا ولكنه فعل..


منذ أمس وهو هنا لم يأتي النوم إلى عينيه بل وكأنه نام سنة كاملة ليبقى هكذا، يفكر بالماضي وما حدث به من كوارث هائلة تحمل هو نتيجتها..


يفكر بالكذب الذي افتعله عمه ليبقى هنا الآن، لو كان غير ذلك لكان هو بجوارها بالداخل! ولكن هذا ما حدث، لقد كانت صدمة حقًا في عمه الذي بمثابة والده، لم يكن يتخيل أن يفعل بهم هكذا، ماذا كان سيحدث إذا رفضت عائلة "طوبار" الزواج هل كان سيفتح سلسال دم من الممكن فقدانه هو أو أخيه بداخله؟.. أنها صدمة حياته..


كذب عمه وجعلهم يتحملون النتيجة، كذب وهم ورائه يسيرون، كذب ودمر حياتهم ولكنه المخطئ!.. لم يتبين له الحقيقة من الكذب وهو لم يسعى لمعرفة ذلك..


ترك كل شيء يسير كما عمه ووالدته أرادوا، ترك لهم زمام الأمور وكأنه دُمية يحركونها بأريحية، ومن خلفهم هو كذب، ظلم، انتقم وعاقب شخص برئ أحبه للغاية..


يا له من وغد!.. كيف له أن يفعل بها ذلك؟ كيف له أن يجعل الدموع لا تتوقف عن الخروج من مقلتيها؟ كيف له أن يحزن قلبها الذي أحبه؟ كيف له أن يشعرها بالقهر والخذلان منه هو وحده؟.. أنه لا يستحق حبها.. لا يستحق أن تكون بحياته من الأساس!، لقد أضاع كل شيء بينهم بسبب ضعفه وخوفه.. بسبب حماقته وكذبه..


ياتي إليه في الطريق طفل صغير كان يتمناه منها وحدها، ما السبيل للتواجد معه الآن، أنها قررت وكان الطلاق والفراق قرارها، ما السبيل الآن للتخلص من كل هذه الآلام الذي تعصف به وبكل خليه بجسده..


لو كان يعلم أن كل ذلك سيحدث بسبب زواجه منها لم يكن ليتزوجها.. لم يكن ليقع بعشق زرقة البحر، لم يكن يقع بغرام خضرة الأرض.. لم يكن يفعل كل ذلك وكان بقى "يزيد الراجحي" الذي يحمل القسوة والغرور داخل طياته، كان بقى نفسه الذي يحمل العنجهيه والمراوغة داخله وبقيت هي "مروة طوبار" الملاك الذي لا يوجد مثله في نقائه وبراءته..


زفر بضيق وهو يمسح على وجهه بعد أن اعتدل في جلسته يتكئ بمرفقيه على قدميه ينحني على نفسه للإمام وهو يفكر كيف سيجعلها تعود عن ما في رأسها وتكون زوجته دون أي ضغط من أي أحد، تكون زوجته وكأنها المرة الأولى الذي يريدها بها، تكون زوجته بإرادتها هي وحدها..

            _______________________


بينما هو جالس مكانه مثلما كان وجد والدها وشقيقتها يركضون في الرواق بلهفة وخوف!.. من الذي أخبرهم؟.. مؤكد إنه ذاك الطفل الأبلة "تامر"..


تقدمت منه "ميار" سريعًا عندما وجدته أمامها ثم سألته بلهفة واهتمام:


-يزيد مروة حصلها ايه؟ 


واستمع إلى سؤال والدها هو الآخر من بعدها ولم يعطيه حق الإجابة يقول:


-بنتي فين يا يزيد؟ 


ابتلع ما بحلقه ثم تحدث بهدوء واحترام وهو يشير إلى باب غرفتها:


-ممكن تهدوا هي جوا هنا ومحصلهاش أي حاجه دي وقعة بسيطة 


أجابت "ميار" بسرعة وخوف يحتل نبرتها:


-بس مروة حامل


ابتسم "يزيد" بسخرية شديدة ليست في وقتها المناسب ولكن الجميع حولها يعلم وهو لأ!:


-دا الظاهر إن أنا الوحيد اللي مكنتش عارف.. على العموم هما بخير 


نظرت إليه "ميار" باستغراب شديد، هل لم تقول له شقيقتها عن حملها بعد؟ إذًا هو علم فقط عندما سقطت من على الدرج!.. أنها غبية..


ولجت إلى الغرفة هي ووالدها لترى شقيقتها التي عندما رأتهم يدلفون إليها تجمعت الدموع بمقلتيها وأصبحت تبكي بشدة!..


أخذها والدها في أحضانه وهو يحاول أن يجعلها تهدأ فإن كانت بخير وكل شيء على ما يرام لما تبكي؟.. دلف إلى الغرفة ليراها وهي بهذا الوضع فظل واقف جوار باب الغرفة ولم يتقدم ناحيتها وقد كان قلبه يخفق بشدة ود لو كانت بأحضانه هو..


نظرت إليه وهي تزداد في البكاء، عينيها معلقة على عينيه متشبسه بوالدها وكأنه هو الذي تحتضنه وتخفي نفسها داخله، ولكن هيهات فهو من تهرب من براثنه..


حاولت "ميار" أن تجعلها تهدأ قليلًا ولكن ليس هناك فائدة، شعرت أن هناك خطب ما، أنظار "يزيد" و "مروة" متعلقة ببعضهم وكل منهما يقول شيء مختلف تستطيع قراءته بوضوح، تركت ذلك الأمر جانبًا ثم حاولت مرة أخرى هي ووالدها الذي استغرب أيضًا بُعد "يزيد" عنها في هذا الوقت!..


أتى "تامر" أيضًا بعد صف سيارته الذي أتى بها عمه وابنته، جلس على الأريكة بالغرفة وهو لا يريد التدخل فقط لأجل "ميار"..


بعد فترة جفت دموعها وصمتت عن البكاء ومازالت تنظر إليه بضعف وقلة حيلة، عينيها تزف إليه حبها ولكن لن يكمل على كل حال..


سألها والدها باستغراب وجدية وهو يريد أن يعلم ما الذي أصابها في يوم وليلة:


-مالك يا مروة يا حبيبتي.. ايه اللي حصل لكل ده 


انتظرت "ميار" لتستمتع الإجابة منها على سؤال والدها ولكن ظلت فترة صامتة لم تتحدث ومازالت نظراتها متعلقة به، ثم فجأة ابتعدت عن والدها نظرت له ثم هتفت بحزن ونظرة ضائعة:


-عايزة أرجع معاكوا القاهرة.. النهاردة 


أومأ إليها بهدوء وهو ينظر إلى شقيقتها ولم يفهم ما الذي يحدث بعد فتحدث مرة أخرى:


-ماشي يا حبيبتي اللي أنتِ عايزاه نعمله بس يعني يزيد بيقول إنك كويسه ومحصلش حاجه عايزة ترجعي القاهرة ليه


لن يكون هناك دموع مرة أخرى، ولن يكون هناك ضعف، هو من خان وهو من باع، هو من كذب وهو من راوغ، هو الذي جعلها تشعر بالخذلان، والقهر.. عليه هو أن يشعر بكل هذا وليست هي!.. ولكن هل تستطيع أن تؤذيه بهذا الشكل؟..


أجابت والدها بخفوت:


-علشان مش هقعد هنا تاني أبدًا 


نظر كل من "ميار" ووالدها إلى"يزيد" حتى يتحدث يمحي هذا اللغز فلم يكن منه ردًا سوى أنه أخرج سيجارة ووضعها بين أسنانه دون اشعالها فهو ود لو ضغط على أحد بأسنانه ليخرج كل الضغط عليه..


تحدثت "مروة" مرة أخرى بجمود وقد عز عليها أن تفعل ذلك ولكنه لم يترك لها خيارًا آخر بعد ما فعله:


-أنا ويزيد هنطلق 


وقفت "ميار" سريعًا من جوارها تهتف بذهول وصدمة ألقتها عليها شقيقتها:


-ايه 


والدها لم يكن حاله أفضل منها فالصدمة ألجمت لسانه، تقدم "يزيد" إليها بعد أن ألقى السيجارة على الأرضية وهو يسير سريعًا ناحيتها بحركات هوجاء ثم تحدث بحزم:


-مش هيحصل يا مروة قولتلك مليون مرة مش هيحصل 


عاندته وهي تهتف بحدة شديدة وصوت عالي تشير بيدها ناحيته بهمجية:


-هطلقني يا يزيد ولو حكمت هخلعك  


تقدم منها ليمسك يدها فدفعته بحدة وقد كان الجميع مذهولًا مما يحدث بينهم!.. أمسك يزيد بيدها الاثنين بحدة ليبقى وجهها أمامه مباشرةً ولا يفصل بينهم سوى أنفاسهم، تحدث يزيد بضعف ورجاء وهو يضغط على يدها:

-أرجوكي كفاية لحد هنا قولتلك أعملي اللي أنتِ عايزاه.. مش هنرجع هنا تاني.. المكان اللي تحبيه هنروحه... خدي الوقت اللي أنتِ عايزاه علشان تكوني معايا لكن بلاش البعد ده يا مروة بلاش.. لو مش علشاني علشان ابنك 


ظنت أن عينيها جفت الدموع منها ولكن بكلماته هذه جعل الشلال يفتح أبوابه مرة أخرى، نظرة عينيه الراجية، كلماته أن الفراق صعب عليه، وقربه إليها، كل هذا جعلها تبكي مرة أخرى وأخرى وأخرى..


نظرت إلى والدها ثم قالت بخفوت: 


-أنا عايزة أرجع معاكم دلوقتي 


أومأ إليها والدها فنظر لها "يزيد" بخيبة أمل وحزن ثم ترك يدها وذهب خارج الغرفة دون أن ينظر إليها مرة أخرى..


ليس هناك أحد يفهم أي شيء مما يحدث، نظرت "ميار" إلى والدها الذي بادلها نظرة الدهشة وأيضًا كانت هذه تعابير "تامر"، لم تفعل أي شيء سوى أنها تقدمت من شقيقتها تحتضنها بحبٍ لتتوقف عن البكاء الذي ازداد بعد رحيله عنها وكأنها لا تريد ذلك..
"بعد مرور شهر"


شعور الفقد يلازمه منذ شهر كان بالنسبة له عام!.. فقد أعز ما يملك في هذه الحياة بسبب غباءه وضعفه، بسبب خوفه وقلة حيلته المصتنعة، الآن يعاني الوحدة عن حق بعد أن ترك الجميع وأصبحت حياته عبارة عن اعتذار وعمل..


منذ آخر يوم رآها به قبل شهر والذي قد تركته فيه وذهبت مع عائلتها مطالبة بالفراق، ذهب هو الآخر إلى منزله في العاصمة الذي جمع بينهما من قبل في أسعد لحظات حياتهم، أخذ كل ما يخصه ويخصها من منزل عائلته ووضعه في هذا المنزل على أمل عودتها له كما كان هناك أمل لها أن يعود بها إلى هنا!.. يا ليته فعل وانصت إلى حديثها ولكن بماذا يفيد الندم؟..


بقى وحده دون شريك، حياته عمل منذ ذلك اليوم، عمل ثم الذهاب إلى زوجته يوميًا بالورود وغيرها للإعتذار منها، لن ييأس أبدًا، نعم هي لا تود مقابلته ولم يراها إلى اليوم ولكن هي تعلم أنه يذهب إليها بل ويترك لها الهدية برسالة ورقية صغيرة تلين قلبها تجاهه..


لو كان يعلم أن قلبه سيؤلمه إلى هذا الحد في فراقها لم يكن يستمع إلى عمه أو شقيقه لم يكن يستمع إلى أي شخص كان، لقد شكلت فرقًا كبيرًا بحياته..


هل لو قال أنه لا يستطيع العيش بسلام سيُصدق؟.. هل لو قال أنه لا يأكل بشيهية كما السابق سيُصدق؟..


أنه الآن مثل طفل فقد عائلته بالكامل وعاش وحيد وهو يخاف من البشر أجمع، 


قلبه يؤلمه، روحه معذبة بفراق حبيبته وطفله الذي أراد أن يكون جوارها في حملها له لحظة بلحظة، عقله لا يتوقف عن التفكير فيما سيحدث قادمًا.. ضميره إلى الآن يعبث به محدثة أنه جعلها تتألم، جعل قلبها يُكسر وعرفت الخذلان بمعرفتها له!..


وصف حالته لن يفيد ولن يُفي ولكن ما يعلمه حقًا أنه لن يستسلم سيظل يذهب إليها معتذرًا إلى النهاية.. إلى أن يسترد الله أمانته فيه.. أو إلى أن تسامحه وتعود إليه مرة أخرى فقد مزقه الاشتياق لها..


            _______________________


ذهبت مع عائلتها منذ شهر!.. هل كان شهرًا واحدًا؟.. تركت صاحب العيون متعددة الألوان، تركت خلفها رجل بهيبته انحنى إليها وحدها، تركت خلفها حبٍ قاتل لم تعرفه إلا معه..


اعتقدت عندما تزوجته وتركت أهلها أنها فارقتهم وكم كانت حزينة لذلك!.. الآن هي تقول أن هذه المرة الأولى لها في استشعار مرارة الفراق.. لقد كان صعب للغاية وما مر منه إلا قليل، البعد عنه موت، ليس موت بل قتل بالعنف الشديد، "يزيد" الذي عشقته الآن تتركه وتتألم لذلك أكثر من أي شيء آخر..


لكن ما فعله بها لا يستحق عليه إلا ذلك العقاب، لقد خدعها، كان يريد سرقتها، كذب عليها، جعلها تتألم في كل يوم وهي بريئة، جعلها تشعر بالخذلان منه، جعلها تشعر بالقهر..


الحزن اشتد عليها وجعلها تجلس دائمًا في غرفتها لا تخرج منها إلا للطعام حتى لا يحزن والدها أكثر من ذلك.. غرفتها التي جعلتهم يغيرون أساسها لأنه شاركها إياها!.. وكأن ذلك سيجعلها لا تتذكره ألا تعلم أنه داخل عقلها وقلبها؟... إنه داخل الأعضاء المسؤولة عن تحريك الإنسان..


يأتي إليها كل يوم تستمع إلى صوته في الخارج أمام باب المنزل عندما يفتح له والدها أو شقيقتها وهم إلى الآن لا يعلمون شيء عما حدث.. لا تريد أن تجعله سيء بنظرهم، ما قالته أنها مسألة شخصية وأنهم لا يتفاهمون سويًا.. مؤكد لم يدلف هذا الحدث عقل أحدًا منهم ولكن لم يضغطوا عليها وتركوها لتفعل ما تريد..


هي تراهم يتعاطفون معه وتساعده شقيقتها أيضًا وتتحدث معه لتخبره بوضعها ووالدها يود أن يدخله المنزل كل يوم ولكن لا يستطيع بسببها.. هم يعلمون أنها تحبه وتتعذب في فراقه لذا يحاولون أن يجعلوها ترضخ له بعد هذه المحاولات ولكنها لن تفعل ذلك..  


بينما هي الآن في حملها تخطت الشهرين ونصف تعاني كل يوم بسبب التقيؤ والارهاق الذي يلازمها، حذرتها الطبيبة بأن تهتم بصحتها لأجل الطفل ولكن هي لا تستطيع!.. ليس سهلًا عليها أبدًا هي فاقدة للحياة لا تريد إلا هو جوارها في هذه الأوقات وأيضًا لا تريد رؤيته مرة أخرى عقلها مشوش للغاية ولكن ما تعرفه أنها تشتاق إليه بشدة..


              ______________________


استلقى على الفراش، ينام على جانبه الأيمن ينظر إلى صورتها على الكومود بجواره، خُصلاتها التي تحمل لون قرص الشمس تتطاير بفعل الهواء، زُرقة عينيها البراقة تظهر بوضوح وبها فرحة عارمة تظهر للأعمى، وجنتيها حمراء بشدة بسبب خجلها عندما غازلها وهو يلتقط لها هذه الصورة، شفتيها تشق الابتسامة طريقها بها..


لقد أضاع من بين يده ملاك لا يجوز أن يكون مع أي أحد من البشر وقد مَن الله عليه به ولكن بغباءه الفطري أضاعه!..


استلقى على الفراش بظهره ووضع يده أسفل رأسه وهو يتذكر منذ ما يقارب الثلاث أشهر عندما كان ينام هنا إلى جوارها ينتقون إسم طفل صغير حتى إذا كرمهم الله يُطلق عليه..


"كانت نائمة إلى جواره يضع يده أسفل رأسها محتضنًا إياها وهي تسير بأصابع يدها على صدره بينما يتحدثون بمرح وسعادة تواجدت معهم هنا..


ابتسم وهو ينظر إلى سقف الغرفة بعد راودته فكرة يود لو تتحقق الآن، تحدث بحبٍ كبير:

-لو جبنا بنت هسميها مروة علشان يبقى عندي أحلى مروتين في حياتي 


عبثت معه كما يفعل دائمًا بها لتقول بسخرية وتهكم ضاحكة:


-طب عارف لو جبنا ولد هسميه يزيد علشان يبقى عندي أحلى يزيدين في حياتي 


ضربها بخفه على جبهتها وهو ينظر إليها بنصف عين بعد سخريتها منه وأردف قائلًا وهو يشاكسها:


-تصدقي أنا غلطان.. خلاص هسميها ريهام 


وجدها عندما استمعت إلى الاسم قفزت لتجلس على الفراش بملامح مذهولة، ثم صاحت بحدة وقد تبدل حالها من "مروة" إلى أخرى لا يعرفها:


-نعم يا عنيـــا ريهام دي تطلع ايه.. يزيد اظبط كده وخلينا حلوين مع بعض، قال ريهام قال 


ما هذا؟.. ستُفرد أجنحتها عليه وتتحدث هكذا؟. ضحك عاليًا بعد أن استمع إليها وشاهد طريقتها لتفهم ما الذي يفعله أنه يعبث معها لتفقد صوابها إذًا لتفعل مثله:


-طب ماشي سميها ريهام وأنا لو ولد هسميه...


وجدته يحذرها بعينيه الذي اختفى المرح منها وعبس بشفتيه قائلًا بجدية: 


-اوعي 


زفرت بضيق ثم عادت إلى مكانها جواره متزمرة عليه ولكن سريعًا اندمجت معه في الحديث مرة أخرى لتقول بهدوء وهي تسأله:


-ممكن تسيبلي حق اختيار اسم البنت؟ 


أجابها بفتور قائلًا وهو يبتسم:


-ليه؟. علشان ميبقاش ريهام؟


رفعت نظرها إليه وتحدثت بتهكم بعد عبارته:


-تصدق إنك رخم!


استفزها ببروده وأجابها بسخرية بعد أن ضحك ببرود: 


-مش أول حد يقولي كده


تركت حديثه هذا جانبًا لأنها لن تتخلص منه أبدًا مادام هو مزاجه جيد، واسترسلت حديثها بعد أن أخفضت نظرها عنه بهدوء:


-علشان نفسي بنتي تكون على اسم ماما الله يرحمها.. ورد 


تغيرت نظرته إليها من العبث إلى الهدوء الخالص، لم تحظى بأي لحظات تذكر مع والدتها، يستطيع أن يشعر بحزنها.. أخذ نفسٍ عميقٍ ثم هتف بجدية وابتسامة تزين ثغره:


-أول بنت لينا هيكون اسمها ورد 


نظرت إليه بسعادة ثم ارتفعت لتقبله على جانب فمه، عادت مرة أخرى إلى مكانها لتتساءل بسعادة:


-طب الولد بقى هتسميه ايه 


-إياد 


سألته مرة أخرى باستفهام:


-اشمعنى إياد؟


شدد على احتضانها وقربها منه ثم أجاب بهدوء وهو ينظر إلى سقف الغرفة:


-نفسي من زمان يكون عندي ولد اسمه إياد


ثم أكمل حديثه عابثًا معها:


-وعلي ومازن ونور وهند ويارا وكاميليا...


وضعت يدها سريعًا على شفتيه وهي تضحك بصخب قائلة باندهاش:


-ايه هي أرنبه


ابتسم بخبث بعد أن أخذ يدها الموضوعة على فمه وبقيت بين كفه وتحدث بمكر:


-مادام أنا موجود وأنتِ موجودة ايه المانع 


مرة أخرى لتضحك بصخب شديد وهي تنظر إليه وإلى سهولة الحديث الذي يخرجه من فمه، تحدثت بمكر مثله قائلة:


-لأ الموانع كتير 


تركها وجذب يده من أسفل رأسها ثم جعلها تستلقي على الفراش وحدها وهو يقابلها بجسده ووجهه القريب منها للغاية الذي لا يفصله عنها سوى أنفاسهم ثم تحدث بخبثٍ وابتسامة رائعة:


-نزيل أول مانع بقى!..


واقترب منها ليمحي كل مانع تحدثت عنه!..ليبقى بالقرب منها في الماضي والحاضر والمستقبل، لتكون زوجته ونصفه الآخر كل يوم وكل لحظة تمُر عليهم، ليبقى "يزيد" الذي عشقته ولا تريد الإبتعاد عنه"


استفاق على دمعه حزينة خرجت من عينه، ازالها سريعًا بيده ثم استلقى على جانبه مرة أخرى ليرى صورتها أمام عينيه وهو يذهب في ثبات عميق، هاربًا من التفكير مرة أخرى فقد اكتفى من آلامه..


             _______________________


منذ ذلك اليوم الذي علمت به "يسرى" أن "سامر" كان يعلم ما ينوي شقيقها فعله تغيرت كثيرًا تجاهه، كانت تخشاه وتخشى أن تكون معه، تعلم أنه ليس كشقيقته، أحبته منذ سنوات، تعلم أنه لا يفعل شيء مشين لها ولكن كونه ترك صديقه يتأمر على فتاة لم يعتبرها كشقيقته أو خطيبته جعلها تشعر بالريبة منه كما شقيقها بالضبط..


دلفت إلى داخل غرفة الصالون وجدته يجلس بانتظارها ليتحدث معها بهدوء بعيدًا عن مكالمات الهاتف الذي تغلقها سريعًا..


جلست أمامه على المقعد ونظراتها جدية كما في المرات السابقة وقد أحزنه ذلك بشدة، كونها لا تصدق أنه نقي وحاول مع "يزيد" أكثر من مرة ألا يفعل يجعله يشعر بالحزن الشديد، ولكن يعود مرة أخرى ويقول إن معها كامل الحق فمن يفعل ذلك يفعل أي شيء آخر..


تحدث متسائلًا بجدية دون الدخول في تفاصيل لا تحبها هي:


-المفروض إن الفرح فاضل عليه أسبوعين ناوية تأجلي 


أجابته بجدية مثله تمامًا وهي تقول:


-أنتَ عارف أن عمي من وقت ما يزيد مشي وكل حاجه ظهرت وهو نايم في السرير مش بيتحرك أكيد ده مش وقت فرح


نظرت له نظرة ذات مغزى ثم أكملت حديثها بحدة: 


-ده غير إني مش هعمل فرحي غير ويزيد ومروة موجودين فيه مع بعض 


ازعجته بحديثها الغير منطقي أو الغير مرتب منها، هل تربط اقترابه منها بعودة "مروة" و "يزيد" وما دخله؟ ولما يتحمل نتيجة خطأ صديقه الذي أرشده إلى الصواب ولم يفعل؟..


تسائل بانزعاج وتهكم واضح:

-وأنا جوازي منك هيفضل مربوط برجوع مروة ويزيد؟.. افرضي أطلقوا ايه نفضها بقى؟.


أتت لتتحدث بانفعال بعد حديثه مؤكدة كلماته ولكن سريعًا عادت عن ما برأسها فكيف ستتركه؟.، لا لن يحدث ذلك مطلقًا ولكن أيضًا تود أن ترى أخيها وزوجته سويًا كما السابق..


ابتسم بتهكم وسخرية ثم تحدث قائلًا:


-ايه وقفتي ليه ما تقولي بلاها الخطوبة دي


نظرت إليه بضعفٍ غريب تسرب إليها عندما تحدث عن تركها فأكمل هو حديثه بضعف يماثلها:


-عايزك تفهمي إني عمري ما هعمل زي يزيد، وافهمي كمان إني حاولت معاه يقول لمروة على كل حاجه لكن هو كان خايف، يزيد مش وحش يزيد كان مضغوط وخايف من فقدان مراته وأنا مقدرتش ارده عافية يا يسرى أنا ماليش ذنب في اللي حصل علشان تتعاملي معايا كده..


وقف على قدميه أمامها ثم استرسل حديثه المنقطع بجدية وحزم شديد:


-أنا شاريكي عافية ومش هسيبك.. الفرح هيتأجل زي ما أنتِ عايزه وأنا هكلم يزيد واخليه يرجع مراته علشان أنا كمان اتجمع مع مراتي يا.... يا مراتي


غمزها بعينيه اليسرى ثم تقدم إلى خارج الغرفة ثم إلى خارج المنزل وتركها خلفه تفكر في حديثه وتبتسم على كلماته الأخيرة التي أُلقت عليها بحزم وجدية لا تحتمل النقاش..


                ____________________ 


-بجد يا تامر مش فاهمه ايه اللي ممكن يكون عمله وحش أوي كده يخليها تسيبه.. مروة كانت بتموت فيه ومستحيل تبعد عنه 


أجابها معلقًا على حديثها بفتور قائلًا:


-مكنش المفروض تحبه وتعلق نفسها بيه، جوازه زي دي مكنش مضمون من الأول هي هتكمل ولا لأ


استغربت حديثه فـ أردفت بهدوء:


-بس الحب مايعرفش الكلام ده 


تنهد بعمق وأغمض عينيه ثم أجابها مؤكدًا حديثها: 


-معاكي حق.. هي عامله ايه دلوقتي


أردفت وهي تتذكر حالتها التي تزداد سوءاً كل يوم:


-دايمًا حابسه نفسها في الاوضه بتخرج تاكل كده جبر خواطر وتدخل تاني.. رجعت للرسم بس رسومات كلها حزينة


ابتسمت بسخرية وسعادة بذات الوقت ثم أكملت:


-حتى أنها رسمته... رسمت يزيد وخبت اللوحة تحت السرير 


سأل "تامر" باستنكار ودهشة قائلًا:


-ايه العبط اللي هي فيه مادام بتحبه بتسيبه ليه 


-دي غيرت عفش الاوضه كله بحجة أنه مجرد تغير لكن أنا واثقة أنه علشان يزيد شاركها فيه


تنفس "تامر" بهدوء ثم تحدث قائلًا بجدية:


-أهم حاجه خليكي معاها خصوصًا في فترة الحمل الأولى دي 


وافقته على ذلك ثم توجهت بالحديث معه إلى أشياء تخصهم بعيدًا عن "مروة" و "يزيد" الذي يحتار الجميع في أمرهم إلى الآن..


           _______________________


كما كل يوم أنهى عمله ومر على محل بيع الورود ليبتاع لها ورود برائحة الياسمين الخاصة بها وحدها، ومن ثم أتى ببعض الشكولاته البنية التي أيضًا تحبها ومن ثم وضع بهم مكتوب صغير الحجم وُضع داخله بخط يده بعض الكلمات التي تنقل إليها مدى اشتياقه لها..


دق جرس الباب وقد كان هذا المعاد باكرًا قليلًا عن كل يوم يعلم أن من سيفتح الباب هي شقيقتها أو والدها، سيكون والدها هذه المرة فشقيقتها يعتقد أنها ستكون بعملها..


انتظر ثوانٍ ولم يفتح الباب ولم يأتي أي صوت من الداخل فدقه مرة أخرى لعلى هناك من يجيب عليه وقد كان...


قد كان حقًا، لقد ظهر من خلف الباب بعد فتحه بهدوء ملاكه الخاص، معشوقته وحبيبته، زوجته والدة طفله الصغير الذي تحمله داخل أحشائها، كم أن الاشتياق قاتل!. لقد تسارعت دقات قلبه وكأنه دخل للتو سباق عنيف يحتم عليه الفوز به، عينيه برزت وسُلطت عليها وعلى ملامح وجهها الذي افتقده بشدة، أنفه حاول أن يستنشق رائحة الياسمين المعهودة منها، وشفتيه!.. شفتيه ودت لو فعلت ما كانت تفعله بالسابق عندنا كانت ملكه وحده، تتركه يفعل ما يريد..


ولكن هي ليست كما السابق، أصبحت أنحف قليلًا، وجهها شاحب، وأسفل عينيها هالات سوداء لأول مرة يراها بها، هل هذا بسبب فراقهم أم بسبب ما فعله بها؟.


لكن الآن بعيدًا عن كل شيء هناك شعور غريب يجتاحه حقًا، منذ شهر مضى لم يراها إلا بالصور وبمخيلته وذكرياته معها، الآن وهي أمامه يود أن يأخذها بجوله داخل أحضانه تنكسر ضلوعها داخلها، يود أن يفعل كثير من الأشياء بجانب هذا الشعور الغريب بالراحة والسعادة..


يود لو يستطيع أن يحتضنها ويضع يده على بطنها يتحسس مكان تواجد طفله ولكن هيهات فهي لو تعلم أنه الطارق لم تكن تفتح الباب أبدًا..


لم تكن بحال أفضل منه، تنظر إليه بذهول تام وهي تقول داخلها أن هذا ليس معاد قدومه إلى هنا، تنظر إلى لحيته النامية قليلًا بالضبط كما يوم زفافهم تتذكر جيدًا، عينيه وبريقها الذي عاد بعد رؤيتها، شفتيه البارزة، خصلاته، أنفه الحاد، كل شيء مررت عينيها عليه باشتياق تام..


حقًا لقد قتلها الفراق والبعد عنه، تحبه ولا تريد البعد ولكن تريد أن تنال منه، ويقول صوت العقل أنه خائن لا يستحق فرصة ثانية وهو هكذا حقًا ولكن ذلك الخائن دائمًا مثله لا يريد إلا أحضانه..


لا تريد أن تبعد انظارها عنه، لو بقيت هكذا إلى الأبد لن تمل، ستبقى كما هي تنظر إلى ملامحه الذي اشتاقت إليها بشدة..


لقد ارهقهم البعد هما الاثنين، ولكن واحدًا منهم يأبا العودة لخيانة الآخر له، وفي المنتصف هناك قلبين جريحين لا يريدون إلا التواجد بالقرب من بعضهم..


استمعت إلى صوته الذي خرج مبحوح وضعيف للغاية ولكنه تحدث بشجن وشوق:


-وحشتيني 


ضغطت على مقبض الباب أسفل يدها ثم أجابته بجفاء حاولت أن تجعله حقيقي بعد أن استمعت إلى هذه الكلمة التي زلزلت كيانها:


-أمشي من هنا 


كم أنه اشتاق إلى سماع صوتها!.. وجدها تغلق الباب بوجهه فدفعه بخفه حتى يجعلها لا تغلقه ثم دلف إلى الداخل ووقف خلف الباب بعد أن أغلقه هو..


صاحت بحدة وهي تشير إلى الباب خلفه ليخرج دون خسائر فهي تعلم ما الذي يريده:


-أخرج بره لو سمحت مايصحش كده مفيش حد موجود هنا 


وضع ما بيده بهدوء على الطاولة المجاورة للباب ثم أجابها باستنكار وضيق:


-هو ايه ده اللي مايصحش هو أنا مش جوزك؟


سريعًا أجابته بحدة وعصبية وقد تناست كل شيء وتذكرت خيانته لها:


-كنت جوزي 


رفع حاجبيه للأعلى واخفضهم وهو يبتسم بسخرية متحدثًا:

-بس أنا مطلقتش 


-هطلق 


ابتسم مرة أخرى بتهكم وأردف قائلًا وهو يقترب منها بخبث:


-مش هيحصل 


عادت للخلف خطوة عندما وجدته يقترب منها وأشارت إلى الباب خلفه قائلة بضيق:


-أخرج بره بقولك 


أمسك بيدها سريعًا ثم أدارها ليجعلها تقف مكانه خلف الباب، جذبت يدها منه بحدة وصرخت بوجهة ليبتعد ويخرج من المنزل فلم ترى منه إلى نظرة خبيثة تعلمها جيدًا وتخاف الوقوع بفخها..


أقترب منها بهدوء فرفعت يدها الاثنين لتدفعه بصدره فما كان منه إلا أنه أخذهم بين يده رافعًا إياهم أعلى رأسها المستند على باب المنزل ليتقدم منها على راحته وبهدوء وقف أمامها ولا يفصل بينهم سوى تلك الأنفاس الساخنة التي بينهم..


تحدث بحبٍ واعتذار وقد مزقه الاشتياق حقًا:


-وحشتيني يا مروة.. أرجعي بقى أرجوكي وهعملك كل اللي أنتِ عايزاه 


أغمضت عينيها بضعف وقلة حيلة وهي تستنشق عطره الرجولي الذي كانت مغرمة به، قدميها لم تعد قادرة على حملها فقد تسرب إليها الضعف الشديد بقربه المهلك الذي حرمت منه ومن رؤيته..


شعر "يزيد" بما يحدث لها فحاول أن يستغل ذلك الضعف المتسرب إليها ويجعل قلبها يلين له وعقلها يرضخ إليه، هي تحبه وهو كذلك إذًا كل شيء متاح..


أقترب منها وجعل شفتيه مقابله إلى أذنها اليمنى ليقول بصوت رجولي أجش يعلم أثره عليها جيدًا:


-أنا بحبك يا مروة ومحتاجك أوي في حياتي


عاد برأسه إلى الخلف ينظر إليها، وجدها مغمضة العينين مستمتعة بقربه منها فتجرأ وأقترب أكثر من ذلك، وضع شفتيه على جانب عنقها يقبلها باشتياق وشغف بعد أن ترك يدها وتمسك بخصرها ليقربها منه..


تائهه ولا تستطيع مواجهته، ضاعت معه في لحظات وهو يقبل عنقها بشغف وحبٍ شديد، ضاعت وهي تشعر بيده على خصرها تتحرك بحرية يقربها منه أكثر..


ولكن في لحظة خاطفة راودتها صورته مع عائلته الكريهة لتدفعه بيدها الاثنين في صدره بكل قوتها فجعلته يعود للخلف خطوات يأن بسبب ضربتها العنيفة له..


نظر لها بضيق وقد كان قارب حقًا على جعلها ترضخ له، وجدها تفتح الباب وتشير إليه بالخروج قائلة بجدية شديدة وهي تنظر إليه:


-أخرج بره وأعرف إني عمري ما هكون مراتك تاني وأنك هطلقني غصب عنك وعمر إيدك دي ما هتلمسني تاني.. يلا بره 


ضحك "يزيد" بشدة، تعالت ضحكاته الصاخبة دون داعي!.. استغربته هي أيضًا لما هذه الضحكات وما ردة الفعل الغريبة هذه؟


توقف عن الضحك بصعوبة ثم قال بجدية حاول رسمها ولكن فشل في ذلك:


-مش هتكوني مراتي ومش هلمسك؟!.. ياستي ماشي 


تظاهر بأنه يتجه ناحية الباب للخروج منه كما قالت له ولكن في لمح البصر وجدته أقترب منها ثم انحنى قليلًا وحملها على كتفه بسهولة شديدة مغلقًا الباب بقدمه متوجهًا إلى غرفتها بالداخل..


صرخت بحدة وهي تطالب بأن يتركها ويخرج من المنزل وإلا أن تصرخ بصوتها وتجلب الجيران إليها فابتسم هو بسخرية ولم يقابله منها إلا أنها صرخت بالفعل:


-الحقوني.. حرامي الحقوني 


وضعها على فراشها بهدوء ثم وضع شفتيه على خاصتها ليجعلها تصمت وتبتلع باقي كلماتها داخل جوفها، اتسعت عينيها بشدة وهي تراه يعود بها إلى الفراش متعمقًا فيما يفعله وهو يبث إليها مدى اشتياقه وحبه لها..


وجدته يبتعد عنها وقف قابلتها ووضع يده في جيب بنطاله متحدثًا بغرور وعنجهيه:


-ده يثبتلك أنك مراتي وهتفضلي كده وإني أقدر المسك في أي وقت بس أنا اللي سايبك بمزاجي.. تحبي اطلبك في بيت الطاعة؟ 


وقفت هي الأخرى أمامه مُجيبة إياه بهدوء شديد تحلت به بعد كلماته هذه، كررت كلمته باستغراب ثم أكملت وهي تشير إلى أثاث الغرفة:


-بيت الطاعة!؟.. بص كده على الاوضه دي.. دي مش نفسها اللي كنا فيها مع بعض قبل كده، غيرت كل حاجه فيها وجبت عفش جديد عارف ليه؟.. علشان أنتَ شاركتني فيه، علشان نمت معايا على سريري وقعدت على الكنبة اللي كانت هنا غيرت كل حاجه علشان مش طايقه أكون في مكان أنتَ ريحتك فيه أو ليك ذكريات معايا فيه.. علشان مبقتش طيقاك ولا عايزة أشوف وشك يا يزيد خلي عندك كرامة وطلقني 


هل تتحدث بجدية؟. أنها تحبه يعلم أنها تحبه وما تقوله ما هو إلا ساتر لضعفها نعم هو كذلك لن يأخذه على محمل الجد أبدًا وسيعتبر أنها لم تقول شيء من الأساس، لن يجعلها تستفزه ليفعل ما تريد ويطلقها، وزع نظرة سريعًا في الغرفة ثم وقعت عينيه على شيء جعله يبتسم بسخرية ويبتلع كلماتها دون أن يُجيب عليها..


أومأ إليها وهو يبتسم بسخرية ثم استدار وخرج من الغرفة واستمعت إلى صوت الباب يغلق لتجلس على الفراش وقد حزنت لما قالته له.. حزنت بشدة لقد قالت كلمات حادة طعنته بها وجميعها كاذبة، هو يحاول معها وهي تفعل ذلك به!


وقفت في شرفة غرفتها لتنظر عليه، وجدته يصعد إلى سيارته بعد أن نظر إلى شرفتها والحزن داخل عينيه يتحدث بديل شفتيه..


أنها تحبه وتريد رؤيته يوميًا وما قالته ما هو إلا كلمات كاذبة كانت تريد أن تردها إليه بثقة بعد تقبيله لها، يا ليته يعرف هذا فهي لم تكن تود أن تجرحه هكذا وهي تعلم كيف يكون جرح الرجل عندما يستمع إلى كلمات كهذه..


دلفت إلى الداخل، إلى حيث باب المنزل وتلك الطاولة التي ترك عليها الورود لتقف أمامهم تستنشق تلك الرائحة التي يعشقها بها، ثم أخذت المكتوب الصغير ككل يوم ورأت ما كتبه بيده..
"اشتقتُ إلى لمس خُصلاتك الذهبية، فقد كُنت عِندما أضع يدي عليهم أشعُر وكأن الشمس أسفلها، اشتقتُ إلى رائحة الياسمين الممزوجة برائحة أنُوثتك الرائعة، اشتقت إلى نظرة عين متوهجة تُفتن القلوب بها"


"زوجك يزيد"


ابتسمت بحزن وهي تضع يدها على شفتيها تتحسس مكان قبلته منتظرة منه ألا يحزن من كلماتها ويعللها بما حدث..


             ________________________


دلف إلى سيارته يفكر في حديثها القاسي عليه ولكن لن يعتبره قيل من الأساس أنها تحبه وإن كان يشك في ذلك ويريد تصديق كلماتها تلك اللوحة التي رآها بالغرفة له ستجعله يتأكد من أن حديثها كاذب، لقد رسمته مرة أخرى من جديد، أنها تحبه وتريد أن تكون معه هو يعلم ذلك ومتأكد منه..


استمع إلى صوت هاتفه يعلن عن وصول مكالمة هاتفية إليه فأخرجه ووجده شقيقه الذي يحاول التحدث معه منذ ذلك اليوم للإعتذار عما بدر منهم وهو يجعله لا يتحدث بشأن ما حدث فلا يريد أن يأثر عليه أحد بكلمات عاطفية عن العائلة..


أجاب عليه ثم وضع الهاتف على أذنه وما هي إلا لحظات وتحدث بذهول ودهشة غير مصدق ما الذي قاله له عبر الهاتف:


-أنتَ بتقول ايه؟..
                    "هل تعلم ما هو الفراق؟

          هو خروج الروح من الجسد دون الشعور"


عاد إلى بلدته التي قد قال أنه لن يعود إليها مرة أخرى، عاد إلى نفس المكان ليرى نفس الأشخاص الذي امتنع عن رؤيتهم، عاد إلى كل شيء كما كان في السابق ونسيٰ ما تحدث به لنفسه ولزوجته..


ولكن عودته إلى هنا كانت بفقدان!.، هناك أحد من أفراد العائلة تم فقده ليعود "يزيد" مرة أخرى بعد ما حدث..


منذ ذلك اليوم الذي رحل به وترك كل شيء خلفه يتدمر بعد أن علم الجميع ما فعله العم والوالد الكبير لعائلة الراجحي وهو مريض، منذ ذلك اليوم وعمهم مريض يلازم الفراش ولا يتحرك، لا يستطيع التحدث بصورة طبيعية كما المعتاد، لا يستطيع أن يقف على قدميه أو يحرك يديه بسهولة وكأن ما حدث ترك خلفه صدمة كبيرة لتأتي عليه بحجمٍ كبير أفقده كل شيء..


لم يستطيعوا معالجته في هذه المدة ولم يستطيع التحرك من الفراش ولكن كل ما كان يلازمه في تلك الفترة هو شيء واحد يحاول قوله إليهم كل يوم إلا وهو "أخبروا يزيد بأن يسامحني"..


شعر بحجم الكارثة الذي أوقع بها الجميع من عائلته الوحيدة والمتبقية له وكان "يزيد" المتضرر الأول والأخير فالجميع يحصد ما زرعه..


"فاروق" يحصد ما زرعه مع زوجته فهو من جعلها تفعل كل هذا عندما جعلها تشعر بأنه ليس رجلًا وهي من يستطيع أن يفعل كل شيء، يحبها ولكن ما الحب في ذلك؟.. ما الحب في أن تلغي شخصية رجل لتصبح الأنثى هي المتحكم الوحيد وإن كان خطأ أو صواب لا يضر، إذًا "فاروق" يحصد ما زرع..


زوجة أخيه "نجية" تحصد ما زرعته من غلٍ وحقد على تلك العائلة فهي مثله عاشت في قهر وألم ولم تمنعه يومًا عن فعل شيء بل كانت تشجعه على ذلك، وكانت ترى فرحة ابنها بزواجه ولم تمنعه عن ذلك أيضًا وكل ما كانت تنتظره هو المال مثله، إذًا هي تحصد ما زرعت 


"إيمان" بالمثل ولا يهم ما حدث لها فهي حقودة، طامعة، تحمل من الغل أطنان بداخلها و "يسرى" لم يصيبها الضرر كثيرًا فقد كانت بعيدة عن كل شيء...


الوحيد المتضرر هو "يزيد" رفض عرضهم خوفًا من ظلمه لأي شخص ثم تحت ضغط وافق لأجلهم ولأجل ليالي القهر التي عاشوا بها، تزوجها، أحبها، وهناك طفل ينتظره من المفترض ولكن أين كل ذلك؟.. لقد فقد كل شيء.. فقد شقيقه ووالدته، فقد عمه ومنزله، فقد حبه وزوجته، فقد ابنه وعالمه، فقد كل شيء في سبيل إرضاء عائلته وهم الذين بعثروا كل شيء يخصه بفرحة صغيرة..


كل شخص يحصد ما زرعه وهو كان يود الإعتذار من أكثر الأشخاص تضررًا ولكنه لم يأتي إليه، استغفر كثيرًا لعلى ربه يغفر له ما فعله طوال هذه السنوات، استغفر ربه لعله يغفر له ظلمه للبشر وتدمير حياتهم، وقبل موته مطالبًا منهم أن يجعلوا "يزيد" يسامحه ويدعوا له بالمغفرة..


هذا هو الإنسان، مهما فعل ومهما حدث هو في النهاية له يوم يلقى به ربه وكلما أقترب هذا اليوم شعر بحجم الكارثة التي كان يفعلها، وإن كان يريد مقابلته وهو مستعد لذلك فعليه بالقرب الدائم منه.. ليس فقط عندما يشعر بأن النهاية اقتربت فيقرر أن يطلب السماح والمغفرة.. 


توفى عمه وصعد إلى خالقة، لقد حزن عليه الجميع حقًا بعد كل ما حدث بسببه في هذا المنزل ولكن حزنوا عليه فقبل أن يعلموا ما فعله كان بالنسبة إليهم عمود منزلهم وكبيرهم، كان والدهم جميعًا..


بقى "يزيد" هناك يومان فالحزن يخيم على الجميع، أتت الكوارث خلف بعضها لذا كان عليه البقاء هذه المرة..


وبعد كل ذلك لم يجعل "فاروق" "إيمان" تعود إلى المنزل.. لقد طفح كيله منها ولا يريدها إلى الآن مؤكد لن يقوم بالانفصال عنها ولكن قبل خبر موت عمه كان يفكر في شيء سيفعله قريبًا وسترضخ له هي رغمًا عن أنفها..


كان يعلم أنها لا تحب "مروة" ولا تحب شقيقته هي الأخرى ربما كانت قريبة من والدته لأنهم كانوا يريدون نفس الشيء وهو الأذى إلى تلك المسكينة، يعلم أنها قوية وتفعل ما لا يخطر على البال وحقًا فعلت وكان آخرهم هو قتل زوجة أخيه وطفله!..


هذا لو كان حدث لبقى طوال عمره نادم على كل شيء، نادم على زواجه، نادم على ما فعله بأخيه، نادم على كل شيء حقًا..


حاول شقيقها أن يحادثه أكثر من مرة ولكنه رفض التحدث معه بشأنها مطالبًا بأن يبقوا بعيدين عن بعضهم فترة دون التحدث في أي شيء ثم سيذهب هو بنفسه إليها لتعود إلى منزلها..


سيفعلها قريب، سيجعلها تعود مرة أخرى ولكن على الوضع الجديد، عليه هو الآخر أن يفعل ما يحلوا له!..

               __________________


"بعد أن عاد من الخارج وحضرت هي الطعام جلسوا على سفرة الطعام الخاصة بهم يأكلون بهدوء كما كل يوم يأكلون فيه بالمنزل، منذ أن أتى بها إلى هنا وهو كثير من الأيام يتناول معها الطعام في الخارج ليجعلها تشعر بالتغير والسعادة، لا يعلم أن السعادة تكون بجواره في أي مكان!..


سألته باهتمام بعد أن ابتلعت الطعام ونظرت إليه بحبٍ:


-يومك كان عامل إزاي؟.. شكلك كده مش مبسوط 


رفع وجهه إليها بعد أن استمع إلى حديثها، مضغ الطعام بفمه ثم ابتلعه وأجاب على سؤالها وهو يلوي شفتيه بفتور:


-زي كل يوم بس الشغل نايم شوية الفترة دي 


وضعت يدها على يده الموضوعة على السفرة مبتسمة بهدوء، تربت عليها وتحسه على أن كل شيء سيصبح على ما يرام:


-كله هيبقى كويس يا حبيبي 


سحب يده من أسفل يدها ورفعها إلى وجنتها ليمرر يده عليها بحبٍ وحنان متحدثًا هو الآخر قائلًا بابتسامة عريضة:


-طول ما أنتِ معايا يا مروتي 


ابتسمت بوجهة برقة شديدة وحبٍ فياض، ثم عادت لتناول الطعام وفعل هو المثل وكم كانت هذه من أسعد اللحظات بحياتهم.. أو بحياة أي شخص آخر، أن يكون لك رفيق درب يشعرك دائمًا أن كل شيء سيكون على ما يرام فهذا قمة السعادة، أن يكون لك رفيق درب يشعرك دائمًا أنه يقف جوارك ويساندك فهذا فائق من الحب وهنيئًا لمن يكون رفيق دربه هو حبيبه ورفيق عمره كما "يزيد" وزوجته


مرة أخرى تحدثت وهم يتناولون الطعام قائلة بجدية:


-بكرة الجمعة لما هتنزل تجيب طلبات البيت هنزل معاك 


سألها باستغراب وجدية، هذه أول مرة تريد أن تذهب معه إلى التسوق وجلب طلبات منزلية كما كل أسبوع!:


-اشمعنى بكرة بالذات يعني؟.. عمرك ما نزلتي معايا 


ابتلعت الطعام ونظرت في طبقها وهتفت بهدوء دون النظر إليه:


-هجيب حاجات 


مرة أخرى يسألها وهو ينظر إليها وكم كان غبي في هذه اللحظات، ألا يرى احمرار وجهها؟:


-ما أنتِ بتكتبي ورقة الطلبات وبجبها كلها!.


وقفت على قدميها وبيدها طبق الطعام الخاص بها، نظرت إليه بضيق شديد ثم أجابته وهي تبتعد عنه لتدلف إلى المطبخ:


-حاجات خاصة يا يزيد


ابتسم بخبث ومكر كما عادته ثم وقف هو الآخر بيده طبق طعامه وتقدم خلفها إلى المطبخ ليقول باستغراب مصطنع:


-آه.. طب ما تكتبي في الورقة بردو وأنا أجيب اللي أنتِ عايزاه وخليكي هنا 


أبتعدت عن رخامة المطبخ ونظرت إليه لتراه يتحدث بجدية حقًا!.. هل هو لا يفهم؟، أقتربت منه وأخذت الطبق من يده لتضعه خلفه على الجزيرة التي بالمطبخ ثم وقفت أمامه مباشرةً وتحدثت قائلة بجدية:


-ممكن أسألك سؤال؟


أومأ إليها برأسه مؤكدًا لها بأن تتسائل عما تريد لتفاجئه بوضع إصبع يدها السبابة بجانب رأسه سائله إياه بتهكم وسخرية:


-هو هنا فيه ايه؟.. قلقاسه؟


ابتسم بخبث بعد حديثها ليضع يده على خصرها يقربها منه أكثر ثم تسائل هو الآخر بمكر وعبث وهو يشير إلى مقدمة صدرها بعينه عقب حديثه: 


-وجوا هنا فيه ايه؟.. مهلبية؟ 


ضيقت ما بين حاجبيها مجيبة إياه بصوتٍ خافض وهي تقترب من وجهه:


-تعرف أنك سافل؟!


وزع نظرة على كل شيء بها ثم تحدث بعبث ولا مبالاة:


-مش أول مرة تقوليلي كده 


وضعت يدها على يده الذي تحيط خصرها لتبعدها عنها ثم عادت للخلف خطوة تبتعد عنه متحدثة بحماس وجدية:


-هشيل السفرة وهحضر اتنين قهوة على ما أنتَ تجيب الكوتشينه وتظبط القعدة علشان وعدتني أنك هتلعب معايا وأنا هكسب وبكرة الجمعة يعني إجازة يعني هنسهر براحتنا وهنقوم براحتنا 


ضحك بصخب وهو يبتعد إلى أن وقف بجوار باب المطبخ خوفًا من ردة فعلها المتهورة كالمرة السابقة عندما ألقت عليه كأسا زجاجي به ماء لو لم يتفاده لحطم رأسه وكل ذلك لأجل أنها تخسر...

تحدث وهو يحاول السيطرة على ضحكاته الصاخبة:


-أنا وعدتك ألعب آه لكن تكسبي لأ... ده بعدك 


نظرت جوارها من الناحيتين لتأخذ شيء تلقيه عليه فهو يتباهى بمهاراته في هذه اللعبة التي كلما لعبتها معه تخسر، إلى الآن لم تكسب ولو مرة واحدة أيعقل ذلك؟ مؤكد أنه كان يغش كما قالت له..


رآها وهي تبحث عن شيء لتفعل ما توقعه فتحدث سريعًا:


-خلاص خلاص والله مش هقول حاجه.. بس أنا عندي فكرة حلوة هتكون دافع أنك تكسبي 


سألته باهتمام وهي تنتقل في المطبخ تضع الأطباق في حوض الغسيل:


-ايه هي؟


غمزها بعينيه الوقحة قائلًا بعبث وخبث يحمله داخل كلماته:


-اللي يخسر يقلع 


وجدت بيدها ملعقة كبيرة الحجم فلم تراها إلا وهي تُقذف ناحيته، ذلك الوغد الذي لا يفوت فرصة إلا ويفعل ما يحلو له:


-سافل 


التقطها بيده بحرفية شديدة ونظر إليها بتشفي وهو يقول بسخرية:


-ابقي رشمي كويس 


نظرت له بضيق وحنق وعادت لتغسل الأطباق الموضوع بحوض الغسيل مرة أخرى ثم نظرت إليه بهدوء وقالت مبتسمة بعد أن داهمتها فكرة ما:


-لأ اللي يخسر يقول سر التاني ميعرفوش عنه 


-موافق


تركت ما بيدها وحاصرته بسؤالها الذي كانت تعبث به معه ولكنه أخذه على محمل الجد داخله:


-موافق ايه أنتَ مخبي حاجه عني؟.. عندك أسرار 


توتر من سؤالها ونظرتها العابثة فلم يجد نفسه إلا وهو يرد بسؤال آخر ساخرًا منها:


-يعني هو أنتِ اللي عندك 


رفعت كتفيها واخفضتهم بلا مبالاة وقالت بهدوء:


-آه عندي 


نظر إليها بجدية شديدة ثم تحدث قائلًا:


-يبقى هتخسري يا مروة.. وهعرف أسرارك دي


ابتسمت بوجهة وهي تخرج من المطبخ لتأخذ أطباق الطعام الموضوعة على السفرة إلى الداخل وتفعل كما قالت له ليتقابلوا كخصمين في هذه اللعبة..


-يوه دي المرة التالتة اللي أخسر فيها بقى 


قالتها بانزعاج شديد وهي تراه يُصر على الفوز ليعرف ما السر الذي تحدثت عنه وإلى الآن تمتنع قوله بالدهاء عليه..


نظر إليها بنصف عين وتحدث قائلًا بمكر غامزًا لها بطريقة ملتوية:


-ولسه مقولتيش السر يا مروتي 


أخرجها من انزعاجها بهذه الحركات البسيطة منه، التي تجعلها في أسعد لحظات حياتها، تحدثت بشجن وحبٍ بعد أن أبعدت هذه الأوراق لتقترب منه وتجلس جواره ناظرة إليه بشغف:


-سر ايه؟.. أنا معنديش أي سر ولا أي حاجه مخبياها عنك.. إلا حاجه واحدة بس


تأهب ليعلم ما الذي تتحدث عنه بهذه الطريقة التي يظهر بها الحب وتلمع بها عينيها:


-والحاجه دي هي إني بحبك، بحبك يا يزيد ومقدرش استغنى عنك.. من وقت ما دخلت حياتي وأنتَ شقلبتها وخلتني واحدة تانية بتعشق وبتموت في التراب اللي بتمشي عليه، خلتني مقدرش أبدأ يوم وأكمله لأخره من غيرك، مقدرش أقعد لحظة من غير ما أشوفك واسمع صوتك.. واسمع كلمة بحبك يا مروتي منك


أقتربت أكثر لتضع يدها على جانب صدره الأيسر في موضع قلبه تمامًا وهي تقول مبتسمة بسعادة كبيرة لوجوده جوارها:


-يزيد أنتَ بقيت جزء لا يتجزأ مني مقدرش استغنى عنك بجد مش كلام.. بلاش تستغل ده ضدي في يوم من الأيام، واوعى تبعد عني خليك دايمًا معايا يا يزيد تحت أي ظروف حاول علشان نكون مع بعض أنا عارفه أنك كمان بتحس نفس اللي أنا بحسه.. 


ابتسم باتساع وهو يجلب رأسها ليستقر على صدره يحتضن إياها وهي جالسه جواره، يا لها من قلب برئ تعترف بحبها له وعدم قدرتها على العيش بدونه وهو يفعل العكس تمامًا، لا تفشل أبدًا في أن تجعل ضميره يعبث معه في كل مرة تتحدث بها..


أردف هو الآخر بحبٍ أكبر وحنان يفيض منه وقد لعب الاشتياق دوره ليخرج صوته الأجش قائلًا:


-أنتِ يا مروة حته مني.. مقدرش أبعد عنك أبدًا ولا أقدر أشوفك بتتوجعي بحس أن أنا اللي جوايا الوجع.. مقدرش اعدي وقتي من غير ما أشوف عيونك وألمس شعرك.. أنتِ حبيبتي ومراتي وكل حاجه ليا، وعد عمري ما اسيبك أبدًا، عمري يا مروتي


ابتسمت باتساع هي الأخرى ووضعت يدها الاثنين حول خصره تحتضنه إليها كما يفعل، تريد أن تنعم بكل لحظة تمر جواره وهي بهذه السعادة"

دموع حزينة للغاية تخرج من مقلتيها بعد تذكر هذا اليوم وهذه اللحظات به، تتذكر تلك اللحظات وهو يشاكسها، وهو يمزح معها، وهو يقول كلمات الغزل لها، تتذكره وهو يلقي وعد بألا يتركها، كل هذا يضاعف آلامها وجروح قلبها الغائرة.. كل هذا يجعلها تود أن تخرج من هذا العالم وتذهب إلى عالم الذكريات لتعيش بقية حياتها على ذكراه..


وقفت على قدميها ثم ولجت إلى داخل الغرفة وأغلقت باب الشرفة الذي دائمًا كانت تنسى غلقه بمنزله.. ثم توجهت إلى الفراش وتمددت عليه، وضعت يدها أسفل الوسادة تتحسس رسائله الورقية المكتوب داخلها كلمات الشعر والغزل، أخرجت هاتفها وفتحت إحدى الصور التي تجمعهم سويًا والابتسامة تشق طريقها على محياهم هم الاثنين.. وضعت الهاتف على صدرها متمددة على الفراش بظهرها قبل أن تغلق عينيها متمنية أن تعود تلك الأيام عليها من جديد، وإن كانت بالأحلام!.


                 _____________________


اجتمعت العائلة بعد تناول العشاء في غرفة الصالون، نفس الغرفة التي كان يجلس بها الجميع بالسابق، هو يبقى قليلًا ويخرج وشقيقه المثل وعمه أيضًا كل منهم يفعل ما يريد من عمل أو غيره ويتركها مع والدته وزوجة شقيقه ليفعلوا بها ما يحلو لهم، ولكن الآن أين كل هذا؟..


نظر إلى شقيقه الذي استمع إليه يقول بحزم يظهر على كل شيء به:


-عمك مات يا يزيد مابقلناش غير بعض.. أرجع تاني يا يزيد ومراتك هنشيلها فوق دماغها 


ابتسم بتهكم، رأى الجميع أنه ليس كما السابق، تحدث قائلًا ليمحي ما فكروا به وليعلموا أن السخرية الآن هي أفضل الطرق للرد:


-مراتي؟، أولًا يا فاروق المشكلة مش في مراتي.. مروة من يوم ما مشينا من هنا وهي في بيت أبوها وطالبة الطلاق وأنا عايش هناك لوحدي، عارف بقى المشكلة فين؟ ولا المشاكل فين؟


نظر إليه شقيقه باستفهام ولم يفهم أبدًا ما الذي يحاول قوله ليكمل هو قائلًا:


-أنا حاسس أني اتنصب عليا كل السنين دي وأنا عايش في كدبة، ويوم ما أعمل حاجه كلكم عايزينها أنا الوحيد اللي أخسر، أنا وأنتَ عمرنا ما كنا قريبين من بعض أنتَ على طول في صف عمك الله يرحمه وأمي معاكم وأنا لوحدي.. حاجات كتيرة أوي يا فاروق بتمنعني أرجع هنا وأولهم إني بحاول أرجع مراتي ليا وهي عمرها ما هترجع هنا


معه كامل الحق وهناك أيضًا أشياء لم يذكرها، لقد ندم "فاروق" كثيرًا على بعده عن شقيقه، لقد ندم على ظلمه له وجعله هو الوحيد أمام فوهة المدفع، ندم على كل شيء مر بحياته ولم ينسى نظرته إلى زوجة أخيه وهي متعريه، من الأساس لم يتركه ضميره لحظة واحدة من بعد نظرته لها، لقد ندم كثيرًا ويشعر أن المنزل ليس له أساس من دون شقيقه، يريده حقًا أن يعود ولو مهما كلف الأمر ولكنه يعلم ذلك لن يحدث..


نظر إلى والدته التي مزقها الاشتياق إلى ولدها، لا يقل ندمها عن "فاروق" فهي تشعر أنها من فعلت ذلك بابنها، حرمته من زوجته وابنه، حرمته من كل شيء يحبه ويسعده، دمرت حياته هي وعمه دون أي أسباب، دمرت سعادته وجعلته يبقى وحيد بعيدًا عن الجميع، تشتاق إلى رؤيته يبتسم كما السابق بوجودها ولكن هذا لن يحدث إلا بعودتها إليه، ستفعل ذلك مهما كلفها الأمر، ستفعل ما يجعل السعادة تدق بابه من جديد..


تحدثت والدته بعد صمت طويل وقالت بصوتٍ خافض:


-طب خليك معانا الشويه دول بس.. أنا عارفه أنك مش هتوافق تقعد معانا بس على الأقل خليك دلوقت 


أومأ إليها بهدوء وهو ينظر إليها بحبٍ يعلم أنها نادمة على ما حدث له بسببهم ولكنه يحبهم أنها والدته وشقيقه ومهما حدث سيبقون كذلك..


سألته "يسرى" بهدوء عن حال زوجته قائلة:


-مروة عامله ايه يا يزيد في الحمل 


عاد إلى ظهر المقعد يستند عليه وهو يبتسم بسخرية متحدثًا بجدية:


-أكدب عليكي لو قولتلك أني أعرف


سألته باستفهام مضيقه ما بين حاجبيها:


-يعني ايه 


مسح على رأسه بهدوء وأغمض عينيه ثم فتحهما مرة أخرى قائلًا بـ إرهاق شديد:


-مش عارف يا يسرى كل اللي أعرفه من ميار أنها بتتعب زي أي واحدة حامل 


حزنت بشدة شقيقته، لقد وصل به الحال أن يعرف أخبارها من شقيقتها!.. مؤكد أنه يتعذب، لقد عرفت أنه يحبها، كل ما كان يفعله معها كان يدل على عشقه لها ولكن عندما علمت ما فعله لم تثق به ثم بعد التفكير ورؤية ما حدث وما يحدث تأكدت من عشق أخيها لزوجته.. تريد أن تعود إليه مرة أخرى لينتهي عذابه وتعود إليه فرحته مرة أخرى..


وقف على قدميه متقدمًا إلى باب الغرفة بعد أن قال بهدوء:


-أنا هطلع أرتاح شويه 


ثم خرج من الغرفة وتركهم خلفه يسيطر عليهم ما بين الحزن والندم لأجله، لأجله هو فقط..


               _____________________


"بعد مرور أسبوعين"


لم يأتي منذ أن طردته وقالت تلك الكلمات القاسية له، لم تستمع صوته ولم يحاول معها من بعدها، هل من الممكن أن يكون فكر في حديثها ويحضر أوراق الطلاق؟..


هل سيتركها حقًا؟.. لما هي خائفة إلى هذا الحد من الأساس هذا ما تريده وهو الطلاق والفراق، الإبتعاد عنه إلى الأبد!..


لا هذا ليس كل تريده أنها لا تريد سواه، لا تريد إلا التواجد بالقرب منه والنوم بأحضانه، لا تريد إلا هو يكون جوارها في كل لحظة من لحظات حياتها..

هل من الممكن أن يكون أصابه شيء لذا لم يحضر إليها!؟.. وقع قلبها بين قدميها عندما داهمت هذه الفكرة البشعة عقلها، من الممكن أن يكون أصابه مكروه وهي لا تعلم؟..


ماذا تفعل الآن هل تحادثه تطمئن عليه؟.. ولكن إن كان لم يحدث شيء وهو لا يريد أن يأتي إليها ماذا سيقول!؟.. ليقول ما يقول الأهم الآن أن تطمئن عليه..


تقدمت من داخل الشرفة إلى الغرفة لتأخذ الهاتف من على الفراش ثم عبثت به قليلًا لتأتي برقمه لتحادثه ولكن داهمتها فكرة أخرى ربما تكن الأفضل الآن..


تعلم أنه يتحدث إلى شقيقتها دائمًا ليطمئن على أحوالها لذا ستسأل شقيقتها وإن لم يكن حادثها ستجعلها هي من تتحدث إليه..


خرجت من الغرفة وذهبت إلى غرفة شقيقتها دقت الباب وسمحت لها الأخرى بالدخول إليها فدلفت وجلست على الفراش أمامها بعد أن أغلقت الباب، سألتها "مروة" بجدية:


-هو "يزيد" أخر مرة كلمك امتى؟


اعتدلت "ميار" في جلستها ونظرت إليها باستغراب وهي لا تدري ما بها ليجعلها متشنجة هكذا، أجابتها بعد أن تذكرت:


-من أكتر من أسبوعين مكلمنيش 


ماذا حدث له؟.. مؤكد أصابه مكروه، لو حدث ذلك لن تسامح نفسها أبدًا، ستكون هي السبب فيما حدث له، قالت بلهفة وخوف:


-كلميه يا ميار 


تساءلت شقيقتها بذهول وهي لا تفهم شيء منها:


-أكلمه أقوله ايه وليه أصلًا 


هتفت مروة بخوف حقيقي ظهر على ملامحها وفي نبرة صوتها:


-بقاله أسبوعين مش ظاهر خالص أخباره مقطوعة.. أنا خايفه يكون حصله حاجه، قوليله ازيك، اخبارك، أنتَ فين أي حاجه المهم كلميه


-حاضر 


أخذت "ميار" هاتفها من على الكومود جوارها ثم عبثت به لتأتي برقمه ومن ثم قامت بالاتصال به ووضعت المكالمة على وضع مكبر الصوت لتستمتع شقيقتها أيضًا، ثوانٍ واستمعت إلى صوته الناعس يأتي بلهفه فقد كان الوقت تخطى منتصف الليل بقليل:


-ميار!.. مالك مروة حصلها حاجه؟ فيها ايه 


اعتدلت في جلستها عندما استمعت إلى صوته بخير ويسأل عنها بلهفه وخوف، الآن عاد قلبها إلى مكانه بعد أن اطمئن عليه..


أجابته "ميار" سريعًا تنفي ما قاله بجدية:


-لأ لأ يا يزيد دا أنا بطمن عليك أصلك قطعت مرة واحدة كده بقالك أسبوعين.. أنتَ مليت ولا ايه 


استمعت إلى تنهيدة عميقة خرجت منه وكأنه يلقي ثقلًا من على قلبه وقال بخفوت واستنكار:


-مليت!!.. مليت ايه بس أنتِ متعرفيش الخراب اللي عملته أختك جوايا لما بعدت عني، مستحيل أمل غير لما أرجعها هنا وبعدين أبقى أمل براحتي... أنا في البلد بقالي أسبوعين، عمي اتوفى


خرجت شهقة من فمها بعد أن استمعت إلى كلماته، لقد كان هناك هذه المدة بسبب وفاة عمه، لماذا لا تعلم؟ صدمت "ميار" أيضًا فقالت بتخبط:


-ايه مات!.. البقاء لله يا يزيد 


-ونعم بالله.. أنا إن شاء الله راجع بكرة لكن مش هقدر اجيلكم


صمت لبرهة ثم ابتسم وقد وصل إليهم هذا هما الاثنين واستمعى إليه وهو يقول بخبث:


-ابقي سلمليلي على اللي بعتاكي تكلميني وقوليلها أنها وحشتني أوي


ابتسمت "ميار" بسعادة كبيرة أنه يعلم ذلك منذ البداية يعلم أنها من جعلتها تحدثه في هذا الوقت يا له من خبيث، تضايقت شقيقتها من ما فعلته هي واستمعت إليها تقول بهدوء:


-حاضر 


ثم أنهت المكالمة لتصيح بحدة وعصبية:


-بتقوليله حاضر كده بتعرفيه أن أنا فعلًا اللي قولتلك 


أجابتها الأخرى بلا مبالاة قائلة:


-هو كده كده عارف 

نظرت "مروة" أمامها في الفراغ تفكر في موت عمه، كيف حدث، ومتى، ولما هي لا تعلم.. كثير من الأمور تدق عقلها الآن ولكن لا تستطيع أن تفتح الباب لها فقد اكتفت من التفكير وفي جميع الأحوال ستعرف كل شيء غدًا كما قال أنه سيعود وستفعل ما جال بخاطرها الآن غدًا..


           ________________________ 


"اليوم التالي"


دق جرس باب منزله! تسائل بينه وبين نفسه مَن مِن الممكن أن يأتي إليه سوى بواب العمارة والذي لم يطلبه من الأساس، ترك هاتفه على الطاولة ثم وقف على قدميه ليرى من الطارق..


فتح الباب!.. رآها تقف بطلتها الساحرة، وقعت عينيه على خاصتها ليرى زرقة البحر حاضرة، لم يرى خضرة الأرض منذ فترة يود رؤيتها حقًا، نظر إليها ثوانٍ وحاول أن يشبع عينيه منها دون النظر ولكن طال ذلك فتحدث بعد أن نظف حلقه قائلًا بلهفة:


-مروة!.. تعالي 


أبتعد عن باب المنزل وفتحه لها لتستطيع الولوج إلى الداخل فنظرت إلى الأرضية ثم خطت بقدميها إلى داخل منزلها مرة أخرى، نظر إلى ظهرها وهي تدلف بلهفة وحبٍ فياض، يبدو أنها آتية لتقوم بواجب العزاء في عمه، ملابسها المكونة من بنطال وكنزة سوداء حتى الحذاء أسود!..


دلف خلفها بعد أن أغلق الباب، جلست على الأريكة في غرفة الصالون فتقدم هو الآخر وجلس مقابلًا لها على مقعد صغير، نظرت إليه وتحدث بهدوء ونبرة تلائم الموقف:


-البقاء لله


أجابها هو الآخر بهدوء شديد بعد أن استمع لحديثها:


-ونعم بالله 


صمت لبرهة ولم يتحدث فقط ينظر إليها وهي توزع نظرها على أثاث الغرفة بشغف وحنين، ثم سألها بهدوء وحزن:


-عامله ايه في الحمل؟، تاعبك؟


نظرت إليه بحرج وضيق ثم أبعدت نظرها عنه لتقول:


-لأ الحمدلله بخير 


وقف على قدميه متقدمًا إلى الخارج وهو يقول بسخرية وتهكم واضح:


-هعملك حاجه تشربيها ولون المفروض العكس بما أنه بيتك يعني 


نظرت إليه وهو يذهب وجدته يختفي ليدلف إلى المطبخ، وقفت على قدميها ثم سارت بهدوء وراحة في المنزل وهي تنظر إلى كل ركن به وتضع يدها على أي شيء يمر جوارها، الحنين أخذها إلى ذكريات كثيرة ولدت بهذا المنزل وودت لو كانت إستمرت وحققت الكثير منها!..


سارت بقدميها إلى أن دلفت غرفة النوم، غرفتها هي وهو كل شيء بالمنزل كما هو لم يتغير شيء به سوى أن هناك بعض الصور الزائدة لها.. رأت واحدة في غرفة الصالون على طاولة صغيرة، وأخرى في الممر المؤدي إلى غرف النوم والأن بجوار الكومود واحدة كان مكانها أخرى تجمعهم هم الاثنين نقلها إلى الكومود الآخر في مكان نومه السابق، أنه الآن ينام في مكانها ليستشعر وجودها معه..


وزعت نظرها بالغرفة رأت تلك اللوحة التي رسمتها له وهم في بلدته!. لقد أحضرها إلى هنا!.. أنها معلقة على الحائط بالغرفة، تقدمت إلى الداخل أكثر بعد أن أخفضت نظرها وفتحت الخزانة لترى ملابسها كما هي، ربما هناك زيادة بهم؟. لقد أتى بتلك الملابس خاصتها الذي كانت في بيته الآخر مع اللوحة يا له من كريم!..


نظرت إلى ملابسه المعلقة بهدوء وهي تمرر يدها عليهم والحزن داخلها يتغلغل، أخذت قميص من بينهم أخضر اللون يبرز لون عينيه عندما يرتديه، أغلقت الخزانة مرة أخرى والقميص بيدها تقربه من أنفها تستنشق رائحته بسعادة وشوق وهي مغمضة العينين، نظرت إلى الفراش بعد أن فتحت عينيها ليمر على عقلها ذكرى سعيدة جمعتهم هنا..


"نائمة جواره تقابله بظهرها وقد كان يضع وجهه مقابلًا لخصلاتها يستنشق رائحة الياسمين خاصتها ثم استمعت إليه يقول بخبث وعبث:


-مروتي عايز أقولك حاجه في ودنك 


زفرت بضيق وهي تود النوم بشدة ولا تستطيع منه كلما غفت يجعلها تستيقظ من جديد، أردفت بعصبية وحنق:


-يزيد بطل رخامة ونام بقى 


استنشق الرائحة المنبعثة منها بسعادة ثم عاد يقول بجدية:


-والله حاجه بريئة مش اللي في دماغك 


استدارت بجسدها لتنظر إليه بعد أن استمعت إلى يمينه الذي قاله وانتظرت ليقول ما الذي يريده:


-في ايه 


جلس على الفراش واعتلى وجهه ملامح الجدية الشديدة فاعتدلت هي الأخرى تنظر إليه وهي مستلقيه على ظهرها وقد توترت لما يريد قوله، رأته ينظر إليها بتردد فشجعته بعينيها على التحدث لتراه في لمح البصر يجلس فوق قدميها يدغدغ بطنها بيده بحدة شديدة لتطلق الضحكات من فمها دون توقف..

ابتسم بسعادة ونشوة انتصار بين الذي يفعله وهو يقول:


-مش هتنامي يعني مش هتنامي 


لا تستطيع التوقف عن الضحك حقًا ولا تستطيع أن تتمسك بيده ليتوقف هو، تتلوى أسفله لتتحرر منه ولا تستطيع من كثرة الضحك والذي بسببه بكت!، قالت من بين ضحكاتها بصعوبة:


-يزيد.. بجد لأ... يزيد كفاية.... هموت من الضحك 


لم يستمع إلى كلماتها إلا عندما ترجته بصعوبة بالغة، لقد ضحكت كثيرًا وقاربت على فقد صوابها منه كما أن بطنها ألمتها كثيرًا بسبب ما فعله بها"


-العصير 


وقع القميص منها واستدارت سريعًا تنظر إليه بخوف شديد، كانت سابحه في ذكريات مضت ليست هنا بالمرة وقد افزعها دون سبب، رآها تضع يدها على قلبها وتتنفس بسرعة بعد أن ألقت القميص فسألها باستغراب:


-مالك في ايه 


حركت رأسها يسارًا ويمينًا وهي تقول بارتباك دون النظر إلى عينيه:


-مفيش أنا بس سرحت شويه 


قدم لها كوب العصير وهو يقول بهدوء وحنان متحدثًا رغمًا عنه: 


-طب اشربي العصير ده 


-أنا لازم أمشي 


قالتها ثم تقدمت سريعًا إلى الخارج فوضع الكوب على الكومود جواره ثم ذهب خلفها ليمسك بيدها عند وصولها إلى باب المنزل جاعلها تتوقف عن السير وهتف قائلًا:


-أنا عايز أتكلم معاكي... لازم تعرفي اللي حصل يمكن تغيري رأيك فيا وترجعي 


جذبت يدها منه ثم وقفت قبالته وتحدثت بجدية شديدة دون أن تترك لقلبها فرصة في الرد:


-أنا عارفه كل حاجه.. سامر قالي كل حاجه يا يزيد 


استغرب حديثها، إذًا هي تعلم وموقفها كما هو ناحيته؟ إنه كان ضحية مثلها؟ ربما هناك فرق ولكن بسيط للغاية.. كيف تحجر قلبها إلى هذه الدرجة؟..


ضيق ما بين حاجبيه وسألها باستنكار ودهشة:


-يعني ايه؟


أخذت نفس عميق ثم أجابته بجفاء حاولت أن تجعله حقيقي بعد نظرته المتوسلة هذه:


-يعني كل حاجه زي ما هي يا يزيد.. وأنا لسه بطلب الطلاق 


نظر إليها بهدوء يتعمق في نظرته يود لو يصل إلى داخلها ليعلم ما الذي تفكر به، ترك كلماتها جانبًا ودلف إلى داخل غرفة نومه ثم عاد من جديد تحت نظرات الاستغراب منها، أمسك بيدها ثم وضع بها مكتوب جديد من الذي يرسلهم إليها فابتسمت تلقائيًا ثم فتحت باب المنزل فقال بجدية:


-استني هوصلك 


أجابته بجدية هي الأخرى وهي تنظر إلى عينيه:


-ميار تحت.. مستنياني 


خرجت من المنزل ثم وقفت أمام المصعد الكهربائي في انتظاره ليهبط بها إلى الأسفل، دلفت إليه بهدوء واستدارت لتنظر له وهي بالداخل ثم أُغلق الباب وهبط بها المصعد، فتحت المكتوب الذي أعطاها إياه لترى ما الذي كتبه هذه المرة داخله..


"وإني بعينيكِ غارق، إن كانت أمواج البحر أو خُضرة الأرض، كِلامها يعملان على جعلي شهيد من نظرةٍ واحدة إليهما، فـ ارحمي ضعفي وقلة حيلتي، عودي إلي فقد تضاربت الأمواج بكثرة وأفسدت كل ما كان صالح بي بعد فراقك"


"زوجك يزيد"


ابتسمت بسعادة غامرة، قلبها يرفرف فرحًا بكلماته التي تنقل إليها مدى حبه لها، ولكن للقصة بقية ولن تجعلها تنتهي هنا..
"بعد مرور شهر"


لم تصدق والدها وشقيقتها عندما قالوا بأنها تتواجد في منزلهم تنتظر زوجة ابنها لتتحدث معها!، ما الذي سيأتي بها إلى هنا؟، هل ما زالت تريد أملاكها؟، أم تريد أن تبتعد عن ولدها فـ هي بالأساس تركته!.. ربما هي تعتقد أنها قامت بعمل سحر له حتى لا يتركها كما قالت بالسابق؟، ما الذي سيأتي بها إلى هنا؟!


لم تصدق تواجدها إلا عندما رأتها بتلك العينين الحاملة لون خضرة الأرض، دلفت بهدوء إلى غرفة الصالون لتقف والدة زوجها على قدميها عندما رأتها تتقدم منها..


مشاعر غريبة داهمتها عندما نظرت إلى وجهها، يبدو عليها الإرهاق الشديد، ملامحها باهته للغاية ليست تلك المرأة القاسية التي كانت تتفنن بعذابها، تبدو منكسرة ليست كما السابق أبدًا، أنها "نجية" الرمز الصحيح للقسوة والقوة كيف لها أن تبدو هكذا؟..


تقدمت "مروة" إلى الداخل وهي تضع يدها على بطنها، ليس خوفًا على ابنها أو حماية له بل كانت تتمسك بها وهي تشعر أن بوادر الآلم المرافق لها قادمة..


نظرت إليها بهدوء وأشارت لها بالجلوس مرة أخرى ففعلت دون التفوه بحرفٍ واحد، داهمتها "مروة" بسؤالٍ جاد لا يحمل لين ولا شفقة لمظهرها:


-ممكن أعرف سر الزيارة دي؟


انتقلت "نجية" إلى المقعد المجاور لها وقد ظهر عليها الانكسار حقًا، نظرت إلى الأرض خجلًا ثم رفعت نظرها مرة أخرى قائلة بجدية:


-بقالي كام يوم هنا أنا ويسرى عند يزيد، ابني بيموت كل يوم، قلبه اندفن علشان أنتِ مش معاه، مش بياكل ولا بيشرب، اللي بيعمله صحيح هو شرب السجاير.. عمال على بطال يشربها، وبقى عصبي زيادة عن اللزوم، محدش عارف يتكلم معاه كلمتين على بعض، مش قادرة أشوفه كده واسكت أنا السبب في اللي حصله... علشان خاطري أرجعي لابني لو بتحبيه صحيح ارحميه


كلماتها أنطلقت من فمها كالسهام المسمومة لتعرف هدفها جيدًا وكان قلب تلك المسكينة، آلمها قلبها كثيرًا عندما استمعت إلى هذه الكلمات، هي لا تريده هكذا بل تريده بخير، بكل الخير ولكن لا تستطيع أن تعود بهذه السهولة كلما سيطر عليها عقلها مطالبًا بأن تعطيه فرصة تتذكر ما فعله بها، تشعر وكأنها فتاة رخيصة لا تعرف ما هي الكرامة وليس لديها أهل يدافعون عنها!..


عندما تتذكر ما كان يفعله بها في زواجهم تقرر بألا تعود، عندما كان يُشتت تفكيرها، يقول نصف الإجابة على السؤال ويترك عقلها يخمن الباقي، يكذب، يفعل ما يحلو له بها في وقتهم سويًا، حتى أنه عند الحديث في أمر هام يكن هو يفكر بشيء آخر معها!..


كل ذلك جعلها تتألم منه، أنه فقط جزء صغير من الذي واجهته معه هو وعائلته، فعل لها الكثير أيضًا ليجعلها سعيدة هي لا تنكر ذلك ولكن الطاغي على كل شيء هي أفعاله الدنيئة، تحبه، تعشقه، لا تريد سواه ولكن أيضًا لا تستطيع الرجوع، ليس بيدها هي حقًا لا تستطيع..


استمعت إلى والدته تقول بنحيب وقاربت على البكاء لأجل والدها الذي دمرت سعادته غافلة عن النتائج:


-وحيات الغالية أمك ترجعيله.. أنا عارفه أن مفيش أغلى منها، وحيات اللي في بطنك ابني هيموت يا مروة.. هيموت


تجمعت الدموع بعينيها هي الأخرى وهي تراها تتوسلها بهذه الطريقة التي لم تراها بها من قبل، وضعت يدها على بطنها الذي ازداد ألمها قليلًا، نظرت إليها بضعف وحيرة لا تدري ما الذي عليها أن تفعله لها الآن، في جميع الأحوال هي لا تود أن تراها هكذا في النهاية هي والدته وامرأة كبيرة السن وهي تعلم أنها تحبه أيضًا..


وجدتها تقترب منها بعد أن هبطت على ركبتيها وأخذت يدها وهي تبكي وتنتحب بصوتٍ عالٍ قائلة:


-أبوس ايدك ارجعيله.. أبوس رجلك 


سحبت "مروة" يدها سريعًا منها ثم وقفت على قدميها وجذبتها لتقف هي الأخرى أمامها فنظرت إليها بضعف وانكسار يظهر عليها منذ الوهلة الأولى، أومأت إليها "مروة" برأسها دليل على موافقتها حتى تصمت وتكف عن ما تفعله..


ابتسمت الأخرى بسعادة وجذبتها لتحتضنها بقوة، ربتت على ظهرها وهي تقول بسعادة غامرة:

-ربنا يخليلك ابنك يا بتي.. عمري ما هنسى جميلك ده


مازالت "مروة" هنا تقف في صدمة كبيرة لا تستطيع أن تتخطاها!.. ما الذي حدث لها هذه المرأة هل كل ذلك من أجل "يزيد"؟. ولما لا، أغمضت عينيها بضعف وهي تضغط على شفتيها متألمة، لا تشعر بشيء سوى الآلم حقًا، حتى أنها لم تشعر متى ذهبت من هنا!..


                     _________________


لا يستطيع أن يجعلها ترضخ له! إلى الآن لا يستطيع لقد ذهبت زوجته وحلت مكانها إمرأة أخرى تمامًا، هذه ليست "مروة" التي كان يغير ما بعقلها بلحظات! أم أنها كانت تهيئ له ذلك؟ لقد فشل معها فشل ذريع، لا تريد رؤيته منذ أسبوعين ولا تستقبل هداياه، ولا مكالماته لها، قالت إنها اكتفت من ذلك ولن تعود عن فكرة الطلاق!.. وهو لن يفعلها ستموت وهي زوجته لن يجعلها تفعل ما برأسها لو اضطر سيطلبها في بيت الطاعة وسيكون هو الرابح في كل الأحوال وسيجعلها تكمل معه رغمًا عن أنفها لقد طفح به الكيل..


ما هذا العناد!. لقد أخطأ وأعترف بذلك، حاول بشتى الطرق أن يرضيها، فعل أكثر من اللازم معها، هو لم يتمادى إلى ذلك الحد الذي تراه هي، يبدو أنه هو المخطئ لقد تساهل معها وجعلها تفعل ما يحلو لها..


يوميًا يستمع ويرى ما يفعله الأزواج بزوجاتهن ولا أحد يتحدث بل يكملون على نفس النحو وكأن شيء لم يكن.. ما بها إذًا ابنة عائلة "طوبار"؟..


لقد تملكه الغضب مرة أخرى، العصبية أصبحت تلازمه في جميع الأوقات وتفكيره بالكامل خطأ، كل ذلك بسببها، أنه يحتاج إلى زوجته معه، هو رجل والجميع يعرف ما يعني هذا وهي أولهم، تعرف أن له احتياجاته الخاصة ولا أحد غيرها يعرفها أو يفعلها، لقد تمادت كثيرًا..


زفر بضيق شديد وهو ينظر إلى القلم الذي بين يده نصفين! كسره وهو يفكر بها دون الشعور بذلك..


ترك بقايا القلم على المكتب أمامه ثم انحنى قليلًا ووضع وجهه بين كفيه، أنه اشتاق لها كثيرًا، لا يستطيع الإبتعاد عنها أكثر من ذلك وضل الطريق إليها..


لقد أغلقت كل الأبواب بوجهه تُصر على الطلاق، هل حقًا هي تريد ذلك؟ هو متأكد من حبها له ولكن ذلك الإصرار في الإنفصال عنه يجعله يشك بحبها له..


لا تقدر كيف أصبحت حالته، ولن تقدر ذلك إلا عندما تتذوق من نفس الكأس..


وقف على قدميه وذهب إلى خارج المكتب يسير بهدوء في المصنع وهو يتربص لأي شخص على غلطه حتى يفرغ شحنة الغضب هذه به، أخرج سيجارة ووضعها بفمه ثم قام بإشعالها وأخذ يدخنها بشراهة وهو يسير ببطء وينظر إلى كل شيء بعينين الصقر خاصته..


لقد وجد ضالته!.. ابتسم بتشفي وهو ينظر إلى ذلك العامل بآخر الرواق الذي يعطي له ظهره يتحدث بالهاتف بخفوت، تقدم ناحيته وهو يسحب أكبر قدر من دخان سيجارته برئتيه.. 


وقف خلفه بمنتهى الهدوء ثم تحدث بقسوة ونبرة جافه مسيطرة على كل شيء به في هذه الأيام:


-تحب نجيب للبيه حاجه يشربها علشان يروق دمه كده ويتكلم كويس 


استدار ذلك الرجل سريعًا على صوته بعد أن وضع الهاتف بجيب بدلة عمله الزرقاء الملتصقة ببعضها، هتف "يزيد" بحدة قائلًا: 


-مخصوم منك أسبوع كامل على أهمالك، معروف أن في وقت ساعات العمل ممنوع أي شيء تاني غيره 


لقد فزع الرجل عندما استمع إليه، لا يستطيع أن يتخلى عن هذا المال في هذا الوقت بالتحديد، يعرف أن صاحب عمله رجل كريم منذ أول يوم عمل به معه ولكنه منذ فترة متغير مع الجميع، ومع ذلك ليس الأن أبدًا، لا يجوز، تحدث بلهفة وخوف من أن يفقد هذا المال قائلًا:


-يا فندم أنا عمري ما عملت حاجه غلط من يوم ما جيت، بس مراتي في العمليات بتولد وكنت بكلم حماتي علشان اطمن عليها 


خفق قلبه بشدة، بعنف وقوة، نظر إليه ولا يعلم ما الذي أصابه عندما استمع إلى كلماته، يقدر قلقه الآن لقد وضع زوجته في نفس الموقف وهو محله، لقد كان قاسي للغاية ولكن لما هو هنا هذا الأبلة وزوجته في غرفة العمليات كما قال!..


-وأنتَ هنا بتعمل ايه وسايب مراتك 


نظر الآخر إلى الأرضية بخجل ثم رفع وجهه مرة أخرى وتحدث بخفوت:


-قدمت طلب إجازة لحضرتك وأنتَ ورفضته


ألقى سيجارته ودعسها بقدمه، هل أصبح عديم الإنسانية إلى هذا الحد!، يعاقب الناس على ما يمر به؟ وما ذنبهم!، هل الغضب والعصبية يخرجهم على أشخاص ليس لهم يد فيما يحدث له؟ ترى كم شخص فعل معه هكذا دون دراية منه ومنعه عن عمل هام؟..


نظر "يزيد" إليه بهدوء، أخرج محفظته من جيبه وفتحها أمامه ثم أخرج منها كل الأوراق المالية المتواجدة بها وبالنسبة للعامل كانت كثيرة للغاية وهي من فئة المئتين، وضعهم بيده ثم قال بهدوء ونبرة رخيمة:


-روح لمراتك ومعاك إجازة يومين، ألف مبروك 


ابتسم العامل بسعادة ليس لها مثيل وهو ينظر إليه وإلى تلك الأوراق الكثيرة، ويردد داخله كلماته التي كانت بمثابة المعزوفة الخاصة له، هتف بهرجله وتخبط:


-ربنا يخليك يا يزيد بيه.. تدوم النعمة عليك، ربنا يسعدك ويسعد ايامك ويجي ابنك للدنيا بخير 


هذا ما يريده تمامًا، أن يأتي ابنه بخير وأن تكون زوجته جواره.. هذا كل ما يريده ليس أكثر..


                   ___________________


منذ أن رحلت والدة زوجها وعقلها مشتت للغاية كما كان يحدث وهي في بيته، لا يوجد أي تغير بل تذكرت هذه الأيام بعدما داهمها هذا التشتت، هي تعلم أنه يحبها كما تفعل هي وأكثر ربما، يريدها بكامل جوارحه، بعدها عنه يقتله، أعترف بذلك الخطأ الذي ارتكبه، والآن هو نادم على كل شيء مر وهي معه دون التمتع به..


تعلم كل ذلك ولكنه أيضًا تزوجها عنوة، تزوجها لغرض دنيء للغاية واخفاه عنها، تركها لعائلته تفعل بها ما يحلو لها وما كان يفعله بهذا الوقت هو أن يبعدها عنهم فقط ويجعلها تصمت عن أي إهانة لأنهم عائلته، ظلمها ظلم كبير لا يتحمله أحد، غير ذلك الشك الذي وقعت تحته مرتين واتهامه لها في شرفها وعفتها، غير يده الذي تطاولت عليها مرتين متتاليتين، وبعد كل ذلك لا يوجد سوى الحب والاعتذار..

الاثنين بنظرها لن يفيدوا بشيء، فـ لا يوجد حب بدون كرامة وهي كرامتها لعب بها كرة القدم هو وعائلته بعد ذلك الكذب والمؤامرة التي وضعوها بها..


والاعتذار لن يفيد بشيء عندما تكون النفس تأذت كثيرًا ولا يمكن إصلاحها..  


زفرت بضيق وإرهاق وهي تتمدد على الفراش ببطء، واضعة رأسها على الوسادة تنظر إلى سقف الغرفة بضياع، حقًا لا تعرف ما الذي ستفعله؟.. هل تعود وتقول أنه كان خطأ وندم عليه الجميع وأيضًا حتى لا يحزن هو ويدمر حياته بسبب بعدها عنه وتكون حافظت على حياتها الزوجية وحياة ابنها القادم!..


أم تُصر على قرار الإنفصال وتبتعد لأجل ما فعله بها هو وعائلته وتوفر بيئة سوية لابنها القادم ولها أيضًا وتتركه يحترق بنيران خيانته!..


وضعت يدها على أسفل بطنها بقليل فـ الآلم لا يتركها هذه الأيام أبدًا، حظرتها الطبيبة كثيرًا من أشياء عدة ومنها آلا يكون هناك ضغط نفسي عليها، وأن تأكل كما قالت لها بالضبط، غير تلك الأدوية الكثيرة..


تأخذ الأدوية وتأكل ولكن طعامها كأنه جبر خاطر لأبيها وشقيقتها، وهذا الضغط يأتي إليها وهي في مكانها ولا تعلم ما الذي تفعله..


أغمضت عينيها في محاولة منها أن تغفى قليلًا ولكن هذا الآلم لا يساعدها في ذلك، زفرت بضيق وانزعاج وهي تضغط على بطنها وتفكر هل سيبقى هذا الآلم هكذا إلى حلول معاد الطبيبة؟.. أم سيبقى إلى ولادتها؟.. لا مؤكد لن يحدث هذا فهي الآن في الشهر الرابع من الحمل يبقى خمسة أشهر أخرى!..


دق الباب ببطء ثم فُتح وظهرت من خلفه شقيقتها التي دلفت إلى الداخل قائلة بجدية:


-تعالي يلا ناكل يا مروة 


أجابتها بخفوت ونظرة مرهقة وهي تعتدل على الفراش لتجلس نصف جلسة:


-ماليش نفس أكل يا ميار 


وقفت إلى جوارها ثم قالت بهدوء وعقلانية:


-حبيبتي ممكن تخلي كل حاجه على جنب وبإذن الله ربنا هيحلها من عنده!.. والمهم دلوقتي تهتمي بنفسك واللي في بطنك كمان 


نظرت "مروة" إلى أرضية الغرفة بهدوء وقد كان الحزن يتغلب عليها في هذا الوقت وهي كعابر طريق سد بوجهه ولا يدري كيف السبيل للعودة أو التقدم..


تحدثت "ميار" مرة أخرى وهي تتمسك بيدها لتجعلها تقف على قدميها حتى تذهب معها: 


-وبعدين في دواء لازم يتاخد بعد العشا.. يلا تعالي كلي وبعدين خديه يا حبيبتي


أخذتها بهدوء إلى الخارج حتى تأكل معها هي ووالدها الذي قارب على الإنفجار من أفعال ابنته، والتي إلى الآن لا تريد أن تقول ما حدث بينها وبين زوجها لتفعل به كل ذلك وليكون هو بكل هذا الحزن والندم..


                ___________________


ابتسم "فاروق" بخبثٍ وهو يجلس الآن في منزل زوجته الكريمة والتي من كثرة كرمها فعلت أشياء لا تُحكى، ولكن قد فعل هو ما يريده وسيكمله الآن في منزلها ورغمًا عن أنفها ستوافق عليه..


طردها من بيته وكأنها ليس لها قيمة عنده ولن يكون لها قيمة بعد الذي فعلته به وبأخيه وزوجته أيضًا، تركها في منزل أهلها أشهر ولم يسأل عنها ولو مرةٍ واحدة بل على العكس هي من كانت تحاول محادثته لتعود إليه، والآن هو في منزلها ليجعلها تعود بشروطه الذي وضعها، ويعلم أنها ستوافق عليها..


دلفت إلى الغرفة وهي تنظر إلى الأرضية بخجل حاولت أن تجعله يظهر له حقيقي ولكنه قد فهم ما الذي تريد فعله ولن تستطيع أن تجعله يصدقها، جلست على الأريكة أمامه وهي تنظر إلى الأرضية ثم رفعت رأسها ونظرت إليه قائلة بخفوت ونظرة حزينة معاتبة إياه:


-هونت عليك تسيبني كل ده يا فاروق 


ابتسم هو بالمقابل بتهكم وسخرية شديدة ناظرًا إليها باستنكار وهي تتصنع البراءة:


-مش لايق عليكي دور المسكينة يا إيمان، اطلعي منه علشان مش هتعرفي تكملي بيه لآخر القعدة 


وقفت على قدميها ثم ذهبت لتجلس على الأريكة جواره محاولة السيطرة عليه بكلماتها المعسوله وحركاتها اللينة كما السابق، تحدثت بضعف ورجاء قائلة:


-بقى كده يا فاروق شايفني بتمسكن.. مستني مني ايه يعني مهو كان المفروض يكون العكس وأكون أنا اللي زعلانه من اللي عملته فيا 


ضحكاته الصاخبة دوت في المكان حتى أنها استنكرت ذلك، جُن؟ هل فعل حقًا؟ وجدته ينظر إليها بغته مضيقًا ما بين حاجبيه سائلًا إياها:


-واللي عملتيه يا ست الحسن والجمال؟ كان المفروض يترد عليه إزاي.. دا أنا لو أطول أطلع ظمارة رقبتك في أيدي هعمل كده.. عايزة تقتلي ابن أخويا واسكت يا بنت الرفـ**


نظرت إليه بحدة ولم تُجيبه فتابع هو الحديث بجدية وهو يحاول أن يُنهي ما أتى لأجله:


-أنا جاي النهاردة علشان ارجعك للبيت من تاني بس بشروطي 


تعلم أنه مهما حدث سيكون كالخاتم بإصبعها مرة أخرى، هو لا يحب غيرها وكل ما يفعله الآن فقط لأنه تأثر مما حدث، إذًا لتوافق

-موافقة


ابتسم مرة أخرى وهو يحرك رأسه يمينًا ويسارًا باستنكار ودهشة وهتف قائلًا بجدية:


-مش تعرفي الشروط الأول.. أولًا هتجوز تاني ولو هتقولي ليه هقولك أول سبب علشان أخلف، ولا مش من حقي؟ أنا متجوزك بقالي كتير ومفيش خلفه يبقى اتجوز تاني زي ربنا ما قال وأنتِ اللي عملتي كده ودقيتي أول مسمار في نعشك


وقفت أمامه سريعًا تهتف بحدة وذهول غير مصدقة حديثه بكونه سيتزوج عليها ويأتي إليها بأخرى لتغير حياتها وتكون أسوأ من "مروة" بكثير على الأقل "مروة" كانت زوجة شقيق زوجها أما هذه ستكون درتها!:


-أنتَ اتجننت ولا ايه يا فاروق.. عايز تجبلي درة 


تحدث بحدة وصوتٍ عالٍ ليجعلها تصمت وتبتلع باقي كلماتها:


-أخرسي أنا لسه مخلصتش.. اللي هتجوزها دي هتعيش معانا في البيت وهتقبلي بده وأنا عارف أنا بقول ايه.. ده غير إن الدهب اللي كنت بجيبه ليكي هاخده علشان ابيعه واجيب غيره للعروسه.. صحيح أنا معايا الفلوس وأقدر أعمل كتير بس الدهب ده كتير عليكي 


-وأنتَ مفكر إني هوافق على الهبل ده 


نظر إليها بخبثٍ ومكر ثم قال بجدية وهو يعتدل في جلسته:


-هتوافقي.. عارفة ليه؟ علشان البلد كلها عرفت اللي عملتيه وعرفوا مين هي إيمان، هتوافقي علشان أنا لو طلقتك هتبقي زي البيت الوقف بالظبط مش بتخلفي ومطلقة مين هيبص في وشك ها؟ هتفضلي طول حياتك قاعدة هنا بكرة أخوكي يتجوز وأمك ربنا يفتكرها وأنتِ لوحدك... أما عندي على الأقل هتبقي مع ناس وأما أموت هتورثي فيا 


وقف على قدميه متقدمًا إلى الخارج بعد صمت دام طويلًا خلف كلماته الأخيرة هذه، تحدث وهو يذهب قائلًا:


-تمام كده وصلني ردك لما يجيلي مزاج بقى هبقى أطلق 


-موافقة


باغتته بهذه الكلمة وهو يرحل فقد وجدت أن حديثه صحيح لن ينظر إليها أحد بعده، لن تتزوج، إلى الآن لم تنجب نعم تعلم أن ليس هناك شيء يمنع ذلك ولكن لم تنجب، الجميع يعلم ما فعلته.. كلماته صحيحة ولكن مع ذلك ستريه من هي "إيمان" فـ ليتزوج ويفعل ما يحلو له وفي جميع الأحوال ستضع لمساتها في كل شيء..


                __________________


"بعد مرور أسبوعين"


يدور العالم من حولها، حقًا تشعر وكأن الأرض تدور بها، تفكيرها لا يسعفها على فعل شيء، لا ترى أي ملجأ لها، ما الذي فعلته بنفسها وطفلها، لقد قتلته!.. قتلت طفلها! لقد حظرتها الطبيبة أكثر من مرة، بل مرات وهي لا تستمع إلى أي من حديثها ولكن أيضًا لم يكن بيدها، لم يكن بيدها ما فعلته، لقد قتلت طفلها بيدها..


خرجت الدموع من عينيها بغزارة وهي تجلس على بوابة العمارة التي يوجد بها عيادة الطبيبة، أخذتها شقيقتها بأحضانها محاولة التخفيف عنها ولكن كيف؟:


-مروة حبيبتي اهدي الدكتورة قالت في فرصة أنه يكون كويس علشان خاطري متعمليش كده 


انتحبت وبكت بحدة وهي تقول بضعف وقلة حيلة ملقيه اللوم على نفسها:


-إزاي بس، إزاي، هي معاها حق قالتلي كتير أهتم بيه وبصحتي وأنا اللي معرفتش أعمل كده.. هقول ليزيد ايه، هقوله ايه قتلت ابنك بنفسي 


ربتت على كتفها وهي تتمسك بها بشدة ثم خرجت الدموع من عينيها هي الأخرى على ما تمر به شقيقتها وتحدثت بخفوت وحزن:


-كل حاجه هتكون بخير لو مشينا على التعليمات بتاعة الدكتورة وأولها نفسيتك يا مروة لازم تكون كويسة ومتضغطيش على نفسك


اراحت رأسها على صدر شقيقتها تحتضنها بينما تتذكر كلمات الطبيبة وهي تبكي وتنتحب بصوتٍ عالٍ..


"نظرت إليها الطبيبة بضيق بعد أن انتهت من فحصها ثم تقدمت لتجلس على مكتبها وتحدثت بحدة معها:


-أظن يا مدام مروة قولتلك أكتر من مرة تهتمي بنفسك وتمشي على التعليمات اللي بقولهالك وكالعادة مش بتهتمي 


نظرت إليها باستغراب وهي لا تفهم ما الذي تقصده بحديثها فتقدمت منها "ميار" تقف جوار مقعد شقيقتها تضع يدها على أكتافها تمدها بالدعم ثم سألتها بهدوء:


-في حاجه يا دكتورة ولا ايه؟


أشارت إلى مروة وتحدثت بطريقة عملية للغاية وكأنها تقول إن كيلها فاض منها:


-للأسف الجنين معليهوش مايه، قدامنا فرصة نحاول فيها أننا نرجعه لطبيعته ولو مقدرناش هنضطر ننزله لأن ده لو محصلش ممكن يموت في بطنها وهنا هتكون كارثة 


صدمت!.. ماذا؟ هل سيموت؟ لا، لا تعتقد ذلك لن يحدث كيف له أن يموت؟ كيف؟، إنه ولدها الذي كانت تتحدث معه في الليل وحدها وتشكي له همها في بعدها عن والده، هذا هو الذي قالت له أنها تريد أحضان والده ليس شيء آخر، كيف ستفقده، ماذا ستقول لزوجها؟ أهملت في صحتها وصحة ولدها فمات!.. نظرت إلى الطبيبة وهي لا تصدق هذا الحديث الغير منطقي بالنسبة إليها..


وجدت الطبيبة تكمل قائلة بدهشة واستنكار متسائلة:


-أنا بجد مش فاهمه هو أنتِ مالك، في الحالات الطبيعية معروف أن الست الحامل وزنها بيزيد أنتِ إزاي خسيتي خمسة كيلو في الوقت ده دا الناس اللي بتعمل ريجيم مش هيقدروا يعملوا كده


لا تستطيع أن تتحدث أو تستمع إلى أي شيء، هي فقط تستمع لهمسات الطبيبة وشقيقتها تلقي عليها تعليمات كثيرة أخذت منها أنها يجب أن تشرب سوائل كثيرة، أدوية أخرى، أشياء استمعت إليها ولكن لم تحلل ماهيتها..


لقد أتى هذا الخبر ليأتي بالباقي من قلبها ويجعله فُتات في الأرض..
دق باب الغرفة فلم تأذن للطارق بالدلوف إليها، فُتح الباب ورفعت بصرها لترى من ذلك الذي لا يحترم حزنها في تلك الأوقات الصعبة، ظهر هو من خلف الباب مالك قلبها المكسور، كانت تبكي بصمت الآن لن يستطيع السيطرة عليها..


دلف خطوة إلى الداخل وأغلق الباب خلفه، لم يتقدم أكثر من ذلك، بقى مكانه خلف الباب ينظر إليها بحزنٍ شديد اشتد عليه الآن أو منذ دقائق مضت..


منذ أن حادثته شقيقتها وهو يرى أن الحياة أصبحت سوداء سواد حالك ليس له أي درجات، لقد تركته منذ ثلاث أشهر وبهم عرف حقًا ما معنى العذاب والندم، عرف معنى الاشتياق والفراق، وأهم شيء هو الفقدان!.. ثلاث أشهر وهو داخله أمل عودة زوجته إليه بواسطه طفله القادم!..


كل يوم كان يقول مؤكد لن تجعل ابنها بدون والد، مؤكد ستعود لتكون عائلة من جديد، مؤكد سيرى طفله في بيته هو وليس بيت أحد آخر.. كل أحلامه بنيت عليه هو ووالدته كيف سيتركه الآن؟..


يعلم أن رحمة ربه وسعت كل شيء والله لن يخذله وسيكون ابنه على ما يرام، سيكون بخير لأجله وأجلها..


النظرة بعينيها تُفتن حقًا، عندما رآها لأول مرة فُتن بجمالها وجمال عينيها وذهبت دون أن يعلم من هي والآن تبكي خوفًا من فقدان طفلهم!..


اشتياقه لها مزقه وجعله لا يدري ما الذي سيفعله أكثر مما فعله.. لدرجة أنه فكر في جعلها تعود عنوة ولكن عندما علم بما حدث من شقيقتها وقع قلبه بين قدميه خوفًا عليها وعلى ابنه، خوفًا أن يتملكها الحزن إلى أن يأخذ روحها فهي قد حزنت بسببه كثيرًا..


رأته يقف خلف باب غرفتها، إنه في الغرفة معها! والدها يجلس في الخارج وشقيقتها، هم من أخبروه وجعلوه يأتي إلى هنا!..


لم تتوقف عن البكاء منذ أن أتت والآن قد ازداد عندما رأته يقف أمامها، ستفقد ابنه! قطعه من روحها وروحه، الشيء الجميل المتبقي لها منه منذ فراقهم، كيف السبيل للنجاة الآن؟..


بعيدًا عن كل شيء، هي لا تريد إلا عناق طويل من زوجها!..


بقى "يزيد" هكذا لمدة دقيقتين ينظر إليها بحزن وانكسار وهي تبادله نظرات الحزن والضعف، لم يستطيع أن يبقى أكثر من هذا وهو مكتف الأيدي وجد نفسه يتقدم سريعًا إليها ليجلس أمامها على الفراش ملبي طلبها وأخذها بين ذراعيه في عناق طويل..


قابلته بوضع ذراعيها حول عنقه مشددة على احتضانه بقوة غامرة وجهها بعنقه وهي تبكي وتنتحب بصوتٍ عالٍ وضعف غريب تسلل إليها، شدد "يزيد" هو الآخر على احتضانها وقربها منه بشدة مربتًا على خصلات شعرها الذهبية وهو يحاول أن يجعلها تهدأ..


بقيت "مروة" هكذا ما يقارب العشر دقائق، تبكي بشدة ولا تفعل شيء غير أنها تبكي وتشدد على احتضانه وكأنها تقول له لا تبتعد بعد اليوم، وهو فعل كل ما تريده لم يتحدث فقط يبادلها العناق تاركًا لها المساحة في أن تبكي وتخرج كل ما يكنه قلبها..


أبتعدت عنه بهدوء وهي تجفف دموع عينيها فرفع يده الاثنين واضعًا إياهم على وجنتيها يحرك إبهامه أسفل عينيها ليمحي أثار تلك الدموع الغالية على قلبه..


نظرت إليه بحبٍ وضعف وقد شعرت أن كل شيء ينهار من حولهم ولا يوجد قرار للرجوع عنه، رفعت يدها ووضعتها فوق يده تشدد عليها قائلة بانكسار والدموع تتكون من جديد داخل جفنيها:


-متسبنيش يا يزيد أنا محتاجالك 


أسند جبهته إلى جبهتها وتحدث قائلًا بشغف وحبٍ كبير وهو يتمنى داخله أن يمر كل شيء بسلام:


-مش هسيبك أبدًا حتى لو عملتي ايه 


داهمته بكلمتين فقط وهما كل ما تشعر به الآن بعد تلك الأخبار السيئة الذي استمعت إليها:


-أنا خايفه 


كان أثرهم كبير عليه هو الآخر، هل يقول لها أنه أيضًا خائف أم يصمت؟، أجابها بجدية وإيمان:


-متخافيش أنا عندي إيمان إن كل حاجه هتبقى كويسه ربنا كبير.. ولو مش هيكرمني علشاني يبقى علشانك أنتِ، أنتِ متستحقيش أي حاجه وحشه تحصلك 


خرجت الدموع مرة أخرى آتية من خلفها شلال لن يستطيع التحكم به بينما أردفت:


-يارب يا يزيد.. أنا مش هستحمل يحصل للبيبي حاجه بجد 


-مش هيحصل حاجه بإذن الله 


قالها ثم جذب رأسها إليه ليستكين على جانب صدره الأيسر هناك موضع قلبه تمامًا، استمعت إلى ضربات قلبه التي تقرع كالطبول، تعلم أنه خائف وربما أكثر منها..


استمعت إليه يهتف بشغف كبير وهو يشدد يده عليها وقد خرجت الكلمات من فمه وكأنها سيمفونية رائعة: 


-وحشتيني يا مروة 

أحاطت خصره بيدها الاثنين لتنعم بذلك الدفء الذي افتقدته كثيرًا منذ غيابه عنها وأجابته قائلة بحبٍ:


-وأنتَ كمان وحشتني أوي 


دقائق مضت ومن خلفها كانت زوجته معه ذاهب بها إلى منزله طالبًا بأن يعتني بها هو ويقدم إليها كل سُبل الراحة التي تحدثت عنها الطبيبة، وشرح إلى والدها ما حدث في السابق بالكذب بطلب من زوجته حتى لا تهتز صورته أمامهم وقد قال بأن قد حدث سوء تفاهم بين زوجته ووالدته وكانت هي على حق ووقف بصالح والدته ولذلك فعلت كل هذا، لم يقتنع والدها ولا شقيقتها، ولكن هم رأوها كيف كانت حزينة في غيابه عنها متأكدين من حبها إليه وإن كانت عودتها ستجلب السعادة والراحة إليها فلما لا؟..


                ___________________


"بعد أسبوع"


دلف "يزيد" إلى غرفة نومه وهو يحمل على يديه صينية عليها أطباق بها طعام ويرتدي مريول المطبخ على ملابسه البيتية كم كان مظهره مضحك!.. منذ أن أتت معه إلى هنا وهو هكذا لم يذهب إلى عمله وبقى معها ليهتم بصحتها كما قالت الطبيبة حتى يكون طفلهم بخير، تأتي ميار لتحاول مساعدته في أي شيء ولا يوافق يريد أن يفعل لها كل شيء بنفسه محاولًا أن يعوضها عن ما مرت به بسببه..


وضع الصينية على الطاولة بالغرفة ثم تقدم إلى الداخل ليقف جوارها وهي نائمة على الفراش ممسكًا بيدها ليجعلها تجلس براحة بعدما كانت ممددة عليه، نظرت إليه باستغراب ثم هتفت بسخرية مبتسمة:


-أنا ممكن اتعدل لوحدي على فكرة!..


نظر إليها بعد أن جلست ووضع خلف رأسها وسادة ليتحدث بجدية وهو يتجه ليجلب صينية الطعام:


-إحنا قولنا ايه مش عايز اعتراض على أي حاجه 


زفرت بضيق وهي تراه يضع الصينية على قدميها نظرت إلى محتواها لتجد طبق به نصف دجاجة قام بسلقها فقط!، طبق من شوربة هذه الدجاجة وطبق أرز لن تستطيع أكل رُبعة، رفعت نظرها إليه بحنق وهي تراه يفعل أكثر مما قالت الطبيبة لا يطعمها إلا دجاج، لحوم، شوربة خضار، وأي شيء يستطيع أن يفعل منه شوربة ويدخل به اللحوم!..


تحدثت بضيق وهي تنظر إليه باعتراض على هذا الطعام:


-على فكرة أنتَ محبكها أوي أنا زهقت من الأكل المسلوق ده وبعدين ايه الكمية دي مش هاكل كل ده 


وضع يديه أمام صدره ونظر إليها بنصف عين وهو كل لحظة وأخرى يراها تعترض على ما يفعله، أردف مُجيبًا إياها بجدية:


-إحنا اتفقنا من أسبوع فات لحد معاد الدكتورة هتسمعي كلامي في كل حاجه بدون نقاش وبعدين أنا عارف أنا بعمل ايه 


أبعدت نظرها عنه وهي تضغط على أسنانها بشدة متذكرة عندما قالت إنها لن تفعل أي شي سوي الذي يريده!.. ابتسمت بسماجة ثم نظرت إليه قائلة بحدة:


-طب شيل الصينية دي عايزة أطلع بره أنا اتخنقت بجد الدكتورة مقالتش كده 


-مروة!


زفرت بضيق وانزعاج شديد مجيبة إياه بصوتٍ خافض وهي تعلم ما الذي سيقوله:


-نعم؟


استدار واتجه ناحية باب الغرفة ليخرج منها وهو يهتف بجدية:


-كلي يا حبيبتي علشان معاد العلاج 


أمسكت الملعقة بهدوء ثم بدأت في تناول طعامه الذي يفعله بنفسه كل يوم لها وقد كان بطعم لذيذ هي نفسها لا تستطيع فعله، وجدته يعلم كيف يطهي الطعام وحده قد استغربت في البداية ولكنه أخبرها بتواجده وحده هنا قبل زواجه منها لذا كان يطهو الطعام لنفسه..


تراه يفعل كل شيء يستطيع فعله ليجعلها تشعر بالراحة والأمان، منذ أن أتى بها إلى هنا أعتذر ألف مرة عما حدث في السابق، حاول بشتى الطرق أن يتحدث معها فيه ولكنها منعته عن ذلك قائله بأنه قد مضى، تراه وهو يفعل ما بوسعه لينقذ طفله ويكون معها ومعه، تعلم أيضًا أنه يحبها بل يعشقها وتعلم أنه أعتذر عن خطأه وابتعد عن عائلته ولكن...


لكن هناك شيء بداخلها قد كُسر، ربما ثقتها به، أو الشعور بالأمان جواره لا تدري ولكن هي ليست على طبيعتها، ليست كما كانت معه بالسابق الآن كلماتها محسوبة وتحاول قدر الإمكان التفكير بكل شيء قبل قوله.. لا تدري أهي تُخَونه أم ماذا ولكن كل ما تعلمه جيدًا أنها لم تعُد كما السابق هناك شيء أخذه كذبه عليها.. لم تكن كما السابق أبدًا، ربما ستعتاد!..


جلس "يزيد" على مقعد الطاولة بالمطبخ بعد أن خلع عنه ذلك الرداء، كم كان منزعج!، الآن هو يحاول بكل الطرق أن يفعل لها ما تريد ويحاول أن يبقى طفله بخير، ويقدم كافة الاعتذارات عما حدث وكل شيء بوسعه يفعله..


لكنه يشعر بتغييرها تجاهه، زوجته ليست كما السابق، ليست "مروة" التي كانت لا تنام إلا بأحضانه، أحضان ماذا!.. أنها الآن تنام جواره في آخر الفراش ولا تريده أن يقترب منها، إذا حاول أن يعانقها أثناء نومهم تبدي اعتراضها أنها لا تستطيع النوم هكذا بسبب بروز بطنها!..


تتحدث معه ولكن ليس كما السابق.. يشعر أنها معه بجسدها فقط وليس هناك روح، ليست زوجته "مروة" يقول لنفسه ربما هذا بسبب ما يحدث هذه الفترة، ربما تمر وتعود كما هي فهو يحتاج إلى زوجته وبشدة!..


                 __________________


"بعد أسبوع آخر"


-نقول مبروك؟


هذا ما قالته الطبيبة بعدما وقفت على قدميها من أمام ذلك الجهاز واتجهت ناحية "مروة" تزيل عن بطنها تلك المادة اللزجة بمناديل ورقية وهي تبتسم بهدوء..


نظرت إليها بعدم تصديق وأمسكت يدها تضغط عليها سائلة إياها بخفوت وقد تكونت الدموع بعينيها:


-بجد والله؟

ابتسمت الطبيبة مرة أخرى بسعادة أكبر لرؤيتها سعيدة هكذا ثم أومأت إليها بتأكيد فخرجت دموع عينيها بفرح كبير وأخذت تردد بهدوء كلمات الشكر لله، نظرت الطبيبة إلى "يزيد" الذي ينظر إلى زوجته بحبٍ كبير وقد تهللت اساريره عما كان يدلف وهتفت بهدوء:


-أنا بقول إن الفضل يرجع لأستاذ يزيد بعد ربنا، دي أول مرة يجي معاكي لكن واضح التحسن 


أجابها هو هذه المرة وهو ينظر إلى "مروة" بشغف واشتياق جارف:


-ومش هسيبها تاني أبدًا 


اعتدلت "مروة" على ذلك الفراش الصغير وجلست بهدوء تعدل ملابسها ثم خرجت الطبيبة من غرفة الكشف ليتقدم "يزيد" بسرعة يغمرها بشدة وقابلته هي بالمثل..


فرحته الآن لا توصف، منذ أن قالت الطبيبة هكذا وهو يريد أن يأخذها بين أضلعه، يعبر عن فرحته وهو يراها بين يديه وتقربه إليها، يشعر بأنها لا تريد غيره ولا تريد الإبتعاد، هذه قمة السعادة بالنسبة إليه..


أبتعد قليلًا ومازال يحيط جسدها بيده ينظر إلى عينيها صاحبة السحر المتعدد عليه، ثم إلى شفتيها!.. مال عليهم ليأخذ قبلة ناعمة تحمل الشغف إليها وإليه، قبلة بموافقتها لم يحصل عليها منذ ثلاث أشهر وأسبوعين وبضع ساعات لا يستطيع أن يحسبهم الآن..


وضعت يدها حول عنقه وبادلته قبلته الهادئة بحبٍ وحنان يفيض منها إليه، وعشق جارف تنقله في كل شي يبدر منها إليه..


شعر بطعم الماء المالح بين قبلته لها فعلم أنها تبكي، أبتعد لينظر إليها وقد كان حقًا، رفع يدها ليضعها على وجنتيها يزيل دموعها الغالية بإصبعه الإبهام وهو ينظر إلى عينيها بعمق..


تحدثت بخفوت ونظرة أمل تشع من عينيها بعد أن وضعت يدها على يده:


-أنا فرحانه أوي يا يزيد، ونفسي تكمل فرحتي على طول بيكم


-هتكمل... هتكمل يا مروتي


                 _____________________


"اليوم التالي"


وقعت السعادة من السماء على حياتهم منذ أمس، منذ الاستماع على ذلك الخبر المفرح، أخذها "يزيد" اليوم لتناول العشاء في الخارج في مطعم هادئ يحمل داخله أجواء رومانسية متنازلًا اليوم عن أكلاتها الصحية وراحتها في الفراش..


بعد انتهاء الليلة عاد بها إلى المنزل، وقف أمام الباب ثم وضع المفتاح بالمزلاج ليفتحه بهدوء وكان البيت معتم للغاية، جعلها تدلف إلى الداخل هي الأولى ثم دلف خلفها وأغلق الباب..


وضعت يدها على مفتاح الكهرباء لإضاءة الأنوار في البيت ولتستطيع أن ترى وتدلف للداخل، ولكن كانت الصدمة هنا بعدما رأت ما حدث في البيت، هو لم يكن هكذا قبل أن تخرج!..


نظرت إلى "يزيد" بدهشة واستغراب رُسمت على ملامحها بالكامل وبادلها هو الآخر تلك النظرة مثلها، دلفت إلى الداخل وعينيها متسعة بشدة تدقق في كل شيء أمامها..


ورود حمراء برائحة الياسمين ملقاه على الأرضية بكل مكان، تقدمت إلى الداخل أكثر لترى علبة حمراء صغيرة بين الورود الملقاه على الطاولة، انحنت لتأخذها بين يديها ثم وجدت بها خاتم زواج جديد!..


نظرت إلى "يزيد" مرة أخرى دون حديث لتراه يمط شفتيه للإمام ويرفع كتفيه دليل على عدم معرفته بما يحدث، لن تكمل إلى الداخل عليها أن تعلم ما الذي يحدث والآن..


تقدمت منه ووقفت أمامه تنظر إليه بشك، بل بتأكيد أنه من فعل ذلك، سألته باستغراب ودهشة:


-ليه كل ده؟


ابتسم بخبثٍ وهو يعلم تمامًا أنها لا تتذكر بأي مناسبة هم ليفعل كل ذلك، قال بهدوء وسخرية وهو يضع يديه داخل جيوب بنطاله:


-يمكن علشان عيد جوازنا مثلًا؟.. 


-ايه؟


كم هي غبية!.. اليوم هو عيد زواجهم، اليوم أصبح متزوج منها منذ عام مضى!.. متى مضى؟.. نظرت إليه وهي تشعر بالخجل الشديد لأنه متذكر وهي لا، في قانون الرجال من المفترض أن يكون العكس..


ابتسم باتساع ثم أخرج يده وأخذ من يديها ذلك الخاتم الذي مازالت متمسكة به، ثم انحنى ليجلس على ركبة قدمه اليمنى ورفع نظرة إليها بحبٍ وآسف، بعشق وحنان، مشاعر كثيرة داخله، ثم قال بخفوت:


-اتجوزتك من سنة بالظبط، يمكن جوازي منك كان مبنى على الكدب بس ربنا أخد حقك مني، والنهاردة وبعد سنة بقولك تقبلي تتجوزي يزيد الراجحي من تاني؟.. يزيد اللي تعرفي عنه كله حاجه، حتى الحاجات اللي هو مايعرفهاش عن نفسه


ابتسمت باتساع وهي تراه يقدم يده إليها ويتحدث بكل هذا الحب، حركت رأسها يسارًا ويمينًا وعينيها تدمع بسعادة فنظر إليها باستغراب وهو يراها تفعل تلك الحركة دليل على رفضها له..


تداركت سريعًا ما الذي تفعله ثم غيرت الإتجاه وهي توافقه بحركة رأسها فوضع يده على صدره في موضع قلبه بحركة كوميدية منه وهو ينظر إليها غامزًا لها بعينيه الوقحة..


أخذ يدها ثم وضع بإصبعها ذلك الخاتم الأنيق ووقف على قدميه متقدمًا منها محتضن إياها باشتياق وشغف ثم رفعها عن الأرض وأخذ يدور بها حول نفسه بسعادة غامرة وهو يستمع إلى ضحكاتها العالية، وقف ومازال محتضن إياها كما هو ثم تحدث قائلًا:


-بحبك أوي يا مروتي 


-وأنا كمان بحبك أوي 


تحدث مرة أخرى وهو يشاكسها بمرح ليعود كما السابق ذلك الجو الذي كان يجمعهم سويًا:


-بس مش عارف احضنك بطنك كبيرة أوي
ضربته بخفة على ظهره وهي تبتسم مجيبة إياه بانزعاج تصنعته لأنها تعلم ما الذي يريد فعله:


-مش عارف ايه أنا لسه في الخامس دا التقيل جاي ورا 


ضحكاته ملئت المكان بدون سبب، أصبحت لا تستغرب من هذا فهو هكذا دائمًا يضحك بشدة في أوقات غريبة، استمعت إليه يقول بخبث:


-خلي التقيل يجي وأنا اخففه


علمت مقصده ولما كان يضحك هكذا بشدة، ضغطت على عنقه من الخلف بقوه لتستمتع تآوه وهي تقول مبتسمة:


-قليل ادب
أربعة أشهر مروا سريعًا لم يشعر بهم أحد، لأن الأجواء كانت مليئة بالسعادة والحب، لا يعكر صفو حياتهم سوى بعض الأشياء اللازم وجودها في حياتنا كما أي شخص..


أصبحت مروة في بداية الشهر التاسع من حملها، لقد استرجعت كل ما فقدته في غياب زوجها عنها، هو من أهتم بها بالكامل، كل شيء يخصها كان هو المشرف عليه، ليضمن سلامتها وسلامة طفله القادم..


استعادت السعادة والفرح الذي غاب عنها في غيابه، رأت حياتها بشكل مختلف بعد عودته إليها وأيضًا وهي تشعر بطفل منها ومنه يكبر داخل احشائها.. 


لم تكن تستطيع أن تشعر بأنها عادت إليه وأصبحت زوجته مرة أخرى بسبب خوفها وقلة ثقتها به، بسبب عدم شعورها بالأمان جواره بعدما حدث ولكن هو غير كل شيء، رأته "يزيد" زوجها وحبيبها ووالد طفلها، رأته من عشقته بحنانه ورجولته..


الآن تعيش معه حياة زوجية سعيدة بعيد عن عائلته وعائلتها، بعيد عن قيل وقال فقط هي وهو..


بينما هو لا يستطيع وصف شعور السعادة وهي جواره، حقًا كانت روحه بعيده عنه في بُعدها، لم يكن يتخيل نفسه أن يعشق إلى هذه الدرجة!..


حياته وقفت عليها بالمعنى الحرفي، يذهب لعمله صباحًا، يعود ليرى العاملة التي أحضرها لها لتكون جوارها، يساعد زوجته فيما تحتاج، يشرف على  دوائها.. كل شيء هو كان يفعله لها.. ولا يستطيع شرح حالته ومدى سعادته بوجودها..


دق باب منزل والدها فوقفت شقيقتها على قدميها لتذهب وتفتح الباب بينما "يزيد" وقف من مكانه وذهب ليجلس جوارها على الأريكة ثم مال عليها وتحدث قائلًا بجدية:


-ما يلا نروح بقى يا مروة كفاية كده 


نظرت إليه بجدية ثم أردفت قائلة وهي تعود بظهرها للخلف: 


-حاضر يا حبيبي بس أما بابا يطلع من تحت نسلم عليه ونمشي 


اعتدل في جلسته وهو ينظر إلى باب الغرفة عندما رأى ذلك البغيض يقف أمامه، ابن عمها والذي أصبح زوج شقيقتها بعد عقد القرآن منذ أسبوع مضى، تحولت ملامح وجهه للضيق وقد كان هذا واضح وبشدة ثم نظر إلى زوجته ووضع يده على كتفها يرفع قماش فستانها الذي انخفض عنها ليظهر عنقها وكتفها الأبيض بسخاء..


نظرت إليه مبتسمة بهدوء محاولة أن تعلم ما الذي يفكر به بعد رؤية "تامر" وتلقي إليه نظرة أيضًا بألا يتمادى معه، تقدم منهم "تامر" قدم يده إلى "مروة" يسلم عليها ثم انتقل إلى "يزيد" والذي رفع يده بعد وقت بعدما نظرت إليه "مروة" تحثه على ذلك بعصبية..


جلس "تامر" معهم بعدما تسألوا عن أحوال بعضهم، وجدت "مروة" أن زوجها لا يتجاوب ويبدو عليه الغضب الشديد من بعد رؤية "تامر" حقًا لا تعلم لماذا لا يحبه هكذا فهو طيب القلب ولم يفعل له أي شيء سيء بدون أسباب، ولكن تفاديًا للمشاكل يجب أن يذهبوا..


مالت عليه وتحدثت بصوت خافض قائلة بجدية بينما شقيقتها منشغلة مع زوجها:


-أنا بقول نمشي أحسن، هروح الحمام يكون بابا طلع ونمشي على طول 


نظر إليها مبتسمًا بهدوء وبراءة لا تُحكى وللحق قد خافت منها للحظات، وقفت بهدوء وهي تستند على يده الذي رفعتها ثم ذهبت خارجة من الغرفة لتذهب للمرحاض..


خرجت بعد لحظات من المرحاض متوجهة للمطبخ ورأت شقيقتها به، نظرت إليها ثم تساءلت بهدوء وهي تتقدم للداخل:


-بتعملي ايه


أجابتها الأخرى وهي تفرغ العصير في الاكواب أمامها بهدوء:


-بجيب حاجه يشربوها 


تقدمت مروة للداخل، أفرغت بعض المياة في كوب ورفعته على فمها لتروى عطشها ثم استمعت إلى صوت ارتضام حاد في الخارج، أخفضت الكوب ونظرت إلى شقيقتها بدهشة ثم خرجت كلتاهما سريعًا ليروا ما الذي يحدث..


دلفت "مروة" ومعها شقيقتها إلى غرفة الصالون لتجد "يزيد" يجلس فوق جسد "تامر" مكبلة بقدميه يسدد له اللكمات في وجهه بشدة وقوة 


صرخت فيه بحدة وهي تتقدم إليه بعصبية وجنون وقد خافت على ابن عمها في تعرف زوجها جيدًا:


-يزيد أنتَ اتجننت سيبه 


أمسكتها شقيقتها سريعًا خائفة عليها من طيشهم هم الاثنين عندما وجدت "تامر" دفع يزيد عنه ليعود للخلف وقد اصطدم رأسه بحافة المقعد الخشبي، وقف "تامر" على قدميه ثم جذب "يزيد" من قميصه مسددًا له لكمة لم يستطع صدها له بسبب ألم رأسه الذي كان يفتك به..

صرخت "مروة" مرة أخرى وهي تدفع "ميار" عنها قائلة بحدة وخوف على كلاهما:


-سيبيني يا ميار دول هيموتوا بعض 


لم تتركها شقيقتها بل تمسكت بها أكثر لتبعدها عنهم وهي ترى "يزيد" يدفع "تامر" للجلوس على المقعد مسدد له لكمة أخرى أسفل عينه اليمنى:


-اسيبك ايه أنتِ مش شايفه عاملين إزاي، وهما مش هيرجعوا غير لما كل واحد يفضي اللي عنده 


لكمة خلف أخرى ودفعة خلف أخرى وهي تصرخ بهم لعل أحد يرضخ لها ويكتفي مما يفعله ولكن ليس هناك مُجيب إلا عندما اكتفوا هم بأنفسهم، وقع "تامر" على الأرضية ممدد جسده عليها لا يتحرك بينما جلس "يزيد" جواره يسند رأسه إلى الأريكة خلفه ويزيل بيديه خط الدماء الذي خرج من شفتيه..


نظر إلى "تامر" مبتسمًا ليبادله الآخر الابتسامة ثم أصبحت ضحكات عالية لم يفهمها أحد سوى "ميار" و "تامر" ومعهم "يزيد" أما "مروة" وقفت تنظر ببلاهة إليهم كيف يضحكون بعد هذه المعركة!..


تحدثت "ميار" وهي تقف جوارها قائلة بابتسامة عريضة وعقلانية:


-كده بقوا صافي يا لبن


وقف "يزيد" على قدميه ثم جذب "تامر" من يده ليقف ثم عانق كل منهم الآخر وهم يضحكون فاستمع "يزيد" إلى صوت زوجته تتحدث بانزعاج:


-يزيد يلا أنا عايزة أمشي 


أبتعد عن "تامر" ونظر إليها بهدوء وهو يعلم أن فعلته لن تمر مرور الكرام معها، استمع إلى صوت شقيقتها تقول:


-ليه بقى دا القاعدة هتحلو بعد الصلح ده 


استدارت بجسدها ثم قالت وهي تتقدم إلى الباب لترحل بعد أن أخذت حقيبتها:


-معلش أنا تعبت وعايزة أمشي 


نظر زوجها إليها وهي تختفي فتقدم خلفها ليذهب، استمع إلى صوت "تامر" يقول بسخرية وضحك:


-هدعيلك الليلة تعدي عليك بسلام


ابتسم له ثم رحل وهو يفكر كيف سيجعل تلك المجنونة تفهم ما حدث..


تقدمت "ميار" من "تامر" مبتسمة بسخرية وتهكم ثم قالت:


-لأ بس كان باين عليك جامد ويزيد بيعمل منك بوفيتك 


تقدم إليها هو الآخر بانزعاج وهو يقول بسخرية وحدة:


-نعم ياختي اومال اللي أنا عملته ده كان ايه 


جلست على الأريكة لاستفزازه وتحدثت ببرود قاتل:


-لأ بس بصراحة يزيد كان أجمد خلاك تشوف شوية لكاكيم محصلتش


-بقى كده؟.. طيب 


تقدم منها وهو يتوعد إليها فوقفت سريعًا تركض من أمامه وهي تعتذر قائلة بأن "يزيد" هو من خسر وأن زوجها هو من كان الأقوى في ذلك اللقاء الذي أخرج فيه كل منهم ما كان يكنه للآخر حتى يستطيعوا أن يكملوا حياتهم مع بعض بصورة طبيعية..


               ____________________


فتح باب المنزل بالمفتاح الذي معه، دلفت إلى الداخل ودلف هو خلفها ثم أغلق الباب وهو يبعد نظره عنها قدر الإمكان، طوال الطريق وهي صامتة لا تتحدث فقط تنظر إلى الأمام وقد كان الانزعاج يظهر عليها بوضوح، تصرفه بالنسبة إليها تصرف طائش مجنون ربما، ولكن هو هكذا شعر بالراحة الشديدة، لقد توعد أن يرد له تلك اللكمة التي أعطاه إياها في المشفى وكان من قبلها حتى يريد أن يفعل ذلك، وعاد الأمر بالنفع عليهم هم الاثنين لأنهم تخلصوا من حمل الكراهية داخل قلوبهم، أو ربما لم تكن كراهية لنقول أنه كان عدم قبول بينهم والأن الأمر سيصبح طبيعيًا..


ربما عليها أن تفرح لأنهم مؤكد سيلتقون في كثير من المناسبات وهذه المشاجرة ستمنع حدوث أشياء كثيرة..


دلف إلى داخل غرفته عندما وجدها جلست في الصالون وفتحت التلفاز، دلف إلى المرحاض وهو يحل أزرار قميصه ليخلعه عنه، وقف أمام المرآة وقد رأى أن هناك دم أسفل شفتيه وبها فتحة ظاهرة بوضوح، بالإضافة إلى تلك الكدمه البسيطة تحت عينه اليمنى وألم رأسه ولكن على أي حال فهو أفضل بكثير من "تامر"..


عند تذكره ابتسم باتساع وهو يتذكر كيف سدد اللكمات له بحرافية ونال منه، ربما سيحتاج ليأجل زفافه الآن..


خرج إليها بعد أن أغتسل وبدل ملابسه، جلس على المقعد المقابل لتلك الأريكة التي تجلس عليها، نظر إليها من الحين إلى الآخر ثم تحدث بعد وقتٍ قليل قائلًا بجدية سائلًا إياها:


-في ايه بقى البوز ده هيفضل كتير؟..


أدارت وجهها ناحيته لتنظر إليه بتهكم رافعة إحدى حاجبيها مُجيبة إياه بسخرية:


-وهو المفروض يكون فيه حاجه تانية غير البوز ده؟

ابتسم بتهكم مثلها وتحدث بلا مبالاة وهو يعود للخلف بظهره:


-آه المفروض 


انزعجت من ذلك البرود وتلك الابتسامة فردت عليه بحدة وعصبية وهي تتذكر ما فعله بمنزل والدها:


-أنتَ بتستعبط ولا ايه تصرفك ده تصرف صبياني طايش 


اعتدل وتقدم للإمام مشبكًا أصابع يديه ببعضهم سائلًا إياها باستغراب ودهشة قائلًا:


-ليه شيفاني مراهق؟..


وقفت على قدميها أمامه ثم ووضعت يدها الاثنين بخصرها تنظر إليه بدقة ثم سألته قائلة:


-طيب طلما أنتَ مش مراهق ليه عملت كده 


مرة أخرى يبتسم باتساع وهو يراها هكذا، لماذا تعطي الأمر حجم أكبر من حجمه؟.:


-وليه متقوليش أن هو اللي بدأ مش أنا.. الله


ابتسمت بسخرية شديدة متحدثة بثقة وتأكيد وهي تقول بحدة رافعة يدها أمام وجهه:


-لأ يا حبيبي مش هو، صحيح مكنتش موجودة لكن أنا عارفه جوزي كويس 


استمعت إلى ضحكاته العالية عقب كلماتها، نظرت إليه بضيق وانزعاج شديد، رأته يعود برأسه للخلف وهو يضحك بقوة فهتفت اسمه بحدة ليقول غامزًا لها بعينيه الوقحة محاولًا السيطرة على نفسه:


-طب وجوزك شاطر في ايه تاني 


صاحت بحدة وهي تضرب الأرض بقدمها بعصبية شديدة هاتفه اسمه بقوة:


-يــزيــد


نظر إليها بخبث ومكر قائلًا بجدية جعلها تبدو حقيقية للغاية كي يتخلص من تذمرها هذا:


-غرضي شريف وحياتك، بطمن عليكي معايا خايف أكون مش بعرف أعمل حاجه غير الضرب


أطلقت تآوه عالٍ من بين شفتيها ووضعت يدها على بطنها المنتفخة للغاية ثم انحنت قليلًا على نفسها، وقف سريعًا من مكانه متوجهًا إليها بعد أن شعر بالخوف والقلق من ذلك التغير المفاجئ لها، رفع رأسها للأعلى وأبعد خصلاتها للخلف قائلًا بلهفة وخوف شديد ظهر عليه الآن:


-مالك فيه ايه حاسه بوجع؟..


أجابته بحدة وهي تدفعه في صدره بعيدًا عنها قائلة بعصبية وحنق منهم هم الاثنين:


-السافل اللي جوا ده مش بيبطل ضرب فيا.. سافل زي واحد أعرفه 


انحنى "يزيد" وجلس على ركبته اليمنى فـ بقى وجهه أمام بطنها تمامًا ووضع يده عليها وابتسم وهو يشعر بحركة ابنه داخل بطنها ولم تكن هذه أول مرة يشعر بوجودة وحركاته داخلها، تحدث بحنان وحب قائلًا:


-الباشا ده يعمل اللي هو عايزه 


-ما أنتَ مش خسران حاجه 


وقف أمامها مرة أخرى أمسك بكف يدها ثم رفعه إلى فمه ليقبله بحنان ولين، نظر إلى عينيها الجميلة ذات السحر الخاص به، أردف بجدية وهدوء:


-على فكرة الموضوع مش مستاهل العصبية دي، أنا واخده بهزار معاكي لأننا أكيد مش عايزين نتخانق مع أنك احرجتيني قدامهم 


تحدثت هي الأخرى مثله بهدوء وجدية لتجعله يفهم مدى السوء بذلك الفعل الصبياني:


-وأنتَ كمان احرجتني عايزني أعمل ايه لما ادخل ألاقيك قاعد فوقه ونازل فيه ضرب ده لو مكنش علشان ابن عمي يبقى علشان جوز أختي على الأقل


أردف هو الآخر وهو يوضح لها أهمية ذلك الشيء الذي قاموا به معًا للصلح بينهم:


-على فكرة ميار مزعلتش وكانت متفهمة وعارفه ليه عملنا كده على عكسك.. إحنا مش بنطيق بعض وأنتِ عارفه كده كويس الخناقة دي كل واحد خرج اللي عنده للتاني وهنبقى كويسين المفروض تفرحي لأن أكيد هنتجمع في مناسبات كتير ومش عايز يبقى فيه حاجه بنا 


سألته مضيقة عينيها وهي تعلم الإجابة ومتأكده منها ولكنها تود أن تسمعها منه:


-مين اللي بدأ وليه


ضحك مرة أخرى بقوة، هي تعلم من الذي قام بذلك لما تتساءل الآن؟. نظر إليها وتحدث وهو يقدم نفسه إليها بطريقة مسرحية:


-جوزك يا روحي... حسيت أني محتاج اضربه فقومت وروحت مديله بالبوكس في وشه 


-مجنون والله


أبتعدت عنه بعد أن قالت تلك الكلمات ثم ذهبت للداخل لتبدل ملابسها، بينما جلس هو مكانه مرة أخرى ينظر إلى التلفاز، ثواني واستمع إلى صوت هاتفه يعلن عن وصول مكالمة، ذهب إلى تلك الطاولة جوار باب المنزل الذي وضع عليه الهاتف والمفاتيح بعد دخوله..


وجدها شقيقته من تحادثه، أجاب عليها وتحدث معها بمرح وسعادة وانتقل منها إلى زوجها "سامر"، خرجت "مروة" من الغرفة وطلبت منه أن تتحدث إليها..


أخذت الهاتف وجلست على الأريكة لتقول بمرح وسعادة:


-ناس معفنة بصحيح لسه فاكرة تسألي علينا..


أجابتها مرة أخرى وهي تضحك بصوت عالٍ:


-لأ شهر العسل شكله جامد واخدك مننا 


ضحكت معها مرة أخرى وهي تستمع إلى كلماتها ثم أجابت على سؤالها بهدوء وجدية:

-آه الأسبوع الجاي 


استمعت إلى صوت الأخرى تسألها باهتمام أكبر:


-امتى علشان نيجي


-لأ لسه مش عارفه امتى بالظبط الدكتورة قالت إنه الأسبوع الجاي أكيد بس هروح يوم السبت علشان تحدد اليوم ممكن يكون تاني يوم أو في نص الأسبوع الله أعلم لسه مش عارفه 


تحدثت معها قليلًا ثم ودعتها وأغلقت الهاتف لتنظر إلى "يزيد" الذي كان يشاهد التلفاز وقالت بعد تفكير:


-يزيد أنا جعانه.. قوم اعملي حاجه أكلها


نظر إليها بهدوء ثم وقف على قدميه دون حديث وذهب باتجاه المطبخ، استدار إليها يقول بحب وهو يقف بعيد:


-عيوني ليكي 


ابتسمت بوجهه برقة ثم أجابته:


-يسلموا عيونك الحلوين 


               ____________________


"بعد أسبوع"


قلبه يخفق بقوة، لا يدق بهدوء وانتظام بل بسرعة شديدة لا يعلم من أين أتت، عقله لا يقف عن التفكير، خائف وبشدة، مشاعر كثيرة تداهمه لا يستطيع شرحها بالتفصيل ولكن جميعها خوف وقلق..


وقف في الرواق أمام غرفة العمليات يأتي ويذهب بقلق شديد، يضغط بيده على بعضهما، ومرة أخرى يضع يديه بخصره، ثم يقف بعيد يخلل يده في خصلات شعره بعنف..


لا يستطيع أن يتوقف عن ذلك أنه يشعر بأن روحه دلفت معها إلى الداخل، يعلم أنهم سيكونوا بخير ولكن مع ذلك هو قلق وخائف..


أنها في الداخل منذ وقت طويل جدًا أعتقد أنها لن تأخد كل ذلك الوقت ولكن قد أخذت، الجميع يجلس هنا شقيقتها وصديقتها "نهى"، "تامر" ووالدها..


عاد إليهم مرة أخرى ليقترب من باب غرفة العمليات محاولًا أن يسترق السمع لما يحدث ولكن لا جدوى في ذلك..


شعوره غريب، متضارب لا يفهم ما هو فقط يريدها الآن في هذه اللحظة أن تخرج هي وطفله من الداخل بخير..


وقف "تامر" جواره والذي كان يشعر بقلقه بينما كان والدها يقرأ في مصحف صغير في يده وشقيقتها منشغلة مع صديقتها، تحدث بعد أن وضع يده على كتفه قائلًا بهدوء داعمًا إياه:


-متقلقش هيبقوا بخير بإذن الله


أومأ إليه بالايجاب وابتسم بوجهه وهو يعلم أن كلماته صحيحة بإذن ربه، ذهب بعيدًا مرة أخرى وهو يرفع رأسه للأعلى متمتمًا بين نفسه باسم الله وذكره العظيم:


-يارب


في تلك اللحظة استمع إلى صوت بكاء صغيره!.. لقد خُلق، أنه الآن موجود معهم!..


سريعًا دون التفكير ذهب إلى الباب مرة أخرى ليسترق السمع ويستمع إلى صوت صغيره!.. بينما وقف الجميع جواره يبتسمون بسعادة غامرة، وقد حلت عليهم حقًا أكثر من السابق بحلول ذلك الصغير..


                   ______________


-آه، أيوه.. خبيث 


كلمات متقطعة خرجت من بين شفتيها دون دراية منها وهي مازالت تحت تأثير المخدر، ابتسمت "ميار" وهي تستمع إليها بينما وقف زوجها جوارها يمسك بيدها ويمرر يده الأخرى أعلى رأسها..


تحدثت مرة أخرى وهي تنظر إلى الأعلى بعين "يزيد" الواقف جوارها وقالت بضيق:


-سافل.. عايز فرصة


وقفت "ميار" وذهبت لتقف جوارها الناحية الأخرى هتفت باسمها لتستدعي انتباهها ولكنها أكملت حديثها قائلة:


-فرصة ويبقى سافل وقليل الأدب


وضع يزيد يده سريعًا على فمها فهي على وشك التحدث في أمور خطأ، هو أدرك أنها ستفعل ذلك لأنها لم تكن تقول له هذه الكلمة إلا في مواقف معروفة بالنسبة إليهم:


-يخربيتك هتفضحينا اسكتي 


خرجت ضحكات "ميار" العالية عقب كلمات زوج شقيقتها لتستدعي انتباه زوجها ووالدها، نظروا إليها باستغراب فلم يسمع أحد منهم ما قالته "مروة"..


أزاح يده عن شفتيها لتتحدث مرة أخرى وهي تبتسم ببلاهة وسخرية:


-عايز دسته عيال... ابقى هاتهم أنتَ 


نظر إلى شقيقتها وأردف قائلًا بـ إرهاق وتعب شديد وبينما هناك ابتسامة على شفتيه:


-أعمل ايه في أختك اللي هتفضحني دي؟.


أجابته ضاحكة وهي تنظر إلى شقيقتها ثم إليه:


-موقفك صعب أوي الصراحة 


سألها باستغراب بعد أن لاحظ عدم وجود صديقتها هنا، لقد انشغل بزوجته بعد أن خرجت من غرفة العمليات:


-هي صاحبتك مشيت 


-آه علشان جوزها 


استمعوا إلى صوت "مروة" من جديد تهلوس إلى يزيد معترفة إليه بشيء وهي تضحك بألم:


-علبة السجاير اللي لقيت عليها مايه... أنا اللي غرقتها في البحر 


ضحك على حديثها وطريقتها وهو يضغط على يدها بين يده، تعتقد هي أنه لا يعلم؟. أنه يعلم منذ أن رأى علبة السجائر وهي بالمياه في حوض غسيل الصحون..

بقيت مروة على هذه الحالة لبعض الوقت وهي تحت تأثير المخدر تتحدث بكلمات أحيانًا لا يفهمها ولكن تجعله يبتسم بشدة هو وشقيقتها وقد كان يحمد الله أن والدها لا يستمع إلى شيء فقد قالت أشياء كثيرة لا تُحكى، يا له من تأثير فظيع..


ثم ذهب منها المخدر كليًا ليبقى الألم هو معها وهي تشعر بجرح بطنها الغائر بينما هو جوارها ولم يتركها..


تساءلت بهدوء وهي تنظر إليه قائلة:


-إياد فين؟..


أجابها بجدية وحنان وهو يراها بهذا الشكل الصعب لقد خضعت لعملية جراحية صعبة في بطنها:


-دكتور الأطفال بيكشف عليه يا حبيبتي 


أغمضت عينيها بضعف مرة أخرى، بينما هو شدد على يدها لتسمعه يقول بقلق شديد متسائلًا:


-تعبانه أوي؟.


أجابته بحركة خفيفة من رأسها يسارًا ويمينًا وهي مغلقة عينيها وقد كانت تشعر بآلام الشديد نتيجة إلى ذهاب المخدر من جسدها..


ذهبت "ميار" ووالدها وزوجها للخارج حتى تستطيع "مروة" أن ترتاح قليلًا وبقى هو فقط معها.. 


دقائق أخرى مرت ثم دق الباب لتدلف إليهم واحدة من ممرضات المشفى تحمل الطفل بين يديها، دلفت إلى الداخل ووقفت حيث والده ثم هتفت قائلة بابتسامة:


-إياد يزيد الراجحي


ترك يد زوجته التي كانت فتحت عينيها بعد أن استمعت إلى تلك الكلمات، وقف على قدميه ثم نظر إلى الصغير بين يدي الممرضة، أعطته إياه ببطء، حمله على يده ببطء شديد وراحة غريبة سارت في جسده، ما هذا الشعور الغربب؟..


لقد شعر بفرح، سعادة، خفق قلبه بقوة، جسده ارتجف للحظة، لا يدري ما الذي يحدث ولكن ربما لأنه يحمل طفله بين يديه؟..


طفل كان يتمناه منذ زمن وقد أتى إليه من أعظم امرأة عرفها بحياته؟.، ما هذا الشعور؟. إنه رائع، أن يرى قطعه منه أمامه هكذا شيء لا يوصف..


إن يلمسه بيده ويعلم بداخله أن ذلك الصغير منه ومنها سويًا هذا قمة السعادة حقًا، لقد تجمعت الدموع داخل عينيه ولكنه حاول السيطرة عليها قدر الإمكان ليشعر بتلك اللذة التي وقعت عليه..


دقق النظر به، إنه صغير للغاية يكاد يختفي بين يديه، لا يوجد شعر كثير على رأسه يُعد على الأصابع، عينيه مغلقه ولكنها صغيرة وضيقه للغاية، أنفه صغير ويشبه أنف والدته، شفتيه بارزة يعتقد أنها مثله هو، ألم يأخذ منه سوى الشفاه؟.. وكانت بشرته بيضاء مثل والدته أيضًا.. ابتسم "يزيد" وهو يقترب منها ليجلس جوارها على الفراش..


أنزل الطفل بين يديه إلى مستواها لتستطيع أن تراه بوضوح، ظلت تنظر إليه وهي تبتسم بسعادة ممررة يدها بحنية على وجهه..


خرجت الدموع من عينيها دون قصد ولكن فرحتها به لا توصف ومشاعرها تجاهه لا تستطيع أن تعرف ما هي..


أنها أشياء كثيرة غريبة ولأول مرة تشعر بها ولكن جميعها تشير إلى السعادة والراحة الشديدة..


تحدثت وهي تزيل دموعها قائلة بابتسامة عريضة بينما تنظر إليه بحبٍ شديد وشغف رائع:


-شفايفه زيك بالظبط 


ابتسم هو الآخر وتحدث بسخرية قائلًا بينما ينظر إليها وإليه:


-مش فاهم يعني هو ملقاش حاجه يخدها مني غير شفايفي، عايز يبقى عامل بوز البطة طول الوقت 


ضحكت بصوتِ عالٍ على كلماته، ثم سريعًا ضغطت بأسنانها على شفتيها حتى لا تضحك هكذا فذلك يتعبها وبشدة..


رفعه "يزيد" بهدوء ثم وضعه في ذلك الفراش الصغير الخاص بالأطفال، وتوجه إليها جلس جوارها وتحدث قائلًا بحبٍ وحنان كبير:


-حمدالله على سلامتك يا حياتي 


ابتسمت بهدوء واجابته بينما تتذكر أنه قالها كثيرًا:


-الله يسلمك بس أنتَ قولتها كتير أوي


أمسك بيدها ورفعها إلى فمه يقبلها باشتياق وشغف وكأنه لا يصدق وجودها معه ثم تحدث قائلًا:


-مش مصدق أن بقى فيه ولد مني ومنك... كنت مفكر أن عمري ما هشوفه  


ضغطت على يده قائلة بجدية وهي لا تود تذكر تلك الأيام ولا أي شيء بها:


-ممكن تنسى اللي حصل.. خلينا هنا 


أومأ إليها برأسه مؤكدًا حديثها ورفع يدها إلى فمه ليقبلها مرة أخرى بشغف واشتياق جارف بادلته إياه، دق الباب ثم دلفت إليهم شقيقتها التي توجهت نحو الطفل قائلة بابتسامة عريضة:


-قمر أوي بجد... بابا مكنش عايز الممرضة تدخله ليكم كان عايز يقعد بيه


ابتسموا بسعادة ثم تحدثت "مروة" قائلة بضيق بعد أن تعبت من هذه الوضعية المجبرة:


-يزيد ارفعني شويه عايزة أقعد تعبت 


وقف ثم وضع وسادة عريضة فوق رأسها لتكون خلف ظهرها عندما تجلس وتريحها، وضع يده حول جسدها محتضنًا إياها ليستطيع التحكم بجسدها ورفعه، جذبها إلى الأعلى قليلًا فصاحت بصوت عالٍ وقد اجتاحها الألم:


-يـزيـد.. براحه، براحه 


وضعت يدها الاثنين على ذراعيه تضغط عليهم بقوة وقد اشتد الألم بسبب حركتها، هتف قائلًا بخوف:


-ملحقتش ارفعك يا مروة اهدي 


تحدثت "ميار" قائلة بجدية وهي تتجه لتساعده عندما حركها هكذا مرة واحدة:


-لأ براحه هي هتحتاج معامله خاصة شوية لأن الجرح بيشد عليها 


كان وجهه قريب من وجهها للغاية وهو مازال محتضن جسدها كي يرفع وهي تضغط بكلتا يديها على ذراعيه بسبب الألم، نظر إليها قائلًا بندم:


-أنا آسف يا حبيبتي مش قصدي 


أغمضت عينيها بضعف واراحت رأسها قرب صدره بينما أتت "ميار" وساعدته بهدوء في رفعها إلى الأعلى قليلًا دون أن يهتز جرحها حتى لا يشتد عليها مسببًا لها الألم..

دلف "تامر" ووالدها إلى الداخل، ذهب والدها وجلس جوارها يتحدث معها بهدوء وذهب "يزيد" يجلس جوار "تامر" على الأريكة ثم وضع يده على ركبته قائلًا بسعادة:


-عقبالك يا أبو نسب


-يارب ياعم بس كده الفرح اتأجل خلاص 


نظر إليه "يزيد" مبتسمًا بسخرية شديدة وتحدث بتهكم صريح قائلًا له وهو يشير إلى وجهه:


-اتأجل علشان مروة ولدت ولا علشان اللي في وشك ده 


لقد اختفت الآثار الذي كانت على وجه "يزيد" أما "تامر" يختفى تدريجيًا ولأن حالته كانت أسوأ من "يزيد" إلى الآن لم تختفي كليًا، نظر إليه بضيق وانزعاج ثم قال:


-لأ علشان جمالك أنتَ ومراتك 


ضحك "يزيد" بصوتٍ عالٍ وبادله الآخر الضحك أيضًا، اقتربت عليهم "ميار" وجلست على المقعد أمامه ثم قالت موجهه حديثها إلى زوج شقيقتها:


-يزيد أنا هاجي أقعد معاكم الفترة دي لحد ما مروة تكون كويسه 


وافقها الرأي سريعًا مؤكد حديثها فهو يحتاج لشخص آخر معه بعد ما علم ما تعانيه:


-آه أكيد الموضوع صعب شويه أكيد هنحتاجك 


نظر إليها "تامر" بانزعاج شديد، كيف لها أن تذهب وتجلس معهم في نفس البيت، كيف ستبقى هناك مع شخص غريب عنها تجلس وتأكل وتنام، حتى أنها لم تقول له ما تنويه تحدثت فقط!..


رأته ينظر إليها بانزعاج فجأة لا تدري لما، وقف "يزيد" ليذهب إلى زوجته ويرى كيف حالها الآن قبل أن تأتي الطبيبة لتراها مرة أخرى..


جلست "ميار" جوار زوجها وسألته بجدية واستغراب رُسم على ملامحها:


-مالك ملامحك اتغيرت فجأة كده 


تحدث بخفوت ونظرة حادة قليلًا سائلًا إياها باستغراب ودهشة:


-أنتِ إزاي هتروحي هناك ويزيد معاها وإزاي تقعدي هناك أصلًا


أجابته بدهشة واستنكار هي الأخرى ولم تفهم ماذا يريد من هذا الحديث:


-يزيد ده جوز أختي لو مش واخد بالك وأختي محتاجه ليا 


أردف بخفوت وهدوء مُجيبًا إياها بعد أن زفر بضيق:


-مقولناش حاجه لكن تروحي تقعدي وتباتي طب إزاي يعني 


-ومين قال إني هبات.. أنا هروح الصبح وأرجع بالليل، أنا عارفه كويس أن ماينفعش لكن عايزة أقولك أن يزيد عمره ما بصلي ربع بصه كده ولا كده وأكيد أنتَ واثق فيا 


ابتسم بهدوء ثم قال بجدية:


-على فكرة أنا أقصد علشان راحتك، وعارف الكلام اللي بتقوله لكن ده شيء غصب عني ماقدرش أصلًا اقبله


أومأت إليه بهدوء وتفهمت ما قاله جيدًا لأنه معه حق هو زوجها وله حق في ذلك، يجب ألا تنام في بيت رجل غريب عنها حتى ولو كان "يزيد"..


جلسوا سويًا لبعض الوقت، وبعد خروج الطبيبة دق الباب ليجد والدته تدلف إلى الداخل مبتسمة بفرح ومن خلفها شقيقه الأكبر..


دلفت والدته للداخل وهي تهلل متحدثة بصوتٍ عالٍ وكأن السعادة لا تسعها الآن بسبب إنجاب ولدها طفل:


-يا ألف نهار أبيض يا ألف نهار مبروك 


تقدمت من يزيد الذي وقف على قدميه من جوار زوجته ثم جذبته لاحضانها بسعادة كبيرة مربته على ظهره وهو يبادلها العناق مبتسمًا بهدوء:


-ألف مبروك.. دا يوم المنى إني أشيل ابنك على ايديا 


تركته وتوجهت إلى زوجته الجالسة على الفراش تستند بظهرها للخلف، نظرت إليها مبتسمة ولكن بخجل حاولت قدر الإمكان أن تتخطاه، مالت عليها لتحتضنها هي الأخرى كما ابنها فبادلتها "مروة" مبتسمة بهدوء شديد وقد اعتقدت أنها لن تبادلها..


وأعتقد "يزيد" ذلك أيضًا ولكن زوجته يومًا بعد يوم تبهره بطيبة قلبها وحنانها الدائم على الجميع..


تحدثت والدته لها وهي تبتعد عنها بهدوء ناظرة إليها بندم شديد لم يتركها إلى الآن:


-ألف مبروك يا بتي ألف مبروك حمدالله على سلامتك


أجابتها "مروة" بخفوت وهي تنظر إليها مبتسمة بـ إرهاق شديد:


-الله يسلمك 


توجهت من بعدها إلى فراش الصغير لتقف أمامه وتراه وهو نائم لا يدري بأي شيء يحدث من حوله، لقد كان صغير للغاية يحمل ملامح من والده ووالدته معًا لقد تبينت ذلك، ترقرق الدمع داخل عينيها وهي تراه أمامها، طفل تمنته منذ زمن تحمله لابنها..


نظرت إلى ولدها وهي تود البكاء بشدة وتحدثت بخفوت وكأنها تطلب الأذن منه لكي تقوم بحمله على يدها:


-أشيله؟..


أومأ إليها "يزيد" مبتسمًا بسعادة لتحول والدته هكذا، وكم كان يود أن تكون هكذا منذ البداية!.. لو كانت هكذا حقًا لكان كل شيء تغير وأصبح الأفضل على الإطلاق..


تقدم منه شقيقه وعانقه بشدة وهو يبارك له بخفوت ونظرة حزن وألم ترتسم على ملامحه بسبب ما فعله سابقًا ولكنه يحاول رسم الابتسامة بصعوبة:


-ألف مبروك يا يزيد يتربى في عزك


ربت "يزيد" على ظهره بقوة ثم هتف عقب كلماته:


-ألف مبروك على الجوازة إن شاء الله قريب نبارك على الخلفه 


أبتعد عنه ثم نظر إلى زوجته باحترام قائلًا بخجل وقد كان هذا أول لقاء لهم سويًا منذ ذلك اليوم المشؤوم:


-حمدالله على سلامتك 


-الله يسلمك  


نظر إلى والدته التي كانت تحمل الطفل بسعادة غامرة ووجهها يبتسم تلقائيًا وهي تحرك يدها بحنان على رأسه وتبتسم بفرح وقد وجد ذلك الطفل الحب الكبير في قلبها القاسي، وخلق بداية الحنان داخلها ليكون هو مالك قلبها الأول.


                ____________________ 


"بعد مرور أسبوع" 


دلف إلى غرفة نومه وهو يضحك بصوتٍ عالٍ، توجه ناحية الفراش الذي كانت هي تتمدد عليه ثم جلس أمامها ممسكًا بيدها، وتحدث قائلًا بدهشة:


-مش معقول اللي بيحصل بره ده، أمي ماسكه في إياد ومش مخليه حد يشيله 


ابتسمت بوجهة برقة وهدوء مجيبة إياه بصوتٍ هادئ:


-حاسه أنها كانت مستنياه أكتر مننا 

تحدث بشغف وحب جارف، وقد لعب الاشتياق دوره معه وقال وهو يقترب منها:


-لأ أبدًا محدش استناه قدي ولا في حد فرحان بيكم قدي، فرحتي بيكم مفيش حد في الكون ده كله وصلها


ضغطت على يده وابتسمت بسعادة ثم قالت بضيق وانزعاج من أصوات الموسيقى العالية:


-صوت الأغاني ده وجع دماغي بجد 


-الأغاني بس؟.. بودي اطلعك بره تشوفي أختك وأمي بيعملوا ايه 


سألته باهتمام وقد كانت تريد معرفة الإجابة منه:


-صحيح ريهام بره؟..


وضع كفها بين يديه الاثنين ونظر إليها قائلًا بهدوء محاولًا شرح الموقف لها:


-بصراحة أنا اللي عزمتها، كانت عندي امبارح في المصنع في شغل متبادل في المكان اللي هي فيه حاليًا.. اعتذرت عن الحاجات اللي عملتها وبصراحة كده عديت الموضوع بس هي زي ماهي وعزمتها على السبوع النهاردة... اتمنى تصرفي ده ميكونش زعلك 


ابتسمت بوجهة وحركت رأسها يسارًا ويمينًا دليل على عدم انزعاجها فأكمل هو موضحًا:


-مش هتشتغل معايا وكمان مش هيرجع كلامنا زي الأول مجرد سلامات بس من بعيد هي بردو كانت في يوم من الأيام صاحبتي وكنت بعتبرها زي يسرى 


نظرت بعينيه ذات اللون الزيتوني الآن وتحدثت سائلة إياه بصوتٍ خافض وهي تبتسم بسخرية:


-مفكر إني هشك فيك ولا ايه 


-لأ طبعًا بس أنا حبيت أقولك لأني أخدت عهد على نفسي مش هخبي عنك أي حاجه حتى لو كانت صغيرة 


أومأت إليه ثم قالت:


-هات إياد شويه 


وقف على قدميه وذهب إلى الخارج ليحضر الطفل إلى والدته، أتى به ودلف إلى الداخل مرة أخرى، وضعه على قدميها من بعيد وجلس أمامها كما كان ليراها تتحدث قائلة وهي تنظر إليه:


-شبهك أوي على فكرة 


تذمر "يزيد" قائلًا بانزعاج وهو ينظر إلى طفله الذي لم يأخذ منه إلا شفتاه حتى عينيه تشبه والدته متعددة الاختلافات:


-شبهي ايه بس ده ماخدش مني حاجه غير بوز البطة ده 


ابتسمت بسخرية وهي ترفع يده إلى وجه زوجها تمررها على خده براحه ثم قالت بتهكم:


-ربنا يكون في عونها اللي هتتجوزه 


عاد إلى الخلف ينظر إليها باستغراب ثم أردف بجدية وانزعاج شديد اصتنعه:


-نعم ياختي مجبتش معاكي نتيجة بوز البطة ولا ايه؟..


أطلقت ضحكة رنانة من بين شفتيها وقد تآوهت بعدها بشدة لتضغط بأسنانها على طرف شفتيها وقالت له مبتسمة:


-ده كله إلا دي.. دي عملت أحلى شغل معايا 


نظر إليها بدهشة واستنكار سريعًا أدرك كلماتها وهي تجاريه فيما يقصده ليصفق بيده الاثنين بقوة وهو يهتف عاليًا بمرح:


-بركاتك يا بطوط 


ضحكت عليه وهو يفعل هكذا بيديه وحركاته سوقية للغاية، أقترب منها بهدوء وشغف بعد أن صمت ونظر إليها بحبٍ واحترام، قرب وجهه منها ليضع يده خلف رأسها يقربها إليه ثم طبع شفتيه على جبينها في قبلة حنونة للغاية..


وأنزل رأسه ليتجه ناحية طفله الصغير طابعًا قبلة أخرى أعلى رأسه مثلما فعل مع والدته ونظر إليها قائلًا بعشق خالص ونظرة حنونة شغوفة من عينيه الزيتونية لتقابل زُرقة البحر خاصتها:


-بحبك أوي يا مروتي، بحبك ومقدرش استغنى عنك لحظة واحدة 


نظرت إليه بعينيها الساحرة الذي تسحره في كل مرة يقترب منها بها، وضعت يدها على جانب وجهه الأيسر تمررها عليها بحنان وحبٍ خالص تبادله إياه ثم قالت بهدوء وشغف:


-وأنا بموت فيك يا أبو إياد ومقدرش أبعد عنك لحظة واحدة
"بعد مرور ثمان سنوات"


فُتح لهم باب المنزل وتقدم الجميع إلى الداخل بهدوء ما عدا شخصٍ واحد، ركض "إياد" إلى داخل منزل جدته "نجية" بعد أن فتحت زوجة عمه الثانية الباب، خرجت "نجية" من المطبخ حيث أنها كانت تشرف على كل ما يحدث بداخله ليُقدم أفضل شيء للزائرين في بيتهم..


أسرعت في سيرها بعد أن وجدته يتقدم منها ركضًا ليأخذها في أحضانه، انحنت على الأرضية تتكئ على قدميها ثم فتحت ذراعيها له وقد فعل كما تريد، ألقى نفسه داخل أحضانها يربت على ظهرها بحنان بيده الصغيرة، عانقته بشدة وهي تبتسم بسعادة غامرة، فقد كان ذلك الطفل هو أول من أخذ قلبها، هو أول قطعة صغيرة تلين الحجر بداخلها ولو أنجب أولادها الثلاثة كل يوم لن تحب أحد مثله..


عاد إلى الخلف وهو ينظر إليها مبتسمًا بسعادة كبيرة لأنه أتى إلى هنا من جديد وتحدث قائلًا بحبٍ كبير يكنه إلى جدته الغالية على قلبه:


-وحشتيني أوي أوي يا تيته 


أخذت وجهه بين كفيها وهي تنظر إلى ملامحه  الجميلة، شعره الأسود مثل والده، عينيه الساحرة مثل والدته وأنفها أيضًا، شفتيه كما والده وروحه وجماله النقي، نظرت إليه بحب لا مثيل له يتبادلونه سويًا وهتفت قائلة بابتسامة عريضة:


-وأنتَ كمان وحشتني قوي قوي يا قلب تيته 


وقفت على قدميها ثم ذهبت إلى البقية والذين وقفوا جميعًا ينظرون إلى ذلك المشهد بحبٍ كبير، تقدمت من ولدها "يزيد" ومالك أكبر قطعة بقلبها بعد ولده الصغير، عانقته بشدة وقد بادلها العناق بعد أن قبل يدها ورأسها، أبتعدت عنه لتتساءل بهدوء:


-عامل ايه يا ضنايا


ربت على يدها مُجيبًا إياها بجدية:


-بخير طول ما أنتِ بخير 


ذهبت إلى زوجته التي تقف جواره، نظرت إليها مبتسمة بسعادة لقد أثبتت على مدار تلك السنوات الماضية أنها تحمل طيبة قلب لا يوجد لها مثيل، فتاة بريئة ونقية كما لقبها ولدها، إلى الآن لم تمنعها من رؤية أحفادها ودائمًا كان منزلها مفتوح لهم جميعًا، أخطأت بحقها كثيرًا ولكن منذ ولادة "إياد" و هي تحاول أن تمحي كل ما حدث في الماضي..


سلمت عليها وعانقتها هي الأخرى سائلة عن أحوالها ثم نظرت إلى ابنة ولدها الأخرى "ورد" التي كانت تقف أمام والدتها، صاحبة الأربع أعوام، خصلاتها ذهبية كما والدتها والأعين البنية كما عمتها "يسرى" والأنف الصغير والشفاه الصغيرة كما والدتها، انخفضت إلى مستواها ووضعت وجهها بين كفيها تنظر إليها بحب وحنان ثم أخذت تقبلها بشوق وحنين قائلة:


-تيته موحشتكيش يا ورد ولا ايه 


تحركت الصغيرة ثم عانقتها بهدوء وهي تقول ببراءة لا مثيل لها:


-لأ وحشتيني أوي 


ذهبت لتسلم على ابنتها "يسرى" وزوجها "سامر"، في جميع الزيارات كانوا يأتون سويًا هم الأربعة وأطفالهم، عانقتها بحرارة وهي مشتاقة إليها بشدة، قد علمت أيضًا أنها فعلت الكثير بحق "يسرى" ابنتها ولأنها كانت الوحيدة التي تقف بصف زوجة ابنها، يا ليتها استمعت إليها منذ البداية..


أخذت طفلها الصغير صاحب الأربع أعوام هو الآخر وعانقته بشدة، لقد كان نسخة مصغرة من والدته، يشبهها في كل شيء..


تقدمت "مروة" و "يسرى" إلى "هند" زوجة فاروق الثانية، ولقد كانت طيبة القلب، حنونة كثيرًا وتحب "نجية" و "فاروق" ، تستقبلهم دائمًا بالترحاب الشديد ولكن مع إصرار "إيمان" بأنها تكون تلك الشرير في رواية أحدهم كانت تخرج عليها كل طقوس الجنون، لم تترك لها "هند" الفرصة هي طيبة وحنونة ولكن ليس مع الجميع تعرف كيف تُجيب على "إيمان" وبالطريقة الصحيحة..


سلمت عليهم بحرارة ورحبت بهم كثيرًا، ألقى عليها كل من "سامر" و "يزيد" التحية ثم دلفوا إلى غرفة الصالون مع والدته والأطفال..


تقدمت "مروة" ذاهبة إلى "إيمان" لتلقي عليها السلام فهي تعلم أن "يزيد" لا يتحدث معها ولا يريد أن يرى وجهها من الأساس لذلك لا تود أن يكون هذا هو اللقاء بينهم دائمًا..


ابتسمت بوجهها بجدية وأردفت قائلة دون أن ترفع يدها إليها:


-ازيك يا إيمان


ابتسمت إليها بسخرية وتهكم واضح ثم تحدثت قائلة وهي تُجيب على سؤالها:


-أحسن منك يا حبيبتي

ابتسمت "مروة" هي الأخرى بسخرية شديدة، هذه المرأة مؤكد أنها مختلة، في جميع الحالات هي المخطئة وتذهب لتتحدث معها في كل المرات التي أتت فيهم إلى هنا وإلى الآن تتعامل معها بوقاحة هكذا؟.. غير أنها تفعل أشياء عن عمد غريبة ربما حتى تجعلها لا تأتي إلى هنا مرة أخرى..


أكملت إيمان بسخرية ناظرة إلى "يسرى":


-ازيك يا أم هشام عاملة ايه مع أخويا


ابتسمت إليها "يسرى" مبادلة إياها نفس السخرية قائلة وهي تتقدم لتقف جوار "مروة":


-الحمدلله يا حبيبتي أخوكي مهنيني


أتى من الداخل "إياد" سريعًا يتجه ناحية زوجة عمه الثانية "هند" ليسألها قائلًا بلهفة:


-اومال فين يزيد يا طنط أنا عايز أسلم عليه وألعب معاه 


ابتسمت مُجيبة إياه بحب وهدوء وهي تشير إلى الخارج:


-يزيد كان بيلعب بره في الجنينة، تصدق أنه من امبارح لما عرف أنك جاي وهو مالوش سيرة غيرك


أجابها بجدية وهو يبتسم قائلًا مُشيرًا ناحية والدته:


-وأنا كمان كنت مبسوط أوي ومش مصدق أننا جاين من ساعة ما ماما أفرجت عننا وقالت هننزل البلد 


نظرت إليه والدته بدهشة بينما ضحكت على كلماته "هند" و "يسرى" تحدثت والدته باستغراب قائلة وهي تشير إلى نفسها:


-أنا عامله فيكم كده بالذمة 


أجابها بتأكيد وهو يحرك رأسه قائلًا بجدية شديدة أكتسبها من والده:


-آه، ممكن أخرج أشوف يزيد؟


-ممكن بس تجيبه وتيجوا هنا علشان تكون قصادي 


أومأ إليها بهدوء ثم ذهب إلى الخارج، تقدمت هي وشقيقة زوجها إلى غرفة الصالون في الداخل ومن خلفهم "هند" زوجة "فاروق" أما "إيمان" نظرت إليهم بحقد وكره وكأن هم الذين قاموا بكل ما فعلته هي، ترى نفسها المجني عليه وكانت هي الجاني..


لم يشأ "فاروق" يتركها وحدها خصوصًا بعد موت والدتها، وشقيقها قد تزوج من شقيقته وذهب ليعيش في مصر قرب "يزيد" ولم يبقى لها أحد سوى هو، تفعل أشياء يشيب لها الرأس ولكن تُعاقب عليها بمقدار الخطأ، لم تعد كما السابق معه هي فقط تزعجه وتزعج زوجته..


لم تتوقع بأن يحدث لها ذلك في يوم من الأيام لذا كانت الصدمة عليها شديدة وتحاول أن تفعل كل ما بوسعها لتجعل حياتهم ليست مستقرة مثلها..


إلى الآن لم تستطيع أن تفعل لـ "مروة" شيء فهي تأتي هي وأطفالها إلى هنا كل شهر يومان فقط وتذهب، وأيضًا هي لا تريد أن تؤذي أحد بل تريد أن ترهبهم وتفعل ما يحلو لها وكأنها تعود بحقها الذي سلبته عنوة من الأساس..


دلف "فاروق" من الخارج وتقدم إليهم في غرفة الصالون ليعلم بوجودهم من ابنه الصغير "يزيد" صاحب السبع أعوام وابن شقيقة "إياد"..


سلم على شقيقه معانقًا إياه بحرارة يشعره بمدى شوقه إليه، وسلم على شقيقته وزوجها وإلى الآن لا يستطيع أن يمد يده إلى زوجة أخيه ويلمسها، إلى الآن يسألها فقط عن حالها بكامل البعد، يعلم أن الأمور الذي حدثت قد مضى عليها الكثير من السنوات ولكنه كلما رآها تذكر كل شيء وكأنه يحدث الآن..


جلس الجميع دقائق أخرى ثم صعدوا لينالوا بعض الراحة في غرفهم، لقد كان الطريق طويل واشعرهم بـ الإرهاق الشديد..


             _______________________ 


"في المساء"


"أن تشعر بالحب تجاه شخص ويكن من نصيبك بفضل الله، تكمل معه معزوفة حب خاصة بكم هذا من أسمى أنواع السعادة"


تركها تمسك بلجام جواده "ليل" الذي افتقده كثيرًا منذ أن رحل عن هنا، لقد كان صديقه الأقرب مثل "سامر" وهناك علاقة جميلة تجمعهم سويًا، تركه منذ ذلك اليوم لأنه لم يعد يسكن هنا ومع ذلك أوصى شقيقه عليه حتى يهتم به ويرعاه، ولكن كان مختلف كما كل المرات التي رآه بها ربما هو يشعر بمرارة الفراق كما فعل "يزيد" سابقًا..


أصبح لديه شريك في الإسطبل أيضًا وهناك ابن له، فرح "يزيد" عندما علم ذلك الخبر، ولا يستطيع أن ينسى مدى فرحة ابنه "إياد" بالصغير..


لف يده حول خصر زوجته التي كانت تجلس أمامه على ظهر "ليل" تمسك باللجام بيدها بينما يسير الجواد بهدوء في الأراضي كما تلك الليالي البعيدة..


تحدث قائلًا وهو يوزع نظره على الأراضي ويستنشق رائحتها بشغف، وقد لعب الاشتياق دوره معه، اشتياقه لبلدته وأهله:


-المكان هنا زي ماهو مفيش حاجه اتغيرت 


نظرت حولها مثله وهي تعلم ما الذي يجول بخاطره وحتى تبعد ذلك عنه ابتسمت بسخرية وتحدثت بخبث وعبث قائلة:


-لأ فيه حاجه اتغيرت 


سألها باستغراب وجدية وهي ينظر إليها بعد أن وضع ذقنه على كتفها:


-ايه هي 


أردفت بعبث وخبث تحمله كلماتها له داخل طياتها:

-بقى عندك تسعة وتلاتين سنة 


عاد إلى الخلف وهو يعلم ما الذي تريد قوله هذه البغيضة وإذا تمادت معه سيخبرها هنا أنه مازال في سن شبابه:


-قصدك ايه بقى يا مدام مروة؟..


أجابته بهدوء وجدية مصتنعة ولكنها لم تخلوا من المكر الذي اكتسبته منه كما أشياء أخرى كثيرة:


-مفيش يا حبيبي أنا أقصد يعني أن التغير في السنين، بتعدي بسرعة أنتَ مثلًا بقى عندك تسعة وتلاتين سنة وأنا عندي تلاتة وتلاتين سنة، أنتَ متخيل 


استدارت تنظر إليه بعد أن سألته لتحصل من على إجابة قالها بخبث وعبث:


-لأ هو اللي قدامي ده بتاع خمسة وعشرين سنة كده وحش زي ما هو 


ضحكت بصوتِ عالٍ واستدارت تنظر أمامها ثم أكملت حديثها قائلة بجدية:


-لأ بجد حاسه أن السنين جريت كده مش متخيلة أن إياد عنده تمن سنين تصدق أنه أصلًا بيتكلم بعقل راجل كبير ولا ورد أم أربع سنين المفعوصة دي..


تنهد بعمق وأغمض عينيه لثانية ثم فتحهما وأردف قائلًا مُجيبًا على حديثها:


-ماهي السنين كده يا مروة... لازم تجري بينا 


صمت لبرهة ثم تساءل باستغراب وجدية:


-صحيح هي ورد فين؟ 


هتفت مُجيبة إياه بهدوء وابتسامة:


-ورد بتلعب مع هشام ويسرى معاهم وإياد عن مامتك وهيبات معاها... إياد ومامتك الرابط اللي بينهم قوي جدًا تحس كده أنه كل حياتها وهو بيحبها أوي يمكن هو بيجي هنا علشانها هي بس 


-بيحبها جدًا فعلًا، وحنين زيك يا مروتي وقلبه رهيف مش بيحب يزعل حد


نظرت إليه باستغراب يتحدث وكأنه لا يعرف ابنه، أنه لم يكن مثلها في يوم ربما طيب القلب ولكن كل شيء به مثل والده:


-هو آه حنين وطيب لكن هو مش زيي خالص، إياد تصرفاته كلها زيك بيحاول يقلدك في كل حاجه حتى الكلام بحسه راجل صغير في نفسه أوي 


ابتسم وهو يعلم ذلك جيدًا، ابنه يفعل كل شيء مثله تمامًا حتى في حديثه يحاول أن يكون رجلًا يظهر ذلك، أردف بجدية:


-زي الواد عمر ابن تامر الكلب.. الواد ده عامل نفسه راجل هو كمان وهو عيل بيلبس بامبرز 


ضحكت بصوتِ عالٍ بعد أن استمعت كلماته، حقًا هو مثله تمامًا، لقد اشتاقت لهم كثيرًا، منذ أن سافر "تامر" إلى دبي للعمل هناك منذ سنة تقريبًا لم يروا بعضهم إلا عبر شبكات التواصل، اشتاقت إلى شقيقتها وطفلها كثيرًا..


-تصدق وحشوني أوي.. بس هانت أهو إجازاتهم كمان شهرين 


أردف بخفوت وهو يقترب منها قائلًا:


-يرجعوا بالسلامة


-يارب 


تحدثت بجدية مرة أخرى وهي تعود إلى طريق المنزل لتستطيع أن تنعم بطعم الراحة قليلًا:


-نرجع بقى علشان أرتاح شويه أنا هموت وأنام 


أومأ برأسه إليها فهو الآخر مثلها تمامًا يود أن ينام ولا يستيقظ إلا غدًا عند الظهيرة:


-أيوه يلا أنا كمان عايز أرتاح شويه


             _______________________


"صباح اليوم التالي"


الجميع يجلس على طاولة الطعام، "فاروق" يترأس الطاولة وعلى جانبيه زوجاته الاثنين وابنه، والدته وجوارها "إياد" وعلى قدميها "ورد" وفي الجهة الأخرى يجلس "يزيد" وزوجته ومعها "يسرى" تحمل طفلها وجوارها زوجها "سامر"..


منذ الأمس والجميع بخير، وأكثر من كان يشعر بالسعادة هي والدتهم، شعورها بالسعادة يكون مضاعف عن الجميع عندما ترى أولادها جميعًا ومعهم أولادهم وبالأخص "يزيد"، لأنها كانت تشعر بالتقصير معه ولأنها شعرت أيضًا أنها هي وولدها الأكبر من جعلوه يعيش التعاسة في بُعد زوجته عنه..


يتناولون المواضيع وهم يأكلون بهدوء والأمور بينهم بخير، "هند" منذ أن علمت ما الذي فعلته "إيمان" بالجميع وهي تحاول أن تكون الأفضل في كل شيء وقد فعلتها سريعًا دون مجهود لأن الجميع كان قد اكتفى من أفعال "إيمان" حتى شقيقها ولكنه مع ذلك لا يستطيع التخلي عنها..


بينما هي كانت تشعر بالقهر بسبب وجودها بينهم مهددة دائمًا، كلما فعلت شيء هددها "فاروق" برميها خارج البيت لتكون وحدها تعذب روحها وتنتقم منها، أحيانًا تشعر أنها السبب بكل ما حدث بسبب كرهها لـ "مروة" وارادتها في أن تكون كل شيء بهذا المنزل ويأتي بخلدها أن الله عاقبها بعدم إنجابها إلى الآن دون وجود سبب ثم تعود مرة أخرى إلى شيطان عقلها وتفعل المزيد والمزيد من المواقف مع الجميع لتجعل حياتهم لا تمر عليهم بسلام ولتأخذ حقها من الجميع وأولهم "فاروق" الذي تزوج عليها بلمح البصر وأتى بتلك البغيضة لتكون معها في منزلها وتشاركها كل شيء بل وتأخذ مكانها عند الجميع وأكثر..


تحدث "فاروق" بعد أن ابتلع الطعام وهو ينظر إلى "يزيد" مقترحًا عليه:


-ما تخليكم هنا الأسبوع ده معانا 


أنزل "يزيد" كوب الماء من على فمه ثم أجابه بجدية وهو كان يود ذلك وبشدة:

-للأسف مش هينفع، افتتاح المعرض الجديد بتاع مروة يوم الحد 


أردفت والدته قائلة بحزن وهي تطعم ابنته الصغرى:


-يعني زي كل مرة تيجوا الخميس وتمشوا السبت 


هتفت "مروة" بهدوء وابتسامة رسمتها على محياها بحب:


-إن شاء الله في الإجازة هنيجي نقعد معاكم شهر 


وقف "إياد" على قدميه سريعًا يهتف بذهول وهو لا يصدق ما الذي هتفت به والدته:


-بجد؟


ابتسمت باتساع هي ووالده عندما رأته ذُهل بهذه الطريقة والسعادة تبدو على ملامحه، أومأت إليه بجدية فرفع يده للأعلى وهو يصيح قائلًا:


-يحي العدل.. طول الشهر ده هبات مع تيته وهقعد عند ليل براحتي من غير اعتراض 


نظر إليه والده مبتسمًا ثم هتف بجدية وهو يشير إلى الطعام:


-طيب ممكن نهدى دلوقتي لأننا بناكل 


جلس مرة أخرى بعدما أعتذر عن تصرفه الغير صحيح على طاولة الطعام، أقتربت منه جدته وقبلت أعلى رأسه وهي تبتسم بسعادة وترى مدى فرحة حفيدها بالمكوث معها، لقد أحبته أكثر من أي شيء وبادلها هو ذلك الحب دون مجهود يذكر وكأن القلوب علقت ببعضها ليكونوا هكذا..


أخذت كوب العصير الذي أمامها على الطاولة ورفعته إلى فم حفيدتها الصغيرة "ورد" ارتشفت منه القليل ثم وضعته مرة أخرى وأكمل الجميع تناوله للطعام، بينما نظرت "إيمان" إليها وقد لاحت ابتسامة ماكرة على محياها الآن، أكملت طعامها بهدوء مثل الجميع وهي تنظر من الحين إلى الآخر إلى والدة زوجها وابنه شقيقه..


نظرت إلى شقيقها وزوجته الذي كلما نظرت إليهم تراهم يبتسمون لبعضهم البعض، رأت أن حياتهم سعيدة للغاية في وجودهم مع بعض وابتعادهم عن هنا، لقد أخذت "مروة" شقيقة  زوجها إليها ومن ثم أخذت "يسرى" شقيقها هي لتبعده عنها، لقد كان في مخيلتها أنها ستأتي إليه بعروس تليق به كما كانت تريد وتجعلهم لا يخرجون من هذه البلدة أبدًا..


مرة أخرى نظرت إلى والدة زوجها، ابتسمت بمكر وخبث ثم أخفت تلك الابتسامة وهتفت قائلة بلهفة:


-ايه ده أنتِ شربتي ورد العصير ده أنا حطيت فيه دوا الضغط بتاعك علشان تاخديه 


صرخت "مروة" تاركه الملعقة من يدها وهي تتوجه إلى ابنتها بلهفة وخوف أوقع قلبها من مكانه:


-ايه؟.. 


أجابتها والدة زوجها بخوف هي الأخرى وهي تصرخ يفزع وخوف وقد ارتاب الجميع من حديثها:


-وأنتِ من امتى بتحطي الدوا في العصير أنا باخده بعد الطفح 


أخذت "مروة" ابنتها تحتضن إياها وهي تنظر إليها بخوف ولا تدري ما الذي تفعله، نظرت إلى زوجها الواقف جوارها يتفقد ابنته بقلق أعمى عينيه، تحدثت إليه بتخبط وكلمات غير مترابطة:


-يزيد.. دوا ايه، هنعمل ايه، أنا... أنا مش عارفه، ورد 


تقدمت "يسرى" سريعًا من "إيمان" تسألها بخوفٍ كبير وقد كانت نبرتها حادة للغاية:


-اسمه ايه الدوا ده


جلست على مقعدها كما كانت واجابتها بلامبالاة حقيقية:


-معرفش 


أردف "سامر" سريعًا وهو يتوجه إلى "يزيد" جاعله يحمل الطفلة عن والدتها:


-يزيد محتاجه يتعملها غسيل معدة بسرعة، يلا بينا نروح مستشفى


ذهب خلف "سامر" سريعًا وهو يحمل طفلته وقد كان القلق ينهش قلبه من الداخل وبهذا الموقف لم يستطيع التفكير ووقف مكتف الأيدي، وكأن عقله وقف عن العمل وقلبه وقف عن النبض من أفكار دارت برأسه، ذهبت "مروة" خلفه لتذهب معهم ونظرت إلى "يسرى" قائلة والدموع تنهمر من عينيها:


-خلي بالك من إياد يا يسرى 


أومأت إليها وذهب "فاروق" هو الآخر خلفهم ليكون معهم وقبل أن يخرجوا من باب المنزل استمعوا إلى صوت "إيمان" تهتف بسرعة ونبرة تحمل التشفي والسخرية:


-رايحين فين يا جماعة أنا بهزر معاكم، ايه مبتهزروش؟.


استمعت "مروة" إلى هذه الكلمات منها ولم تدري بنفسها إلا وهي تجلس في مكانها على الأرضية أمام باب المنزل، وضعت يدها على قلبها الذي كان يخفق بسرعة البرق وقد تفاعلت عينيها مع هذه الفزعة وأخذت تبكي وتنتحب أمام أعين الجميع..


لم يستوعب "يزيد" ما الذي حدث، أحقًا كانت تمزح أم أنها تقول هذا الحديث لتجعلهم يهملون ابنتهم إلى أن...، أغمض عينيه محتضن ابنته وهو يستمع إلى "سامر" الذي هتف بعصبية وهو يتقدم من شقيقته:


-أنتِ بتقولي ايه؟


ابتسمت بسخرية متحدثة وهي تعتدل لتنظر إلى الجميع ببرود:


-ورحمة أمي بهزر معرفش أنكم هتصدقوا بسرعة كده


تقدم "يزيد" من "مروة" بعدما لفت ابنه انتباهه إليها، نظر إليها ليرى "إياد" يحتضنها ويربت على ظهرها وخصلاتها وهو يراها تبكي هكذا، تقدم منها ثم جلس على الأرضية جوارها ليضع طفلته في أحضانها وحاوطهم بذراعيه قائلًا في أذنها بخفوت: 


-عدت.. عدت يا مروة اهدي 


الجميع لم يستطيعوا الحديث أمام ما حدث، فقط ينظرون إلى قلب والدة خفق خوفًا على ابنتها، ويقدرون حالتها تلك، جلست "نجية" على مقعدها تضع يدها على قلبها الذي خفق بسرعة كما الجميع وجلست "هند" تحتضن طفلها "يزيد" خوفًا من بطش هذه الأفعى..


أما "فاروق" قد حضرت شياطينه وهو ينظر إليها ليراها مبتسمة بسخرية وهي تشاهد خوف الجميع، تقدم منها ليجلبها ويجعلها تقف على قدميها مبعدها عن مقعدها أمام الطاولة ثم بعد ذلك قام بصفعها وكأنه لم يفعلها بحياته، خرجت الدماء من شفتيها وهي تنظر إليه بصدمة ولم تتوقع ردة الفعل هذه وكأن ما فعلته هين ولكنه أكمل بالصدمة الحقيقة:


-من النهاردة مالكيش قعاد في البيت ده، هوديكي البيت اللي في أول البلد تقعدي فيه لوحدك وتطلعي غلك وكرهك للناس في نفسك


رفعت "مروة" رأسها عن صدر زوجها وتحدثت بخفوت بعد أن أزالت تلك الدموع الخارجة من عينيها بكثرة لأنها لا تود أن تخرج أحد من بيته:


-لأ إحنا اللي هنمشي 


وقفت "نجية" على قدميها سريعًا تتقدم من "مروة" جلست جوارهم على الأرضية وتحدثت بقلق شديد وهي تحاول إقناعهم بالبقاء:

-لا.. انتوا لا هي اللي هتمشي، هيقعدها في بيت لوحدها إحنا كل يوم في مشاكل من غيركم يابتي.. خليكم، خليكم يا يزيد 


لم تلقى ردًا منهم على حديثها فنظرت إلى "سامر" والذي قد سكب عليه دلو من الماء البارد، قالت بلهفة:


-سامر.. خليكم يا سامر علشان خاطري 


لم تلقى منه ردًا هو الأخر فقد كان يشعر بالخجل من الجميع أمام ما تفعله شقيقته، ولكن لحسن حظه أن الجميع متفهم ما الذي يحدث وأنه ليس بيده شيء يفعله معها..


أشارت "مروة" إلى زوجها لكي يساعدها في الوقوف على قدميها فبعد ما حدث لن تستطيع أن تحملها قدميها حقًا، وقفت "مروة" ومعها زوجها ووالدته، أشارت إلى ابنها قائلة بجدية لا تتحمل النقاش:


-يلا علشان تلم حاجاتك معايا 


لم يكن يريد الذهاب، لم يجلس مع ابن عمه على راحته، ولم يأخذ راحته في جلوسه مع جدته الذي يأتي لرؤيتها هي أول شخص، لقد كان يود الجلوس أكثر من ذلك، تحدثت بخفوت إلى والدته:


-ماما ورد بخير خلينا نمشي بكره 


نظرت إليه بحدة وعصبية وقد كانت تود أن تُجيبه بكلمات لا يتحدث من بعدها ولكن عندما رأى "يزيد" حالتها تحدث هو قائلًا إليه بحزم:


-إياد أطلع أعمل اللي مامتك قالت عليه 


ذهب من أمامهم دون أن يتحدث مرة أخرى وذهبت شقيقته الصغرى خلفه بعد أن أشار لها والدها ثم أسند زوجته ليصعد معها إلى الأعلى ليجمعوا أغراضهم ويعودا إلى منزلهم..


نظر "يزيد" إلى "سامر" وأردف قائلًا بجدية شديدة:


-لو هتمشي أنتَ ومراتك حضروا نفسكم يلا 


أومأ إليه ثم أخذ زوجته وابنه وصعد خلفهم للأعلى حيث غرفتهم وقد كان يود أن تنشق الأرض إلى نصفين وتبتلعه من أفعال شقيقته الغبية..


ذهبت "نجية" إلى "إيمان" وقفت أمامها ثم تحدثت بحدة وعصبية شديدة وهي تشير إليها بحركات هوجاء تعبر عن مدى غضبها:


-ارتاحتي كده؟.. حتى لو ارتاحتي دلوقتي هيجوا تاني وتالت وعاشر وأنتِ اللي هتبقي مش هنا، لو فاروق رجع عن كلامه أنا اللي هقف قصاده.. ولونه مش هيرجع هو سايبك على ذمته بس علشان أنتِ لوحدك.. هيوديكي تقعدي لوحدك طول العمر أن جالك يوم ولا اتنين في الأسبوع يبقى كرامة.. هيروحلك ليه ومعاه هنا مراته وابنه وأمه


-هتفضلي لوحدك لحد ما تموتي من عمايلك السودة دي، مفكرة ليه ربنا مرادش ليكي الخلفه.. فكري فيها كويس يا إيمان ولون الاسم خسارة فيكي


خرجت من الغرفة وتركتها مذهولة من حديثها، هل تعايرها لأنها لم تنجب؟.. أم تتحدث بالحقيقة وما سيحدث قادمًا؟..


أقترب منها فاروق يهتف بحدة وخشونة بعد أن خرجت زوجته الأخرى بولدها بعد والدته:


-حضري حاجتك علشان هتمشي من هنا


ومن ثم خرج هو الآخر ليتركها وحدها كما سيفعل بعد قليل، هل ستكون وحدها حقًا؟. لما فعلت ذلك؟ لم ترتاح بعد، لم تأخذ كل ما أرادت بعد!.. هل تندم أم تستمر فيما تفعله ولكن إذا استمرت فمن ستكمل ذلك وهي وحدها!.. وبعد هذا الحديث لو تلوت على الأرضية لتبقى لن يجعلها أحد هنا تبقى معهم فهي لعبت على أكثر ما تحبه "نجية" وهم أولاد ابنها "يزيد".. 


أفعالها أوت بها إلى التهلكة، لم تفعل لها زوجة شقيق زوجها شيء منذ أن أتت إلى هنا ولكن هي الذي كانت تريد أن تكون كل شيء، أتت على الجميع وأولهم رجل أحبها حتى النخاع وتغاضى عن كل ما تفعله لأجل حبه إليها ولكن لم تعد عن ما برأسها، لم تتعظ بزواجه عليها من أخرى، لم تتعظ بأي عقاب نالته من ربها لتعود إلى الطريق الصحيح، إذًا لتتحمل بعد..


              _____________________


عادوا إلى بيتهم بالقاهرة، وعاد "سامر" وزوجته وابنه معهم وذهب إلى بيته بعد أن أعتذر من "يزيد" و "مروة" على ما فعلته بهم شقيقته والذي لم يشعر بالشفقة تجاهها، وقد تفهم "يزيد" وزوجته الأمر وهم على دراية تامة أن "سامر" لا تعجبه تصرفات شقيقته..


طوال الطريق وهو صامت، لم يتحدث وهي لم تفعل أيضًا، الصدمة كانت شديدة على الجميع وإلى الآن لم يتخطوا ما حدث.. 


في تلك اللحظات شعرت "مروة" بأن روحها تُسلب منها عبر ابنتها، شعرت وكأن قلبها توقف، أعز ما تملكه بحياتها هم طفليها، وعندما شعرت بأنها ربما تفقد أحدًا منهم توقفت الحياة من حولها ولم تعد تشعر بأحد غير تلك الصدمة التي تلقتها من "إيمان" أتمزح؟.. تمزح في حياة أطفالها!.. لقد فعلت ذلك حتى يرحلوا عن المنزل ولأنها إلى الآن لا تريدها ولا تريد وجودها لا هي ولا زوجها ولا أطفالها..


لم تفعل لها شيء سيء إلى اليوم وهي تقابلها بذلك؟.. الجلوس في ذلك المنزل بوجودها يصعب الأمر عليها، كان عليهم الرحيل حتى تضمن سلامة أطفالها..


شعور "يزيد" ازداد عن "مروة" أضعاف من الخوف والعجز، هو الرجل وفي تلك المواقف عليه التصرف بسرعة ليحمي عائلته ولكنه عندما استمع كلماتها وقف عاجز لا يستطيع أن يفعل شيء، كل خلية به وقفت عن العمل إلا المشاهدة، خوفه على ابنته وروحه الذي كانت معها، خوفه من فقدانها، شعور بالقهر وهو يرى نفسه لا يستطيع فعل شيء حتى المكوث مع عائلته التي يراها كل شهر إن حدث!..


وقهره من هذه "إيمان" كم كان يود الفتك بها في هذه اللحظات!.. ولكن لم يكن به عقل ليفعل ذلك وعلى أي حال هي قد أتت بأخر شيء مع الجميع لها.. لتتحمل ما سيحدث وسيدعي الله كثيرًا بأن يكون عقابها أسوأ من ذلك لأنها كانت السبب الأول في مرات كثيرة يعيش بها التعاسة..


دلف "إياد" قبل الجميع إلى داخل المنزل ومن خلفه والدته، كان يحمل حقيبته على ظهره وملامحه عابسه متوجه إلى غرفته، حاولت والدته التحدث معه في السيارة أثناء طريق العودة ولكنه تصنع النوم حتى لا يتحدث مع أحد..


ولج "يزيد" و "ورد" أمامه ثم وضع حقيبتهم جوار باب المنزل من الداخل وأغلقه، ذهب إلى غرفة الصالون ومن ثم إلى الشرفة وأخرج سيجارة من علبة سجائره وأشعلها، أخذ يدخنها بشراهة وهو ينظر إلى الخارج..


ذهبت "مروة" إلى غرفة الصالون خلفه لتراه وجدته هكذا يقف أمامها في الشرفة، جلست على الأريكة ثم نادت بصوتٍ عالٍ على ابنها الصغير ليأتي من الداخل:


-إياد.. تعالى هنا عايزاك 


رأته يدلف إلى الغرفة بضيق وحنق شديد مرتسم على ملامحه وكان سببه هو العودة بأمر من والدته التي دائمًا تفعل ذلك ولا تجعله يجلس مع عائلة والدة، وقف أمامها ولم ينظر إلى عينيها، وضع وجهه في الأرض بسبب غضبه وحزنه مما حدث..


وضعت يدها أسفل ذقنه ورفعت رأسه إليها لتجعله ينظر لها، تحدثت متسائلة بهدوء على مسمع والده الذي كان يعطيهم ظهره:


-ممكن أفهم أنتَ مضايق ليه ومش عايز تكلمني؟.. 


نظر إليها بهدوء هو الآخر بعدما رآها تحدثه هكذا، أنه يحب والدته كثيرًا ولكنه أيضًا يحب جدته ويريد البقاء معها لأنها وحيدة وتجلس وحدها دائمًا، ووالدته لا تسمح له بفعل ذلك إلا إذا كانت معه:


-مفيش حاجه 


-لأ فيه.. أنتَ زعلان علشان رجعنا صح؟


لم يُجيب على حديثها فأكملت قائلة بجدية وهي تحاول إقناعه أن الجميع حزن لذلك ولم يكونوا يريدون الرحيل:


-أنتَ شوفت اللي حصل بنفسك وأنتَ كبير وواعي، أنا زعلت شويه بس وكنت عايزة أننا نرجع بيتنا، وعلى فكرة بقى كلنا زعلانين بابا زعلان وأنا كمان زعلانه، أنا بحب أقعد هناك جدًا 


دون مقدمات وفجأة صرخ بها "إياد" وهو يبتعد للخلف بعيد عنها قائلًا بصراخ:


-أنتِ كدابة، أنتِ مش بتحبي تروحي هناك ومش بتخليني أروح لوحدي.. أنتِ بتكرهي كل اللي هناك وبتكرهي تيته ومش عايزاني أكون معاها خالص 

ألجمت الصدمة لسانها، لم تستطع أن تجيب على حديثه الذي ألمها وبشدة، هي ليست كاذبة ولا تكره أحد، نظرت إليه بصدمة وحزن ولا تدري من أين أتى طفلها بهذه الكلمات القاسية التي يقولها لأول مرة، استمعت إليه يكمل قائلًا:


-أنا مش بحبك.. لأنك دايمًا عايزة تبعديني عن يزيد ابن عمي فاروق وعن تيته.. طنط إيمان قالتلي كده 


أغمضت عينيها بضعف بعد أن علمت من أين له هذه الكلمات، يا لها من أفعى هذه "إيمان" حتى ولدها تريده أن يكون هكذا معها؟.. تريده أن يعتقد هذا الحديث الذي لا يوجد له أصل من الأساس!..


وجدت "يزيد" يمسك بذراع طفلها بحدة وعصبية شديدة قد تشكلت في جميع حركاته وتظهر بوضوح على ملامحه، وقد دب الرعب أوصال طفلها بعد أن رأى نظرة والده إليه وهو يمسك به هكذا:


-أنتَ قولت ايه؟. سمعني تاني كده؟.


وقفت سريعًا على قدميها لتذهب ناحيته وهي تحاول جذبه من زوجها الذي حضرت شياطينه بعد الاستماع إلى كلمات طفله:


-يزيد خلاص سيبه هو مش فاهم حاجه 


صرخ بها وهو يدفعها بيده بعيد عنه وقد كان يريد التحكم في آخر ذرة عقل به:


-ابعدي علشان متبقاش ليلة سودة على دماغ الكل 


نادته برجاء وقلة حيلة وهي تخاف من بطشه على الجميع وهو في هذه الحالة، لقد كانت تعلم أنه سينفجر في أي لحظة وها قد أتى "إياد" ليفعلها:


-يزيد أرجوك


صرخ بها مرة أخرى بغضب وعصبية أكبر من ذي قبل:


-قولت ابعدي 


تعلم أن ما يقوله يفعله، أبتعدت للخلف وهي ترى ابنتها تبكي خوفًا من حالة والدها الغريبة عليهم تحتضن قدميها بفزع، انخفضت إلى مستواها وربتت على ظهرها لتحاول تهدئتها، نظرت إلى "يزيد" بترجي لكي يفلت ابنه ولا يكون قاسي معه..


استمعت إليه يقول له بجدية وحدة وهو يمسك معصمه بين يديه يضغط عليه بحدة ليكون ذلك عقابه، ولكن الصغير لم يكن يريد أي عقاب آخر فنظرة والده إليه تجعله يموت خوفًا وقد أدرك مدى الخطأ الذي فعله:


-مامتك دي أول واحدة تحبها في الدنيا دي كلها، تحبها أكتر مني ومن أي حد، تحبها أكتر من تيته، مامتك تكون الأولى والأخيرة في حياتك، إياك يا إياد إياك ثم إياك اسمعك بتعلي صوتك عليها تاني، هعاقبك بجد وهتزعل مني 


أومأ إليه برأسه عدة مرات بخوف حقيقي وهو يريد الفرار إلى أحضان والدته ليحتمي بها من عصبية والده:


-حاضر.. حاضر 


نظرت "مروة" إلى "يزيد" بكامل الحب والاحترام وهنا حقًا لم تستطع التحدث بعد أن استمعت إلى كلماته..


استمع "إياد" إليه يكمل قائلًا بجدية شديدة وعينيه تنظر إليه بحدة:


-مامتك بتحب كل اللي هناك ومش بتكره حد وهي دايمًا اللي بتتحايل عليا علشان نروح وأنا اللي برفض علشان عندي شغل كتير، الكلام اللي قالته ليك طنط إيمان ده كدب متصدقش كلامها أنتَ شوفت عملت ايه هناك علشان تخلينا نمشي 


أومأ إليه مرة أخرى برأسه وتجمعت الدموع داخل عينيه بكثرة ثم أردف بخفوت وهو ينظر إلى الأرضية بخجل:


-أنا آسف.. أنا بحب ماما أوي بس أنا زعلان لأني كنت عايز أقعد مع تيته ويزيد 


أجابه بهدوء بعد أن رأى أنه خائف منه ومعترف بخطأه:


-هنقعد معاهم كلنا كتير لكن لما طنط إيمان تمشي لأنها مش بتحب وجودنا وإحنا ماينفعش نقعد عند حد مش عايزنا


أومأ إليه ابنه مرة أخرى فتركه "يزيد" بهدوء، وجده من تلقاء نفسه يتقدم من والدته، وقف أمامها ناظرًا إلى الأرضية بخجل ثم هتف:


-أنا آسف مش هعمل كده تاني، أنا بحبك أوي مكنتش أقصد اللي قولته


رفع نظرة إليها وأكمل بعد أن خرجت دموعه على وجنتيه لأنه علم حجم الخطأ الذي فعله:


-ممكن متزعليش مني 


تركت "ورد" ثم أحتضنته إليها وهتفت بهدوء في أذنه:


-مش زعلانه يا حبيبي أنا عارفه أنه مش قصدك 


أبعدته عنها ثم وقفت على قدميها وأخذت ابنتها معها قائلة:


-يلا علشان تناموا الوقت أتأخر


ذهبت معهم إلى الداخل وتركته وحده، خرح من الغرفة مرة أخرى وتقدم إلى داخل الشرفة ليخرج سيجارة أخرى غير تلك الذي لم يستطع تكملتها، أنه كان يود الإنفجار منذ أن خرج من ذلك المنزل، يود أن يخرج ذلك الكبت على أحد ليستريح، ولكنه بالرغم من كل شيء يشعر به لا يستطيع أن يجعل أحد أفراد عائلته أن يحزن ولو ثانية واحدة..


               ___________________


جلست مع أطفالها حتى جعلتهم يخلدون إلى النوم، أعتذر منها "إياد" في ذلك الوقت أكثر من مرة وتحدث قائلًا بأنه لم يكن يقصد ما قاله وأنه لم يصدق حديث زوجة عمه ولكن غضبه وحزنه هم الذين تحكموا به وجعلوه يتحدث معها هكذا، بدورها هي أظهرت له عدم حزنها بل وكأن الأمر لا يُحزن من الأساس..


ولكنها كانت حزينة للغاية، هي تذهب إلى هناك فقط لأجل "يزيد" وأطفالها ولأنها لا تريد أن تكون شخص سيء يحرم جده من رؤية أحفادها، ومع ذلك في كل زيارة تتعرض لموقف سخيف كهذا هي أو أبنائها من قبل "إيمان" وتصمت قائلة لنفسها أنها لا تود أن تخرب كل شيء هم فقط ساعات يقضونها ويذهبون مرة أخرى..


ولكن هي قد تخطت حدودها كثيرًا، لقد وصل الأمر إلى أبنائها، تريد أن جعل ابنها يظن السوء بها ويراها غير عادلة كارهه لعائلة والده!..


تتسائل حقًا ماذا فعلت لها لتكون بكل هذا السوء؟.. إذا خمد عقلها عن التفكير بعائلته تفكر به هو، تراه يريد العودة بكل جوارحه إلى موطنه الأصلي، يريد تربية أبنائه وسط عائلته، تراه يشتاق إلى كل شيء هناك وهي لن تفعل له ذلك مهما حدث..


دلفت إلى غرفة نومهم وأغلقت الباب خلفها بهدوء، رأت باب الشرفة مفتوح وهو ليس بالغرفة، إذًا هو يدخن في الخارج..


أخرجت ملابس بيتية لها من الخزانة ثم بدلتهم بهدوء وهي تفكر به وبماذا ستتحدث معه، ذهبت إلى المرحاض دقائق وعادت وهي تجفف وجهها بالمنشفة..


ولجت إليه الشرفة لتراه كما توقعت يدخن سجائره، وقفت جواره بضع دقائق دون حديث فقط تنظر إلى الخارج وهو يتكئ على سور الشرفة وينظر إلى الخارج مثلها بشرود ويرفع السيجارة من الحين إلى الآخر على فمه..


وضعت يدها على ظهره بهدوء بعد أن أقتربت منه ونظرت له، تحدثت متسائلة بخفوت:

-حنيت؟


نظر إليها هو الآخر ولكن نظرته مرهقة إلى حدٍ كبير، أنها تعلم ما لا يعلمه عن نفسه، لاحظت اشتياقه إلى بلدته وإلى أهله دون أن يتحدث أو يفعل شيء يقول ذلك، تسائل بصوت رجولي أجش بعد أن أبعد السيجارة عن فمه ونفث دخانها:


-أنتِ شايفه ايه؟


أعتدلت بوقفتها واستدارت بجسدها لتنظر له بعد أن أنزلت يدها عنه، أردفت بجدية وهدوء ونبرة واثقة:


-شايفه أنك حنيت ومشتاق للقاعدة وسط أهلك 


استدار هو الآخر ليكن مقابلًا لها وجهًا لوجه، ألقى سيجارته على الأرضية ودعسها وهو يقول بجدية ونبرة واثقة من كلماته التي سيقولها:


-وأنا عارف إنك مش هتوافقي نقعد هناك بعد اللي حصل 


ضيقت ما بين حاجبيها ورفعت يدها الاثنين أمام صدرها وأردفت متسائلة بخفوت وهي تود معرفة ما الذي يدور داخل رأسها:


-وبعدين 


هتف وهو يبتسم بسخرية مرددًا كلمتها رافعًا إحدى حاجبيه وهو يقترب منها:


-وبعدين؟.


أكمل بشغف وحبٍ كبير يكنه إليها وإلى أطفاله الذي يفني عمره لأجلهم، هم بالنسبة له أهم من أي شخص آخر، ثلاث أشخاص بحياته يعنون له كل شيء:


-وبعدين هقتل حنيني واشتياقي... وهفضل معاكم انتوا وبس، انتوا العالم بتاعي وسر سعادتي 


أقترب منها أكثر وأخذ يديها الاثنين بين يديه واسترسل حديثه بشغف قائلًا:


-يمكن بحن للبلد ولأمي والبيت، بحن لـ ليل ولحاجات كتير أوي ومش هنكر إني ببقى مبسوط وإحنا كلنا مع بعض، لكن النهاردة لما حسيت أن روحي بتتاخد مني بيني وبين نفسي قولت مش هدخل البيت ده تاني، ولما شوفتك واقعه على الأرض وإياد بيحاول يهديكي لعنت الساعة اللي روحنا فيها هناك


أخذ نفسًا عميق وزفره، ترك يدها اليسرى ليرفع يده اليمنى إلى وجنتها يمررها عليها بحب وحنان قائلًا:


-أنتِ وإياد وورد عالم خاص بيا لوحدي، عيلتي وسندي يمكن أنا اللي مسؤول عنكم بس بحس إني مسنود عليكم، انتوا كنزي في الدنيا دي يا مروة ومستحيل أخسركم أنا أخسر نفسي ومخسرش حد فيكم، ولو على البلد اللي عايزنا يبقى يجلنا إحنا بيتنا مفتوح لأي حد


ابتلعت ما وقف بحلقها، أقتربت منه ثم أحتضنته، لفت يدها حول خصره ووضعت رأسها على صدره، بينما هو وضع يده على  خصلاتها يمررها عليها بهدوء ليستمع إلى صوتها الخافت وهي تقول:


-أنا كنت بروح هناك علشانكم، علشانك أنتَ وإياد وربنا يعلم أن مش شايله في قلبي حاجه لحد وكنت بتعامل معاهم وكأن مفيش حاجه حصلت بس هي دايمًا ليها حركات سخيفة بتعملها علشان تزعلني، والله كنت بعديها لأني كنت خايفه أخرب بيتها، وأهو ده اللي حصل في الآخر أنا اللي خرجتها من بيتها لما روحت هناك.. أنا مكنتش عايزة كده أبدًا


أجابها بجدية متأكدًا من حديثه:


-هي اللي خربت بيتها بنفسها، وده اللي كان لازم يحصل من زمان لواحده زيها، أنتِ مالكيش ذنب 


أبعدت رأسها عن صدره وأردفت بحزن وهي تنظر إليه:


-إياد شايف إن أنا...


لم يجعلها تكمل حديثها والذي يعرفه جيدًا، تحدث هو بتأكيد وجدية وهو ينظر إلى عينيها:


-إياد ولد واعي ومُدرك كل اللي بيحصل، هو بس كان مضايق لكن هو عارف إنك بتحبي تروحي هناك وعارف إنك بتحبي جدته، الكلام اللي قالته إيمان ممكن يكون عمله تشتت ومع زعله خلاه يقول كده لكن هو عارف كويس مامته بتعمل ايه.. متفكريش في كلامه 


-أنتَ مش زعلان مني؟


ابتسم بتهكم وهو يحرك رأسه يمينًا ويسارًا باستنكار ودهشة ثم أردف قائلًا بصوت رخيم:


-هو في حد بيزعل من روحه بردو؟


عادت مرة أخرى إلى صدره تسند رأسها عليه بعد أن ابتسمت له باتساع، أردفت قائلة بعد أن تذكرت:


-افتتاح المعرض الجديد بعد بكره، هودي الولاد عند بابا مش هوديهم المدرسة، تخلص شغلك بدري وتجبهم وتيجي ماشي؟


-أكيد يا حبيبتي.. أكيد 


                  ____________________


"بعد يوم"


عاد "يزيد" من عمله إلى منزله ليبدل ملابسه سريعًا بـ حلة سوداء أنيقة لتتناسب مع افتتاح معرض زوجته، وذهب من بعدها سريعًا إلى منزل والدها ليأخذ أطفاله حتى يكونوا معها مرة أخرى في نفس المناسبة، ومن بعدها قاد سيارته متوجهًا إليها..


وصل إليها لينطلق الأطفال نحوها كل منهم يريد احتضان والدتهم، وبدورها فعلت لهم ما يريدون ثم تقدم هو منها وقام بلف يده حول خصرها يقربها منه ليقبل وجنتيها بهدوء وهو يهنئها على هذا المظهر الذي خطف أنظاره حقًا..


كان المكان رائعًا بكل ما تحتويه الكلمة من معنى، ذوقها الرفيع كان يلمس كل مكان في هذا المعرض، لوحاتها الرائعة، ذات الألوان الجميلة والمتناسقة، ذات الألوان الهادئة، والزاهية، كل شيء كان يراه هنا يعلم أنها من فعلته، أنها تترك بصمة يدها في كل مكان، بصمة بريئة نقية خالية من كل شيء سوى النقاء والرقة..

المعرض كان ملئ بالحاضرين، رجال ونساء يعرفونه ويعرفونها والجميع كان يبدي إعجابه بما يراه من أعمال السيدة "مروة طوبار" زوجة "يزيد الراجحي" الذي لم يترك يدها أبدًا..


توجهت "مروة" بعد وقتًا إلى منصة صغيرة أمام جمع من الناس لتلقي عليهم كلمة صغيرة تتحدث بها عن أعمالها في الفترة الأخيرة والذي ازدهرت كثيرًا..


وقفت أمام الجميع بفستانها الأسود الذي أبرز جمالها وبياض بشرتها، لقد كان يصل إلى كاحليها، مغلق كليًا من الأعلى ويهبط باتساع بسيط خالي من أي شيء سوى لونه الأسود، وقفت تحمل ابتسامة رائعة تزفها إليهم جميعًا ثم تحدثت بشغف وهي توزع نظرها عليهم وبين الحين والآخر تنظر إلى زوجها وأطفالها:


-مساء الخير، يارب يكون الجميع هنا كويس ومبسوط معانا، أنا مش هطول عليكم.. طبعًا أنا واقفة هنا علشان أجاوب على الأسئلة اللي اتعرضت عليا واللي كلها بتتمثل في سؤال واحد وهو إزاي قدرت أظهر مرة واحدة كده وإزاي ده تاني معرض بيتفتح في نفس السنة والفترة مش بعيدة يعني
صمتت لبرهة ثم أكملت حديثها قائلة مع تلك الابتسامة:

-الحقيقة أن السبب الرئيسي في كل ده مش أنا، السبب هو حبيب وزوج وأخ وصاحب، السبب هو أبو ولادي.. دايمًا بيقولوا وراء كل رجل عظيم امرأة عظيمة ده حقيقي، لكن المرة دي الراجل بجد هو اللي كان عظيم ومكانش ورايا لأ كان جنبي في كل خطوة بخطيها كان جانبي وبيشاركني كل نجاح ليا.. وبيساعدني في كل حاجه حتى تربية الأولاد، وحتى شغل البيت.. والشيء ده مقللش منه كونه راجل بالعكس ده كبر أكتر وبقى كل حاجه في حياتي وحياة أولاده... أنا معايا راجل مش هيتكرر تاني أبدًا 


استمعت إلى التصفيق الحار من الجميع ونظرت إليه وهي تود أن تدلف داخل أحضانه لتختبئ من أعين الناظرين إليها، رأته ينظر إليها بحب، بل عشق، لقد كانت نظرته إليها دافئة تحمل كثير من المعاني التي لم ولن تستطيع تفسيرها..


استمعت إلى "يسرى" التي كانت من بين الحضور هي وزوجها، هتفت بصوتٍ عالٍ إلى شقيقها قائلة:


-روح جنبها خلينا ناخد صورة 


رفع "ورد" على ذراعه وتقدم بخطوات ثابتة وأمامه ابنه "إياد"، وقف أمامها لينحني قليلًا مقبلًا جبينها بسعادة تبادلة إياها..


وضع "ورد" على ذراعه الأيسر وحاوط "مروة" بذراعه الآخر بينما وقف "إياد" أمامها لتأخذ لهم العدسة صورة بهذه الوضعية وهم يبتسمون والسعادة تكاد تخرج من عينهم هم الأربعة..


كما هو ولكن استدار برأسه ينظر إليها، لتفعل المثل وتستدير برأسها وتبادل كل منهم النظرات العاشقة، وأعينهم مثبته على بعضهم البعض والابتسامة لم تفارق وجوههم لتأخذ العدسة هذه اللقطة هي الأخرى والعشق هنا هو المتحدث..


ثم بعد تدابير القدر في الزواج المُجبر، نرى تشتُت واضح، كذب وخيانة، ومن خداع إلى حب ينتقل إلى عشق ومن ثم ألم وفراق يأتي بروح تُزهق وتخرج للسماء، بعدها فقط يأتي العوض ومن بعده تبتسم السعادة متحدثة عن العشق والهوى الذي احتل مملكة اليزيد محولًا براثه إلى عشقٍ خالص نقي برئ من كل شيء سوى "مروة" و "يزيد" التي أخلفت رياحهم بعدها بـ "إياد" و "ورد"..
              ______________________

تمت بحمد الله
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-