رواية فارس بلا مأوي فارس وزينب الجزء الثاني 2 بقلم ولاء رفعت

رواية فارس بلا مأوي فارس وزينب الجزء الثاني 2 بقلم ولاء رفعت

رواية فارس بلا مأوي فارس وزينب الجزء الثاني 2 هى رواية من تأليف المؤلفة المميزة ولاء رفعت في رواية بين فارس بلا مأوي فارس وزينب حيث تختبئ أسرار الحنين وتتشابك الأحلام تبدأ حكاية حب لا تعرف للزمن حدودًا. قصة لقاء قد يبدو عابرًا، لكنه يحمل في طياته وعدا بمشاعر عميقة وتحديات تفيض بالعواطف إنها رحلة تجمع بين الفرح والألم الأمل والخيبة حيث تتأرجح القلوب بين شوق اللقاء وصعوبة الفراق هنا تتداخل أرواح تبحث عن النصف الآخر في صراع بين الحلم والواقع ويظل السؤال هل يكفي الحب وحده ليصمد أمام رياح القدر
رواية فارس بلا مأوي فارس وزينب الجزء الثاني 2 بقلم ولاء رفعت

رواية فارس بلا مأوي فارس وزينب الجزء الثاني 2


غزت ملامحه إبتسامة سخرية وقال: 
_ أنت بالتأكيد بتهزر.
1

دك عصاه في الأرض ونبرة صوته الجادة تدل علي إصراره وكأنه أمر لاجدال فيه: 
_ وأني مابهزرش يا سليم بيه، هتدخل عليها بلدي ودلوق، ولا عندك مانع!.
2

حدجه الآخر بضيق من ألقاء عليه الأمر، فمن يكون هذا الجرذ ليلقي عليه الأوامر!  ، ويختتمه بسخرية وكأنه غير قادر علي فعله ، عقد ساعديه أمام صدره رافعاً إحدي حاجبيه وقال: 
_ و لو معملتش كده هيحصل أي؟.
2

رمقه بتحدي مجيباً: 
_ هتفضل خايتي مشرفة دار أبوها ومفيش سفر حداك،  من الآخر رچلها ماتعتبش باب دارنا غير لما يوحصل الي جولتلك عليه،  أنت وبشوجك بجي.
1

تحولت ملامح سليم من الصبر والبسمة المزيفين إلي أخري مليئة بالتجهم والظلام الذي كسا عينيه: 
_ الظاهر نسيت أنك بتتكلم مع مين يا رافع ياقناوي، عمال تؤمر وتهدد وناسي أن أختك بقت مراتي وأنا حر أدخل عليها ولا ما أدخلش وبالطريقة الي علي مزاجي أنا.
1

صاح رافع بذات وتيرة صوت الآخر: 
_ لع مانستش ياسليم بيه، أنت الي شكلك نسيت أنك مناسب صعايده ليهم عاداتهم وتقاليدهم وكل الي عطلبه منك حاچة بسيطة.
1

_ أصدك تقول عادات وتقاليد متخلفة  ولي عليها الزمن،  ولو لسه بتحصل أنا مش هقبلها،  والي هيحصل ما بيني وبين أختك محدش ليه دخل فيه.
3

تفوه بكل جبروت وكأن من يتحدث بشأنها ليست شقيقته: 
_ وأي الي يثبت لأهل النچع أن خايتي بعد ما هربت و رچعت إنها لسه بت بنوت!.
أقترب منه و وقف خلفه يوسوس إليه كأبليس ليثير غضبه ويرضخ لما يأمره به:
_ كل الناس خابرة بقصة الحب الي كانت مابين خايتي وبين ولد عمها فارس، ولما أني فرجتهم عن بعض وچيت أنت لأچل تتچوزها راحت جطعت شراينها وبعدها هربت ولما رچعت وعجدت عليها وبجت مارتك علي الورج  غفلتنا كلتنا وراحت له القسم والكل شافها وهي داخله وخارچة من هناك،  ها مستني أي بعد كل دي؟.
3

كان بالفعل كالشيطان بل هو أبليس ذاته، يثير أغوار الآخر حتي يفعل بشقيقته هذا الفعل البشع المرفوض تماماً،  كيف تسول له نفسه بجرحها وإهانتها بتلك الطريقة!.
فزوجها ليس بحاجة لإستفزازه نحوها،  فلديه علم بزيارتها إلي فارس ولم ينس هذا بل ينتظر الوقت المناسب لمعاقبتها وجعلها تخشي أن حتي أن تذكره في مخيلتها.
لكن كلمات رافع أثارت شئ ما بداخله كان يقرر تنفيذه حينما ينفرد بها لاحقاً، أستدار له وبداخل عينيه نظرة مبهمة لكن حين رآها الآخر إبتسم بإنتصار،  فقال سليم: 
_ يعني كل الي عايزه الإثبات،  لكن الطريقة دي بتاعتي أنا.
1

قالها وتركه وفتح باب الغرفة ليجدها تقف تتشبث في زراع والدتها بخوف، لاتعلم ما ينتظرها.

تبعه رافع قائلاً  : 
_ خليت چماعتي يحضرولك الأوضه الي هترتاحو فيها أنت ومارتك.
وأشار له نحو غرفة نومه الخاصة به و نوارة المختفية ولم يلاحظ بعد عدم وجودها.
1

تقدم منها سليم وأمسك بيدها الحرة: 
_ تعالي معايا.

أوقفته كالحائره تسأله: 
_ واخدني علي فين؟.

و قبل أن تتحدث والدتها أو تسأل فأسرع رافع قائلاً يرمقها ببسمة تشفي: 
_ هترتاحو هبابة جبل ماتسافرو يا عروسة.
1

صدقت رسمية ولدها بطيبة وحسن نية، فربتت علي إبنتها: 
_ روحي يابتي ويا چوزك أرتاحو،  لساتكو وراكو سفر وطريج طويل،  وأنتي بجي لك يومين منعستيش عاد.

قلبها يخفق من شدة الخوف لاسيما بعد تلك الإبتسامة التي ما زالت في أعين شقيقها، أنتبهت لضغطة قبضة سليم القوية علي أناملها: 
_ يلا يا زينب.

وفي ثوان كانت بداخل الغرفة ودلف خلفها،  أغلق الباب بقوة مما جعلها أهتزت بوجل وأعتصرت عينيها تردد بداخلها بعض الأذكار.

خلع العباءة ويليها سترته وألقاها علي أقرب كرسي وجلس فوقه، فلم تبرحها نظراته: 
_ واقفه عندك ليه كده؟.

وبدون أن تنظر له تتجنب النظر في عينيه ذات النظرات المرعبة، قالت: 
_ أني مرتاحة إكده،  رايد أنت ترتاحلك شوي، عندك السرير أهو أرتاح كيف ما أنت عايز.

خلع رابطة عنقه ثم  ساعة يده ووضعهما علي المنضدة التي أمامه في صمت رهيب زاد من خوفها لكنها تظاهرت بالثبات.

قطع صوته بهدوء الذي لايقل رعباً عن نظرات عينيه: 
_ ما إحنا مش داخلين الأوضة عشان نرتاح.
2

رفعت عينيها لترمقه بصدمة وإستفهام، فهذا الصوت الذي بداخلها ينذرها بالخطر،  نهض متقدماً نحوها بخطي في ظاهرها هادئ لكنها عكس ذلك: 
_ شكلك فهمتي سبب وجودنا هنا،  ولا أي يا عروسة؟.

أزدردت لعابها وبمجرد وقوفه أمامها مباشرة أبتعدت إلي الخلف متجهة نحو الباب لكنه سبقها إليه وأوصده بالمفتاح الموجود به.

ركضت إلي إحدي الأركان تمسك بثوب زفافها في وضع الدفاع: 
_ لو الي في دماغي ده صوح،  أحب أفكرك بوعدك ليا،  أن چوازنا علي الورج.
1

يبتسم وبداخله مُنتشي من السعادة، فتلك النظرات المرعوبة بداخل عينيها تغذي وحش ساديته وترضيه.
وفي لحظة غافله منها وجدته أمامها يمسك برسغيها: 
_ أنا موعدتكيش يا زينب،  أنتي وقتها كنتي بتملي شروطك وناسية إنك هاتتجوزي مين،  تحبي أعرفك مين هو جوزك،  مين الي المفروض متنطقيش غير إسمه علي لسانك!،  مين الي عينيكي مش هاتشوف غيره!،  مين الي نسيتي إنه جوزك و روحتي القسم عشان تشوفي إبن عمك ومخوفتيش لما يعرف هيعمل فيكي أي!.

ومع كل جملة يتفوه بها كانت قبضتيه تزداد ضغطاً حتي ظنت عظام أناملها سُحقت،  تأوهت من الألم الغير محتمل،  فقال بفحيح يلفح شفتيها: 
_ صرخي، محدش من أهلك بره يقدر يدخل ينقذك من أيدي،  عارفة ليه.

أردف ويدفعها علي الحائط بجسده ملتصقاً بها: 
_ تحبي أجاوبك عملي زي ما أخوكي طالب مني ومستني إثبات شرفك؟.

جحظت عينيها متناسية ألم أناملها،  أستعادت جأشها وقوتها برغم دموعها التي أنسدلت للتو: 
_ بعد عني،  علي چتتي الي عتجوله دي، و روح جول للحيوان أخوي خايتك أشرف منك ومن أمثالك كيفك إكده.
1
ضغط بجسده عليها بقوة قائلاً: 
_ ولما أخوكي من لحمك ودمك يشكك فيكي ويطلب مني دخلة بلدي،  منتظره مني أي عشان أتأكد،  ها؟.

رأت بداخل ظلام عينيه شيطان مارد لم يهدأ إلا عندما يكسر كبرياءها ويجعلها ذليلة أمامه،  فهي الآن تلعن شقيقها بكل اللعنات علي منح هذا الوحش الذي يسحق جسدها حق سلب عذريتها قهراً ورغماً عنها، فلا تجد سوي تلك الفكرة التي أتتها للتو فقالت بتأوه من بين أسنانها: 
_ لو رايد إثبات خدني عند الحكيمة في الوحدة الصبح وهي تكشف عليا وتجولك إني.

أغلقت عينيها بخجل وأردفت: 
_ إني بت بنوت ولا لاء.

قهقه وتعالت ضحكاته المخيفة، حتي توقف وعادت ملامحه الوحشية مرة أخري: 
_ عايزاني أخدك عندك الدكتورة يا زوزو،  أومال أنا لزمتي أي يا حبيبتي.
3

ترك يديها حتي عادت روحها لها فأخذت تفركهما من فرط الألم، ولم يمهلها أن تلتقط أنفاسها فجذبها من خصرها وبرغم ثوبها المتسع وذو عدة طبقات شعرت بأنامله وهو يغرزها بقسوة لتطلق تأوهاً نابعاً من أعماقها.

_ أهدي كده ده لسه بنقول يا هادي، يقولو عليكي أي وأنتي كل شوية تصوتي.

أجابت من بين دموعها وألمها: 
_ أجتلني يا سليم وريحني،  أني ماعيزاش أعيش وياك واصل.

أبعد يديه من خصرها،  ليعود صوت ضحكاته،  يحاوط وجهها بكفيه يقول بسخرية : 
_ ليه كده يا زوزو،  ده أنا حبيتك من أول ما شوفتك وأقسمت إنك هاتكوني ملكي مهما حصل وبأي طريقة.

جذبها فجاءة ودفعها إلي الفراش وأعتلاها: 
_ أنتي بتاعتي أنا،  ملكي أنا،  هاتعيشي معايا لحد مايفرقنا الموت،  فاهمة يا زينب.
1

كانت ملامحه تخيفها أكثر من كلماته،  أقسمت إنه ليس شخصاً طبيعياً بل مريضاً.
باغتها بنزع حجابها بعنف حتي تشعثت خصلاتها من أثر ذلك،  أخذت تقاومه وتدفعه لينهض من فوقها،  فكيف لعصفورة صغيرة بأن تدفع بوحش ضخم يريد إلتهامها!  .

أردف من بين أسنانه لاهثاً:
_ متقاوميش يا زينب،  عمرك ما تقدري تبعديني عنك،  أستسلمي لمصيرك.

لم تجد رد علي هذيانه من وجهة نظرها سوي تلك الكلمات ويديها تدفعه في صدره:
_ ده في أحلامك ياسليم، وأني لساتني كيف ما جولتلك علي چتتي لو لمست مني شعره،  وچوازي منك مجابل حياة فارس،  غير إكده ملكش حاچة عندي واصل.

من الحماقة أن تكون عاجزاً وفي وضع ضعيف للغاية وتتصنع القوة بدون إستخدام عقلك وذكاءك بحكمة، فالتفوه بنبرة التحدي والعند لن تأتي لك سوي بعواقب وخيمة،  وهكذا ما حدث
ليتها ما تفوهت بحديثها الأحمق هذا، فهي للتو أيقظت جانبه الآخر والذي كان يحاول كبحه وعدم إظهاره له حتي الآن.

نهض عنها وهو يجذبها من خصلاتها وحتي لا تصرخ ويسمعها من بالخارج،  كمم فاهها بقبلة وحشية،  ليست قبلة حميمية بين زوجين بل كانت تعذيب ومنعها من الصراخ، ولم يكتف بذلك،  أمسك بساعديها وقام بثنيهما خلف ظهرها وبجزء من لفافات حجابها الأبيض قام بتقيد معصميها.
ما زال يُقبلها متذوقاً دماء شفتيها بللذة، توقف عن تقبيلها ليتركها تلتقط أنفاسها اللاهثة، ليباغتها بجزء آخر من لفافات حجابها يكمم فاها ثم ألقي بها مرة أخري علي الفراش والظلام يسود عينيه و شيطانه المسيطر عليه، خلع ثيابه تحت نظراتها التي تتوسله ليتراجع عن ما سيفعله،  تتلوي في الفراش مستخدمة ساقيها في النهوض لكن هيهات، أصبحت مثبتتان بقبضتيه القويتين،  وأرتمي فوقها وشرع فيما عزم عليه، لم يرحم صرخاتها المكتومة ودموعها التي أنفجرت كالأنهار المتدفقة،  أنتزع روحها قبل نزع عذريتها بكل وحشية، أبتعد عنها وبنظرة إنتصار حدجها، دنا برأسه نحو وجهها وهي ملقاه كالجسد بدون روح ليقول لها بتهكم : 
_ ألف مبروك يا حبيبتي.
وقبلها من وجنتها ونهض، أرتدي ثيابه تاركاً قميصه مفتوحة أزراره،أقترب منها فرفعت ساقيها لتكور جسدها في وضع الجنين لتبتعد عنه ، جذب الشرشف الملطخ بدماءها بقوة من أسفل جسدها وأتجه به نحو الباب وقام بفتحه منادياً علي شقيقها الذي لبي نداءه وجاء له فقام الآخر بإلقاء الشرشف في وجهه،  ألتقطه رافع بسعادة عارمة،  ولم يتمهل فخرج و وقف أمام المنزل يخرج سلاحه وأطلق عدة أعيرة نارية متتالية وتبعه رجاله في الإطلاق كرسالة إلي أهل النجع  .
6

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ،،،،،، ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ رحل الليل ليسطع شروق الشمس ومازالت القلوب علي ما أصبحت عليه،  فمنذ أن تركت منزل عائلة زوجها وجاءت إلي منزل عائلتها تجلس في غرفتها القديمة يجافيها النوم فالمشهد التي رأته بأم عينيها جعل النيران مندلعة في صدرها،  كيف تسول له نفسه ويقوم بخيانتها،  كانت تظن أن الأمر مجرد مشاعر فقط لاتعلم إنه سيصل إلي ما رأته خلف المنزل،  لعنت قلبها الضعيف الذي مازال يدافع عنه أمامها فضعفه هذا جعله يفرض سيطرته وقوته عليها،  فعندما تعترض أو تواجهه تثور أغواره و يمد يديه بالصفعات وينعتها بالإهانات والسباب وكأنها عبدة أو جارية لديه وليست زوجته ويجب عليه أن يعاملها بالمودة والرحمة.

دلفت والدتها لتطمأن عليها لتجدها تجلس علي وضعها كتمثال، عينيها شديدة الإحمرار والتورم من كثرة البكاء.
ربتت عليها بحنان وقبلتها لدي مفترق خصلاتها: 
_ لساتك منعستيش وعتبكي يا جلب أمك.

ألتزمت الصمت فأردفت سعاد: 
_ ولو تجوليلي حوصل أي ولا سوي فيكي أي چوزك،  ريحيني يابتي.

أصدرت شهقة وهي تجفف عبراتها وقالت بيأس:
_ لو جولتلك يعني،  هاتسوي له أي عاد،  ده ولا بيهمه حد وعيسوي الي في دماغه مهما أتحدتي وياه.
شهقت لتجهش ببكاء مجدداً،  فأكملت: 
_ جلبه كيف الحچر عليا،  لكن لغيري لاء.
1

عقدت سعاد بين حاجبيها وهي تفسر حديث إبنتها فسألتها: 
_ واه،  تجصدي لساته عيحب البت فاطنه.

خارت في البكاء وأرتمت علي صدر والدتها: 
_ أيوه ياماه، لساته بيعشجها و وصلت بيه البچاحة ولا جيته واخدها ورا الدار ونايم فوجيها ونازل فيها بوس،  آه يا جهرة جلبي ياماه.

_ باستك عجربة يا رافع يا واد خايتي ويحرج جلبك كيف ما عتسوي في بتي،  معلش يا جلب أمك، أني هاروح له وأتحدت وياه و أعرفه مجامه زين.

_ لاء ياماه،  ما تجوليلوش حاچة بالله عليكي،  ملهوش عزا العتاب واصل.

حدجتها سعاد بعدم فهم،  فأخبرتها إبنتها بهذا القرار الذي أصدره عقلها للتو ويحاول قلبها التراجع عنه لكن كبريائها هو المسيطر الآن.
_ أني هاطلب منيه يطلجني.
1
لطمت سعاد علي صدرها وكأن إبنتها تخبرها بفاجعة: 
_ طلاج!.

ـــــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،،،، ـــــــــــــــــــــــــــــ

_ غارقاً في أحلامه التي تنتهي كالعادة بكابوس مزعج يراها تبكي بحرقة وتمد له يديها تناديه لينقذها من تلك البؤرة المظلمة التي تجذبها بداخلها،  فهناك مشهد جديد أضيف هذه المرة وهو عندما أستطاع أنقذها وأنتشلها وجدها قد فارقت الحياة،  أخذ يهز جسدها يناديها من أعماق قلبه لتعود إلي الحياة،  لكن لا جدوي،  فكيف لروح فارقت جسدها أن تعود له مرة أخري!  .
1

_ زينب.
صاح بها وهو يستيقظ من النوم مذعوراً،  أغلق عينيه من قوة أشعة الشمس التي تزعج رماديتيه.

أنتبه لصوت رفيق دربه جنيدي: 
_ صحي النوم يا أبو الفوارس،  خلاص وصلنا وجرب الجطر علي محطة مصر.

حاول فتح عينيه بحذر حتي أستطاع أن يري،  فالسماء أعلاه ومع حركة القطار يشعر وكأنه يسبق السحاب والطيور المحلقة،  تذكر أحداث أمس فنهض بحذر حيث مازال هو ومن معه يتسطحا فوق القطار.
نهض بجذعه وجلس يثني أحدي ركبتيه يستند عليها بساعده،  يستنشق نسيم الصباح بعمق ويطلق زفرة بقوة، وخصلات شعره تداعبها نسمات الهواء الباردة.
_ صباح الخير يا چنيدي.

رد جنيدي الذي يزفر دخان سيجارة معلقة بين أنامله: 
_ صباح النور يا صاحبي،  يلا أچهز لأچل هنط جبل ما ندخلو المحطة.

غر فارس فاهه بتعجب: 
_ هنط كيف؟.

أجاب الآخر ويشير له نحو نهاية العربة التي يتسطحان أعلاها: 
_ هنجوم نمشي لحد آخر العربية دي وهننزل في الفاصل الي بينها وبين العربية التانيه،  بس يلا جوم هم جبل ما نتجفش من بتوع التفتيش والحكومة المرشجه في المحطة.

نهض كليهما وساروا بحذر  فهبطا بين العربتين وعندما هدأت سرعة وأصبحت بطيئة إستعداداً لولجه إلي المحطة،  قاما بالقفز معاً.

وبعد سير مسافة وصل كليهما إلي ميدان رمسيس،  فأوقفه جنيدي وقال: 
_ أجف أهنه عجبال ما أروح أعمل تليفون ونچيب لنا حاچة نفطرو.

_ هاتحدت ويا مين؟.

_ واحد بلديتنا عايش أهنه هجوله يشوفلنا مطرح نريحو فيه وشغل لأچل الواكل والشرب.

حك ذقنه يفكر فيما أخبره،  فقال: 
_ طيب روح ومتعوجش،  عاود بسرعة.

_ حاضر،  خليك أنت مكانك وماتتحركش كيف ما أنت شايف الدنيا واسعة وإحنا نمل ماشي فيها  وممكن نتوه من بعضينا.

ذهب جنيدي وجلس فارس ينتظره علي الرصيف، يتأمل الميدان الذي يعمه القليل من الهدوء  فمازالت معظم المتاجر مغلقة فالوقت مبكراً ،  تنهد بأريحية مستنشقاً الهواء و مد ساقيه أمامه علي الأسفلت وإستند علي يديه مائلاً بجذعه قليلاً إلي الخلف، أغمض عينيه ليراها في مخيلته،  زفر بشوق وحنين قائلاً: 
_ أتوحشتيني جوي يا جلب فا.....
1

قاطع جملته شئ ما أصتدم بساقه يتبعه صياح بصوت أنثوي: 
_ أنت يا أخينا،  قاعدلي علي الرصيف و واخد راحتك علي الآخر وفارد لي رجليك،  كنت هتكعبل علي وشي بسببك دلوقت.
2

فتح عينيه ليجد أمامه فتاة ذات بشرة بيضاء يزين وجهها بعض مساحيق التجميل تبرز جمال شفتيها الورديه وعينيها اللوزية تزينها عدسات لاصقة رمادية،  متوسطة الطول وجسدها متناسق، وبرغم جمالها الذي يجذب من ينظر إليها لكن يعلو وجهها بعض الحدية،  يبدو إنها ذات شخصية حادة إلي حد ما.
رد فارس بكل زوق و رقي: 
_ معلش لو كنت ضايجتك.

وضعت يدها في خصرها تتشدق بحنق: 
_ معلش!  ،  أصرفها منين دي والشوز بتاعي الأبيض أتوسخ ومنظره بقي زفت وكل ده بسببك.

ألقي نظرة علي حذائها فأخرج من جيب بنطاله المتسخ كيس صغير يحتوي علي محارم ورقية،  مد يده به إليها قائلاً:
_ أتفضلي مناديل أهه.

رمقته بإزدراء لهيئته المزرية بسبب ثيابه التي لم يبدلها منذ دخوله إلي السجن.
قالت بأنفة وعنجهية: 
_ ده الشوز كده هيتوسخ أكتر،  خلي مناديلك معاك.
ولوحت يدها برفض وتقزز، أثارت كلماتها وتعابير وجهها غضبه،  يبدو هدوءه وتعامله معها بالزوق كان خطأ، كادت تذهب فأوقفها بصوت غاضب: 
_ وجفي عندك.

ألتفتت له ونظرت إليه لتجد ملامحه الوديعة التي كان يتحدث بها منذ ثوان تحولت إلي أخري تركت بداخلها الشعور بالخوف لكنها لم تظهر ذلك بل قالت: 
_ بتكلمني أنا؟.

نظر علي يمينه ويساره بتهكم وقال: 
_ شايفه حد غيرك في الشارع عاد!،  أيوه بكلمك أنتي،  شكلك لساتك عيلة صغيرة أهلها مدلعينها دلع مرق وماسخ، و واخدة مجلب في نفسيها جوي،  وفوج كل دي جليلة الذوق.

إستمعت لكلماته بدهشة وذهول من هو لكي يتحدث معها هكذا وينعتها بكل ما قاله،  فتحت فاهها لترد إهانته لكنه سبقها: 
_ كلمة إكده ولا إكده هانسي إنك حرمة وهاسمعك كلام شين ميعچبكيش واصل،  يلا أمشي من أهنه.
صاح بجملته الأخيرة مما جعلها خشيت تنفيذ تهديده فمظهره وأسلوبه الحاد الذي تفوه به للتو جعلها تخشي منه ومن ما سيفعله إذا تطاولت عليه مرة أخري،  زفرت بحنق ترمقه بإزدراء من أعلي لأسفل ثم تركته وذهبت.
فقال لها: 
_ بصي علي قدك.

_ عتتحدت ويا نفسك ولا أي ياصاحبي؟.
قالها چنيدي الذي وصل للتو يحمل كيس مليئ بالشطائر وجلس بجوار فارس،  فأشار له الآخر نحو الفتاة التي وقفت في الجهة المقابلة لتستقل سيارة أجرة.
_ دي بت چاية تتشاكل علي الصبح أتحدت وياها بكل أحترام فشافت نفسها عليا،  أديتهملها فوج دماغها معرفتش تنطج ومشيت.

_ ولسه هاتشوف،  بنته مصر أهنه وشهم مكشوف تلاجي الواحدة منيهم تجف وترد عليك من غير خشا ولا حيا وصوتها يچيب لأخر الشارع.

_ مش كلاتهم يا چنيدي،  في كل مطرح فيه الزينة والشينة وبترچع للتربية والأهل والبيت الي خارچة منه.
1

فتح چنيدي الكيس الذي يحمله وأخرج منه الشطائر يفك لفافة الجرائد ويفترشها بينهما: 
_ فوكك من كل دي ويلا جبل ما الواكل يبرد،  چايب طعمية لسه خارچة من الزيت وفول وش الجدرة وفلفل حراج من الي جلبك يحبه.

وقبل أن يمد يده ليأكل سأله بترقب: 
_ وچييت الفلوس منين؟  .

تناول شطيرة وقضم منها قطعة وأخذ يلوكها بداخل فمه: 
_ مصالح كنت بطلع بيها من السچن،  خابر أنت الراچل الي رچالته هربونا ده كان مغرجنا سچاير و واكل آخر حلاوة،  والي محتاچ حاچة ويطلبها منيه يعطيها له، وكل ما يجع في يدي جرشين أتاويهم، وأهو نفعونا دلوق،  تخيل لو كنا علي عبد الحميد المچيد ومنملكش جرش واحد كان هيبجي وضعنا أي!  .

حدجه فارس ويراقب ردة فعله : 
_ أوعاك تكون چايبهم من الحرام.

ترك ما في يده يرمقه بإمتعاض مُزيف : 
_ عيب عليك لما تشكك في صاحبك وتجول إكده، أنا جولتلك چايبهم من مصالح ما سرجهمش.

تنهد بأريحية وقال: 
_ معلش، لو سؤالي ضايجك،  أصل أني ما أجبلش الحرام واصل حتي لو هاموت من الچوع.

أمسك جنيدي بشطيرة ومدها إليه: 
_ ماتجلجش ياصاحبي،  فلوس حلال،  خد كول بجي،  الراچل زمانه علي وصول.

أخذ منه الشطيرة وبدأ في إلتهامها بنهم: 
_ رد عليك إياك؟.

_ رد علي بعد ما رنيت عليه خمس مرات، وجالي إنه هيچي لنا خلال ربع ساعة، خابرته بمطرحنا.

أبتلع ما بفمه وقال: 
_ أنت واثج من الراچل دي،  لأحسن يبلغ  عنينا الحكومة ويسلمنا ليهم.

_ ماتخافش،  عم عربي ده راچل چدع جوي،  تجدر تجول الأب الروحي للي زي حالتنا إكده،  ما يهملش واحد في ضيجة غير لما يجف وياه ويساعده،  أطمن يا أبو الفوارس محسوبك لفيت الدنيا كعب داير وخابر الناس زين.

_ ربنا يستر.
قالها وقضم باقي الشطيرة.
ـــــــــــــــــــــــــ،،،،،،،، ـــــــــــــــــــــــــــــــ 
_ ما زالت حبيسة في الغرفة منذ ليلة ذبحها كما تسميها هي، تجلس علي التخت متكورة بثوب زفافها ،  جفت الدموع في عينيها من كثرة البكاء، تنظر في الفراغ ساكنة لم تتحرك كقطعة جماد بلا روح،  وعلي الطرف الآخر يتمدد نائماً ينعم بالراحة والسكينة وكأنه لم يقترف شيئاً.
1
صدح رنين تنبيه ساعة الهاتف حيث قام بضبطها قبل نومه ليستيقظ في هذا التوقيت إستعداداً للسفر.
أستيقظ وأغلق المنبه،  نهض ليجدها مازالت علي وضعها وبدون أي حركة وظهرها نحوه ،  وضع يده عليها فأنتفض جسدها بتلقائية وكأن مسها تيار كهربي.
أقترب منها حتي ألتصق بصدره العاري بظهرها وتحدث بجوار أذنها بصوته الذي باتت تمقته كلما تفوه إليها: 
_ لسه منمتيش من إمبارح، ده إحنا ورانا ساعات سفر كتير.

لم تجيب عليه وظلت علي وضعها،  وفجاءة وجدت يده تسللت إلي فمها لتكممه ويده الأخري تجذب خصلاتها بقوة،  فصرخت بآهه مكتومة وقال لها بفحيح: 
_ القاعدة الأولي لما أكلمك تردي عليا عشان ما أزعلكيش، و خدي بالك لما أأمرك تنفذي الي أقولك عليه في وقتها ده أحسن ليكي لأن عصيان أوامري ليه عقاب،  و لمصلحتك متخلينيش أوصل معاكي للمرحلة دي،  فاهماني يا زينب؟.
1

تعتصر عينيها من الألم وكفه المكمم لفمها يمنعهاومن الرد أو الصراخ، ترك خصلاتها ليغرز أنامله في زراعها: 
_ مشوفتش ردك علي سؤالي.

أومأت له وهي تزوم وتبكي في آن واحد، قام بإستدارتها إليه ليصبح وجهها أمام وجهه،  حدق في ملامحها الباكية والحزينة بصمت أغمض عينيه وأقترب بشفتيه علي وجنتيها ليلعق عبراتها ثم هبط علي خاصتها التي بها آثار دماء متجلطة ليقبلها،  تخشي أن تبتعد أو تصرخ فيعيد ما فعله بها،  فهي لا تتوقع أفعاله العنيفة معها، كلما تألمت كلما تري في عينيه لمعة تدل علي مدي سعادته برؤيتها في تلك الحالة.

أبتعد باللهاث وقام من أمامها قائلاً: 
_ أومي غيري فستانك وجهزي نفسك أدامنا ساعة عشان نتحرك.

وبعدما أنتهت من تبديل ثيابها،  وقفت أمام المرآه لترتدي حجابها فتفاجأت بملامحها التي ذبلت وهذا من ليلة فقط،  ما بال من لياليها القادمة معه!،  حاولت إخفاء آثار عنفه علي شفتيها بقلم الحمرة وكذلك بعض اللمسات تخفي شحوب بشرتها،  فهي لم تتحمل أي أسئلة من والدتها عند رؤية وجهها  وأيضاً لاتريد رؤية شقيقها لها بهذا المظهر الضعيف المنكسر.

خرجت من الغرفة فوجدته يقف يدخن سيجاره ورمقها بنظرة ذات مغذي، خرجت والدتها من المطبخ تحمل صينية الطعام: 
_ صباحية مباركة يا حبيبتي.
1

نظرت نحوه أولاً بإمتعاض ثم إلي والدتها بشبه إبتسامة خافته.

_ تعالو يلا أفطرو جبل ماتمشو،  ده أني كماني حضرتلكو واكل تاخدوه وياكو.

فقال سليم بإبتسامة شكر إلي حماته: 
_ تسلمي يا ماما، مفيش داعي للتعب ده كله الطيارة فيها كل حاجة،  وبعتذر مرة تانية أنا مبفطرش دلوقت، ولازم نمشي عشان الكابتن مستنينا من إمبارح في المطار.
3

تركت الصينية جانباً وقالت: 
_ علي راحتكو يا ولدي،  بس كل الي هاطلبو منك كيف أي أم،  خد بالك من بتي وحطها في عينيك.
1

تقدم نحو زوجته و حاوط خصرها يقربها منه قائلاً: 
_ من غير ما تقولي يا أمي،  زينب جوه قلبي قبل عينيا.
ونظر إلي التي تقف بجواره مبتسماً، بينما هي أستقبلت تلك البسمة كتصريح مُعلن عن الجحيم الذي ينتظرها علي يديه.

قامت رسمية وزوجها بتوديع إبنتهما، فطلبت منهما أن ينتظرا دقيقة حتي توقظ إبنها ليودعهم فكان رد زينب حاد وصارم: 
_ إياكي ياماه،  أني معوزاش أشوفه واصل،  وياريت تبلغيه إنه بالنسبة لي ملوش وچود.
1

قالت كلماتها وتركتهم جميعاً وخرجت مسرعة إلي الخارج لتجد السائق يفتح لها باب السيارة: 
_ أتفضلي يا هانم.

دلفت إلي الداخل وجلست تنتظر سليم الذي ألحق بها ودلف من الجهة الأخري،  وبعد ولوج السائق،  قال بأمر له: 
_ أطلع.

بدأت السيارة في التحرك و عينيها تنظر من خلال النافذة المعتمة علي منزلها النظرة الأخيرة.
ــــــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،، ــــــــــــــــــــــــــــــ

_ و بداخل حارة في إحدي الأحياء الشعبية،  بعدما ترجلت من المركبة ذات الإطارات الثلاث،  ولجت إلي بناء قديم تملأه رائحة العطن وصياح إحداهن من الجيران توبخ صغارها بالسباب.
توقفت أمام الباب الخشبي ذو النافذة الزجاجية يحاوطها قضبان من الحديد،  أخرجت المفتاح وقامت بفتح الباب،  فولجت وهي تزفر من التعب،  جلست علي أقرب مقعد:
_ آه يا رچلي ياني.
خلعت حذائها وألقته جانباً،  أخذت تحرك في أناملها: 
_ ميتي ياربي تتوب عليا من الشقي والتعب دي،  نفسي أرتاح بجي.
1

طرقات مدوية علي الباب،  زفرت بتأفف وضيق: 
_ شكلي ماهشوف راحة واصل، حاضر يالي بتخبط چاية أهه.

نهضت بثقل تتحمل السير بصعوبة علي قدميها،  فتحت الباب لتجد هذا الرجل ذو الملامح البغيضة يقف أمامها ويمد رأسه ينظر إلي الداخل،  دفعته في كتفه وسألته:
_ رايد مني أي الساعة دي يا أبو سعيد؟.

_ فين باقي الفلوس الي قولتيلي هديهملك بعد يومين وأهو فات يومين ودخلنا في الرابع.

_ وأني جولتلك أصبر عليا لحد ما يجبضوني في العيادة،  ولحد دلوق الدكتور معطنيش ولا مليم،  وإكده ولا إكده هدفعهملك هاروح منك فين.

رمقها بنظره غير مستساغه لها وقال: 
_ ما أنا قولتلك هجبلك شريكه معاكي في السكن،  الشقه ماشاء الله كبيرة وأنتي لوحدك.

لوحت له بيدها برفض: 
_ وأني جولتلك لاء،  أني ماحبش الشريك في أي حاچة،  وإيچارك وهعطيهولك، ويلا هملني عشان راچعه من الشغل تعبانه ومجدراش أتحدت أكتر من إكده.

دفعت الباب في وجهه ودلفت إلي الداخل: 
_ أي الراچل الي كيف الحمي دي،  كتو البلا حرجلي دمي،  لما أروح أشوفلي حاچة أكلها.

دخلت المطبخ وفتحت الثلاجة فلم تجد سوي علبة جبن مفتوحة وكيس بداخله عدة أرغفة من الخبز،  وطبق آخر به ثمرة زيتون حادق،  وفي الباب زجاجتين مياه بارده، زمتت شفتيها وقالت: 
_ يعني بعد الچبنة الرومي والفلامنك والريكفورد والمشوي والمحمر يبجي دي حالي،  علبة چبنة طعمها كيف زيت التموين!،  تستاهلي يا فقر محدش جالك تسيبي الهنا والعز الي كنتي عايشه فيه وتهوربي،  ما هو مكنش ينفع أجعد ويا واحد بيشتغل عند جتال جتله،  وكمان هاجعد بصفتي أي عاد.
2

طبقت شفتيها وهي تفكر لتردف باقي حديثها مع ذاتها: 
_ واه ياسمية،  لتكوني وجعتي في حب الچدع!،  فوجي يابت عبدالحق الي زي دي هيبصلك علي أي يا حسرة،  آخرك تشتغلي حداه خدامة،  ده حتي الخدامة الي كانت بتيچي تنضف له شجته  شكلها أچنبية،  يعني محصلتيش الخدامة كمان، كفياني أحلام لما أروح أريح چتتي هبابة.
ـــــــــــــــــــــــ،،،،،،،، ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ يجلس في غرفة النوم أمام الحاسوب ويحتسي فنجان القهوة الخاصة به،  بينما تخرج من المرحاض الملحق بللغرفة تلك السيدة التي تلف جسدها بمنشفة قطنية كبيرة وتغطي شعرها بمنشفة أخري صغيرة،  تلتقط ثيابها من فوق التخت وهي تقول: 
_ مش ناوي ترجع المكتب وتشوف القضايا المتأجلة،  العملاء عاملين يتصلو ويسألوني عليك و مش عارفه أقولهم أي.
3

ترك القدح علي الطاولة بعدما أنتهي من إحتساءه كاملاً وقال: 
_ مش عارفة تقوليلهم إنه في أجازة.

أرتدت ثوبها القصير وجلست علي طرف الفراش لترتدي جوربها الأسود الشفاف، تقول بتهكم: 
_ الي يسمعك يقول إنك واخد أجازة بجد،  ومش عمال تلف علي حتة بت ممرضة كحيانة متسواش في سوق البنات قرش واحد.

أغلق حاسوبه بهدوء،  وأستدار بجسده نحوها يرمقها بتحذير: 
_ هدير،  ياريت تخليكي في حالك وفي شغلك وبس.

وقفت وسارت نحوه تحدجه بإمتعاض: 
_ أمرك يا مستر صلاح.
وقفت أمامه تفكر في أمر ما لكسب وده مجدداً، فقالت بمكر:
_ طب والي يقولك علي فكرة توفر عليك وقتك ومجهودك ويخليها تيجي لحد عندك.

رفع حاجبيه وقال:
_ يبقي عملتي فيا معروف، ولو ده حصل و وصلتلها ليكي هدية وأنتي الي هتختريها.

ولت ظهرها له وجلست علي مسند الأريكة:
_ طب ممكن تقفلي سوستة الفستان الأول.

هز رأسه بإبتسامة فقام برفع السحاب لأعلي، نهضت وجلست بجواره وبزهو وفخر قالت:
_ تليفون صغير لحد من معارفك في الداخلية أو الأمن الوطني يجبيهالك لحد عندك.

رفع جانب شفتيه بتهكم وقال:
_ ده أي الذكاء ده، علي أساس إن معملتش كده، ده أول حاجة عملتها ولغاية دلوقت موصلوش ليها.

إبتسمت بخبث وقالت:
_ خد الجديد بقي، هي فكرة مجنونة شوية بس هتختصر عليك الطريق.

يستمع لها وفي البداية كان يرمقها مقطب بين حاجبيه لتبدأ ملامحه بالإنبساط ولاحت إبتسامة علي محياه، فأمسك بهاتفه ليبدأ بتنفيذ الفكرة.
2
ـــــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،، ــــــــــــــــــــــــــــــ
_ لو تجوليلي مالك يمكن أساعدك وأخرچك من حالة الكآبة الي أنتي فيها دي من وجت رچعتك من فرح بت خالك.
قالتها قمر إلي فاطمة، والأخري تنظر نحو الفراغ تتذكر ما حدث معها فقالت بإستنكار وبإندفاع: 
_ جولتلك مفيش يا قمر، مخنوجة شوي مش أكتر.

رمقتها قمر بإعتذار قائلة: 
_ حجك علي أني مجصدش أضايقك واصل.

زفرت الأخري بضيق مما قالته للتو،  فقالت: 
_ أني الي آسفه هبيت فيكي كيف الوابور،  أني لما ببجي مخنوجة مابعرفش أتحدت عاد،  وبرمي حديت دبش.

إبتسمت لها وربتت عليها: 
_ أني مبزعلش منك يا فاطمة،  أني متضايجة لأني شايفه حالتك دي ومعرفاش أساعدك ولا أخفف عنيكي،  يعلم ربنا من وجت ما دخلت الدار أهنه وأني بعتبرك كيف خايتي،  وفرحت جوي لما لاجيتك بتبادليني نفس الشعور،  بعكس بنات خالي الله يسهلهم ويسامحهم كانو ديماً بيعاملوني أني عيلة صغيرة ومليش عزا وعيتمسخرو عليا كل ما أتحدت وياهم.

ربتت فاطمة علي يدها وقالت:
_ دول بنات تافهين ومايفهموش حاچة واصل،  أنتي ماشاء الله عليكي عقلك سابج سنك لدرچة أني بستغرب كيف حداكي 18سنة.

_  الي شوفته من الدنيا مش جليل يافاطمة،  أتعلمت حاچات كتير عطتني عمر فوج عمري،  المهم هملينا مني دلوق،  أنتي أي الي حوصل وياكي،  رافع واد خالك جالك حاچة ضايجتك؟.
1

نظرت فاطمة لأسفل بخجل وتوتر وبعض من الخوف،  فقالت: 
_ هجولك بس بالله عليكي يبجي سر بينتنا.

أعتدلت الأخري في جلستها بإنتباه وقالت: 
_ عيب عليكي،  أني عمري ما بطلع سر حد واصل حتي لو كان يخص المحروجة مارت خالي،  وحطيها حلجه في ودانك الي يحكيلك سر غيرك هيحكي لغيرك سرك.

تنهدت فاطمة وبدأت تسرد لها ما حدث معها، فكانت الصدمة تعلو ملامح قمر والتي قالت: 
_ الله يخرب بيته كيف يسوي فيكي إكده، وأنتي كيف سمحتي له يجرب منك ويلمسك،  أهو سكوتك دي هيخليه ممكن يكررها تاني وتالت ويستحلها علي مزاچه.

_ أني مكنش بيدي أي حاچة،  معرفاش أي الي بيحوصل معاي لما بيجف قدامي، بمثل أني قوية ومبخافش لكن من چوايا ببجي مرعوبة جوي منيه،  والي حوصل إمبارح دي كنت كيف المتخدره مدرياش عيسوي أي غير لما بعد عني وفوجت لحالي وهملته وچريت منيه.

_ الي عتحسيه دي ما أسموش خوف،  ده حب،  لساتك عتحبيه و كرامتك منعاكي وخايفة لتضعفي قدامه كيف ما ضعفتي إكده.

كلماتها صادقة وكأنها قالت ما لم تكن قادرة علي البوح به، أطلقت زفرة نابعة من أعماقها: 
_ والحل يا قمر؟،  شوري علي الله يخليكي.

_ هما حلين ملهمش تالت،  الأول لو لساتك ريداه خليه يتجدملك تاني وتتچوزو،  والتاني إنك تبعدي عن طريجه وتنسيه  وده بأنك تتچوزي واحد يحبك ويخاف عليكي وينسيكي رافع ده واصل.

أجابت بإستنكار: 
_ وأني عمري ما هتچوزو أولاً ما أجبلش أكون ضرة أو زوچة تانية وثانياً لأچل طريج الحرام الي ماشي فيه.

_ يبجي تكملي حياتك وتتچوزي كيف ما جولتلك.

_ سبج وجولتلك الي عيجرب مني بيأذيه أو يجتله،  وأني مقدرش أشيل ذنب حد واصل.

_ أسمعيني زين، أنتي حكيتي لي عن الحكيم الي إسمه يحيي وإنه كل شوي يبعتلك رسايل أو يتصل لأچل يطمن عليكي.

أومأت لها بالإيجاب،  فأردفت الأخري: 
_ واضح جوي إن الچدع عيحبك ولو سمحتي له ممكن يچي ويطلب يدك، و رافع مايجدرش يجرب منيه لأنه غريب عن النچع وبتجولي كمان أنه من عيلة كبيرة يعني مؤكد ليه معارف تقال،  ولو خبرتيه وحذرتيه منه هيسوي حسابه وياخد حذره.

_ معرفاش بجي ياقمر،  خايفه أسوي أي خطوة أرچع يوحصل مصيبة وأرچع أندم بعد إكده.

صدح رنين هاتف قمر الذي أشتراه لها بكر حديثاً،  فقالت: 
_ واه شوفتي كنت هنسي كيف، أخوكي زمانه خلص درس الدين للولاد وچاي ياخدني لأچل نشتري شوية حاچات،  وأني لسه ملبستش خلچاتي.

أبتسمت فاطمة إليها وقالت بتمني وفرح: 
_ ربنا يسعدكو ويهنيكو ويتتملكو علي خير،  ويهدي أمي عليكي ويحنن جلبها عليكي.

ضحكت قمر وقالت: 
_ أيوه كتري من آخر دعاء دي، والله أني بحبها ورايدها تحبني كيف بتها ومستعده أسوي أي حاچة عشانها بس ترضي عليا الأول.

_ أمي چواها طيب و واحدة واحدة عتحبك،  معلش أستحمليها.

_ أستحملها العمر كله كفاية إنها أم الغالي.

ــــــــــــــــــــــــ،،،،،،،، ـــــــــــــــــــــــــــــــ 
_ يصعد ثلاثتهم درج هذا البناء القديم والذي يقع بالقرب من وسط البلدة،  وصلو إلي سطح البناء حيث توجد عدة غرف منفصلة وبرج خشبي يسكنه حمام زاجل.

_ أتفضلو يا چماعة،  حاچة  علي القد مؤقتاً، الأوض كلها عُزاب كيفكو إكده والأوضة الي هتجعدو فيها مفيهاش غير چدع واحد وده ماعيرچعش غير علي النوم و في حاله،  ها تأمرو بأي حاچة جبل ما أمشي؟.

ربت جنيدي علي كتفه بشكر وإمتنان: 
_ تسلم يا أبو سعيد الله يخليك.
1

هم بالذهاب فقال: 
_ جبل ما أهملكو صوح،  أني كلمت الراچل عن البضاعة وجالي تروحو تستلموها منيه بكرة جبل الضهر،  تاخدوها وتفرشوها كيف ما تريدو،  لكن خدو بالكو لازم تراضو أمين الشرطة المسئول عن أمن  المنطجة الي هاتبيعو فيها بدل ما يرازي فيكو ويسلط عليكو البلدية.
1

أومأ له كليهما فقال جنيدي: 
_ أطمن علينا إحنا نفوتو في الحديد،  نستلم البضاعة وعنسوي بأمر الله أحلي شغل دعواتك معانا بجي.

_ ربنا يوفقكم يا ولدي،  يلا فوتكو بعافية.

سار فارس نحو السور ينظر إلي أضواء المدينة وناطحات السحاب المحيطة بهم.
_ أي رأيك يا صاحبي،  عاچبك المطرح؟،  سطوح هواه يشرح الجلب وياسلام لو حداك چوزه مولعه بحچرين معسل محطوط فوجيهم جرش حشيش يبجي الچنة ونعيمها.

ألتفت له بوجهه وحدجه بإمتعاض: 
_ بص يا چنيدي لأچل نبجي متجفين الجرف دي عايز تشربه يبجي بعيد عن أهنه،  أني بكره الدخان وكل حاچة تبعه،  خلي ربنا يكرمنا ومايغضبش علينا.
1

أومأ له بمضض وقال: 
_ حاضر ياصاحبي،  ولعلمك بجي أني كنت بهزر، أني أخري سوچاره أو حچرين أشربهم في أي جهوة.

_ يبجي أحسن،  ناولني المفتاح خليني أريح من لف طول النهار.

أخرج من جيبه المفتاح وأعطاه إياه: 
_ أتفضل يا صاحبي،  إلا جولي صوح ناوي علي أي الأيام الچاية،  هتجول لأهلك أنك هربان ولا هاتسوي أي عاد.

لايعلم فارس ماذا سيفعل،  فالآخر لايعلم عنه شيئاً سوي سبب دخوله إلي السجن فقط.
تنهد وأجاب: 
_ لسه ما عرفش، دماغي واجفه عن التفكير،  وياتري الحكومة لما خابرت بالي حوصل هيسو ويانا أي،  بالتأكيد هيدورو علينا واحد واحد،  مش بعيد ينزلو صورنا ويعملو مكافاءة للي يدل علينا.

حك جنيدي فروة رأسه بتفكير وقال: 
_ ما أني نسيت أجولك إننا هنغير أسامينا دي لما ننزل ونشتغل.

رمقه بإستفهام:
_ كيف يعني؟.

أجاب جنيدي: 
_ أختارلك إسم غير فارس،  وأني كماني هغير أسمي!.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،،ـــــــــــــــــــــــــ
_ أنتهيا من إختيار غرفة النوم وقام بكر بدفع جزء كبير من ثمنها لصاحب المعرض وأتفق معه علي أستلامها غداً، ثم ذهبا معاً وقاما بشراء الكثير من الأشياء له ولها وفي نهاية اليوم، توقفا أمام مطعم شهير في المدينة فقال لها:
_ تعالي ما وكلك أحلي أكلة سمك وچمبري وشوربة سي فود.

وقفت أمامه وقالت:
_ وكيف هندخلو بالشنط دي كلاتها؟.

أجاب عليها وهو ينظر في ساعة يده:
_ ما أني كلمت واحد صاحبي حداه عربية جولتلو يعدي علينا أهنه وهعطيه الشنط وهو هياخدها يوصلها الدار.

إبتسمت من أسفل النقاب وبدي ذلك علي فيروزتيها:
_ إن كان إكده ماشي ياسي بكر.

أقترب منها وهمس بنبرة عذبة جعلتها وجنتيها تتوهج:
_ ما جولنا بكر بس يا روح جلب بكر.
فأقترب منها أكثر مردفاً:
_ خابره دلوق، نفسي أرفعلك النقاب وأشوف خدودك الي كيف التفاح الأحمر، من يوم كتب الكتاب ومفرجوش خيالي واصل.
_ السلام عليكم يا شيخ بكر.
كان صوت صاحبه الذي وصل للتو، فأنتفض كليهما بفزغ، فقال بكر:
_ الله يسامحك يا أخي خلعتني، أنت وصلت ميتي؟.

أجاب بإبتسامة ماكرة ويراقص حاجبيه بشكل مضحك:
_ من وجت التفاح الأحمر يا شيخنا.

لكزه بكر في كتفه بمزاح:
_ خليك في حالك أحسن لك.

غمز له بعينه قائلاً:
_ ماشي، الله يسهلو أوعدنا يارب.

ضحك بكر وقال مازحاً:
_ الله أكبر في عينك يا عزول.

_ بجي إكده، عتكبر في وشي عيني عينك وبجيت عزول كماني، هعديهالك بس لأچل خاطر العروسة.

_ طيب يلا خد الشنط وهملنا لحالنا.

مد يده وتناول الحقائب:
_ هات، ولما تخلصو مشواريكو أبجي أتصل عليا وجولي أچي أخدكو وأوصلكو.

ربت عليه شاكراً:
_ تسلم يا عبده أني هبجي ناخدو تاكسي.

_ علي راحتك يا صاحبي، سلام عليكم.

ألتفت بكر إليها وأثني ساعده إليها:
_ يلا إحنا بجي، أني هاموت من الچوع.

وضعت يدها علي ساعده وقالت:
_ بعد الشر عليك يا سي، جصدي يا بكر.

هز رأسه بضحك كدليل أنه لافائدة، دلف كليهما وصعدا إلي الأعلي فجلسا علي طاولة يحاوطها سور خشبي حتي تستطيع قمر رفع النقاب وتأكل بأريحية، طلب بكر من النادل وجبتين من السمك والجمبري المقلي وأطباق حساء مأكولات البحر اللذيذ.
أومأ النادل له بإحترام:
_ عشر دقايق يافندم والأكل هيكون جاهز، عن أذنكو.

وذهب، نهض بكر ليجلس جوارها وأمسك يدها وخلع قفازها ليجدها باردة الملمس:
_ واه، يدك كيف التلج أنتي بردانه ولا أي؟.

أجابت بخجل:
_ لاء.

وضع يدها بين كفيه وأخذ يدلكها حتي يدفأها جيداً فقال:
_ دلوق أحسن؟.

أومأت له:
_ أيوه.
سحبت يدها بلطف من بين يديه وأرتدت القفاز، فقال لها:
_ كفاياكي كسوف بجي، ده أني چوزك ورايدك تتعودي عليا، مش كل ما أجرب منك تبعدي، ولا ناوية تبعدي برضك عني لما يتجفل علينا باب واحد!.

أشاحت وجهها المغطي من الخجل، أخذ يقهقه من ردة فعلها فأردف:
_ طب أني جولت أي دلوق خلاكي تبعدي وشك؟، لاء إكده لينا جعده طويلة ويا بعض لما نعاود علي الدار.

_ مجولتليش هتدهن الأوضة لون أي؟.

_ عتغيري الموضوع، ماشي ماشي، أني هدهنها لون أبيض كيف الخشب، كيف تبجي الأوضة كلاتها أبيض في أبيض كيف القمر الي هيجعد فيها معاي.
وغمز لها بعينه

_ واه يا بكر، كفاياك بجي أني مجدراشي أتلم علي أعصابي من الكسوف.

_ إكده!، يلا أنتي بجي جطعتي برزقك، كنت ناوي أتحدت وياكي بكلام كتير جوي شايله چوايا وما صدجت خرچنا وبجينا لحالنا.

رفعت النقاب وجلست بزواية حيث لا يراها أحداً سواه، فقالت بإهتمام:
_ جول وأني سمعاك بجلبي جبل وداني.

خفق قلبه وكذلك قلبها فبدأ بالتحدث قائلاً:
_ خابره ياقمر أول يوم چيتي فيه المسچد لأچل تاخدي عمر، برغم مكنتش شايف وشك وحاولت أغض بصري عن عينيكي لكن جلبي كان شايفك، ما أعرفش لما رچعت اليوم ده وجعدت لحالي، لاجيتك شاغله تفكيري جعدت أستغفر ربنا ليكون وسوسة شيطان كيف يشغلني عن ذكر الله والقرآن، لاجيت الموضوع عكس إكده عاد، حسيت إن ربنا بعتك ليا لتكوني نصي التاني الي هاكمل بيه عمري وحياتي، والي بدعي ربنا كيف ما يچمعني بيكي في الدنيا يچمعني بيكي في الآخرة في الجنة بإذن الله يارب.

تنهدت بسكينة وهدوء برغم قلبها الذي يقفز بداخلها من كلماته التي جعلتها تحلق في السماء كعصفورة الفردوس، طالما تمنت فارس أحلامها مثله وها هو الحلم يتحقق بل أكثر ماكانت تتمني.

_ وأني كماني، لما شوفتك اليوم دي أتمنيت تكون نصيبي، مكنتش مصدجه وبكدب نفسي وبجول ده حلم وكفاياني أحلام، لفت الأيام لحد ما چيت لك برچليا وكأن القدر سوي معاي كل الي حوصل لأچل أبجي ليك في النهاية، ويوم ما جولت لمرات خالي أني خطيبتك وهبجي مارتك كنت هاجع من طولي، بعد ما دخلت الأوضه صليت ركعتين شكر لله وجعدت أبكي من كتر فرحتي، ودعيت كيف ما أنت دعيت أن تكوم چوزي دنيا وآخرة و في الچنة بإذن الله.

وقع قلبه بين يديها لتصبح ملكيته، فلم يتحمل مايعتريه من مشاعر  عشق وهيام، فجذبها بين زراعيه يعانقها قائلاً بنبرة عاشق متيم:
_ أني بعشجك جوي ياقمر، ربنا مايحرمني منك واصل.

أجابت عليه بكل ما تشعر به نحوه:
_ وأني كماني يا روح قمر، بحبك وبموت فيك، ميحرمنيش منك ولا من حبك وحنيتك عليا.
ـــــــــــــــــــــــ،،،،،،،ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ بعدما علم بذهبها لدي والدتها وبدون علمه، سأل والدته لتخبره بمهاتفة خالته لتخبرها الأخري بأنها لاتريد العودة بعد الكثير من التحايل عليها، فثار كالبركان غاضباً، حاولت والدته أن تهدأ من روعه لكنه أقسم إنه سيذهب إليها ولم يدخل المنزل سوي وهي في يده شاءت أم آبت،  فعليها طاعته.
1

ذهب إلي منزل خالته وطرق الباب بعنف،  فأستيقظت سعاد من نومها بنعاس قالت: 
_ حاضر يالي علي الباب،  ربنا يستر شكله ولد خايتي چاي بزعابيبه وناوي علي ليلة غابرة.
1

فتحت الباب لتجده أمامها،  دفع الباب علي مصرعه بهصاه الغليظة فأبتعدت بخوف من أمامه: 
_ مالك يا ولدي داخل كيف زعابيب أمشير إكده؟.
حدجها بملامح ثائرة وعينيه الحادتين الغاضبة: 
_ يعني معرفاش يا خالة علي سوته بتك!، كيف تسمح لها تيچي لك من دون علمي وكماني معيزاش ترچع.

أجابت بتوتر:
_ يعني هي چت عند حد غريب.

دك عصاه في الأرض وبصوت ثائر قال: 
_ من غير علمي،  والمره الي تخرچ من غير ماتستأذن چوزها تستاهل الي هايسويه فيها.

لطمت سعاد علي صدغيها خوفاً علي إبنتها من شر هذا الشيطان: 
_ أهدي يا ولدي وأغذي الشيطان،  مارتك ماسوتش حاچة عفشه لاسمح الله،  هي بس كانت واخده علي خاطرها منك شوي.

_ همليه ياأماي يجول ويهدد كيف ما هو عايز.
قالتها نوارة بعدما خرجت من الغرفة ورمقته بوجوم وعدم إكتراث لغضبه وتهديده

وثب بخطوة واحدة نحوها فوقفت بينهما سعاد حاجزاً خشية أن يفتك بإبنتها.
صاح بها:
_ مين الي جالك تخرچي من غير أذني؟.

حدجته بتحدي وبلا خوف منه كالسابق: 
_ أني،  ومن أهنه ورايح ملكش صالح بيا وأنسي إنك چوزي.

_ عتخرفي تجولي أي يا بت المركوب.

ردت بغضب مماثل لترد إهانته وسبه لها:
_ مركوب علي نفوخك أنت يا بعيد.
1
صاحت سعاد بها: 
_ ما تنكتمي يابت بجي،  وأنت يا رافع عيب  مينفعش الحديت يبجي بينتكم إكده،  سمعتو بينا أهل النچع.

_ ماتجولي للمحروجة بتك الي عيارها فلت وعترد عليا كلمة بكلمة،  قسماً بالله لأحاسبك علي الي جولتيه حساب عسير يا نوارة، لما نروحو دارنا.

صاحت بتهكم وحزم :
_ مش لما أعاود وياك الأول يا سبعي.

رمقها بتساؤل: 
_ يعني أي؟.

رمقتها سعاد بتحذير وأن تتراجع عن ما ستتفوه به،  فبادلتها إبنتها بعدم مبالاه وإنها قد حسمت أمرها،  أزدردت ريقها وقالت: 
_ يعني طلجني!.
_ بعدما أصطف بالسيارة أمام المنزل وهي بجواره تتلوي من قبضته المغروزة في عضدها،  وجدت لاجدوي فأخذت تردد من بين أسنانها: 
_ هملني أحسن ما أصرخ وأفضحك قدام أهل البلد.

_ وعتهدديني كماني يابت ال.....
صاح بها ثم هبط علي جسدها و وجهها بكفيه،  فتعالت صرخاتها بالإستغاثة،  خرج والديه من المنزل ليرا ماذا يحدث فوجدا نجلهما يعنف زوجته وينزلها من سيارته عنوة.
صاح به والده: 
_ واد يا رافع.

وركضت والدته للجهة الأخري لتنقذ إبنة شقيقتها: 
_ والله لو ما هملتها من يدك لاتكون ولدي ومتبريه منك ليوم الدين.

توقف عن ما يقترفه،  وحدج زوجته بتوعد قائلاً: 
_ عاچبك الفضايح دي!، لينا باب هيتجفل علينا إما وريتك.

أنزلتها والدته وأحتضنتها وقالت بتهديد له: 
_ ومارتك ما هتروحش وياك في مطرح واصل.

فقال خميس: 
_ أغزي الشيطان يا رافع وأدخل چوه،  وهمل مارتك مع أمك دلوق.

وقف بتحدي أمام والديه وأمسك بيد تلك المسكينة يجذبها نحوه: 
_ أديك جولتها،  مارتي وأني حر فيها.

جحظت عينين خميس بغضب: 
_ عتتحداني يا كلب.
وهبط علي وجهه بصفعة مدوية لأول مرة منذ أن كان طفلاً،  فأعاد بداخله أسوء ذكرياته وسبب ما جعله بهذا السوء.
2

_ والدار دي ملكش مطرح فيها غير لما تتأسف لمارتك وتحب علي راسها و فوج دي كله تتعلم كيف تحترم أبوك.
_ واه.
صاحت بها رسمية ولطمت علي وجهها،  بينما رافع ظل واقفاً أمام والده يحدجه بنظرات تجمعت بها كل الكراهية والحقد الذي يحملهما منذ الصغر إليه.
حاول ألا يصدر قولاً أو فعلاً منه إتجاه والده،  فشيطانه يتملك منه الآن، وحتي لا يفعل شئ يندم عليه لاحقاً تركهم جميعاً وصعد إلي داخل سيارته وأنطلق بها.

ربتت رسمية علي نوارة التي تبكي من ألم ماتلقته: 
_ تعالي چوه يابتي وأني هاچبلك حجك من حباب عينيه ربنا يهديه.

ردت نوارة بتوسل ورجاء: 
_ بالله عليكي أنتي يا خالتي همليني أرچع لأمي،  أني خلاص معوزاشي أعيش وياه تاني.
1

تنهد خميس بأسف عليها فقال لها: 
_ تعالي يابتي وأوعدك ما هخليه يچي چمبك غير لما يندم ويبوس يدك.
2

فقالت خالتها: 
_ عشان خاطري إسمعي حديت عمك هو عايز مصلحتك، يلا أدخلي ويانا ولا مليش خاطر عندكي، والواحدة منينا مهما حوصل بينها وبين چوزها ملهاش غيره في الآخر.
3

بدأ بكائها يخبو ورمقتهما بإستسلام، خاصة بعد رجاء خالتها إليها، وتذكرت كيف كان موقف والدتها الضعيف أمام ثورة غضب رافع عندما طلبت منه الطلاق، لم تتخذ أي موقف حاسم للدفاع عن إبنتها وتركته يعنفها ويوجه إليه أبشع الألفاظ وهو يجذبها من حجابها في مذلة ومهانة  خشيت أن تتدخل بينهما خوفاً منه،  فشعرت نوارة حينذاك شعور بالخذل فليس لديها من يحميها من غدر وظلم زوجها،  وها هنا الآن وجدت من دافع عنها هي خالتها وزوجها،  فأستسلمت للرجوع والعيش معهم،  فهما سندها وحمايتها من شر هذا الرافع وبطشه. 
ـــــــــــــــــــــــ،،،،،،،،، ـــــــــــــــــــــــــــــــ
1
_ آتي صباح اليوم التالي لتستيقظ عيون بعدما ذاقت نوم كان يجافيها الليالي المنصرمة، يحدق في سقف الغرفة المتكون من ألواح الخشب المتراصة ويتدلي من المنتصف سلك كهرباء في نهايته مصباح إضاءة من النيون الأبيض.
أنتفض من هذا الصوت البغيض الذي صُدر من أنف وفم صاحبه النائم علي الأريكة المقابلة للأريكة الأخري الذي يتمدد عليها.
هز رأسه مبتسماً بتهكم من ما يحدث معه وكيف آلت الأمور به حتي أصبح مما هو عليه، متهماً هارباً من العدالة يمكث في غرفة لا تفرق عن الزنزانة فكليهما أربع جدران مع الفارق البسيط إنه يملك حريته الآن، حتي لو كانت حرية زائفة محدودة، فعليه التنكر بإسم دون إسمه الحقيقي حتي لاينكشف أمره ولا يستطيع الوصول إلي براءته قبل عودته إلي السجن مجدداً، فجسده هو من تحرر بينما ذاته هي التي أصبحت أسيرة.
2

نهض وألقي بالدثار البالي جانباً، أخذ ثياب قد جلبها لهما عم عربي ليبدلوها بثيابهما المتسخة وخرج إلي المرحاض قبل أن يستيقظ الآخرون من ما يسكنون الغرف المجاورة، قام بالإستحمام مستمتعاً بالمياه ورائحة الصابون المنعشة، وبعد إنتهاءه أرتدي الثياب الجديدة بسيطة المظهر، ثم توضأ ليؤدي فرضه في الهواء الطلق.

وعندما ألقي تحية السلام، فقال له إحدهم يقف خلفه:
_ تقبل الله يا بلدينا.

وقف وألتفت إلي صاحب الصوت فوجده شاب يرتدي بدلة مهندمة ذو ملامح تتميز بالوسامة ويبدو إنه في نفس عمره، أبتسم الشاب ومد يده إليه:
_ أنا شريف شريك التالت في الأوضة، عم عربي كلمني وبلغني بوجودكو.

صافحه فارس ويرمقه بتعجب من مظهره الثري الذي يتنافي مع هذا السكن :
_ أهلاً وسهلاً.

لاحظ شريف نظراته فقال:
_ ميغركش البدلة والشياكه الي أنا فيها، ده لزوم شغلي، أصلي بشتغل في فندق كبير سوبر فايزر الويترز الي في المطعم هناك.

قال فارس بإقتضاب:
_ ربنا يوفجك.

_ تعالي بقي نفطر سوا، أنا جايب كباب وكفتة وصاية وعملت حسابكو معايا.

خرج جنيدي من الغرفة يتثائب قائلاً:
_ أني شامم ريحة كباب.

نظر كل من فارس وشريف إليه وأخذا يضحكا عليه.
وبعدما تبادلو ثلاثتهم الأحاديث أثناء تناولهم للطعام، نفض فارس يديه وقال:
_ الحمدلله، متشكرين علي الواكل يا أستاذ شريف.

رد شريف:
_ متقولش كده يا...
صمت وأردف بإستفهام:
_ ألا صح عاملين نتكلم مع بعض من بدري وكلنا وشربنا ومعرفش أسمائكو.

توقف جنيدي عن الأكل ونظر إلي فارس يغمز له بإحدي عينيه، فأجاب علي شريف وهو يفكر:
_ قاسم، إسمي قاسم.
1

وقال جنيدي بإبتسامة مصتنعة:
_ وأني چمال.

سألهما شريف مرة أخري:
_ أنتو قرايب ولا أصحاب؟.

نظر فارس إلي الآخر فقال جنيدي:
_ ولاد عم وأتدلينا من الصعيد علي أهنه لأچل نشتغلو.

هز شريف رأسه وقال:
_ أحسن ناس، عموماً زي ما شفتو كده برجع من شغلي الصبح باجي أفطر وأنام بصحي علي المغرب وبروح شغلي،يعني مش هاتحسو بيا خالص، فخدو راحتكو علي الآخر.

قال فارس:
_ ليه عتجول إكده، إحنا الي چايين عليك ويارب ما تكون متضايج من وچودنا.

إبتسم له بترحاب وقال بنفي:
_ بالعكس خالص، ده أنا فرحت لما لقيت ريس عربي كلمني وقالي هيسكن معاك جماعه تبعي وأضمنهملك برقبتي وفرحت لما قالي أنكو بلدياته، أصل عم عربي جدع جدا وخدوم وشكلكو متتخيروش عنه.

قال جنيدي رافعاً كفه بإمتنان:
_ الله يكرمك، ده من كرم أخلاجك، لا مؤاخذة بجي ممكن تجولنا الساعة حداك كام، أصلنا معناش موبايلات ولاد الحرام جلبونا في الجطر.

أخرج شريف هاتفه الحديث والذي يبدو باهظاً ليثير تساؤلات عديدة بداخل فارس.
_ الساعة تمانيه وربع.

نهض جنيدي وينفض بقايا الخبز من يديه:
_ إكده أتأخرنا، يلا بينا ياصاحبي، زمان الراچل الي مستنينا هيتصل بعم عربي وهيجولو دول ماچوش.

تناول كوب ماء وشربه كاملاً وأردف:
_ تسلم يدك علي الفطور يا شريف بيه، ده الواحد معدته نشفت من جلة الواكل لما كان في السچ.....
1

قاطعه فارس قبل أن يفتضح أمرهما:
_ يلا يا چمال مش وجته، أني هستناك عجبال ماتغير خلچاتك أكون شربت كوباية الشاي.
ــــــــــــــــــــــــ،،،،،،،ـــــــــــــــــــــــــــــ 
_ كاد يجن جنونه،  لايعلم عنها شيئاً  فإحدي الرجال الذي كلفهم لمراقبة منزلها أخبره إنها ليست في المنزل حيث علم من الحارس بطريقة غير مباشرة إن زوجها قد أخذها إلي المشفي في حالة إعياء، جاءت في ذهنه الكثير من الظنون ويتمني أن لايكون قد حدث لها مكروهاً، ولكي يطمأن قلبه ويهدأ قرر الذهاب إلي منزل عائلتها الذي يحفظ مكانه عن ظهر قلب طالما كان يوصلها بالقرب منه أيام الجامعة.
وبعدما تناول فطوره في إحدي المطاعم القريبه من مسكنه،  أستقل سيارته وبدلاً من أن يتجه لمقر شركته ذهب إلي إتجاهاً آخر بدون ملاحظة تلك المراقبة التي كظله،  فهناك رجل ما يتبعه إينما ذهب وذلك منذ يومين،  وهناك من كانت تستقل سيارة أجرة وتتبعه لتجده يتجه إلي منزل أسرة من تدعيها صديقتها فأضرمت نيران الغيرة بداخلها وأخبرت السائق: 
_ أطلع ورا العربية السيلڤر ده ياسطا.

و في طريقه قام بشراء علبة فاخرة من الشيكولاتة،  وبعد قطع مسافة نصف ساعة من القيادة توقف أمام البناء،  ترجل من السيارة وأرتدي نظارته الشمسية وألقي نظرة علي البناء الذي لم ينس معالمه، فدلف إلي الداخل وصعد الدرج.

_ وبداخل منزل والد ندي، أنتهت والدتها من جلي الصحون بينما هي كانت تدرس لإبنتها: 
_ و دي تبقي أي؟.

أجابت الصغيرة وهي تستهجأ حروف الكلمة: 
_ ش.. ج.. ر.. ة،  شجرة.

ربتت والدتها علي رأسها: 
_ براڤو.

رن جرس المنزل،  فأنتبهت إليه وقالت: 
_ طيب أكتبيها هنا أدام الصورة بتاعتها عقبال ما أروح أشوف مين.

خرجت من الغرفة فأوقفتها والدتها: 
_ رايحة فين،  أدخلي أقعدي مع بنتك وأنا هاروح أفتح ليكون الأستاذ ليه عين وجاي يشوفك بعد الي عمله، ده يبقي هو الي جابه لنفسه.
1

تراجعت ندي وقلبها خفق تخشي إن يكون هو الزائر،  لاتريد رؤيته حالياً،  دلفت إلي غرفتها و وقفت خلف الباب وتنظر في خفاء.

فتحت والدتها الباب لتجد هذا الغريب بالنسبة إليها،  يخلع نظارته وأبتسم: 
_ صباح الخير يا أمي،  أنا علي الحسيني مدير مدام ندي وجيت أطمن عليها.
2

تنهدت بعد دهشتها حتي علمت هويته، فقالت: 
_ أتفضل حضرتك.

ولج إلي الداخل وعينيه تبحث عنها، لايعلم إنها قد رأته وقلبها كاد يتوقف من تلك المفاجأه بل الكارثة التي حلت فوق رأسها داعية ربها بأن يمر اليوم بلا كوارث.

أستقبلته والدتها في غرفة الضيوف،  قائلة: 
_ أتفضل يابني لما أروح أقولها،  تحب تشرب أي؟.

أومأ لها بإحترام وخجل: 
_ مفيش داعي لتعبك يا أمي،  أنا جاي أطمن علي مدام ندي وماشي علي طول.

_ و حد قالك إن أحنا مبنعرفش في واجب الضيافة؟.

_ حاشا لله يا أمي،  أنا قبل ما أجي فطرت وشربت قهوة فمش قادر.

قالت بإصرار وحبور: 
_ يبقي تحلي،  أنا عامله طواجن رز بللبن فرن هتاكل صوابعك وراه،  هجبلك طاجن.
2

أومأ لها بإستسلام: 
_ زي ما حضرتك تحبي.

_ عن أذنك يابني.

_ أتفضلي يا أمي.

ذهبت لتخبر إبنتها،  فدلفت إليها وحدجتها بنظرة ذات مغذي : 
_ قومي غيري هدومك،  المدير بتاعك جاي بنفسه يطمن عليكي ومعاه علبة شيكولاته،  أي العُبارة يا ندي هانم؟.

أزدردت ريقها وأجابت بتوتر: 
_ قصدك أي يا ماما،  أنا زي زيك قاعده معاكي ومعرفش حاجة.

رمقتها بعدم تصديق وقالت: 
_ طيب يا ندي، لما أضايفه تكوني خلصتي وطلعتي له.

ذهبت والدتها،  فزفرت الأخري بضيق: 
_ الله يحرقك ياعلي،  هي كانت نقصاك.

وألتفتت إلي إبنتها فلم تجدها، فأبدلت ثيابها علي عجالة و أرتسمت الجدية علي وجهها،  كانت تسير بخطي وئيدة إلي الغرفة،  ولجت إلي الداخل لتري صغيرتها تجلس بجواره وتضحك وتلهو معه،  نهضت عند رؤية والدتها وأمسكت بعلبة الشيكولاتة:
_بصي أونكل علي جابلي علبة شيكولاتة كبيرة وقالي كوليها أنتي ومامي.

_ سبيها وروحي كملي الهوم وورك الي أديتهولك.

أذعنت لها علي مضض فأمسك علي يدها الصغيرة ويعطيها العلبة وقال:
_ خديها يا حبيبتي.

نظرت بحزن طفولي:
_ لاء مامي هتزعقلي بعد ما أنت هاتمشي.

أحتضنها وربت عليها:
_ متخافيش أنا هقولها متزعقلكيش.

رفعت عينيها إلي أمها، فحدجتها ندي بتوعد وهي تجز علي شفتيها:
_ خديها يا لارا ويلا أدخلي جوه زي ماقولتلك.

ركضت الصغيرة بخوف وغادرت، نهضت ندي تقف بمنتصف الغرفة تعقد ساعديها أمام صدرها وبنبرة حادة سألته:
_ أنت مين سمحلك تيجي هنا؟.

رمقها بإستعطاف قائلاً:
_ ممكن تقعدي ونتكلم بهدوء ومن غير أي أنفعال، أنا جايلك بصفتي مدير شغلك عرف أنك كنتي في المستشفي وجه يطمن عليكي.

لوت شفتيها بتهكم وقالت:
_ ماشاء الله وكمان مراقبني والله أعلم مشغل جواسيس عليا أنا وجوزي، بص يا علي أنا حصلي كوارث من تحت راسك كتير، كنت هاموت بسبب....

صمتت ولم تكمل حينما دلفت والدتها تحمل صينية طاجن الأرز بالحليب، وضعته امامه علي الطاولة:
_ أتفضل بالهنا والشفا.

_ الله يهنيكي يا أمي.
نظرت أمها إليها بإستفهام عن سبب وقوفها هكذا وبعض الكلمات التي وصلت لسمعها.
ـــــــــــــــــــــــــ،،،،،،،،،ــــــــــــــــــــــــــــ
_ و في المخفر يسير متجهاً نحو مكتب رئيس عمله،  توقف أمام الباب وطرقه ليأتيه صوته من الداخل: 
_ أدخل.

فتح الباب وبجدية قال: 
_ صباح الخير يافندم،  طارق قالي إن هعدي عليك ضروري أول ما أوصل.

أشار إليه ليجلس قائلاً: 
_ صباح النور، أتفضل أقعد يا أكرم.

جلس أمام المكتب بإنتباه وبجدية بالغة بادية علي ملامحه،  فأردف الآخر: 
_ بالتأكيد طارق بلغك بسفرية سليم العقبي لأمريكا وحكاية جوازه من أخت رافع القناوي الي رجالتنا هناك عيونهم علي الأراضي بتاعته الي كل شوية يزرعها كوكايين ونحرقه له قبل ما حتي يسقيه.
1

_ أيوه بلغني بكده بس كان ورايا مهمة القبض علي العيال بتوع دار السلام وقولت أول ما هنقبض عليهم هبتدي تحريات عن رافع ده وأخته.

قال الآخر بزهو مبتسماً: 
_ وإحنا روحنا فين يا بطل، ده أنا كنت عايزك عشان أقولك إنك تعرفهم كويس أو بمعني الأصح تعرف إبن عمهم.

زاد إهتمامه بإنصات متسائلاً: 
_ و ده مين ده كمان؟.

_ فارس قاسم القناوي.

حاول التركيز في الأسم حتي تذكر صاحبه،  رفع حاجبيه بتعجب،  أردف الآخر: 
_ أيوه إبن صاحب والدك الله يرحمه،  وفضلتو فترة أصحاب لحد ما والدك توفي وأنت إنشغلت بعدها  في جوازك وشغلك،  شوفت الدنيا صغيرة إزاي!  .
1

_ أنا عمري ما جه في بالي أو مركزتش،  قولت ممكن يكون تشابه أسماء لأن والدي الله يرحمه الي كان عارفهم ومعرفتي بفارس كانت سطحية مجرد معرفة مش أكتر.

تنهد وعاد بظهره إلي الوراء مستنداً علي ظهر كرسيه بأريحيه،  ويتحدث بيديه: 
_ فارس ده بقي لسه راجع من فترة وفي نفس يوم رجوعه أتوفي والده الحاج قاسم ولما خلص مراسم الدفن أتقدم فيه بلاغ بأنه راجع من السفر ومعاه حمولة كوكايين حوالي عشرة كيلو وهيسلمها لتجار التوزيع هناك،  وبالفعل راحو فتشو البيت لاقو تحت سريره شنطة كبيرة بتحتوي علي نفس الي أتقدم في البلاغ،  قبضو عليه وفضل علي ذمة التحقيق لحد ما رحلوه علي النيابة،  ولو متابع الأخبار من يومين عربية الترحيلات الي كان فيها و معاه أخطر المجرمين من سفاحين وتجار مخدرات،  أتعمل للعربية كمين من رجالة واحد من المجرمين دول وطلعو بالأسلحه وقتلو كل الظباط والعساكر وهربو الي في العربية وحرقوها بالجثث الي قتلوهم.

_ أولاً دول بالتأكيد عصابة كبيرة الي عملو كده وليهم عيون في القسم الي كان فيهم الريس بتاعهم، ثانياً بالنسبة لفارس إستحالة تكون الشنطة دي بتاعته، والدي الله يرحمه كان ديماً بيحكيلي عن عم قاسم وإبنه وأخلاقهم ده غير الخدمات الي قدمها لوالدي في القبض علي مافيا المخدرات والسلاح لما كان بيجيلو مهمات في الصعيد، والي أعرفه عن فارس آخر حاجة إنه دخل هندسة ، فبالتأكيد فيه حاجه غلط في الموضوع أو دي مكيده من حد بيكرهه.

أومأ له وقال: 
_ بالظبط كده، هوجاري البحث عن العصابة دي وعن المساجين الي هربو والي من ضمنهم فارس صاحبك، فالوزارة بعته لكل مديرية أمن لكل محافظة أوامر بتمشيط المناطق المسئولة عنها ويلاقو المجرمين دول بأي طريقة، وباعتين لكل قسم قايمه بأسماء وصور المساجين.
_ وطبعاً حضرتك هتقولي مهمتك القبض علي فارس.

هز رأسه وقال:
_ و دي مهمتك المكلف بيها.

نهض أكرم بإمتعاض وقال معترضاً:
_ أنا بعتذر يا فندم، حضرتك عارف إن هدفي الأساسي هو سليم العقبي، ممكن تكلف حد غيري بمهمة البحث دي.
2

أمتعضت ملامحه فقال بحزم:
_ ده مش خيار يا سيادة النقيب، دي أوامر ولازم تتنفذ.

_ يا.......

قاطعه وأشار له بالإنصراف:
_ الكلام أنتهي، وأتفضل علي مكتبك وعايز كل يوم تقرير علي مكتبي لحد ما تلاقي فارس القناوي.

كظم أكرم حنقه بصعوبة، جز علي أسنانه وقبضتيه، فغادر المكتب وبداخله عاصفة تريد إقتلاع كل ما أمامها.
دلف مكتبه وتبعه إحدي مخبريه:
_ أكرم باشا، أكرم باشا.

صاح بغضب:
_ عايز أي أنت كمان علي الصبح.

تردد الرجل بتوتر وقال وهو يعود أدراجه:
_ خلاص يا باشا هجيلك وقت تاني.

زفر بنفاذ صبر:
_ أستني عندك، أنجز وأقول الي كنت جاي فيه.

أبتلع لعابه وأجاب:
_ علي الحسيني الي حضرتك مكلفني بمراقبته.

هنا تسمر وتهيأ لما سيقوله، فأردف الآخر:
_ خرج بعربيته وراح فطر في كافيه قريب من الفيلا بتاعته، والمفروض زي كل يوم يروح الشركة فلاقيته غير خط سيره ونزل قدام بيت وطلع فيه، الي أستغربته البيت ده يبقي الي ساكن فيه أهل جماعتك الست ندي هانم.

تحولت رماديتيه إلي الأسود القاتم، صاح في الرجل:
_ أخرج بره أنت دلوقت.

وأردف مع نفسه:
_ وصلت بيك الوساخة يا علي الكلب ورايح لمراتي في بيت أهلها، أنت الي جيت برجلك لقضاك.
وأخرج سلاحه من حافظته الجلدية وشد أجزاءه و وضعه مكانه مرة أخري، ثم غادر مكتبه وعينيه تندلع بنيران الإنتقام.
3

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،،،،ــــــــــــــــــــــــــــــــ
إزدحام سيارات تتسابق أصوات أبواقها والمارة يسيرون علي الأرصفة ومنهم من يقف أمام المتاجر،  ولا ننسي أصوات البائعون فوق الرصيف كل منهم يعلن عن بضاعته وثمنها المغري للمستهلك، وعند تلك الزواية يقف كل من فارس وجنيدي أمام بضاعتهم التي تتكون من ثياب خاصة بالنساء.
_ قربي يا آنسه،  قربي يا مدام عندنا حرق أسعار تاخدي طقم والتاني عليه هدية.
يصيح بها جنيدي،  فضحك فارس وقال: 
_ الي يسمعك وأنت عتتحدت كيف الناس أهنه مايصدجش إنك صعيدي.

_ عيب عليك يا صاحبي، أني ممكن أتحدت لك كماني بالأفرنچي،محسوبك كان عيتعامل مع أچانب فأتعلمت منيهم حبة كلمات علي قدي.

_ طيب شوف الزباين الي چايين علينا عجبال ما أروح أچبلنا علبتين كشري.

و في المتجر المقابل لهما يقف هذا البائع خلف الكاونتر يرص الثياب أمام تلك السيدة وإبنتها.
_ وبكام الأسود ده يابني؟.

رد الشاب وهو ينظر إلي الورقة المعلقة بالقطعة: 
_ ده ب 120 جنيه وبعد الخصم ب 100 بس.

شهقت السيدة وصاحت بحنق: 
_ ميت عفريت ينطوطوك،  ده العيال الي علي الفرشة الي أدامكو بيبيعو الطقم كامل وب 50 جنيه بس.

زفر الشاب بضيق من أسلوب السيدة الحاد وتطاولها عليها فقال:
_ إحنا بضاعتنا أورچينال يا حجه والي بيتباع بره علي الرصيف بيبقي تقليد.

لاحظت تلك الحسناء التي تجلس خلف المكتب الخشبي هذا النقاش الحاد مابين الشاب العامل لديها وبين السيدة،  نهضت لتري ما الأمر.

_ أي الحكاية يا حموده؟.

_ كل الحكاية يا آنسة شهد أن الحجة بتسألني علي سعر القطعة وقولتلها علي السعر قبل وبعد الخصم لاقيتها هبت فيا وتقولي بتتباع بره أرخص والطقم كامل، فهمتها إن بضاعتنا أصلي والي بره ده تقليد معجبهاش الكلام.
2

رمقتها شهد بحدة وقالت:
_ و هو زي ما قالك كده يا مدام، دي أسعارنا والحمدلله زباينا كلهم يشهدو بجودة بضاعتنا، والسعر ده مش هتلاقيه في أي محل تاني لأننا بنزل بسعر الجملة.

رد السيدة بتهكم:
_ جملة أي، ده حتة قطعة واحدة وبميت جنية وبره الطقم ب 50 ونفس المصنع، أنتو الي بتستعبطو وعايزين تكسبو وخلاص فاكرينا زباين هبلة.

جزت شهد علي أسنانها وضربت بيدها علي الكاونتر:
_ شيل البضاعة يا حموده، وأنتي يا ست خدي القمورة بنتك وروحي أشتري من بره.

صاحت السيدة بتشدق:
_ ما براحه علي نفسك يا بت وأتكلمي عدل أحسنلك.

صاحت شهد بنفاذ صبر تلوح بيدها:
_بت ما تبتك يا وليه، هو عشان شايفني بكلم بإحترام ولابسه الي علي الحبل، فكراني بتاعت مامي وبابي، لاء ده أنا أقفل المحل عليكي أنتي وبنتك وأعلمكو الأدب، ده أنا شهد بنت الحاج نعمان الي أكبر شنبات فيكي يا وسط البلد كلهم بيقف له إحترام.
3

حدجتها السيدة بإزدراء وهمت بالذهاب ممسكة بيد إبنتها:
_يلا يابنتي من هنا بلا أرف، أشكال عره بصحيح.

وقفت شهد خلفها:
_ العره دي تبقي أنتي وبنتك يا.....
1

صمتت عند دلوف هذا الرجل ذو المظهر المهيب، يرتدي جلباباً وفوقه عباءه، يمسك في يده اليمني سبحة حباتها من المرمر، يغلب الشيب خصلات شعره.
سألها بصوته الرخيم:
_ مالك يا شهد عماله تزعئي وصوتك جايب آخر الدنيا.
ــــــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،،ــــــــــــــــــــــ
_ وقفت بالقرب من البناء بعدما ترجلت من السيارة ورأت الآخر يصعد إلي داخل البناء،  ترددت في أن تصعد أيضاً حتي لا يفهم إنها تتبعه إينما ذهب وتخشي من ردة فعله أمام صديقتها وعائلتها.
ظلت تنتظره حتي ينتهي من زيارته تلك لكن حدث مالم تتوقعه، رأت سيارة تقف أمام البناء وهبط منها أكرم،  أعتلت الإبتسامة ثغرها فها هو جاء من سيلقنه بدل الصفعة التي أعطاها إياها في الملهي،  آلاف الصفعات،  مهلاً يبدو الأمر أسوء من ذلك،  حيث أخرج أكرم سلاحه ويتجلي من ملامح وجهه عازماً علي الشر،  تخيلت إنه يطلق الرصاصات،  علي من يهواه قلبها برغم قساوته معها فلم تتحمل المشهد كخيال حتي،  شهقت بفزع: 
_ يانهار أزرق،  لما أطلع ألحقه قبل ما المجنون أكرم يموته.

وركضت تصعد خلفه.

وبالأعلي أنتهي من تناول الأرز: 
_ تسلم إيدك يا ماما،  أحلي طاجن رز بللبن دوقته في حياتي.
1

كادت تجيب علي شكره فقاطعها رنين جرس المنزل وطرق بعنف علي الباب،  نهضت والدة ندي: 
_ ده مين الي هيخلع الباب ده.

أنقبض قلب ندي من الخوف وتتمني أن لايكون هو الطارق،  ذهبت أمها ففتحت الباب،  دلف والشر يتطاير من عينيه،  يصيح بغضب باحثاً في الأرجاء: 
_ هو فين؟  .

صاحت به حماته بتعجب وغضب في آن واحد: 
_ مالك يا أكرم داخل تزعئ ولا عامل إحترام لأهل البيت.

لم يجيب عليها وذهب إلي غرفة الضيوف فتوقف عند عتبة الباب يحدج هذا الذي نهض فور رؤيته بكم من النظرات النارية.

وقبل أن تغلق والدة ندي الباب وتلحق به منعتها مروة التي دلفت بللهاث: 
_ أزيك يا طنط عاملة أي؟.

أجابت بإندهاش عليها: 
_ الحمدلله يابنتي مالك أنتي كمان؟.

_ بعدين يا طنط،  هو فين علي وندي.
قالتها وقبل أن تجيب عليها ركضت مسرعة إلي غرفة الضيوف،  ولجت إلي الداخل لإنقاذ من تعشقه،  وقفت بجواره وأمسكت في زراعه وبتمثيل متقن قالت: 
_ أزيك يا سيادة النقيب،  أعرفك علي علي الحسيني خطيبي،  بالتأكيد تعرفه وندي حكتلك عنه،  يبقي حبيبي وخطيبي ومديري في الشغل كمان، جينا نطمن علي ندي لما مبقتش تيجي الشركة، صح يا لول؟.

جز علي علي فكيه من حديثها،  فقد أستغلت الموقف عن جدارة لكنه حمد ربه بإنها قامت بإنقاذ الموقف وخاصة محبوبته، لم تمر الكذبة علي أكرم فحدج علي بإزدراء وكراهية،  وأجاب علي ببرود وتمثيل متبادل : 
_ صح يا حبيبتي،  ومفيش داعي تعرفينا علي بعض،  ولا أي ياسيادة النقيب؟  .

أعاد أكرم سلاحه بداخل حفظته،  ثم تقدم نحو ندي ووقف بجوارها ليحاوط جسدها بزراعه بتملك، وقال: 
_ آه طبعاً أستاذ علي غني عن التعريف،  ده كفاية جمايله معانا في القرية لما كنا في الساحل، وإن شاء الله هردها له قريب أوي.
1

قال آخر جملة بنبرة توعد شعر بها علي وكذلك ندي التي وجدت زراعه تضغط علي خصرها،  تكره إلتصاقه بها و ودت لو تدفعه بعيداً عنها لكن لاتريد أن يشمت بها هذا العلي ويفرح لأنه حقق هدفه وهو التفريق بينها وبين زوجها.
1

_ العفو يا سيادة النقيب،  جمايل أي إحنا أخوات.
وحدجه بإبتسامة صفراء،  فتدخلت مروة قبل أن يحتد الحديث بينهم: 
_مش يلا يا علي إحنا بقي، عشان لسه ورانا كذا مشوار.

كان متسمراً في مكانه يتبادل مع أكرم نظرات بآلاف الكلمات،  لكزته في زراعه: 
_ علي، بكلمك.

أجاب ومازال ينظر لأكرم وندي:
_ سمعك يا حبيبتي،  يلا بينا.
_ عايزه حاجة يا ندوش يا حبيبتي هبقي أكلمك فون بقي لما اروح.
قالتها مروة فأومأت لها الأخري: 
_ ميرسي يا مورو.

وقبل أن يذهب هو وهي ألتفت إلي ندي وقال: 
_ حمدالله على سلامتك يا مدام ندي مرة تانية.

هزت رأسها بطيف إبتسامة علي وجهها وشعرت بضغط زراع أكرم علي خصرها يزداد،  يبدو أنه يشتعل من داخله.
ذهب علي ومروة،  وبمجرد رحيلهما سار أكرم نحو باب الغرفة وأغلقه وحاول أن يرتسم الهدوء علي ملامحه،  باغتته ندي بنبرة حادة: 
_ أنت أي الي جابك؟.

ضغط علي قبضتيه يحاول كظم غضبه السريع كالعادة، فأجاب: 
_ جيت أطمن عليكي وعلي لارا.

رفعت إحدي حاجبيها وقالت: 
_ أنا تنساني خالص  وملكش دعوة بيا وبالنسبه لبنتك أنا هادخل أناديهالك تيجي تقعد معاك وتطمن عليها براحتك.
وهمت بالذهاب،  أمسكها برفق ولانت ملامحه برجاء: 
_ ممكن نقعد نتكلم شويه.

كادت تصيح في وجهه لكنها لاتريد أن يصل حديثها لوالدتها،  فقالت من بين أسنانها:
_ الكلام بينا أنتهي، و لو كنت فاكر بعد الي عملته فيا إن ممكن أسامحك يبقي بتحلم،  أنت موتني بالحيا،  حكمت عليا ونفذت من غير ذرة رحمة ولا كأني مراتك وأم بنتك،  ولا أبنك الي مات بسببك قبل مايشوف الدنيا، أنا مرضتش أمشي في إجراءات المحضر ضدك مش ضعف مني ولا عشان خايفه منك لكن مش عايزه أشوف نظرة لوم ليا في عيون لارا أو تكرهني.
1

بدأت عبراتها تتجمع علي مقلتيها،  وهو يقف أمامها منكس الرأس غير قادراً علي رفع عينيه في عينيها،  فأردفت ببكاء: 
_ هتبرر عمايلك إن سببها الغيرة،  هقولك مفيش حد مهما حصل من الي بيحبه يعمل فيه كده،  يذله ويكسره ، خلتني مجرد حطام بني آدم عايش، سيبني يا أكرم كل واحد يروح لحاله بالمعروف أحسن.
4

وقف أمامها و وضع كفيه علي كتفيها يرمقها بتوسل وإعتذار: 
_ آسف، ومش هبرر الي عملته معاكي وأستاهل أي حاجة هاتعمليها فيا ومش هطلب منك تسامحيني،  بس بالله عليكي إلا الي بتطلبيه مني ده، كله إلا أن أسيبك،  أنا مليش غيرك يا ندي أنتي ولارا بنتنا.

إبتسمت بتهكم من بين دموعها:
_ مبقاش ينفع،  أنت كسرت جوايا حاجات كتير،  أنت حولتني من واحدة كانت بتحب بيتها وحياتها لواحدة تانية بقت خايفة وضعيفة ومن أقل حاجة ألاقي دموعي تنزل لوحدها، كرهت نفسي وحياتي حتي بيتنا خايفة أرجعه وأفتكر الي عملته فيا، أوضتنا الي شافت أجمل لحظات مابينا بقت بالنسبه لي أوضة عذابي وجحيمي،  ربنا يعلم أن الي مخليني واقفه علي رجلي وبحاول أبقي كويسه هي بنتنا الي ملهاش ذنب في كل الي حصل.

_ وعشان خاطر بنتنا أديني فرصة أرجع حياتنا أحسن من الأول وأصلح كل حاجة، ولو كارهة الشقه أوي كده ممكن أشوف واحده تانيه المهم نكون مع بعض.

أومأت رأسها بالرفض، و ولت ظهرها إليه : 
_ مش قادر تفهمني ليه!  ،  أنا بقيت بخاف منك أنت،  الحب والثقة الي مابينا مبقاش ليهم وجود،  حبك أتحول لإنتقام دفعت تمنه غالي والثقة بقت خوف وعدم الإحساس بالأمان الي فقدته معاك.
1

كلماتها كالسياط الحديدية الآتية من نيران الجحيم،  جلدت قلبه بكل قوة،  تمني لو عاد الزمن به ولايفعل ما أقترفه،  كيف سيجعلها تعود له مرة أخري وتشعر معه بالأمان والثقة!  ،  لم يجد أي كلمة يتفوه بها فقرر الذهاب حالياً ويتركها مؤقتاً للأيام لعلها تنسي وتغفر له أخطائه.
_ أنا هامشي يا ندي،  هاسيبك فترة تهدي وتفكري مع نفسك وأي حاجة هتطلبيها أنا تحت أمرك،  إلا حاجة واحدة أنتي عارفها، لأن لسه بحبك وإستحالة نفترق،  سلام.
قالها وغادر مسرعاً ولم يلاحظ حتي وجود حماته التي كانت تقف في الخارج وسمعت كل ما دار بينهما.
1

ولجت إلي إبنتها وبملامح واجمه سألتها: 
_ عملتي أي يابنت بطني خلي جوزك كان هيموتك؟.
3

ألتفتت إليها ورمقتها بأعين متسعة فهذا آخر ما ينقصها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،،، ــــــــــــــــــــــــ
نظرت لأسفل بتوتر ثم رفعت وجهها بإبتسامة تخفي خلفها خوفها منه:
_ مفيش يا بابا ده واحده كده كانت بتقل أدبها عليا أنا والولاه حمودة وقفتها عند حدها ومشيت.

ضيق عينيه وبإمتعاض يحدق بها:
_ شكلي كنت غلطان لما نزلتك معايا المحل بدل حبستك في البيت، معرفش أنك هتجبيلي مشاكل مع الزباين.

نظرت بإستنكار وبدفاع عن نفسها قالت:
_والله يا بابا هي الي غلطانه، واقفه من صباحية ربنا تقلب في البضاعه ومطلعه عين حموده معاها ولما جه يقولها السعر قلت أدبها عليه جيت أتكلم معاها وأفهمها هبت فيا وشتمتني عايزني أسكت لها!.

رد بتهكم:
_ لاء طبعاً تسكتي لها إزاي، ده كنتي تجبيها من شعرها وتخلي الي مايشتري يتفرج عليكي وفضحتنا تبقي بجلاجل.

تدخل حموده بدفاع عن إبنة رب عمله:
_ معلش يا حج، الست شهد كان عندها حق في الي عملته.

صاح به نعمان:
_ وأنا الي بقول عليك عاقل يا حموده، قولت ميت مرة الزبون مهما أتكلم ولا أعترض مينفعش نرد عليه بنفس أسلوبه، الي مش عجبه ميشتريش ولو حد أتجاوز حدوده تكلموني أجي أنا أتعامل، مش ده الي وصيتك بيه يا ست شهد؟.

أومأت له وتنظر لأسفل بخجل:
_ حقك عليا يا بابا، مش هتتكرر تاني، بس كنت عايزه أقول حاجة، العيال الي بره دول بجحين أوي، مكفهمش أنهم بيبيعو نفس الحاجات الي عندنا لاء كمان منزلين الأسعار جامد وكل ما حد يدخل ميشتريش ويروح لهم.
1

_ ربك الي بيقسم الأرزاق يا شهد يابنتي، و كل بضاعة ليها زبونها الي بيقدرها وعارف قيمتها،  فالي بيشتري حاجة بقرش مش زي الي بيشتري أم عشرة قروش،  وظروف الناس مش زي بعضها،  والحمدلله إحنا زباينا معروفين وبيجو مخصوص لينا.
2

هزت رأسها كدلالة علي إعجابها بحديث والدها: 
_ الله عليك يا حاج ده أنت دكتوراه.

_ أنا جبتك هنا عشان تتعلمي أصول التجارة وتعرفي تفرقي بين الزبون والتاني وأهم حاجه تتحلي بالصبر،  لازم تكوني صبوره لأنك لو فضلتي تتعاملي مع الناس بعصبيتك دي في خلال شهر المحل محدش هيهاوب ناحيته.

_ خلاص من هنا ورايح هحاول أكون هاديه ولو حصل موقف زي من شويه كده هناديلك تتصرف.

تنهد وبداخله يعلم أنها لم تتغير بسهولة: 
_ لما نشوف.

_ طيب لما أروح أطلب لينا شوية سندوتشات كده عشان مفطرتش من الصبح.

_ ما تخلي حموده يروح يشتري.

_ المرة الي فاتت الراجل ضحك عليه وأداله غير الي طلبه وكمان ناقصين،  وبالمرة أفك رجلي شوية ده أنا زهقت من قعدة المكتب.

ضحك نعمان وأخرج من جيبه ورقة مالية: 
_ روحي وخدي بالك من نفسك.

_ خلي أنا معايا يا حبيبي.

قالتها وخرجت تنظر يميناً ويساراً قبل عبورها الرصيف،  وفي طريقها أخرجت هاتفها فأصتدمت بإحدهم فوقع من يدها مرتطماً علي الأسفلت، تسمرت في مكانها كالتمثال، شهقت ولطمت علي صدغيها: 
_يالهوي الموبايل أبو خمس آلاف جنيه.

أنحني وألتقطه وأخذ يتفحصه فلم يجد به أي خدوش،  تنهد بأريحيه ومد يده به ليعطيها إياه: 
_ أتفضلي  الحمدلله لساته سليم مفيهوش ولا خربوش واصل.

مهلاً، هذا الصوت يبدو مألوفاً لها، رفعت عينيها لتتأكد من حدسها وفي ذات الوقت نظر إليها فتذكرها، هي نفسها الفتاة ذات اللسان السليط التي رآها بالأمس عندما كان جالساً علي الرصيف، وفي صوت واحد:
_ أنت!.
_ أنتي!.

ضيقت عينيها وسألته بحده وبداخلها تشعر بالتوتر من النظر في رماديتيه الغامضة:
_ أي حكايتك معايا يا جدع أنت، كل شويه تطلعلي من تحت الأرض وتخبط فيا!.
3

_ ما تجولي الحديت ده لنفسك، أنتي الي ماعتركزيش في طريجك، وعتغلطي كمان بدل ما تعتذري عاد.

قالت بإستنكار وإصرار:
_ أنا مش غلطانة.

_ لاء غلطانة.
صاح بجدية بالغة،  مما جعلها تراجعت خطوتين إلي الوراء و ركضت مثل الأمس،  ظل واقفاً ينظر في آثرها حتي أختفت مابين الزحام.
عاد إلي صاحبه ولم يلاحظ أختبأها ومراقبتها له.

قال جنيدي فور رؤيته: 
_ فين الواكل يا صاحبي؟.

أخرج ورقة صغيره من جيبه: 
_ المحل عليه زحمة كتير والواد بتاع الكاشير عطاني ورجة وفيها رقم دوري،  جالي تعال بعد عشر دجايج.

تفوه جنيدي بسخرية: 
_ حتي الكشري عليه طابور،  أني هاروح أشتري باكو بسكوت تصبيره،  أشتريلك معاي؟.

_ لاء شكراً.

و وقف يعلن عن بضاعتهما وتوالت الزبائن من السيدات والفتيات فمنهن من تشتري ومنهن أيضاً من تشاهد بدون شراء.
وهناك زوج من العيون التي تشبه حبات اللوز تراقبه،  فأشارت لعامل القهوة: 
_  يا هيما.

ركض إليها يحمل صينيه فارغه:
_أمرك يا ست البنات، تشربي أي؟.

أشارت له نحو فارس:
_ مين الشاب الي واقف أدام المحل ده أول مرة أشوفه النهاردة.

أجاب وهو يحك ذقنه النامية:
_ دول عيال جايين جديد يسترزقو وحظهم أن الأمين شوقي أجازة النهاردة لو شافهم كان جرهم علي القسم، حد فيهم ضايقك؟.
1

_ فشر مين ده!، محدش يقدر يضايقني، روح أنت وأبقي تعالي عشان تبقي تاخد الحساب.
1

ذهب الصبي، بينما هي ظلت واقفه تتأمل فارس قائلة:
_ ياتري أي حكايتك يا أبو عيون رمادي تجنن!.
1

ــــــــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،،ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ تدلف سيارته الفراري السوداء ساحة هذا المنزل الذي صُمم من الصخور الحجرية والزجاج العاكس كالمرايا حيث من بالخارج لايري من بالداخل،  فهو إحدي أملاكه في تلك المدينة الصاخبة المعروفة بالنوادي الليلية ودور السينما والمسارح وأيضاً من الجانب المظلم شهيرة بعصابات مافيا السلاح والإتجار بالبشر.

فتح السائق الباب له فترجل و وقف يغلق زر سترته وأتجه إلي الداخل،  وقفت الخادمة تنحني له بإجلال وإحترام،  تقول بالإنجليزية الأمريكية: 
_ مرحباً بك سيدي.

أجاب عليها بأمر: 
_ أعدي الفطور وأجلبيه إلي الغرفة.

_ أمرك سيدي.
صعد الدرج الزجاجي بهدوء، لم يراها منذ وصولهما بالأمس، فعندما وصل كليهما من السفر جاء إليه إتصال هاتفي من إحدهم،  أمرها بالصعود إلي الغرفة لتستريح ريثما يعود.
فتح باب الغرفة ليجدها نائمة،  فكانت السابعة صباحاً بتوقيت ولاية لاس فيجاس فهناك عشر ساعات فرق توقيت بين مصر وولايات أمريكا.

تقدم منها وجلس بجوارها علي طرف التخت المستدير المحاط بأربع أعمدة يتدلي منها ستائر سوداء شفافة.
فك الزر وخلع سترته و وضعها جانباً ثم رابطة عنقه و قام بفك أزرار قميصه،  نهض ودلف إلي المرحاض ليستحم.

ما زالت نائمة كما هي بل ويبدو من ملامحها المقتضبة تري حلماً مزعجاً، تتمدد علي تخت في غرفة مظلمة مكبلة اليدين والقدمين، تسمع صوت فحيح أفاعي يحاوطها مما دب الرعب في قلبها وهمت بالصراخ لكن الصرخة لم تخرج منها، أخذت تتلوي حتي أضاء من فوقها مصباح ذو إضاءة شديدة جعلتها تغلق عينيها بإنكماش ثم قامت بفتحهما بإتساع عندما سمعت صوت ضحكاته المخيفة تقترب منها، فوجدته يعتليها حتي أصبح وجهه أمام وجهها مباشرة، وبنبرة أشد رعباً:
_ لازم تخافي لأنك تحت رحمتي، حياتك كلها ملكي يا زينب.
أنقض عليها كالوحش وظل صدي صوته يردد إسمها وهي تصرخ من أسفله.

شهقت وهي تنهض بجذعها ونظراتها يملؤها الذعر، تنظر من حولها حتي وقعت عينيها علي باب المرحاض يفتحه ويخرج مرتدياً مأزر قطني وخصلاته الفحمية منسدلة علي جبهته العريضة،أمسك بمنشفة قطنية صغيرة وأخذ يجفف شعره قائلاً:
_ صباح الخير.

لم تجيب.
أردف:
_ شكلك نايمة من إمبارح والدليل إنك لسه بالفستان الي عليكي.

نهضت من الفراش ولم تكترث لحديثه إليها متجهة إلي المرحاض، صرخة شقت حنجرتها عندما أوقفها قابضاً علي خصلاتها الغجرية، يقرب وجهه من وجهها وبصوت هادر:
_ لما أكلمك تردي عليا ولا مستعجلة علي عقابك.

عقاب!، تلك الكلمة يرددها علي مسمعها كلما قامت بالتمرد أو تجاهله، ماذا يقصد بها

ألقي بها بعنف وكادت تسقط علي الأرض، ألتفتت إليه وقالت بكراهية شديدة:
_ كيف رايد مني أتحدت وياك وأنت بتتعامل معاي بعنف وقسوة.

_ أنا مبتعاملش معاكي كده غير لما بلاقيكي بتعصي أوامري أو تتجاهلي كلامي، وسبق وحذرتك، وأعملي حسابك كل حركة ليكي هيسبقها أذن مني.

رفعت حاجبيها وبدهشة أعتلت ملامحها قالت:
_ كيف دي؟.

رفع زواية فمه جانباً وساد الظلام عينيه، أجاب وكأنه شخصاً آخر:
_ يعني أكلك شربك مواعيد نومك وصحيانك أي حركة ليكي قبلها تستأذنيني الأول.

قالت بسخرية معقبه علي حديثه المجنون:
_ ده ناجص تجولي دخولي للحمام بأذن كماني.

أومأ لها وقال: 
_ كده بدأتي تفهميني.

رفرفت أهدابها تحدقه بصدمة،  لم تستعب ما يقوله إليها،  أكمل حديثه: 
_ أنا عارف الي بقوله صدمة عليكي،  بس واحدة واحدة هتتعودي،  و زي ما قولتلك أي عصيان أو تمرد منك هيبقي مقابله عقاب.

سألت بسخرية: 
_ ويا تري يطلع أي العقاب دي؟.

أنبلجت إبتسامة علي ثغره لم تصل لسوداويتيه الحادة القاتمة: 
_ هاتعرفيه وقتها،  ولكل غلط عقابه الخاص بيه.

حدجته بسخط ولم تريد جداله في تلك الترهات التي يلقيها عليها، فقالت:
_ طيب يا سليم بيه، ممكن تعطيني تليفونك أتحدت ويا أهلي وأطمنهم عليا.

كاد يرد فقاطعه طرقات الخادمة وتقول من خلف الباب:
_ الفطور سيدي.

_ أدخلي أنيتا.
دلفت الخادمة تجر عربة أمامها فوقها أطباق مختلفة من الطعام وأقداح فارغة بجوارها براد شاي وآخر حليب.

أوقفت العربة أمام الأريكة المقابلة للتخت وقالت وهي تنظر لأسفل:
_ أي أوامر أخري سيدي؟.

أجاب بإقتضاب:
_ لا، أذهبي.
1

أنحنت بإحترام و غادرت، فقال للأخري:
_ أدخلي خديلك شاور وغيري هدومك عقبال ما ألبس وهستناكي نفطر.

أتجهت إلي المرحاض وهي تقول:
_أفطر أنت أنا مليش نفس عاد.

لم تجد منه رداً وتركها دلفت وأنتهت من أخذ حمامها وأبدلت ثوبها بثوب أبيض قطني بأكمام تصل لرسغها وطوله يصل إلي كاحليها، جمعت خصلاتها لأعلي علي هيئة كعكة، خرجت من المرحاض لتجده قد أنتهي من تناول الطعام ويرتشف الشاي، عينيه لم تبرحها حتي جلست علي مقعد قريب من الشرفة الزجاجية تتجنب الجلوس بالقرب منه أو حتي النظر إليه، تتأمل منظر الأشجار والأزهار في الخارج بصمت لاتعلم ما ينوي عليه إليها لمجرد إنها رفضت تناول الطعام فتركها تفعل ما تشاء علي راحتها، إذن لاتلومه علي ما سيفعله بها للتو.

_ أومي.
قالها بأمر فأنتبهت إليه و رمقته قائلة بإستفهام:
_ نعم؟.

أشار لها بسبابته بالمجيئ:
_ أومي وتعالي أقفي أدامي.
ودفع عربة الطعام من أمامه جانباً، زفرت بتأفف وتمتمت في نفسها:
_أستغفر الله العظيم، أبتدينا الچنان علي الصبح.
1

نهضت وأذعنت لأمره وقفت أمامه علي بُعد مسافة متر، أومأ لها بالنفي وقال:
_ أقفي هنا.
وأشار أمام قدميه، ففعلت كما أمرها.
أردف بأمر مرة أخري:
_ أقعدي علي ركبك وعينك لتحت.
5

رمقته بتعجب لما يتفوه به، فصاح بصوت هادر جعلها ترتجف من الخوف:
_ نفذي الي قولتلك عليه.

جلست علي ركبتيها وجسدها ينتفض وجلاً.
_ قولت عينيكي لتحت.
نظرت لأسفل، أنحني بجذعه نحوها فشعرت بأنفاسه وكأنها حرارة تتصاعد من مراجل تتأجج بداخلها المياه، مد يده إلي رأسها وجذب مشبك الشعر فأنسدلت خصلاتها، أزدردت ريقها بدون أن تتجرأ وتنظر له فقالت:
_ ممكن أفهم أني سويت أي دلوق؟.

أمسك بإحدي خصلاتها وقام ببرمها علي سبابته يجذبها مما سبب لها الألم:
_ لما أقولك هستناكي نفطر، يبقي ده أمر، مش أختيار، قولتي مليش نفس سيبتك تعملي الي أنتي عيزاه،بس زي ما نبهتك كل عصيان مقابله عقاب، وعقابك هاتفضلي علي وضعك كده لحد ما هقولك تقومي.
1

قالت بعتاب وتحاول منع عينيها من البكاء:
_ عيب ياسليم، أني مش عيلة صغيرة تسوي فيها إكده!.

أجاب وهو يربت علي وجنتها، ربت أشبه بالصفعة في حدتها:
_ ولما أنتي كبيرة وناضجة ليه بتعانديني ومصره إنك تستفزيني.

رفعت عينيها لتواجه خاصتيه وليتها ما نظرت إليه، قالت بصوت متحشرج وشيك علي البكاء:
_ أني فعلاً مليش نفس للواكل، معدتي بجالها يومين عتوچعني جوي.

قطب مابين حاجبيه وسألها:
_ ومقولتليش حاجة زي دي ليه؟.
3

أجابت بتهكم وكأنه يهتم لآلامها الذي هو السبب في حدوثها:
_ يعني لو جولتلك هتسوي لي أي عاد!.

قبض علي ذقنها بقوة وبغضب قال:
_ هكلملك الدكتور يجي يكشف عليكي ويكتبلك علي علاج، أي حاجة هتحصلك لو مبلغتنيش بيها هاحاسبك عليها، ومش محتاجه هقولك أنا هعمل فيكي أي وقتها.
2

حدجته بسخط وقالت:
_ ملهوش لازمة الدكتور، التعب الي أني فيه سببه نفسي وأنته خابر زين.

أدرك ما ترمي إليه من وراء كلماتها، نهض و وقف ينظر إليها وهي ما زالت علي وضعية جلوسها، جز علي فكيه وقال:
_ أحمدي ربنا علي بعمله لحد دلوقت معاكي، يعني العقاب الي أنتي فيه ده شئ لايُذكر، أنا كان ممكن أخليكي تقعدي نفس قعدتك دي بس من غير هدوم خالص، قولت لنفسي بلاش تقسي عليها في الأول كده، هي لما تجرب عقاب بسيط هتحرم ماتسمعش كلامك بعد كده.
2

فاض بها الكيل لتنهض وسألته:
_ أني سويت فيك أي لأچل تعمل فيا إكده!، أتچوزتني غصب و خدتني غصب حتي عيشتي وياك كليتها أوامر وغصب عني لازم أنفذها كيف ما أمرت وألا هتعاقبني وكأني لسه طفله بتتعلم، جولي لو ده إنتجام من الي سواه أخوي وياك هجولك وأني ذنبي أي!، كنت حاسبه هو.

لم يهتز قلبه لكلماتها أو للعبرات التي تجمعت في عينيها ونبرة صوتها التي تدمع لها القلوب وتدمي ألماً.
كشر عن أنيابه فصاح بها ويمسكها من عضديها يهزها بعنف:
_ أنا ما أتجوزتكيش إنتقام من الي عمله معايا أخوكي زي ما أنتي فاكرة، أنا أتجوزتك عشان أنا عايزك، وسليم العقبي لما بيحط حاجة في دماغه لو أنطبقت السما علي الأرض بياخد الحاجة دي وتبقي ملكه، وأنتي ملكي يا زينب، والي يفكر بس يبص لك أو حتي يحاول يبعدك عني هامحيه من الوجود.
أشتدت لهجته بشراسة وبدأ يظهر جانبه المظلم المسيطر، يدفعها نحو الفراش حتي سقطت عليه بظهرها،  تري في عينيه نفس تلك النظرة التي كانت في ليلة ذبحها كما أطلقت عليها.
أنتفضت وحاولت أن تنهض وتبتعد لكنه منعها قابضاً علي يديها ويحاوطها بجسده الذي يفوق قوتها أضعافاً.
_ فاهمة يا زينب، أنتي بتاعتي أنا وبس.
1

صرخت وهي تتلوي بجسدها أسفله:
_ هملني ياسليم، مش هعصاك واصل، أبوس يدك هملني.
2

ـــــــــــــــــــــ،،،،،، ــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ لم يسمع توسلاتها ولم يراها أيضاً بل كان أمام عينيه مشهداً من أعماق ذاكرته السوداء، يري أمامه طفل صغير ذو خمسة أعوام يختبأ خلف الستار و رجل في العقد الرابع يعتلي فتاة شقراء مكبلة اليدين والقدمين علي تخت حديدي، يعتدي عليها بسوط من الجلد وتتأوه بألم مصتنع، فألقي بالسوط وأنقض عليها بضراوة وعنف، بينما هذا الصغير يتابع ما يحدث بخوف ورعب يبكي بصمت حتي لم يشعر بنفسه وهو يبلل بنطاله.
4

عاد إلي واقعه، فنهض من فوقها يلتقط أنفاسه وأرتمي متمدداً بجوارها، أسرعت بإلتقاط الدثار تغطي جسدها العاري بعدما قام بتمزيق كل ما كانت ترتديه من ثياب.
قام ليرتدي سرواله وأخذ من فوق الكمود علبة فتحها وألتقط سيجار من داخلها وقام بإشعاله، نهض وسار حتي توقف خلف زجاج الشرفة، قال:
_ أنا النهاردة هاعفو عنك وهاسيبك براحتك تتحركي زي ما أنتي عايزة، لكن بعد كده ما أوعدكيش بالأوبشن ده.
2
تريد أن تصرخ، لكن كيف الصراخ وحنجرتهاالتي تمزقت من ألم صرخاتها عندما كان يعتدي عليها أصبحت غير قادرة علي التفوه بحرفٍ واحد.
نهضت من فوق التخت ملتفة بالدثار وبكل ماتبقي لها من قوة واهنة ركضت إلي داخل المرحاض وأوصدت الباب، فتحت صنبور الإستحمام وصعدت إلي داخل الحوض أسفله بعدما ألقت بالدثار علي الأرض، أنهمرت المياه علي جسدها كإنهمار عبراتها من عينيها، جلست في الحوض حتي أمتلأ بالمياه، لم تعد قادرة علي التحمل أكثر من ذلك، فعليها أن ترضخ له وتصبح مجرد جسد يطاوع أوامره بلا نقاش يا أو أن تتخلص من هذا العذاب والجحيم بالتخلص من حياتها نهائياً، ومالبثت ثوان في التفكير حتي مالت للأختيار الثاني، لتستسلم لوساوس الشيطان مرة أخري، تمددت في الحوض وغمرت المياه جسدها بالكامل تُرحب بالموت غرقاً.
_ في وسط المدينة الصاخبة والأضواء الملونة المنتشرة في أرجاء الطرق والشوارع مصدرها لافتات الأندية الليلية والمتاجر،  وبداخل السيارة الليموزين يجلس يتابع أعماله في مصر عبر هاتفه،  بينما هي تتأمل شوارع المدينة من خلال النافذة،  تنظر بأعين خاوية من التعبير حيث أصبحت مسلوبة الإرادة تُنفذ أوامره بخضوع تام،  فقد بدأ الضعف يتملك من روحها.
أفاقت من حالة صمتها علي صوته يخبرها: 
_ جهزي نفسك قربنا نوصل،  وطبعاً مش محتاج أنبه عليكي رجلك متبعدش من جمبي ولا خطوة،  أي حد هيكلمك الإجابة علي أد السؤال، متشربيش أي حاجه تتقدملك غير لما تقوليلي الأول.

نظرت إليه بسخط وقالت: 
_ أني مبشربش الجرف الي عتشربو.

أمسك كفها وضغط عليه وبشبه إبتسامة مخيفه ونبرة تهديد: 
_ و مش عايز أشوف البصة دي تاني، ولما تتكلمي معايا عينيكي في الأرض،  مفهوم؟.
1

ظلت تنظر له بصمت حتي توقفت السيارة فأردف بأمر: 
_ يلا عشان وصلنا.

فتح إحدي رجال حراس الكازينو باب السيارة من الخارج، ترجل بهيبته وتبعته زوجته فمن لايعرف سليم العقبي وخاصة بعدما أخبر بقدومه صديقه صاحب الكازينو ورجل الأعمال ونجل أشهر عائلات المافيا بلاس فيجاس (دانيال ساتلوني)  ، فما عليه سوي أن أُعد له إحتفالاً خاصاً يليق به وبعروسه فالكل لديه فضول لرؤية من تلك المرأة التي أستحوذت علي قلب ال(Devil) فهذا لقبه في وسط رجال المافيا والعصابات،  فالشر وسليم وجهان لعملة واحدة.

وقف هذا الرجل الأصلع يستقبله بذاته،  رافعاً يديه بطريقة مسرحية قائلاً بالأمريكية: 
_ وأخيرا قد أتيت بعد غياب طويل أيها ال(Devil).

بادله سليم الإبتسامة وصافحه بمحبة:
_ كان لدي الكثير من الأعمال كما تعلم ياصديقي.

  نظر دانيال نحو تلك العروس التي تغطي رأسها بوشاح فمظهرها يبدو غريباً في هذا الوسط،  يعلم إنها عربية مصرية مسلمة مثل صديقه لكن يبدو إنها تتمسك بتعاليم دينها أيضاً وذلك جلي في مظهرها المحتشم.
2

مد يده إليها وقال:
_ مبارك لكما سيدتي الجميلة.

نظرت زينب أولاً إلي سليم فأبتسم من فعلتها تلك، وضع يده علي خصرها بتملك و قال بالنيابة عنها :
_ عذراً  دانيال فزوجتي لاتصافح الرجال.
1

رمقها دانيال بنظرة لم تفهمها فقال:
_ حسناً لايهمك سيدتي، هيا بنا ينتظركما الكثير من المفاجاءات بالداخل.

دلف ثلاثتهم إلي الداخل ليجدوا في إستقبالهم فتيات ترتدي ثياب عارية تقوم بنثر أوراق الورود عليهم وتهلل بفرح وبدأت الموسيقي، أقترب النادل يحمل علي كفه صينيه يعلوها زجاجة من الخمر وكأسين، تناول سليم الزجاجة وقام بإقتلاع غطاءها الخشبي فأنفجر محتواها بفوران أنسكب علي يده وعلي الأرض، تناول كأس وسكب القليل ليحتسيه علي دفعة واحدة، فسكب الكأس الأخري وأعطاها لها فأبعدت الكأس بعدم رغبتها بإرتشافه لكنه باغتها بالقبض علي خصرها بقوة يضمها إلي صدره بقوة هامساً بجوار سمعها:
_ أشربي البوءين دول وخلي ليلتك تعدي علي خير أحسنلك.
2
ردت بإعتراض وتصميم:
_ وأني مابشربش ولا عمري ما أحطها في خشمي واصل.

إبتسم إليها وأنامله يغرزها في خصرها مما سبب لها ألم جعلها لم تتحمل فأصدرت تأوهاً رغماً عنها
، فقال بأمر  لاجدال فيه:
_ وأنا قولت أشربي.
ودفع الكأس علي فمها فأبتلعت الخمر علي مضض معتصرة عينيها بتقزز من طعمه اللاذع الكريه،ولم تتوقع أن يدير جسدها بين يديه ويهبط علي شفتيها أمامهم بقبلة بدت إليهم قبلة رومانسية من زوج لزوجته كما يفعلون في حفلاتهم وأعراسهم لكنها كانت غير ذلك بالنسبة إليها.
1

قادهم دانيال إلي الطاولة المجهزة لهما عليها أشكال وأنواع مختلفة من زجاجات النبيذ والخمر والفاكهة والتسالي يتوسطها قالب حلوي عليه عبارة تهنئة ويعلو القالب شكل أصفاد مصنوعة من عجينة السكر تشبه الأصفاد الحقيقية تماماً.
وعندما رآها سليم تجهم وجهه ونظر إلي دانيال بإستفهام،  قهقه الآخر وقال له: 
_ هذه فكرة زوجتي،  دعني أعرفكما عليها،  تعالي حبيبتي.

تقدمت نحوه امرأة في بداية عقدها السادس ذات شعر قصير بللون البندق وعينين بللون أوراق الشجر وبشرة تدل إنها شقراء ويبدو لون خصلاتها مستعاراً، من يراها يظن إنها فتاة في العشرينات، تتمايل بخصرها الذي يشبه الساعة الرملية ترتدي ثوباً أسود بلا أكمام طويل وبه فتحة تظهر إحدي ساقيها ء، وحين وصلت لدي الطاولة أستدارت لتكون المفاجاءة والصدمة في ذات الوقت لديه.
3

_ أعرفكما بزوجتي وشريكة أعمالي ساندرا جابرييل.
قالها دانيال، لتمد زوجته يدها إلي سليم وترمقه بإبتسامة جلية يقابلها بنظرة آتية من وادي مظلم، يجز علي عظام فكه بقوة.
تفوهت بصوتها الأنثوي الرقيق الخادع:
_ أهلاً سيد سليم، و زواج سعيد.
3

بادلها المصافحة بقبضة علي يدها شعرت  بطقطقة مفاصل أناملها، وقال:
_ أهلاً سيدة ساندرا.

حدجت زينب بتفحص لاحظته الأخري وقالت:
_ زوجتك جميلة جداً.

نظرت زينب إليها بشبه إبتسامة:
_ شكراً لك ِ.

_ أتمني ما أعددناه قد أسعدكما، فعندما أخبرني دانيال بزيارتكما إلي الكازينو وأنكما حديثي الزواج، فأوصيت علي قالب حلوي خصيصاً لكما و الأصفاد.
صمتت لثوان ورمقت سليم بنظرة غامضة لتعود إبتسامتها المزيفة مجدداً، مردفه:
_ تعني الزواج يشبه الأصفاد تماماً كما يسمونه لديكم بالقفص الذهبي.

رمقتها زينب بإبتسامة ساخرة وبداخلها تقول:
_ وأنتي الصادجة قصدك سچن والحكم فيه إعدام جلبي وروحي الي عيموتو يوم ورا التاني علي يد واحد إبليس يجوله يا سيدي.
ونظرت بإزدراء نحوه بدون أن يلاحظها أحد، فسليم ما زال ينظر لساندرا.
تدخل دانيال وهو يحتضن جسد زوجته من ظهرها  :
_ لم تصدق سليم كيف تعرفت إلي ساندرا لأول مرة، ك....

قاطعته ساندرا وهي تبعد يديه عنها خصرها وأمسكت بإحداها :
_ يكفي دانيال ثرثرة، أتركنا نحتفل وبعد ذلك سنخبرهما كيف تقابلنا.

أذعن لها زوجها فقال:
_ سأذهب لأجري عدة إتصالات وسوف أعود لنكمل أحتفالنا.

أومأ له سليم وقال:
_ تفضل صديقي.

_ ما هو أسمك إذن أيتها العروس الجميلة؟.
تساءلت ساندرا ف رد بدلاً منها سليم وقال:
_ زينب.

_ يا له من إسم جميل.
أمسكت بكأس شاغر وقامت بفتح زجاجة نبيذ وسكبت القليل بداخله ، أخذت رشفة ثم أردفت بحديث خلفه الكثير من الرسائل الخفية توجهها إلي سليم لكن بللغتها اليونانية :
_ زوجتك تتميز بجمال هادئ، وكأنها خُلقت خاضعة من أجلك، أحسنت الأختيار سليم.

رمقتها زينب بإستفهام بينما هو لأنه علي دراية باللغة اليونانية التي تعلمها منذ زمن فعلم ما تقوله، نهض وقال لزوجته:
_ أنا رايح هاعمل حاجة خمس دقايق وراجع، ياريت متتحركيش من مكانك.

حدجته بسخط من طرفي عينيها وكأنها تخبره إلي أين سأذهب في هذا الجحيم الذي لا أعلم فيه أحد سواك.

نهض وغمز بإحدي عينيه إلي السيدة ساندرا التي قبل أن تلحق به قالت:
_ سأذهب لأبحث عن دانيال.

رمقتها زينب بإبتسامة صفراء:
_ تفضلي سيدة ساندرا.

وبداخل رواق طويل منير بضوء أحمر خافت، سارت تتلفت باحثة عنه، فجذبتها يديه وأدخلها في إحدي الغرف المتفرعة، ألقي بها علي مقعد جلدي وبنظرة آتت من قاع الجحيم أنحني نحوها:
_ ماذا تردين؟.

وبإبتسامة لعوب أجابت:
_ لا أريد شيئاً، أبتعدت كما طلبت لكن الصدفة عزيزي والقدر أرادا أن نلتقي مجدداً.

قبض علي نحرها بقوة ليث جامح يقول من بين أسنانه وعروق عنقه جميعها نافرة:
_ كفاكِ كذباً ومرواغة أيتها اللعينة، أعلم جيداً هدفك اللعين من وراء زواجك بدانيال، تريدين الأنتقام مني، لكن لن أدعكِ تصلي لمرادك.
3

وبدلاً من أن تتوسله بتركها،  قهقهت بسخرية وقالت وهي تضغط علي قبضته بكلتا يديها: 
_أصبحت قوياً وشرساً للغاية عن ذي قبل سليم.
2

كاد يجيب فقاطعه رنين هاتفه، أخرجه من جيب سترته، زفر محاولاً أن يهدأ من روعه عندما وجد المتصل دانيال.
ترك عنقها لتلتقط أنفاسها، وضع هاتفه في جيبه وقبل أن يذهب وقف أمامها وبتهديد لا رجعة فيه أخبرها:
_ أحذرك ساندرا، إياك والإقتراب مني وإلا سأجعل من جسدك الذي لايهرم طعام للكلاب في المزرعة خاصتي.

بصق نحوها وذهب، ضيقت عينيها بتوعد قائلة:
_ يبدو لا تعلم ماذا أصبحت ساندرا جابرييل.
ـــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،،،ـــــــــــــــــــــــــــــــ
_ مع ولوج أشعة الشمس وزقزقة العصافير وبدأ الحركة في الخارج،  بدأت تستيقظ رويداً، لكن مهلاً تشعر بشئ ما يكبل بل يحاوطها بقوة فلا تستطيع الحركة أو التقلب،  فتحت عينيها وليتها كانت تحلم، فها هو جوارها بل يحتضنها بين زراعيه وساقيها منحصرة بين ساقيه، أصدرت صرخة جعلته أستيقظ مذعوراً،  أبتعد عنها ونهض يتلفت من حوله.
4

حدجته بنظرة تتطاير منها نيران تود إحراقه حياً: 
_ أنت كيف دخلت أهنه وكماني نايم چاري وفي فرشتي؟.

أمسك رأسه حيث أنتابه ألم شديد من أثر تناوله للخمر منذ الأمس،  فقال: 
_ ما خابرش عتجولي أي، آخر حاچة فاكرها كنت جاعد في الخماره ودبيكي أچه وخدني، والباجي ما فاكرش.
3

نهضت ثم لكزته بقوة: 
_ وكماني كنت سكران؟، كيف ما دارتش بوچودك!، خابر لو أمي أو أبوي أو أخواتي دخلو وشافوك معاي هيوحصل أي عاد؟  ،دي أقل حاچة هيطخونا بالنار .

أخذ يفرك عينيه الحمراوتين وأجاب بتهدج محاولاً إستعادة وعيه: 
_ ما جولتلك مافكرش حاچة،  أني كيفك أتفاچأت بوچودي أهنه.

ألتقطت عباءته وعمامته وألقتهم بين يديه لتدفعه للنهوض: 
_ طب يلا جوم و غور جبل ما حد يشوفك وتحصل مصيبة،  ويكون في علمك أني ماهعديلك علي الي تسويه دي.
أبعد كفيه عن وجهه فرمقها بإمتعاض قائلاً: 
_ عتهدديني يا فاطمة؟.

ردت بتحدي وبقوة عكس ما بداخلها من خوف ورجفة بيديها لم تغفلها سوادويتيه القاتمة: 
_ أفهمها كيف ماتفهمها،  أني ي.....

وثب بخفة فهد في أقل من لحظة يجذبها من يديها إليه حتي أصبحت ملتصقة به: 
_ فرچيني إكده هتسوي أي معاي.

_ همل يدي وبعد عني وأجصر الشر.

وبنبرة حادة كنظراته المخيفة: 
_ ولو ماهملتكيش؟.

ردت بتهديد زائف:
_ هصرخ وأفضحك في النچع كلاته.

ترك يديها لتهبط يديه إلي خصرها وألصقها به قائلاً بفحيح و نظرة مماثلة لما رآتها في ليلة زفاف شقيقته: 
_ صرخي أي الي مانعك عاد؟.

سهام رغبة وعشق تنطلق من عينيه صوب خاصتها،  فحدقتيها تهتز بتوتر منبلج كرجفة جسدها بين يديه،  لاتدري إنه يدنو بشفتي نحو شفتيها التي تدعوه دائماً لتذوقها فكم من آلاف المرات ألتقمها بضراوة في أحلامه، وها هي أمامه الآن،  لكن صياح جليلة بالخارج جعله تسمر في مكانه: 
_ بت يا فاطمة،  لساتك نعسانة لدلوق،  يلا جومي.

وحين أنتبهت لصياح والدتها أنتفضت ودفعته في صدره بكل قوتها فذهبت نحو الباب وأوصدته بالمزلاج لتعود إليه تتوسله بهمس:
_ يا لهوي أمي،  أبوس يدك خد حاچتك وأخرچ حتي من الشباك.

ألتقط أشياءه وقال: 
_ لسه حديتنا ماخلصش،  ومصيرنا نتجابل تاني يا بطتي.
قالها وسار نحو النافذة ليقفز منها لكنها أوقفته: 
_ وجف خليك.

رمقها بإبتسامة ماكرة فبادلته بنظرة إزدراء: 
_ هاراجب لك الطريج الأول لحد يشوفك وأنت طالع من عندي.

ألتقطت وشاحها من فوق المشجب وأرتدته بشكل عشوائي وذهبت نحو النافذة مدت رأسها إلي الخارج فوجدت إحدي جيرانها تقول: 
_ صباح الخير يافاطمة.

بادلتها التحية بإبتسامة زائفة من بين أسنانها: 
_ صباح النور يا خالة.

عادت إلي الداخل تزفر بقلة حيلة وبحنق قالت:
_ عاچبك إكده الوليه أم أنور چارتنا جاعدة أدام دارها عتنجي الرز والله أعلم هتدخل چوه ميتي.
حك ذقنه يفكر قليلاً فقال: 
_ خلاص أطلعي أنتي لعمتي وحاولي ألهيها بأي حديت وياريت لو خدتيها في أي مطرح غير بره عجبال ما أخرچ من الباب.

أتسعت حدقتيها وبتهكم قالت: 
_ عتهزر صوح!،  وأفرض شافك بكر ولا أبوي وأنت خارچ من أوضتي.

إبتسم بخبث وأقترب منها واضعاً يده علي كتفها قائلاً: 
_ وجتها هجول للشيخ واصف أن مستعد أصلح غلطتي وأكتب عليكي وأتچوزك.

_ ده لما تشوف حلمة ودنك.

رد بإستفزاز ومازال مبتسماً: 
_ ما أني عشوفها علي طول.

غرت فاهها: 
_ كيف دي؟.

راقص حاجبيه ليثير من حنقها أكثر: 
_ عشوفها في المرايه يا بطتي.
2

جزت علي أسنانها تمنع نفسها من الصراخ،  لكمته في صدره: 
_قسماً بالله أني ما شوفتش في برودك واصل.

_ يا فاطمة.
تناديها جليلة فأجابت الأخري بصياح: 
_ حاضر ياماه أني صحيت أهو وچايه دلوق.

ألتفتت له وقالت: 
_ خليك أهنه وماتتحركش، عجبال ما أشوف حل في المصيبة دي وربنا يستر.

_ ماتخافيش هستناكي.
قالها لتذهب وسحب وشاحها بدون أن تدري و وضعه أسفل أنفه وأخذ يستنشق عبق رائحتها التي آسرت كل حواسه بإستمتاع عارم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ،،،،،ــــــــــــــــــــــــــ
_ تمكث بداخل مكتب الضابط منذ البارحة لاتعلم لما هي هنا وما هي التهمة الموجهة إليها، كلما سألت أحداً يصيح بها ويأمرها بالصمت المُطبق.
غلبها النوم رغماً عنها حتي أستيقظت بفزع علي صوت الضابط الذي دلف للتو.
_ وكمان نايمة،  أومي فزي يا روح خالتك أنتي مش في بيتكو.

أنتفضت بذعر و وقفت تتثائب: 
_ وليه الغلط بس يا بيه،  مش كفاية جابضين عليا من عشية إمبارح ولغاية دلوق مفيش حد عايز يجولي أني سويت أي!.

حدجها الضابط بحده وقال: 
_ ده أنتي مطلوبة بالإسم ومن مديرية الأمن   يبقي مليون في الميه عاملة مصيبة.

أزدردت لعابها وقالت بدفاع وتمنع عينيها من البكاء: 
_ والله يابيه أني ماجصدتش أفتح له دماغه هو الي دكتور شمال كان عايز لامؤاخذة يتحرش بيا وأني دافعت عن حالي و...

قاطعها رنين جرس الهاتف الداخلي للمكتب،  فأشار إليها: 
_ أخرسي مش عايز أسمع صوتك.

رفع السماعة وأجاب: 
_ أيوه يا باشا،  كله تمام سعادتك قبضنا عليها.
..........
_ تشرف طبعاً يا باشا ده القسم كله تحت أمرك.
..........
_ وأنا في إنتظار حضرتك،  مع السلامة.
1

وضع السماعة علي الهاتف ورمقها بإزدراء قائلاً: 
_ الفيلم الي حكتهولي من دقيقتين ده ياريت تشوفي لك حاجة غيره،  لأن سيادة العميد زياد البرديسي جايلك مخصوص وموصي عليكي وده معناه إنك وراكي بلوه كبيرة أوي.

أجتاحها شعور بالتوتر والخوف،  يبدو الأمر أكبر من ذلك فقالت: 
_ والله يا بيه كيف ماجولتلك إكده،  أني الحمدلله مابكدبش ولا بحب الكدب واصل.

رفع إحدي حاجبيه بعدم تصديقها:
_ كله هيبان،  الباشا علي وصول.

أنزوت في إحدي الأركان تخشي الجلوس لينهرها أو يصيح بها،  ظلت تردد الأستغفار بصوت غير مسموع ثم قالت: 
_ يارب.

طرقات علي الباب ألتفتت لدخول إحدي العساكر الذي أدي التحية وقال: 
_ زياد باشا وصل ومعاه ضيف تبعه يافندم.

نهض الضابط قائلاً: 
_ وأنت سايبهم واقفين بره وجاي تستأذني يا غبي،  دخلهم.

عقدت ساعديها أمام صدرها وتمسك بتلابيب عباءتها القطنية و وشاحها الخفيف التي أنسدلت منه علي جبهتها خصلاتها البنيه.

أنفتح الباب و ولج رجل ذو هيبة يرتدي بدلة رسمية وعندما رآه الضابط أسرع نحوه يصافحه بإجلال وإحترام.
_ القسم نور بمعاليك يا باشا،  أتفضل حضرتك.

_ تسلم يا سيادة النقيب،  أومال هي فين؟.

_ أهي ياباشا.
قالها وتقدم نحو سمية يجذبها من زراعها وألقي بها أمامه بعنف، صاح به العميد زياد: 
_ أي الي بتهببو ده،  أنا وصيتك عليها تخلي بالك منها مش تبهدلها.

توترت ملامح الضابط فقال: 
_ والله يا باشا أنا أفتكرتها عملت مصيبة كبيرة خاصة لما عرفت حضرتك جاي بنفسك تحقق معاها.

زفر بضجر من هذا الأحمق: 
_و لو أفترضنا إنها عاملة مصيبة من أمتي وأحنا بنعامل المتهمين بالطريقة المهينة دي!،  أتفضل يا سيادة النقيب سيبني معاها.
1

أومأ له بإعتذار: 
_ آسف يا باشا.
وغادر،  فألتفت زياد إليها وأشار بيده نحو المقعد المقابل له: 
_ أتفضلي يا آنسه سمية،  وبعتذر عن الطريقة الي عاملوكي بيها هم فهمو أوامري غلط.

رمقته بتوتر وقلق وطيف إبتسامة لاحت علي ملامحها: 
_ ولا يهمك يا باشا،  بس ممكن أعرف أني ليه مجبوض عليا؟.

إبتسم و رد: 
_ هو طلب شخصي من حد عزيز عليا مكنش عارف يوصلك ولجألي.

عقدت مابين حاجبيها وهي تدرك من هو هذا الشخص الذي يبحث عنها،  فقاطع تفكيرها صوت العميد منادياً: 
_ أتفضل يا متر.

فتح الباب ودلف مبتسماً بإنتصار،  تلاقت عينيها بزرقاويتيه،  أصدرت شهقة وهي تضع كفها علي فمها.
ــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،، ــــــــــــــــــــــــــــــــ
7

_خرجت من الغرفة وأغلقت الباب خلفها لتجد جليلة تجلس علي الأريكة الخشبية وكأن جميع الأحزان والهموم هبطت علي رأسها، جلست جوارها وتثائبت بتصنع: 
_ صباح الخير يا ماه.

لوت شفتيها جانباً وقالت بنزق: 
_ ناموسيتك كحولي ياست فاطمة،  عماله أنادم عليكي بجالي ساعة وأنتي ولا أهنه كيف الجتيلة.

ألقت نظرة نحو غرفتها ثم أجابت: 
_ مكنتش سمعاكي لولا منبه تليفوني رن وصحيت.

ردت جليلة بسخرية: 
_ من حجك ما تسمعينيش،  نايمة ولا علي بالك الي حوصل ولا أمك الي جاعدة وجلبها الي هيوجف من القهر.

عقدت مابين حاجبيها متسائلة: 
_ ليه إكده يا ماه مالك بعد الشر علي جلبك؟.

رفعت ساقيها عن الأرض وقامت بثنيهما وأستندت بساعديها فوقهما وبحزن أجابت: 
_ أخوكي الشيخ الي حافظ كتاب ربنا الي عجول عليه العاقل الوحيد الي فيكو، خد مارته وهمل الدار وما أعرفش عنه حاچة من وجتها.

_ وهو سوي إكده من غير سبب!.
قالتها لتدرك جليلة ماترمي إليه إبنتها،  فتهربت بنظراتها وقالت بإستنكار: 
_ أني ماچيتش چمبه،  كل الحكاية كنت عچيب حاچات من السوج و تو ما رچعت لاجيت ريحة الدار شياط، چريت علي المطبخ لاجتهم واجفين عيتحدتو ومهملين الواكل يتحرج علي النار، ليه وليه عجول لمارته ليه يابتي ماخدتيش بالك من الواكل، أني إكده غلطانه!.
ضيقت فاطمة عينيها وقالت لها تحدقها بشك:
_ متوكده يا ماه إنك جولتيلها كيف ما بتحكيلي إكده؟.

رمقتها الأخري بحنق وقالت:
_ تجصدي أني بكدب عليكي يابت!.

أنتبهت قبل أن تتفوه إلي مقبض باب غرفتها الذي يتحرك، فتوترت وقالت بدون أن تدرك ماتتفوه به:
_ أيوه صوح.

صاحت بها جليلة:
_ هو أي الي صوح يا قليلة الربايه.

_ ما أجصدش ياماه، أني عجول يعني...
نهضت وأردفت:
_ أني هاهملك دلوق وهاروح  أحضر حالي لأچل ماتأخرش علي شغلي ولما أعاود نكمل حديتنا .

_ ماشي يابتي هي چت عليكي، يا خبتك يا چليلة القوية في عيالك، واحد ما أعرفش عنه حاچة والتاني مارته سحباه وراها كيف الخروف والتالته آخرة صبري بدل ماتهون عليا هملتني وعتهورب مني.

_ ليه عتجولي إكده ياماه،أني ما عهوربش منك واصل، أني بس معوزاش أتأخر وأبلة ميرڤت المديرة تسمعني كلمتين ملهمش عزا علي الصبح.

أشاحت لها بيدها وأخذت تتمتم بإمتعاض:
_ روحي ياختي ألحجي شغلك لتجولي أمي السبب، ياعيني عليكي يا چليلة بجيتي خلاص حمل تجيل ومحدش طايجك من ولادك.
3

هزت فاطمة رأسها بسأم فهي علي علم بطباع والدتها جيداً مهما أرتكبت من أخطاء لم تعترف بها بل وتكابر وترتدي ثوب المجني عليها دائماً، تركتها ودلفت إلي غرفتها وكادت تتحدث فلم تجده، تنفست الصعداء حينما رأت النافذة مفتوحة علي مصرعيها فأدركت إنه غادر من خلالها، ذهبت لتوصدها فتلاقت عينيها بعينين جارتهم وهي ترمقها بنظرة إشمئزاز قائلة:
_ ربنا يستر علي ولايانا.

بادلتها فاطمة بذات النظرة ولم ترد بل أغلقت النافذة في وجهها بعنف:
_ الله يسامحك يا رافع، أهي أم أويئ دي هاتروح تجول لأمي ده غير النچع كله وسيرتي هتبجي علي كل لسان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،ـــــــــــــــــــــــ
_ يجذبها من يدها مغادراً مركز الشرطة وهي خلفه تتعثر في خطواتها حتي توقف بها أمام سيارته.
_ ممكن أفهم دلوق واخدني وياك علي فين؟.
سألته وملامحها ينبلج عليها الضيق والغضب بعكس ما تشعر به من داخلها.

دفعها برفق لتستند علي سيارته وحاوطها بين زراعيه: 
_أولاً وأنتي بتتكلمي معايا صوتك ميعلاش ثانياً بقي أنا كنت عمال أفهم فيكي ساعة جوه إنك هتيجي تعيشي في الشقة.

رفعت إحدي حاجبيها بتهكم واضعة يديها في خصرها قائلة: 
_ تصدج مكنتش خابره حديتك صوح،  ما أني كماني بجالي ساعة عجولك هتخليني أعيش في شجتك بصفتي أي إن شاء الله.

يعلم إن لديها كل الحق فهناك حقيقة واحدة مازال يكابر بالإعتراف بها،  غير مقتنع بمشاعره نحوها حيث يخبر نفسه دائماً إنه يشعر حيالها بالشفقة فهي تذكره بماضيه المؤلم لذا عندما ألقي بها في طريقه أقسم علي مساعدتها وعدم تركها في أيدي رجال سليم وتعهد علي حمايتها مهما كان الثمن.
لكن هناك سؤال يلوح عليه؛ ماذا بعد؟.

أطلق تنهيدة لعله يجد إجابة يقنعها بها: 
_ أنا هوديكي فعلاً تقعدي في الشقة وأنا هاروح أعيش في شقة تانية و هابقي أجي أطمن عليكي كل فترة غير ما هنبقي علي تواصل مع بعض في التليفون.

زفرت بنفاذ صبر وقالت بخفوت: 
_ الصبر من عندك يارب.
ثم قالت بصوت مرتفع بإصرار: 
_ وأنا بجولك لاء يعني لاء، وأظن أنت خابر زين من غير ما أشرح لك.

أطبق شفتيه بحنق فلم يجد سوي هذا الحل بل هو مرادها الذي لم تستطع مطالبته به : 
_ طيب لو قولتلك هاتروحي الشقة بصفتك مراتي هتقولي لاء؟.

أتسعت عينيها وغرت فاها فقالت بدهشة: 
_ مارتك!.

بإيجاب وجدية قال: 
_ أيوه مراتي علي سنة الله ورسوله، ودلوقتي هنطلع علي أقرب مأذون.

وبدلاً من أن تظهر له فرحتها وسعادتها باغتته بجملة ليس بوقتها بالنسبة إليه: 
_ هتتچوزني من غير علم أبوي،  ده كان دبحني ورماني للديابة،  ولا أنت نسيت الأصول يا صلاح بيه.

جز علي فكه حتي برزت عروق عنقه،  فليس من شيمه الغضب لكنها أثبتت تفوقها في إثارة حنقه وغضبه ونفاذ صبره سريعاً.
نظر في ساعة يده وهو يفكر ملياً،  أمسك يدها وفتح باب السيارة قائلاً: 
_ أركبي يلا.

أعترضت قبل أن تدلف: 
_ ماركباش غير لما تجول الأول هانروحو علي فين؟.

كور قبضته و دفعها في سيارته،  أجاب من بين أسنانه: 
_ هنسافر عشان أخلص باباكي من البلوه الي هترزي بيها أنا.

أرتسمت إبتسامة تغمر ثغرها ووجنتيها: 
_ أيوه إكده هركب وهاروح وياك وأني جلبي مرتاح.
صمتت لتعيد إجابته في ذهنها،  نظرت إليه بعدما جلس في مقعد القيادة جوارها.
_ واه،  أنت تجصد مين بالبلوه الي هاترازيك عاد؟.

هز رأسه ضاحكاً وقال: 
_ أنتي لسه واخده بالك؟.

عقدت ساعديها أمام صدرها وزمتت شفتيها لأسفل كطفلة صغيرة: 
_ بجي إكده،  أني زعلانة منك.

وقبل أن ينطلق بالسيارة قال بمزاح يقلدها: 
_ وأنا ميرضنيش زعلك عاد.

رمقها بإبتسامة خبيثة،  ليفاجئها بإختطاف قبلة من شفتيها المضمومتين،  شهقت بصدمة واضعة كفها علي فمها،  و وجنتيها أصبحتا كثمرتي بندورة في عز نضجهما.
_ ها،  لسه زعلانه؟.

هزت رأسها بالنفي وكفها ما زال علي فمها،  أخذ يقهقه علي ملامحها المصدومة والخجولة.
ـــــــــــــــــــــــــــ،،،،،، ـــــــــــــــــــــــــ
_ تجلس أمام التلفاز شاردة في براثن أفكارها، تشتاق لرؤيته وسماع صوته بشدة لكن كلما مرت تلك الذكري السوداء عندما أعتدي عليها بوحشية وكأنها عاهرته وليست زوجته تتراجع عن مسامحته،  يكفي إنه قام بقتل نجلهما الذي كان مُضغة علي وشك أن تدب فيه الروح وبفعلته الشنعاء لم يعطيه فرصة للحياة،  هناك صوت من الأعماق يلومها أن تكف عن تمثيل دور الضحية المجني عليها من زوجها الظالم، بل هي ليست سوي مخطأه في حقه وحق نفسها أيضاً، سمحت لأهوائها التحكم بها غير مكترثة بأن ما فعلته خطأ فادح وها هي تدفعه ثمنه باهظاً الآن، ظلت تكذب وتحسب أن الكذب سينجيها لاتعلم من أتخذ طوق الكذب نجاة، فمصيره الغرق المحتوم في قاع مظلم لانهاية له، فالصدق منجي كما أخبرنا رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام،  ومن أتخذ العكس درباً له لايجد سوي الهلاك مصيراً له.

أستيقظت والدتها من النوم وخرجت من غرفتها،  رمقتها بصمت بدون أن تلقي عليها تحية الصباح فمنذ علمها بكل شئ قامت بنهرها وإلقاء كلمات اللوم والعتاب علي إبنتها، وفي ذات الوقت لم تعطي لزوجها حق فيما أقترفه فكلاهما مخطأ في حق الآخر.

عندما رأت والدتها نهضت بإستحياء قائلة: 
_ أحضرلك الفطار يا ماما؟.

حدقتها بإمتعاض وأتجهت نحو المرحاض: 
_ مش عايزه حاجة.

شعرت بالإحراج الشديد، أنتبهت لوالدها الذي أستيقظ منذ قليل وكان يؤدي فرضه وأنتهي منه  للتو، قال لها علي مضض: 
_ صباح الخير.

أجابت بشبه إبتسامة فهي تشعر بالخجل من والدها عندما أخبرته والدتها بالأمس: 
_ صباح النور يا بابا،  أحضرلك الفطار؟.

أدرك حزنها البادي علي ملامحها الذابلة كزهرة ربيعية باغتها الخريف برياح عاتية أقتلعها من جذرها وألقي بها في وادي سحيق حتي جفت بتلاتها وتكوم عليها الثُري بلا رحمة.

_ أنا مش جعان، بس ممكن تعمليلي فنجان قهوة وهاتهولي في البلكونة.

كانت دعوة منه إليها ليجلس ويتحدث معها، أومأت لها بسعادة وقالت:
_ من عينيا، عشر دقايق وأحلي فنجان قهوة لأحلي بابا في الدنيا.

بادلها بشبه إبتسامة، فمهما كبرت مازالت صغيرته المُدللة.
ذهبت لتعد فنجان القهوة بحبور، فربما والدها هو الشخص الوحيد الذي سيرشدها إلي بر الأمان ويخبرها ماذا عليها أن تفعل.
كانت القهوة علي وشك الفوران فقامت باللحاق بها وأطفأت الموقد، حملت الركوة وسكبت محتواها بداخل الفنجان، فوضعته أعلي صينية صغيرة وحملتها متجهة إلي الشرفة.
وضعتها علي المنضدة المستديرة أمامه:
_ أتفضل يا حبيبي، وعملتهالك سادة زي ما بتحبها.

أمسك بالفنجان وقبل أن يرتشف منه قال:
_ تعالي يا ندي أقعدي عايز أتكلم معاكي شوية.

خفق قلبها وتوترت قليلاً، جذبت مقعد بلاستيكي وجلست أعلاه أمامه وبخفوت قالت:
_ أنا عارفة حضرتك عايز تتكلم معايا في الي ماما حكتهولك عني وعن أكرم، بس قبل ما تحكم والله أنا ندمانة علي أي غلط عملته سواء قبل الجواز وحتي لما كذبت دلوقتي وخبيت عليه، كنت خايفة وبحمي بيتي وحياتي، مكنتش أعرف إن الكذب آخرته الخراب والفراق.

أنتهي من إحتساء قهوته وترك القدح أمامه، أعتدل في جلسته وبدأ يتحدث:
_ أنا منكرش لما عرفت الي حصل سواء منك أو من أكرم طبعاً أتضايقت وعمري ما كنت أتوقع ان الأمور توصل بينكو للدرجدي، ولو واحد غيري كان زمانه خد موقف حازم معاكو أقلها كل واحد يروح لحاله، لكن أنا بصيت في الأول والآخر لبنتكو الصغيرة الي ملهاش ذنب تتربي بين أب وأم منفصلين.
1

تستمع لأبيها وتنظر لأسفل بخجل وإحراج، فأخبرته:
_ وأنا بعترف بغلطي والي حضرتك هتقولي عليه هنفذو، بس مش عايزاك تكون زعلان مني أنت وماما.

_ أحنا عمرنا ما زعلنا منك يا ندي، إحنا زعلانين عليكي، مهما كان أنتي بنتنا الوحيدة و دورنا معاكي نوجهك للصح وعايزين نشوفك عايشة حياة سعيدة مع جوزك وبنتك، عمرنا ماهنفرض عليكي حاجة غصب عنك، ولولا إن أنا عارف أكرم كويس كنت قولتلك حل الموضوع ده هو الإنفصال، لكن فيه حل مناسب خاصة أنكو الأتنين غلطانين في حق بعض غير لسه ليا قاعده معاه عشان الي عمله غلط كبير في حقنا قبل حقك، المهم دلوقت أنتو محتاجين فترة نقاهة من الي حصل بينكو اليومين الي فاتو، وإن كل واحد يقعد يراجع نفسه ويعرف الي ليه والي عليه وبعد كده تتصالحو وتفتحو صفحة جديدة وترجعو لبعض، ولا أنتي ليكي رأي تاني.

أعتلت إبتسامة خافتة علي ملامحها فقالت:
_ الرأي رأيك يا بابا، وأنا فعلاً كنت ناوية أعمل كده، لو مش عشاني يبقي عشان بنتي و زي مت حضرتك قولت أكرم برغم الي عمله معايا هو بيحبني وباقي عليا وغلطه معايا أنا السبب فيه.

أمسك بيدها بين كفيه بحنان وربت عليها:
_ عين العقل، هي دي ندي بنتي حبيبتي.

جزت علي شفتها السفلي وفي عينيها طلب مترددة في قوله، فقال لها:
_ قولي عايزة أي وأنا سامعك.

إبتسمت وقالت:
_ طول عمرك بتفهمني من نظرة عيوني، بصراحة عايزة من حضرتك تتكلم مع ماما وتخليها تسامحني أنا مش عارفه أنام طول ماهي زعلانة مني.
_ دي بقي مهمتك أنتي، روحي كلميها وزي ماقولتلك هي مش زعلانة منك هي زعلانه عليكي، أنا هاسيبك تدخلي تقعدي معاها وأنا هقوم أعملكو أحلي طبق فول بالطحينة وعجة ولا موحشكيش الأكل من أيدي؟.

نهضت وعانقته بقوة:
_ ربنا يباركلي فيك يا حبيبي وميحرمناش منك أبداً.

ذهبت نحو غرفة والدتها لكن أنتبهت إلي رنين هاتفها بغرفتها، ركضت لتري من المتصل، وعندما أمسكت بالهاتف ورأت هوية المتصل أجابت علي الفور داعية أن لايكون حدث مكروهاً.
_ الو.
_ صباح الخير يا مدام ندي، مع حضرتك ميس چيلان من إدارة المدرسة.
ردت وأنتابتها حالة من التوتر:
_ أهلاً وسهلاً يافندم، هي لارا كويسة؟.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،،ــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ دلفت إلي داخل الشركة و وجهتها مكتب المدير، وبعدما وصلت وجدت السكرتيرة تجلس أمام الحاسوب فسألتها:
_ مستر علي جوه؟.

أجابتها بعدم إكتراث وبهدوء إستفزازي، فلم تنظر إليها أيضاً:
_ لاء، مش جوه.

جزت علي فكها بحنق فقالت:
_ طيب هو ما أتصلش قال جاي ولا لاء؟.

أجابت ومازالت علي حالتها:
_ أه أتصل وقال مش جاي.

رمقتها مروة بإزدراء من أسفل لأعلي وقالت في نفسها:
_ ماشي يا بتاعة أنتي يالي شايفه نفسك، إما خليته يطردك زي الكلبة بره الشركة مبقاش أنا مروة.

غادرت الشركة وعقدت العزم بأن تذهب إليه، فآخر لقاء بينهما كان لدي منزل عائلة ندي فبعدما رحلا أستقلت سيارته بدون حتي إستئذانه وظل طوال الطريق لم يتحدث بحرف واحد، مما أثار قلقها هدوءه وصمته المُطبق هذا، تخشي إنه الهدوء الذي يسبق العاصفة.
وقد كان، توقف في مكان نائي عن الزحام علي الطريق الصحراوي، ترجل من السيارة وأخذ يصرخ من أعماقه وكأنه يخرج ما بداخله من آلام لم يعد يتحملها.
أقتربت منه بحزن علي حاله وعانقته من ظهره لتهدأته، خارت قواه و جثي علي رمال الصحراء، أستدارت لتصبح أمامه حاوطت وجهه بين كفيها بصمت ترمقه بدموع قلبها النازف تتلمس شعيرات لحيته،تتخللها أناملها، وبدون تردد عانقته بقوة حيث دفنت وجهه في صدرها ليسمع نبضاتها التي تصرخ بحبها له وتخبره هي الوحيدة التي لا تكل عن عشقها إليه حتي لو لم يبادلها هذا، أخذ يبكي كطفل فقد والدته فأغرقت عبراته قميصها لتحتضنه أكثر ، فالعاطفة هي المحرك الرئيسي والمسيطر عليها، فمهما أقترف معها أو أخبرها بكلمات تطعن قلبها العاشق له، لم تستطع الإبتعاد عنه، هو جحيمها ونعيمها الزائف معاً، ولن تيأس ولاتتوقف عن جعل قلبه عاشق لها هي فقط، فهل ستنجح في ذلك!.

أستقلت سيارة أجرة وأخبرت السائق بالعنوان المنشود، وبعد مرور مسافة الطريق وصل أمام بوابة الفيلا، ترجلت وعندما رآها حارس الأمن رحب بها وفتح البوابة، ولجت بخطي شبه راكضة.
دلفت للداخل وسألت الخادمة عنه فأخبرتها الأخري بوجوده  في غرفته بالطابق الثاني ولم يغادرها منذ يومين، صعدت الدرج والقلق ينهش قلبها.
فتحت الباب و كما توقع حدسها، يتمدد علي الأريكة في حالة لا وعي مزرية، أمامه علي الطاولة صينية طعام لم يلمس منها شيئاً، مهلاً ما هذا الذي جوارها، أقتربت لتتأكد من هوية تلك الأشياء فكانت زجاجة صغيرة للغاية تحتوي علي مسحوق أبيض و ورقة مالية ملفوفة علي شكل أسطوانة رفيع وبطاقة إئتمانية علي حافتها آثر المسحوق.
شهقت حين أدركت إنه قد عاد لإستنشاق هذا المخدر اللعين مرة أخري.
2

لكزته في كتفه وصاحت به: 
_ تاني يا علي!،  رجعت لشم الأرف ده الي كنت هتموت بسببه قبل كده!.

يكاد يفتح جفنيه بصعوبة و رد بثمالة: 
_ أنتي جيتي أمتي؟.

_ الحمدلله إن أنا جيت عشان أعرف إنك رجعت للزفت ده،  أنا مش هاسيبك تدمر نفسك،  مش هاسمحلك.
وأمسكت بالزجاجة وركضت نحو المرحاض الملحق بالغرفة،  قامت بفتح غطاءها لتفرغ  محتواها بالحوض وفتح الصنبور عليها.
تفاجئت بوقوفه خلفها مباشرة يحدقها بنظرة نارية وقد تجمعت شياطينه أمامه.
سألها بنبرة أجفلتها، جعلت الخوف يسري كمجري الدم في عروقها:
_ أنتي بتعملي أي عندك؟.

ألتفتت إليه وجسدها ينتفض فوقعت الزجاجة من يدها المرتجفة علي الأرض وتناثر حطامها، أتسعت عينيه نحو الحطام حينها أدرك ما أقترفته للتو.
تسحبت قبل أن تثور مراجله وتحرقها حية، لكن سبق السيف العزل،قبل أن تخطو قدميها إلي الخارج جذبها من زراعها وصاح بها بغضب كعاصفة تقتلع جذور كل مايقابلها:
_ وأنتي مالك، عايزة مني أي.

وهبط علي وجهها بصفعات متتالية، أخذت تصرخ به:
_ أنا خايفة عليك أفهم بقي، حرام عليك.

أبتعد عنها بللهاث، ينظر إلي وجهها الذي أصبح مخضب بالأحمر القرمزي آثر صفعاته ولم تسلم شفتيها فأنسدلت الدماء من جانبيها، خارت في نوبة بكاء مردفة:
_ حرام عليك الي بتعمله في نفسك وفيا، فوء بقي وشوف مين الي بتحبك وبتخاف عليك، بتستحمل منك الي مفيش واحدة تقدر تتحمله.

ولجت كلماتها إلي داخل أذنيه بصوت لايسمع سواه منذ ليالي، بل ويراها هي من أمامه عندما كانت تبكي وتتوسله بالإبتعاد عنها حتي عندما صفعها.
أصبحت لديه الرؤية مشوشة أخذ يفرك عينيه بأنامله ويفتحهما بصعوبة وفي كل مرة ما زال يراها هي، أحس بوخزة في قلبه لتسيطر ذكراها علي حواسه، فلم يشعر بحال قدميه تتحرك نحوها، حاوط وجهها بيديه وبدأ يجفف دماء شفتيها بإبهاميه، يردد بنبرة حانية حالمة يهيم صاحبها عشقاً:
_ آسف حبيبتي، متزعليش مني.

أحتضنها ومال نحو عنقها بشفتيه يقبلها، تحركت من بين يديه هامسة بتيه في عالمه:
_ كفاية يا علي، خلاص.

مازال مستمراً في توزيع قبلاته التي أرتفعت إلي شفتيها، بينما هي قد أصبحت كالهلام لاتشعر ماذا يحدث معها بل كانت تبادله قبلاته وتتشبث بقوه في عناقه، حملها وغادر المرحاض ولم يفارق شفاها،  يبتعد لثوان حتي يسمح لكليهما إلتقاط أنفاسهما فيعود مجدداً يقبلها أقوي من ذي قبل يردد عليها كلمات العشق والوله غارقاً في أحلام يقظته لايدرك إنها ليست هي.
وهي لم تكن قادرة علي مقاومته،  خانها قلبها الذي جعل كل حواسها تستسلم له بكل سهولة،  لشفتيه وللمساته التي بدأت تتسلل إلي حجابها وثيابها تحررها قطعة تلو الأخري،  فكانت كالمغيبة وأستسلمت لشيطان الهوي ولحظات حتي أصبحت له قلباً وقالباً، لاتعلم إنها ألقت بنفسها إلي الهاوية وستواجه مصيراً ضارياً سوف تدفع ثمن فعلتها تلك أضعاف مضاعفة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،،،،ــــــــــــــــــــــــــ
_ تقف بداخل العيادة برفقة والديها،  وصغيرتها تجلس فوق سرير الفحص والطبيب يلف الجص علي ساعدها الأيمن فتبكي من ألم شرخ بإحدي عظمتي الساعد.
1

أنتهي الطبيب وقال: 
_خلاص خلصنا يا جميل.

سأله والد ندي والقلق منبلج علي ملامحه: 
_ هو الجبص ده هيقعد لحد أمتي يا دكتور؟.

_ أطمن حضرتك هم تلات أسابيع بالكتير وتيجي تفكه،  بس أهم حاجة تاخد الدوا بإنتظام مع الأكل الصحي زي اللبن والبيض ومنتجات الألبان.
كادت تحملها ندي فسبقها والدها قائلاً: 
_ عنك يابنتي.

خرج جميعهم إلي الرواق بالمشفي فسألتها والدتها: 
_ أنتي بلغتي جوزك بالي حصل لبنته؟.

تدخل والدها وقال: 
_ ملهاش لازمة يا أم ندي تقلق الراجل وتخضه،  إحنا نبقي نكلمه ونعزمه يجي يتغدي عندنا وكده كده هيعرف.

_ أنا نسيت فعلاً أقوله أتلهيت من الخضة علي لارا.

أشارت والدتها إلي نهاية الرواق قائلة بتهكم: 
_ والله أنتي وأبوكي غلابه هو فيه بتستخبي علي الحكومة،  قابلي ياختي.
1

ألتفتت ندي لتجده يسرع خطاه وقادماً نحوهم بملامح يسيطر عليها القلق والخوف والإمتعاض منها بذات الوقت،  تفوه وهو يلتقط أنفاسه: 
_ سلام عليكم يا عمي.

_ وعليكم السلام يابني.
_ أي الي حصل للارا،  أصل كنت قافل تليفوني ولاقيت واحد من رجالتنا جاي يقولي الجماعة راحت مدرسة البنت وخدوها علي المستشفي.

أجاب حماه: 
_ خد نفسك الأول،  الحمدلله خير،  هم أتصلو علي مراتك وقال لها كانت بتجري في الجاردن مع أصحابها وفجاءة وقعت علي دراعها فضلت تصرخ ولحقوها في عيادة المدرسة عمله لها الإسعافات الأوليه لحد ما روحنا خدناها،  و زي ما أنت شايفها أدامك أهي.

أقترب من إبنته ومسح علي خصلاتها قائلاً: 
_ حبيبتي ألف سلامة عليكي ياقلب بابي.
وقام بتقبيل رأسها، فاجاءته الصغيرة بكلماتها:
_ أنا زعلانه منك أوي يا بابي عشان سايبني أنا ومامي عند جدو ومش عايز تاخدنا عندك في شقتنا.

أعتراه الإحراج ولم يجد رداً علي كلامها، فربت جدها عليها بحنان: 
_ ما هو بابي جاي معانا عشان نتغدي كلنا مع بعض.

قال أكرم عندما وجد في عينين زوجته عدم الترحيب به:
_ معلش يا عمي خليها في وقت تاني.

لوت حماته شفتيها بإمتعاض، فتشدقت: 
_ ربنا يهدي الحال.

_ طيب يلا بينا عشان نروح قبل زحمة المرور.
قالها والد ندي، فقال الآخر:
_ معلش ياعمي أتفضل حضرتك أنت وماما عايز ندي أتكلم معاها ونبقي نحصلكو.

نظر والدها إليها وأومأ لها بأهدابه فقال:
_ خد راحتك يابني وإحنا هنستناكو في الإنتظار تحت.

_ لاء روحو أنتو عشان لارا وأنا هابقي أوصل ندي لحد البيت.

تنهدت حماته بنفاذ صبر وقالت:
_ يلا بينا إحنا يا حاج مش قادرة أقف أكتر من كده.

غادر الجميع المشفي بينما أخذها  أكرم وذهبا إلي أقرب منتزه، وبعدما جلس كليهما وطلب من النادل بإحضار كأسين من العصير الطازج، أعتدل في جلسته أمامها وسألها بجدية: 
_ ما أتصلتيش عليا ليه أول ما عرفتي بالي حصل للبنت؟.

أجابت بتحفظ:
_ نسيت، كان كل همي أشوف بنتي وأطمن عليها، وبعدين ما أنت لسه كنت قايل إنك  قافل موبايلك طبعاً كالعادة عشان شغلك.

زفر بسأم وقال:
_ ماشي يا ندي، عموماً أنا حبيت نقعد مع بعض سوا ونتكلم كأي زوجين عايزين يكملو حياتهم من غير مشاكل ونربي بنتنا في جو بعيد عن أي حاجة تأثر علي نفسيتها.

_ كلامك كله تمام، بس تفتكر إنه بسهولة نرجع نعيش مع بعض ولا كأن حاجة حصلت!.

أنحني نحو الطاولة بجذعه وشبك أنامل يديه معاً:
_ أنا غلطت وأنتي غلطي قبلها، ومش سهل علي أي راجل إنه ينسي الغلطه الي عملتيها حتي لو مكنتيش علي ذمتي وقتها، كون إنك سمحتي لراجل تاني غير الي بتحبيه يدخل حياتك حتي لو كانت نزوه عابره ده غلط لايغتفر، بس أنا عشان بحبك هحاول أنسي أو اتجاهل ونرجع لحياتنا الطبيعيه وكفاية لحد كده مشاكل وبعاد.

تنهدت من أعماقها فأجابت:
_ طيب والأمان والثقة؟.

رد بعملية تامة:
_ دول بإيدينا نرجعهم مع الأيام، بس وإحنا مع بعض لأن البعد والفراق بيضعفهم وزي ما بيقول المثل البعد بيولد الجفا.

أعطت لعقلها فرصة للتفكير في حديثه، لديه حق في كل ما قاله لكن تريد فترة نقاهة كما أخبرها والدها، فقالت:
_ أنا موافقة نرجع زي الأول وأحسن كمان بس بعض كام يوم أرتب فيهم نفسي وأفكاري.
رمقها بصمت لثوان وأدرك ماتقصده فقال:
_ وأنا معاكي للآخر يا ندي، هديكي فرصة أسبوع مش أكتر وخلال الأسبوع ده هنكون علي تواصل، نتكلم ونطمن علي بعض.
جاء النادل ووضع أمام كل منهما كأس العصير وزجاجة مياه وكوب زجاجي فارغ ثم ذهب،
أومأت له بموافقة وشبه إبتسامة خافتة، تحمحم أكرم وأردف:
_ في حاجة كده نفسي كنت أقولهالك من أول ماشوفتك النهاردة.

عقدت مابين حاجبيها بإستفهام، أمسك بيديها وبنبرة مليئة بالشوق والحب قال:
_ وحشاني أوي.
3

ــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،،ـــــــــــــــــــــــــــ

_ ترجلت من سيارة الأجرة أمام المتجر تتحدث في هاتفها:
_ أنا أدام المحل دلوقت، خد بالك من نفسك يا حبيبي ترجع بالسلامة.

_ شهد زي ما وصيتك مش عايز مشاكل مع الزباين وقبل ما تقفلي خلي الواد حموده يقفل الكهربا من لوحة المفاتيح.

_ حاضر يا بابا، أطمن، مع السلامة يا حبيبي.

وبعد إنتهاء المكالمة، دست يدها بداخل حقيبة يدها تبحث عن المفاتيح لكن لم تجدها، زفرت بتأفف:
_ يادي الحظ والزهايمر الي أنا فيه، لما أكلم الواد حمودة أأكد عليه لينسي مفاتيحه هو كمان.

هاتفت مساعدها المدعو حمودة لكنه أعتذر بعدم المجئ اليوم وهذا بسبب مرض والدته وإنه سيذهب بها إلي المشفي ولايعلم متي سيعود.

ألقت نظرة علي الأقفال الموصدة ثم أخذت تتلفت من حولها تفكر في كيفية فتحها، وقعت عينيها علي هذا القادم يحمل حقيبة كبيرة علي ظهره ويتبعه صاحبه الذي يحمل مثله، توقفا علي الرصيف المقابل وأنزل كل منهما حمولته.

وقبل أن تتحرك قدميها إليهما لتطلب المساعدة أوقفها صوت كم تكره صاحبه وتود أن يذهب للجحيم.
_ مساء العسل ياست البنات، محتاجة أي خدمة؟.

أغلقت عينيها في محاولة كظم حنقها، أستدارت له وبإبتسامة صفراء ساخرة ردت:
_ نعم!، عايز أي يا ممدوح؟.

حك لحيته وعينيه تتفحص كل إنشاً بها بجرأة إستفزازية:
_ عايز أخدم الجميل الي تقلان علينا ومش حاسس بينا.
و وضع كفه علي صدره يمسده، حدجته بإزدراء وبإمتعاض قالت:
_ متشكرين يا أخويا خلي خدماتك لزباينك أهو علي الأقل بينفعوك.

أقترب منها وهي تتراجع حتي حاصرها واقفاً أمامها وأستند بيده علي الباب الحديدي خلفها:
_ أخوكي أي يا شهد، ما تحسي بيا بقي ده أنا شاريكي ورايدك في الحلال.

صاحت وهي تدفعه ليبتعد عنها:
_ حلال مين يا راجل يا ناقص، ده أنت علي ذمتك تلاتة، ضافر كل واحدة فيهم برقبتك.

_ و ماله لما أتجوز الرابعة، الشرع محللي مثني وثلاث ورباع ولا ناوية تحرمي شرع ربنا وتكفري بقي.
صاح بها بتهكم

_ اللهي تتجوزك عقربة وتنزل فيك بديلها لحد ماتفضي سمها كله فيك ومتلاقيش مصل يداويك يابعيد، وبعدين أنت تعرف ولا تفهم أي في شرع ربنا، دول نسوانك شاكينك لطوب الأرض عشان مبتصرفش عليهم يابخيل يامعفن، وجاي بكل بجاحة عايز تضمني ليهم!.
1

رفع يده في وضع الهجوم:
_ لاء بقي ده أنتي زودتيها أوي ولازم تتربي.
1

كاد يلقنها صفعة لكن هناك يد أقوي منه قامت بمنعه، ألتفت ليري صاحبها فتلاقت عينيه برماديتين تحدقه بنظرة نارية جاءت من أعماق الجحيم لو تقاذف منها لهيبها لأحرقه حتي يتفحم ويتطاير كالرماد.
_ لو يدك كانت لمستها كان زمانك مدفون مكانك.
ثار غضب هذا الأحمق فصاح به:
_ وتطلع مين أنت كمان يا حليتها؟.

نفض فارس يده وكأنه يلقي بقمامة:
_ أني الي لو فكرت تجرب منيها  لأخليك ما تشوف الشارع تاني واصل.

تبدلت حالتها من الغضب إلي السعادة العارمة بداخلها وهي تري وتسمع تهديداته الجادة لهذا البغيض.
8

باغته ممدوح بدفعة قوية في صدره وقال:
_ شكلك أنت الي ماتعرفش مين هو ممدوح عنتر، ده أنا أفعصك يالاه زي الصرصار.

_ طيب أجصر الشر وروح لحالك أحسن لك.

لكزه بعنف في صدره مرة أخري:
_ أنا بقي طلعت في دماغي وعايز أشوف آخرك أي ياعم الشبح.

زفر فارس بنفاذ صبر وقال:
_ اللهم يطولك يا روح.

تدخل جنيدي قائلاً:
_ مين ده الي يدو شكلها هتتوحشو ياصاحبي؟.

صاح الآخر بسخرية:
_ده أنتو عصابة بقي، ولاه يا سكينه، يا حوكشه.

هرول شابين إليه يمتلك كل منهما طولاً فارعاً وجسداً قوياً لكن مظهرهما لايوحي سوي إنهما أجساد قوية بعقول عصافير.
أجاب إحدهما بصوت غليظ:
_ نعم يا كبير.

أشار له وللآخر علي فارس وجنيدي قائلاً:
_ العيال دي بتغلط في كبيركو.

رد المدعو حوكشه:
_ الي يغلط في المعلم نمسكو من قفاه وعليه نعلم.

و بدأ العراك مابين الأربعة، تسلل ممدوح جانباً حتي لايصاب بأذي، أوقفهم جميعاً صوت الأمين شوقي حيث ذهبت إليه شهد لتستغيث به  :
_ والله عال، خناقه وضرب ولا كأن فيه حكومة يا غجر.

قال ممدوح:
_ رجالتي يا أمين شوقي بيدافعو عن نفسهم، العيال دول جايين يهجمو علينا وإحنا قاعدين في أمان الله.

صاح فارس بإستنكار:
_ أبداً يا سيادة الأمين، الراچل دي لاجيته عيضايج الآنسه وأني مينفعش أشوف حاچة كيف إكده وأجف أتفرچ.

تممت شهد علي حديثه:
_ أيوه يا أمين شوقي، كل الي قاله صح، ممدوح كان بيضايقيني ولما وقفته عند حده كان عايز يمد إيده عليا.
وبدأت تبكي بتصنع، فقام ممدوح بسبها في نفسه:
_ آه يا بنت ال.....

وقال جنيدي:
_ و كمان بعد ما صاحبي عيجولو عيب إكده ما عاچبوش الحديت وراح نادم علي العيال دول لأچل يضربونا.

رمقهم شوقي جميعاً بتوعد وقال:
_ طيب يلا كلكو أدامي علي القسم منك ليه.

جفت الدماء في عروق كل من فارس وجنيدي حتي قال ممدوح:
_ قسم أي يا شوقي باشا، التاجر فينا عبارة عن سمعة ولو حد خد خبر إن دخلت القسم محدش هيدخلي محل وهيتقطع رزق الناس الي شغاله عندي.
فقال جنيدي:
_ وإحنا كمان يا سيادة الأمين محدش هيهاوب نواحي فرشتنا ودي لجمة عيشنا الي عنعيشو منيها.

أقترب ممدوح من شوقي ليدس في جيبه مبلغ من المال وهمس إليه:
_ كل سنة وأنت طيب ولو المدام والعيال لازمهم حاجة أبقي تعالي خدلهم من عندي وحسابك مدفوع مقدماً.

ظل ينظر إليهم جميعاً، يسير أمامهم ذهاباً وأياباً،فقال:
_ عشان خاطر المعلم ممدوح أنا هاسيبكو، وأنت ياض منك ليه.
موجهاً حديثه إلي فارس وجنيدي، أردف:
_ أنا حالف لكو من المرة الي فاتت لو شوفت وشكو في أي مشكلة هرميكو في الحبس!.

قال فارس بدفاع:
_ أحنا ما عنسويش مشاكل يا.....

قاطعه شوقي بغلظة:
_ خلاص يا عم الشهم عارفين عملت أي، بس خد بالك دي المرة التانية والتالته تابته ولو جبتلي وزير الداخليه نفسه ما هسيبك وهخليك تلف علي أقسام مصر كلها كعب داير سواء أنت أو صاحبك.

قال جنيدي بتوسل مصتنع:
_ حجك علينا يا سيادة الأمين ونوعدك هتكون آخر مرة.

_ لما نشوف يا أخويا، يلا كل واحد يروح علي أكل عيشه.

قالها وذهب، تمتم جنيدي بصوت لايسمعه سوي فارس وشهد فقط:
_ حرج أبو الي چابك راچل كيف المنشار طالع واكل نازل واكل.

ضحك فارس وقال:
_ أكتم ليسمعك وإحنا ماناجصينش رزالته.

_ يسمع ولا ما يسمعش ولا يغور في داهية، أني خلاص جفلت ومليش نفس أبيع النهاردة لو رايد تجف أنت خليك، أني هاروح أتمشي لحد الكورنيش وهعاود علي مطرحنا.

_ طيب خد بالك من نفسك وملكش صالح بحد.

_ حاضر ياصاحبي.
وألقي نظرة إلى شهد قبل أن يذهب فأردف:
_ متشكرين يا آنسة.

_ علي أي ده أنا الي المفروض أشكركو علي وقفتكو جمبي.

رمق فارس بغمزة من عينه فقال:
_ أحنا رچالة جوي و دمنا حامي، ولو مكنتيش بلغتي شوقي دي، كنا زمانا جطعنا شوية العيال دول والي إسمه ممدوح جبلهم.

لم تنظر له بل كانت مبتسمة إلي فارس وقالت:
_ طبعاً رجالة وسيد الرجالة كمان.
2

حك جنيدي فروة رأسه وقال منسحباً:
_ آه ماشي، الله يسهلو، عن أذنكو.

هم فارس بالذهاب فأوقفته شهد:
_ أستني يا...

_ قاسم، إسمي قاسم.

إبتسمت برقة ودلال خلاف طبيعتها وقالت:
_ عاشت الأسامي يا أستاذ قاسم، أنا كنت بس عايزه أعتذر لك عن اليوم إياه لما أتكعبلت فيك من غير قصد وأتخانقت معاك.
أومأ لها بملامح جاده لكن لم يُخفي عليه تلك النظرات التي تلمع في عينيها، فهي تذكره بمحبوبته:
_ ولايهمك يا آنسه حصل خير.

كاد يذهب مرة أخري فأوقفته للمرة الثانية وقالت:
_ معلش والله آخر مرة هوقفك،بس كنت طالبه منك خدمة صغيرة أصل بابا سافر يستلم بضاعة من بورسعيد وهيرجع بالليل وأنا الي هفتح لوحدي حتي الواد حموده الي شغال عندنا مش جاي، وأنا نسيت المفاتيح فممكن تساعدني أفتح الأقفال دي.

نظر علي البوابة وأقفالها فقال:
_ دي أجفال كبيرة ومش سهل تتفتح.

تذكرت شئ ما:
_ طب ثانية كده.
أنحنت ورفعت بنطالها قليلاً وأخرجت مدية صغيرة كانت تدسها في جوربها، أتسعت عينيه بدهشة وسألها متعجباً:
_ أي الي حداكي دي!.

تلفتت من حولها وقالت بخفوت:
_ دي مخلياها معايا للأمان مبطلعهاش خالص، حتي بابا ميعرفش عنها حاجة فياريت تخليها سر مابينا، وخوفت أطلعها أهدد بيها ممدوح فالسلاح يطول ويحصل له حاجة وأروح في داهيه.

رد بتهكم:
_ ما أنتي خابره زين أهو، أنصحك أرميها الحاچات دي للبلطچية.

_ خلاص أفتح بس بيها الأقفال وخليها معاك، أعتبرها كادو صغير.
أعتطها له فأخذ يقلبها بين يديه، فهز رأسه بشبه إبتسامة من تلك الفتاة التي تارة تكن كالحمل الوديع وتارة أخري كالعاصفة عندما تغضب.

حاول فتح الأقفال حتي نجح بعد عدة محاولات، فكانت تقف جانباً تراقب إنفعالاته وهو يشمر عن ساعديه وبرزت عروقه وعضلات عضديه الذي يجسدها قميصه ولم بستطع إخفاءها، وخصلاته شعره تبعثرت فوق جبهته لتزيده جاذبية و وسامة أكثر.
أنتهي من فتح البوابة والباب الذي يليها ورفعه لأعلي، فأستدار إليها قائلاً:
_ أتفضلي.
ومد يده إليها بالأقفال فوجدها شاردة في ملامح وجهه وخاصة عينيه، تحمحم وقال:
_ يا آنسة.
3

أنتبهت له فقالت بخجل:
_ معلش، شكراً تعبتك معايا، تعالي أتفضل نشرب كوبيتين شاي.

رفع يده بشكر وإمتنان:
_ شكراً، أني هاروح أفرش البضاعة ولو محتاچة أي حاچة نادمي عليا، عن إذنك.

قالها وذهب،فظلت تنظر نحوه، أطلقت تنهيدة حارة وقالت:
_ يخربيت تقلك، شكلك هتجنني معاك يا، قاسم.
ـــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،ــــــــــــــــــــــــــــــ
4

_ يقف أسفل المياه المنهمرة عليه بقوة،  يستند بكفيه علي الحائط الرخامي،  يغلق عينيه محاولاً إستيعاب ما تفاجئ به منذ قليل، فعندما أستيقظ من النوم وبدأ يعود إلي وعيه وجدها منزوية في إحدي الأركان يلتف الشرشف علي كامل جسدها وخصلات شعرها تغطي وجهها وجذعها، تبكي بنحيب،  غر فاهه بصدمة مُردداً إسمها،  وقبل أن ينهض ألتقط سرواله الملقي جوار السرير ليرتديه، وعندما نهض وقعت عينيه علي بقعة الدماء في الفراش فأستنتج فداحة ما أقترفاه سوياً،  وضع كفيه علي وجهه يلعن ذاته وينهرها، فهذا ما آخر كان يفكر به،  فهو لا يهواها لكن لايتمني لها الأذية أو الضرر،  وأي ضرر إنها كارثة عليهما أن يتحملا نتائجها معاً.
2

أنتهي من الإغتسال وأرتدي مأزره القطني،  خرج ليجدها مازالت بنفس الوضعية التي تركها بها،  سار نحوها وجلس أمامها علي ركبتيه،  أزاح خصلاتها حتي يتثني له رؤية وجهها، أزدرد ريقه قبل أن يتحدث بتوتر جلي: 
_ مروة،  ممكن كفاية عياط وتعالي نفكر هنعمل أي مع بعض.

رفعت وجهها شديد الحمرة من كثرة البكاء وجفون عينيها التي أصبحت منتفخة،  فأجابت بصوت متحشرج يخرج بصعوبة من فمها: 
_ نفكر!،  أنا ضعت خلاص،  سلمتلك نفسي من غير أي ذرة عقل،  مشيت ورا قلبي مقدرتش أقولك لاء لأول مرة، وآخرتها بقيت زيي زي أو واحدة.....
صمتت لتجهش في البكاء مجدداً،  شعر بالأسف الشديد نحوها فأحتضنها وربت عليها: 
_ متقوليش كده،  كل مشكلة وليها حل.

أبعدت وجهها عن صدره فأجفلته بسؤال لم  يضعه في الحسبان بتاً: 
_ والحل أي؟،  هتتجوزني؟

شعرت بإنتفاضة جسده وهو ينهض مبتعداً عنها،  ولي إليها ظهره، لايعلم إجابة سؤالها المباغت لعقله،  فالزواج بالنسبة إليه أمر قد حسمه من قبل،  لم ولن يتزوج سوي من عشقها بكل حواسه مهما كان الثمن، كيف يمكنه الزواج بغيرها حتي لو كان إصلاح لخطأه الفادح!.
3

_ زي ما توقعت طبعاً لاء،  لأن عمرك ما حبتني ولا هاتحبني،  أنا الي كنت معيشه نفسي ديماً في وهم وحطه أمل إنك هاتحس بيا وهتمل من جريك ورا ندي.
1

أقتصرت عليه كثير من الكلمات كان سيخبرها بها،  ألتفت إليها وقال: 
_ أنا مش قادر أفكر في أي حاجة دلوقت،  بس أوعدك مش هتخلي عنك وأسيبك في محنتك لوحدك.

كلماته أشعلت في داخلها نيراناً،  فتبدلت حالتها من رثاء نفسها إلي أخري يسيطر عليها الغضب والألم والغبطة،  خليط من المشاعر السلبية،  نهضت و وقفت أمامه: 
_محنتي!،  أصدك محنتنا،  كارثتنا أنا وأنت،  وأنا مش بخيرك،  أنت لازم تصلح غلطتك معايا،  يا أما ههد المعبد فوق دماغك ودماغي،  أقلها هاروح لجوز السنيورة سيادة النقيب،وأنت بقي فاهم الباقي.

حدجها غير مصدق كيف تبدل حالها بتلك السرعة،  كانت منذ ثوان كالشاه المذبوحة تبكي والآن أرتدت قناع القوة والتهديد بل وتلقي عليه أمراً ربما سيفكر به لاحقاً،  لكن أسلوبها الذي يمقته هذا جعله يتراجع عن أفكاره وعليه أن يظهر لها وجهه الثاني.
أمسك بعضدها و بنبرة خالية من الحياة بل تتلخص في تهديد و وعيد قال لها : 
_ تصدقي إن أنا إبن......  لما صعبتي عليا وكنت بفكر أساعدك،  لكن لما ظهرت وساختك للمرة التانية معايا خلتيني قررت أسيبك تتحرقي ولا تولعي بجاز، وفعلاً زي ما قولتي طول عمرك أنتي الي بتجري ورايا وفارضة نفسك عليا وعماله تخططي وتحلمي، ولعلمك بقي رد فعلك دلوقت أثبت لي إن التمثلية الي عيشتيني فيها دي مدخلتش دماغي خالص،  أنتي هتلاقيكي كنت مخططه لكده عشان تدبسيني وتخليني أتجوزك، قولتي لما أستخدم آخر كارت ليا معاه وأحطه أدام الأمر الواقع،  بس أنا بقولك عمره ما هيحصل يا مروة،  وليلتك شليها لوحدك.
4

قال آخر جملة وهو يوكزها بعنف في ذقنها ثم دفعها بقسوة يحدجها بنظرة إزدراء وإشمئزاز، أتجه نحو خزانته قائلاً: 
_ ياريت عقبال ما ألبس تكوني أنتي كمان لبستي ومش عايز أشوف وشك ده خالص.
ــــــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،، ــــــــــــــــــــــــــ
_ تغلق صنبور المياه بعدما أنتهت من جلي الصحون والأواني،  مسحت بظهر يدها علي جبهتها لتزيل قطرات العرق،  يبدو عليها التعب وينتابها شعور بالدوار الخفيف تحاول مقاومته منذ الصباح.
جاءها صياح خالتها من خارج المطبخ: 
_ أطفي علي المحشي يا نواره،  زمانه أستوي.

ردت بصعوبة فحتي قوتها المنهكة غير قادرة علي التحدث: 
_ طفيت عليه من شوية يا خالة.

_ طيب معلش ولعي الفرن علي الفراخ تسخن هبابة.

_ حاضر.

أمسكت بالقداحة ذات الأسطوانة الطويلة وقامت بإشعال فرن الموقد، وأن تخللت رائحة الدجاج المتبل حاسة الشم لديها،  فأنقلبت معدتها وسيطر عليها الشعور بالغثيان،  ركضت علي المرحاض وأفرغت كل ما بجوفها،  وبداخلها يخبرها حدسها إن ما يحدث لها ربما له سبب طالما أنتظرته أكثر من عامين، لكنها لم تبالي وبررت هذا إصابة معدتها بالبرد فهي قد غفت بالأمس في هواء التكيف البارد بدون دثار مرتدية منامة خفيفة.
غسلت وجهها لعلها تفيق،  خرجت علي صوت رنين جرس المنزل،  فذهبت لتري من الزائر،  فتحت الباب، تبدلت ملامحها إلي الوجوم.
_ أزيك يابتي،  ما هتجوليش أتفضلي ياماه؟.

قالتها سعاد وكانت ملامحها تدل إنها نادمة وجاءت تطلب السماح من إبنتها.
زفرت نوارة بضيق وأشارت إليها قائلة بتهكم: 
_أتفضلي،  مهما كان دي دار خايتك وأني هنا مچرد ضيفة مش أكتر.

ولجت سعاد ولم ترد علي إبنتها، مهما قالت لها من كلمات فلن تعاتبها،  هي تعلم كم هي خذلتها عندما لجأت إليها من بطش وظلم زوجها وهي أكتفت بدور المتفرج تخشي حتي الدفاع عنها،  لذا عليها أن تتحمل أي ردة فعل من إبنتها.

أستقبلتها شقيقتها رسمية بترحب ولم تخفي عنها نظرة العتاب، فقالت: 
_ كيفك يا خايتي؟.

ردت سعاد بدون النظر إليها: 
_ الحمدلله زينه،  كيفك أنتي وأبو رافع؟.

_ كلاتنا بخير،  وبتك بجت أحسن وزينة من وجت ما بجت ماتشوفش زوچها.

عقدت مابين حاجبيها بتعجب فسألتها: 
_ واه،  كيف مابتشوفهوش؟.

أجابت بإمتعاض: 
_ من وجت ما چابها من عندكي ولجيناه عيبهدلها وجفنا له وأبوه سخفه كف محترم و جاله ملكش جعاد أهنه إلا لما تحب علي راس مارتك وتعتذر لها،  ومن وجتها ماشوفناش خلجته واصل.
1

لطمت علي صدرها وقالت: 
_ يا نهار طين،  و ده برضك ينفع يا أم رافع،  ولدك ماعدش صغير علي الي أبوه سواه وياه،  وأنتي خابره زين ولدك هيعاند وممكن يختار خراب بيته ولا نه يتأسف لبتي عاد.

رمقتها رسمية بإمتعاض وتعجب في آن واحد، ينبلج من حديثها الدفاع عن إبن شقيقتها غير مبالية لإبنتها المجني عليها.
_ واه يا سعاد،  أني احترت فيكي يا خايتي كل الي همك رافع والي حوصل وياه ولا همك بتك الي كسرها قدمنا ولا هان عليه يطيب خاطرها بكلمة عاد!.

خرجت نوارة من المطبخ تحمل صينية يعلوها أكواب من الشاي،  تسير بخطي وئيدة من التعب،  فقالت تعقيباً علي حديث خالتها: 
_ همليها يا خالة تجول الي ريداه، من ميتي وهي عتهتم بحالي، كل الي همها إن بيتي ميتخربش حتي لو چيت علي نفسي وأموت بالحيا.

شهقت سعاد وقالت بإستنكار: 
_ بعد الشر عليكي يابتي،  ليه عتجولي إكده!  ،  ربنا عالم أني بخاف عليكي قد أي وكل الي ريداه مصلحتك وتكوني زينة ويا چوزك.

رفعت زواية فمها بتهكم وقالت: 
_ حتي لو چوزي بيموتني!.

نظرت الشقيقتان إليها بدهشة،  فأردفت بنبرة تنضح بالقهر والألم التي تشعر بهما دائماً: 
_ أيوه كل يوم بيموتني وهو نايم چاري و جلبه وعجله مع واحدة غيري، حتي لما بكون في حضنه عينادم بإسمها هي وأسمعه وأكتم في صدري،وكل ما نتچمع وتكون موچودة ينسي الدنيا ومارته ويسرح فيها هي وبس،  جتلني ليلة فرح زينب لما شوفته بعينيا وهو عيحضنها ويبوسها كأنها هي الي مارته مش أني، عايزين أسوي أي وياه بعد كل دي!،  أكمل حياتي كيف؟.

رفعت رسغها نحو عينيها لتجفف بطرف كوم عباءتها عبراتها التي خدعتها وأنسدلت أمامهم برغم محاولتها كتمانها.
_ هملوني أختار الي يريحني ويريح جلبي الي مات علي يد الراچل الوحيد الي دج له وحبه،  وياريت ياماه متكلفيش حالك وتيچي تطلي عليا، أديكي شوفتيني أهه عايشة ويا خالتي وچوزها الي حسسوني أني بتهم وچابولي حجي الي مجدرتش تچبهولي الي من لحمها ودمها، أنسي ليكي بت ولا أجولك أتبري مني أحسن.
5

ألقت بكلماتها كالصاعقة علي رأس والدتها ودلفت إلي غرفتها،  أغلقت الباب خلفها بعنف،  مما جعل سعاد أنتفضت ولم تتحمل قسوة إبنتها معها فأجهشت بالعويل،  ربتت عليها رسمية بمواساه: 
_ معلشي يا خايتي، ما أنتي خابرها عتجول حديتها من ورا جلبها.

كادت سعاد تفتح فاهها لتجيب،  لكن قاطعها صوت هبدة قوية آتية من غرفة إبنتها،  نهض كليهما وفتحا الباب علي الفور،  فوجداها ممدة علي الأرض فاقدة للوعي.

وبعد قليل أتي الطبيب بعدما ذهب إليه زوج خالتها وجلبه معه علي عجالة،  فقام الآخر بفحصها تحت نظرات والدتها التي تبكي حزناً علي إبنتها وما وصلت إليه.

وعند إنتهاءه قام بتدوين أسماء مكملات غذائية وڤيتامينات،  نزع الورقة وأعطاها لخالتها التي قالت: 
_ خير يا دكتور،  هي مالها كفي الله الشر؟.

إبتسم الطبيب ليطمأنها قائلاً بحبور: 
_ أطمني يا حاجة، الإغماء ده طبيعي جداً لأنها أبتدت مرحلة الوحم.
كفت سعاد عن البكاء و غرت فاهها ببلاهة ثم قالت: 
_ إياك تجصد إنها....

أومأ لها مجيباً: 
_ حامل،  ألف مبروك.
2

لم تصدق أذنيها ورددت: 
_ إما أنت كريم يارب، الحمدلله والشكر لله.
ثم أردفت بخفوت حتي لاتسمعها شقيقتها:
_ بركاتك يا شيخنا وبركات الأسياد.

وأطلقت زغرودة بصوت جهوري قد وصل لأذان أهل النجع جميعهم،  كما هللت رسمية و زوجها بفرحة عارمة.

فأخبرهم الطبيب قبل مغادرته: 
_ أهم حاجة الراحة وتروح تتابع مع دكتور نسا وتوليد عشان تاخد بالها من صحتها وصحة الجنين،  يلا عن أذنكو وألف مبروك مرة تانية.

أوصله خميس إلي الخارج وأعطاه مبلغ من المال أكثر من ما طلبه وذلك بمناسبة هذا الخبر السعيد.
وبالداخل بعدما سمعت ما قاله الطبيب لم يبدو عليها أي إهتمام بل كانت نظراتها تنضح بالبرود واللامبالاه،  فما تمر به من ظروف عصيبة كسر بداخلها فرحة طالما أنتظرتها منذ عامين وأكثر.

قالت رسمية بفرحة: 
_ ألف مبروك يابتي،  أخيراً  ربنا كرمك أنتي و ولدي، ربنا يتتملك ويكملك حملك علي خير يارب وتجومي أنتي والمولود بالسلامة قادر يا كريم.

فقالت سعاد أيضاً: 
_ إحنا نتصل علي رافع وتو ما يعرف هتلاجيه چاي چري ويحب علي راسك ويدك ورچلك كماني.

أشاحت نوارة وجهها عنها ولم تتفوه بكلمة وآثرت الصمت،  فلم يفرق لديها علمه بخبر حملها أم لا!.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،، ـــــــــــــــــــــــــ
_ صدق الله العظيم.
قالهابعد إنتهاءه من تلاوة آيات الذكر الحكيم ثم أغلق المصحف،  ونهض ليتوضأ إستعداداً لأداء صلاة العصر وبعدها يبدأ تلقين الأطفال الدروس الدينية،  أستوقفه رؤية طفل نائم في إحدي أركان المسجد ومولياً ظهره، ذهب ليري من هذا الطفل كما أخبره قلبه إنه يعرفه جيداً.
جلس بجواره وأخذ يربت عليه ليوقظه فأستيقظ علي الفور وأستدار إليه فتفاجئ به،  فقال بكر بتعجب: 
_ عمر!.

نهض الصغير ويغلبه النعاس البادي في صوته:
_ شيخ بكر، معلش أصلي منعستش من إمبارح كنت خايف جوي وأني لوحدي.

_ لوحدك كيف يعني؟.
سأله بكر بعدم فهم،  ففسر الصغير مجيباً بحزن: 
_ أصلي أتخانجت ويا أمي وطردتني من الدار عشية إمبارح وجالتلي ملكش جعاد معاي يا إبن أبوك وخلي قمر تنفعك،  فضلت ألعب مع أصحابي لحد ما كل واحد عاود علي داره وملجتش مطرح أتاوي فيه غير أهنه في المسچد.

ردد بكر بأسف علي الصغير: 
_ لا حول ولا قوة إلا بالله،  وأي السبب الي خلاها تسوي معاك إكده؟.

رمقه بتوتر فقال: 
_ سمعتها عتتفج ويا خالي إنهم يبيعو الدار وعتجوله إن أبوي الله يرحمه كان كتبلها توكيل،  فجالها كيف هتبيعي من غير ما قمر تعرف وتوافج هي ليها في الدار ورث أمها الله يرحمها،  جالتله ما إحنا هنبيعها في الباطن وقمر تبجي تتصرف ويا الي هيشتريها هتكون هي وأخواتي وخالي هچو من البلد وأتدلو علي أي مطرح تاني محدش هيعرفه.

تجهم وجهه كيف لتلك المرأة التفكير في ظلم زوجته ألم يكفيها ما فعلته معاها!  ،  وتأتي الآن لتأخذ حقها عنوة!.

_ متوكد من حديتك دي ياعمر؟.

أجاب الصغير: 
_ والله ده كل حرف سمعته يا شيخ بكر،  ولما شافتني عتسنط عليهم جبصتني من جفاي وسألتني سمعت أي جولتلها كل حاچة وإكده حرام الي عتسويه يا أماه وقمر بت عمتي ماتستهلش منك كل ده،  جامت رفعاني من ياجة الترنج وفتحت الباب ورمتني بره الدار وجالتلي كيف ما خابرتك.
2

ربت بكر عليه بحنان وقال: 
_ معلش يا عمر،  الله يسامحها ويهديها، إحنا نخلص الدرس وتيچي معاي عند قمر تجعد حدانا.

أنبلجت فرحة عارمة علي محيا الصغير وقال: 
_ بچد يا عمي بكر؟.

أبتسم له بحب وداعب خصلاته بيده: 
_ أيوه بچد،  دلوق بجيت عمك ومن شوي كنت شيخ!.

ضحك الصغير: 
_ طب تحب أجولك أي؟.
وقبل أن يجيبه الآخر أردف الصغير: 
_ أي رأيك أجولك يابا بكر، بصراحة بحسك كيف أبوي الله يرحمه في حنيته وطيبته.

أومأ له بكر وأحتضنه بحنان أبوي وقال: 
_ جولي الي أنت عايزه يا حبيبي،  وأني بدعي ربنا لما يرزجني بالذرية الصالحة،  يعطيني ولد كيفك إكده دمه خفيف وراچل من صغره ويحفظ القرآن ويسمعه بصوت كيف صوتك الزين ده.

بادله الصغير العناق بقوة يشعر بالأمان الذي فقده مع والدته جاحدة القلب فقيرة الأخلاق.
مسد بكر فروة رأس الصغير فأخبره: 
_ يلا بينا نجوم نتوضأ،  شوي وعمك الشيخ واصف هيأذن.
1

نهض الصغير معه وذهب كليهما للوضوء.
ــــــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،،ـــــــــــــــــــــــــــــ

_ في مكان آخر بداخل المنزل المتطرف علي حدود النجع والخاص بشقيقه زكريا،  فبعد أن قرر بكر الرحيل من منزل عائلته برفقة قمر هاتف شقيقه ليخبره إنه يريد المكوث في منزله الخاص لفترة حتي يجد منزل مناسب له ولزوجته ويقوم بإعداده.
وكانت قمر منذ أن دلفت إلي داخل المنزل وبدأت في إعادة ترتيبه حيث الغبار كان يملأ الأركان والأثاث ولم يكن مرتباً ونظيفاً،  فقضت نهار اليوم في التنضيف في أول يوم لهما حتي أنهكت قواها وتناول كليهما الطعام ثم غلبهما النوم، فكانت تنام في غرفة وبكر في غرفة أخري.
و اليوم هو التالي لهما،  تقف في المطبخ الذي يحتوي علي موقد بسيط متصل بإسطوانة غاز و هناك خزانه صغيرة تحتوي علي أواني قديمة وصحون وملاعق،  قامت بغسلهم من آثر الغبار المتراكم عليهم،  وبدأت في إعداد الطعام الذي قام بكر بشراءه لها في الصباح،  فأشعلت النيران علي الأواني وذهبت لتأخذ قسطاً من الراحة أمام التلفاز، أوصلت أسلاك التشغيل  بالمقبس المشترك فأضاء التلفاز، ألقت بجسدها علي الأريكة المقابلة لغرفة النوم المظلمة،  كادت تزفر بأريحية لكنها أنتفضت فجاءة وشهقت عندما رأت طيف ظهر في أقل من ثانية داخل الغرفة.

وضعت كفها علي صدرها الذي يعلو ويهبط من الفزع.
_ بسم الله الرحمن الرحيم، أهدي يا قمر هتلاجيه خيال حد معدي في الشارع من قدام الشباك.

نهضت لتتأكد من ظنها،  فوجدت زجاج وخشب النافذة كلاهما موصد ولم ينفذ منهما سوي بصيص من ضوء الشمس يتجمع في بقعة علي الأرض،  أعتراها إحساس بالبرودة وكأن أحدهم مر بجوارها وشعرت بأنفاس دافئة لفحت وجنتها فأنتفضت مرة أخري،  أطلقت ساقيها إلي الخارج تصرخ من الرعب.
أمسكت بجهاز تحكم التلفاز وظلت تضغط علي زر التقليب حتي توقفت لدي قناة المجد لتلاوة القرآن الكريم.

أبتعدت من أمام الغرفة وأخذت تردد كل الأدعية وأذكار التحصين وآية الكرسي رددتها أكثر من مائة مرة، ذهبت لتطفأ الموقد وقررت البقاء في المطبخ ،  ظلت هكذا ولم تشعر بمرور الوقت، أنتفضت للمرة الثالثة لكن تلك كانت طرقات علي باب المنزل تعلم من صاحبها، ركضت وفتحت الباب وما أن رأته في وجهها ألقت بنفسها علي صدره محاوطه جذعه وتشبثت بقوة به وأجهشت بالبكاء.
أثارت خوفه وقلقه،  فأبعد وجهها ونظر إليها بإستفهام: 
_ مالك يا قمر عتبكي ليه وخايفة إكده؟.

بدأت تهدأ قليلاً وأشارت له نحو الغرفة، رددت بتلعثم: 
_ عفريت،  الأوضة،  فيها.

حاوط ظهرها بزراعه وتقدم بها ليجلسا علي أقرب مقعد،  ربت عليها ليهدأها: 
_ أهدي إكده وأذكري الله،  عشان مافهمش منك حاچة واصل.

رددت الإستغفار ثم قالت بإعادة جملتها السابقة بترتيب: 
_ الأوضة فيها عفريت، شوفته مرة وحسيت بيه وماشي چمبي لما دخلت چوه.

لم يتمالك نفسه، فأطلق لضحكاته العنان حتي أدمعت عينيه مما جعل ملامحها تبدلت من الخوف والبكاء إلي الغيظ و الغضب، عقدت ساعديها أمام صدرها:
_عتتمسخر عليا يا بكر، شايفني عيلة صغيرة قدامك!.

قال من بين ضحكاته:
_ غصب عني والله، مش جادر أسمع وأشوفك وأنتي عتحكي بطريجتك دي وأسكت.

لكزته في زراعه:
_ أني زعلانة منك وملكش صالح بيا.

قالتها وأتجهت إلي الغرفة فصاح بمزاح:
_ حاسبي ياقمر العفريت مستنيكي چوه.

ترددت في الدخول لتغير وجهتها ودلفت في الغرفة المجاورة وقبل أن تغلق الباب، توقف عن نوبة الضحك وقال:
_ رايحة فين تعالي يا مچنونة، عاملك مفاچاءة، في حد واجف بره عايز يشوفك.

صاح منادياً:
_ تعالي يا صاحبي.

دلف الصغير و تو ما رأته ركضت عليه صارخة بإسمه، عانقته وحملته:
_ أتوحشتني جوي جوي ياعمر.

فباغتها الصغير بحديثه الذي يكبر عمره:
_ وأني زعلان منك جوي ياقمر.

أنزلته ودنت منه:
_ ليه يا جلبي عتجول إكده؟.

رد بعتاب رجل بالغ عاقداً ساعديه أمام صدره:
_ لأنك من وجت ما هملتيني ما بجتيش تسألي عليا ولا حتي هان عليكي تيچي الچامع تشوفيني ولو دجيجة، ما خلاص من لجي أحبابه نسي أصحابه.

عانقته مرة أخري ومسدت فروة رأسه قائلة:
_ أبداً والله يا نور عيني، أني بس كنت مشغولة عنحضر للفرح وكنت ناوية أچيلكو أعزم أمك وأخواتك مهما كان أنتو أهلي.

_ يعني خلاص هتتچوزي أنتي وعمي بكر؟.

_ أدعيلنا أنت بصوتك الحلو دي ربنا يتتملنا علي خير.

_ ربنا يتتملكو علي خير ويبعد شر أمي عنكو.

حدجته بتعجب من مغذي دعائه الأخير، نهض بكر وأقترب منه ليلهيها قائلاً:
_ الله الله يا قمر هانم أنتي وسي عمر، أول ما شوفتو بعض نازلين أحضان وحب وغرام وأني واجف چاركو كيف عود الجصب.

ضحكت قمر وقالت لإغاظته:
_ عمر ده حبيب جلبي ملكش صالح بينتنا.
وأخرجت لسانها بحركة كوميدية

ضحك عمر علي حديثهما ونظرات بكر المتوعدة إليها بمزاح فتدخل قائلاً:
_ ماتصدجهاش يا عمي أني موعدتهاش بحاچة واصل، علي طول بجولها أنتي كيف خايتي يابت الناس.
قهقه بكر وقال:
_ معلش يا أستاذ عمر أني خابر أخليها تبطل تچري وراك، ديتها معاي أحبسها ويا العفريت في الأوضة وأجفل عليها النور والباب.

_ لاء حرام إحنا نوديها لأمي أحسن.

جزت علي شفتها السفلي بحنق:
_والله عال أتلميتو علي بعض وبدأتو حفلة التريجة عليا، ماشي منك ليه، شوفو بجي مين الي هيغديكو عاد.

كتم بكر ضحكاته وأرتسم الجدية:
_ولايهمك ياض ياعمر تعال ننزلو المركز وأغديك عند أحلي حاتي عيسوي كباب وكفته تاكل صوابعك وراه، ونهملها لوحدها تاكل ويا العفريت.
قالها وركض من أمامها قبل أن تصل يديها لقطع الفواكه الزينة البلاستيكية وأخذت تلقي بها عليه وعلي عمر الذي ركض وراءه.

وبعد وصلة المزاح والفكاهة أخذهما وذهبو لتناول الطعام في إحدي المطاعم بالمدينة، فمن يراهم يظن إنهم عائلة بل وأسعد عائلة، لكن كان بكر يواري خلف إبتسامته وضحكاته غضب عارم من تلك الحية نفيسة وأقسم إنه لن يترك حق زوجته فكما وعدها بعشقه وحنانه تعهد بحمايتها وحماية ممتلكاتها وسيقف بالمرصاد لكل طامع في إرثها، قرر العمل في صمت، سوف يجلب حقها  ولم يخبرها بشئ، يكفيها حزن وألم من زوجة خالها أو والدته.

ــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،،ـــــــــــــــــــــــــــــ
_ حل الليل بظلامه الدامس فيضيئ القمر والنجوم دروب العشاق القاحلة ويبث بداخل قلوبهم الأمل والحب والطمأنينة.
وعلي قارعة الطريق الذي يبعد عن أي مظاهر للحياة بمئات الأميال،  تقف تلك السيارة المعطلة ويجلس علي مقدمتها كليهما في إنتظار أي مساعدة أو شاحنة تمر لإغاثتهم.

_ الصبر من عندك يارب،  بجالنا أكتر من تلات ساعات ملطوعين في المطرح المجطوع دي ولا ظهر لنا كلب حتي يعبرنا.
قالتها سمية بتأفف،  ف رد عليها صلاح الذي يمسك بهاتفه باحثاً عن إلتقاط أي إشارة: 
_ الي يسمعك يقول إنك لوحدك مش معاكي أنا كمان زي زيك.

_ يعني عاچبك الي أحنا فيه!، أهو الليل چه علينا والله أعلم ممكن يطلعلنا ديب ولا سلعوه يخلصو علينا.

هز رأسه بسأم وبإبتسامة قال: 
_ الي يخاف من العفريت بيطلعلوله.

رمقته بمكر وقالت: 
_ أيوه ما أني خابره المثل ده زين،  بأمارة الي حوصل معاي.

وضع هاتفه في جيب سترته و وقف أمامها مباشرة،  أنحني نحوها فتراجعت إلي الخلف: 
_ أصدك أي يعني؟.

فتحت فاهها بإبتسامة بلهاء وقالت بإستنكار: 
_ طبعاً ما جصدكش أنت بالعفريت يا صلوحتي،  أني كان جصدي علي المشاكل الي حوصلت جبل ما أشوفك.

ضيق زرقاويتيه المنعكس عليها ضوء القمر قائلاً: 
_ آه،  بحسب.
حدجها بنظرة أربكتها ليردف: 
_ حلوة صلوحتك دي،  بس ياريت تخليها بيني وبينك بس.
1

أومأت له بإبتسامة: 
_ حاضر.

صدح عواء ذئب جاء من بعيد فأنتفضت وأمسكت في تلابيب سترته وقالت بخوف: 
_ يا مُرك يا سمية أهو ده الي كنت خايفة منيه.

قهقه علي كلماتها ومظهرها الساخر فقال: 
_ مش قولتلك الي بيخاف من حاجة بتطلعله، ويا عالم بقي الديب بعيد ولا قريب مننا وياتري ده واحد ولا كتير وإحنا أتنين بس.

ردت بتوتر متلفته من حولها بقلق: 
_ ما تهدي يا أبوصلاح، ده أنت لو جاصد ترعبني ما هتجولش إكده.

_ أعملك أي ما أنتي الي من ساعة ما العربية عطلت بينا خلتينا ننزل وكل ما أقولك تعالي نقعد جوه لحد ما تظهر عربية أو أي حد يساعدنا تقوليلي لاء كأني هاكلك لو دخلنا.

قالت بإعتراض: 
_ أيوه وألف لاء،  چوه العربيه هيبجي مكان مجفول علينا والجزاز فاميه، والشيطان شاطر ممكن يغلبني النوم وأنت تستغل الفرصة وتتغرغر بيا وأني نايمة.
2

أنتابته نوبة ضحك ويضرب كفوفه في بعضها البعض: 
_ يخربيت الأفلام الأبيض وأسود الي واكلة دماغك، الكلام ده لو الي معاكي عيل مراهق أو شاب لسه في العشرينات كل تفكيره في الحاجات دي،  ياسمية يا حبيبتي أنا واحد دخل الأربعين وفي مجال قابل فيه كل حاجة،  فمش معقولة هعمل الي بتقولي عليه ده،وكلها ساعات وهقابل والدك أطلبك منه للجواز!.

كانت تستمع إليه وقالت بداخل عقلها:
_ ما هو أنت لو ماسوتش إكده، أني الي ممكن هتهور عليك، وأنت حليوة وعيونك الزرجه الي عتلمع ولا ريحة برفانك الي مدوخاني، ده أني الي شكلي هاروح أچيب الشيطان من جفاه.
8

وجدته يحدق في وجهها بصمت يبدو إنه يقرأ أفكارها من خلال نظرات عينيها له، أزدرد ريقها بتوتر، أرتسمت الجدية وقالت بتصنع : 
_ برضك الأصول أصول،  أني أتربيت علي إكده.

غمز بإحدي عينيه وقال: 
_ ماشي،  خلينا ورا الأصول لما نشوف أخرتها.

هبت ريح باردة فأصابها الشعور بالبرد،  عقدت ساعديها وأخذت تفرك بيديها لتستمد قليل من الدفء،  خلع سترته و وضعها عليها: 
_ الجو شكله هيقلب برد،  تعالي بقي نقعد جوه ولا لسه مش واثقة فيا؟.

وجدت لديه حق،  فهي ترتدي ثوباً ذو بطانة خفيفة قد أشتراه لها في طريقهما لترتديه بدلاً من عباءتها القطنية،  تنهدت وقالت: 
_ عن شرط،  نخلي الأبواب مفتوحة.

فقال بنفاذ صبر: 
_ يبقي خلينا هنا في الطل أحسن.

أذعنت أخيراً له و وافقت علي المكوث بداخل السيارة،  عم الصمت بينهما وظلت تنظر بشرود إلي الخارج عبر زجاج النافذة، فأنتابه الشعور بالنعاس من هذا الملل،  ضغط علي زر فتمدد المقعد إلي الخلف كالمضجع،  أغلق عينيه وبعد قليل أنتبهت إليه لتجده يغط في النوم، أنحنت نحوه تتأمل ملامحه وبدون أن تشعر تفوهت بصوت مسموع ظنت إنها تردده في نفسها: 
_ خابر يا صلاح،  من أول يوم شوفتك فيه برغم كان يوم أسود ومهبب علي الي حصل معاي من صاحبك هولاكو، لكن أنت الحاچة الوحيدة الي هونت عليا أي وچع أستچدعتك جوي لما أنقذتني وخدتني حداك، عارفه أني كنت كيف الدبش وجتها بس غصب عني خوفت لتطلع كيف المدعوج سليم، والحمدلله طلعت أحسن بكتير،  وهتبجي أحسن وزين وهاحبك أكتر لو هملت شغلك المشبوه وياه وأتجيت ربنا وتوبت من الي أنت فيه.

فتح عينيه فتلاقت زرقاويتيه بعينيها الكحيلة ذات الأهداب الكثيفة قائلاً  بهدوء: 
_ أفهم من كلامك أنك فعلاً بتحبيني؟.
2

عادت أدراجها وأعتدلت في جلستها بخجل: 
_ واه كيف سمعتني وأني عتحدت في سري!.

إبتسم إليها وأجاب: 
_ لسانك مهنش عليه يخبي كلام قلبك وحب يسمعني الي كان نفسي أتأكد منه.

أشاحت وجهها للجهة الأخري بخجل أكثر وقالت بتوتر: 
_ خلاص بجي.

أعاد كرسيه في وضع الجلوس وأمسك بطرف ذقنها لتنظر في عينيه التي تسحرها بالنظر بداخلهما: 
_ مش خلاص،  أنا عايزة أسمعها منك صريحة من غير أي مقدمات.

أمسكت بتلابيب حجابها وقالت بتوتر:
_ ماجدراش، أجصد يعني كيف أجولهالك ويا عالم أنت كمان حاسس إكده من ناحيتي ولا چوازك مني مچرد شفجة وعطف منك.

قد صدمته بحقيقة طالما يخبأها عنها، فهو بالفعل لايعلم إلي الآن هل مايشعر به نحوها حب أم شفقة بسبب ما بداخله!.
أجاب بإستنكار :
_ بالعكس أنا هاتجوزك عشان أضمن تعيشي معايا وأنتي مطمنة وتكوني في حمايتي علي طول.

إرتفعت زواية فمها بتهكم وقالت:
_ ياه، كيف ما أني حسيت بالظبط، وأني ماهلومك واصل، عندك حق أنا فين وأنت فين، فرج مابين السما والأرض.

زفر بضيق لا يعلم كيف يفسر لها شعوره المتضارب بداخله فقال:
_ أنا عمري ما بصتلك النظرة دي خالص، ولو كنت كده زي ما بتقولي مكنش زماني قالب عليكي الدنيا لما هربتي وفضلت أدور زي المجنون لحد ما عرفت طريقك و وصلت ليكي.

_ أومال عتكابر ليه وتلف وتدور في الإچابة، منين ما عتحبنيش ومنين رايد تتچوزني، عايزه أفهمها.

هز رأسه بسأم وقال:
_ هتصدقيني لو قولتلك لأنك شبهي!.

رمقته بدهشة فأطلق تنهيدة وكأنه يزيح حملاً ثقيلاً من فوق صدره ليردف:
_ طفل عنده أربع سنين بعد ما كان عايش في سعادة وسط والده و والدته فجاءة لقي نفسه وحيد بعد ما والدته أتوفت بسبب إنها كانت مريضة كانسر، و والده بدل ماياخده في حضنه ويحتويه راح أتجوز واحدة كان شرطها إنها موافقة عليه بس مش هتربي عيال، والنتيجة أترمي عند جدته المسنة الي محتاجة حد يراعيها مش العكس، عاش الطفل مابين عطف الجيران علي حس جدته لحد ما بقي عنده عشر سنين وجدته ماتت، رجع لأبوه وياريته ما رجع، تخيلي عاش تحت رحمة مرات أبوه الي كانت بتحط له بواقي أكلهم كأنه حيوان وتنيمه علي الأرض في عز الشتا بغطا يا دوب يدفيه، والي كان ما خليه ساكت علي الذل والإهانة  كانت بتهدده لو أشتكي هتخلي أبوه يقعدو من المدرسة، ده غير كم من إتهامات هتلفقها ليه عشان يبقي العقاب مضاعف، سكت وأستحمل لحد ما كبر ودخل ثانوي عام وبيشتغل في نفس الوقت عشان يوفر فلوس لمصاريفه، كان أمنيته يدخل كلية حقوق ويبقي محامي ويدافع عن كل المظلومين، الوقت ده قرر إنه يسيب العيشة مع أبوه ومراته الشيطانة الي أتحولت معاملتها فجاءة من كتلة قسوة وشر لمعاملة تانية خالص فهم غرضها منه أي، مكفهاش الي عملته فيه وهو صغير كمان عايزه تستولي علي شبابه في علاقة  قذرة، ولما رفض وهددها إنه هيفضحها وهيقول لأبوه لو مابعدتش عنه راحت بكل وساخة وأتهمته بأنه حاول يعتدي عليها ومش بس كده وكمان أتهمته إنها شافته بيشرب مخدرات، أبوه طبعاً كالعادة مصدقش دفاعه عن نفسه وطرده في الشارع.
2

صمت قليلاً حيث خانته عبراته وأنسدلت بجانب عينيه، قام بتجفيفها بطرف أنامله وأستطرد حديثه:
_ فضل يعافر ويواجه مشاكل وصعاب كانت أقوي من أي حد في سنه يستحملها لحد ما أتخرج وخد الشهادة وجاتله فرصة سفر لفرنسا أشتغل هناك وكمل دراسته، وكأي مواطن عربي مسلم بيتعامل كدرجة تالته، و حظه تقع قضية رجل أعمال فرنسي ضد راجل أعمال أصوله عربية التاني الي كان رافعها وبمهارته وذكاءه المهني قدر يكسب القضية لصالح موكله العربي، ملحقش يفرح بالنجاح فبدأ الإنتقام من الفرنسي الي طلع شغال في المافيا وكان ليه وزنه كمان، أنتقم من خصمه والمحامي الي نال ن الحب جانب زي مابيقولو خد علقة موت كان هيروح فيها وقفله مكتبه، صاحبنا ميأسش أستني لحد ما يتعالج ويقف علي رجله وفي الوقت ده أتعرف علي رجل أعمال مشهور أسمه داغر العقبي وإبنه الي كان ماسك أعماله وقتها في باريس، كان داغر ليه تار مع الراجل الفرنسي ولما عرف الي حصل ليه علي أيد رجالته من محاولة قتل فأتفقو مع بعض عشان ينتقمو منه أشر الإنتقام، وفعلاً في خلال شهرين قلبنا الرأي العام علي الراجل ده الي مستحملش العواقب الي حصلتله من خسارة كبيرة في السوق حتي في المافيا قلبو عليه وأتفقو أنهم يصفوه وقبل ما يتخلصو منه لحق نفسه وأنتحر، من هنا بدأت علاقة الصداقة والمصالح مابين المحامي ومابين إبن رجل الأعمال المصري وبقي محاميه الخاص ، وكانت بداية كيان وإسم صلاح أيوب.
3

_ ياه، كيف ما جولت بالظبط، حكايتك عتشبه حكايتي مع بعض الأختلاف، أني كمان أتربيت في ذل مرات الأب وسلبية أبوي الي مسلملها كل حاچة وهي الأمر والناهي، كان كل الي يهمها تتخلص مني بأي طريجة ولولا زنها علي ودان أبوي الي كان رافض أكمل علامي بحچة البت مهما أتعلمت ملهاش غير بيت چوزها في الآخر، مكنتش دخلت  ثانوي تمريض وأكمل منه معهد وأشتغل في نفس الوجت، هي الي أجنعته يهملني أسوي الي نفسي فيه، ومن وجتها بجت ليا حياتي الخاصة وعيشت بعيد عنهم مرة في سكن ويا أصحابي، مرة أقعد عند جرايب أمي الله يرحمها وأهي الأيام بتعدي، وحياتي أنجلبت يوم ما وجعت في يد الي مايتسمي.

ضحك من جملتها الأخيرة قائلاً:
_ وربنا أنتي مشكلة ملهاش حل.

_ فاكرني عهزر، أني كل شوي أدعي عليه، خابر أنت العلامة الي عيلزقوها علي علب الكهربا بتاعت الچمچمة والعضمتين وتحتها أحترس خطر الموت، أهم المفروض يحطو صورة سليم بدالها هيلاجو الناس هتخاف وماهتجربش منيها وكمان علب السچاير لو حطو صورته إن التدخين ضار ومؤدي إلي سليم هتلاجي ناس أد إكده خافت وبطلت شرب السچاير.
6

يستمع لها في حالة ضحك هيسترية حتي بدأ يهدأ:
_ أبوس أيدك كفاية قلبي هيوقف من كتر الضحك.
رمقته بنظرة رومانسية حالمة وقالت بصوت عذب:
_ ألف بعد الشر علي جلبك.

أخذ يحدق في عينيها بصمت ثم قال:
_ ممكن تديني فرصة يا سمية؟.

علمت ما يقصده من وراء سؤاله، فمشاعره غير مستقرة حالياً وغير قادر علي الحكم عليها نحوها، لكن هي أقسمت إنها رأت بداخل زرقاويتيه شعاع نور مصدره يكمن في قلبه الذي ينبض إليها، بينما عقله يتخذ علاقتهما بآلية غير متأثراً بالقلب.
عادت بظهرها إلي الوراء وأجابت بصوت أخبره كم هي وقعت في عشقه من الوهلة الأولي:
_ أيوه هديك عمري كله، لكن بشرط واحد.

أعتدل وجلس منتبهاً إليها فأردفت بجدية وصرامة أنبلجت بداخل عينيها:
_ الخيانة، لو في يوم أكتشفت إنك عتخوني هيبجي آخر يوم ليا وياك وتنساني واصل، لأني ما هسامحش مهما إن كان، و وجتها لو قعدت تلف الأرض كلها عشان تلاجيني ما هتوصل ليا عاد.
1

أمسك بيدها وطبع قبلة بداخل كفها وعينيه لاتبرح خاصتها قائلاً:
_ وأنا أوعدك عمري ما هخونك وهكون كل حاجة ليكي، أمانك والحضن الي هيحميكي من غدر الزمن وأي حد هيحاول يقرب منك.

سحبت يدها فوجهها كان كثمرة الفروالة من شدة الخجل، أخذت تردد الشكر والحمدلله علي وهبها هذا الرجل النبيل والتي ستعمل علي تغيره بشتي الطرق، فالحب يفعل المعجزات كما قالو أجدادنا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ بعد إنتهاءه من عمل طوال اليوم في وسط الغبار وحرارة الشمس وجدال وفصال مع الزبائن،  حمل ماتبقي من بضاعته ولم يغفل طوال الوقت عن إهتمامها الواضح تماماً،  حيث كانت ترسل إليه مشروبات وبعض الشطائر خلال عامل المقهي المدعو هيما والذي لاحظ أيضاً هذا الإهتمام وكلما قدم إليه مشروباً وبرفقته طعاماً يغمز له بعينه وجملة يكررها في كل مرة :
_ ست البنات بتمسي عليك يا برنس الشهامة والجدعنة.
2

وكلما ينظر بعدها نحو المتجر يجدها تنظر إليه ترمقه بإبتسامة تكاد تصل لأذنيها،  فيبادلها بمثلها وبداخله لايريد أن يتمادي معها حتي لاتتعلق بشئ لم يستطيع أن يقدمه لها فقلبه وعقله ملكاً لأخري ومن المستحيل أن يعشق سواها حتي لو كانت في جمال شهد الذي يجعل جميع الرجال من حولها يتهافتون عليها ويتقربون من الحاج نعمان والدها من أجل الزواج منها،  من يترك فتاة في منتصف العشرينات صارخة الجمال ذات حسب ونسب والوريثة الوحيدة لوالدها الذي يمتلك متجر كبير وشهير في موقع ممتاز في وسط البلد وكما يمتلك أيضاً بناء من خمس طوابق في إحدي ضواحي الجيزة.
فهي حلم ومطمع  لكل رجل وشاب لهم سابق معرفة بها وبوالدها.

فتلك المعلومات لم يخبأها هيما عن فارس أثناء دردشة ودية بينهما، فكان لحديثه هدف ما فأجفله الآخر ب ردة فعله وهي عدم الإكتراث بكل هذا فأخبره بطريقة غير مباشرة إنه مجرد شاب فقير يسعي لكسب المال الذي يكفيه بالكاد، ولا يضع في ذهنه أي شئ آخر.
2

كانت تلك الأفكار تدور في فلك ذهنه وهو بداخل سيارة الأجرة الجماعية،  فأنتبه إنه علي وشك الوصول،  طلب من السائق الوقوف جانباً،  ترجل من السيارة وتذكر شيئاً ما كلما كان سيفعله تخونه ذاكرته وينسي.
سار إلي أقرب كشك وقال للبائع: 
_حداك محمول يا حاچ.

رد البائع صاحب الملامح الوديعة بصوت ذو بحة: 
_ أه يابني عندك جمب علب السجاير.

أمسك بالهاتف و نقر الرقم الذي يحفظه عن ظهر قلب بللهفة وإشتياق، لكن خابت آماله وفرحته فوجد الهاتف مغلق،  قام بالإتصال مرة أخري لكن علي رقم آخر وأنتظر حتي جاءه الرد: 
_ الو،  مين معاي؟.

رد بصوت منخفض وبسعادة عارمة: 
_ أني فارس يا عم چابر.

_ فارس،  فينك إكده يا ولدي أي الي حوصل وياك؟.

_ أني بخير الحمدلله وعايش بعيد عن النچع،  وكيف ماسمعت في الأخبار طلع علينا في عربية الترحيلات عصابة هربت كبيرها وهربنا إحنا كمان وربنا رزجني بصاحب چدع ما عيفرجنيش واصل.

_ طمنت جلبي يا ولدي الله يفك كربك ويظهر براءتك قادر يا كريم.

سأله بقلق:
_ لسه مفيش أخبار چديدة خابرك بيها المحامي؟.

أجاب جابر بقلة حيلة وإحراج: 
_ لسه والله يا ولدي،  خاصة موضوع هروبك دي صعب الموضوع أكتر،  خايف لأجولك تسلم حالك تلاجي الحكومه حاطه عليك وهيبهدولك أكتر وفي نفس الوجت بجول خليك مكانك لو أنت عايش زين لحد ما توصل لبراءتك أنت من ناحية وإحنا والمحامي من ناحية تانية.

تجهمت ملامحه و رد بسأم: 
_ إن شاء الله يا عمي،  أدعولي وخلي الخالة هنادي تدعيلي كتير،  أومال فينها إكده أتوحشتني جوي.

أجاب بتوتر فهو يخشي أن يسألها عن زينب وهي رغماً عنها ستخبره حتي لا يعلق قلبه وحياته عليها،  يكفيه آلام وأوجاعاً وظلم لن يتحمله بشر.
_ معلش يا ولدي،  أصلها كانت صاحية من الفچر ونامت من بعد صلاة العشا وأنت خابر صعب أصحيها.

أطبق شفتيه ثم قام بتفريقهما ليقول: 
_ سلملي عليها كتير لما تصحي وأني هبجي أتصل بيكو مرة تانية بإذن الله.

_ حاضر،  أنت محتاچ أي حاچة أبعتهالك؟.

_ لاء، ياعمي مستورة والحمدلله أني عشتغل ومعاي الي يكفيني وزيادة.

_ ماتنكسفش يا ولدي كله من خيركم،  مهما عطيتك كله من خير ابوك الله يرحمه.

_ الله يرحمه،  متشكر ياعمي خليك لوجت الحوچة.

_ ربنا ما يحوچك أبداً لحد واصل يا ولدي.

_ تسلم ياعمي،  مع السلامة.

أنتهي من المكالمة وقام بمحاسبة البائع، وسار نحو طريق المنزل،  فأوقفه رؤية شريف زميلهم الثالث بالمسكن،  يجلس بداخل سياره جوار إمرأه أربعينية يمسك بيدها ويقبل كفها وأتبعها بقبلة خاطفة علي وجنتها مع إبتسامة لم تفارق ثغره، وكاد ينزل فأوقفته السيدة وأعطته ظرف قام بفتحه واخرج منه بعض ورقات من المال ثم ألقاهم بداخل الظرف و وضعه في جيب سترته الداخلي.

كانت مئات الأفكار تدور بداخل عقل فارس فهل ما أدركه الآن هو صحيح!.
ألقي السؤال علي حاله ويخشي الإجابة المتوقعة:
_ ياتري حكايتك أي أنت كمان يا شريف؟.

ظلام حالك يتخلله أصوات خرير مياه النافورة وأضواء خافته تُنير الحديقة، منبعثة من المصابيح المثبتة بتلك التماثيل المنتشرة مابين الأشجار، مظهرها قابض لقلب الناظر إليها، فهي تماثيل لوحوش وشياطين كالتي تُزين بعض الكاتدرائيات في المدن الأوروبية.
وهناك قلب يجافيه النوم حيث صاحبته كلما أسدلت جفونها تأتيها أحلام تنقلب لكوابيس تصحو منها قبل أن تزهق روحها من هول ماتراه، فكما أخبرها إنه سيكون واقعها وأيضاً أحلامها.
لم تراه منذ الصباح عندما غادر المنزل حتي تلك الساعة، إنها الثانية بعد منتصف الليل.
ملت المكوث بداخل الغرفة فقررت مغادرتها والترجل في الحديقة.

وبعدما أن هبطت تلفتت من حولها وقامت بمناداة الخادمة:
_ أنيتا، أنيتا.

خرجت لها من المطبخ وأومأت بإحترام جلي، ثم تفوهت بالإنجليزية:
_ أمرك سيدتي.

_ أريد فنجان قهوة بدون سكر.

توترت ملامح الخادمة بحالة من الصمت لثوان، مما أثار دهشة زينب فسألتها:
_ ماذا هناك؟.

أخفضت بصرها لأسفل فأجابت:
_ عذراً سيدتي، ممنوع.

أعتلت الدهشة مرة أخري ملامحها مع قليل من الإنزعاج:
_ وما المانع الذي لا أعلمه؟.

_ سيدي من أمر بذلك، ممنوع القهوة وأي مشروب يحتوي علي مادة منبهة.

أستمعت إلي كلماتها لتنصدم بهذا الهراء وبدلاً ما تثير حنقها بل جعلتها ينتابها حالة من الضحك، تعالت قهقهتها.

لم تتأثر الخادمة ب ردة فعلها، فسألتها:
_ هل تردين شيئاً آخر سيدتي؟.

أومأت لها بالنفي ومازالت تضحك حتي توقفت عن الضحك، لم تكترث لما أخبرتها الخادمة به إياه، فدلفت إلي المطبخ بعدما تبدلت ملامحها إلي التجهم، تبحث عن مسحوق القهوة في الخزانة كالمدمن الذي يبحث عن المخدر، أوقفتها الخادمة قائلة:
_ أرجوكِ سيدتي أذهبِ من هنا، سيدي لو علم بعصيانك لأوامره سيؤذيني.

ردت الأخري وهي ما زالت تبحث:
_ لا تقلقي، أنا التي ستعاقب وليست أنتي.

كادت الفتاه تتحدث ليقاطعها ولوج سيدها القادم لتوه من الخارج، أشار إليها بأمر:
_ عودي إلي غرفتك، عملك قد أنتهي اليوم.

أومأت له بطاعة:
_ أمرك سيدي.

وغادرت علي الفور، بينما الأخري برغم الرعب الذي جعل قلبها يخفق وجلاً بقوة لكنها تظاهرت بعدم الإكتراث لوجوده، حصلت علي مبتغاها أخيراً وتناولت الركوة والفنجان وبدأت في تحضيرها، موليه إياه ظهرها، قامت بلف مقبض الموقد فلم يشتعل تأففت، كادت تجرب مقبض آخر للإشعال، فتفاجأت بيده سبقتها لكن ممسكاً بالركوة وقام بإلقائها في الحوض.
تسمرت بدون أن تستدير إليه، لا تريد النظر في عينيه، توقن جيداً كيف هي ملامحه الآن، أنتفضت عندما تحدث بنبرة تنذرها بالخطر:
_ كام مرة حذرتك من عصيان أوامري؟.
ألتزمت الصمت لكن لن تستطع السيطرة علي جسدها من الإرتجاف خوفاً، أزدردت لعابها وأعتصرت عينيها.

_ لما أكلمك تردي عليا.
صاح بصوت هادر ربما وصل لكل العاملين بالمنزل، فأستدارت رغماً عنها وأخفضت بصرها لأسفل متحاشية النظر إليه، قالت بنبرة يملؤها الخوف والتعجب في آن واحد :
_ و هو شرب فنچان الجهوة عصيان لأوامرك !.

صاح مرة أخري ليدب الرعب في كل خلايا جسدها:
_ سبق وقولتلك إن أي حاجة هتعمليها هيسبقها أذن مني فكنتي فكراني بهزر وأتريقتي علي كلامي وقتها، وعشان تعرفي إن أنا مبهزرش لازم تتعاقبي وتتعلمي تحترمي جوزك وتسمعي كلامه بعد كده.

هنا رفعت عينيها وكادت تتفوه لكنه أوقفها وباغتها بصفعة قوية مما جعل أذنها تصدر طنين مزعج لا يحتمل.
_ أمشي قدامي ومش عايز أسمع ولا حرف.
10


_ أطلقت الشمس خيوطها الذهبية في كل مكان بأرض المحروسة يصاحبها ترتيل آيات القرآن الكريم المنبعثة من مآذن المساجد لتعلن عن بدأ شعائر صلاة الجمعة.
وهنا بالأعلي فوق السطح يقف هؤلاء الشباب خلف بعضهم في صف أمام الحوض للوضوء، وفي آخر الصف ينتظر كلا من فارس وجنيدي ، فزفر الآخر بتأفف وضجر قائلاً:
_ ما تخلص يا أبو عمو ساعة عمال تتوضي أومال لو هتتسبح كنت سويت فينا أي!.

ألتفت لهم الشاب و أجاب بحده:
_ ما تصبر يا بلدينا أديك شايف الميه نازله سرسوب من الحنفيه.

رد جنيدي بإندفاع:
_ وأني مالي ما تخلص بجي ده أي الجرف ده.

أمسكه فارس من زراعه ليهدأه:
_ ما خلاص بجي يا چنيدي إحنا غلطانين برضو محدش جالنا نصحو متأخر والنهاردة الچمعة وكل الي ساكنين أهنه أچازة.

_ وإحنا بجي مكتوب علينا نصحو بدري لأچل نلحجو نغسلو وشنا.

أشار إليه الآخر نحو الحوض:
_ أتفضل يا عم دورك چه وجصر عشان نلحج نفطر لنا لجمه وبعدها نتدلي علي الچامع جبل الخطبة ماتبدأ.

وعندما أنتهي كليهما من الوضوء أتجها نحو غرفتهما فأوقفهما هذا القادم:
_ ياصباح الفل عليكم يا بلديات.

رد كلاهما تحية الصباح، فأردف:
_ يلا تعالو نفطر سوي جايبلكو سندوتشات طعمية وفول وصاية.

أبتسم جنيدي وقال بسخرية:
_ فول وطعمية! ، ياما چاب الغراب لأمه.

لكزه فارس بدون أن يري أو يسمع ثالثهما هامساً لصاحبه:
_ عتتمسخر بدل ما تشكر الراچل.

أجاب بنفس همسه:
_ ما هو الي محسسنا إنه چايب لنا كباب وكفتة.

هز فارس رأسه بسأم، أنتبه شريف إليهما فقال:
_ مالكم يا جماعة واقفين عندكو ليه؟، يلا سمو الله ومدو أيديكو قبل ما الطعمية ماتبرد.

كان فارس يحدجه بنظرات مبهمة لدي الآخر الذي جلس ليأكل ، تناول ثلاثتهم الشطائر، تحمحم فارس وهو يرمقه بإستفهام ليلاحظ شريف فسأله:
_ في حاجة يا قاسم؟.

أبتلع ما بفمه وأجاب:
_ ليه عتجول إكده؟.

أرتشف من الإناء الفخاري ثم أجاب:
_ عمال تبص لي ومبحلق فيا وكأنك بتشوفني لأول مرة.

تنهد وبداخله يريد أن يلقي عليه السؤال الذي يلح بداخل عقله، فوجد لسانه يتفوه تلقائياً:
_ كنت فين عشية إمبارح؟.

أنتابه التوتر الذي فشل في إخفاءه عن أعين فارس وهو ينظر إليه عن كثب:
_ كنت في الشغل زي كل يوم، في حاجة؟.

نفض يديه من آثار الطعام علي يديه ونهض قائلاً:
_ الحمدلله، هجوم بجي كيف ألحج الخطبة من أولها.

فأتبعه جنيدي:
_ وأني كمان خدني وياك، وأنت يا أستاذ شريف مش چاي ويانا؟.

أبتسم لهما بإحراج ويحك ذقنه الملساء:
_ معلش روحو أنتو أنا جاي من الشغل تعبان وجسمي مكسر، هبقي أصليها الضهر.

_ علي راحتك، يلا بينا يا ف... جصدي يا قاسم يا أخوي.

هبطا الدرج حتي خرج كليهما من البناء، تحدث فارس:
_ كنت هتغلط وتجول إسمي جدامه.

_ معلش يا أبو الفوارس لساتني بتعود علي أسامينا الچديدة.

طيف بسمة ساخرة أنبلجت علي محياه:
_ صدج المثل الي جال الكذب ملهوش رچلين.

_ غصب عننا بجي.

توقف فارس عن السير وقال:
_ ماأجصدش عليا وعليك.

تلاقي حاجبيه بإستفهام سأله:
_ أومال تجصد مين؟.

_ بيني وبينك أني مش مطمن لشريف ده واصل وجلبي حاسس أنه وراه حاچة مخبيها علينا، وأني إحساسي ديماً بيطلع صوح في الآخر.

_ وأي الي خلاك تحس إكده؟.

صمت لثوان فأجاب:
_ شوفته بعينيا عشية إمبارح في عربية ويا ست قد والدته عيبوس في إيديها وعطت له مظروف فيه فلوس ومن شوي لما سألته قدامك كنت فين جالي في الشغل، فليه يكدب إلا إذا كان مخبي حاچة!.

وضع جنيدي يده علي كتف الآخر وقال:
_ يا عم كبر دماغك وإحنا مالنا، ما تشغلش بالك واصل، خلينا في حالنا بدل ما إحنا الي نتفضحو ونروحو في داهية.

قهقه بتهكم بعدما تذكر حالهما:
_ علي رأيك إذا كان إحنا متداريين بكذبة، لا تعايرني ولا أعايرك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ألقي عليها أوامره وعينيه شديدة القتامة أقسمت في نفسها، إنها تري الآن أمامها إبليس بذاته، أفاقت علي دفعة قوية من يده فكانت علي وشك التعثر والإنقلاب علي وجهها، فأمسكها من ساعدها بقوة مما شعرت بألم من قبضته التي ستسحق عظامها.
_ لما أقول كلمة تتسمع علي طول، مبحبش أعيد كلامي.

ظل يدفعها كالشاه الذي يسحبها صاحبها ليذبحها، تتمني أن يخلصها من كل هذا الإرهاب النفسي ويقوم بإزهاق روحها، لا تعلم أن الموت حتي مجرد أمنية وهي في كنفه.

سار بها خارج المنزل وذهب إلي الخلف فتوقف أمام بناء قديم وأمامه أربعة من رجال الحراسة خاصته، أشار لهم بيده أن يذهبوا، أذعنوا لأمره، أستعادت قواها وشجاعتها لتقف أمامه قائلة:
_ هملني ياسليم ورچعني مصر لأهلي أحسن ليا وليك.

هل هي حمقاء!، أخبرها من قبل إن سبب تمسكه بها ، كيف لا تعلم إنها أصبحت من ممتلكاته ويجب عليها أن ترضخ وتذعن لكل أمر يلقيه عليها مهما كانت قيمته، لم تدرك حتي الآن إنها وقعت في براثن شخصية مريضة بالسيكوباتية بل والسادية؛ فسماعه إلي آنات وآهات آلام ضحيته يشعره بللذة ومتعة عارمة.

شبح إبتسامة بدي علي ثغره فقط وبقية ملامحه يسودها ظُلمة مرعبة، الوحش الذي بداخله يسيطر عليه.
مال برأسه مقترباً بشفتيه نحو خاصتها ليهمس بفحيح:
_ أنا ممكن أرجعك لأهلك في حالة واحدة.

تسلل بصيص من الأمل بداخلها لكنه تراجع عندما أردف وهو يفتح باب البناء ويدفعها إلي داخله بدون أن تنتبه:
_ لما تكوني جثة، وبشرط هتدفني في نفس القبر الي هاتدفن فيه.

أزدردت ريقها من أثر كلماته المخيفة علي مسمعها، لم تري في حياتها كم من الشر مثل الذي يقف أمامها.
_ و أي الفايدة الي هتعود عليك لما تأذيني وتعذب فيا؟.

دفع الباب بقدمه مما أصدر صوتاً جعلها أرتجفت، وأجاب:
_ لأن أنا عايز كده.
وأختتم جملته بنظرة دفعتها للتراجع إلي الخلف حتي أصتدمت بالجدار، تتلفت يميناً ويساراً لتكتشف إنهما بداخل مخزن قديم، مهلاً لما هذه السلاسل الحديدية المتدلية من الجدران والسقف!.

_ سليم، أوعاك تكون ناو.....

قاطعها ممسكاً بيديها الأثنين بقبضة واحدة ورفعهما لأعلي فوق رأسها وبيده الأخري جذب إحدي السلاسل المتدلية ليكبل يديها معاً:
_فكراني جايبك أفسحك هنا!، أحمدي ربنا إن أحنا مش في مصر كان زماني رميكي في الهنجر.

تفوهت بدهشة:
_ هنجر!.
وعندما بدأ بتكبيل يديها بالسلاسل أخذت تتلوي وتصرخ:
_ أنت عتسوي أي، همل يدي يا سليم.
لقنها صفعه ليحذرها:
_ مش عايز أسمع صوتك.
5

فاض بها الأمر من كبت عبراتها فأجهشت في البكاء، لم يهتز قلبه ويرأف بها قط بل أزدادت وحشيته، أنتزع وشاحها بعنف مما جعل إبرة مشبك حجابها خدشت عنقها،فشقت حنجرتها صرخة دوي ترددها في الأرجاء، فأسكتها بتكميم فمها بالوشاح ثم مال برأسه نحو الخدش الذي ذرف منه قطرات من الدماء وأخذ يلعقها بلسانه متذوقاً إياها،بينما هذه المسكينة ترتجف من الألم وصرخاتها تخبو من وراء مايكمم فاهها.
أبتعد ليحدق في عينيها بسعادة وإنتصار، مد إبهامه نحو وجنتها يزيل عبرتها ثم يتذوقها بتلذذ وهو يغمض عينيه قائلاً:
_ متعرفيش يا زينب أنا أد أي مستمتع أوي، بس لسه ناقص حاجة تانيه، هي أي ياتري.

تصنع التفكير بالأمر، فتح عينيه شديدة الظلام و أمسك بتلابيب ثوبها القطني قائلاً:
_ آه أفتكرت.
هزت رأسها له بالنفي ليتراجع عن ما سيفعله، وفي غضون ثانية شق ثوبها تحت مقاومتها الضعيفة، فأصبح جسدها عارياً لا يغطيه سوي قطعتي ثياب تستر عوراتها فقط.
كاد يمد يده ليمزق ماتبقي عليها فأوقفته نظرات عينيها المتوسلة إليه وأنينها المكتوم، أنحنت زواية فمه جانباً بإبتسامة إستفزازية:
_ أطمني مليش مزاج، بس حبيت أخليكي علي راحتك وأنتي هتقضي يومين حلوين هنا لوحدك.

جحظت عينيها بصدمة، سيتركها ليومين عارية في هذا المكان الموحش وفي الظلام!.
لايعلم أنها تخشي الظلام بل لديها رهاب منه، أخذت تهز زراعيها المعلقين وتبكي بقهر و توسل، لم يكترث لكل هذا.
_ معلش بقي مضطر أسيبك يا دوب ألحق أنام و ورايا حاجات تانيه أهم.
5

حاوط خصرها بين يديه وأقترب من أذنها بهمس وتشفي:
_ تصبحي علي خير يا حبيبتي.

قام بتقبيل وجنتها وغادر تاركاً إياها في حالة يرثي لها من الزعر والرعب، تدعو ربها من داخلها بأن ينجيها من هذا العذاب ومن بين يدي هذا الظالم.
ظلت تبكي وتبكي حتي تراخت ساقيها من الوقوف فجلست علي الأرض الباردة ملتصقة بالجدار وقد غلبها النوم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ تتسحب علي أطراف أناملها عائدة إلي غرفتها وبعد أن أغلقت الباب همست إلي صغيرتها:
_ يلا ألبسي الشوز بتاعتك وتعالي ورايا قبل ما نناه تصحي.

سألتها الصغيرة ببراءة:
_ مامي هو أنتي ليه موطيه صوتك وخايفه لنناه تشوفنا وإحنا خارجين؟.

وضعت سبابتها أمام شفتيها:
_ هوس أسكتي هتفضحيني.

رن جرس هاتفها لتجده المتصل بها، يبدو إنه قد وصل وينتظرها أمام البناء كما أخبرها، أجابت:
_ أيوه أنا خلاص جاهزة ولارا كمان ونازلين دلوقتي.
_ خليكو وأنا هطلع أخدكو بالمرة أسلم علي عمي وطنط.
_ لاء بالله عليك خليك عندك وإحنا نازلين لك.
سألها بشك:
_ هو فيه حاجة ولا أي؟.
أجابت بتوتر:
_ أه، قصدي لاء مفيش ماما وبابا نايمين بيحبو يقيلو شويه الوقت ده فمرضتش أزعجهم.

تنهد وقال:
_ طيب يلا مستنيكو متتأخريش عشان نلحق نقضي اليوم كله.

_ حاضر، سلام دلوقت.

أغلقت المكالمة و وضعت الهاتف بداخل حقيبة يدها، أمسكت بيد صغيرتها وغادرت قبل أن تنتهي والدتها من أداء فرضها وتمنعها من الرجوع إلي زوجها عقاباً لكليهما بعدما علمت بكل شئ حدث بينهما.

خرجت من البناء لتجده يفتح زراعيه لصغيرته التي ركضت مناديه:
_ بابي.
عانقها بإشتياق يربت علي ظهرها بحنان:
_ حبيبة قلب بابي وحشاني أوي.

قبلته الصغيرة في ذقنه وقالت:
_ وأنت كمان واحشني أوي، بس أنا زعلانة منك عشان سايبنا أنا ومامي كل ده عند نناه.

وقبل أن يفسر لها سبب غيابه نظر إلي من تجرع شوقاً إليها و ود لو تكون بين زراعيه الآن
_ معلش يا حبيبتي بابي كان عنده شغل كتير وبيبات بره عشان كده كنت سايبكو عند جدو ونناه،وجيت أخدكو النهاردة نتفسح وبعد كده نطلع علي بيتنا، أوك؟.

ردت إبنته بسعادة:
_ أوك يا كرمله.

فتح باب السيارة الخلفي وأنزلها ليدخلها فجلست، ثم قام بفتح الباب الأمامي وقبل أن تولج إلي داخل السيارة أوقفها ممسكاً يدها بحب قائلاً:
_ وأنتي كمان وحشاني أوي، من غيرك البيت وحش وضلمة.

ظلت تحدق في رماديتيه لثوان فقالت بإقتضاب:
_ شكراً.

لم يكن متوقعاً إجابة مقتضبة وبهذا البرود المرتسم علي ملامحها، كان لم يصدق بالأمس عندما هاتفته وقالت أنها أخيراً ستعود إليه، تراقص حينها قلبه من الفرح ولايعلم بحال قلبها المنكسر الذي مازال يعاني من جراحه، فقررت أن تترك للأيام مدواة قلبها الجريح.

تلاقي حاجبيه بتعجب وتهكم بدي علي نبرة صوته:
_ شكراً!، أنا كنت فاكر الي مابينا أكبر من كده.

أطلقت زفرة وأجابت بجدية:
_ أرجوك يا أكرم متضغطش عليا أكتر من كده، أتفقت معايا نرجع بعد أسبوع وأديني رجعالك، لكن الي جوايا مستحيل يتصلح بسرعة، سيب الأيام تنسينا الي حصل يمكن نرجع أحسن من الأول.

هز رأسه بالموافقة، يجز علي أسنانه ومطبق شفتيه، يعلم أن لديها كامل الحق وما عليه سوي الصبر حتي ينال عفوها وغفران ما أقترفه في حقها.
أرتدي نظارته الشمسية وأشار إليها بالدخول للسيارة قائلاً:
_ أتفضلي.

_ كان كليهما طوال الطريق في حالة صمت و أخذت الصغيرة تثرثر لأبيها عن مغامرتها في الأيام المنصرمة، وبدون أن تنتبه والدتها لحديثها،قالت:
_ عارف يابابي مامي كانت علي طول قبل ماتنام تفتح الفون بتاعها وتجيب صورك وتفضل تعيط وتحضن الفون وتبوس صورتك وتقول بحبك أوي يا حبيبي.

هدأ من سرعة السيارة حتي توقف وألتفت إليها ليجدها قد غفت وتستند برأسها علي زجاج النافذة المجاورة لها، رفع يده ليلامس وجنتها بأنامله وقال بنبرة بالغة العشق والهيام:
_ وأنا بموت فيها ومقدرش أبعد عنها تاني.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ بداخل غرفة مكتبه في المصنع الخاص به يزفر دخان الأرجيلة في الهواء ويجلس دبيكي أمامه يرص له حجر الفحم المشتعل، وبعد أنتهاءه نهض قائلاً:
_ تمام إكده يا كبير؟.

أومأ له بدون أن ينظر إليه، فكان شارداً في أمر ما حتي قاطع تفكيره نداء هذا الرجل الذي يركض نحوه:
_ يا رافع بيه ، يا رافع بيه.

زفر بحنق وأجاب:
_ في أي يا متولي الزفت، الله يحرجك طيرت ليه النفسين.

ألتقط الرجل أنفاسه وقال:
_ في واحدة واجفة عتسأل عليك ورايده تجابلك عتجول إنها خالتك وأم چماعتك.

أعتدل في جلسته بإنتباه وإستفهام:
_ خالتي!، وچايه أهنه ليه الوليه دي.

ذهب ليقابلها وعندما رأته تصنعت الإبتسامة فقال لها:
_ كيفك يا خالتي؟.

أجابت مبتسمة وعينيها يكسوها لمعة فرح وسعادة:
_ بخير الحمد والشكر لله يا ولدي، كيفك أنت دلوق؟.

إبتسم بسخرية:
_ كيف ما أنتي شايفة بخير وزي الفل ومبسوط جوي جوي طول ما بتك بعيده عني.

ساد الوجوم ملامحها فقالت بعتاب :
_ الله يسامحك يا ولدي، عموماً أنا چيت لحد عندك لأچل ترچع لمارتك و....

قاطعها مشيراً إليها بيده:
_ كفياكي عاد يا خالة، أني ما هرچع الدار تاني، وبتك الي أختارت تبعد عني بمزاچها خلي دماغها تنفعها، وأني ما هطلجش ولا هرچع وخليها إكده زي البيت الوجف لا طايله سما ولا أرض.

رمقته بإمتعاض وقالت:
_ الحديت دي كان زمان دلوق مينفعش الي عتجوله واصل.

أجاب بتهكم:
_ وأي الي منفعوش عاد يا خالة!.

أبتلعت ريقها لكي تخبره بالبشري الساره التي من أجلها تحملت حديثه الأحمق:
_ لأن خلاص بجي يربطكو عيل چاي في السكة إن شاء الله.

غر فاهه وتبدلت ملامحه إلي الصدمة، يستوعب كلماتها شيئاً بشيئاً، فأردفت لتؤكد علي مسمعه:
_ أيوه مارتك حبلي وهتچيب لك الولد الي نفسك فيه، أي لساتك مارايدش ترچع لدارك وتفرح بالنعمه الي كنت بتتمناها بجالكو أكتر من سنتين!.

لايعلم بماذا يجيب، فوقع الخبر عليه كالصاعقة أوقعه في حيرة شديدة، ماذا يفعل الآن!
كان في قرارة نفسه فاض به الكيل ووصل إلي نهاية المطاف حتي قرر الإنفصال عن نوارة، لكن الآن قد أختلف الأمر.

أردفت وهي تنظر لهذا الحائر:
_ أي يا چوز بتي ساكت ليه؟.

حدجها بقليل من الصمت ريثما يرتب أفكاره المتناثره داخل عقله ثم تفوه بعد قليل وقال:
_ موافج نرچعو لبعض لكن بشرط.

سألته بللهفة وفضول:
_ شرط أي يا واد خايتي؟.

طيف بسمة شيطانية أنبلج علي وجهه:
_ ده هيبجي بيني وبين بتك ومحدش ليه صالح بالي بينتنا واصل، فاهمه يا خالتي؟.

هزت رأسها بصفاء نية قائلة:
_المهم ترچعو لبعضكم وماسامعش عنيكم غير كل خير.

حدق نحو الفراغ، يفكر فيما عزم عليه مردداً:
_ خير، خير إن شاء الله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ ومعناه كلامك ده أي يا حاج؟.
سأله صلاح وملامحه محتقنة بالدماء من الغضب، أجاب والد سمية ببرود وإستفزاز:
_ كيف ما جولتلك إكده، أني مش موافج لأن سلو عيلتنا وبلدنا البت ماتتچوزش بره من العيلة.

جز علي أسنانه ويعتصر قبضته يحاول أن لا يتهور، متعجباً من هذا الرجل ذو المظهر الرث والفقر الجلي علي أثاث منزله وبرغم إلقاء عرض زواجه من إبنته مع إعطاءه الكثير من الأموال ويجلب لهم منزل في إحدي مدن المحافظة بدلاً من منزلهم القديم الآيل للسقوط، لكن ذلك العرض المغري قوبل بالرفض مما آثار جنون الآخر.
وكل هذا كان تحت مرأي ومسمع المختبأه خلف الباب وإبتسامتها تكاد تصل لأذنيها خاصة كلما بدي علي وجه صلاح الحنق الشديد.
_ واجفة تهببي أي عندك يا سمية هانم؟.

تشدقت بها زوجة أبيها بسخرية، فألتفت الأخري إليها وبنظرات إزدراء رمقتها:
_ خليكي في حالك يا مرات أبوي أحسن لك.

أتسعت عينيها وصاحت بحنق:
_ شوف البت بترد عليا كيف!، وكمان عتهددني!.

رمقتها بتحذير مشيرة إليها بيدها:
_ بجولك أي أطلعي من دماغي مش وجتك خالص.

حدجتها الأخري بتوعد وقالت:
_ بجي إكده؟، ماشي.

بينما في الخارج، مازال صلاح يتحدث بشتي الطرق لإقناع هذا الرجل الأحمق الذي قال:
_ أني ممكن أوافج لكن بشرط.

أنبسطت ملامحه أخيراً و أطلق زفرة بأريحيه قائلاً:
_ الي تؤمر بيه يا حاج وأنا تحت أمرك.

وقبل أن يجيب ألقي نظرة نحو إبنته التي تقف خلف الباب ثم عاد بالنظر إلي الآخر وقال:
_ تتچوز بتي وتجعدو ويانا أهنه.

غر فاهه بصدمة وصاح:
_ نعم!.

_ نِعم الله عليك يا صلاح بيه، هو ده شرط چوازك من بتي إلا إذا بجي.....

قاطعه صلاح مستسلماً حتي يظفر بها:
_ موافق، موافق، بس مش هقعد كتير عشان شغلي في القاهرة زي ما حضرتك عارف.

رجع بظهره إلي الخلف يستند علي ظهر الأريكة:
_ وفي الحالة دي تدلي علي مكان شغلك لوحدك وتهمل مارتك أهنه حدانا عجبال ماتخلص وتعاود لها تاني.

كان علي وشك أن يعترض لكنه أمعن التفكير، فكل مايشغله أن يتزوجها الآن ويمكنه التصرف بعد ذلك كما يشاء ويريد.

أومأ له علي مضض وقال:
_ حاضر يا حاج، موافق، أي طلبات تاني؟.

ضيق عينيه وبداخله قلبه يتطاير من الفرح، فأجاب:
_ لع، يلا نجرو الفاتحة.

رفع كليهما إيديهم لقراءة سورة الفاتحة وبعدما أنتهيا صاح والدها :
_ الشربات يا سمية.

تصنعت زوجة والدها الفرحة والسعادة فأطلقت الزغاريد، و ذهبت سمية وأعدت كؤوس المشروب وخرجت علي أستحياء تمسك بالصينية.
_ ألف مبروك يابتي.

ردت والخجل يكسو ملامحها:
_ الله يبارك فيك يابا، اتفضل.
أخفضت الصينيه ليأخذ كأسه، فقال لها:
_ روحي جدمي لخطيبك الأول.

سارت نحوه حتي وقفت أمامه تنظر له بإبتسامة نصر فقال لها بصوت لايسمعه سواها:
_ هي الحكاية كده!، بتتفقي أنتي وأبوكي عليا!.

أجابت بمكر وسخرية وصوت منخفض :
_ الي رايد يدوج العسل يستحمل قرص النحل يا حضرة الأڤوكاتو.

تناول الكأس ولايحيد عينيه من عينيها قائلاً بتوعد مبتسماً:
_ نتجوز بس وهوريكي الأڤوكاتو ده هيعمل فيكي أي.

بادلته نفس الإبتسامة:
_ أبجي قرب مني إكده وشوف أنا هسوي فيك أي.

أدرك من كلماتها إنها لم تفهم مقصده ونواياه الماكرة، أزدادت إبتسامته علي سذاجتها.
_ ده أنا الي هسوي وهطلع كل الي عملتوه فيا عليكي، صبرك عليا بس.

قهقهت بتهكم وقالت:
_ أبجي فرچني إكده، شكلك متعرفنيش لساتك عاد.
أمسك يدها وأنحني نحوها بجذعه مقترباً منها للغاية:
_ لينا باب هيتقفل علينا وسرير يلمنا وساعتها هوريكي أنا هاعمل فيكي أي.

وغمز لها بعينه، أنتفضت بخجل شديد تاركة الصينية فوق المنضدة وركضت إلي غرفتها، تحت ضحكاته التي لم يستطع كتمانها لتتبعها نظرة أخري مليئة بالحب الدفين وفرحة ستكتمل قريباً.
3

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ ومعاك أحلي كوبيتين شاي لرجالة حتتنا الجدعان أوي أوي.
قالها هيما صبي القهوة وهو يعطي لكلا من فارس وجنيدي أكواب الشاي فقال الأول:
_ تسلم يا هيما عجبال لما نشربو ساقع فرحك إن شاء الله.

رد هيما مازحاً:
_ فال الله ولا فالك ياعم، أنا مش ناقص وجع دماغ خليني عايش سلطان زماني كده مستريح.

ضحك جنيدي وعقب علي حديثه:
_ ومين سمعك يا أبو عمو، كفاية رحمت نفسك من النكد ولا تصحي من النوم تلاجي بومة في وشك عتجولك شيل الزبالة وأنت ماشي وهات فلوس وطلبات مابتخلصش واصل.

إبتسم فارس من حديثهما وأفكارهما عن الزواج، ود ولو يخبرهما كم يتمني رؤية من يعشقها قلبه ويهواها والزواج منها والعيش معاها حتي الموت ، لايكل ولا يمل منها أبداً.
كما من أمنيات يتمناها المرء لكن مايتحقق ليس سوي هو المكتوب في صحيفة القدر.

وفي الجهة المقابلة في متجر الحاج نعمان، تخطو ذهاباً وإياباً منتظرة والدها من إنهاء مراجعة دفتر الحسابات لتحدثه في أمر ما، لكنها تخشي ردة فعله، أوقفها صوته وهو مازال منهمكاً في حساباته:
_ أخلصي ياشهد وقولي عايزة أي.

وقفت وأقتربت من مكتبه فجلست أمامه، أجابت بتردد واضح من نبرتها:
_ بابا كنت عايزة حضرتك في حاجة كده ومتفهمنيش غلط.

ترك ما في يده وأخفض عويناته قليلاً، يضيق عينيه بمكر قائلاً:
_ والحاجة دي بخصوص قاسم مش كده؟.

تحمحمت ثم أزدردت ريقها فأجابت:
_ يعني، يعني، بصراحة آه، هو حضرتك عرفت إزاي أن هاكلمك بخصوص قاسم؟.

أنحني للأمام وعقد ساعديه وأسندهما فوق سطح المكتب:
_ عيب لما تسألي سؤال زي ده لأبوكي الي حافظك وعارف كل الي بيدور في دماغك قبل ماتنطقي منه بحرف واحد.

زفرت بأريحية وقالت:
_ طيب بما أنك عارف أي الي هاكلمك فيه، أي رأيك تشغله هنا معانا في المحل؟.

رفع إحدي حاجبيه وأجابها بسؤال آخر :
_ وياتري طلبك ده عشان موقفه الشهم معاكي لما وقف لممدوح، ولا عشان حاجة تانيه؟.

توترت من مغزي كلماته ومايرمي إليه، فهي حقاً تريد أن يعمل لديهم ليس لموقفه النبيل معها لكن لأمر آخر لم تستطع إخفاءه، وها هو والدها يصارحها بما لاتجرأ البوح به، فيكفي حديث عينيها التي يتجلي بريقها كلما تنظر إليه أو تراقبه من خلف زجاج عرض الثياب.

منعها الخجل من الإجابة مباشرة، فأجابت بإستنكار:
_ حضرتك تقصد أي من الحاجة التانيه؟.

تنهد وإبتسامة لاحت علي ثغره:
_ أقصد الي فهمتيه ومكسوفه تقوليه.
عاد بظهره إلي الوراء ليردف:
_ الواحد فينا مهما خبي مشاعره وأنكرها بتيجي عيونه وتفضحه من غير مايتكلم وخصوصاً الحب، القلب لما يدق تحسي العيون فيها لمعة غريبة ولهفة ديماً علي الي بتحبه، و ده الي كان بيحصلي أول ماشوفت والدتك الله يرحمها، خطفت قلبي وعينيا من أول يوم شوفتها فيه، حسيت كأني طاير في السما وبفرحة ماتتوصفش، الحب يا شهد مشاعر جميلة وعظيمة بس مع الأختيار الصح والتفكير بالعقل والقلب مع بعض عشان ما نجيش في الآخر نندم وننجرح ونقعد نبكي ونقول ياريت.
1

كانت تستمع إليه بتعجب ودهشة منبلجة علي وجهها.
_ ياه يابابا، ده أنت طلعت رومانسي جداً وأنا ما أعرفش.

ضحك وقال:
_ ولا رومانسي ولا حاجة، ده خبرة سنين من التعليم الي علمته الدنيا للواحد فينا.

نظرت لأسفل بخجل وبدأت تتحدث:
_ غصب عني، كل ما أشوفه ببقي في حالة غريبة بقف متنحه مبعرفش أتكلم، لو قالي حاجة مبقدرش أرد عليه عكس ما بعمل مع أي حد لو قالي كلمة معجبتنيش، مش عارفه هل فعلاً حبيته ولا لاء، وهل ده صح ولا غلط!.

_ أنا هقولك كلمتين تحطيهم حلقة في ودانك، الي يحطك جوه عينيه ويشيلك فوق دماغه ويحترمك ده أديله قلبك وأنتي مطمنه، الحب أفعال، والفعل بيظهر في وقته خصوصاً وقت الشدة.

و من فرط خجلها من والدها قلبت دفة الحديث قائلة:
_ طيب نرجع لموضوعنا الأساسي، حضرتك موافق تشغله معانا؟.

هز رأسه مبتسماً:
_ حاضر يا شهد، هابعته له دلوقت الولاه هيما وهخليه يجي أعرض عليه الموضوع.

أعتلت الفرحة ملامحها الجميلة مثل روحها المرحة، حيث دقات قلبها تزداد بقوة كلما تتخيل وجوده أمام عينيها هنا في المتجر وتخشي أن يفتضح أمرها أمامه.

أرسل الحاج نعمان إحدي صبيانه إلي فارس لكي يخبره بأنه يريده في أمر ما، فوافق الآخر وذهب إليه، وعند ولوجه إلي داخل المتجر أختبأت في مكان قريب من مكتب والدها حتي يتثني لها سماع صوته وإجابته علي مطلبهم.

_ السلام عليكم يا حاچ نعمان.
قالها عندما دلف فأجاب الآخر بترحاب وحبور:
_ وعليكم السلام ورحمةالله وبركاته، أتفضل يا قاسم.

_ يزيد فضلك يا حاچ.
قالها وظل واقفاً، فأشار إليه نعمان نحو الكرسي:
_ أتفضل أقعد.

جلس وقال:
_ خير يا حاچ، جالولي أن حضرتك طالبني في أمر مهم.

_ أمسك سبحته وجلس بإعتدال:
_ خير إن شاء الله، أولاً حبيت أشكرك علي موقفك وجدعنتك مع بنتي.

وقبل أن يكمل حديثه قاطعه فارس قائلاً:
_ متجولش إكده، ده واچب وحق علينا لما نشوفو غلط زي ده وربنا عالم الآنسة شهد بعتبرها كيف خايتي.

ترددت الكلمة علي أذنها وياليتها ما سمعت، فكانت بمثابة السكين المشتعلة المتوهجة من النيران وأنغمست في قلبها بلا شفقة.

فتح إحدي أدراج مكتبه ومد يده ليجلب شيئاً ما:
_ و دي أخلاق ولاد البلد الجدعان، ربنا يبارك فيك، و دي حاجة بسيطة كده ياريت تقبلها مني.
أخرج له مبلغ من المال ووضعه أمامه، بينما فارس تلاقي حاجبيه معاً بضيق، نهض و وقف ليقول بنبرة جادة وبها قليل من الغضب:
_ عيب يا حاچ أنت إكده عتغلط فيا عاد، أني ماسويتش الي عملته لأچل تعطيني فلوس، بالعكس عشان دي أخلاجي وتربيتي و لو الموقف ده حوصل مع أي واحدة معرفيهاش هسوي نفس الي سويته ويا ممدوح.

أخفي إبتسامته وسعادته من ردة فعل هذا الشاب الذي أثار إعجابه منذ رؤيته، كم تمني لو كان لديه إبن مثله واليوم أثبت له ظنه عنه وهو إنه من الرجال القليلون ذوي الأخلاق والمروءة.

_ أقعد يا قاسم، مالك زعلت ليه، أنا بديلك الفلوس مش في مقابل الي عملته، أنا بديهالك كهدية.

رد بحزم وكبرياء بالغ:
_ شكراً يا حاچ خلي فلوسك معاك، أني مواخدش حاچة، الحمدلله معاي الي يكفيني.

شعر بالإهانة من هذا الموقف مما جعله يشعر بالإختناق فأردف:
_ عن أذن حضرتك أنا ورايا شغل.
تركه وغادر مسرعاً، ولم يري إبتسامة الحاج نعمان وهو ينظر إلي ورقات المال قائلاً:
_ أنا نظرتي عمرها ماخيبت أبداً.

خرجت من مكانها والحزن يكسو ملامحها، سألت والدها بنبرة تظهر ماتشعر به:
_ ليه عملت معاه كده يا بابا؟.

وضع المال في الدرج وأغلقه مجيباً:
_ كنت بتأكد من حاجة والحمدلله طلع زي ماتوقعت بالظبط.

غمغمت ببضع كلمات كالتائهه:
_ ماخلاص أديه بيعتبرني زي أخته.
صمتت قليلاً فتحولت ملامحها من نظرة حزن إلي أخري توعد وقالت بتحدي ونظرة ثاقبة نحوه عبر الزجاج :
_ والله ما هسكت هخليني وراه لحد ماهو الي يجي يتحايل عليا عشان أعبره بنظرة بس.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ كان يوماً حافلاً ما بين التنزه داخل الحديقة المليئة بالملاهي ثم ذهب ثلاثتهم إلي إحدي المطاعم العائمة علي مياه نهر النيل، فأختتموا يومهم بالتسوق من إحدي المجمعات التجارية الشهيرة، فأبتضعو أشياء كثيرة وضعها أكرم بداخل حقيبة سيارته.
وفي طريق العودة تثائبت الصغيرة وغفت في نوم عميق، ألقي والدها عليها نظرة عبر المرآه قائلاً:
_ حبيبتي يا لارا نامت من كتر اللعب والجري، إن شاء الله بعد كده كل ويك إند هاخدكو وأفسحكو.

تسمع كلماته في صمت ولم تعقب، فسألها:
_ مالك يا ندي ساكته ليه من ساعة مامشينا من المول.

أجابت بدون أن تلتفت إليه حيث كانت تنظر إلي الخارج عبر النافذة:
_ مفيش، هاتكلم أقول أي!.

مد يده نحو يدها وعندما لمسها شعر برجفة جسدها من ملامسته، أبعد يده علي الفور وبداخله يشعر بالغضب الشديد من نفسه، كلما تذكر ما أقترفه بها من معاملته لها بقسوة وعنف جعلتها تخشي حتي ملامسته وبرغم عودتها معه لكنها ما زالت تتجنب التعامل معه، فطوال اليوم وهم بالحديقة كانت شاردة وكلما عرض عليها مشاركتهم في اللعب هو وأبنتهما ترفض وتجلس بمفردها في صمت مطبق.
وصل أخيراً أمام البناء، ركض إليه عم خضر حارس العقار:
_ أكرم باشا، حمدالله علي السلامة أنت ومدام ندي وست العرايس الصغيرة.

_ الله يسلمك يا عم خضر.
قالها وأعطاه المفتاح الخاص بحقيبة سيارته:
_ معلش ياعم خضر طلعلي الحاجات الي في شنطة العربية.

أومأ له بإحترام بالغ:
_أمرك ياباشا.

حمل صغيرته النائمة ودلف إلي داخل الفناء وبجواره ندي، دخل كليهما إلي المصعد وبعد وصولهما للطابق خاصتهما وخروجهما وقف أمام باب الشقة، تناول المفتاح من جيب بنطاله وبسبب حمله للصغيرة وقع من يده، أنحنت في نفس اللحظة التي دنا بها ليلتقط المفتاح من الأرض لكي تفعل المثل، تلاقت أعينهما وظل يرمقها لثوان وكأنه يعتذر لها ويخبرها كم هو يشتاق إليها كثيراً.
لم يشعر بذاته وهو يقترب بشفتيه من خاصتها وعندما أنتبهت لما هو مُقبل عليه ألتقطت المفتاح وقامت بفتح الباب ودلفت مسرعة إلي الداخل، أنتبهت لوجودها في غرفة النوم، عادت إليها ذكري هذا اليوم المشئوم، كانت تصرخ وتتلوي أسفله تتوسل له بالإبتعاد عنها بينما هو كان شيطانه مسيطر عليه، لم تنس ملامحه حينها حتي الآن، كان كالوحش الكاسر.

أغمضت عينيها وتهز رأسها يميناً ويساراً تريد أن تمحو كل هذا من ذاكرتها لكن دخوله الغرفة أفشل محاولتها.
_ أنا نيمت لارا في أوضتها وحطيت لك شنط الأكل علي الرخامة في المطبخ و أدي شنط الهدوم.

فتحت عينيها وهمت بالذهاب، أوقفها وأمسك يدها:
_ رايحة فين؟.

نظرت ليده ثم إليه وقالت بنبرة خالية من المشاعر:
_ رايحة أفضي الحاجات من الشنط وهادخل أنام جمب لارا.

كان علي يقين تام بما ستفعله، فلجأ إلي مهاودتها، فقال لها:
_ براحتك يا حبيبتي أهم حاجة إنك رجعتي تنوري بيتك وقلب جوزك الي بيعشقك ويموت فيكي.

إبتسامة مصتنعة أرتسمت علي ثغرها للتو:
_ شكراً، عن إذنك.
وغادرت لتتركه وقلبه ملتاع، كان يريد أن يطوقها بين زراعيه ويلقي عليها كل ما بداخله من إعتذار وآسف وشوق وحنين وحب جارف، قضي لياليه المنصرمة في سهاد، يجافيه النوم شارداً في ملامحها التي يحفظها عن ظهر قلب.
ألقي بجسده علي السرير يحدق في السقف، تدور في رأسه مئات الأفكار لجعلها تسامحه، نهض ليخلع سترته وذهب لأخذ حمامه وأرتدي ثيابه القطنية، تمدد لكي ينام لكنه فشل، ظل يتقلب علي جانبيه حتي زفر بضجر، نهض وذهب إلي الغرفة الأخري بخُطي هادئة ليجدها تغفو في السرير الآخر الموازي لسرير إبنتهما، تفحص ملامحها ليتأكد إنها نائمة وعندما أطمأن تمدد جوارها وأخذ يستنشق رائحة عطرها بإستمتاع، حاوطها بين زراعيه وقال:
_ تصبحي علي خير وهنا يا ندي قلبي وضي عيوني.
قام برسم قُبلة برومانسية حالمة علي وجنتها وقال بهمس:
_ تصبحي علي خير يا حبيبتي وضي عيوني.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ رفعت أكمامها لأعلي وهمت بحمل دلو مليئ بالثياب التي أخرجتها من الغسالة للتو، رأتها خالتها تحمل الدلو فصاحت بها:
_ عتسوي أي يخرب عقلك، همليه وروحي ريحي علي ضهرك وأني الي هنشرو.

_ أني زهجت يا خالتي من الرقدة علي السرير، ما أنتي خابراني زين لو ريحت أتعب.

ربتت خالتها علي كتفها قائلة:
_ تعالي علي نفسك وأتحملي لحد ما ربنا يقومك بالسلامه أنتي والي في بطنك وأبجي أتحركي كيف ما أنتي رايده، إحنا ماصدجنا يابتي إنك بجيتي حبلي.

تنهدت بسأم:
_ ماشي يا خالتي، لما أروح أطفي علي المحشي لأنعس ويتحرج.

حملت رسمية دلو الملابس وصعدت إلي سطوح المنزل، بينما نوارة ذهبت إلي المطبخ أمسكت بقطعة من القماش القديم لتمسك بها غطاء الإناء لكي تتأكد من نضوج الطعام قبل إطفاء الموقد.
تناولت قطعة بالملعقة وكادت تتذوقها
_ السلام عليكم.
أوقفها صوته فأنتفضت ذعراً وألقت مابيدها وبدون أن تنتبه أمسكت بالغطاء الساخن من غير عازل، أطلقت صرخة مدوية.
أسرع نحوها ليمسك بيدها وفتح باب المبرد، تناول قطعة ثلج و وضعها علي يدها مكان الحرق ، تأوهت فقال لها:
_ معلش أتحملي.
رفعت وجهها فتلاقت عينيها بسوداويتيه الحادتين، تخشي ضعفها يظهر إليه، فأشاحت وجهها لتتحاشي نظراته التي تخترقها، بدأ بالتحدث:
_ كيفك يا نوارة؟.

وياليته ما تحدث، ذكر إسمها فقط علي لسانه يجعل قلبها يخفق بقوة يكاد ينخلع من صدرها وينطلق ليستقر بين ضلوع عاشقه.
أجابت بتوتر جلي في صوتها الخافت:
_ الحمدلله بخير.
أبعدت يدها فسقطت قطعة الثلج التي علي وشك الذوبان تماماً، ولت ظهرها إليه وسألته:
_ أغرفلك تاكل؟.

أقترب منها ليقف خلفها مباشرة حتي شعرت بأنفاسه، أجاب عليها:
_ لع، سيبك من الواكل وتعالي وياي في أوضتنا.

كانت علي وشك الإعتراض فأردف:
_ رايدك في حديت مهم.

ظنت إنه قد جاء ليعتذر إليها وطلب السماح، ذهبت برفقته وعند ولوجهما إلي داخل الغرفة أغلق الباب وخلع عباءته وحذاءه، فكانت من هي دائماً تفعل عنه ذلك لكنها أكتفت بدور المتفرج تنتظر حديثه الهام هذا.
أخرج من جيب جلبابه علبة السجائر والقداحة فأمسك بالسيجارة ليشعلها تذكر أمر حملها، نظر نحو بطنها ولايعلم هل يفرح أم لا، كان يريد هذا الطفل من الأخري وليست هي، لذلك كان غير مهتم بأمر الإنجاب من زوجته، كل مايهمه هي فاطمة، فاطمة وفقط!.

_ أي الحديت المهم الي رايدني فيه ياسي رافع؟.
سألته بجدية وتخفي مشاعرها الأخري نحوه، أطلق زفرة عميقة وقال بإقتضاب:
_ ألف مبروك.

ما هذا الجفاء الواضح في كلماته المقتضبة، والبرود المحتل ملامحه، كانت تتوقع ردة فعله علي خبر حملها غير ذلك تماماً.

_ وياتري رچوعك للدار عشاني ولا عشان الي في بطني؟.
سألته وتصتنع التماسك والثبات، تعجب من نبرتها وماترمي إليه، فأفحمها ب ردٍ مجفل:
_ دي دار أبوي يعني أرچع ليها وأمشي منيها كيف ما أنا رايد.

أبتلعت غصتها ولاتعلم كيف تجيب علي حماقته، فأكتفت بتلك الكلمات:
_ وأني ما أقصدش الي فهمته غلط، وعلي العموم حمدالله علي السلامة.
نهضت وأردفت:
_ أني رايحة أشوف خالتي.

أوقفها محذراً إياها من نبرته:
_ وأني لساتي مخلصتش الحديت عاد.

أستدارت إليه و وقفت أمامه عاقدة ساعديها أمام صدرها:
_ خير يا إبن خالتي.

رفع جانب فمه بإبتسامة هاكمة من جملتها السابقة، أشار إليها بتعجرف وبأمر قال لها:
_ أجعدي.

زفرت بضيق وهي تجلس علي الكرسي:
_ أديني جعدت أهه.

رفع حاجبيه متعجباً من أسلوب حديثها الذي لم يعجبه، أجتاز ذلك ليصل إلي مراده، فقال:
_ الموضوع الي هجولو لك دلوق هيبجي سر بينتنا أنا وانتي لحد ما هخبر بيه الكل.

أنصتت له بإمعان وحدسها يخبرها بأن ما سيقوله زوجها للتو لا يكن سوي كارثة بالنسبة إليها، لم يخطأ حدسها حينما تفوه الآخر بجدية وكأنه قد حسم أمره ولا جدال فيه:
_ أني قررت أتچوز.

_ منذ ذلك اليوم الأسود برغم إن ماحدث فيه بمحض إرادتها، ومن حينها حتي الآن تلعن نفسها آلاف اللعنات لإنها إستسلمت بين يدي من أستغل حبها له وقربها منه لأجل مصلحته الخاصة وهي الوصول لمن يهواها فؤاده،  غير مكترث لها بل يُلقنها الكثير من الإهانات خاصة في آخر لقاء جمعهما معاً.
تنعزل بذاتها في غرفتها تخشي رؤية أحداً من أفراد أسرتها ويلقي عليها بالأسئلة التي تخشاها ولا تعلم كيف ستجيب عنها بماذا ستتفوه!.
2

طرقات علي الباب متتالية جعلتها تنتفض من أسفل الدثار،  يتبعها نداء والدتها: 
_ أنتي يا مروة هانم،  قافله الباب ليه بالمفتاح؟.

تنفست الصعداء وأجابت: 
_ أوف، الواحد مش عارف ياخد راحته في البيت ده، نايمة يا ماما وقافلة الباب عشان عيال إبنك الأشقية.

صاحت والدتها من وراء الباب:
_ نامت عليكي حيطه، قومي يابت أفتحي عايزة أقولك علي حاجة.

أنتفخت أوداجها فزفرت من أعماقها بتأفف:
_ حاضر.

نهضت وقامت بفتح الباب، عقدت ساعديها أمام صدرها متفوهه بإمتعاض:
_ حاجة أي دي إن شاء الله؟.

دفعتها في كتفها من أمامها:
_ أوعي كده من وشي.
سارت نحو النافذة لتفتح الستائر مردفة بضيق:
_ياساتر، أي التربة الي حابسة نفسك فيها دي!، ريحة الأوضة مكمكمة.

إستدارت مقلتيها بإمتعاض وقالت:
_ياستي دي أوضتي وعجباني كده.

ألتفتت إليها والدتها ورمقتها بإزدراء قائلة:
_ طيب أتنيلي روقيها وهويها وحطي عود بخور، وخديلك دش وظبطي نفسك عشان جايلنا ضيوف.

زفرت للمرة المائة:
_ أوف بقي، ياربي مش هنخلص، وأنا مالي بضيوفك!، وبعدين أنا مش قادرة أقابل حد.

وضعت يديها بخصرها وقالت بتهكم لاذع:
_ دول مش عشاني يا روح أبوكي، ده العريس الي قولتلك عليه ومعاه جوز خالتك ومعتصم أخوكي هيسبقهم زمانه علي وصول.

أرتجف داخلها من التوتر، متذكرة ما أخبرتها والدتها عن هذا العريس ومدي إعجاب والديها به وبأخلاقه وإنه الرجل المناسب الذي تمنوه لإبنتهم، فماذا ستفعل!.
أخذت تتمتم بداخل عقلها بنعت وسب هذا العلي الذي قذف بها داخل الجحيم، تركها جريحة القلب، محطمة الذات.

تصنعت الثبات الإنفعالي حتي لاتشك والدتها في أمرها،فقالت بهدوء زائف:
_ مش وقته.

تشدقت الأخري:
_ هو أي يا عين أمك الي مش وقته؟.

رفعت وجهها لأعلي قليلاً:
_ مش وقته أن أتخطب وأتجوز، لسه شوية علي الخنقة دي.

كانت تظن بهذه الكلمات تقنع والدتها بالعزوف عن فكرة زواجها لكن لاتعلم إنها أضرمت شعلة من الغضب جعلت أمها تخطو نحوها وهي تتراجع إلي الخلف.
_ لسه أي يا عينيا؟.
سألتها بسخرية قابضة علي زراعها بقوة تهزها بعنف، فأردفت بصياح أهتزت له جدران غرفتها:
_ طب أي رأيك يا روح أمك هتتخطبي وهتتجوزي العريس ده، سواء عجبك ولا معجبكيش، يا إلا قسماً بالله هسلط عليكي معتصم أخوكي ولا هيبقي فيه خروج ولا شغل، وأنتي عارفة هيعمل معاكي أي، وياما أنا حوشته عنك وداريت عنك كتير.
2

فلتت زراعها بصعوبة من قبضتها، وقفت بتحدي وإصرار قائلة:
_ طُز في إبنك وفي العريس، و طُز فيكو كلكو،يكش تولعو بجاز في بعض.
2

تعجبت والدتها لصراخها المُجلجل هذا، همت بمغادرة الغرفة قائلة بتوعد:
_ صرخي، عيطي، أعملي الي أنتي عايزاه، وبرضو كلامي هيمشي وهتوافقي علي العريس، ويا أنا يا أنتي!.

دفعت الباب خلفها بقوة ثم أستندت عليه بجسدها الواهن وأخذت تبكي بحرقة وقهر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ تقف أمام مرآه الزينة بداخل غرفتهما، تنظر إلي بطنها الذي لم يظهر بعد عليه إنتفاخ الحمل، تتذكر ليلة أمس وكلماته القاتلة لقلبها الذي يعشقه ولا يبادله أي مشاعر.
(حدث في ليلة أمس)

_ الموضوع الي هجولو لك دلوق هيبجي سر بينتنا أنا وانتي لحد ما هخبر بيه الكل.

أنصتت له بإمعان وحدسها يخبرها بأن ما سيقوله زوجها للتو لا يكن سوي كارثة بالنسبة إليها،  لم يخطأ حدسها حينما تفوه الآخر بجدية وكأنه قد حسم أمره ولا جدال فيه: 
_ أني قررت أتچوز.

أتسعت عينيها من هول صدمتها إثر ما تفوه به للتو، وتسمرت كالتمثال.
عم الصمت بينهما، فتسللت عبره علي وجنتها، وبصوت خافت يصل لأذنيه بصعوبة قائلة بتعجب ساخر:
_ هي دي ألف مبروك الي چاي تجولهالي!، وياتري تطلع مين دي؟.

أشاح وجهه لم يستطع أن يجب علي سؤالها، فيكفيها علمها بأمر زواجه بأخري.
تعالت شهقاتها من الألم الذي تشعر به وكأنه جلب سكين متوهج ويغرزه بداخل قلبها بلا شفقة، ولما يهتم لمشاعرها!، فهو لم يشعر قط نحوها بأي مشاعر، حتي في لحظاتهما الحميمية كان يتخيل الأخري وليست هي، كم هو قاسي القلب متبلد المشاعر.

توقفت عن البكاء عنوة، فأستعادت رباطة جأشها وقالت بسأم:
_ فاطمة، صوح؟.
إبتسامة سخرية تكسو ثغرها مُردفة:
_ طول الوجت وأني جلبي كان حاسس، وكنت بصبر حالي وأجول لنفسي يابت بكره هيزهق ويحس بيكي، مهما كان ده في الأول والآخر برضك چوزك ولما علمت إني حبلي علي قد ما فرحت لكن فرحتي الي أنتظرتها هي فرحتك أنت لما تعرف أني هچيبلك الطفل الي نفسك فيه، و بدل ما تاخدني في حضنك، چاي تجولي أتچوز!.

صاحت في آخر كلمة، رفع سبابته محذراً إياها:
_ وطي حسك يا نوارة أحسن لك.

فاض بها الأمر،  فصاحت بغضب هادر:
_ أوطي حسي!، يا چبروتك يا أخي!، ده كل الي همك، ومش همك جلبي الي عينحرج دلوق!.
نهض وقفز نحوها واضعاً كفه علي فمها وبغضب مستطير من سوادويتيه:
_ إكتمي إلا وربنا لأجطعلك لسانك.

أزاحت يده بكل قوتها من علي فمها وقالت:
_ ما أنا ياما كتمت حسي وأكتم في جلبي وأنت ولا هنا، وأخرتها رايد تتچوز عليا!، يا أخي اللهي
تتچوزك عجربة وتفضل تدوك فيك سمها وأخلص منك وأرتاح.

صاح بتهديد: 
_ لمي لسانك يا ولية إلا و قسماً بالله ل.....

قاطعته وبداخلها بركان من الغضب تتقاذف حممه في عنان السماء: 
_ اللهي يولولو عليك بدري لا تلحج تتچوز ولا تلحج تشوف إبنك الي خسارة فيك.

وصل لذروة غضبه الثائر،  رفع كفه لأعلي: 
_ أخرسي جبر يلمك.

أندفع الباب بقوة ودلفت والدته،  بفزع قائله: 
_ چري أي يا ولدي،  حسكم واصل للنچع كلاته،  حوصل أي؟.

كان يرمقها بنظرة حالكة وكأنه يتوعد لها،  حتي أنتبه علي صوت والداته: 
_ ما تردو علي سؤالي،  ولا أتخرستو دلوق!.

ألتقط عباءته وعمامته وهم بإرتدائهما ليرحل بدون أي كلمة، ثم غادر
هارباً من أسئلة والدته وحديثها حينما تعلم بنواياه.
2

(عودة للزمن الحالي)

ظلت ترمق صورتها  المنعكسة في المرآه، وبداخلها عقدت العزم،  لابد عليها التصرف بدلاً من قلة حيلتها وموقف المتفرج الصامت.
وبعدما أبدلت ثيابها بعباءه سوداء فضفاضة و وشاح ذو لون قاتم،  خرجت فكادت تصدم بخالتها التي أوقفتها: 
_ رايحة فين يابتي؟.

رمقتها بشرر من أفعال ولدها الظالم قائلة بحدة بالغة: 
_ همليني يا خالتي لحالي.

أمسكت يدها مانعة إياها من المغادرة،  وقالت بأمر: 
_ مهملكيش غير لما تجوليلي أي الي چري ليلة امبارح ومحدش فيكو رد عليا،  و كمان رايحة علي فين إكده؟.

جذبت يدها وأجابت: 
_ أبجي أسألي ولدك وهو هيجولك إذا قدر يجولك عاد.

تركتها في حيرة، وأكملت خط سيرها نحو منزل الشيخ واصف.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ تتسحب من المطبخ بخطي وئيدة حتي لاتشعر بها والدتها،  تحمل حقيبة معبأة أواني مملوءة بالأطعمة المختلفة،  أجرت إتصالاً هاتفياً وبهمس أجابت: 
_ أني چاية أهو إياكم تتغدو من غيري وجولي لأخوي مايشتريش واكل للعمال أني عاملة حسابهم،  يلا سلام.

_ رايحة علي فين يا فاطمة؟.
صاحت بها جليلة واقفة أمام باب غرفتها،  مما أفزعت الأخري،  تركت الحقيبة جانباً وهي تزدرد لعابها ثم تفوهت بتوتر منبلج علي ملامحها: 
_ أني، أني كنت را......

قاطعها رنين جرس المنزل ويصاحبه طرقات عنيفة علي الباب،  تعجبت كلا من فاطمة وجليلة،  ذهبت الأولي لتفتح الباب،  فتفاجأت بها واقفة أمامها والغضب يتطاير كالشرر من عينيها دفعتها  في كتفها بخاصتها و ولجت إلي الداخل تحت نظرات فاطمة الحانقة: 
_ العواف يا خالة چليلة.

رمقتها جليلة بإندهاش يتخلله بعض الضيق قائلة: 
_ الله يعافيكي يا نوارة.

ألقت نظرة علي غريمتها أولاً ثم أستدارت إلي الأخري،  ترفع وجهها لأعلي قليلاً بزهو  : 
_ متستغربيش ياخالة من مچيتي ليكم، والسبب أني رايده ألحج بيتي قبل ما يتخرب.

رمقتها جليلة بإندهاش: 
_ خراب أي كفي الله الشر يابتي.

حدجتها بإستعلاء وقالت: 
_ خراب بيتي يا خالة، وبتك السبب.

هنا لم تستطع فاطمة الصمت أكثر من ذلك،  فكانت تتركها تفعل ماتشاء، لكن إلي هذا الحد وكفي.

صاحت بتحذير وبدفاع عن نفسها: 
_ بجولك أي يا نوارة، أجفي عوج وأتحدتي عدل، أني ساكته لك من تو ما خطيتي دارنا، لكن هتلبخي في الحديت فخدي بعضك إكده من أصرها و عاودي علي دارك يابت الناس أحسن لك.

ألتفتت إليها والغضب والشر ينضح من عينيها كاللهيب مستعر: 
_ واه،  وكماني ليكي عين تهدديني يابت الشيخ واصف!.

نظرت نحو جليلة لتردف: 
_ جوليلي يا خالة،  الي تلوف علي راچل متچوز وكماني مارته حبلي تبجي أي؟.

أتسعت عيني جليلة بعدما تفهمت سبب مجيئها وغضبها، فسألتها بإستنكار:
_ تجصدي أي بحديتك؟.

صاحت مشيرة نحو فاطمة: 
_ أجصد بتك خرابة البيوت،  خطافة الرچالة.

_ أخرصي جطع لسانك.
صرخت بها فاطمة وهي تهبط علي وجهها بللطمة قوية.
فما كان من الأخري أن تتلقي الإهانة وتصمت، بل هجمت عليها: 
_ وكمان بتمدي يدك علي والله ما أهملك من يدي.

جذبتها من خصلاتها بعنف والأخري تدافع عن نفسها،  ولا تريد أن تؤذيها خاصة بعدما علمت إنها حامل.
تدخلت جليلة  لتبعد كلتاهما عن بعض،  آمره إياهما: 
_ بعدو عن بعضيكو منك ليها،  وأنتي يا نوارة عيب لما تدخلي بيوت الناس وتتهميهم بالباطل وكمان تغلطي فيهم.

ألتقطت نوارة أنفاسها بتهدج قالت: 
_ أني ما بكدبش يا خالة، أسألي بتك الأستاذة فاطمة بت شيخ المسچد!، رافع كان بيسوي معاها أي وجت فرح خايته ورا الدار!.

قالتها وحدجت فاطمة التي تسمرت في مكانها بعداء وتوعد،  فأردفت: 
_ هجولك أني الي شوفتهم بعينيا دول وهو رميها علي التبن وجاعد فوجها وبيبوسها كأنهم راچل ومارته.

نظرت فاطمة لأسفل بخجل و خوف من والدتها التي تكبح جموح غضبها أمام الأخري حتي لا تشمت فيهما.
اردفت مرة أخري: 
_ أني المرة دي عملت حساب للقرابة وصلة الدم الي بينتنا،المرة الچاية هتكون فضايح وچورس والنچع كلاته هيتفرچ ويسمع.
نظرت لهما بتهديد لتأكد علي وعيدها، ثم همت بالرحيل:
_ سلام.
غادرت بخطي سريعة وعندما خرجت من المنزل زفرت وكأنها تزيح جبل من فوق صدرها،لكن هناك سؤال ألقاه عليها صوت من أعماقها و هو
ماذا لو علم رافع بما أقترفته؟!.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ تركض بملامحها الخائفة بداخل رواق مظلم وصوت أنفاسها المتهدجة يعلو، تنظر خلفها في كل خطوة نحو مصدر خوفها، حتي أصتدمت في صدره، فشهقت بفزع فطمأنها قائلاً:
_ متخافيش يا جلبي.

أتسع ثغرها بإبتسامة وسعادة:
_ فارس!.

ضمها إلي صدره وحاوطها بزراعيه يمسد علي خصلاتها ليطمأنها أكثر:
_ أيوه أني يا روح جلبي، متخافيش يا زينب رايدك تكوني قوية، أوعاكِ تضعفي.

دفنت وجهها في صدره وتشبثت بأناملها في ظهره قائلة بضعف وقلة حيلة:
_ مُعنتش قادرة يا فارس، كل يوم بتمني الموت وما طايلهوشي.

أبعد وجهها عن صدره ليتمعن بالتحديق في ذهبيتيها قائلاً:
_ بعد الشرعليكي يا جلبي، أياكِ تجولي إكده تاني، ده أني من غيرك ما أجدرش أعيش واصل.

ردت عليه بسأم والعبرات تملأ عينيها:
_ وأني ماعرفاش أعيش من غيرك واص...

قاطعها صوت إطلاق رصاص يعقبه صياح تكره صاحبه بشدة:
_ زينب، زينب.

كان فارس ينظر لها بنظرة الوداع الأخيرة غير قادراً علي التحدث ولو بكلمة.
أخذت تصرخ به:
_ لاء يا فارس ماتهملنيش أبوس يدك، لاء يا فارس.

بدأ جسده يتراخي ويتهاوي بين يديها، فأطلقت صرخة مدويه:
_ لا.

فتحت عينيها لتقابلها عتمة الظلام، فمازالت  آسيرة في هذا المكان الموحش منذ البارحة، مكبلة بالسلاسل الحديدية، وبرودة الهواء والصقيع يحاوطها وينهش جسدها المرتجف.
نهضت بصعوبة تتكأ علي إحدي ساقيها وبيدها الأخري تتحسس الجدار، وبرغم من الظلمة المحيطة بها شعرت بدوار يداهمها، و عندما أستطاعت الوقوف خارت قواها فسقطت علي الأرض.

وفي الخارج، تسير أنيتا وتحمل صينية طعام متجهة خلف المنزل، وعند رؤيتها فتح لها إحدهم من رجال الحراسة الباب، أخرجت من جيب جونلتها مصباح يدوي صغير وأضاءته، فشهقت عندما وقعت عينيها علي تلك الممدده علي الأرض بلا حركة وبجوارها آخر صينية طعام قد قدمتها إليها ليلة البارحة ولم تمسها كسابقتها.
خرجت مسرعة لتخبر سليم الذي كان يمارس تمارينه الرياضية في الحديقة.
_ سيدي،سيدي.
صاحت بها

نهض من فوق العشب ومسح قطرات عرقه من فوق جبهته، فسألها:
_ ماذا هناك أنيتا؟.

أجابت بقلق و خوف:
_ مدام زينب، يبدو إنها غائبة عن الوعي.

أنتفض بفزع عند سماعه ذلك، ركض إليها وقلبه يخفق خوفاً.
ولج إلي الداخل وقام بفتح لوحة مفاتيح الكهرباء بعد إبعاده لقطعة القماش الباليه من فوقها، وضغط علي المفاتيح، أصبح المكان مضيئ، ليجدها كما أخبرته الخادمة، أسرع نحوها وجثي علي إحدي ركبتيه، وضع يده علي زراعها يلكزها منادياً:
_ زينب، زينب.
2

لم تصدر منها أي حركة، فكانت كالجثة المسجاه، أمسك رسغها وبيده الأخري وضع أصبعيه الوسطي والسبابه علي موضع العرق النابض، زفر بأريحية وسرعان ماتبدلت ملامحه كالبركان الذي أنفجر لتوه، وهذا عند رؤيته لصينية الطعام التي لم تؤكل منها شئ.
نهض لينحني مرة أخري ويحملها مسرعاً إلي داخل المنزل ثم إلي غرفة النوم، فوضعها علي السرير و هاتف الطبيب ليطمأن عليها.
وبعد قليل جاء الطبيب وبعد الفحص قال:
_ سيد سليم، هل زوجتك لديها داء السكري؟.
1

ضيق مابين حاجبيه مجيباً:
_ لا أعلم.

قام الطبيب بتدوين عدة كلمات في دفتره الورقي، فنزع الورقة منه ثم أعطاها لسليم قائلاً:
_ هذه الأدوية مكملات غذائية لتقوية جسدها الضعيف، ويجب أن تجري بعض التحاليل لنطمأن علي مستوي السكر لديها.

أخذها منه وهو يومأ له، وبعد مغادرة الطبيب أغلق الباب وعاد إليها ليجلس بجوارها متأملاً ملامحها، بداخله يشعر بالندم حيال ما فعله معها فالأمر كان لايستحق هذا العقاب القاسي الذي كان سيودي بحياتها إلي الهلاك.
وضع أطراف أنامله علي جبهتها نزولاً لوجنتها ثم إلي شفتيها التي عند ملامسته لها أصابها رجفة طفيفة.
مسك يدها و وضعها بين كفيه فوجد أطرافها باردة، أخذ يمسدها حتي تشعر بالدفء ولو قليل، لكن بدون جدوي مازالت ترتجف، ترك يدها وأبعد الدثار من فوقها حتي يتثني له خلع ثوبها الذي قام بإلباسها إياه قبل مجيئ الطبيب لتعود كما تركها في المخزن بقطعتي ثياب فقط ثم خلع عنها الوشاح.
نهض ليخلع عنه ثيابه وأكتفي بسرواله ثم تمدد جوارها ليحاوط جسدها بالكامل بجسده بعد أن ألقي عليهما الدثار  ليمدها بالدفء أكثر.
أحتضنها بقوة وكأنها ستفر منه موصداً عينيه، مد يده إلي خصلاتها ليأخذ البعض منها وأخذ يستنشق رائحتها بمتعة غمرت كل حواسه، جاء في ذهنه كلمات الطبيب عندما تفهم منه بإحتمالية إصابتها بالسكري، لعن نفسه فربما إصابتها تلك مؤخراً، والسبب معاملته القاسية لها وإجبارها علي كل شئ وكأنها جارية أشتراها من سوق النخاسة.

وهنا بدأ ضميره بإيلامه وتوبيخه فلم يشعر بنفسه وهو يهمس لها أمام شفتيها بكلمات إعتذار :
_ آسف حبيبتي، سامحيني.
3

دفن وجهه في صدرها كالطفل الذي يختبأ في حضن والدته، يحارب بكل قوته تلك الذكريات التي تهاجمه بضراوة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ نهضت تلك السيدة من خلف مكتبها تحدج هذا الصغير ذو العشر سنوات بغضب: 
_ ولآخر مرة أسألك يا سليم أنت الي رميت الخشبة علي مستر ياسر؟.
رفع وجهه ليرمقها بعينيه الصغيرتين وملامحه المقهورة،  ليجيب عليها بإستنكار:
_ لاء مش أنا،  ده أشرف وحسام الي عملو كده.
1

جزت علي أسنانها و رمقته بتوعد: 
_ برضو لسه مُصر إنك تكذب، ماشي.

أطلقت زفرة بضيق ثم أردفت : 
_ أنا هخليك تحرم تكدب تاني وتبطل المصايب الي بتعملها كل شويه.
جذبته من يده بعنف وخرجت به إلي الفناء وكان حينذاك وقت إستراحة التلاميذ،  أشارت إلي عامل النظافة: 
_ يا عم شاكر هات باسكت فاضي.

أحضره العامل لها فأخذته ودفعته في يد الصغير: 
_ عايزاك تروح تلم أي حاجة واقعة في الجاردن ولو لاقيت فتفوته ورقه علي الأرض هاحبسك في أوضة لوحدك طول النهار.

أذعن لها بخوف وبدأ بإلتقاط القاذورات في وسط ضحكات وتنمر التلاميذ عليه، يشيرون نحوه ويحدجونه بإزدراء،  فكان كل ما يفعلونه يترك آثراً  سيئاً في نفسه، يشعر بالإهانة فأخذ يبكي بقهر.
ولم تكتف مديرته بذلك بل هاتفت والده ليأتي ويعلم ما يقترفه إبنه من مصائب وينكرها.

_ داغر بيه،  لولا إننا لمينا الموضوع مع مستر ياسر كان زمانه وصل لبوليس وقضية وإبنك يدخل الأحداث.

أجاب بتعجرف جلي من كلماته: 
_ إبن داغر العقبي ميعملش الي بتقوليه ده،  أنا إبني متربي أحسن تربية.

رمقته بسخرية وإستهزاء، أعتدلت علي كرسيها: 
_ إبنك يافندم كل يوم ليه مصيبة شكل،  حكيت لك منهم الي عمله النهارده بس،  ولو زي ما حضرتك بتقول أنه متربي تقدر تفسر لي إعتداءه علي زميلته بالضرب ولولا برضو أتكلمنا مع البنت وهديناها وقولنا لها متجبش سيرة لحد من أهلها كان زمان إبنك واقع في مشكله برضو.

جز علي فكه من الغيظ،  أستشاط غضباً من تلك السيدة ومن أفعال إبنه الذي يعلمها جيداً،  فتوعد له بأشد عقاب
فعندما وصل كليهما إلي القصر،  نزل من السيارة ممسكاً إبنه بعنف متجهاً به إلي الداخل ثم صعد الدرج والآخر يتعثر في كل خطوة حتي وصل إلي غرفة شاغرة بالطابق الثاني لايوجد بها أي أثاث أو فراش،  أوصد والده الباب ثم خلع حزام بنطاله وبملامح شيطانية أمر الصغير: 
_أدامك دقيقة تقلع هدومك كلها.

أرتجف الصغير وأجهش في البكاء متوسلاً والده: 
_ أنا آسف يا بابا.

صرخ به: 
_ آسف علي يا إبن ال.....  عملي مرة بلطجي ومرة صايع في المدرسة،  وتخلي حتة ست ملهاش لازمه تكلمني وتقولي إبنك عمل وإبنك هبب!.

قال الولد من بين بكاءه بدفاع عن نفسه بالكذب:
_ دي كدابه،  أنا معملتش حاجة.

_ وكمان بتكدب،  طيب أقسم بالله لأخليك تحرم تكدب ولا تجبلي الكلام مرة تانية.

جذبه من ثيابه وسط صرخاته وتوسله إليه،  نزعها عنه بوحشية ليجرده منها تماماً وأنهال عليه بحزامه الجلدي علي أنحاء جسده الصغير،  فتركه بعد وصلة من التعذيب أنهاها بحرمانه من الطعام ملقياً في وجهه زجاجة مياه فقط،  وكذلك حبسه في الغرفة لمدة يومين.
_ هتتحبس هنا يومين لحد ماتتعلم الأدب وتحرم تكدب وتسمع كلامي بعد كده.

وبعد غروب أشعة الشمس التي كانت تنير الغرفة،  حل الظلام فأكتشف عدم وجود مصباح إضاءه في الغرفة، فظل آسير الظلام طوال الليل إلا من بصيص من ضوء القمر يتسلل من النافذة، زحف بوهن نحو البقعة المضيئة علي الأرض، يبكي ويصرخ بكلمات غير مرتبة : 
_ مش هعمل كده تاني، آسف، هما الي بيضايقوني، أنا خايف.

أخذ جسده يرتجف،  وأسنانه تصتك في بعضهما البعض، ضم زراعيه يحتضن جسده،  يعتصر عينيه من الألم النفسي والجسدي، وفي تلك اللحظات تبدلت نظرات عينيه من البراءة إلي نظرة أخري خالية من المشاعر،  قد تكون بداخله شخصاً آخر، شخص قلبه لايعرف من المشاعر سوي القسوة والجفاء، يستمتع كلما رأي أحدهم يتألم أمامه وتزداد تلك المتعة أكثر عندما يكون هو المُعذب.

_ بابا،  آسف،  مش أنا،  هم الي بيضايقوني.
كلمات يتمتم بها وجسده يرتجف بشدة وقطرات العرق تملأ وجهه، وكأن قد أصابته حمي.
بينما هي أستيقظت أثر ما يحدث لديه، فكانت زراعيه تزداد إنقباضاً علي جسدها مما سبب لها الألم.
أتسعت عينيها خوفاً من ملامحه رغماً إنه نائم،  تفوهت بوجل وملامح خائفة: 
_جوم وبعد يدك عني.

لم يستيقظ فصرخت في وجهه: 
_ سليم.
لافائدة بل علت همهماته بالكلمات السابقة وأشتدت زراعيه من وثاقها بقوة فتأوهت بألم،  أفلتت إحدي زراعيها بصعوبة،  فلكزته بقوة في صدره صارخة:
_ بعد عني.

أستيقظ فجاءة مبتعداً عنها قليلاً،  يحدجها بنظرة قاتلة جعلتها تراجعت إلي الوراء،  وقعت عينيها علي جسده العاري لايقوم بستره سوي سروال قصير، وفي تلك اللحظة أنتبهت إلي جسدها أيضاً الذي لايغطيه سوي قطعتين من الثياب تكاد تخفي ما أسفلها.
شهقت بخجل وتوتر جذبت الدثار تلتحف به ثم نهضت من فوق السرير،  أبتلعت لعابها خوفاً من نظرات عينيه المرعبة التي لم تحد عنها.
_ أني،  أني كنت بصحيك لما لاجيتك عمال تترعش وتجول حديت مفهماش منيه حاچة، ده غير...

صمتت عندما نهض في صمت وتقدم منها، رفعت سبابتها محذرة إياه: 
_ أوعاك تجرب مني، بكفياك الي سويته فيا، قسماً بالله لو...

وقف أمامها مباشرة ليجذبها إلي صدره بحنان لم تعهده منه منذ أن رأته،  شعر برجفة جسدها من مجرد ملامسته وعانقه لها،  همس بجوار أذنها بللهجة آمره: 
_ متخافيش.

أخذت أهدابها بالرفرفة عدة مرات وهي تحاول إستيعاب أفعاله،  ما هذا الرجل المجنون تارة يعنفها ويقسو عليها بشدة وألقي بها في مكان موحش،  وتارة أخري تستيقظ لتجد نفسها بين زراعيه والآن يعانقها ويطمأنها بأن لا تخاف،  كيف ذلك!.

هدأت أنفاسها قليلاً،  فأبتعد عن معانقته لها ليحدق بداخل ذهبيتيها بنظرة تراها لأول مرة،  ظل هكذا لمدة خمس دقائق حتي قال بهدوء عكس سجيته واضعاً يديه علي كتفيها : 
_ أدخلي خدي دش وجهزي نفسك عشان خارجين.

تركها وذهب لتناول معطفه القطني وقام بإرتداءه ثم غادر الغرفة متجهاً إلي إحدي المراحيض الشاغرة في المنزل.
1

تنفست بأريحيه بعد ذهابه وقالت: 
_ وربنا راچل مچنون،  بس علي مين فاكر حبة الحنية دول هياكل بيهم عقلي يبجي أهبل وعبيط، أنا بكرهك ياسليم وهافضل أكرهك لحد ما أتخلص منك،  داهية تاخدك أنت وأخوي في ساعة واحدة يارب.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ وأنتي هاتصدجي حديت المخبلة نوارة وهاتكدبي بتك!.
صاحت بها فاطمة لوالدتها التي ردت بغضب عارم: 
_ ولو هي عتكدب عليا ليه ما ردتيش عليها ودافعتي عن حالك وهي عتتهمك علي علاقة بچوزها والي حوصل وجت فرح زينب؟،  وجفتي كيف الفار المبلول جدامها.

تريد الفرار من تحقيق والدتها الإستفزازي، فقالت بإستنكار وإصرار مصتنع: 
_ وأني بجولك مفيش حاچه من دي حوصلت واصل،  وكمان خابره زين أني أطيق العمي ولا ماطيقش ولد أخوكي.

ضيقت جليلة عينيها غير مقتنعة أو مصدقة لكلماتها فقالت بتهديد و وعيد: 
_ أني خابرة حاچة واحدة بس،  وهي لو طلع حديت نوارة صوح، أقسم بالله لأكلم المأذون و ولد خالك ويچي يعقد عليكي وتتچوزو إحنا ما ناجصينش فضايح ولا چورس عاد،  كفاية عليا أخواتك الرچالة وعمايلهم.

أثرت الصمت وتحاشت الرد علي كلمات الأخري حتي لاتسبر أغوارها وتنفذ وعيدها الجائر،  ذهبت متجهة إلي غرفتها،  فأوقفتها والدتها: 
_ رايحة علي فين أني ماخلصتش كلامي.

لاحظت نظرات والدتها نحو حقيبة الطعام وكادت تسألها إلي أين كانت ستأخذها وتذهب فقالت علي عجالة: 
_ معلش ياما،  تو ما أفتكرت واحدة صاحبتي كانت رايدة مني خلچات لأچل تحضر بيهم   فرح ناس قرايبهم، لما ألحج أروح أوديهم لها،  سلام.

فرت من أمامها بسرعة البرق تحت نظرات والدتها المندهشة،  وعندما خرجت زفرت واضعة يدها علي صدرها،  تذكرت حديث نوارة فقالت بداخل عقلها: 
_ ماشي يا رافع الكلب وربنا لأفرچك وهفرچ الناس عليك.

أستقلت سيارة ذات الثلاث إطارات قائلة للسائق:  _ أطلع علي مخازن الخرده يا سطا.

وصلت في خلال دقائق معدودة، ترجلت وهي تتمم علي وشاحها.
وبالداخل يجلس علي مكتبه يتمعن النظر في دفتر ورقي يراجع الإيرادات،  طرقات علي بابه ودلف بعدها المدعو دبيكي: 
_ ألحج يا رافع بيه،  الست فاطمة چت بره وبتسأل عليك وعايزة تجابلك.

ألقي القلم ونهض غير مصدق: 
_ بتتكلم  چد؟.

أجاب مؤكداً بإشارة من يده: 
_ چد الچد يا كبيرنا.

أنبلجت سعادة عارمة علي ملامحه الحاده مهللة أساريره،  فقال بأمر: 
_خليها تدخل،  وتنبه علي المجاطيع الي بره محدش يدخل غير لما أنادم علي حد فيهم.

أومأ له قائلاً: 
_ أعتبره حصل يا رافع بيه.

هندم من جلبابه وكان لايرتدي العمامه،  فألقي نظرة علي إنعكاس صورته علي شاشة هاتفه،  يرتب خصلاته الفحمية وشاربه ولحيته المشذبة.
أندفع الباب بقوة لتدلف كالعاصفة الهوجاء بصياح علي وشك أن يصيبه بالصمم: 
_ أنت مين المتخلف الي قالك أننا هانتچوز؟.

أجاب ببرود وإبتسامة إستفزازية تجعلها تستشيط غضباً: 
_ أني المتخلف الي جولت.

بادلته ببسمة ساخرة قائلة بتهكم لاذع: 
_ الحمدلله إنك خابر نفسك زين، متخلف.

في لحظات أصبح واقفاً أمامها يحدجها بتحذير:  _ لمي لسانك أحسن لك،  إلا وقسماً بالله...

قاطعته بتحذير مماثل عاقدة ساعديها أمام صدرها: 
_ وإلا أي يا رافع؟، بلاش أنا بالذات الي تلعب معايا لعبتك القذرة دي.

أقترب منها وبنبرة حميمية ونظرات مليئة بالحب والرغبة: 
_ أومال عايزيني نلعبو أي بالظبط؟.

أدركت مقصد سؤاله الخبيث،  فتوترت ولم تظهر له ذلك بل دفعته في صدره لتبتعد عنه: 
_ لم حالك وأتعدل معاي،  ولأخر مرة أحذرك،  بعد عني يا رافع إلا وهخليك تبعد عني وعن النچع كلاته.

ضيق سوداويتيه القاتمتين وسألها بللهجة حادة:
_جصدك أي بحديتك ده؟.

ظل ينظر إليها حتي أدرك ما ترمي إليه، أشتد سواد عينيه فحدجها بنظرة نارية، جذب زراعها ليقربها منه وإبتسامة مخيفة تعلو ثغره قائلاً: 
_ رايده تبلغي عني الحكومة إياك !.
رفعت واجهها في مواجهته بكبرياء وبنبرة جادة لتؤكد علي ما تفوهت به:
_ أيوه، هسوي إكده، ما أني جولتلك مابخافش غير من الي خلقني.
عقبت جملتها بنظرة تحدي، لاحظت صدره يعلو ويهبط بقوه وصوت أنفاسه ترتفع، وقبضة يده تضغط أكثر علي ساعدها مما سبب لها الألم لكنها أخفته بداخلها.
تعلم إنه لايستطيع إيذائها في كل الأحوال، فأردفت بنفس اللهجة القوية:
_ أي؟،عتفكر تجتلني كيف!.

جز علي أسنانه وهدر من بينهم:
_ ماتختبريش صبري وياكي بدل ما ترچعي تندمي.

شبه ضحكة ساخرة خرجت من بين شفتيها، وقالت:
_ أني ندمانة علي حاچة واحدة بس.

رمقها بترقب ينتظر بقية جملتها، فأكملت وهي ترمقه بكراهية مصتنعة :
_ هي إن حبيتك في يوم من الأيام، بللعن جلبي الي دق لك، خابر أنت لو بتموت جدامي وبتخرج روحك، عمري ما هارچع لك ولا هاكون ليك، فياريت توفر مچهودك في الچري ورايا وتخليه لمارتك، أم ولدك الي چاي.

وبدلاً من أن يغضب،فاجئها بقهقهة مدوية، يظن إنها قد غارت عندما علمت بحمل زوجته ، فهو علي يقين جيداً برغم كلماتها القاسيه إنها مازالت تحبه، لكنها تكابر وتعاند وتتظاهر بالعكس.
كف عن الضحك ودفعها علي الكرسي ثم أنحني وحاوطها متكئاً علي المساند الجانبية، فقال بوعيد قد حُسم أمره :
_ هاتچوزك سواء بإرادتك أو من غيرها، ومش بس إكده، وهاتكوني أم ولدي التاني إن شاءالله.

بركان ثائر أنفجر بداخلها، و ودت لو كان حقيقياً كانت ألقت بحممه النارية في وجهه لتجد بديلاً أشد قسوة تترك أثر أقوي، فقالت:
_ ما تخلي حداك حبة كرامة، رايد تتچوز واحدة ماطيجاش تبص في خلقتك، مش شيفاك غير واحد خاين وخسيس ومچرم وفيه كل العبر، إبليس في هيئة بني آدم.

أعتدل وأبتعد عنها قليلاً حتي لا يطلق عليها غضبه ويؤذيها، ولي إليها ظهره وقال لها بأمر:
_ أخرچي بره.

نهضت وتبتسم بإنتصار، وقبل أن تغادر قالت:
_ نسيت أجولك صوح، ألف مبروك وربنا يقومها لك بالسلامة، بس ياريت تفهم مارتك عيب تدخل بيوت الناس وتغلط فيهم وتتهمهم بالباطل.

رفعت حاجبيها وأرادت إشعال مراجله ليحترق في جحيمه:
_ أه وكمان نسيت أجولك علي حاچة تانية، أنا مخطوبة، سلام يا واد خالي.

قالتها وذهبت مسرعة الخطي قبل أن يلحق بها، لكنه ما زال يقف في مكانه، ضرب الحائط بقبضته وقال بوعيد أقسم علي تنفيذه مهما كان الثمن:
_ ماشي يافاطمة أكدبي كيف ما انتي رايده، بكرة هتبجي بين يدي  غصب عنك وأني بجولك مبروك يا أم ولدي، وأنتي بجي يا نوارة حسابك معاي تجل جوي، أنتي الي چبتيه لنفسك .
2

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ أستيقظت من نومها العميق تتذكر أحداث الأمس،  فظهرت إبتسامة علي محياها سرعان ماتبدلت عندما تذكرت أمر هاتفها الصامت،  أخذت تتلفت باحثة عنه لتراه علي الكمود بجوارها،شهقت بمجرد فتح الشاشة حيث  وجدت خمسين إتصالاً وارداً من والدتها.
_ يا خبر أبيض، ده أنا نسيت أكلمها خالص زمانها زعلت أوي.

قامت بمهاتفتها: 
_ ألو، صباح الخير يا ماما.

_ لسه فاكرة يا هانم أن ليكي أم!، كده يا ندي كده تهربي من البيت خايفة لأمنعك ترجعي لجوزك!.

_ أسمعيني بس ه....

قاطعتها برفض: 
_ لا هاسمعك ولا تسمعيني وأعملي ما بدا لك بس لو جيت لي معيطه تاني هقفل في وشك باب الشقة وتولعو انتي وجوزك في بعض،  مليش دعوة بيكو تاني،  ومن غير سلام.
_ طب أس...

لم تعطها والدتها فرصة فأوصدت الهاتف.
نهضت و زفرت بضيق لاتعلم ماذا عليها أن تفعل فقالت بصوت خافت: 
_أستغفر الله العظيم، مبيجليش من وراك غير المشاكل يا سي أكرم.

ألقت نظرة علي إبنتها في السرير الموازي إليها، فوجدتها مازالت تغط في النوم ،دثرتها جيداً ثم خرجت وهي ترفع خصلاتها لأعلي وتعقدهم علي شكل كعكة،  وصلت لأنفها رائحة طعام آتيه من المطبخ.
سارت إلي هناك للتأكد من مصدر الرائحة، فتفاجأت بوجوده،  يقوم بتقطيع الخضروات من اجل إعداد طبق سلطة، أستدار إليها مبتسماً: 
_ صباح الورد والفل والياسمين.

بادلته بإبتسامة وأومات له قائلة بتثاؤب: 
_ صباح النور.

_ أنا عارف إنك مبتحبيش تفطري بدري، بس أنا عاملك حبة فول بالطماطم وطعمية محشية وسلطة بلدي حكاية ولا تقوليلي التابعي الدمياطي ولا الشبراوي.

تناولت الركوة من الخزانه المعلقة علي الحائط وملأتها بالمياه ثم وضعتها علي إحدي عيون الموقد:
_ معلش، مش هاقدر أفطر دلوقت، حاسة بصداع فظيع عشان نمت كتير، والقولون رجع يتعبني تاني.

تنهد بسأم ثم قال بإهتمام لها  :
_ طيب خلاص عندك جبن وبيض ولانشون، اعملك بيض بالبسطرمة؟.

أومأت له بنفي وقالت بإقتضاب:
_لاء، شكراً.

شعر بالضيق من معاملتها الجافة له منذ الأمس، فأغتاظ بشدة، وأفرغ حنقه في تقطيع بقية الخضروات.
_آه.

تأوه بألم ممسكاً بأصبعيه، ركضت نحوه بفزع ومدت يدها لتمسك بخاصته:
_ أضغط عليهم بسرعة.

أبعد يده وجز علي أسنانه بألم:
_ ده جرح بسيط متقلقيش.
ورمقها بنظرات عتاب، أمسكت بيده لتري الجرح وقالت: 
_ بسيط إزاي!،  ده الدم مش عايز يقف،  أستني هاجيبلك شاش ومطهر وبلاستر بسرعة من جوه.
لم يعقب،  بينما هي جلبت تلك الأشياء وعادت إليه مسرعة، أفرغت القليل من المطهر علي جرحه فأطلق تأوهاً من بين أسنانه،  فقالت له بتحفيز: 
_ معلش يا حبيبي أستحمل،  حل مؤقت بس لحد ما نروح المستشفي.

ماذا تفوهت!، أقالت حبيبي!، أسئلة تعجبية دارت في ذهنه للتو، إذن فعليه إستغلال تلك اللحظة في صالحه، أمسك يدها بحنان ليقربها إلي صدره وقال:
_ الجرح مش خطير لدرجة إننا نروح المستشفي.

ضغطت علي جرحه لمنع ذرف الدماء وقالت:
_ الدكتور لازم يشوفو عشان لو محتاج خياطة.

دفعها برفق نحو حافة الطاولة الرخامية المقابلة له حتي أصبحت هي محاصرة مابينه وبينها، فتفوه بصوت يعزف علي أوتار قلبها الذي ينبض من أجله:
_ و جرحي مش محتاج دكتور.

تحدث بمغزي أدركته، فأنتبهت إنها محاصرة ولا مفر أن تبتعد، كادت تفترق شفتيها لتحذره بالإبتعاد عنها، فلم يعط لها فرصة فأسكتها بقبلة بدأت بهدوء ونعومة حتي تحولت لقبلة عميقة ثم أعمق، يتذوق ثغرات فمها الذي طالما أشتاق لرحيقه في الأيام المنصرمة.

أرتفعت يديه علي زراعيها العاريتين حيث كانت ترتدي منامة ذات كنزة قطنية بدون أكمام وسروال قطني يصل لمنتصف فخذيها، ألتف زراعيه حولها معانقاً إياها بقوة، جعلها لم تشعر بشئ بل كانت تبادله هي أيضاً، يغمرها بحنانه وعشقه المتدفق، هبط بيديه علي خصرها ورفعها لأعلي وأجلسها فوق الطاولة ومازال يلتهم شفتيها، أبتعد بللهاث وقال بشوق جارف:
_وحشاني أوي أوي.

أمسك بساقيها فجعلها تلتف حول خصره وعاد لتقبيلها مرة أخري مردداً:
_ بحبك أوي يا ندي، بموت فيكي.

سيطر عليها سلطان العشق فأستسلمت بين يديه، أبتعدت بوجهها ونظرت له بهيام وشوق مماثل لتهمس أمام شفاه بنبره أثارت كل خلاياه:
_ وأنا بعشقك أوي يا كرملتي.
وأنهالت هي عليه بالعديد من القبلات علي وجنتيه وذقنه وشفاه.

_ أنتو بتعملو أي؟.

صوت صغير جعل كليهما ينتفض من الذعر والخجل، حيث هبطت ندي و وقفت مبتعدة قليلاً.
حك أكرم ذقنه بإحراج وقال:
_ مفيش يا لارا يا حبيبتي، مامي بس كانت...

أراد أختراع كذبة وخشي إنها لاتصدقه لاسيما إنها قد رأتهما في هذا الوضع المخجل أمام طفلة صغيرة، فألقي عتق الإجابة علي زوجته:
_ ماما هتقولك.

و هرب من أمامهما وتركها في مواجهة الصغيرة التي ظلت تنظر لها وكأنها فعلت جريمة شنعاء، أخذت تفكر في كذبة لإقناعها وتبعد أي أفكار سيئة تجول بخاطرها، دنت لمستوي قامتها متصنعة الهدوء وقالت:
_ لارا يا حبيبتي أنا قومت من النوم دماغي وجعاني وكنت بعيط من الوجع، فبابي شافني بعيط، خدني في حضنه وفضل يطبطب عليا عشان أخف.

نظرت إليها لثوان وهي تعيد كلمات والدتها في رأسها، فقالت:
_ أي ده نفس الي حضرتك بتعمليه معايا لما ببقي تعبانه وبعيط، بتاخديني في حضنك وبطبطبي عليا لحد ما أسكت.

أبتسمت لتؤكد عليها:
_ أيوه كده بالظبط، شطوره يا حبيبة مامي، يلا بقي روحي أغسلي وشك وأيديكي وتعالي عشان بابي محضرلنا فطار حلو أوي.

_ حاضر يا مامي.
ركضت إلي المرحاض كما طلبت منها ندي التي زفرت بأريحية وكأنها نجحت في مهمة شاقة، أرتفعت زوايتا شفاها بإبتسامة عذباء عند تذكرها ماحدث منذ قليل.

صوت تنبيه رسالة واردة يصدر من هاتفها في غرفة إبنتها، ذهبت لتري محتوي الرسالة، وما أن فتحتها حتي تجهمت ملامحها وأتسعت عينيها وهي تقرأ كلماتها بداخل عقلها:
(أوعي تفتكري عشان بعدت عنك الأيام الي فاتت يبقي كده نسيتك، أنا سيبتك ترتاحي شوية، فأستعدي بقي عشان خلاص قريب وهنبقي مع بعض زي ما كان لازم يحصل زمان ).

أزدردت لعابها بخوف، ظنت إنه قد سأم ملاحقتها ولاسيما بعد ما حدث لها، لكن ما أدركته الآن إنها علي مشارف حرب طاحنة بين أكرم و علي.
2

_ ندي، يا ندي.
يناديها وينتظرها أمام الغرفة حاملاً صينية الطعام:
_ بتعملي أي عندك، يلا تعالي قبل ما الطعمية ماتبرد.

ولت ظهرها إليه لتوصد هاتفها، وقد نسيت أن تحذف الرسالة من توترها :
_ مبعملش، حاضر روح وأنا جاية وراك.
ذهب فأطلقت زفره بعمق، فتحت إحدي أدراج الكمود وألقت الهاتف بداخله.
+

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ تسللت من منزلهم بدون أن يراها أحد،  وضعت يدها في حقيبتها لتخرج غطاء الوجه الخاص بزوجة شقيقها لترتديه،  ولم تلاحظ زوج من العيون الجاحظة تراقبها من علي بعد أمتار قليلة كما أمره الآخر بأن يكون كظلها في كل مكان تذهب إليه.
ألقت نظرة في شاشة هاتفها تنتظر مكالمة واردة، وإذا برنين هاتفها يعلو فأجابت: 
_ الو يا دكتور يحيي،  أنت فين دلوق؟.

أجاب عليها وهو يقود سيارته: 
_ أنا يعتبر خلاص علي أول الطريق الداخلي للنجع.
باغتته بفزع قائلة: 
_ لا خليك عندك وأني چايه لك وياريت توجف في مكان مفيهوش حد واصل.

زفر بضيق قائلاً:
_ أي الرعب الي أنتي معايشنا في ده.

_ ما أنت خابر الي فيها بجي، ولا مستغني عن روحك إياك.

إبتسم ساخراً:
_ أصدك علي رافع يعني، ولا يقدر يعمل حاجة، أنتو الي أديتوله حجم وقيمة.
1

_ أنت والله ما عرفش حاچة، المهم أني چايه لك أهه، سلام دلوق.

سارت نحو الطريق الرئيسي وأشارت إلي إحدي سيارات الأجرة، فتوقفت سيارة، دلفت بداخلها قائلة:
_ مدخل النچع لو سمحت.

وكان خلفها يقود الدراجة النارية ويمسك بهاتفه:
_ رد بجي يا رافع بيه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ تجلس أمام المرآه تبكي، فهي الآن مرغمة علي الجلوس مع شخص لا تعلم عنه شيئاً سوي إسمه فقط، وبعد تهديد والدتها الجاد والتي أقسمت علي تنفيذه وهو حرمانها من الخروج والذهاب إلي عملها إلا إذا وافقت علي الزواج من هذا العريس الذي سيأتي بعد قليل.

دلفت والدتها لتطمأن إنها قد أصبحت جاهزة لمقابلة العريس الذي لا يوجد مثله و فرصة لم تجدها مرة أخري إذا قوبل بالرفض،  تلك وجهة نظر والدة مروة التي شهقت وضربت بكفها علي صدرها: 
_ يا ليلتك السوده عليكي و علي دماغك، أنتي لسه ملبستيش وعماله تنوحي زي الي ميت لها ميت!.

ردت ودموعها منهمرة علي وجنتيها كشلالات المياه المندفعة بدون توقف: 
_ عايزين مني أي؟، مش قولتلك هتنيل وأقابله عشان ترتاحي!.

أشارت عليها بتعجب ودهشة: 
_ و ده منظر واحدة المفروض هتقابل عريسها بعد شويه!.

نهضت وأشاحت بيديها صارخة بتهكم: 
_ عايزاني يعني أتحزم وأرقص له!، ما أنا لابسه وجاهزة  أهو.

رمقتها والدتها بنظرة نارية: 
_ ماشي يا مروة،  حسابي معاكي بعدين لما الناس تمشي،  إما وريتك مبقاش أنا.

_ في أي يا أمي صوتكو عالي كده ليه؟.
قالها معتصم شقيقها الذي ولج للتو،  فأشارت له نحو شقيقته وقالت: 
_ تعالي شوف الهانم أختك الي عايزه تكسفنا مع الناس،  لابسه لي أسود في أسود وعماله تعيط عشان لما يشوفوها يفتكرو إحنا غصبينها علي الجواز من إبنهم.
نظرت مروة إلي والدتها بإمتعاض، فسألها شقيقها: 
_ أه صح يا مروة أي الي أنتي لبساه ده، أي نعم المرأه لازم تلبس محتشم بس مش لدرجة السواد يعني!، وبعدين مالك مفحومه من العياط ليه وكأننا غاصبينك علي الجواز؟.

حدجت والدتها بسخط ثم نظرت إليه: 
_ غصب!  ، لاسمح الله أبداً.

جزت والدتها علي أسنانها بحنق شديد وقالت: 
_ شوف البت الي هتجبلي جلطة.

ثم ألتفتت إلي إبنها وقالت: 
_ الحلوة أختك كل ما يجيلها حد ترفضه من غير ما تسمع أو تشوف،  والي تعمل كده ميبقاش ليها تفسير غير حاجة واحده،  إنك مواعده واحد ومستنيه لما يحن عليكي ويجي يطلب إيدك ولا الله أعلم مخبيه لنا أي.

أبتلعت ريقها وتوترت ملامحها،  فأومأت بالنفي وبإستنكار قالت: 
_ حد!  ، حد أي؟.

رمقها شقيقها بغضب، فأقترب نحوها عدة خطوات وهو يسألها بنبرة تدل علي ما سيفعله إذا أخبرته ما تظنه والدتها صحيحاً.
_ بت يا مروة، الكلام الي ماما بتقوله ده صح؟،  أوعي تكوني ماشيه مع واحد من الشباب الي آخرهم مكالمات وفسح وخروج وفي الآخر ياخد الي عايزه منها ويرميها!.

بداخلها يرتجف خوفاً، ماذا إذا علم بما حدث معها!  ، لذا قلبت دفة الحديث لتقوم بتشتيته عن الأمر،  فأستجمعت كل قواها وشجاعتها لتصيح به: 
_ جري أي يا شيخ معتصم، الله يرحم موبايلك الي مكنش بيبطل رن مرة ليلي ومرة نانسي وهدير و حنان وغيرهم،  ده غير بنات الجيران الي كنت بتبدلهم زي كوتشيهاتك،  جاي تحاسبني وتقولي أوعي وإياكي.
1

رفع إحدي حاجبيه متحدثاً بزهو وإستنكار: 
_ أولاً ده كان زمان والحمدلله ربنا تاب عليا بعد ما أتجوزت، ومهما عملت أنا في الأول والآخر راجل الناس مش هتتكلم عليا،  لكن أنتي بنت يوم ما تعملي حاجه زي كده من ورانا هقطعلك رقبتك.

أتسعت عينيها من تهديد شقيقها ونفاقه الصريح،  فتشدقت: 
_ تقطع رقبة مين يا شيخ معتصم؟، أنت هتعملهم عليا وفاكرني صدقتك،  ده أنت بس لولا حماك من آخر خناقة هددك لو ملمتش نفسك بنته وأتعدلت هيخليك تطلقها وملكش قشايه في الشقه ده غير المؤخر النص مليون جنيه الي خلاك تكتبه لها غصب عنك بعد ما حفيت وراها ورضي يجوزهالك،  ولوليا أنا الي كنت بروح لمراتك وأهديها من ناحيتك وبعمل عليها فيلم وحوار عشان تصدق كان زمانك مرمي في السجن أو بتشحت في الشوارع،  ده غير عيالك الي هاتحرمك منهم.
3

أستدارت والدته وبملامح شديدة الغضب سألته: 
_ ده الظاهر في حاجات كتير حصلت من ورايا وأنا آخر من يعلم، صح ولا أي يا شيخ معتصم؟.

جز علي شفته بحنق شديد وأشار لشقيقته بتوعد  بدون أن تلاحظ والدتهما،  ألتفت لها ليجيب عليها: 
_ ماتصدقيهاش يا أمي،  هي مروة طول عمرها عشان تطلع نفسها  من مشكله تلبس الي أدامها مصيبه.

وكعادة والدتها قد أقتنعت بما قاله ولدها،  فعادت إلي موجة عاصفة الغضب المستطير: 
_ بصي يابت أدامك خمس دقايق تغيري الأرف الي لبساه ده وتلبسي الطقم الي حطيتهولك علي السرير إلا وأنتي عارفه أنا ممكن أعمل معاكي أي.
ثم أشارت إلي إبنها: 
_ يلا يابني لما نشوف أخرتها معها.

وبمجرد خروج والدتها وشقيقها،  عزمت علي أمر لا محالة للعزوف عنه.
جذبت حقيبة السفر خاصتها من أسفل السرير وقامت بفتح السحاب،  ثم فتحت الخزانه وأخذت كل ماتريده من ثياب ومتعلقات وأوراق خاصة بعملها،  وبعد إنتهائها،  تسحبت علي مهل لتراقب الأجواء لتجد الجميع مشغولاً حتي صغار شقيقها يلهون بداخل الشرفة بالألعاب،  أستغلت تلك الفرصة لتأخذ حقيبتها وبخطي سريعة غادرت المنزل وهاتفت إحدي أصدقاءها لتخبرها بالمجيئ والمكوث لديها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ أغلق صنبور المياه وتناول المنشفة ليجفف جسده المبتل، ثم أتجه إلي المرآه التي تعلو الحوض وأخذ ينظر إلي إنعكاسه.
طرقات علي باب المرحاض قاطعت تأمله، يليها صوتها الذي أصبح ذو نبرة مليئة بالشجن:
_ الخلچات يا سي رافع.
1

فتح لها الباب ليتناول ثيابه فأشاحت وجهها بخجل، ضحك وبتهكم قال:
_ وش كسوف إياك!.

شعرت بسخرية من كلماته فأجابت بدون النظر إليه:
_ من يومي يا واد خالتي وأني بستحي الحمدلله ، الدور والباقي علي الناس التانية الي عينيهم بچحة ويسو الي علي هواهم من غير خشا ولا حياء.

أنتهي من إرتداء ثيابه منصتاً إليها، وشبح إبتسامة يلوح علي وجهه وهو يقول:
_ فعلاً عندك حق.

تعجبت من رده المقتضب، وظنت إنه لم يدرك مغذي حديثها، فهمت بالذهاب من أمامه، أوقفها قابضاً علي عضدها:
_ رايحه علي فين إكده؟.

رفعت وجهها وبإمتعاض أجابت:
_ رايحة أنشر الغسيل، لو رايد تاكل الواكل خُلص بس أستني لما خالتي وعمي يرچعو من العزا وأبجي أتغدو مع بعض.

إزدادت إبتسامته أكثر بعدما علم إنه لا يوجد في المنزل غيرهما فقط، لاحظت ردة فعله التي أخافتها لكنها لن تظهر له ذلك.

_ حلو جوي، يعني مفيش غيرنا أنا وأنتي في الدار؟.
سألها وعيناه تحدجها بتوعد غادر، أجابته والقلق يساورها:
_ أيوه، في حاچة؟.

إزدادت قبضته قوة مما جعلها تأوهت بألم، جذبها خلفه قائلاً:
_ ده في حاچات يا روح خالتك.

صرخت بألم وتحاول الفرار من قبضته:
_ آه دراعي يا سي رافع، همله أبوس يدك، هينكسر .

ألقاها بقليل من العنف علي الكرسي داخل غرفتهما ثم جذبها من خلف رأسها وكأنه يقتلع خصلاتها في قبضته، وبصياح هادر:
_ ده أني هكسرو وها كسر  رچليكي الأتنين لو خطيتي دار عمتي تاني يا فاچره.

أنفجرت باكية وهي تقول:
_ كنت رايدني أخدك بالأحضان وأنت عتجولي هاتتچوز عليا!، أي واحدة لو مكاني كانت سوت أكتر من إكده.

زاد من قبضته أكثر فأطلقت صرخة بنحيب وعويل،  أعتدل وجعلها تقف أمامه ليصبح وجهها مقابل وجهه وبملامح قاسية متجبرة قال: 
_ قسماً بالله لولا الي في بطنك لكنت ماخليت حته في چتتك سليمة، ويا ويلك لو كررتيها مرة تانية لايهمني وجتها إنك حبلي، فاهمة ولا لاء.

هدر بصوته المجفل وهو يهز رأسها بعنف ومازال قابضاً علي خصلاتها:
_ ماتردي.

صرخت باكية بخنوع وإستسلام:
_ فاهمة، فاهمة.

تركها بإشمئزاز وأتجه نحو المشجب ليأخذ عباءته وجلبابه ليرتديهما، وبأمر صارم قال لها:
_ جومي غيري خلچاتك، هانروح لعمتي لأچل تعتذري ليها هي وبتها.

وبرغم ما تشعر به من آلام نفسية وجسدية لكنها لم تتحمل أكثر من ذلك فصرخت به بكل تمرد:
_ وأني ماريحاش عند حد ولا هاعتذر كمان.

زجرها بنظرة آتيه من قعر الجحيم، وبصوت دب الرعب في أوصالها:
_ عتعصي أوامري يا بت ال......

وكاد ينقض عليها كالوحش الضاري، فجاء رنين هاتفه لينقذها من الهلاك بين يديه، أمسك بهاتفه ليري إسم المتصل إحدي رجاله المكلفين بمراقبة محبوبته، نسي أمر معاقبة زوجته تماماً و غادر الغرفة ليجيب:
_ عايز أي يا زفت الطين؟.

أجاب الآخر:
_ ألحق يا رافع بيه الست فاطمة خرچت من دارهم وجعدت تتلفت وبعدين طلعت حاچة من شنطتها أتاريه نقاب ولبسته وأتحدت في المحمول وبعدها طلعت علي الطريج وركبت تاكسي...

قاطعه بحنق وملل:
_ ماتخُلص يا زفت وجصر في الحديت، أدليت علي فين؟.

أجاب وهو يلتقط أنفاسه:
_ أصبر يابيه ما أني چايلك في الحديت أهو، روحت ماشي ورا التاكسي بالموتسيكل لحد ما نزلت في حته مفيهاش صريخ إبن يومين وفچاءه ظهرت عربية أتاريه الدكتور الي أسمه يحيي ركبت وياه ومشي علي طريج المركز لحد ما وجف قدام النادي الي علي البحر.

أستشاط غضباً حيث سبرت أغواره كفوران التنور:
_ خليك حداك وما تتحركش لحد ما أچي لك.

أغلق المكالمة و زفر باللهيب مستعر، و ظُلمة عينيه كظلام ليلة معتمة.
_حذرتك كتير ولا همك، ما تلومينيش بجي علي الي هاسويه وياكي يا فاطمة.

لم ينتبه إلي التي كانت تسترق السمع ، ركضت إلي غرفة أخري وأوصدت الباب خلفها، لتطلق لعبراتها العنان، تبكي بحرقة وبقلب ٍملتاع من القهر والألم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1
_ ترجلت من سيارة الأجرة أمام الشركة،  أرتدت نظارتها الشمسية لتواري إنتفاخ جفنيها وإحمرار عينيها من الأرق والنوم الذي يجافيها منذ ليالي.

عبرت البوابة ثم وضعت إبهامها علي الجهاز الألكتروني لتسجيل مواعيد حضور وإنصراف الموظفين،  وما أن أنتهت أنتبهت إلي نداء تلك الفتاه التي تركض نحوها:
_ مروة، أي يابنتي مابترديش علي تليفونك ليه؟،  مستر علي قالب الدنيا علي الفايل بتاع مشروع جولدن سيتي الي أنتي شغاله عليه،  مش سيڤتيه وبعتيه له علي الإيميل ليه؟.

وبدون أن تجيب علي أسألتها أخرجت من حقيبتها ملف ورقي و دفعته في يد الأخري،  فأمسكته ونظرت في محتواه بصدمة:
_ أنتي لسه مخلصتهوش!، يا نهار مش فايت،  ده المفروض هيقدمه كمان نص ساعة لمندوب الشركة الفرنسية.

تحدثت بنبرة جافة بدون أي مشاعر: 
_ ما يهمنيش وماليش فيه، وبعدين أنا جاية النهاردة عشان أقدم إستقالتي.

غرت الأخري فاهها بعد أن تفوهت بتعجب: 
_ إستقالتك!.

تركتها مروة وذهبت إلي غرفة مكتبها لتأخذ كل ما يخصها من متعلقات، قامت بجمعهم داخل صندوق صغير.

_ مروة،  مستر علي عايزك في مكتبه بسرعة.
قالتها إحدي زميلاتها بعد أن دلفت وهي تلتقط أنفاسها.
زفرت بتأفف، فهي تبغض رؤيته بشدة،  لكن ماذا بيديها أن تفعل،  يجب أن تذهب إليه لتعطيه الملف وإستمارة إقالتها.
1

حملت الملف علي ساعدها وذهبت إليه، كادت تفتح الباب فأوقفتها السكرتيرة بتعجرف قائلة: 
_ أستني هنا لما أدخل أبلغ مستر علي.

رفعت مروة إحدي حاجبيها وتفوهت ساخرة: 
_ ده علي أساس إنه مش قالب عليا الشركة وباعت لي عشان عايزني!.

ردت الأخري بهدوء إستفزازي: 
_ والله دي تعليمات مستر علي وأنا بنفذها.
قالتها ثم دلفت وأردفت: 
_ عن أذنك.
دفعت الباب بقوة خلفها،  مما أثار حنقها وأخذت تسُب وتلعن تلك الحمقاء وأيضاً مَن يلقنها الأوامر.

خرجت بعد دقيقة تشير إليها للدخول: 
_ أدخلي.

تمتمت بصوت خافت:
_ دخل عليكي عزرائيل وخد روحك يا بعيدة.

دلفت إلي الداخل فوجدته جالساً خلف مكتبه ويعمل علي حاسوبه الخاص مرتدياً نظارة،  ظلت تنظر له وبداخلها يصرخ بكلمات لوم وعتاب، تتذكر كل لحظة قد جمعتهما سوياً في الحزن والسعادة في الفرح والبكاء، كانت لاتريد سواه حتي كُشف لها عن وجهه القبيح. أفاقت من شرودها علي قوله لها بدون أن يرفع عينيه: 
_ واقفة ليه عندك؟.

جلست وفي عينيها ألف سؤال، يديها ترتجف من هذا الصقيع الذي داهمها للتو، حيث تذكرت ذلك اليوم عندما كانت في منزله.
تشعر بكل همسة كان يلقي بها علي سمعها وبكل لمسه أغدق بها علي أنحاء جسدها، لينتهي الأمر بكارثة عليها تحمل نتائجها بمفردها كما أخبرها بكل أنانيه ودونيه.
2

تحمحمت حتي تتحدث بنبرة واهنة يبدو منها ضعفها:
_ أنا جيت النهاردة عشان أقدم إستقالتي.
وضعت الإستمارة فوق المكتب، ظل صامتاً ولم يبادلها قولاً سوي بعد دقائق، أغلق حاسوبه وخلع عويناته وألقاها أمامه علي المكتب غير مكترث، فأشار إليها نحو أذنه قائلاً بتهكم:
_ قولتي أي بقي من شوية؟.

تنهدت وأعتدلت في جلستها لتجيب بكبرياء محطم:
_ زي ما سمعت.

رفع زواية فمه بإبتسامة سخرية فسألها:
_ و ده من أي لا مؤاخذه؟.

رمقته بإزدراء فأجابت:
_ مزاجي كده.

تعالت ضحكاته التي تعجبت منها، وقال من بينها:
_ مزاجكك كده!، بقالي زمان مضحكتش والله، مش عارف أشكرك ولا أعملك أي.

أنتفخت أوداجها فأطلقت زفرة نارية من أعماقها:
_ ممكن تمضيلي علي الورقة عشان أخلص، وأتفضل الفايل أهو،  أبقي خلي حد يشتغل عليه.

ألتقطه من يدها ومازال يضحك حتي دمعت عيناه، وما أن فتح الملف ليري ماذا تقصد، فتوقف عن الضحك وتبدلت ملامحه تماماً علي النقيض.
ألقي بالملف فوق المكتب وبصياح قال:
_ نعم يا روح مامتك.

وقفت وأشارت له بتحذير:
_ لو سمحت ما أسمحلكش تكلمني بالأسلوب القذر ده، أنا مش واحدة من الأشكال إياهم  الي تعرفهم ولا زي ندي.

وبمجرد ذكر إسمها كأنها أضرمت النيران بداخله، في خلال ثوان نهض وكان أمامها قابضاً علي رسغها، فهدر من بين أسنانه:
_ إسمها ميجيش علي لسانك تاني يا و......

جذبت رسغها وأبتعدت لتتمكن من رد إهانته لها:
_ الو...... الي يجري ورا واحدة متجوزة ومخلفه قال أي عايز تنتقم منها، وأنت بمجرد تقف أدامها بتبقي زي العيل أبو رياله، ده أنت ناقص تبوس جذمتها عشان تخليها تطلق وترجعلك.
2

في خطوة واحدة أنقض عليها جاذباً وشاحها وبسبب قوته الجسدية التي تفوق جسدها أختل توازنها فوقعت لتصبح أسفل قدميه، أنحني نحوها قابضاً علي تلابيب كنزتها:
_ أنا و..... يا زباله يا بنت ال......، ده أنتي جيت لي الفيلا عشان يحصل الي حصل مابينا وتحطيني أدام الأمر الواقع عشان نتجوز.

وبكل ما أوتيت من قوة نهضت وركلته ما بين ساقيه:
_ أهو أنت الي...... وإبن ستين......

وقع علي أقرب كرسي له وأخذ يتلوي من الألم، يضم يديه لدي موضع الضربة، يتوعد لها ويسُبها.
وبخطي سريعة أخذت طلب إقالتها والملف الورقي و وقفت أمامه بتحدي:
_ الإستقاله مش عايزاها هاروح للفرع الرئيسي وهطلب نقلي في أي فرع تاني بعيد عن وشك.
قامت بتمزيق الورقة إلي فتات وألقتها نحوه، رفعت الملف لتمزقه إلي نصفين:
_ وبالنسبة لفايل المشروع أهو، وأبقي  إعتذر للمندوب بتاع الشركة الفرنسية و هات حد يشتغلك عليه من الأول.
2

أخذت حقيبة يدها وعلي وشك المغادرة وهو مازال في مكانه غير قادر علي النهوض وعلامات الألم والإمتعاض علي وجهه.

_ والله يا علي يا حسيني لو شتمتني أو مديت إيدك عليا تاني لهعملك عاهة مستديمه،  كفايه عليك الضربه الي خدتها وهتخليك لا تنفع ندي أو غيرها،  أتفو.
9

بصقت نحوه وذهبت علي الفور.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ أستيقظ هذا الصغير لتوه، فنهض بجزعه وهو يحك عينيه، لفت إنتباهه ظل أسود علي الحائط رغماً من تسلل أشعة الشمس من خلال فتحات النافذة الخشبية إلي داخل الغرفة، تمعن النظر جيداً يحسب إنه ظل خزانة الثياب، لكن مهلاً الظل يتشكل علي هيئة إمرأة، حك عينيه مرة أخري وقلبه يخفق وجلاً مما يراه.
أغمض عينيه ويتمتم ببعض الآيات وأدعية التحصين ثم فتحهما ليجد الظل أصبح طيفاً ويقترب منه فأطلق صرخة:
_ ألحقوني.
2

خرجت قمر من المطبخ راكضة إليه، كما أستيقظ بكر من غفوته بفزع حيث كان نائماً في الغرفة المجاورة.
جذبت الصغير بين زراعيها وأخذت تربت عليه لتهدأته:
_ أهدي يا عمر ياحبيبي، هتلاجيك كنت بتحلم بكابوس.

أبتعد برأسه عن صدرها،  وأومأ بنفي: 
_ لع يا قمر مكنش كابوس،  أني لساتي صاحي دلوق ويا دوب بفتح عيني لاجيت ضل أسود علي الحيطه الي هناك دي.

أشار إلي الحائط فألتفتت لتنظر إليها هي وبكر الذي قال:
_ يمكن ده ضل الدولاب وأنت تخيلته حاچه تانيه.

هز رأسه برفض وبإصرار وخوف قال:
_ لاء يا عم بكر، والله ما ضل واصل، ده حاچه شبه واحده ست وفچاءة بجت زي الطيف.

رمقت قمر بكر بنظرة تخبره بها إن الصغير علي حق، فكما أخبرته من قبل ذلك إنها رأت مثل هذا الطيف سابقاً ولم يصدقها وأخذ يسخر منها بمزاح.

ربت بكر علي رأس الصغير قائلاً:
_ عمر حبيبي الي أعرفه راچل ما يخافش من حاچة واصل، وبعدين مش أني معلمك لو حسيت بحاچة كيف إكده تقرأ آية الكرسي والأدعية؟.

نظر إليه بكل براءه و قال:
_ والله جولت لكن أول ما صرخت الطيف أختفي.

لاحظ بكر الخوف المنبلج في فيروزتيها وتحاول أن لا تظهره، وكذلك أيضاً الرعب البادي علي ملامح الصغير، فأراد أن يغير من تلك الأجواء، لذا أخبرهما:
_ سيبكو من السيرة دي ومتخافوش، ربنا هو الحافظ، وأنت ياعمر جوم خدلك دش وچهز حالك وأنتي كمان يا قمر لأچل هاخدكو فسحة زينة جوي.

أتسعت إبتسامة الصغير وقال بسعادة غمرت ملامحه التي كانت فزعه منذ قليل:
_ بچد ياعم بكر؟.

أومأ له بكر:
_ اه بچد يا حبيب عمو.

قفز الصغير من فوق الفراش وعانقه بقوة، وفجاءة صاحت قمر:
_ يا مُري صينية البطاطس زمانها أتحرجت.

ركضت إلي المطبخ وفتحت فرن الموقد وأخرجتها لتجدها بالفعل قد أحترقت.
_ يا خيبتك القويه يا قمر يالي كل يومين تحرجي الواكل، زمان بكر هيجول عليا ست بيت فاشلة.

_ جصدك ست بيت زي القمر، إسم علي مسمي، صدج الي سماكي قمر.
قالها بكر بعدما دلف للتو، فأستدارت إليه ويبدو عليها الحزن قليلاً:
_ قمرك حرجتلك الواكل وشكلنا هنجضيها چبنة وبطيخ كيف إمبارح.

ضحك وأقترب منها وأمسك يدها، فطبع قبلة حانيه في كفها الوردي:
_ أني لو كلت عيش حاف بس وأنتي معاي ده عندي الدنيا ومافيها يا جلب بكر.
2

توردت وجنتيها كالعادة من الخجل، فقالت:
_ ربنا مايحرمني منك واصل يا سي بكر.

حاوطها بين زراعيه مستنداً علي الحائط وبنبرة عاشقة تجعلها غارقة في بحور عشقه:
_ يا سي أي؟.

تعالت أنفاسها وصدرها يعلو ويهبط بتوتر بالغ من الخجل الذي يختلجها للتو ، فقالت بصوت يكاد يسمعه بصعوبه من فرط خجلها:
_ ياسي بكر.
يقترب بشفتيه نحو وجنتها الوردية:
_ أني إكده ربنا راضي عني.

همست وهي تتحاشي النظر في عينيه بصعوبة:
_ إشمعنا؟.

أجاب وأنفاسه تضرب وجنتها بسخونه قشعرت بدنها:
_ عشان ربنا رزقني بيكي، أنتي چنتي الي في الدنيا وبإذن الله هتكوني حوريتي في الآخره.
وكاد يُقبل وجنتها.
_ أني چاهز يا عم بكر.
قاطعه الصغير الذي أحس إنه قد جاء في وقت غير مناسب، فتراجع إلي الوراء مبتسماً ويغمز بإحدي عينيه إلي بكر الذي أخذ يضحك من مايفعله هذا الصغير.
1

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ علي ضفاف النيل وصوت وردة الجزائرية ونسمات الهواء العليل،  يضع النادل أمام كل منهما كأس العصير،  شردت في الكأس لاتعلم ماتفعله هذا صواب أم مجاذفه و ربما هناك من سيدفع الثمن!.
_ سرحانة في أي؟.

تفوه بها الطبيب يحيي فأنتبهت إليه وأجابت: 
_ ها؟،  مافيش.

تنهد وعاد بظهره إلي الوراء: 
_ بصي يا فاطمة الي أنتي قولتيه من شويه ده أسمه ضعف وخوف وجُبن،  وأنا عمري ماكنت ضعيف ولا جبان، أنا هادخل بيتكو ومعايا أهلي زي ما أي واحد بيجي يطلب إيد أي واحده، لكن جو أقابل والدك بره وأطلبك للجواز منه ده مليش فيه، أنا مش عامل عمله ولا عليا تار.

أطبقت شفاها بحيره ثم قالت: 
_ وأني خايفه عليك ليچرالك بسببي حاچة لاقدر الله.

أنحني للأمام و رمقها بقوة وإصرار : 
_ يبقي يوريني هيعمل أي.

_ هعمل فيك كيف ما بيعملو في ضحية العيد.
قالها رافع الذي وصل للتو واقفاً خلفها،  فأنتفضت من فوق الكرسي لتلتفت إليه بذعر، بينما الآخر وقف يحدجه بتحدي،  وقال له بسخريه:
_ أهلاً يا رافع بيه،  ياتري جاي تقعد معانا ولا جاي تقابل حد!.

دك عصاه في الأرض كإشارة تحذيرية إليه، ليس في مقدرته أن يرتكب أي حماقة في هذا المكان المليئ بأفراد الأمن التابعين للشرطة.
أشتد ظلام عينيه الدامس،  ومد يده فتراجعت فاطمة خوفاً مما جعله ينظر إليها بشبه إبتسامة لم تصل إلي سوداويتيه الحالكة، جذب الكرسي المجاور لها وجلس بشموخ ممسكاً بعصاه بكلتا يديه، فقال بتهكم ونظرات خلفها براكين ثائره يندلع من فوهتها حمم لو أطلقها علي القابع أمامه ليرديه قتيلاً لا محالة: 
_ تشرب أي يا دكتور ساجع ولا جهوة سادة؟.

أدرك يحيي ما وراء سؤاله،  فأراد أن يشعل ما بداخله ويجيب علي سؤاله الخفي: 
_ عيب عليك يا رافع بيه،  المشاريب دي عليا وبالمناسبه الحلوة دي هطلب لينا حاجة ساقعة.

كانت تراقب الأجواء عن كثب وقلبها يخفق بشدة، تريد الفرار أو حدوث معجزة ما تنتشلها من هذا المأزق،  أبتلعت لعابها وقالت: 
_ طيب عن أذنكو عقبال ما تطلبو المشاريب.

و كادت تنهض لكن يده التي قبضت علي فخذها من أسفل الطاولة منعتها من النهوض،  شهقت وأتسعت عينيها من فعلته، وبدون أن تلفت إنتباه يحيي حاولت أن تبعد يد الآخر، فباءت محاولتها بالفشل،  بل مال عليها وهمس حيث لايسمعه ثالثهما: 
_ أترزعي مكانك إلا وقسماً بالله لايهمني لا أمن وحكومة وهطلع السلاح الي معاي وأفرغه طلجاته كلاتهم في دماغ البقف الي قدامك.

أزدردت ريقها مرة أخري فأومأت له بإذعان وهمست إليه بتوسل: 
_ طيب ممكن تشيل يدك.

و في تلك اللحظة رآت في عينيه لمعة غريبة تصاحبها إبتسامة لم تستدل علي سببٍ لها.

_ آه.
تأوهت بعد أن قام رافع بقرصها  ثم نظرت إلي يحيي الذي شك في أمر مايحدث،  فأبتسمت بتصنع وقالت: 
_ چيت أجوم رچلي أتخبطت في الكرسي.
1

نهض يحيي غير مكترث لتلك القنبلة الموقوتة بجواره فقال لها: 
_ تعالي أوصلك.

هزت رأسها بنفي وهي تنظر إلي رافع تارة ثم إليه تارة أخري:
_ لاء ما خلاص مفيش داعي،  جصدي شكراً كلها دجايج و هاروح.
أتكأت علي حروف كلمتها الأخيره لكي يفهما إنها لاتريد إحدهما أن يذهب معها عند العودة إلي منزلها.

أشار يحيي إلي النادل وطلب لهما الثلاثة مياه غازية،  وبعد دقائق بعدد أنامل اليد الواحدة،  وضع النادل أمام كل منهم كأس شاغرة وبجوارها المشروب في إناءه المعدني المغلق.

بدأ رافع بتفريغ مشروبه في كأسه و برغم حديثه الموجه إلي يحيي لكن عينيه لاتحيد عن فاطمته التي تهز ساقها من التوتر وتقضم أظافرها.
_  مجولتليش يا دكتور هنفرحو بيك ميتي؟.

عقد يحيي ساعديه أمام صدره العريض وعاد بظهره إلي الخلف مستنداً علي ظهر الكرسي،  أرتسمت علي شفاه إبتسامة يعلم أن هذا الرافع لايمر الأمر بسلام ويريد إشعال معركة ضارية في الحال.
كان علي وشك أن يجيب عليه وكأنه يخبر صديقه وليس غريمه، لكنها رمقته بتوسل حتي لا يقول له إنه سيتقدم لخطبتها.
بينما يحيي أزداد إصرار وشجاعة،  فقرر مواجهة هذا الوغد الجالس أمامه، و كان رافع يحتسي من كأسه منتظراً إجابته: 
_ إن شاء الله قريب أوي.
صمت ليفكر في تكملة إجابته لكن عبراتها التي تجمعت في عينيها للتو أوقفته، فسأله رافع مرة أخري عن قصد: 
_ ومين ربة الصون والعفاف الي هاتتچوزها؟.
رفع الكأس إلي فمه ليرتشف القليل،  فأجاب عليه الآخر بإقتضاب: 
_الآنسة  فاطمة.

دب الرعب في أوصالها،  فهي تقسم بداخلها إنها تسمع الآن صوت أنفاسه التي تشبه صوت غليان الماء والأبخرة المتصاعدة تخرج من أذنيه.
عم الصمت بينهم جميعاً حيث ينتظر يحيي ردة فعل الآخر الذي ظل في هدوء زائف،  وفاطمة المترقبة لأي كارثة علي وشك الحدوث.
وإذا برافع يملأ كأسه مرة أخري و رفعه إلي شفاه ، وإذ فجاءو يقذف محتواه في وجه الآخر الذي لم يتقبل تلك الإهانة،  جذبه من تلابيب جلبابه وصاح به: 
_ أنت متخلف و.....

قبض علي يده وزمجر من بين أسنانه: 
_ شيل يدك لأجطعهالك يا دكتور البهايم،  أحمد ربنا إنها چت علي رشك بالساجع، خابر لو كنا في النچع دلوق لكنت خليت الست الوالدة بتقرأ الفاتحة علي روحك.

_ مش هحاسبك علي كلامك الي بيدل علي مدي جهلك وغباءك، بس أحب أعرفك أنا مبتهددش ولا بخاف من حد، و فاطمة هتكون ليا.

صاح بها يحيي ليري في عينيه القاتمتين تتراقص شياطينه الآتيه من جحيم أعماقه،  فهو لم يكن يكذب بل سينفذ تهديده الصريح إذا لم يكف عن اللحاق بمعشوقته.
مد الآخر يده إلي طيات جلبابه عند صدره وكاد يخرج سلاحه.
نهضت فاطمة وصرخت فيهما: 
_ وجف منك له وكفايه بجي لحد إكده،  أني خلاص ولا هاتچوز ولا بفكر في الچواز من الأساس،  والبركه فيكو والحمدلله،  واحد فاكر حاله خُط الصعيد يهدد ويجتل ولايهمه والتاني الي واخد حبوب الشچاعة و رايد ينجتل،  ربنا ياخدني ويريحني من وچع الدماغ دي.
1

أخذت حقيبتها من فوق الطاولة لتغادر، أمسك رافع برسغها وقال:
_ أستني أنا چا.....
قاطعته بسأم وبكاء جعله يريد قتل هذا اليحيي الواقف في صدمة لا يعلم بماذا سيتفوه:
_ معوزاش حد يچي معاي إلا وربي وما أعبد لأرمي حالي في النيل.

قالتها و ركضت تاركة كليهما،  والدموع أغرقت عينيها فكانت تركض حتي وصلت إلي خارج النادي،  سارت بجوار السياج تنعي حظها العثر، وقفت لتلتقط أنفاسها وتمسح عبراتها التي أغرقت وجنتيها، فأمتدت يد أخري بمحرمة لكنها ليست لتجفيف دموعها المنهمرة بل كانت لفقدان صاحبتها وعيها علي الفور، وقام هذا الشخص الملثم بحملها إلي داخل السيارة وأنطلق بها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ يمسك بقطع الثياب ويضعها بداخل كيس بلاستيكي وأعطاه لتلك السيدة فأخرجت من جذلانها النقود لتعطيها له،  أخذها وقام بتقبيل ورقات المال وبصوت منخفض قال: 
_ الحمد والشكر ليك يارب.
1

وقف جواره جنيدي ليقول بسأم جلي: 
_ واجفين من طلعة النهار و الشمس دلوق جربت تغرب ومبيعناش حاچة غير البيعة دي.

رد فارس بعد أن أرتشف قليل من الشاي: 
_ جول الحمدلله أحسن مامفيش.

زفر الآخر بتأفف: 
_ الحمدلله،  بس أني خلاص زهجت من وجفة الشارع الي مابجتش تچيب همها، عايزين نشوفو لنا حاچة أحسن وفلوسها أكتر.

رفع جانب فمه بسخرية وهو يرتب الثياب التي بعثرها الزبائن من معاينتها: 
_ حاچة تانية كيف المهندس ولا محاسب،  ويا تري هتعطيهم بطاجتك بأنهي إسم ليك!  ، أحمد ربنا ده لو كنا حدانا في النچع كنا زمانا هربانين في الچبل ويا المطاريد.

أخذ من يده الكوب وتجرع ماتبقي من الشاي علي دفعة واحدة وقال: 
_ صوح نسيت أجولك،  عم عربي أتصل عليا وبيجولي خد بالك أنت وصاحبك الحكومة عماله تدور علي المساچين الي هربو بعد الحادثة إياها.
شعر بإنقباضة في صدره عندما تذكر مصيبته، فبإمكانه أن يذهب الآن إلي أقرب مخفر للشرطة ويسلم نفسه لكن هذا الحل لن يجلب إليه حقه أو يظهر براءته، بينما وهو طليق و لو كانت حريته زائفة.
أنتشله من بؤرة أفكاره صوت عامل المقهي: 
_ قاسم،  الحاج نعمان عايزك ضروري.

عاد إلي واقعه وأنتبه لما قاله الآخر،  عقد ما بين حاجبيه متضايقاً، فقال برفض: 
_ قولو مش فاضي.

أقترب منه الآخر وقال: 
_ أنا عارف إنك زعلان منه لما عرض عليك فلوس.

رمقه فارس متعجباً: 
_ عرفت كيف؟.

حك ذقنه وأجاب: 
_ بصراحة سمعت الحاج وبنته الآنسه شهد وهما بيتكلمو عنك، ده طلع مبسوط منك أوي، وعايز يشغلك معاه في المحل.

تدخل جنيدي قائلاً:
_ أنت متأكد ياض ياهيما.
1

أومأ له وأجاب:
_ والله زي ما بقولكو كده، ده يابخت الي يشتغل معاه، كفايه هاتقعد مع القمر الي عنده.

عض جنيدي علي شفته السفلي وقال:
_ جصدك علي حتة الملبن بنته!.

ضحك هيما وقال :
_ دي لو سمعتك هاتعمل منك أنت الي ملبن، محدش يقدر يجي جمبها ولايقرب منها، بنت بميت راجل.

جز علي شفته السفلي مرة أخري معقباً:
_ بس فرسه، ولا أي يا عم قاسم؟.

رمقه بضيق وقال:
_ مليش أني في حديتكو الماسخ ده.

رد الآخر:
_ طب خلينا في حديتنا الماسخ وروح أنت شوف الراچل رايدك في أي، يا عالم فعلاً هيشغلك وياه علي الأجل واحد فينا يرتاح من وجفة الشارع وقرفه.

كانت تقف خلف الزجاج تراقبه كالعادة وعندما رأته يقترب من المحل، أبتعدت وقلبها ينبض بقوة، رمقها والدها بنظرة تحذيرية وأشار إليها:
_ أدخلي المخزن وراجعي البضاعة الجديدة.
جزت علي أسنانها بحنق، تريد البقاء لتراه عن قرب لكن والدها يعلم مايدور في رأسها، زفرت بضيق و ولجت إلي المخزن.
و في ذات اللحظة دلف فارس وألقي التحية:
_ السلام عليكم يا حاچ نعمان.

رد الآخر علي تحيته وأشار له ليجلس:
_ تعالي اتفضل أقعد يا قاسم يابني.

جلس وبملامح متحفزه تحدث:
_ خير يا حاج.

أمسك سبحته بكلتا يديه متنهداً،فقال:
_ بص يا قاسم، أنا راجل دوغري ولا ليا في اللف ولا الدوران، يمكن تصرفي معاك المرة الي فاتت زعلك مني وخدتها علي محمل الإهانة.

_ بس يا....

قاطعه مُردفاً:
_ عارف هتقول أي، عشان كده بعتلك لحاجتين الأولي أعتذرلك علي أي سوء تفاهم والتانية أنا بعرض عليك تشتغل هنا في المحل.

تأكد فارس من حديث عامل المقهي، لكنه تذكر أمر هام يخشي من الآخر أن يطلبه منه، وإذا بنعمان قائلاً:
_ متقلقش هديك مرتب أحسن من الي بتكسبه من وقفتك في الشارع والبهدلة الي بتشوفها من الزباين والبلدية.

تقف خلف باب المخزن الذي تركته مفتوح قليلاً لتسترق السمع، تدعو الله بأن يوافق علي مطلب والدها.
وبالعودة إلي الحاج نعمان وفارس الذي فكر في الأمر ملياً وجده صعباً للغاية، كيف سيخبره إذا سأله عن أمر هويته وماذا سيفعل إذا علم بحقيقته!.
رد وبداخله يقع في حيرة من أمره:
_ الحكاية يا حاج إني ما ضامنش ظروفي عاد.

لم يعطه فرصة للرفض فقال: 
_ أطمن يوم ماتحب تاخد أجازة وعايز تسافر في أي وقت لبلدك مش هامنعك بس تبقي بلغني من قبلها عشان أبقي عامل حسابي،  و صح بالنسبة لورقك وبطاقتك الي أتسرقو منك أنا هاتصرف وهطلعلك بديل ليهم، مش عايزك تقلق من أي حاجة.

رمقه فارس في صمت، لايعلم سر تلك الهالة المحيطة بهذا الرجل، ربما لأنه يشبه والده كثيراً في طباعه وأخلاقه الكريمة، تمني لو تقابل معه في ظروف أخري أفضل من ماهو عليه الآن.

_ ها قولت أي يا قاسم؟.
سأله نعمان وهو يرمقه واثقاً بعدم رفضه للعمل لديه، فأومأ له فارس بالإيجاب:
_ إن شاءالله يا حاج.

تنهدت من أعماقها وأخيراً، تحققت أول خطوة لتصبح معه حتي لو كان في مجال العمل فقط، فعقلها لم يكف عن التفكير به وقلبها يخفق بقوة كلما رأته عينيها التي تشبه عيون المها الشاردة.

مد نعمان يده إليه مصافحاً إياه:
_مبارك عليك شغلك الجديد.

حدجه بإبتسامة طفيفة:
_ الله يبارك فيك يا حاج.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ عايزة حاچة يا خالتي؟.
قالتها نوارة إلي خالتها التي تشاهد مسلسلها الهندي المفضل لديها، فأمسكت بجهاز التحكم الخاص بالتلفاز وأخفضت الصوت قليلاً: 
_ رايحة فين يابتي دلوق؟.

حاولت التماسك وألا تظهر لها حزنها من أفعال إبنها حيالها: 
_ رايحة أشجر علي أمي وأطمن عليها.

_ ماشي بس أوعاك تتأخري ما ناجصينش وچع دماغ من چوزك،  وأبجي سلميلي عليها وجوليلها الوليه أم إسماعيل عتجولك أبعتيلها فلوس الچمعية.

أجابت وهي تهندم من وشاحها وتمسك بمحفظة نقودها وهمت بالذهاب: 
_ حاضر يا خالة،  متجلجيش،  سلام.

و بعد ما خرجت أخذت تبكي رغماً عنها،  فهي بحاجة ماسة إلي حضن والدتها،  تريد أن ترتمي بين زراعيها وتطلق لعبراتها العنان كما كانت تفعل وهي طفلة،  تحتاج إلي تربيت والدتها الحاني وكلماتها التي تهدأ من روعها وتجعل نفسها تستكين،  برغم من موقفها نحوها منذ الأحداث الأخيرة وشعورها بالخذلان نحوها حينما وقفت في صف من يظلمها ويقهر قلبها.

كادت تصدم في إحدهن،  فقالت تلك السيدة: 
_ ما تحاسبي يا....
صمتت لتتحقق من ملامحها فصاحت بفرح وسعادة: 
_ أنتي نوارة بنت خالتي سعاد؟.

جففت عبراتها ليمكنها رؤية من هذه السيدة،  فتذكرتها: 
_ أنتي ماچدة بنت الحاچ مرسي الله يرحمه چارنا؟.

أومأت لها وبحبور وترحاب،  فتحت زراعيها إليها: 
_ أيوه أني،  يا مرحب بالغالية بت الغالين.

عانقتها بقوة وربتت عليها كعادة النسوة عند السلام والترحاب،  فقالت نوارة: 
_ تسلميلي يا حبيبتي،  أنتي رچعتي من أسوان ميتي؟.

جذبتها من يدها علي جانب الطريق وأجابت: 
_ لساتني واصلة العصاري إكده، چيت لأچل خايت چوزي يا عيني لساتها محبلتش بجالها أكتر من تلات سنين وحماتها الله يحرجها عماله تسمم بدنها بحديت كيف الحنظل وأخرة المتمه هددتها لو محبلتش في خلال شهرين هاتچوز إبنها لبت خايتها،  شوف الوليه الجرشانه،  اللهي چوزها يچيب لها ضرة وتكون صبيه وزينة جوي ويجعدها حداهم في الدار لأچل تنجهر وتحس بالي بتسويه في البت الغلبانه.

أستمعت بحزن وآسي إلي قصة غيرها، فتمتمت بمثل شعبي شهير: 
_ فعلاً صدج المثل الي عيجول الي بيشوف بلاوي الناس تهون علي بلوته،  ربنا يهدي لها حماتها.

ردت الأخري علي ذات الوتيرة: 
_ جصدك يحمد ربه علي النعمة الي هو فيها مهما كان عنده من إبتلاءات،  إلا جوليلي يا نوارة كيفك وكيف چوزك وياكي؟.

لاتعلم حقاً ماهي الإجابة،  هل تخبرها إنها تزوجت من رجل  وغد ذو قلب أقسي من الصخر!، أم تخبرها بزوجها الذي يعانقها وفي مخيلته أخري غيرها!، وبدلاً من ذا وذاك يأتي بكل جرأه وحماقة يقول لها إنه سيتزوج!.

_ نوارة،  نوارة،  شاردتي في أي عاد؟.
سألتها فأجابت الأخري بعدما أنتبهت إلي ندائها: 
_ كنت بفتكر حاچة إكده، وصحيح قبل ما أنسي أبقو خدي أخت چوزك و وديها لراچل كله بركة إسمه الشيخ برهومه أو حاچة كيف إكده مفكراش جوي.

رددت ماجده الإسم فصاحت بتذكر قوي: 
_ إياك تجولي الي موچود في البر التاني وفي بيت جديم وفي حته مجطوعه؟.

أنتابتها قشعريرة عند رؤية تعابير وجه الأخري التي تنبأها بأن هناك كارثة ستعقب إجابتها: 
_ أيوه هو،  كيف عرفتي؟.

شهقت بصدمة وقالت: 
_ أنتي مخبراشي الي حوصل؟،  الأسبوع الي فات جبضت عليه الحكومة بعد ما أتفضح علي يد صحفية كشفت عمايله الشين الهباب.

خفق قلبها بوجل لينذرها بطامة كبري قد لحقت بها،  فسألتها بتردد: 
_ عمايله شين كيف؟.

تلفتت يميناً ويساراً ثم أجابت وهي تلطم صدغها بخفة: 
_ يالهوي الي سواه لا ينحكي ولا يتجال واصل وربنا يستر علي ولايانا،  أدي أخرة الچهل وقلة الإيمان بالله.

أزدردت ريقها وقالت بنفاذ صبر: 
_ ما تخلصي وجولي هبب أي؟.

_ ولد الحرام عيضحك علي النسواين الي بجالهم ياما في الچواز و ما حبلوشي، بيعطيهم منديل يجولو فيه شوية كلمات قال أي دي دعوات للأسياد، أتاري حاطط في المنديل مخدر لأچل ينيمها ويعتدي عليها وهي كيف القتيلة قدامه، طبعاً الهبلة الي تحمل منهم تفتكر چوزها هو الي حبلها،  ربنا يستر علي ولايانا.
1

أتسعت عينيها وهي تستمع لما ذُكر للتو، فداهمها الشعور بالغثيان المفاجئ، أبتعدت قليلاً لتفرغ ما بجوفها،  ذهبت خلفها لتطمأن عليها: 
_ مالك يانوارة،  أنتي زينه؟  .

أومأت لها بالإيجاب وتركتها وذهبت بخطي أقرب للركض رغم من حالة الوهن التي بها،  بدون أن تنتبه لصاحب تلك الأذن الكبيرة الذي كان يسترق السمع و ذهب خلفها كما أمره رب عمله،  وهذا بعد ما أقترفته في منزل عمته.
1

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير.
تفوه بها المأذون فتعالت الزغاريد والمباركات وعبارات التهنئة مابين المدعوين من الأقارب والجيران والمعارف.
أطلقت زوجة أبيها زغرودة صاخبة أقرب إلي الصراخ وتلقي بالحلوي علي الحاضرين،  وقبل إنتهاء ما لديها قامت بإلقاء ماتبقي في الهواء ليلتقطه الصغار في سعادة.
ثم أقتربت من العروس التي تشبه البدر في ليلة تمامه،  عانقتها بقوة: 
_ ألف مبروك يا سمية ياحبيبتي.

رفعت جانب فمها بإبتسامة هاكمة وقالت من بين أسنانها: 
_ الله يبارك فيكي يا مرات أبوي.
فأردفت بصوت لايسمعه سوي الواقف جوارها بدون أن تنتبه إليه: 
_ الله ياخدك ويحدفك في نار چهنم ومتلاجيش ونس غير أبو لهب وفرعون وأستاذك وقدوتك أبليس.
2

أنحني نحو أذنها وقال بصوت أيضاً لايسمعه أحداً سواها ساخراً: 
_ شكلك بتحبيها أوي!.

أدركت سخريته فقالت:
_ أصلها چت عليا كتير جوي وأنا الي بيچي عليا مببطلش دعاء عليه بس مش بالموت،  بالعذاب،  الموت رحمة ميستحجهاش الي كيف مرات أبوي والتاني سليخ الزفت.

عقد مابين حاجبيه وملامحه يعلوها الإندهاش: 
_ سليخ!.

أجابت والإبتسامة تصل لأذنيها الأثنتين: 
_ جصدي سليم البيه بتاعك،  اللهي يهفه قطر ويفرمه تحتيه لأچل يبجي تجطيع وسلخ وفرم.
2

رفع كلا حاجبيه بنظرة معاتبة قائلاً: 
_ حرام عليكي،  ده المفروض أروح أشكره لأنه السبب في إني أعرفك.

أستدارت إليه بكامل جسدها: 
_ يعني أنت فرحان ومبسوط لما عرفتني؟.

سألها بمكر وإلتفاف: 
_ أنتي شايفه أي؟.

ضيقت عينيها بمكر مماثل مثله،فأجابت:
_ مشيفاش حاچة واصل.

رفع إحدي حاجبيه:
_بقي كده؟.

حدجته بإبتسامة خبيثة وقالت:
_ أيوه إكده، ولو مش عاچبك إحنا لسه فيها دلوق قبل ما المأذون مايمشي.

حاوط خصرها بزراعه وضغط بيده قليلاً مما جعل وجنتيها تتوهج إحمراراً من الخجل المفرط، وأقترب من سمعها وهمس بتوعد:
_ نتلم أنا وأنتي في أوضة واحدة ويتقفل علينا الباب وأنا هوريكي الي مش شيفاه ده كويس أوي.

شهقت بصدمة وهمست إليه:
_ أه يا سافل يا جليل الحياء.

ضغط علي خصرها أكثر وقال بعد أن أدرك سوء الظن لديها:
_ أنا قصدي أوريكي بحبك أد أي يا أم نية شمال.
1

أطبقت علي شفتيها بخجل شديد وإن رأت والدها قادم نحوهما ركضت نحوه وعانقته، فربت عليها وقال لها:
_ ألف مبروك يابتي ربنا يسعدكم ويهنيكم ويبعد عنكم شر العين والحسد.

_ الله لا يحرمنا منك يا أبوي ويخليك لينا يارب.
أبتعد عن معانقة إبنته فأمسك بيد الذي أصبح زوجها و وضعهما بين كفيه:
_ وأنت يا ولدي أني مش رايد منك غير حاچة واحدة بس، وهي تحط بتي في عينيك وتراعي ربنا فيها.

أومأ صلاح ثم رمق سمية بحب وسعادة قائلاً:
_ متقلقش يا عمي، سمية في قلبي قبل عيوني.

ربت والدها علي كتفه:
_ ربنا يباركلك فيها ويباركلها فيك.

_ ألف مبروك يا عريس.
قالها رافع الذي حضر للتو، فتبدلت ملامح سمية من الفرح والسعادة إلي التجهم والضيق، رمقته بإزدراء وقالت لزوجها:
_ أني هاروح أجعد ويا الحريم.
قالتها وذهبت وذهب والدها أيضاً فهو يبغضه منذ أن دلف إليه منزلهم عندما كان يبحث عن زينب، و وجه إليه أفظع الألفاظ والسباب وقام بتعنيفه و دفعه كالحشرة علي الأرض بدون رحمة.
فقال رافع وهو يضغط علي فكه بحنق متجاهلاً عدم ترحاب سمية و والدها له:
_ بس أي المفاچاءة دي يا متر، لما جالو لي المتر صلاح بيكتب كتابه علي سمية ما صدجتش غير لما چيت وشوفت بعيني، وبعتب عليك لأنك معازمتنيش .

إبتسم الآخر بتكلف وقال:
_ والله كل حاجه جت بسرعة والمفروض نرجع القاهرة عشان فيه شغل كتير ورايا متأخر.

مسح بإبهامه علي ذقنه وقال:
_ ماشي هعديهالك يا أبو صلاح،و ربنا يتتم بخير، إلا صوح سليم بيه وجت ما سافر هو وخايتي جافل المحمول وما عرفش نطمنو عليكم.

رفع الآخر كتفيه و زمت شفتيه لأسفل ثم أجاب: 
_ والله علمي علمك،  بس هو لما بيسافر ديماً بيقفل موبايله ومبعرفش أتواصل معاه غير من علي النت.

ردد رافع بإبتسامة هاكمة: 
_ النت!، طيب لو كلمته أبجي جوله متنساش إن لمارتك أهل رايدين يطمنو عليها.
3

بادله صلاح بذات الإبتسامة،  يهز رأسه قائلاً: 
_ حاضر،  هقوله.

وبعد إنتهاء هذا الحفل وعاد الجميع إلي منزلهم، وما زال صلاح يمكث في منزل أهل عروسه، يتمدد علي السرير لكن بدون أن يشعر بالراحة،  فهو بغرفة و معشوقة فؤاده في غرفة أخري،  يفصل بينهما جدار واحد يريد أن يحطمه ويأخذها بين أحضانه الدافئة.
ظل يتقلب يميناً ويساراً حتي آذان الفجر الذي دوي في أرجاء النجع،  أمسك هاتفه ليحدثها قليلاً لعل صوتها الحاني يجعله ينام بطمأنينه.
أجابت بصوت يتخلله النعاس: 
_ أيوه يا صلاح فيه حاچة؟. 

تنهد وأجاب بنبرة بشوق وهيام:
_ اه، مش عارف أنام وأنتي بعيده عني.

تثائبت ولا تدري إنها تتحدث إليه:
_ شد الستاره واجفل النور وأنت هتنام.
1

عقد مابين حاجبيه وقال:
_ ستارة أي الي أشدها!، ماتصحصحي كده وكلميني، بقولك مش جايلي نوم وأنتي بعيده عني، ينفع أجي لك وتاخديني جمبك يمكن أنام؟.

بدأت تفيق قليلاً فقالت:
_ أبجي أعملها عشان بدل ما تنام چاري، يچي  أبوي ينيمك چار چدي في القبر.
2

_ ده علي أساس إنك مش مراتي!.
تفوه بها بضيق وتعجب، فأجابت بسخرية :
_ ما أنت خابر الأصول  زين يا حضرة الأڤوكاتو.

زفر بتأفف وسأم:
_ أمري لله، خلاص قومي وفوقي كده عشان عايز أتكلم معاكي شويه، أصل بصراحة مش مصدق نفسي إنك بقيتي مراتي.

تثائبت مرة أخري وقالت:
_ وأني كمان.

بدأ يشعر بالضجر نحو إجاباتها المقتضبة والخالية من المشاعر:
_ طب أنا بحبك.

أجابت بآلية:
_ وأني كمان.

سرعان ما أبتسم بمكر من حالة اللاوعي التي بها الآن ، فقام بالضغط علي علامة تسجيل المكالمة  و قال:
_أنا عايز أخدك في حضني وأقطع شفايفك الحلوين دول.

_ وأني كمان.
أجابت ولا تدري ماذا يقول لها، أتسعت إبتسامته أكثر  ليكمل لعبته الماكرة:
_ طب أنا مش هاكتفي بأحضان وبوس، ممكن أزود حاجات كتير أوي.

تمتمت بصوت خافت أثر سيطرة النوم عليها:
_ وأني كمان.

أبعد هاتفه قليلاً وأخذ يضحك ثم عاد ليحدثها:
_ يعني موافقة نلعب مع بعض عريس و عروسة؟.

آتته همهمه منها بالموافقة غير مدركة ماذا يسألها، وغطت في نوم عميق وصوت أنفاسها قد وصل إليه عبر الهاتف.
_ سمسمه، أنتي معايا؟، شكلك سافرتي في النوم، تصبحي على خير يا حبيبتي.

أغلق المكالمة، و ضغط علي ملف التسجيلات فقام بإرسال التسجيل إليها عبر تطبيق الدردشة الشهير وأسفله ملصق يضحك ويخرج لها لسانه.
3

وبعد مرور ساعات قليلة أستيقظت من نومها، فتذكرت أن عليها النهوض لتجهيز نفسها للذهاب إلي مركز التجميل.
سحبت هاتفها من فوق الكمود فوجدت رسالة واردة وبجوارها إشعار التطبيق، تمددت بأريحيه علي السرير.
_ لما نشوف باعتلي أي.
ضغطت فسمعت المكالمة، أنتفضت من فوق سريرها:
_ ليلة أبوك زرجا كيف عيونك يا صلاح!.
6

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ فتحت عينيها رويداً بعد أن أيقظها أصوات الطيور والأبقار الآتيه من الغرفة المجاورة،  وما أن بدأت تتحرك بوئد تألمت حيث يديها مكبلتين بحبل متين وطرفه الآخر معقوداً في حلقة معدنية مثبته في حوض الماء التي ترتوي منها البهائم.
أتسعت عينيها بفزع فصرخت بإستغاثة:
_ ألحجوني،  ألحجوني.

أندفع باب الحظيرة و ولج إليها هذا الملثم يهدر بصوتٍ غليظ: 
_ لو جعدتي تصرخي لسنة قدام محدش هايسمعك واصل.

رمقته بخوف إثر مظهره وصوته الذي أرعبها: 
_ أنت رايد مني أي عاد؟.

أزاح لثامه ليظهر لها ملامحه بوضوح ولم تتعرف عليه بعد،  أجاب بحدية مكنونها الإنتقام: 
_ السؤال ده تسأليه لأخوكي الو....  .

عقدت حاجبيها بإستفهام: 
_ أني مافهماش جصدك.

بخطي دبت الرعب بداخلها أقترب منها حتي أصبح أمامها  ثم جلس في وضع القرفصاء، أبتعدت شفتيه ليجيب عليها: 
_ زكريا ضحك علي ورد خايتي بعد ما وعدها بالچواز  ولما بجت حبلي أتهرب منها.

جحظت عينيها من ما يتفوه به عن شقيقها،  تعلم مدي فساد أخلاقه لكنها لم تتوقع أن يصل إنحرافه إلي حد الزنا والفجور،  ولما لايفعل هذا، فهو علي شاكلة صديقه وإبن خاله الذي تعلم كل ماهو سيئ علي يديه.
أزدردت لعابها ثم سألته: 
_ وأفترضنا الي جولته صح أني ذنبي أي؟.

أحتقن وجهه بالدماء كدليل علي غضبه العارم،  صاح بها: 
_ ورد راحت لأخوكي بجالها أيام ولساتها مارچعتش لحد دلوق، ملهاش أثر في أي مطرح،  حتي أخوكي من وجت ماهي أختفت هو كمان أختفي، تجدري تجوليلي ده معناته أي!.

أدركت الآن سبب إختطافه لها، فقالت:
_ طيب لو الحكاية إكده، أحسن لك تبلغ الحكومة، خطفي مش هيرچعلك خايتك.

وبعد حديثها أخبرها صوت نابع من داخلها أن القادم أسوأ، وهذا ما أكده لها الآخر:
_ حكومة!، شيفاني مركب قرون لأچل أروح ليهم وأجولهم مصيبة خايتي!.
أطلق زفرة عميقة ليردف حديثه: 
_خابره، أني إكده ولا إكده ناوي أجتلها وأخلص من عارها لكن مش قبل ما أخلص علي الو..... أخوكي وجبلها هسوي فيكي كيف ما سوي فيها وقدام عينيه، وإكده نبجو خالصين.

أتسعت عينيها غير مصدقة ما سمعته، يريد قتل شقيقها وقبل ذلك يعتدي عليها!،صاحت بتهديد منبلج:
_ أنت أتچننت إياك، خابر عيلتي يبجو مين؟.

أجاب بسخرية وملامح هاكمة:
_ أيوه خابر يا بت الشيخ واصف وأخوكي التاني الشيخ بكر وخالك خميس الي مترشح إنه يبجي عمدة النچع و ولده رافع القناوي صاحب مصنع ومخازن الخردة، ولا يهمني كل ده، أني كل الي رايدو أعرف خايتي فينها سواء عايشة ولا ميته وأجتل أخوكي وجبلها هاعرفه كيف يضحك علي بنات الناس جوي.
خفق قلبها بخوف يبدو حديثه خالياً من التهديد بل هو وعيد، فقالت بتهديد مماثل لعله يتراجع عما سيفعله:
_ و رافع إبن خالي زمانه هيعرف إني ما رچعتش دارنا وهيجلب الدنيا عليها واطيها، ولو وصلك أقل حاچة هيسويها إنه يجتلك.

أخرج من جيبه إسطوانة شريط لاصق وهم بالإقتراب منها قائلاً:
_ و عقبال ما يوصلي هكون نفذت  الي جولتلك عليه.
وكمم فاهها بقطعة من الشريط.
1

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ وبالعودة إلي النجع في منزل والد سمية، تجول غرفتها ذهاباً وإياباً وهي تستمع مراراً وتكراراً  إلي هذا التسجيل الذي أرسله إليها وقرأته عندما أستيقظت لتوها، تستشيط غيظاً:
_ إما فرچتك كيف تسوي معاي إكده، مبجاش أني سمية.

وضعت هاتفها في جيب عبائتها ثم تناولت وشاح ودثرت به رأسها لتذهب إليه، وما أن وصلت أمام الغرفة التي يمكث بها وجدت الباب موارباً، أختلست النظر إلي الداخل فلم تجد له أثراً، ألقت نظرة من حولها لتطمأن من عدم رؤية إحدهم لدخولها إلي غرفته خاصة زوجة والدها اللعينة.
وضعت يدها علي مقبض الباب بتأني وبدأت تخطو إلي الداخل باحثه عنه.
_ علي فكرة كنت مستنيكي.
1

أفزعها صوته الذي فاجائها من الخلف، أنتفضت ذعراً مرددة:
_ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

وضعت يدها علي صدرها تلتقط أنفاسها إثر فزعتها، رفع جانب فمه بإبتسامة لعوب وبتهكم مازح قال:
_ شوفتي شيطان ولا أي؟.

عادت إلي طبيعتها المعهودة، لم تتمالك غضبها وحنقها من فعلته، ضيقت عينيها مقتربة منه:
_ لاء وأنت الصادج، شوفت أستاذ ورئيس قسم الي بيتعلم عنده الشيطان.

ضحك رغماً عنه فأزداد غضبها، لكمته في صدره العاري ولم تلاحظ هذا عندما تأوه بزيفٍ:
_ آه ياقلبي.

شهقت عندما وقعت عينيها عليه حيث لايرتدي سوي بنطال وجذعه عارياً، وضعت علي الفور كفيها علي عينيها وأبتعدت إلي الوراء قليلاً:
_ واه، عيب الي أنت عتسويه دي، كيف جالع خلچاتك من فوج و واجف قدامي إكده!.

خطي نحوها عدة خطوات ليدنو منها بهمس ماكر:
_ أنا كده بالنسبة لي لابس وبعدين لازم تتعودي، عشان أنا مابقعدش غير كده علي طول.
إبتسامة خبيثة جلت علي ثغره ليردف:
_ عريان.

أخفضت كفيها وفتحت عينيها لتجده أمامها مباشرة، فكادت تنهره، أوقفها صوت زوجة أبيها منادية:
_سمية، يا سمية.
لطمت وجنتها بخوف:
_ يا مُري.
وركضت نحو الباب لتوصده قبل أن تراها الأخري برفقته داخل الغرفة وبهذا المظهر الذي عليه.
كادت تستدير فأصتدمت به لتجده يحاوطها بجسده، وبذلك أصبحت محاصرة بينه وبين الباب الموصد، أتسعت عينيها وبتحذير همست له حتي لاتسمعها من بالخارج:
_ بَعد عني أحسن لك إلا وق....

قاطعها بدفعها بجسده هامساً أيضاً بأنفاسه علي وجنتها المكتنزه:
_ متقدريش تعملي حاجة، عارفة ليه؟.

أزدردت لعابها وبداخل عقلها تفوهت:
_ والله أنت غلبان ده أنا ماسكة نفسي عنك بالعافيه، كفايه عيونك الزرجا الي هتخليني أسوي فيك كيف حمدي الوزير ما سوي في ليلي علوي في فيلم المغتصبون.
4

أجابت علي سؤاله بسخرية وهمسٍ متهكم:
_ وچايب منين الثقة دي يا حضرة الأڤوكاتو!.

مسح بطرف لسانه علي شفاه السفلي تبعها بإبتسامة ماكرة، فأتبعت حديث نفسها:
_ لاء  أبوس يدك بلاش ضحكتك دي.

رفع يده نحو وجنتها الملساء ليتلمسها بأطراف أنامله وكأنه يعزف علي أوتار القيثارة:
_ هقولك جايبها منين بالليل، ولا تحبي أقولك دلوقتي؟.

أزدردت ريقها للمرة المائة، فرفعت كفيها لتدفعه بخفة في صدره، لكنه لم يتزحزح من أمامها قيد أنملة:
_ لا تجولي ولا أجولك، وأوعي إكده، وروح أستر حالك بأي حاچه بجي.

حك ذقنه وهو يبتسم كثعلب ماكر:
_ ليه يا سمسمتي، ده حتي كلها ساعات وهاتشوفيني كده.
وأشار إلي جذعه العاري، أطلقت زفرة حارة من أعماق جوفها:
_ الصبر من عندك يارب.
همست بها بصوت غير مسموع، فأكملت بصوت خافت لايسمعه سواه:
_ أتحشم يا صلاح أحسن لك، بكفياك الريكورد الي بعتهولي والمقلب الي سويته فيا عاد.

فتح فاهه ليطلق ضحكة عالية، فلحقت به كممت فاهه بكفها،ولم تلحق بتحذيره حيث دوت طرقات علي الباب من الخارج، فأجاب صلاح بعدما تحمحم ودون أن يفتح:
_ مين؟.

أجاب الطارق:
_ أفتح يا ولدي، أني عمك عبدالحق، رايد أتحدت وياك في كلمتين.

تحمحم الآخر مرة أخري وقال بصوت مرتفع:
_ حاضر يا عمي ثواني هاغير هدومي وطالع لك.

وفي ذات الوقت تقف متسمرة في مكانها وترتجف خوفاً من إكتشاف إبيها بوجودها في الغرفة التي يمكث بها الآخر، فهذا منافي للعادات والتقاليد والأصول المتعارف عليها رغماً من إنها قد أصبحت زوجته في الأوراق الرسمية.

دنا بالقرب من أذنها وبهمس أقشعر له بدنها:
_ أول ما أطلع له هاخده علي أوضة الضيوف وأنتي أرجعي أوضتك قبل ما حد يشوفك،تمام؟.

أومأت له في صمت، فظل يحدق بزرقاويتيه في عينيها التائهة في بحور خاصتيه.
وبالفعل قام بإرتداء قميص قطني ومشط خصلاته علي عجالة وقبل أن يذهب أقترب منها وهي مازالت في مكانها تنظر له بشرود، أستغل حالتها ليختطف قبلة طفيفة من ثغرها المكتنز:
_ بحبك يا سمسمتي.
قالها و غادر سريعاً فشهقت بخجل ثم أستدارت نحو إثره وقالت:
_ وأني بعشجك يا صلوحتي.
قالتها وذهبت نحو الباب لتشرأب بعنقها وتراقب الطريق فوجدته خالياً هكذا كانت تحسب، غادرت علي الفور دون أن تلاحظ زوجة والدها التي تراقبها منذ دلوفها إلي الغرفة وحتي مغادرتها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ تحمل سعاد صينية الطعام و وضعتها أعلي المنضدة، فألتفتت باحثة بعينيها عن إبنتها: 
_ هي راحت فين البت دي؟.

خرجت نوارة من غرفتها مرتدية عبائتها وتمسك بوشاحها الأسود لترتديه.

_ واه!، رايحة علي فين إكده قبل ما تفطري؟.
سألتها والدتها لتجيب الأخري وهي ترتدي الوشاح أمام المرآه المعلقة علي الحائط في مدخل الردهة:
_ معاوده علي دارنا،  خالتي أتصلت عليا وجالتلي أرچع قبل ما رافع يرچع ومايلاجنيش.

رفعت حاجبيها بدهشة: 
_ هو أنتي بايته عندي من ليلة إمبارح من غير علم چوزك يا نوارة!.

زفرت بتأفف وأستدارت إليها: 
_ أيوه يا أماه، لأن البيه بجاله يومين بره الدار وماعرفش عنه حاچة واصل،  وأتصل عليه ألاجي محموله مجفول،  ومتجلجيش أني أستأذنت خالتي قبل ما أمشي.

تنهدت بسأم لا تملك شيئاً لإسعاد إبنتها: 
_ معلشي يابتي،  كل الي أجدر أجوله لك أتحملي لحد ماربك يجومك بالسلامة،  يمكن العيل الي في بطنك يچي للدنيا يغير الأمور بيناتك أنتي وچوزك وتبجي للأحسن.

وبمجرد أن ذكرت والدتها أمر جنينها أتسعت عينيها كمن لدغها عقرب، تحدق في الفراغ كالتائهة أو المجذوبة.
_ الي في بطني!  .

أقتربت منها والدتها والدهشة تكسو ملامحها،  فسألتها بحذر: 
_ مالك يابت؟، واجفة متنحه إكده ليه عاد؟.

لم تجب الأخري فحديث إبنة جارتهم التي قابلتها ليلة أمس ما زال يدور في خلدها، ومنذ دخولها منزل والدتها لم تكن قادرة علي التحدث في هذا الأمر وتهربت بالنوم.

أمسكتها سعاد من رسغها لتهزها: 
_ انطجي يا أخرة صبري،  أوعاك يابت بتفكري تسوي حاچة إكده ولا إكده،  أنتي لما چيتي إمبارح ولاجيتك مجدراش تتحدتي هملتك ترتاحي وجولت لحالي الصباح رباح ياسعاد هي هتيچي تحكيلك لحالها.

سرعان ما تجمعت الدموع في عينيها الحمرواتين،  لم تذق النوم طوال الليل بل كانت في عالم آخر،  آلاف السناريوهات تتخيلها لو علم زوجها بسر حملها،  أفاقت علي قبضة والدتها فنظرت إليها وأطلقت لعبراتها العنان، وصوت نحيبها يعلو.

فزعت الأخري من بكاء إبنتها والخوف والقلق يسيطر عليها: 
_ في أي يا نوارة؟، ما تخلعيش جلبي عليكي يابتي وريحيني،  جوليلي اي الي حوصل وياكي؟.

سحبت يدها وجلست علي أقرب كرسي لها لتجيب من بين بكائها: 
_ الي في بطني مش ولد رافع.

تسمرت سعاد أمامها وأنتصب شعر رأسها من هولما ذكرته إبنتها للتو،  أبتلعت ريقها في إستيعاب تفسير ما سمعته.

_ عتجولي أي يا بت بطني،  خابره الي عتجولي زين؟.

لم تجب لتجهش في البكاء مرة أخري،  فاض الكيل بالأخري ونفذ صبرها لتنقض عليها وأخذت تعنفها وتصيح بها: 
_ ساكته ليه!  ، أنطجي يا بت ال......

نهضت بإنتفاضة مبتعده عن والدتها لتصرخ بتلك الكلمات: 
_ كيف ما سمعتي إكده،  الي في بطني مش ولد رافع،  ده يبجي ولد الراچل النصاب الي خدتيني له لأچل يديني من بركاته وأحمل،  أتاريه نومني بمخدر و سوي عملته ونتيچتها بجيت حبلي.

أنقضت عليها والدتها مرة أخري قابضة علي وشاحها الذي كاد يخنقها: 
_ عتجولي أي يا بت ال....،  مين الي ولد مين،  شكلك أتچننتي إياك.

تخلصت من قبضة والدتها بصعوبة،  لتلتقط أنفاسها وقالت بصوت متهدج: 
_ وأني چيالك عشية إمبارح جابلت ماچدة بت الحاچ مرسي الله يرحمه،  كنا بنتحدتو والحديت چاب بعضه،  جالتلي...

ألتقطت أنفاسها بشهيق وأردفت: 
_ جالتلي إنهم جبضو علي الشيخ برهوم السبوع الي فات،  كشفته بت صحفية،  فاكره لما جالك أطلعي بره وهملتيني وياه لوحدينا عطاني منديل وجالي أدعي فيه، أتاري المنديل حاطط لي فيه مخدر لأچل يسوي عملته لو صابت معاه وحبلت يبجي إكده عالچني ولو خابت يبجي برضو مستفيد إنه طلع بمصلحة الو.....  الواطي.

كانت الأخري تستمع لها وحمم بركانية تتدفق في كل خلاياها، الدم يفور في رأسها كفوران التنور، أخذت تلطم صدغيها بنواح وعويل :
_ يالهوي، ياخرابي، يا مصيبتك الواعرة ياسعاد،
يا مُري لو طلع حديتك صوح، يبحي ولدك إبن حرام!.

وفي ذات الوقت كان في الخارج يقف هذا الدبيكي وكاد يطرق الباب فأوقفه صياح نوارة بالداخل والذي وصل لأذنه بقوة:
_ وأنتي خابره لو رافع عرف إن الي في بطني مش ولده هو هيسوي فيا أي عاد؟.

وثبت سعاد نحوها لتكمم فاه الأخري تحذرها:
_ إكتمي، إكتمي وأكفي علي الخبر ماچور، وإياكي تتحدتي ولو بحرف مع أي مخلوق، دي هيبجي فيها موتك لو چوزك عرف.

حاولت منع نفسها من البكاء وتجفيف وجنتيها بكفيها، ونهضت قائلة:
_ أنتي السبب يا أماه، الله يسامحك، ياما جولتلك أني ماريداشي أروح لمشايخ ولا زفت وخليها علي الله هو الي بيرزق.

أقتربت منها وربتت عليها بمواساه:
_ حجك عليا يابتي، كنت رايده أساعدك وخوفت ليجهرك ويتچوز عليكي، وعلي يدوك روحنا لكذا حكيم وكلاتهم جاله ليكي معندكيش أي حاچة واصل وممكن تحبلي في أي وجت، وأستنينا سنة ورا التانية، جولت مابدهاش يمكن حد ماسوي لكم عمل بأنكم ماتحبليش.

أنفجرت الأخري بغضب كامن:
_ عمل أي و زفت أي، أديني مشيت وراكي وآخرتها وجعت في مصيبة ما عرفاش هتخلص علي أيه.

وقف دبيكي بالخارج في حالة ذهول ليقول في نفسه:
_ يا وجعه مربربه، ده رافع بيه لو عرف الي سمعته دي هيجلب الدنيا وما يصحش برضك إنه يبجي علي عماه ويربي عيل مش ولده، وبعدين يا دبيكي!.
وبالعودة إلي الداخل، أمسكت بحقيبتها و عزمت علي الذهاب،فأوقفتها والدتها:
_ طب أجعدي وكولي لك لقمه.

رمقتها نوارة بغضب وكادت تفتح الباب:
_ سلام.

ركضت نحوها لتحذرها:
_ إياك يا نوارة تحكي مع حد الي حوصل.

حدجتها بإمتعاض وقالت:
_ ماتجلجيش يا أماه محدش بيروح للموت برچليه، عن أذنك.

خرجت مغلقة الباب خلفه وما أن أستدارت فشهقت بفزع:
_ دبيكي؟، أي الي چابك أهنه؟.

تحمحم وقال بتردد:
_ أني، أني رافع بيه باعتني لأچل ترچعي.

أبتلعت لعابها بخوف، تخشي سماع هذا الدبيكي لأي حرف تفوهت به بالداخل، أرتسمت القوة علي ملامحها:
_ و هو في الدار دلوق؟.

أجابها ونظراته  المريبة أربكتها:
_ أيوه، ومنتظرك هناك، وجالي متعاودش غير وهي وياك.

رمقته بإزدراء وبأمر أشارت له:
_ طب يلا قدامي لما نشوف أخرتها ويا البيه بتاعك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ تقف تلك الشاحنة الكبيرة أمام متجر الحاج نعمان وبالخلف يهبط من داخل صندوقها رجل تلو الآخر يحمل كل منهم صندوق من الكرتون ويدلف به إلي داخل المتجر، فقال أخرهم:
_ كده البضاعة كلها حطنيها في المخزن يا حاج، أي أوامر تانية؟.

أخرج نعمان من جيب جلبابه محفظته الجلدية وتناول منها العديد من الأوراق ذات فئة المائتين جنيه ليعطيها للرجل:
_ خد دول أنت والرجالة.

تراجع الرجل في أخذهم مربتاً علي صدره بإمتنان:
_ خيرك سابق ياحاج، ملهوش لزوم.

تنهد نعمان فقام بدسهم في يده:
_ والخير كتير الحمدلله.

أنفرجت أسارير الآخر فرفع يده في وضع الدعاء:
_ الله يبارك لك ويعمر بيتك ويرزقك كمان وكمان.

أبتسم نعمان برضا وسعادة، ذهب الرجل وبرفقته البقية.

_ قاسم، يا قاسم.
نادي بها علي فارس الذي كان بالداخل يراجع الصناديق المحملة بالثياب عبر دفتر ورقي مدون به أرقام وبيانات كل صندوق والبضاعة التي يحتويها، وعند سماعه نداء الحاج نعمان ركض إليه:
_ نعم يا حاچ أمرك؟.

وضع يده علي كتفه قائلاً:
_ ما يؤمرش عليك ظالم يا بني، أنا رايح مشوار لحد شبرا وراجع تاني، أنا عارف إنك تعبت كتير النهاردة بس عايز منك تراجع كل صندوق وتقيد الي ناقص ولو فيه أي حاجة بلغني في التليفون.
أوما فارس بطاعة وإحترام:
_ حاضر يا حاچ، أعتبره حصل.

ربت عليه وقال:
_ تسلم يابني، أومال فين شهد؟.

أجاب مشيراً:
_ سمعتها كانت بتجول رايحة تچيب حاچة وراچعة.

أقترب نعمان و وقف أمامه مبتسماً:
_ كنت عايز أقولك خد بالك منها لحد ما أرجع، أنا عارف إنها بتعمل مشاكل مع الزباين وكذا مرة أحذرها بس الي فيه طبع بقي.

أبتسم رغماً عنه وأومأ له بعينيه:
_ أطمن ياحاچ، الآنسه شهد في عينيا ولو حوصل أي حاچة أني هاتصرف.

غادر بعدما أتي أحدهم له بسيارته، وبعدها ولج فارس إلي الداخل، فأشار لزميله في المتجر:
_ أنا چوه في المخزن يا حموده ولو فيه حاچة نادم عليا.

أومأ له الآخر بالإيجاب.
عادت شهد وتحمل في يديها أكياس بلاستيكية وحقائب منها تحمل شعار مطعم شهير في المنطقة والأخريات تحمل شعار متجر للثياب.
تلفتت يميناً ويساراً فلم تجده، سألت المدعو حموده:
_ هو راح فين؟.

حدجها حموده بمكر وأجاب:
_ قصدك علي مين الحاج ولا قاسم؟.

تركت ما بيدها علي الكاونتر لتزجر الأخر بنظرة تحذيرية:
_ حمودة!، لم نفسك أحسن لك، بدل ما أنت عارف.

أشار لها بكفيه رجاءً:
_ والله بهزر معاكي يا آنسه شهد، مش قصدي حاجه.

رفعت حاجبها وبحده قالت:
_ ولا تقصد، خليك في حالك لو عايز تاكل عيش وتكمل معانا.

أنقلبت ملامحه بخوف من تهديها فقال:
_ آسف يا آنسه شهد، أوعدك مش هاكررها تاني.

تنهدت وحملت الحقائب:
_ أيوه كده أتلم، أومال أستاذ قاسم راح فين؟.

أجاب بجدية:
_ دخل المخزن بيراجع البضاعة.

وفي لحظة أسرعت إلي هناك تحت إندهاش الآخر الذي قال وهو يحك فروة رأسه:
_ دي شكلها الحكاية جد وكلام الي أسمه ممدوح طلع صح، وأنا مالي خليني في حالي أحسن.

يقف أمام صندوق مفتوح ويخرج علب مغلفة يدون أرقامها  في الدفتر ولم يشعر بدخولها وهي تقترب منه بخطي وئيده تتأمل هيئته، يقف بشموخ وصلابة، مهلاً يترك ما بيده جانباً علي إحدي الصناديق المتراصة ثم مد يديه إلي أزرار قميصه، حيث يشعر بالحر في هذا المكان الذي لايوجد به سوي فتحة تهوية واحدة فقط، مهلاً تصنمت عندما شرع في خلع قميصه ليصبح بالقميص القطني ذو الحمالات فقط، وقفت تحملق بإنبهار عضلات زراعيه البارزة وصدره العريض، يبدو إنه يمارس الرياضة للحصول علي هذا القوام الرجولي.

_ يا نهار برونزي زي لون بشرتك، حرام عليك الي بتعمله فيا ده.

وصلت رائحة الطعام التي تحمله إلي أنفه فأستدار ليري مصدرها فرآها تقف بشرود، تحمحم بحرج وألتقط قميصه وأرتداه علي الفور، فقالت في عقلها مرة أخري:
_ ليه لبست القميص، ماتخليك بفانلة قطونيل الي هتاكل منك حتة دي أحسن.
5

_ فيه حاچة يا آنسة شهد؟.
سألها ولكنها تقف كالمغيبة تحدق به، خطي نحوها:
_ آنسة شهد؟.

أنتبهت إليه يقف أمامها، فسألته بهيام ونظراتها التي يعلم هويتها جيداً:
_ ها، كنت بتقول حاجة؟.

تحمحم مرة أخري وأرتسم وجه الصلابة والجدية:
_ كنت بسألك فيه حاچة يا آنسه شهد؟.

_ يا لهوي علي إسمي وأنت بتنطقه.
تفوهت بداخل عقلها، ثم أجابت عليه:
_ عايزه أحضنك...
تحمحمت بخجل لتبدل كلماتها:
_ قصدي أنا كنت جعانة فروحت جبت أكل لينا هايعجبك أوي، و كمان عرفت من بابا إنك أتقلبت في القطر ومعكش أي حاجة، فياريت تقبل الهدية البسيطه دي وشوفهم كده لو فيه حاجه مش عجباك أو مش علي مقاسك هبدلهالك.

تلاقي حاجبيه بتعجب من كل هذا الإهتمام البالغ، فقال ومازال محافظاً علي نبرته الجادة:
_ طبعاً أني بشكرك علي إهتمامك، بس معلش أني ماجدرش أخد حاچة.

قالها و ولي إليها ظهره ليتظاهر بالعمل، زفرت بحنق وقالت في نفسها:
_ أي ده شكله زعل ولا أي!، وأنا الي كنت فكراه هيفرح ويبدأ يفكر فيا زي ما بفكر فيه وهموت عليه!.

ركضت نحوه وقالت:
_ أنت أتضايقت مني؟، أنا والله ما أقصد حاجة ابداً، طيب بص خدهم وهخصم تمنهم من مرتبك لو ده هيرضيك يعني.
وحدجته بنظرة توسل بأن يوافق ولا يردها خائبة، شبه إبتسامة ظهرت علي ثغره الذي سلب لُبها المجذوب به.

_ إن كان إكده ماشي، أني موافج.

أنفرجت أساريرها بفرحة عارمة، مدت يدها إليه بالحقائب:
_ حيث بقي كده أتفضل، ويلا عشان نلحق الأكل قبل مايبرد.

حك فروة رأسه من الخلف قائلاً:
_ معلش، مش هاجدر أكل دلوق غير لما أخلص الي في يدي الأول.

تركت أكياس الطعام جانباً وعقدت ساعديها أمام صدرها:
_ وأنا جعانة أوي ومش هاكل غير لما تاكل معايا وخليني بقي هاموت من الجوع ده غير لسه واخده حقنة الأنسولين.

رمقها بإستفهام فأومأت إليه:
_ أه عندي السكر، خدته وراثة عن ماما الله يرحمها.
حدق بها لثوان في تردد ثم قال:
_ ألف سلامة عليكي.

أمسكت يده بجرأه لتجذبه خلفها:
_ الله يسلمك ياسيدي، يلا بقي ده أنا جايبه أكل هايعجبك أوي.

كادت تخطو نحو الباب فأصتدمت بالصناديق رغماً عنها، لاحظ فارس الصناديق العلوية وهي تتهاوي وتسقط، تراجع إلي الوراء وجذبها بقوة فأرتطمت بصدره وسمعت صوت أرتطام الصناديق علي الأرض خلفها، لم تكترث للنظر حتي عليهم بل رفعت عينيها ذات العدسات اللاصقة نحو خاصته الرماديتين، لم تصدق نفسها هي الآن بين زراعيه ملتصقة بصدره تشعر بأنفاسه ونبضات قلبه أسفل كفها.
أزدرد ريقه وأبعدها برفق:
_ بعتذر لو كنت شديتك بقوة.

لمعت عينيها ومن فرط قوة نبضات قلبها تخشي أن يسمعها، فقالت بداخل عقلها:
_ بتعتذر ليه!، ده أنا هاين عليا أوقع كل الصناديق عشان تشدني في حضنك زي ما عملت.

أفاقت علي صوت حموده الذي أتي للتو ليطمأن بعدما سمع صوت الصناديق التي وقعت:
_ أي الي حصل؟.

أستدارت إليه بينما فارس أنتابه التوتر والإحراج كون وجوده مع إبنة رب عمله بمفردهما في مكان ضيق كهذا، فكان علي وشك الإجابة لكنها سبقته بحدتها المعتادة:
_جري أي يا حمودة هو أنت أعمي!، الصناديق واقعه أدامك أهي، تعالي أرفعهم.

أستغل فارس الفرصة فقال:
_ لاء روح أنت يا حمودة شوف الزباين وأني هارفعهم بنفسي، وأنتي يا آنسة شهد روحي أتفضلي علي مكتبك ولو محتاچة أي حاچة أبجي خلي حموده ينادم عليا.

وصلت إليها رسالته المستتره من بين كلماته بأن عليها الإبتعاد عنه،  رفعت إحدي حاجبيها بحنق وتجز علي أسنانها بغيظ لم تستطع إخفاءه، ولكي تسترد كبريائها الذي تبعثر أشارت له بعجرفة:
_ ياريت لما تخلص الي وراك تجيب لي الدفتر علي مكتبي عشان  أراجع الي كتبته وبعدها تروح تطلب لي واحد كابتشينو من الكاڤتريا الي علي ناصية الشارع.

أدرك غضبها الكامن من وراء حديثها، فأظهر بسمة جانبية أشعلت نيرانها فأستشاطت غيظاً،  زفرت بقوة و غادرت المكان وفي طريقها ركلت الصندوق بكل قوتها لكنه سبب لها ألماً فتأوهت مما جعله أطلق ضحكة رغماً عنه، ألتفتت له تحدجه بشرر متطاير.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ فتحت الباب بالمفتاح الخاص بها،  ولجت إلي الداخل فوجدت خالتها تمسك بطبق من الأرز وتقوم بتنقيته من الحصي.
_ السلام عليكم يا خاله.

نهضت رسمية و بادلتها التحية: 
_ وعليكم السلام يا نوارة، مجولتليش ليه إنك هتبيتي عند أمك؟.
1

تنهدت وألقت بحقيبتها علي الأريكة ثم خلعت وشاحها: 
_ معلش كنت تعبانه وماجدرتش أعاود،  فينه إبنك؟.

أجابتها وهي متجهة نحو المطبخ: 
_ بيقيل له ساعتين قبل الغدا،  أدخلي غيري خلچاتك وأطلعي واكلي الطيور.

_ حاضر يا خالة.
دخلت غرفتها فقابلتها رائحة دخان الأرجيلة الذي يزفره بقوة، يتمدد علي السرير ويشاهد أحدي الأفلام الأجنبية علي شاشة هاتفه.
ضغطت زر الإضاءه المنغلق بدون أن تلقي التحية عليه أو حتي تكترث له، خلعت عبائتها السوداء وألقت بها غير ملاحظة سوداويتيه الحادتين يتابعها و مازال يسحب الدخان ويزفره  مما سبب إليها السعال.

_ حمدالله علي السلامه يا نوارة هانم.
قالها بسخرية، وبعد أن ألتقطت أنفاسها والإنتهاء من السعال:
_ الله يسلمك يا رافع بيه.
قالتها بسخرية مماثلة مع تعابير ملامحها المستهزأه به
أوقف مشاهدة الفيلم و ألقي بعصا أرجليته فوق الكمود المجاور له لينهض في هدوء قاتل، بينما هي كانت ترتدي عباءة قطنية وترفع خصلاتها لأعلي، فباغتها بجذب خصلاتها بقبضة عنيفة فأطلقت صرخة مدويه:
_ آه، همل شعري يا رافع وإلا...

قاطعها بجذبها نحوه:
_ وإلا أي يابت سعاد!، أياكي تكوني فاكرة إن بعد مابجيتي حبلي فده يديكي الحق تسوي الي علي مزاچك، تخرچي وتبيتي بره الدار من غير ما تجوليلي وترچعي علي كيفك ولا كأن ليكي راچل عاد.

أستدارت بصعوبه حتي تصبح أمامه لكن مازالت خصلاتها في قبضته:
_ أوعاك تكون مفكرني هبلة ونايمة علي وداني، وحركاتك دي مابجاش ليها عزا عندي، ولا أنت ماشي بمبدأ خدوهم بالصوت قبل ما يغلبوكو!.

أدرك ما ترنو إليه، ترك خصلاتها وعقد مابين حاجبيه متسائلاً:
_ تجصدي أي؟.

رمقته بعينين تغمرها دموع حارة تأبي الإنهمار مرة أخري أمام ذو القلب القاسي المتبلد الذي لايشعر بقهرة قلب من تعشقه، يذيقها من العذاب ويلاته كل يوم ولا يبالي لتلك النيران التي تحرق روحها.
_ أجصد إنك عايش حياتك علي هواك ولا كأني مارتك وليا حقوق عليك، حط حالك مطرحي وجولي لو أني الي كنت عشجانه عليك واحد وبسوي وياه كيف ما بتسوي مع الست هانم الي داير وراها في كل مطرح.

جذبها من عضدها حتي كاد يقتلعه من جسدها وهدر بها:
_ كنت دفنتك بالحيا ولا خليت الدبان الأزرج يعرفلك طريج چرة.

أبعدت عضدها الذي ألمها بشدة وقالت بنبرة أوشكت علي البكاء:
_ يبجي ليا الحق أدفنك حي وده يبجي العدل، لكن أني ما سويش إكده،لأن وكلت أمري للخالق ياخد لي حجي منك وتدوج من نفس المُر الي بتدوجه لي كل يوم، وتبكي بالدموع ندم وحسرة.

لم يتمالك نفسه عكس ماتوقعت ردة فعله، أخذ يضحك ويعلو صوت ضحكاته للعنان حتي توقف قائلاً:
_ تصدجي بجالي زمن ماضحكتش وحديتك دي خلاني ضحكت غصب عني، ياه يا نواره مكنتش خابر جلبك أسود جوي إكده!.

رفعت وجهها بشموخ وكبرياء:
_ جلبي عمره ما كان أسود، وچيت أنت ومليته بالسواد وخلتني بدل ما أدعي لك أدعي عليك.
وضع كفه علي وجنتها يربتها بخفة:
_ طيب يا نوارة، لآخر مرة بجولك لو كررتيها تاني وعتبتي بره باب الدار من غير علمي لأكون مكسرلك رچليكي الأتنين، سامعه يابت خالتي؟.

أزاحت يده و حدجته بإزدراء في صمت وذهبت من أمامه.
طرقات عنيفه علي الباب يصاحبها صوت الجرس بدون إنقطاع، خرجت علي أثره رسمية وكذلك زوجها خميس من غرفته فكان نائماً وتابعهما رافع يرتدي جلبابه فوق سرواله وقميصه القطني، أرتدت نوارة وشاحها علي عجالة وذهبت لتري من الطارق فأزاحها رافع من أمامه:
_ خشي چوه لما أشوف مين الي بيخبط كيف البهيمة دي.

وما أن فتح الباب ليجد عمته جليلة في وجهه تدفعه إلي الداخل وتصرخ به متسائلة:
_ فين بتي يا رافع؟، خطفتها ولا سويت فيها اي عاد؟.

نظر الجميع إليه ولم يستعب ما قالته جليلة، فتدخلت والدته:
_ اهدي إكده يا أم زكريا وجولي لنا أي الي حوصل.

صاحت الأخري:
_ أهدي كيف طول ما ولدك ورا كل مصيبة تحصل لبتي!.

تحدث رافع بصوته الغليظ غير مكترث لما تقوله عليه عمته بل يريد معرفة ما حدث مع فاطمته :
_ مالها فاطمة يا عمتي؟.

أشاحت بيديها في وجهه وتشدقت:
_ شوف الواد، يجتل الجتيل ويمشي في چنازته، وعامل حاله ما عرفش حاچة.

صاح بها شقيقها ليوقفها عن النواح:
_ ما تنطجي يا خايتي وجوليلنا حوصل أي لبتك ولو ولدي له يد حتي لو من بعيد أني الي هاتصرف وياه.

حدج رافع والده بغضب في صمت، فأجابت جليله ببكاء يتخلل صوتها ذو البحة:
_ كنت فاكرها نايمه لحد الضهر، هملتها وروحت أعزي چماعه تبع چوزي ورچعت المغربية  دخلت أوضتها ملجتهاش،  أتصل عليها تليفونها مجفول، جولت يمكن صحيت وأني مش موچوده وراحت تحضر كتب كتاب البت سمية، جعدت أستناها وما رچعتش لحد مانعست غصب عني وتو ماصحيت دلوق تو ما چيت لكم .

أتسعت عينيه وألسنة اللهب المشتعلة تتراقص بداخل مقلتيه:
_ عتجولي أي يا عمتي، كيف ما رچعتش من إمبارح؟، وليه ما چيتيش وجولتي لي تو ما تأخرت.

_ يعني مش أنت الي خاطفها يا ولدي؟.
سألته والدته، ليجذبه والده من تلابيب جلبابه:
_ قسماً بالله لو طلعت أنت الي ورا خطف بت عمتك ل....

صاح بوالده مبعداً يديه عنه:
_ ما جولت ماليش صلة بموضوع إختفائها ده واصل، أني فعلاً كنت وياها إمبارح.

لم يريد ذكر إنها كانت برفقة الطبيب في النادي، فأردف:
_ كنا بنتحدتو في موضوع إكده وعازمتها نجعدو شوي علي النيل، أتخانقت وياي وهملتني، أفتكرتها عاودت عليكم، قسماً بالله ده كل الي حوصل.

فقال خميس:
_ مش ممكن تكون راحت عند بكر أخوها وباتت حداه؟.

تذكر رافع أمر يحيي الذي كان يتفق معها علي الزواج فقال في نفسه:
_ والله يا فاطمة لو طلع الي في دماغي ده صوح لأكون مخلص عليكي وهو قبل منك.

تركهم وذهب إلي الداخل تحت نظرات نوارة، تناول عبائته والعمامة كليهما، ثم ألتقط عصاه وخرج.

فسألته والدته:
_ رايح فين يا ولدي؟.

أجاب وهو يرتدي حذائه:
_ رايح أدور علي فاطمة.

كلماته كانت كفيلة بإشعال النيران في قلب التي بالداخل تراقب الأجواء في صمت مُطبق،لكن دموعها لم تتوقف عن الهطول، كانت تخشي أن لايكون للدجال صلة بما في أحشائها لكن الآن تمنت أن يكون الأمر بالفعل حقيقي، وما تحمله ليس إبن رافع لترد له الصاع صاعين عما يفعله معها من خيانة وجراح لا يوجد دواء لها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ توقفت تلك السيارة الفارهة أمام إحدي ناطحات السحاب الشهيرة بالاس فيجاس،  ترجل منها السائق ليفتح الباب لسيده الذي هبط بزهو كعادته و أتبعته هي بحسنها الخلاب مرتدية ثوباً حريرياً باللون الأسود و وشاح باللون الذهب المنطفأ،  يزين وجهها بعض لمسات مساحيق التجميل.
أمسك يدها بحنان لم تعهده معه وقام بتقبيل ظهر كفها بنعومة ثم وضعه فوق ساعده،  فأقترب من أذنها وهمس بصوته الرخيم: 
_ عايزك ما تفكريش في أي حاجة غير أنك تتبسطي يا حبيبتي.

رمقته زينب بتعجب من تصرفاته الغريبة،  فمن بعد زيارة الطبيب وحاله قد تبدل علي النقيض،  أصبح يعاملها بحنان وإهتمام،  يحاول إرضائها بشتي الطرق،  بينما هي توقفت عن الصياح في وجهه والتمرد وأكتفت بالبعد النفسي عنه حيث تتواجد برفقته جسدياً لكن روحها هائمة في عالم آخر،  ظن إنها رضخت إليه أخيراً وستذعن إلي كل أوامره.

دلفا كليهما في المصعد الزجاجي المطل علي خارج البناء،  فرأت ما يحاوط الناطحه من مباني مماثله لها وأنوار عديده شديدة الإضاءه.
توقف المصعد في آخر طابق،  يوجد به مطعم خاص، لايذهب إليه  سوي رجال محددون مثل شاكلة سليم ودنيال وما يعمل معهم من رجال المافيا.

أستقبلتهم نادلة ترتدي ثياباً فاضحة لجسدها،  فقالت لهما: 
_ أهلاً وسهلاً بك سيد سليم،  لقد أعددنا الطاولة الخاصة بك.

أومأ إليها بإبتسامة قائلاً بإقتضاب: 
_ شكراً.

بادلته بإبتسامة مغناج: 
_ العفو سيدي.

لاحظت زينب نظرات الفتاة التي أدركت من خلالها أنها تعرف زوجها جيداً فقالت له: 
_ واضح إنها تعرفك،  ياتري دي كانت واحدة من خاضعاتك؟.

تجلت إبتسامة علي محياه،  فجذب إليها الكرسي لتجلس وجذب آخر و وضعه بجوارها ليجلس ملتصقاً به مما جعلها أنتفضت لاسيما عندما حاوط كتفيها بزراعه وقال: 
_ بدأنا نغير أهو،  تقدم حلو أوي.

تجهمت ملامحها وردت بنبرة حادة: 
_ ومن جالك أني غيرانه عاد؟، ده مچرد سؤال مش أكتر.

هبط بيده إلي خصرها وضغط بخفه عليه: 
_عيب لما تكدبي علي جوزك حبيبك.

إبتسامة هاكمة لاحت علي محياها: 
_ چوزك!،  حبيبك!  ، ومنين چايب الثقة دي يا سليم بيه.

أبعد يده عن خصرها ليرفع كلا يديه إلي وجهها ويحاوطه بكفيه،  تخترق قاتمتيه خاصتيها الذهبيتان المحاوطه بأهداب كثيفة: 
_ بالنسبة لكلمة جوزك ده أمر مفروغ منه،  وأنتي ملكي،  إما بالنسبة لحبيبك،  واحده واحده وهتحبيني ومن غير غصب.

وضعت كفيها علي يديه لتزيحهما لكنها فشلت في ذلك لتجد  يديه متشبثه بفكيها، فقالت بإمتعاض:
_ وأنت خابر زين جلبي بيحب مين، وما الحب إلا الحبيب الأولِ.

برغم ماشعر به للتو من نيران مندلعه يريد إطلاقها عليها وشياطينه تهمس له بأن يلقنها عذاب يجعلها تتوسله الرحمة،  لكنه تمالك غضبه وتظاهر بعكس ما بداخله،  متصنعاً إبتسامة باهته، ويلمس بطرف إبهامه شفاها السفلي: 
_ حبيبتي زوزو لسه ماتعرفش حاجه عن سليم العقبي الي كل ما هتقرب منه وهاتحس بمشاعره ناحيتها ساعتها هي الي هاتعترف بنفسها أد أي إنها بتحبه ويمكن تعشقه.

أفترقت شفتيها لتجيب عليه بما يثير حنقه بل بغضبه وتفسد عليه تلك الليلة الرومانسية الحالمة  ،  فأوقفتها تلك الموسيقي الصادرة من سماعات متفرقة علي الجدران لتشعر بالنغمات تتخلل كل خلايا جسدك لتتراقص معاها علي كل إيقاع لها.

نهض وأنحني أمامها بشكل كلاسيكي،  يمد يده إليها: 
_ تسمحيلي ياحبيبتي بالرقصة دي؟.

لم يدع لها الموافقة أو الرفض،  جذب يديها برفق وحنان ليرفعها أعلي كتفيه وهو حاوط خصرها،  لاتعلم ماذا تفعل، يضغط عليها معنوياً،  تغيره المفاجئ لم تجد له مبرراً سوي إنه يخطط لأمر ما تجهله وهذا ما جعلها تشعر بالخوف بل الرعب.

رفع يده من خصرها إلي منتصف ظهرها ليدفعها إلي صدره: 
_ شكلك مابتعرفيش ترقصي،  ممكن تسبيلي نفسك خالص.

زفرت بسأم وضجر: 
_ وأني أصلاً موافجتش إننا نرجص.
رفعها من منتصف ظهرها  فشهقت بفزع فوجدته يتحرك بها كأنها تتطاير في الهواء علي نغمات معزوفة كلاسيكية تعود إلي القرن المنصرم.

بدأ يلقي عليها بعض الكلمات عله يكسب قلبها و ودها: 
_ عارفه أنا حاسس بقي وأنتي في حضني كده؟.

لم ترد فأردف: 
_ببقي نفسي تاخديني في حضنك أنتي كمان وتضميني أوي.

باغتته بسؤال: 
_ مش غريبة؟.

قطب مابين حاجبيه مجيباً: 
_ وأي الغريب في كلامي؟.

نظرت في داخل عينيه وتقسم إنها تري بداخلهما عكس ما يفعله معها الآن تماماً،  فهو شيطان يرتدي قناع الملاك.
_كل حاچة بجت غريبة،  تصرفاتك وياي،  حتي حديتك سبحان الله بقدرة قادر من أمر ونهي وتهديد وعنف لحب وحنية و رومانسية.

أطلقها علي بُعد زراعه وجذبها مرة أخري لتلتصق بصدره: 
_ مسألتيش نفسك أي سبب التغير المفاجئ؟.

أجابت بسخرية: 
_ سببه لما حبستني في المخزن من غير هدومي والبرد هري چتتي وكنت بحس بالموت كل ساعه لحد ما حسيتش بحالي غير وأني في السرير والدكتور بيجولك چالي السكر!  .

جز علي فكه كلما تذكر الأمر الذي أقترفه بها آخر مرة: 
_ أنا بعترف إن قسيت عليكي بس أنتي السبب والي وصلتيني لكده،  أنا كل الي طالبه منك تسمعي كلامي بدون مجادله، أوامري كلها تتنفذ ولو ده حصل أوعدك وقتها هخليكي تعيشي أجمل أيام حياتك.

رددت بداخل نفسها ساخرة: 
_ وأنت الصادج،  أسود أيام حياتي. 

ظل يراقصها في صمت لكن عينيه كانت تخبرها بالكثير، بينما هي لا تفكر سوي فيما يمتلك فؤادها وكيف تهرب من هذا السجان لتذهب وتبحث عن فارس عشقها مهما كان الثمن!.
_ زينب؟.
همس بها لتشعر بسخونة أنفاسه علي شفاها، حدجته بتوتر وخوف: 
_ نعم.

توقف عن الرقص وعينيه تهبط علي منبع حديثها،  فأرتفعت نظراته مرة أخري في ذهبيتيها لم يكن يحدق بها وحسم بل كانت عينياه تخترق روحها مما جعل قلبها يخفق بقوة،  تخشي إنه يقرأ ما تعزم عليه،  لكنه فاجئها بإلتقاط شفاها بين خاصتيه وأخذ يقبلها وكأنه يتذوق قطعتي من الشهد بنعومة و رقة بالغة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ أشتعلت الأضواء الملونة في كل أرجاء النجع وتعالت الموسيقي معلنة عن قيام مراسم حفل زفاف صلاح أيوب علي سمية إبنة عبدالحق ،  أُطلقت الزغاريد من أفواه النساء،  بدأ عازف المزمار بعزف الموسيقي التي تعود للفلكلور الصعيدي وتبعه الرجال الآخرون بالضرب علي الطبلة والدفوف،  وإلقاء زوجة أبيها بأوراق الزهور الجافة علي العروسين، ذهبت إحدي الفتيات إلي سمية لتجذبها وترقص،  فأمسكت الأخري بيد زوجها وترقص معه أمام الحضور بفرح وسعادة علي نغمات الموسيقي.
كان صلاح يفتقر للرقص الصعيدي فناوله إحدي الشباب عصا غليظه ليرقص بها مع عروسه،  وقد كان أختطفتها منه سمية لترقص بها هي وكأنها راقص بالعصا محترف.
أقترب صلاح منها قائلاً: 
_ سيبي العصاية من إيدك بدل ماتيجي في راس حد وإحنا مش ناقصين.
ردت عليه ومازالت ترقص: 
_ ما تخافش يا صلوحتي،  مارتك تعرف ترجص بالعصا زين جوي،  حتي شوف الحركة دي.

أخذت تلف من حولها وترفع العصا في الهواء وتلتقطها،  لم تنتبه لطرف ثوبها الطويل الذي تشابك في كعب حذائها المرتفع، فأختل توازنها وأسرع إليها ليلحق بها قبل أن تقع فهبطت العصا فوق رأسه بقوة.
3

رأت الدماء تدفق من جبهته فصرخت بأعلي صوتها: 
_ صلاح!.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ خلاص يا بابا عشان منتأخرش.
قالها أكرم منادياً علي زوجته،  فخرجت من غرفتها تعلق يد حقيبتها علي رسغها: 
_ جاية أهو يا حبيبي،  خلاص خلصت،  ثواني بس هلبس الشوز.
2

نظر خلفها وتسائل: 
_ أومال فين البنت؟.

أجابت وهي تهندم من إلتفاف وشاحها حول وجهها أمام المرآه المجاوره لباب المنزل: 
_ بابا جه وأنت نايم وشبطت فيه فخدها معاه.

وبعد أن كان علي وشك إدارة مقبض الباب توقف وخطي نحوها: 
_ بتتكلمي بجد؟.

نظرت له عبر المرآه مبتسمه، تهز رأسها إيجاباً: 
_ اه،  ومالك مش مصدق ليه؟.

حاوطها من الخلف وعقد ساعديه أسفل صدرها و دنا بشفاه نحو أذنها: 
_ هو إحنا ينفع نلغي الخروجه دي ونقضي وقت جميل هنا.
وأشار لها نحو غرفة النوم،  أستدارت لتصبح في واجهته تمسك ذقنه بأطراف أناملها الرقيقة تلمسها بنعومة: 
_ ما إحنا ممكن نخرج عادي ونرجع ونقضي برضو وقت جميل هناك.
وأشارت بسبابتها أيضاً إلي الغرفة، رفع يده إلي طرف وشاحها وبدون أن تشعر قام بفكه وخلعه عنها: 
_ حرام نضيع فرصة زي دي.
وهبط علي عنقها بقبلات ناعمة،  تتحرك من بين يديه: 
_ أستني بس أصبر هقولك.

زمجر بالرفض ومازال يلثم جيدها،  فتفوهت مرة أخري وتدفعه برفق في صدره: 
_ أسمعني بس.

لم يمهلها أن تتحدث فأسكتها بإلتهام شفاها وحملها وأتجه بها نحو الغرفة ليكمل ما بدأ به.
وبعد قليل، نهض من فوقها بلهاث يلتقط أنفاسه ليتمدد بجوارها،  بينما هي جذبت الدثار علي جسدها العاري وألتفتت إليه لتجده يفتح درج الكمود ويسحب سيجارة من العلبة والقداحة،  كاد يشعلها فأخطفتها من يده،  فرمقها بضيق: 
_ أي الي عملتيه ده؟.

ألقت بهم بعيداً وأقتربت منه لتتوسد برأسها صدره العاري وبأناملها تداعب شعيراته المتناثره،  وبدلال أجابت: 
_ عايزاك تبطل تدخين، وماتشربش تاني.

نظر نحوها وسألها بغموض: 
_ خايفة عليه؟.

نهضت لتعتدل في جلستها وأجابت: 
_ آه طبعاً خايفة عليك.

حدق في عينيها لثوان ثم سألها مرة أخري: 
_ بتحبيني يا ندي؟.

عقدت ما بين حاجبيها بتعجب ودهشة: 
_ مالك يا حبيبي،  عمال تسألني أسئلة المفروض أنت عارف إجابتها.

تنهد وتجلت إبتسامة لاتعلم أن كان سعيداً أم ماذا! : 
_ أنا بس بحب أسمعها منك.

نهضت من جواره لتعتليه ومازالت تحتفظ بالدثار عليها فقامت بجمع خصلاتها الغجرية وألقتها علي جانب واحد أعلي كتفها الأيسر لتظهر له ترقوتها من الجهة اليمني وأتضح عليها وشم أسود بالحناء: 
_ أيوه يا أكرومتي بحبك وبخاف عليك، لأنك حبيبي و جوزي وأبو بنتي.

رد عليها وعينيه علي الوشم يحاول قراءته: 
_ أوعديني يا ندي إن عمرك ما هتخبي عليا حاجه تاني مهما حصل.

فاجئتها كلماته،  ظنت لوهلة إنه قد علم بأمر الرساله الأخيرة،  لكن كيف وهي قد حذفتها!  ،  لاتريد أي شئ يعكر صفو حياتهما مرة أخري،فهي تدرك مدي غيرته القاتلة عليها وخاصة من هذا المدعو علي، أرادت إخفاء توترها  فأنحنت للأمام حتي كاد صدره يلامس خاصتها وتفوهت أمام شفاه: 
_ أنا عارفه إنك ممكن تكون لسه زعلان مني أو متضايق من كل الي حصل،  بس أوعدك أن عمري ما هخبي عليك أي حاجة تاني.

أمسك طرف ذقنها وقال بهيام وعشق: 
_ أفتكري كويس إنك وعدتيني.

هزت رأسها بالإيجاب،  ضيق مابين حاجبيه بإستفهام: 
_ ده أي الي مرسوم علي رقبتك؟.

أجابت بدلال وأناملها تداعب خلف أذنه: 
_ ده تاتو بس بالحنا السوده روحت رسمته في البيوتي سنتر الي في الشارع الي ورانا.

وجدت ملامحه يسودها التجهم ليتحول إلي الغضب يجذبها من عنقها:
_ وياتري عشان ترسميه روحتي قلعتي حجابك وهدومك عشان يرسمولك التاتو!.

أزدردت ريقها بخوف من إنقلابه المفاجئ،فأجابت بتردد:
_ لاء، لاء، قصدي أنا خلعت بس الحجاب وخلتني بالبندانه والشيميز نزلته شويه من علي كتفي يعني مقلعتش حاجه، وبعدين ده في قسم المحجبات يعني كل الي هناك بنات وستات بس.

هزها بقليل من العنف:
_ برضو لاء، أول وآخر مرة تعملي حاجة زي كده تاني، عايزه ترسمي زفت أجب لك واحدة لحد البيت وكمان متقلعيش قدامها، محدش يشوف خصلة منك غيري أنا ومحارمك بس، أنتي فاهمه؟.

أومأت له بطاعة:
_ حاضر.

ترك عنقها و أطلق زفرة من أعماقه ليعود مرة أخري ينظر إلي الوشم فجعلها دنت إليه:
_ وأي المكتوب ده.

أجابت بدلال:
_ بعشقك يا أكرم، بس بالاتيني.

_ امم، لاتيني!،قربي كده لما أتأكد بنفسي.

أطلقت ضحكة أثارت كل حواسه فجذبها إليه وأنقض علي موضع الوشم بشفاه تاره وبأسنانه تارة أخري لكن بقليل من العنف، فأخذت تتأوه:
_ آه، حرام عليك سنانك بتوجع.

قال من بين قبلاته علي جيدها:
_ عشان تحرمي تكرريها تاني.

أطلقت صرخة يصاحبها ضحكات:
_ خلاص، خلاص حرمت والله.

و في الشقة المقابلة لمنزلهم يصدر صوت مزعج كان لحفار يثقب الجدار، يقوم به عمال صيانة التكيف، فهبط أحدي الجيران من الطابق الأعلي وعلي ملامحه الضجر:
_ يا عم خضر، أنت يا عم خضر.

خرج له عم خضر حارس العقار:
_ نعم يا رأفت بيه.

_ أي صوت الحفر ده والساعة 12 بالليل!، مش عارفين ننام و أمي ست مريضة ومش حمل أي صوت مزعج، الكلام ده مينفعش غير بالنهار.

رد خضر بإعتذار:
_ حقك عليا يا رأفت بيه، ده عمال الصيانه بيركبو التكيفات في الشقه عشان الساكن الجديد جاي بكره  الصبح هيقعد فيها.

زفر رأفت بسأم وقال:
_ طيب معلش كلمه وقوله يخليهم يكملو بكره.

أجاب خضر علي مضض:
_ حاضر.
وأتجه إلي داخل الشقه يتمتم:
_ وأنا مالي ومال الأرف ده كله.

أخرج هاتفه من جيب بنطاله ليهاتف الساكن الجديد:
_ الو.

أجاب الآخر وهو يقود سيارته بعد أن ضغط علي زر الإجابة في عجلة المقود:
_ أيوه يا عم خضر، في حاجة؟.

_ أه يا بيه، الجيران بيشتكو من صوت الشنيور الي شاغلين بيه العمال.

ألتقط من الكرسي المجاور له سيجاره و وضعها بين شفتيه:
_ خلاص قول للرجالة يوقفو شغل لحد كده ويجو بكره الصبح يكملو.

_ حاضر يا بيه، مع السلامة.

ضغط الآخر علي زر إغلاق المكالمة الموجود في المقود أيضاً، قائلاً بعدما قام بإشعال سيجاره وزفر دخاناً كثيفاً بدأ يتلاشي ويظهر صاحبه من بين سُحبه، ألتمعت عينياه ذات لون العسل بالتوعد والشر  :
_مبقاش أنا إما وريتك من هو علي الحسيني  يا ندي هانم!.

_ بعدما أنتهت ليلتهم الشاعرية في مطعم البرج، عاد كليهما إلي المنزل الحجري تركها و دلف إلي غرفة المكتب لمراجعة أعماله علي الحاسوب،  بينما هي صعدت لأعلي يرهقها التفكير في كيفية التخلص منه في أسرع وقت،  فحدسها يخبرها أن تغيره الطارئ ليس سوي تمثيل زائف وما خفيا كان أعظم.
أطمأنت أن لايوجد في الغرفة سواها فخلعت ثيابها و ولجت إلي المرحاض للإستحمام،  تشعر بالتعب وتريد أخذ قسطاً من الراحة أو تخلد في نوم عميق تهرباً من واقعها المؤسف وعاصفة الأفكار التي تطيح بعقلها المصدوم منذ ليلة زواجها وحتي الآن.
وبعد أن أنتهت وأرتدت منامتها، سمعت صوت خطوات قادمة إلي الغرفة، وثبت علي الفراش وتصنعت النوم حتي لايكمل معها تلك الليله الملعونة بالنسبة إليها.
طرقات علي الباب يتبعها صوت أنيتا الخادمة: 
_ سيدتي،  العشاء جاهز بالأسفل.

لم تجب الأخري عليها برغم طرق الخادمة الباب مرة أخري حتي ذهبت،  أطلقت زينب زفرة عميقة ثم تمددت بأريحية علي جانبها،  فأنتبهت لطرقات مرة أخري لكن تبعها فتح الباب،  علمت إنه هو، أغمضت عينيها للتو.

دخل الغرفة و ملامحه يسودها جمرات الغضب العاتية،  صدره يعلو ويهبط، لو أطلق زفرة لتوه لأحرقت كل مايقابلها.
ألقي نظرة عليها وأقترب منها و أخذ يحملق بها،  ظن إنها تغط في النوم، حاول إلهاء نفسه في تأمل ملامحها البريئة ليبعد تلك الأفكار السوداء والوساوس المميته عن رأسه.
صدح رنين هاتفه في جيبه فأخرجه ليري المتصل وقبل أن يجيب أطلق سبه بذيئة وأتجه إلي الشرفة المطلة علي الحديقة.
(الحوار مترجم )
المتصل:  _ سيدي لقد كان مختبئ في متجر بيع الخمور الخاص بسيد دانيال.
أشتد ظلام عينيه وتفوه بنبرة مخيفة لاتنبأ بخير بتاتاً:
_ حسناً،  أجلبه لي الآن.

أغلق المكالمة ليجري أخري،  ولايشعر بالتي تقف خلفه بمسافة قليلة تسترق السمع.

تحدث في هاتفه مرة أخري: 
_ أطمأن قبضنا علي الرجل الذي سيوصلنا إليهم.
.......
_ أعدك بمجرد وصوله سأجعله يخبرنا بكل شئ.
أغلق مكالمته و تنهد بقوة،  ينظر إلي السماء التي تزينها النجوم المتلألأه،  وقبل أن يستدير ويعود للداخل كانت هي عادت إلي مضجعها وأغمضت عينيها،  شعرت بخطواته وهو يذهب إلي المرحاض ليستحم.
وبعدقليل خرج مرتدياً مأزره القطني ويجفف خصلاته السوداء بالمنشفة وعينيه تجول عليها، خطي نحوها وهو يعلم إنها مستيقظة، لما تتهرب منه بتصنع النوم!.
جلس بجوارها فوجدها ترتجف عندما شعرت بقربه الشديد منها، تفرقت شفاه وكاد يتحدث لكن قاطعه هاتفه ليجد المتصل إحدي رجاله المتناثرين بالأسفل.
أجاب وقال له الرجل: 
_ نحن في إنتظارك سيدي.

أجاب سليم : 
_ أنا قادم الآن.

نهض من جوارها ليرتدي ثيابه و تناول سيجاره وقداحته ثم غادر الغرفة، قامت علي الفور لتلحق به لديها رغبة لمعرفة ما الذي يحدث بالأسفل،  كم هي حمقاء لاتعلم أن الفضول قد قتل القط!  .
_ وبالأسفل في ذلك المخزن الملحق خلف المنزل،  يقف هذا المسكين ملتصق بالعمود الخشبي ويقوم رجال سليم بتقيده بالسلاسل والأغلال الحديدية.
أخذ يصرخ بطلب النجده، فقام إحدي الرجال بلكمه في وجهه ليكف عن الصراخ،  حتي فُتح الباب الحديدي وهنا وقف كل من بالمكان بإحترام لهذا الذي دخل للتو،  رفع ذلك المُكبل رأسه بصعوبه ليري أسوأ ما ينتهي إليه مصيره.
جحظت عينيه رعباً وكأنه يقف أمام الجحيم ، مَنْ فيهم لايعلم بسليم العقبي المُلقب بالشيطان في عالمهم الأسود، و ألف رثاء علي الذي يقع ضحية بين يديه، فنهايته محتوم أمرها بمجرد ذكر إسم معذبه.
أطلق سليم صوت صفيراً علي هيئة نغمات كما يفعل كل مرة مع ضحيته، وكأنه سيقوم بعمل فني كالرسم والنحت وليس تعذيب.
جذب كرسي ليجلس عليه بعكسه،  حيث ظهر الكرسي مقابل لصدره، وكان علي بعد مسافة من  الرجل المقيد كفيلة أن يري ملامح سليم التي دبت الرعب في كل خلايا جسده فأخذ يرتجف بقوة.
كف الآخر عن الصفير ليسأل بالإنجليزية الأمريكية: 
(الحوار مترجم)
_ أين البضاعة التي أختطفتموها؟.

أزدرد ريقه و أجاب بإستنكار: 
_ بضاعة ماذا؟.

هز رأسه وأطبق شفتيه، فنهض عن الكرسي: 
_ بضاعة ماذا!  ، أنت الذي حددت ما سأفعله معك لا تشتكي الآن.

أدرك الآخر ما يرمي إليه،  فصرخ لإيقافه عن أي شئ مُقبل عليه:
_ لا،  لا،  أرجوك سيد سليم دعني وشأني، لا أستطيع الإفصاح عن أي شئ، لو أخبرتك سوف أُقتل.

وبالخارج كانت تتسحب علي أطراف قدميها لتري مصدر تلك الهمهمات والصراخ الآتيه من المكان الذي كانت معاقبة به منذ يومين.
خفق قلبها وجلاً عندما وصلت إليها صرخات هذا المُعذب بالداخل،  وبدون أن تلفت إليها إنتباه الحراس المتراشقون في كل الأرجاء،  أختفت ما بين الأشجار حتي وصلت إلي المخزن و وقفت تري مايحدث من خلال شق متصدع في الجدار.

وعودة إلي الداخل،  يمسك سليم سلاحاً ذو نصل حاد يغرز سنه المُدبب في صدر الآخر فأطلق صرخة من الألم الغير محتمل،  وقبل أن يبدأ في تشريحه حياً هدر به بصراخ مرعب: 
_ أنطق أيها الغبي بدلاً من أكمل تشريح جلدك و لحمك وأطعمه لك غصباً.

يلتقط أنفاسه بلهاث ولعابه يسيل من فرط الألم غير قادر علي التفوه ولو بحرف مما أثار غوار سليم الذي شرع في تهديده.

شهقت من هول ما تراه فكممت فاهها حتي لايسمع صرختها أحداً، تأكدت للتو إنها متزوجة من رجل سفاح قاتل، يحاول أن يظهر لها بمظهر الرجل ذو المشاعر الرومانسية والقلب الحنون لإستمالة قلبها ومشاعرها نحوه لكن ما حدث الآن كشف لها عن جانبه المظلم الحالك.
أنتابها الشعور بالغثيان،  تراجعت إلي الوراء لتفرغ ما بجوفها، أرتمت علي الأرض في وضع الجثو لتجهش في البكاء كلما تذكرت أن شقيقها قد باعها لهذا المجرم غير مكترث بحقيقته وماذا يمكن أن يفعل بها من أذي،  تتخيل نفسها مكان هذا الرجل وسليم يغرز السكين في جسدها،  ليتها ما أطلقت لمخيلتها العنان،  فالواقع أسوأ بكثير من الخيال.

وفي تلك اللحظة قد حسمت قرارها عليها تركه أو الهروب منه حتي لا يأتي يوماً وتكون أشلاء علي يديه حينها الموت منتحرة أفضل بكثير.

أفزعها صوته الذي دب الرعب في أوصالها:
_ بتعملي أي هنا؟.
1

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ وفي أرض الكنانة، بداخل إحدي الفنادق الشهيرة في محافظة قنا، يتمدد علي السرير ومازال مرتدياً حُلته السوداء، وهي تجلس بجواره بثوب زفافها، تداوي له جرحه أثر هبوط العصا علي رأسه، تأوه حينما نثرت المطهر علي جرح جبهته، فقالت:
_ حجك علي يا حبيبي، والله ماكنتش أقصد واصل.

صمت ليرمقها لحظات ثم أمسك بيدها التي تداويه قائلاً:
_ أنتي قولتي أي؟.

أجابت بعفوية:
_ مكنتش أقصد.

أنفرج ثغره بإبتسامة:
_ لاء الكلمه الي قبلها.

فهمت مغذي سؤاله، فأجابت بمكر:
_ جولت والله ماكنتش أقصد.

زمجر بحنق:
_ سمية، بطلي لؤم أنتي فاهمة أنا بسألك عن أي كويس.

ضحكت وقالت:
_ أباه عليك، أني بهزر وياك ماتبجاش مزرزر إكده.

غر فاهه وسألها بتعجب:
_ أي مزرزر دي كمان؟.

_ يعني بتتنرفز بسرعة، كيف عصبي حداكو في البندر.

نهض بجذعه وحاوط خصرها متفوهاً بهيام:
_ إحنا هنقضيها تغير علي الجرح وتفسير مصطلحات وتضيع علينا أحلي ليلة في حياتنا.
1

رمقته بتوتر وخجل وهي تنهض:
_ رايد نسوي أي يعني؟.

أمسك برسغها لمنعها من الإبتعاد عنه وغمز بعينه مبتسماً:
_ تعالي هنا رايحة فين، ده أنا ما صدقت إننا أتجوزنا وبقيتي مراتي.

تمتمت بداخل عقلها:
_ وأني كمان ما مصدقه حالي و الود ودي أترمي في حضنك وأعطيك بوسه كيف بتوع السيما.
1

أنتبهت علي جذبها إليه ليجلسها علي فخذيه:
_ ما بترديش ليه كده وواقفه سرحانه؟.

هزت رأسها بإستنكار وبدون أن تنظر في زرقاويتيه قالت:
_ أني بس أ....

قاطعها و هو يمد يده إلي حجابها في محاولة فكه:
_ أنا عارف إنك مكسوفة ومتوترة وخايفة زي أي بنوتة في أول ليلة جوازها.

هزت رأسها لتؤكد علي كلماته، و وجنتيها تزداد حمرتها، فأبتسم علي ردة فعلها التي تجعله يشتهيها ويريد نهمها كالفاكهة.
أمسكت بيده لتمنعه عن فك حجابها ورمقته برجاء ولطف:
_ممكن قبل أي حاچة نقوم نتوضو ونصلي ركعتين لأچل ربنا يبارك بينتنا ويبعد عنا الشيطان؟.

في كل موقف وكل كلمة لها يزداد إعجابه بها، حدجها بإبتسامة تنضح من زرقاويتيه فأجاب بكل ترحاب وقبول لطلبها:
_ طبعاً بس..

صمت وهو يحك فروة رأسه بحيرة من أمره.
_ بس أي؟.

سألته بعدم فهم فأجاب عليها بخجل:
_ مش هعرف أصلي.

غرت فاهها وقالت بتلقائية وبأسلوب فكاهي:
_ حداك عذر إياك؟.
وضحكت رغماً عنها، فعقد مابين حاجبيه وأجاب بإمتعاض:
_ لاء يا ظريفة، أنا قصدي مش هعرف أصلي بيكي أمام، مش متذكر أركان الصلاة أوي وخايف أتلغبط.
2

أتسع فمها أكثر من التعجب والدهشة فقالت بمزاح ساخر:
_ هو الوالد والوالدة معلمكش تصلي كيف؟.

أغمض عينيه لثوان وتذكر والده الذي لم يهتم لأمره يوماً ولم يعلمه أمور دينه بل كان والده تاركاً للصلاه.
أومأ علي سؤال زوجته بالنفي و رأت الحزن في عينيه فأرادت تغير الأجواء فاخذت تتمتم مازحة:
_أبوك معلمكش الصلاة وهملك إكده وأتلاجيت بسليم زعيم كفار قريش وبجيتو أصحاب وحبايب، ياخوفي لتطلع في الآخر مُلحد، يبجي إكده المرار الطافح الي عيشته طول حياتي ختمها بخازوق أزرج كيف لون عينيك.
2

لم يفهم من حديثها شيئاً:
_ أنتي عماله تبرطمي بتقولي اي؟.

أمسكت بيده وقالت:
_ جوم بس الأول وروح أتوضي، عقبال ما أغير الفستان لأچل هتوضي وقبل مانصلي هجولك كيف تصلي وبيا كمان، أتفجنا؟.

أمسك بكفها وطبع بداخل راحته قبلة عاشقة:
_ أتفقنا يا حياتي.

_ وبعد مرور دقائق وقفت أمام المرآه تغلق مشبك الحجاب بعدما أبدلت ثوبها بإسدال للصلاة وتوضأت، وكذلك هو بعد إنتهاءه من الإستحمام وأرتدي ثياباً قطنية، وقف خلفها يحدق في ملامحها التي تزداد جمالاً وإشراقاً كلما ينظر إليها.
أستدارت إليه لتنتشله من شروده ونظراته التي تخترقها، فقالت:
_ رايده منك تركز وياي زين جوي، ماشي؟.

أومأ لها قائلاً كتلميذ نجيب:
_ يحضرلك الخير يا حبيبي.

أتسعت إبتسامته فأزداد وسامة أكثر، صاحت في وجهه:
_ لاء بجي، إكده مينفعش عاد.

حدجها بعدم فهم مندهشاً:
_ فيه أي؟.
تمتمت بدون أن يسمعها جيداً:
_ فيه حاچات كتير، أعلمه كيف نصلي وهو عمال يبحلق فيه بعينيه الزُرج دول، أستغفرالله وأتوب إليه.

زفر بنفاذ صبر قائلاً:
_ أنتي عماله تكلمي نفسك بتقولي أي؟.

ضحكت وأجابت:
_ بجول يلا نخلصو في ليلتنا الي مافيتاش دي.

وقفت أمامه تخبره وتعلمه كيفية أداء الصلاة، بينما هو كان ينظر إليها ويشعر بأن ما بداخله قد تعدي مرحلة الإعجاب بل الحب أيضاً، تعلقه وشعوره نحوها أصبح تعلق عاشق بمعشوقته، الفتاة الوحيدة التي وجد فيها كل ما يتمناه، فقربه منها يشعره بالدفء والحنان الذي لم يجدهما حتي في أقرب الناس إليه.

أفاق من شروده علي قولها له:
_ يلا لأچل تصلي بيا إمام، تعرف ولا ماتعرفش؟.

هز رأسه مبتسماً:
_ هاعرف إن شاء الله.

تقدمها بخطوة وهي خلفه فرفع صوته:
_ الله أكبر.
وبدأ بتلاوة آيات سورة الفاتحة في خشوع، يشعر برجفة تسري في عروقه وطمأنينة وسكينة تملأ قلبه كلما نطق لسانه بآيات الذكر الحكيم والقيام بكل ركن كالركوع والسجود.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ وصل مبكراً أمام المركز الصحي الخاص بسكان النجع،  ترجل من سيارته وهو يمسك بهاتفه لا يكل ولايمل عن الإتصال عليها ولم يجد إجابة،  يريد الإطمئنان عليها ويخشي الذهاب إلي منزلها ويحدث سوء تفاهم ينتهي بكارثة أو يسبب لها مشكلة مع أسرتها.
ركضت نحوه مساعدته عندما رأته:
_ صباح الخير يا دكتور.

أغلق شاشة هاتفه و وضعه في جيب بنطاله:
_ صباح النور يا مديحة، فيه حالات النهاردة؟.

سارت خلفه وهي تجيب عليه:
_ أيوه يا دكتور، عشر حالات حاچزين تذاكر ومستنين حضرتك.

ألقي نظرة علي ساعة معصمه:
_ طيب خمس دقايق ودخليلي أول حالة وياريت ماسمعش خناقات زي كل مرة، إحنا مش في طابور عيش.

أومات له:
_ أمرك يا دكتور.

ولج إلي داخل الغرفة وخلع سترته وألتقط مأزره الطبي المعلق علي المشجب ليرتديه، جلس خلف مكتبه وأطلق تنهيدة حارة متمتماً:
_ ياتري أنتي عاملة إيه يا فاطمة!.

أرتفعت الأصوات بالخارج بين صياح المساعدة و رجل يريد الدخول إلي الطبيب عنوة:
_ لو سمحت يا فندم جولتلك روح اجطع تذكرة بچنيه وأستني دورك.

أجاب الآخر بصياح:
_ أفندم أي يا أبله شيفاني لابس بدله إياك، بجولك أمي تعبانه ومجدراش تيچي المركز أهنه.

_ والدكتور عنده حالات دلوق ومينفعش يهملهم ويچي وياك.

خرج يحيي ليري ما الأمر:
_ أي الدوشه دي يا مديحة؟.

وقبل أن تتفوه بكلمة ركض إليه هذا الرجل ذو المظهر الغريب وقال بتوسل وشيك علي البكاء:
_ أبوس يدك يا دكتور أمي بتموت، مجدراش تاخد نفسها وماعرفش أچيبها أهنه ماتستحملش الحركة واصل.

ربت الآخر عليه ليطمأنه وقال:
_ أهدي كده إن شاءالله خير، إستناني هادخل أجيب شنطتي وجاي معاك.

رفع يديه لأعلي وأخذ يدعو:
_ الله يباركلك يا دكتور ويخليك لينا قادر يا كريم.

أرتدي سترته وأخذ حقيبة أدواته الطبية وغادر برفقة الرجل ذو الملامح المريبة، وعند وصوله إلي سيارته سأله :
_ البيت قريب ولا بعيد عن هنا؟.

أجاب الآخر:
_ قرب المعبد مش بعيد جوي يعني.

فتح باب سيارته وقال:
_ طيب أركب بسرعة.

وبعد دلوف كليهما إلي السيارة أنطلق بها حتي توقف امام منزل قديم في منطقة نائية عن المنازل الأخري.
_ أيوه هو ده بيتنا يا دكتور.

أشار يحيي إليه لينزل من سيارته:
_ ممكن تنزل عقبال ما اركن العربية علي جمب وأحصلك.

أرضخ الرجل لطلبه حتي لايشك في أمره وعندما لحق به الآخر، وجد باب المنزل يُفتح من الداخل.
_ أتفضل أدخل يا دكتور.

وبمجرد قدمه تقدمت بخطوة إلي الداخل دفعه الرجل بقوة، وكان يوجد آخر ينتظرهم هبط علي رأسه بعصا غليظة جعلته يفقد وعيه في التو.

_ وفي مكان آخر، أستيقظ بفزع بعدما ألقي علي وجهه دلو من الماء، أرتفع شهيقه ليلتقط انفاسه.

_ أخرچو أنتو يا رچالة، رايد أجعد ويا الدكتور لوحدنا، بينتنا حديت كتير.

قالها رافع الذي وقف أمام يحيي المقيد في الكرسي بأحبال قوية، يحدجه بنظرات نارية قاتلة:
_ مش هاستغرب من خطفك ليا، مش جديد ولا غريب علي مجرم زيك.

قهقه رافع عائداً برأسه إلي الوراء حتي ظهرت كل أسنانه، تحدث بهدوء مضاد للنيران المندلعة بداخله ود لو أطبق علي عنقه بقبضته حتي تفارق روحه جسده، لكنه لم يفعل ذلك سوي بعد معرفة مكانها أولاً.
_ أني مچرم ويا الي يعاديني ويحاول ياخد حاچة تخصني يا دكتور.

رمقه بعدم فهم ما يشير نحوه بكلماته المبهمة فقال:
_ تقصد أي بكلامك؟.

كشر الآخر عن أنيابه ليكشف له عن وجهه القبيح، دنا إليه و حدجه بنظرة مخيفة تخبره أن إنكار الأمر ليس في صالحه قط:
_ فين فاطمة يا يحيي؟.

تجلت الصدمة علي ملامحه، هل هذا الأخرق يتهمه بإختطاف مجبوبته!.

_ ما عرفش.
إجابة مقتضبة، وعينيه تنضح بصدقه، لكن رافع لايريد رؤية ذلك، فكل ما يجول في رأسه أن فاطمته قد هربت بمساعدة هذا المُكبل أمامه.
شبح إبتسامة لاحت علي محياه ولم تصل لقاتمتيه المظلمتين، خلع عبائته و وضعها جانباً ثم رفع أكمام جلبابه لأعلي ليباغته بللكمة قوية وبصياح هادر:
_ فاطمة فين يا إبن ال........

أطلق صرخة قوية من شدة اللكمة مما جعله يشعر بحطام عظام فكه السفلي وتذوق دماءه بداخل فمه، أخذ يتنفس بلهاث وبتهدج واضح اجاب:
_ والله.. العظيم.. ما أعرف.. عنها حاجة.

ألتقط أنفاسه بصعوبة بالغة من فرط الألم الذي يداهمه بقوة، فأردف:
_ من وقت ما كنا في النادي وأنت جيت وأتضايقت مني ومنك وسابتنا ومشيت، قعدت أتصل بيها تليفونها مقفول، وبعدين مش أنا الي يخطف أو يحرض واحده إنها تهرب من أهلها، الي مرضهوش لأخواتي البنات مرضهوش علي بنات الناس.

لوهلة تأكد من صدق كلماته، أخرج زفرة عميقة من جوفه وهو يرجع خصلاته إلي الوراء، كاد عقله يجن من كثرة التفكير، توقف عن الذهاب والأياب ليلتفت مرة أخري له:
_ لو حديتك طلع صوح وأنت ملكش يد في غيابها، يبجي ده معناته أي!.

حدقه بإزدراء و رد علي حديثه بتهكم :
_ معناه أنك تروح تشوف مين الي عايز ينتقم منك في فاطمة، وأنت ماشاء الله أعداءك كتير.
1

أنقض علي ياقة قميصه ويجذبه منها هادراً به:
_ تعرف لو طلعت بتكدب عليا هسوي فيك أي عاد؟.

رمقه بسخط قائلاً:
_ أنا دلوقت عرفت أنها ليه مرضتش تتجوزك.

هزه بعنف فهدده:
_ أخرس بدل وقسماً بالله لأجطع لك لسانك وأبلعه لك، ولعلمك بجي أنت هاتفضل مشرفنا أهنه لحد ما ألاجيها، وكيف ما جولتلك لو طلع ليك علاقة بإختفاءها لأكون دفنك مطرحك حي.

قالها وتركه ثم بصق جانباً، أرتدي عبائته وأمسك بعصاه منادياً:
_ تعالي يا زفت منك له.

دلف رجلان فقال كليهما:
_ أمرك يا كبير.

_ عينكم عليه ولو حوصل حاچة بلغوني علي طول.

أومأ أحدهما:
_ أمرك يا رافع بيه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ أستيقظت من نوم عدة ساعات لتجده يدلف إلي الغرفة يرتدي مأزره القطني،  يبتسم إليها: 
_ يلا قومي يا كسلانة.
تثائبت واضعة كفها علي فمها ثم قالت بصوت به آثار النوم: 
_ صباح الخير.

فتح الخزانة وأخذ حقيبة سفر و وضعها علي طرف السرير: 
_ إحنا بقينا الضهر.

نهضت بجذعها ثم سحبت هاتفها من جوارها علي الكمود تنظر في شاشته: 
_ ياه إحنا بقينا الضهر فعلاً.

رمقته بإستفهام وأردفت بتساؤل: 
_أنت مسافر ولا أي؟.

وضع أخر قطعة ثياب فأغلق سحاب الحقيبة، وأجاب:
_ للأسف جالي تليفون الصبح بدري إن أجهز نفسي لمهمة في جنوب سينا يا عالم هنقعد أد اي هناك.

أمتعضت ملامحها قائلة:
_ كل ما نقضي لنا يومين حلويين يجي شغلك الرخم وياخدك مني، حاجة آخر أرف، أوف.
زفرت بتأفف.
خطي نحوها وجلس بجوارها ليمسك وجنتها بأنامله:
شغلي الرخم والمؤرف ده، مضطر أستحمله عشان أجيب لكم كل الي نفسكم فيه، مفيش حاجة حلوة بتيجي بالساهل، صح ولا كلامي غلط؟.

أرتمت برأسها علي صدره وقالت بدلال:
_ صح يا أحلي بابا، ربنا يقويك ويعينك وما يحرمناش منك أبداً.
2

قام بتقبيل رأسها ومربتاً علي ظهرها:
_ أحلي دعوة من أجمل شفايف.

رفعت وجهه لتنظر له بإبتسامة أثارت جميع حواسه:
_ بذمتك شفايفي بس الي جميلة.

رفع حاجبيه بدهشة:
_ مش مصدق نفسي يا جدعان، ندوش حبيبتي الي كانت بتتكسف من خيالها بقت تقول كلام منحرف!.

لكزته في صدره قائلة:
_ طب أوعي بقي يا رخم.

فكادت تنهض فأمسك بساعدها ليجلسها علي فخذيه محتضناً خصرها بزراعيه:
_ تعالي هنا بهزر معاكي، وعايز أقولك مش شفايفك بس الي جميلة حاجات كتير أولاً روحك الحلوة وقلبك الحنين وحاجات تانيه كتير هبقي هقولك عليهم عملي.
و غمز لها بعينه وأردف:
_  بس لما أرجعلك بالسلامه عشان يا دوب هقوم ألحق ألبس لأن فيه عربية هتعدي عليا بعد ساعة.

زمتت شفتيها بحزن وعانقته بقوة:
_ هتوحشني أوي يا حبيبي.

بادلها العناق قائلاً:
_ وأنتي هتوحشيني أكتر  وكمان لارا، أبقي قوليلها بابي لما يرجع هيوديكي الملاهي وهيشتريلك العروسة الي بتحبيها وعلبة شيكولاتة كبيرة.
3

أبتعدت عن صدره لتعانق وجهه بكفيها تنظر في رماديتيه بعشق و وله:
_ أنا مش بحبك وبس، أنا بعشقك أوي يا أكرم.
أقتربت بشفاها لتهبط علي خاصته بقبلة مليئة بمشاعر تفيض عشقاً وهياماً.
2

أنسحبت بتروي، فقامت:
_ هاروح أحضرلك الفطار بسرعة.

أمسك يدها ليوقفها قائلاً:
_ أنا حضرت فطار وكلت وسبت لك الباقي في الميكرويف.

جذبته من شحمة أذنه برفق مازحه:
_ ليك قلب تفطر من غيري!.

ضحك قائلاً:
_ كنت هاموت من الجوع ولاقيتك في سابع نومه، مرضتش أصحيكي، قولت سيبها نايمه حرام عليك دي شقيانه معاك طول الليل لحد الفجر.

أبتسمت بخجل مما جعل وجنتيها تشتد توهجاً وحمرة، كم يعشق تلك الحمرة علي وجنتيها التي تشبه ثمرات التفاح الأحمر القاني.

_ ممكن تسيب أيدي أروح أخد لي دش عشان أفوق وأحضرلك بقيت حاجتك؟.

تمتم بالنفي:
_ توء توء، أنا خلاص حضرت حاجتي وبلبس في خمس دقايق، يعني فاضلي حوالي خمسين دقيقة من دلوقت، ياتري هعمل فيهم أي، هاتعمل فيهم أي يا واد يا أكرم.

كانت ترمقه بضحك علي أسلوب حديثه المازح، ففاجئها بجذبها إلي الفراش:
_ تعالي لما أقولك أيه الي أجمل من شفايفك.

_ يا مجنون.
صاحت بها و أخذت تضحك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ خد بالك من نفسك ومتقفلش موبايلك عشان أطمن عليك.
قالتها ندي وهي توصله إلي الباب.

ألقي نظرة علي هيئته قبل أن يغادر:
_ حاضر.
تمم علي سلاحه و وضعه في حافظته المعلقة ببنطاله

_ وأبقي خد بالك من أكلك ومتهملش أي وجبه عشان صحتك.

تنهد وقال:
_ حاضر،فيه حاجه تاني؟.

وقفت أمامه وأبعدت شئ ما قد تعلق علي كتفه:
_ آه، فيه أن أنا بحبك موت.

أنحني برأسه ليرسم علي شفاها قبلة ناعمة وقال:
_ وأنا بعشقك بجنون، خدي بالك من نفسك، كلمي مامتك خليها تيجي تبات معاكي اليومين دول.

أطبقت شفتيها بأسف:
_ ماما من وقت ما مشيت من عندها من وراها وهي زعلانة أوي مني ومبتكلمنيش.

ربت عليها بمؤازره قائلاً:
_ حقك عليا يا حبيبتي أنا السبب، لما أرجع إن شاءالله هابقي أروح لها وأتكلم معاها، مهما كان هي في مقام والدتي وميرضنيش زعلها.
1

عانقته بكل حب وعشق تكنه إليه:
_ ربنا ما يحرمني منك أبداً.

صدح هاتفه برنين، فنظر إلي شاشته ليجد المتصل سائق السيارة المنتظرة أسفل البناء.
_ أسيبك أنا بقي العربية مستنياني تحت.

فتح الباب فذهبت خلفه:
_ لا إله إلا الله.

رد قائلاً:
_ محمد رسول الله، خشي جوه وأقفلي علي نفسك، فيه عمال في الشقة الي قصادنا.

أومأت له بطاعة وبمزاح قالت:
_ تمام يافندم.

_ مع السلامة.
أوصدت الباب كما أمرها وعادت إلي الداخل، بدأت في أعمالها المنزلية اليومية حتي أنتهت منها و داهمها الشعور بالتعب، فدلفت لتغفو قليلاً.
لم تكمل غفوتها الخمس دقائق حيث أستيقظت بفزغ علي صوت مثقاب في الجدار المشترك بينها وبين الشقة المقابلة لهم.
زفرت بسأم من ذلك الصوت المزعج، وضعت وسادة علي رأسها لكن لا محالة مازال الصوت مزعجاً بل تشعر بذبذبات المثقاب.
صدح رنين هاتفها فتأففت:
_ أوف بقي، و ده مين الي بيتصل.

أجابت علي المتصل:
_ نعم يا عم خضر فيه حاجه؟.

_ معلش يا مدام ندي وآسف علي إزعاج حضرتك ممكن تشوفي الميه شغاله عندكم ولا لاء؟.

عقدت مابين حاجبيها فسألته:
_ الميه هتقطع ولا أيه؟.

_ لاء بس السباك الي كان شغال في الشقة الي قدامكو كان بيركب وصلات مواسير جديدة  بدل القديمة الي باظت والظاهر طلع غبي ومبيفهمش حاجة وبوظ الدنيا وحضرتك زي ما عارفه أن مواسير الميه مشتركة مابين الشقتين.

صاحت بغضب: 
_ وأنت كنت فين يا عم خضر من كل ده،  سايب كل واحد بيشتغل علي مزاجه!.

_ والله يا مدام ما كنت أعرف،  حتي البيه الي مأجر لسه جاي و......

قاطعته وهي تجز علي فكها: 
_ طب أقفل وأنا هاتصرف.
أغلقت المكالمة علي الفور وهي تزفر قائلة: 
_ أبتدينا الأرف بقي،  ما كانت الشقة فاضية ومرتاحين.

أرتدت وشاحها وقررت الذهاب لتضع حداً لما يحدث،  غادرت منزلها لتجد باب الشقة المقابلة مغلقاً،  ضغطت علي زر الجرس وأنتظرت لثوان فكادت تضغط مرة أخري، فُتح الباب فأندفعت بالقول بحدة: 
_ الي بيحصل ده يا.....

تسمرت وصمتت كأن أصابها الخرس، يقف بكامل هيئته أمامها وبتحدي سافر يحدجها وكأن عينيه تقول لها أرني ماذا لديك!.
أصابتها صدمة، ولا تغفل تلك الإبتسامة المتوعدة التي تملأ ثغره: 
_ كنتي فاكراني بهددك وخلاص في آخر رسالة بعتهالك؟.
وقبل أن تجيب علي كلماته الإستفزازية سمع كليهما صوت المصعد يتوقف في الطابق،  جذبها  للداخل لديه وأغلق الباب.
صاحت به: 
_ أنت بتعمل أي؟.

كمم فاها وقال: 
_ أهدي كده و وطي صوتك بدل ما حد يسمعنا من الجيران.

جزت علي شفتها بحنق شديد: 
_ يا بجاحتك يا أخي،  وكمان مش مكفيك الي عملته فيا وفي حياتي الي كانت هتتخرب علي إيديك جاي بكل وقاحة تسكن قصادي،  للدرجادي بايع روحك!،  مش خايف لجوزي يشوفك ويقتلك!  .

أمسكها من عضديها و دفعها إلي الحائط: 
_ أه بايع روحي،  سابق وقولتلك أنتي ملكي يا ندي وهاتبقي بتاعتي أنا،  أنا سكت بس الأيام الي فاتت لما تعبتي ودخلتي المستشفي،  والظاهر أفتكرتي سكوتي إن بعدت وأستسلمت،  دلوقت جيت لك عشان أثبت ليكي إن لسه علي وعدي وكلامي.

دفعته في صدره بكل قوتها: 
_ أفهم بقي،  الي فيه ده ما اسمهوش حب ده مرض نفسي ولازم تتعالج منه.

تحولت ملامحه إلي وحش كاسر شديد الغضب،  أصبحت عروق عنقه بارزه، يزفر أنفاسه وكأنها ألسنة لهب.
_ أنا مش مريض يا ندي، أنا واحد كل ذنبه إنه حب بجد، سلم قلبه لواحدة غدرت بيه.

_ أيوه جينا للنقطة المهمة،  واحدة غدرت بيك،  أديك قولتها أنا غدارة،  وخلاص خلصنا، جاي ترمي بلاك عليا ليه،  عايز أي من واحده باعتك ومش عايزاك!.

أحتقن وجهه بالدماء ليصرخ بها: 
_ كدابة،  أنتي حبتيني زي ما حبيتك،  بس زي أي واحدة دورت علي مصلحتها وكنت لسه علي أد حالي عشان كده سبتيني.

_ أنا والله م....
قاطعها رنين جرس المنزل،  أتسعت عينيها بخوف،  اشار إليها بالإختباء في المطبخ،  سمعت صوت حارس العقار،  خشيت أن يراها فأسرعت بالمغادرة عبر باب المطبخ لتدلف إلي شقتها وأوصدت الباب خاصتهم من الداخل جيداً،  أخذت تردد بخوف لما هي مقبلة عليه: 
_ الله يخربيتك،  الله يخربيتك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
4

_ ينتهي الحاج نعمان من إرتشاف قهوته فوضع القدح جانباً وقال: 
_ ها يا قاسم،  خلصت تسجيل بيانات كل صندوق؟.
أجاب فارس وهو يضع الدفتر أمامه: 
_ كله تمام يا حاچ،  هنا سچلت لك كل أرقام الصناديق وقدام كل رقم نوع البضاعة الي چوه الصندوق و فرزتهم حسب كل لون ومقاس كمان.
أبتسم نعمان وقال: 
_ عفارم عليك،  للمرة الألف أتأكد إني نظرتي فيك ماتخيبش،  ده أنت ما شاء الله ولا أجدعها كمبيوتر.

بادله فارس البسمة وقال بخجل: 
_ الله يخليك ويكرمك يا حاچ،  يعلم ربي أنا بعزك وحبيتك كيف والدي الله يرحمه.

_ سلامو عليكو يا حاج.
قالها هذا الدخيل الغير مرحب به،  أجاب نعمان بإمتعاض: 
_ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،  خير يا ممدوح؟.

كان يرمق فارس بإزدراء وكأنه حشرة قبيحة أمامه، جلس بدون أن يستأذن من الحاج نعمان وقال: 
_ كل خير يا حاج إن شاء الله، ياريت بس نبقي علي راحتنا.

أدرك فارس إنه لايريد وجوده فقال: 
_ طب عن أذنك أنا يا حاچ،  هاروح أشوف الزباين.

_ أتفضل يابني.
قالها و زفر بسأم من هذا الممدوح الذي لا يمل عن طلبه الأحمق
فقال في نفسه: 
_ إبنك!،  ده شكل الحكاية جد والواد إبن ال.... واكل بعقل الحاج حلاوة وعينيه علي البت،  لاء ده أنا لازم أتحرك وأسبقه،  وعلي رأي المثل الي سبق أكل النبق.

أنتبه لصوت نعمان الرخيم وهو يقول له: 
_ وأي الخير الي جاي لي فيه ده يا ممدوح،  أصلها مش عوايدك.

مسح بلسانه علي شفته السفلي وبدأ الحديث: 
_ صلي علي حبيبك المصطفي.

_ عليه أفضل الصلاة والسلام.
_ من الآخر كده جاي لك وكلي عشم إنك متكسفنيش،  أنا طالب أيد ست الحسن والجمال الآنسة شهد بنت حضرتك.

زفر نعمان و ود لو قذفه بالقطعة الخزفية التي تزين أعلي مكتبه: 
_ وأنا كل مرة تيجي تطلبها وبقولك لاء والمرة دي بقولك مليون لاء يا ممدوح،  ولم نفسك بدل ما أروح أبلغ حريمك التلاته إنك عايز تتجوز عليهم واحده رابعة.

أنفرجت شفاه بإبتسامة صفراء ماكره: 
_ هو أنت ما عرفتش،  مش أنا طلقتهم التلاته،  كل يهون عشان خاطر عيون الآنسة شهد.

نهض نعمان وقد أنتفخت أوداجه و غضبه قد وصل لحلقه فلم يستطع صبراً علي هذا الحقير،  فصاح به: 
_ وأنت فكرك لو طلقت مرتاتك التلاته كده هوافق!، دي كل واحده منهم مخلفه لك تلات عيال،  هان عليك عيالك!،  و جاي وفاتح صدرك وفرحان أوي،  يا أخي أتكسف علي دمك ده أنت ضعف عمرها،  دي تقولك يا عمو وأنت جاي تقولي عايز تتجوزها!.

كانت كلماته مثيرة لحنق وغيظ الآخر مما دفعه للصياح بما لا يتوقعه الحاج نعمان: 
_ ده مين ده الي تقوله يا عمو!  ، الحق عليا جيت عشان أستر عليها.

جحظت عينيه فصاح بغضب: 
_ أنت واعي للي بتقوله؟،  لم لسانك يا ممدوح إلا وأقسم بالله لأندمك علي كل كلمة قولتها سواء في حقي أو حق بنتي.

وقفت الزبائن لتشاهد تلك المشادة الكلامية فقال لهم فارس: 
_ يلا يا جماعة من هنا لو سمحت.
و ذهب إلي جوار نعمان،  فهب ممدوح متشدقاً: 
_ أهو جه سي روميو.

حدثه فارس بحدة: 
_ مالك يا چدع أنت،  أجف عوچ وأتحدت عدل،  ولا محرمتش من العلقة الي فاتت إياك!.

صاح به الآخر بإحتقار: 
_ لما أسيادك يتكلمو ماتتدخلش مابينهم يالاه.

كاد يرد فارس عليه فأوقفه نعمان بإشارة من يده وقال: 
_ أمشي يا ممدوح بدل ما أنادي لك الأمين شوقي يجي يشوف شغله معاك.

_ هي بقت كده!، طب قبل ما امشي أحب أقولك حتة العيل الي بتنادي له يابني،  مقرطسك ومركبك قرون، من الآخر مظبط مع بنتك وسيرتهم في الحته علي كل لسان.

هنا فارس لم يتحمل إتهام هذا الوقح: 
_أنت راچل ك..

قاطعه نعمان بعدما رأي هذا الحشد أمام المتجر يتجمع علي صوت ممدوح: 
_ قطع لسان كل الي يخوض في سيرة بنتي،  أه هي علي علاقة بقاسم.

أتسعت رماديتيه وصعق من ما يصرح به الحاج نعمان الذي أردف: 
_ قاسم يبقي خطيب شهد وقاري فاتحتها معايا،  حد ليه شوق في حاجة؟.

كانت نظرات ممدوح لفارس مليئة بالكراهية والحقد لأنه أطاح بكل مخططاته وهي الإستيلاء علي ممتلكات أكبر تجار المنطقة والظفر بإبنته ذات الجمال والمال.
وبعدما أنفض هذا العراك اللفظي، جلس نعمان خلف مكتبه وهو يزفر من أعماقه قائلاً:
_ تعالي ياقاسم أقعد.

جلس فارس ولم يدري كيف يقول أو ماذا يخبره.
_ أنا عارف إن الي قولته للكلب الي أسمه ممدوح عن موضوع إنك خاطب بنتي ده ضايقك، بس غصب عني مكنش قدامي غير كده، بعد الي قاله الحيوان علي بنتي.

رد فارس بإحراج:
_ولايهمك يا حاچ، أني خابر زين الي بتجوله.

انحني إلي الأمام وهو ينظر له بتمعن وقال:
_ بس الي قولته مش مجرد كلام وراح لحاله.

أزدرد فارس ريقه بتوتر من ما يتوقعه من قول الآخر، فسأله:
_ تجصد أي يا حاچ؟.

وبالخارج كانت قد ترجلت من سيارة الأجرة فدلفت علي صوت والدها وهو يقول:
_ المثل بيقول أخطب لبنتك، وأنا مش هلاقي حد أحسن منك أأمنه علي شهد بنتي!.
4

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ ومعكم الآن الفنانة الإستعراضية ذات الحركات اللولبية سمارة مهلبية.
كان يصيح بها المسئول عن تشغيل الأغاني،  فصعدت علي ساحة الرقص سمارة بطلتها التي تقوم بإغواء كل الرجال في الملهي،  بدأت ترقص علي إيقاع الأغنية الشعبية التي تسمي بالمهرجان.
كانت جميع الأعين تترصدها كالشاه التي تتراقص أمام ذئاب تلهث من العطش والجوع،  مُرتدية ثوب الرقص العاري يظهر أعلي مفاتنها،  ويكشف خصرها العاري الذي تجعله يرتجف ويهتز علي إيقاع الطبلة.
وبعد إنتهاءها من وصلة الرقص التي أستغرقت أكثر من نصف ساعة، عادت إلي غرفتها وخلفها في الرواق حارسها الشخصي: 
_ والاه يا تايسون كلم البت نواعم  عشان نسيت موبايلي في البيت، قولها تنجز وتجيب لي البدلة الدهبي.

أجاب بصوته الغليظ: 
_ أمرك يا فنانه.

دخلت غرفتها و ذهبت خلف الكرڤان لتبدل ثوب الرقص بمأزر حريري حتي تأتي مساعدتها بالثوب الآخر.
وقفت أمام المرآه تضيف لوجهها بعض المساحيق التجميليه،  فصرخت بفزع عند رؤية الجالس علي الأريكة المخملية في آخر الغرفة: 
_ بسم الله الرحمن الرحيم.

نهض وخطي نحوها بثمالة: 
_ شوفتي عو ولا أي؟.

قالت بدون أن يسمع: 
_ أحيه،  ده شكله سكران وجاي يطلعهم عليا،  هو أنا ناقصه.

أبتسمت بتصنع: 
_ أي ده يادي النور،  اللول مشرفني هنا وفي أوضتي المتواضعه،  ده أنا مش قادرة أوصف لك أنا اد أي فرحانه و من كتر الفرحه نفسي أرقص.
أقترب منها وبنظرات تنضح بالرغبة المحرمة: 
_ ما ترقصي،  ده أنتي كنتي مولعاها بره في الصالة.

لكزته بخفة في كتفه وقالت بدلال سافر: 
_ رقصي عاجبك؟.

وضع يديه علي خصرها: 
_ كل حاجة فيكي عجباني.
كان في ذلك الحين لايري أمامه سمارة الراقصة بل يري الأخري التي سلبت عقله وفؤاده.
_ أعملك أي عشان ترضي عني وتحبيني زي مابحبك، أرجوكي ماتبعديش عني ياندي.

عانقها بقوة فقالت الأخري: 
_ ندي مين يا أخ علي،  أنا سمارة لحقت تنساني،  سي علي فوء كده وحياة أبوك،  البت اللبيسه بتاعتي زمانها جايه ولو شافتنا في الوضع ده هتفهمني غلط،  وأنا ست بتخاف علي سمعتها،  آه يا اخويا الواحده فينا عبارة عن سمعة، يرضيك يتقال عليا دي بتعرف راجل علي راجلها!.

أنتبه لصوتها فأبتعد و أرتمي علي أقرب كرسي له:
_ آسف، شكلي تقلت في الشرب.

فتحت الثلاجة الصغيرة وتناولت زجاجة مياه:
_ خد أشرب ورش علي وشك شوية ميه ساقعه خليك تفو....
لم تكمل كلماتها لتجده يفتح الزجاجه ويسكبها فوق رأسه، تأوه من برودة المياه المثلجة،ورطب وجهه بقليل من الماء حتي شعر إنه بدأ يعود إلي ثوابه.
سألته وهي تنظر إلي ملامحه التي عادت لطبيعتها:
_ بقيت كويس؟.

أومأ لها بالإيجاب:
_ شكراً.

_ العفو، علي أي ده أنت صعبت عليا لما قعدت تجيب سيرة البنت الي بتحبها وعمال تتحايل عليها.

أطلق تنهيده حاره يتذكر كل ما مر به مع ندي، فأخذ يقص عليها كل شئ إلي ما أن وصل إليه وأصبح جارها.
بينما في منزلها كان قد أستيقظ لتوه، بحث عن هاتفه لكنه لم يجده، لاحظ وجود هاتف سمارة فأخذ ينادي عليها:
_ سمارة، يا سمارة، أني هارن علي موبايلي من عندك.

وبعدما ضغط علي إسمه من هاتفها وجد هاتفه يرن في الردهة، علي الطاولة بجوار منفضة السجائر.
ذهب يبحث عنها في أرجاء المنزل ولم يجدها، جلس علي الكرسي المهتز:
_ دي باينها راحت الكباريه ونسيت الموبايل أهنه، إبتسم بمكر وقال لنفسه:
_ لما أشوف بتتحدت ويا مين ولا مين بيتحدت وياها.
قام بفتح سجل الإتصال الوارد والصادر فوجد إسم علياء، فقال بتعجب:
_ علياء؟،دي ملهاش حد تعرفه غيري أني ونواعم والواد تايسون البودي چارد!.
قام بفتح صندوق الرسائل ليجد رسالة صادره من علياء، ضغط عليها وبدأ بقراءتها
(أنا جاي لك النايت النهاردة أستنيني في أوضتك الي بتغيري فيها )

أعاد قراءة الرسالة  مراراً وتكراراً:
_ يا بت ال..... سمر عتخونيني مع واحد ومسمياه علياء لأچل ماشكش فيكي، والله ما أني رحمك من الي هسوي فيكي عاد.

نهض وأرتدي ثيابه بنطال وقميص قطني، وعند خروجه من المنزل أصتدم بنواعم التي صاحت به:
_ ماتفتح يا زكريا بيه، ده ماله ده واخد في وشه ومش شايف قدامه!.

وبالعودة إلي الملهي، تنهدت سمارة وهي تعود بظهرها مستنده إلي ظهر الكرسي:
_ ياه علي الدنيا، فعلاً مبتديش كل حاجة، متدكش غير خوازيق وبس.

رمقها بتعجب فأردفت:
_ مالك بتبص لي كده ليه، أيوه إسمع مني ده أنا ياما شوفت، يعني أنت ركز في حياتك كده الي إسمها ندي دي أدتلك خازوق الي هو سابتك وراحت أتجوزت قومت أنت أخدت صاحبتها وأنتيمتها مروة كوبري عشان تعرف كل أخبارها ومروة بتحبك قومت ردتلها نفس الخازوق بس علي أصعب وما أعرفش الهبلة دي إزاي سلمتلك نفسها كده.

أرتشفت قليل من الماء لتستطرد:
_ يعني عندك أنا وأعوذبالله من كلمة أنا، مخلتش سي زكريا يلمس مني شعره واحده غير لما كتبنا ورقتين عرفي وشهود، أيوه أومال أي الي يضمنلي حقي لو حب يخلع أو يخلي بيا.

ضحك علي من مبادئها العجيبة:
_ عارفه ياسمارة أنتي بتفكريني بنفسي زمان، أيام ماكنت غلبان وطيب.

باغتته بمصارحتها التي لاتخلو من الفكاهه:
_ قصدك تقول لما كنت عبيط وأهبل.

_ والله ما ليكي حل خالص.
قالها وأخذ يضحك

ردت عليه بتلقائية:
_ أصلي  بحب الصراحه وبكره النفاق و مليش في اللف والدوران.

أومأ لها مبتسماً:
_ ما هو واضح فعلاً.

_ طيب بقولك أي بما أنك كده ياعيني محتار وصعبان عليا، انا عندي ليك فوكيره هاتعجبك أوي.
رمقها منتظراً ما ستملاه عليه:
_ البت مروة دي شكلها بتحبك أوي وحرام بعد ما ضيعتيها تخلي بيها، أي رأيك تكتب عليها وتعيش معاك في الشقة الجديدة الي أنت فيها عشان لو جوز ندي عرف إنك سكنت قصادهم ممكن يعمل معاك الجلاشه، أو يديلك تذكرة للأخرة، فلو عرف إنك متجوز مروة وعايشين مع بعض في تبات ونبات مش هيقدر يقولك أي الي جابك هنا.

_ أنا جيت لأچل أشوف وساختك يا خاينة يا فاچرة.
صاح بها زكريا بعدما أطاح بالباب ودلف كالعاصفة الهوجاء، أنتفضت بخوف:
_ سي زكريا؟.

وثب كالفهد نحوها وقبض علي خصلاتها:
_ أيوه زكريا الي غفلتيه وهملتيه نايم وچيتي تجابلي عشيجك يا خاينة.

نهض علي ليدافع عنهما:
_ أسمع يا أستاذ زكريا، حضرتك فاهم غلط خالص.
+

تركها ليمسك بتلابيب الآخر وأخرج من جيب بنطاله هاتفها:
_ مش دي رسالتك ورقمك الي مسچلاه الهانم بعلياء!.

صاحت به لتبرير موقفها:
_ أنا سجلته بعلياء خوفت منك لتفهم غلط.

_ ده أنتي الغلط بذات نفسه، والله لأفرچك.

أمسك علي بأيدي زكريا:
_ ممكن تهدي بس ونتفاهم، أنت دخلت لقتنا قاعدين بإحترامنا.

_ أنت عتضحك عليا بكلمتين إياك، فاكرني عيل أهبل من البندر!.

قالها وأخرج من جيبه الآخر مُدية وقام بفتحها، أقترب منه علي مهدداً إياه:
_ شيل يا حلو اللعبة الي في أيدك دي بدل ماتعورك ولا أخلي الجارد يجو يشيلوك ويرموك بره.

وكعادة زكريا لم يستمع لصوت عقله وسار خلف شيطانه:
_ أني هافرچك اللعبة دي هاتسوي فيك أي.
هدر بها وأنقض علي الآخر ليغرز مديته في جانبه.

_ فتح عينيه ببطئ ليجد نفسه يتمدد فوق سرير بداخل غرفة يسودها اللون الأبيض ورائحة المُطهر تخترق أنفه، أنتفض بفزع عندما ظهرت له من العدم باللهفة وقلق :
_ حمدالله على سلامتك يا سي علي، ألف لابأس عليك يا أخويا، إن شاء الله عدوينك والي يكرهك يارب.

حرك يده ورفعها قليلاً و رأي المحلول المعلق بيده، فسألها بصوته المتألم:
_ أي الي حصل؟.

حركت شفاها بإمتعاض وقالت بصوت غير مسموع:
_ هار أسوح، أقول له أنت هنا عشان جوزي غزك بالمطواه!.

إبتسمت بزيف وأجابت:
_ مفيش، ده مجرد جرح بسيط الحمدلله، بس هم مش أدولك بنج عشان كمية الخمرة الي شربتها، أضطرو يخيطو جرحك من غير بنج فضلت تتوجع جامد يا قلب أمك وأغمي عليك من الوجع.

قطب مابين حاجبيه يتذكر ما حدث معه، فقاطعه دلوف الطبيب وبرفقته مساعدته وبرفقتهما رجل عندما رأي سمر وصاح:
_ مين الي دخل البت دي هنا؟ ، مش أنا قولت ممنوع حد يدخل يقعد مع الحالة؟.

رمقته سمر بإزدراء وقليل من الخوف لأنها تعلم من يكون:
_ جري أي يا حضرة الظابط، أنا دخلت له أطمن عليه، هو أنا كده أجرمت ولا أجرمت يعني؟.

قبض علي ياقة كنزتها من الخلف:
_ بت أنتي بطلي شغل العوالم بتاعك بدل ما هخلي جوز العساكر الي واقفين بره دول يجرجروكي علي القسم.

رددت بتوتر:
_ قسم!، قسم أي كفي الله الشر، أنا ست عايشة في حالي.

رفع إحدي حاجبيه لها:
_ ولما أنتي عايشة في حالك بتعملي أي هنا؟، وعلاقتك أي بأستاذ علي ده غير إنه زبون عندكم؟.

_ ده، ده،ده...
ظلت تكررها فأجاب علي بوهن بدلاً منها:
_ مدام سمر تبقي معرفة.

رمقه الضابط بشك وريبة ثم قال لها بأمر:
_طيب ممكن تطلعي بره عشان نشوف شغلنا.

أومأت له وقالت:
_ حاضر يابيه.
وقبل أن تذهب نظرت إلي علي لتتوسله بنظراتها أن لا يخبرهم بأن من فعل به ذلك هو زوجها زكريا، أومأ علي لها بعينيه ليطمأنها، زفرت بأريحية وخرجت.
أنتهي الطبيب من التغير علي جرحه المقطب:
_ حمدلله على سلامتك يا علي بيه، الجرح مكنش عميق وكويس أنهم لحقوك وجابوك علي المستشفي قبل ماتنزف كتير.

حاول النهوض بجزعه لكنه تألم فساعدته الممرضة علي عدول جلسته بوضع وسادة خلف ظهره، تنهد ويجز علي أسنانه بألم:
_ الله يسلمك يا دكتور، هو أنا ينفع أخرج دلوقت؟.

أومأ له مجيباً:
_ لاء طبعاً ممكن علي بكره أو بعده، بس تمشي علي الأدوية الي هكتبهالك خاصة المضاد الحيوي والمُسكن.
تدخل الضابط قائلاً:
_ بما أن حضرتك بقيت في حالة تسمح أنك تتكلم ياريت نبدأ الإجراءات وتقولنا مين الي عمل فيك كده؟.

هز رأسه بإنكار:
_ معرفش.

وجد الضابط يرمقه بعدم تصديق فأردف:
_ قصدي يعني مشوفتش، كل الي حصل وأنا خارج من النايت كانت فيه خناقه روحت أشوف فيه أي، حصل الي حصل وما شوفتش مين الي عمل فيا كده.

زفر الضابط بعمق وقال:
_ وبالنسبة للكاميرات الي مفيهاش ولا كلمة من الي حكيته، وكل الي شوفناه إنك دخلت أوضة الرقاصة سمارة وهي دخلت بعدك لما خلصت رقص وبعدها بشوية جه واحد وبعدها جت الإسعاف تاخدك، تقدر تفسر لي كل ده!، أنت كده بتتستر علي مجرم كان هيقتلك.

_ قتل أي سعادتك!،الحكاية زي ما قولت لحضرتك بالظبط ولو كانت الضربة مقصوده مكنتش سكت للي عمل كده.

_ بعدما سأم الضابط في إستجوابه تركه و رحل وكذلك الطبيب والممرضة، فأستغل علي ذلك ونهض متحملاً آلامه، يريد العودة إلي شقته ربما يراها فرؤيتها بالنسبة إليه هي دواءه الحقيقي، لايعلم إنها السم الزُعاف الذي سيهلكه ويذهب به إلي الجحيم.

خرج يتسحب فوجدها أمامه وقبل أن تتفوه أشار لها بالصمت، أذعنت له وسارت خلفه حتي غادرا المشفي.
_ مقولتليش يا سي علي ناوي تعمل أي؟.

أستند علي إحدي السيارات المصطفة أمام المشفي:
_ متخافيش يا سمارة، أنا قولت للظابط معرفش الي ضربني بالمطواه، و بعتذر ليكي علي المشكلة الي سببتها لك معاه.
رفعت زواية فمها بتهكم وقالت:
_ بلا وكسه،ده طلع ندل وجبان أول ما شاف دمك علي مطوته طلع جري وهرب، بتصل عليه موبايله مقفول، يلا أهو متعود علي كده.

قالتها وتتذكر جريمة قتله ورد، فسألها علي بإستفسار:
_ متعود إزاي؟.

أنتبهت لما تتفوه به فأجابت:
_ متعود أنه يهرب من كل مشكله، متاخدش في بالك أنت وخد بالك من نفسك، خليك واقف هنا عقبال ما أوقف لك تاكسي يوصلك.

أبتسم لها بإمتنان:
_ شكراً، أنا عملت أوردر لأوبر وزمانه جاي.

_ طيب أكلمك الولاه تايسون البودي جارد يجي معاك ويقضي لك طلباتك؟.

_ مفيش داعي، أنا الحمدلله زي ما أنتي شايفه قادر أتحرك، وهناك عم خضر السكيورتي بيجيب لي كل طلباتي.

تنهدت وقالت:
_ خلاص هابقي أتصل بيك أطمن عليك ولو فيه أي حاجه كلمني وماترددش أنا زي أختك.

هز رأسه:
_ طبعاً من غير ماتقولي، شكراً جداً يا سمارة.
مد يده ليصافحها فبادلته المصافحة وقالت:
_ العفو يا لول، قصدي يا سي علي، فوتك بعافية.

ذهبت، فوجد سيارة تابعة لهذا التطبيق الشهير، تقف أمامه، أستقلها وأنطلقت به نحو منزله.
1

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ صرخات تشق حنجرتها لتصدح بين الجدران الحجرية في هذا النفق المظلم، يُسحل جسدها علي تلك الأرضية الصلدة قابضاً علي رسغيها، شعرت وكأن مفاصل زراعيها تنخلع بل تمزقت وهي تقاومه بكل ما أوتيت من قوة.

_ أفضلي صرخي للصبح محدش هايسمعك غيري، فوفري صريخك ده للي هايحصل فيكي دلوقت.
كلمات هدر بها بصوته المخيف فأدلف الرعب بداخل قلبها، ظلت تبكي و تتوسله ليعتقها من براثنه المظلمة:
_ أحب علي يدك هملني ورچعني لأهلي، وأني ما هاچيب سيرة لحد واصل.

أطلق ضحكاته الساخرة حتي بلغت عنان السماء، وتوقف فجاءة فأنبسطت شفاه بإبتسامة تخبرها بأن القادم ليس بالسئ فقط بل الأسوأ علي الأطلاق.
دفعها بقوة وعنف أسفل قدميه فأطلقت صرخة بآهات من كثرة ما تشعر به من آلام مبرحة في جسدها، جذب شيئاً من جواره ودنا نحوها:
_ مقولتليش يا بيبي، كنتي بتقوليلي أي وإحنا فوق؟.

هزت رأسها بإستنكار وتردد كالآتي:
_ ما جولتش حاچة، ماجولتش حاچة.

أطبق شفتيه متصنعاً التذكر والتفكير، فباغتها بصفعة دفعتها بمسافة قليلة :
_ لاء قولتي يا و..... ، وعايز أسمع منك الكلام ده تاني عشان مبقاش أظلمك من الي هاعمله فيكي.

شقت ضحكة هاكمة شفاها رغماً عنها لتردد كلماته:
_ مبقاش أظلمك! .

تجرعت ريقها ملتقطة أنفاسها بشهقات متقطعة، ثم أردفت بقهر و وهن:
_ كيف وأنت من وجت ما عرفتك وأنت ظلمني!، من أول ما شوفت خلقتك وهربت منك ورچعتني بعد ما هددتني أنك هتأذي أقرب الناس ليا!، و لا ليلة فرحنا لما أخدتني غصب لأچل تثبت لأخوي إني بت بنوت ومنها تخابره أنك راچل و قادر تسوي الي رايده وماحدش يقدر يمنعك!.

هدر بها من بين أسنانه قابضاً علي خصلاتها المبعثرة:
_ و هاعمل فيكي أكتر من كده طول ما أنتي بتعانديني وترفعي عينك في عيني، وسبق وقولتلك قبل كده وحذرتك بدل المرة ألف، تيجي بقي بكل جرأه و وسا.... تقفي قدامي تهدديني يا طلقك يا أما هاتروحي تبلغي عني!.

كان الألم بداخلها قد تصاعد كبركان علي وشك الأنفجار فأطلقت حممه المتقاذفة في وجهه:
_ أيوه أني رايده أنك تطلقني، أي الي يچبرني أعيش ويا واحد قتال قتلة، مريض نفسي، بيعذب في الي بيقع تحت يده ويجطع في جلدهم كيف الدبيحة وهي بتتسلخ، ده أي الچبروت الي أنت فيه ده يا أخي.

غرز أصابعه في كتفيها ليجبرها علي النهوض ويهزها بعنف :
_ لأن أنا عايز كده، و ده أسلوبي مع كل حيوان يقف في طريق سليم العقبي، وبالنسبة ليكي بقي هاتفضلي عايشه معايا لحد ما هاتموتي.

صرخت للمرة المائة و لم تبالي عواقب ما ستصيح به:
_ وأني لحد ماهموت هافضل أعافر لغاية ما أطلق منك ونهايتك هتبجي علي يدي وحبل المشنقة بيلف حوالين رقبتك يا ظالم يا مفتري.

رمقت في عينيه ألسنة لهب تتصاعد من نبع جحيم مستعر، حركتها غريزة الدفاع عن النفس للتراجع إلي الوراء خطوة تلو الأخري،تبعها بخطواته بوضع الهجوم عليها، كانت علي أهبة الإستعداد للهروب من أمامه فكان هو الأسرع والأقوي، جذبها من ساعدها وهي أجهشت بالصراخ ولم يكترث، دفعها في وسط ساحة شبه مظلمة يتسلط عليها بصيص من أشعة الشمس تتخلل من شق متصدع بالجدار.

ظلت تصرخ ببكاء،تمسك بساقها التي يبدو أنها قد أصيبت من تلك الدفعة العنيفة، أخذ يدور حولها كذئب يلتف حول فريسته،يراها تتلوي من الألم بداخل شراك فخه.

_ واضح جداً إنك أنتي الي مستعجلة علي نهايتك يا زينب.

قالها فرفعت بصرها إليه فرأت ما أتسعت إليه ذهبيتيها الباكية، خلع سترته وألقاها علي الأرض ثم أنتزع قميصه فتطايرت أزراره لتتناثر من حولها، ظنت لوهلة أنه سيعتدي عليها كالعادة لكنه تركها وذهب في العتمة فسمعت خطواته العائدة إليها، خفق قلبها من الخوف، أنتفض جسدها عندما رأت بريق في وسط ذلك الظلام الدامس ليظهر هذا الشئ بوضوح حتي تعرفت عليه، مهلاً إنها قد رأته من قبل!، تلك الأداة التي...
صمتت أفكارها وتوقفت بقطع الأنفاس عندما أدركت ما سيفعله بها.

هزت رأسها بالرفض وكأنها فقدت عقلها:
_ لا، لا، لا.

وثب إليها و في ثوان أصبح جسدها آسير جسده، ظهرها ملتصقاً بصدره العاري، يرفع ذلك السلاح ذو النصل الحاد بالقرب من نحرها:
_ حركة كمان و جسمك الجميل ده هيبقي من غير راس.

جزت علي أسنانها بوجل تحاول ألا تتحرك وعينيها تتهاوي يميناً ويساراً:
_ أجتلني وريحني من خلقتك.

أطلقت شهقة بخوف، أمسك بتلابيب كنزتها وبمجهود لم يُذكر قام بتمزيقها، هبط بشفاه بالقرب من أذنها ليهسهس:
_ أنا مش هاقتلك، أنا هخلي كل حته في جسمك تصرخ وتترجاني أني أموتك أرحم من الي هاعمله فيها.

تجرعت مرارة حلقها بغصة و الرعب يلتهمها:
_ ناوي تسوي فيا كيف ما سويت في الراچل الي جتلته!.

جذب خصلاتها لأسفل فتراجعت رأسها للخلف بحدة قد ألمتها، لتري نظراته المخيفة وهو يخبرها كسفاح يستمتع بالتحديق في عيون ضحيته التي تتوسله بعفوه عنها.

_ قصدك الي أنا سلخت جلده حته حته وهو صاحي لحد ما مات.
وبمجرد أنتهاءه من كلماته شعرت بغرز سن سلاحه في ظهرها.

_آه.
آهه أطلقتها للتو عندما غرزت الممرضة الإبره المتصلة بالمحلول المعلق، جعلتها أستيقظت بفزع، تتلفت من حولها بخوف، تنفست الصعداء عندما أيقنت أن ما رأته كان حلماً بل كابوساً مرعباً، سألتها الأخري بالأنجليزية:
_ كيف حالك سيدتي؟.

رمقتها زينب بنظرات واهية كغزال شارد في وسط غابة شاسعة، يبحث عن مأوي يحميه من الوحوش التي تتربص به.
_ أين أنا؟.

سألتها بللغتها لتجيب الأخري بتعجب:
_ أنتِ في منزلك!.

تلفتت لتري إنها بالغرفة، أغمضت عينيها تتذكر آخر الأحداث، وليتها تمتلك قدرة علي محوها من ذاكرتها التي تأبي نسيان كل شئ منذ رؤيتها لهذا السليم.
فتحت عينيها لتري الإبرة المنغرزة في ظهر يدها، قامت بنزعها، فصاحت بها الممرضة لنهيها:
_ ماذا تفعلين؟،توقفِ لم تستطعين النهوض ستصاب ِبالدوار.
وأقتربت منها لتوقفها، دفعتها الأخري عنها بعدما ألقت بالدثار من فوقها:
_ أبتعدِ عني.

حاولت الوقوف بصعوبة فالشعور بالخدر يسري في أطرافها، فأخذت تستند علي كل مايقابلها حتي وقفت أمام المرآه تنظر لهيئتها المزرية، خصلاتها مبعثرة علي وجهها بفوضوية وثوبها به آثار من الغبار، نظرت بتمعن نحوها وهي تتذكر.

(في ليلة أمس )

شهقت من هول ما تراه فكممت فاهها حتي لايسمع صرختها أحداً، تأكدت للتو إنها متزوجة من رجل سفاح قاتل، يحاول أن يظهر لها بمظهر الرجل ذو المشاعر الرومانسية والقلب الحنون لإستمالة قلبها ومشاعرها نحوه لكن ما حدث الآن كشف لها عن جانبه المظلم الحالك.
أنتابها الشعور بالغثيان، تراجعت إلي الوراء لتفرغ ما بجوفها، أرتمت علي الأرض في وضع الجثو لتجهش في البكاء كلما تذكرت أن شقيقها قد باعها لهذا المجرم غير مكترث بحقيقته وماذا يمكن أن يفعل بها من أذي، تتخيل نفسها مكان هذا الرجل وسليم يغرز السكين في جسدها، ليتها ما أطلقت لمخيلتها العنان، فالواقع أسوأ بكثير من الخيال.

وفي تلك اللحظة قد حسمت قرارها عليها تركه أو الهروب منه حتي لا يأتي يوماً وتكون أشلاء علي يديه حينها الموت منتحرة أفضل بكثير.

أفزعها صوته الذي دب الرعب في أوصالها:
_ بتعملي أي هنا؟.

جحظت ذهبيتيها وأرتجفت كل خلية بجسدها، تخشي أن تلتفت إليه ورؤية وجهه، صرخت عندما قبض علي عضدها وجعلها تستدير لتنظر إليه:
_ لما أسألك تجاوبيني، بتهببي أي هنا؟.

تجرعت ريقها بصعوبة بالغة، أرادت أن تجيب علي سؤاله لكن توقفت الحروف وأبي لسانها النطق ولو بحرف واحد.
هزت رأسها يميناً و يساراً تبكي، مما جعله يزداد غضباً، فهزها بقسوة:
_ بطلي عياط و ردي عليا.

صراخه الحاد والغليظ دفعها إلي الصياح بكلمة واحدة ظلت ترددها ببكاء :
_ طلجني، طلجني.

أطلق زفرة حارقة قد تفهم سبب حالتها تلك، فمن المؤكد إنها رأت ما أقترفه منذ قليل بضحيته المسجي علي الأرض بالداخل كالشاه بعد ذبحها وسلخها.

أبدل ملامحه من الغضب العارم إلي الهدوء المزيف، جذبها إلي صدره و مسد علي ظهرها:
_ أهدي يا حبيبتي، مفيش حاجة، تعالي نطلع علي أوضتنا.

دفعته في صدره بقوة صارخة:
_ مفيش حاجة إزاي!!، أني لساتني شيفاك بعنيا وأنت....
أنتابها مرة أخري الشعور بالغثيان كلما تذكرت هول ما رأته، أبتعدت قليلاً و ولت ظهرها إليه لتفيض ما بجوفها.
أقترب منها و وضع يده على كتفها:
_ أنت.....

ألتفت إليه مبعدة يده عنها:
_ بعد يدك عني، أنت لايمكن تكون بني آدم.

أمسكها من رسغها بقوة ويحاول كظم غضبه حتي لا يخسرها للأبد:
_ تعالي وأنا هافهمك علي كل حاجة، أنتي فاهمه غلط.

حاولت جذب يدها من خاصته ولم تستطع:
_ تفهميني أي عاد!، أني خلاص عرفت إنك مچرم وسفاح و...

لم يكن قادراً علي تحمل صرخاتها ونعته بتلك الصفات المُشينة لأكثر من ذلك، فباغتها بالقبض علي عنقها وبإبهامه ضغط علي العرق النابض ليمنع وصول الدماء إلي رأسها مما يسبب إليها فقدان الوعي علي الفور.
1

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ يجول في الردهة ذهاباً وأياباً، كاد يجن جنونه لايعلم أين اختفت، ومن هذا الذي تجرأ علي خطفها!، يجدها وسيذيق هذا المختطف ويلات من العذاب، صدح هاتفه برنين فأجاب علي الفور:
_ ها فيه چديد؟.

_ جلبنا البلد الي إحنا فيها دار دار وسألنا كل أهلها ماحدش شافها واصل.
صاح بغضب:
_ ده أني لو بندورو علي إبرة في كومة جش كنا لاجينها، اجفل وما أشوفكش تتصل عليا غير لو لاجيتوها، فاهم يا زفت؟.

_ أمرك يا رافع بيه.

تحمل صينية الطعام وتنظر نحوه بإزدراء:
_ الفطور أهه.

ألتف لها وكان في أمس الحاجة لإطلاق نيران غضبه علي أي من يقابله حتي لاتحرقه.

_ ومالك بتجوليها إكده و جالبة سحنتك!.

تأففت وتركت الصينية أعلي المنضدة و كانت علي وشك أن تذهب، فشهقت عندما قبض علي رسغها وجعلها تجلس علي الأريكة و دنا منها:
_ تعرفي لو كان ليكي يد في إختفاء فاطمة، قسماً بالله لايهمني إنك حبلي هانزل فيكي دك وأجطع چتتك نساير وأرميها للديابة في الچبل.

أتسعت عينيها والصدمة منبلجة علي ملامحها، فاض بها الكيل و كفاها صبراً علي هذا الظالم، صاحت في وجهه:
_ بكفياك بجي عاد، أنا زهجت من ظلمك وچبروتك، كل يوم تذلني وتجهر جلبي ولا علي بالك، وأخرتها چاي تتهمني أني خطفت فاطمة!،ليه حد جالك عليا زعيمة عصابة إياك!، هتلاجيها طفشت من خلجتك وأرفك داير وراها كيف القراضة وبايع دمك وكرامتك قدامها...

_ أكتمي.
صاح بها وهو يهبط علي وجنتها بلطمة أهتز لها جسدها بالكامل، أجهشت في البكاء واضعه كفها علي أثر اللطمة:
_ بتضربني لأچل بجولك الحقيقة!.

نهضت وأخذت تجفف دموعها وبصوتها الباكي قالت:
_ روح يا شيخ حسبي الله ونعم الوكيل فيك.

أنساه شيطانه للحظات إنها زوجته وتحمل في أحشائها جنينه، فأعماه غضبه وألتقط عصاه الغليظة:
_ وكمان بتحسبني عليا يا فاچرة.

كاد يهبط بالعصا عليها فأوقفه رنين جرس المنزل، كان يشهق ويزفر بقوة، ألقي بعصاه علي الأرض:
_ حسابك وياي بعدين.

و ذهب ليري من الزائر، سارت خلفه متجهة إلي غرفتها حتي سمعت صوت المدعو دبيكي:
_ ألحج يا رافع بيه.

_فيه أي يا سخام البرك أنت كمان؟.

أزدردت ريقها برعب عندما وجدت هذا الدبيكي يرمقها بنظرات تعلم ماذا يقصد بها، حتي أجاب علي زوجها:
_ و إحنا بندورو في شوارع المركز لاجينا كشك چمب النادي الراچل الي فيه قالنا إنه شاف في تسجيل الكاميرا الي حاططها قدام الكشك، واحدة كانت واجفه من كام يوم و وجفت قدامها عربية ونزل منها واحد متلتم وخدرها في ثواني ودخلها چوه العربية.

تنفست الصعداء و أختفت إلي داخل غرفتها، فقال رافع:
_ روح چمع الرچالة عقبال ما أغير خلچاتي.

أومأ له قائلاً:
_ أمرك يا كبير.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ عادت من فلك ذاكرتها وقد عزمت علي أخر ماتفوهت به معه، ألتقطت معطف لها من فوق المشجب و وشاح أرتدته بعشوائية، فغادرت الغرفة لتبحث عنه.
قابلت أنيتا علي الدرج:
_ هل من خدمة أقدمها لك ِ سيدتي؟.

رمقتها بحدة وسألتها:
_ أين هو؟.

_ أتقصدين سيد سليم!، إنه بغرفة المكتب في إجتماع مع رجاله.
وما أن أخبرتها لتجد الأخري تدفعها من أمامها وكأنها هاربة من مشفي الأمراض النفسية:
_ أغربِ عن وجهي.

توقفت أمام باب الغرفة المُغلق وقبل أن تمد يدها لتدير المقبض، وصل لسمعها صوته وهو يلقي أوامره علي رجاله:
_ أذهبوا علي ثلاثة فرق وكل فرقة تذهب إلي المكان المُخزن به البضاعة، و فوقها رأس هذا العاهر چوناثان حتي يكون عبرة لكل من يريد الوقوف أمامي.

أومأ له كبير رجاله:
_ أمرك سيدي.

لم تتحمل سماع أكثر من ذلك فدفعت الباب مما أفزع رجاله وجعلهم يخرجون أسلحتهم و رفعها نحوها.

_ ماذا تفعلون أيها الحمقي!.
صاح بهم ليعيدوا أسلحتهم إلي أماكنها، نظر إليها وعلم سبب ولوجها بتلك الطريقة، أشار إلي رجاله وبأمر حاسم:
_ أذهبوا الآن.

أومأ الجميع له بخضوع وإجلال ثم ذهبوا أمام ذهبيتيها التي تنظر له بكل كراهية وكأنها تنظر إلي مسخ أو شيطان.

جلس خلف مكتبه متصنعاً الهدوء المبالغ بالنسبة إليه:
_ أقفلي الباب وتعالي.
مجدداً وبكل وقاحة يلقي عليها أوامره برعونة، لم تتمثل لأي أمر له فتركت الباب كما هو و خطت نحو أقرب كرسي لها وجلست عليه عاقدة ساعديها أمام صدرها.

قبض علي حافة مكتبه الخشبي حتي أبيضت مفاصل أنامله، يحاول أن يلجم ذاك الوحش الثائر بداخله حتي لايطلقه عليها وستكون العواقب وخيمة، نهض هو مما جعلها تنتفض علي كرسيها، فظهر طيف إبتسامة علي ثغره، إنها برغم كبريائها الذي ترتسمه دائماً أمامه مازالت تخشاه وترتعد منه.
سار نحو الباب ليغلقه بل يوصده بالمفتاح الألكتروني.
_عتجفل الباب ليه بالمفتاح؟.

أجاب بنفس الهدوء الذي يرعبها أكثر من ثورة غضبه:
_ عايز نتكلم علي راحتنا.

رفعت إحدي حاجبيها وبإبتسامة هاكمة تفوهت:
_ ولا ناوي تسوي فيا كيف ما سويت في الچدع الي جتلته!.

جلس علي الكرسي المقابل لها و يزفر بنفاذ صبر:
_ الي شوفتيه إمبارح ده كان شغل.
وقبل أن ترد علي حديثها الذي أثار سخريتها التي لاحت علي وجهها للتو، قاطعها:
_ إحنا شغلنا كده، الي يعادينا أو ياخد مننا حاجه تخصنا بتكون دي نهايته.

حدجته بتهكم وسألته:
_ إشمعنا ما سويتش إكده في أخوي لما سرق منك حاچتك!.

نهض وخطي نحوها حتي وقف أمامها ليسمع صوت نبضات قلبها المرتجف من الخوف، وضع يديه في جيوبه و رمقها من مستوي بصره وهي تجلس أمامه:
_ علشان أنتي كنت صك الغفران الي عفوت بيه عنه، لولاكي كان زمان رافع بقي زيه زي الراجل الي شوفتيه إمبارح.

برغم ما أقترفه شقيقها معها من ظلم وإفتراء لم تتمني له يوماً بتلك النهاية السوداء، لكن الآن كل ما يدور في رأسها مطلب واحد.
نهضت لتقف أمامه بتحدي و قوة واهنة:
_ وأني چيت لك عشان أجولك كفايه لحد إكده، مجدراش أستحمل، أفضل حل ليا وليك يا إبن الناس هو أنك تطلجني وتهملني لحالي.

رفع أنامله ليلامس وجنتها ويسألها بهدوء وإبتسامة مُخيفة:
_ عايزه أي يا بيبي؟.
1

جف حلقها وهي تتذكر ذلك الكابوس، وتخشي تحقيق أحداثه الآن، أخذ يربت بخفه وبقليل من العنف لايخلو منها:
_ ما تقولي عايزة أي عشان ما سمعتش كويس.

كادت تتحرك إلي الوراء فقام بمنعها محاوطاً خصرها فأصبحت ملتصقه به، تشعر بأنفاسه كاللهيب الحارق، وبيده الأخري جذب طرف وشاحها بخفة.
_ شكلك يا زوزو يا حبيبتي أفتكرتي غلط دلعي ليكي اليومين الي فاته، و خلاكي تيجي لحد عندي و تقفي قدامي وتطلبي حاجة من رابع، رابع أي، دي عاشر المستحيلات تحصل إلا بمعجزة أو حد فينا يموت.

بدأت شفاها ترتجف و ذهبيتيها تذرف سيلاً من الدموع النابعة من قلب مقهور لايملك سوي البكاء، أخذت تتلوي بين جسده و زراعه:
_ يبجي خلاص أجتلني أهون من العيشة وياك.

قهقه من أعماقه وأصبحت قاتمتيه كاللون السماء عندما غابت عنها النجوم وأصبح القمر في خسوف كلي، توقف عن الضحك فجاءة و خطي وهو ممسك بها نحو طاولة يحاوطها أثني عشر كرسي، وفي خلال ثانية واحدة قام بلفها حتي أصبح ظهرها ملتصقاً بصدره و أمامها حافة الطاولة، تحدث بجوار أذنها بوعيد :
_ عايزاني أقتلك أهون من العيشة معايا!، طيب أستحملي بقي يا زينب، عشان أنا فعلاً هاموتك بس بطريقتي الي هتخليكي تحسي بالموت كل يوم.

تتلوي بين يديه وهي تتذكر تفاصيل الكابوس، ظنت إنه يتحقق!، لكن كلماته وفعله الآن غير مسار ظنها تماماً.
_ هاعملك معاملة الحيوانات، هخليكي تكرهي نفسك.

كادت مقلتيها تقفز من محجريهما وهو يشق عنها معطفها ويتبعه بنزع منامتها تحت صراخاتها ومقاومتها الضعيفة،كلما تريد الفرار منه يدفعها بقسوة علي الطاولة ليصبح جذعها متمدداً.

_ أبوس علي يدك هملني، وأعتبر أني ما جولتلكش حاچة.
صرخت بها بتوسل و رجاء، و دموعها تتساقط علي سطح الطاولة، قوبل توسلها بالرفض التام.
_ لاء قولتي، وأنتي الي حكمتي علي نفسك، فخليكي قد كلامك وأستحملي.

جذب حبل الستارة المجاورة له وأثني زراعيها خلف ظهرها ليقيد رسغيها معاً، ما زالت تصرخ وتبكي، لم يرحم ضعفها أمام قوته الضارية، لم يستمع لتوسلاتها التي تتمزق لها القلوب لأشلاء وتدمع لها العيون دماء.
أرغمها علي الركوع غصب وإقتدار فوحش ساديته هو المتحكم به الآن، وكلما صرخت كلما أزدادت سعادته، و لكي يبلغ ذروة هذا الشعور قبض علي مؤخرة رأسها ليمنعها عن النهوض وبيده الأخري حرر سحاب بنطاله، أنحني عليها ليهدر بنبرة مقيتة:
_ أنا هخلي صوت صريخك يوصل من أمريكا لحد أهلك في النجع.

و ما أن أنتهي من تهديده ليشرع بتنفيذ وعيده، فأطلقت صرخة وكأن روحها تغادر جسدها.
1

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ أستيقظ من نومه العميق علي صوت مزعج، فتح زرقاويتيه ونهض بجذعه ليري مصدر هذا الصوت، وقع بصره عليها وهي تفترش علي الأرض ترتدي عباءه قطنية بنصف أكمام، أنتفض بفزع عندما اطلقت شخيراً وتتقلب علي جانبها الآخر وفمها مفتوحاً قليلاً.
لم يستطع كتم ضحكاته، ونهض من فراشه ليهبط ويتمدد جوارها، أحتضنها بين زراعيه وتحدث أمام شفاها المفترقتين:
_ كده يا قلبي، تسيبي حبيبك وتنامي علي الأرض، مش كفاية بعد ما أتعشينا سبتيني ونمتي!، أصحي بقي.
1

وأخذ يُقبل وجنتها ثم وزع قبلاته علي أنحاء وجهها ليوقظها، همهمت بصوت ناعس:
_ همليني أنام يا مرات أبوي.

_ وهي مرات أبوكي هتصحيكي بالبوس والأحضان! .
تسمرت بين زراعيه، فتحت عينيها بإتساع:
_ واه، أي الي چابك چاري؟.

ألتقط طرف أنفها بين أسنانه بخفه وقال:
_ بذمتك فيه عروسه تسيب عريسها نايم علي السرير لوحده وتروح تنام علي الأرض؟.

حكت طرف أنفها وقالت:
_ أصلي ما عرفتش أنام علي المرتبة دي، عامله كيف الي حداك في شقتك برضك مكنتش عارفه أنام عليها كنت بتكوع علي الأرض.

إبتسم بمكر ليخبرها:
_ مش عارفة تنامي علي المرتبة برضو ولا خايفة أسمع صوت شخيرك الي صحاني من النوم.
توردت وجنتيها فنظرت لأسفل تقول بخجل:
_ حقك عليا، مكنتش حاسه بحالي .

طبع قبلة علي وجنتها قائلاً :
_ ما تعتذريش ولا تتكسفي مني، أنا خلاص بقيت جوزك يعني مفيش بينا كسوف، خدي راحتك علي الآخر.

رفعت عينيها في خاصته وسألته بتوتر ومازالت خجولة:
_ يعني مضايجتش وجولت لحالك أي الي خلاني أتچوز واحده بتشخر وهي نايمة!.

حاول كتم إبتسامته فأجاب:
_ أبداً ، هتضايق ليه ده حتي صوت كان زي السيمفونية.

ضيقت عينيها بحنق قالت:
_ عتتمسخر علي إياك! .
لكزته في صدره ونهضت من بين زراعيه ، أطلق ضحكته حتي دمعت عينيه:
_ تعالي هنا والله بهزر معاكي، ده أنا بحبك وبحب كل حاجه فيكي.

أتسع ثغرها ببسمة بلهاء:
_ عتتحدت چد ولا عتضحك عليا؟.

نهض وجلس علي الأرض ومدد ساقيه فجذبها برفق ليجلسها عليهما:
_ عمري ما ضحكت عليكي، و فعلاً بحبك، حبيتك من يوم ماشوفتك أول مرة برغم الظرف الي كنا فيه، ما استحملتش عليكي الي كان بيعملو سليم فيكي وحاولت بأي طريقة أنقذك وأخدك عندي، كان فيه حاجة شداني ليكي، متأكدتش منها غير لما هربتي وقعدت أدور عليكي لحد ما لاقيتك.

ضغطت علي طرف ذقنه بأصبعيها:
_ جصدك لاقتني بعد ما خليت الحكومة جبصتني كيف المچرمين.

ضحك وقال:
_ مكنش قدامي حل غير كده، كنت هاتجنن لو ما لقتكيش.

حدجته بنظرات عشق حالمة:
_ ياه، للدرچدي بتحبني جوي؟.

حاوط وجهها بين كفيه وأجاب بنبرة عاشق متيم:
_ الي جوايا ليكي أكتر من حب يا سمية.

فاجاءته بمعانقها الحاني:
_ وأني كمان بحبك جوي جوي يا صلاح، أوعديني عمرك ما هتچرح جلبي واصل.

ربت علي ظهرها بحنان:
_ أوعدك عمري ما هجرحك، لأن لو ده حصل تأكدي أن هكون ميت وقتها.

زادت من قوة عناقها له:
_ بعد الشر عليك.

أبعدها عن صدره لينظر في وجهها يتأمل كل إنش في ملامحها التي يعشقها:
_ ممكن تخليني أعبر لك عن حبي ليكي؟.

نظرت لأسفل بخجل وأثرت الصمت، فتلك إجابة كافية بالموافقة، تعالت أنفاسه لما هو مقبل عليه فأقترب من شفاها وألتقمهما بخاصته، يتذوق طعم فمها الذي يذكره بطعم العسل الأبيض، ظل يُقبلها بنهم ويضغط بزراعيه علي جسدها لتلتصق به أكثر.
كان شعورها وكأنها محلقة في السماء، مع كل همسة يخبرها بها عن مدي حبه لها ويوصف كل مافيها بأروع الكلمات، غابت عن الواقع مع كل لمسة جعلتها كالهلام بين يديه وهو يعزف نغمات عشقه علي أوتار فؤادها، كانا كالكيان الواحد.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ ألحجوني يا ناس، أني مخطوفة أهنه.
صاحت بها فاطمة بصوت متحشرج من كثرة الصراخ وطلب الإستغاثة، توقفت عند دخوله يحدجها بشرٍ:
_ ما جولتلك لو صرختي لميت سنة قدام، ماحدش هايسمعك واصل.

تظاهرت بالقوة عكس ما بداخلها من ضعف وخوف:
_ بس ربنا سامعني وعالم بحالي، و خابر أني مظلومة وأنك ظالمني.

لمست كلماتها فؤاده، لكنه ظهر لها مقابل ذلك:
_ بجولك أي يابت أنتي لو ما كتمتيش خشمك لأسوي فيكي الي ناويلك عليه دلوق.

أرتجفت بخوف، يهددها بالإعتداء عليها ليثأر من شقيقها علي ما فعله بشقيقته، صدح رنين هاتفه ونظر في شاشته فغادر في الحال.
وبعد مرور خمس دقائق وجدت الباب ينفتح لتظهر أمرأه تغطي منتصف وجهها بطرف وشاحها الذي ترتديه، أنكمشت ملامح الأخري بخوف فقالت لها تلك المرأه بصوت خافت:
_ ماتخافيش أني چاية أساعدك تهوربي، بس أوعديني الأول إنك ما تبلغيش عن الي چوزي.

نظرت لها فاطمة في صمت فأردفت الأخري:
_ أني مكنتش خابره أنه يخطفك ويساوم أخوكي غير لما لاجيته متغير وماطيجش نفسه جعدت أزن عليه لحد ما جالي أنه خاطفك ولازم يكسر أخوكي بيكي زي ما سوي في خايته الي ماعرفنش مطرح ليها لحد دلوق.

_ وأي الي خلاكي تيچي تساعديني أهروب؟.
سألتها الأخري بحذر فأجابت:
_ لأن عندي عيال خايفه عليهم ليچري لحد فيهم حاچة أو يتيتمو، لو أهلك عرفو بخطفك و وصلو لچوزي يا هيجتلو يا إما هيخطفه حد من عيالي.

أومأت لها فاطمة بعينيها وقالت:
_ ماتجلجيش أني ما هاچيب سيرة چوزك واصل، وأخوي أني هاتصرف وياه وأعرف منه مكان ورد.

همت الأخري بفك قيودها:
_ وعد؟.

هزت رأسها بالإيجاب:
_ وعد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ السلام عليكم ورحمة الله.
ثم أدار رأسه للجهة اليسري و كرر التحية، فجاءه صوت صاحبه:
_ حرماً يا أبو الفوارس.

نهض وأمسك بسجادة الصلاة وقام بطيها و وضعها جانباً:
_ إسمها تقبل الله.
2

تجرع الآخر رشفة ماء من إناء الفخار ثم قال:
_ماشي يا سيدنا الشيخ، تقبل الله.

حرك فارس رأسه بإبتسامة هاكمة من سخرية صاحبه الذي لمسها في كلماته، فأردف الآخر:
_ إلا جولي صح، الحاچ نعمان سوي وياك أي؟.

أطلق زفرة عميقة من جوفه فأجاب:
_ والله لحد دلوق الشغل عنده زين والراچل ما جصرش وياي عاد، لكن حطني في موقف زي الزفت.

أنتبه له جنيدي بكل حواسه:
_موقف أي؟.

أجاب وهو يسير نحو حافة السور وينظر إلي أسطح المنازل المقابلة للبناء:
_ رايدني أخطب بته الآنسه شهد.

غر فاهه وكاد فكه السفلي يتدلي، وضع طرف اصبعه في أذنه وحركه:
_ الي سمعته دي صوح ولا أنت عتهزر؟.

ألتفت إليه وقال:
_ وأني من ميتي بهزر في حديت زي ده!.

هللت أساريره وكأنه هو صاحب الشأن وليس الآخر، باغته بعناق مباركاً له:
_ ألف مبروك يا صاحبي والله وربنا فاتحها عليك علشان أنت ولد حلال.

أمتعضت ملامحه قائلاً:
_ أنت عتفكر كيف يا چنيدي! ، ولا نسيت إحنا نبجو أي؟.

صفع جبهته و هو يتذكر:
_ يا خربيت دماغي الي لفت، متأخذنيش ياصاحبي الفرحة نستني كل حاچة.

جلس علي الأريكة الخشبية ويطلق تنهيده وعينيه تحدق في الفراغ، يفكر في هذا الأمر المحير.
_ ما عرفش أجوله أي، الراچل لايعرف أنا أبجي مين ولا ولد مين، وخايف أرفض يطردني وأني ماصدجت لاجيت شغلانه لاحد يجولي بطاجتك فين، عموماً أني جولتله أفكر.

ضيق جنيدي عينيه يفكر بالأمر فقال:
_ أنت ما سألتش حالك ولو مرة ليه الراچل ده شغلك عنده وما دققش وياك في موضوع البطاقة؟.

_ نسيت يا ذكي لما جولنا للأمين أننا أتجلبنا في القطر!.

حك فروة رأسه:
_ معلش بجي زاكرتي بعافية شوية، أهملك أني بجي لما ألحج أفرش الشغل قبل ما تبدأ الزحمة.

نهض وأخذ يهندم في ثيابه:
_خدني وياك.

_ وبعد أن وصل إلي المتجر فوجدها تقوم بفتح الباب الحديدي فقام بمساعدتها:
_ عنك يا آنسه شهد.

لم تكترث له بل أطلقت زفرة متأففه وترمقه بطرف عينيها، أدرك سبب معاملتها له عندما دلفت علي حديث والدها وهو يطلب منه الزواج بإبنته فما كان رد الآخر سوي طلب التفكير في الأمر، مما أثار ما بداخلها من جرح كبريائها فقررت أن تعامله بجفاء و ترد له الصاع صاعين.

ولج وراءها وذهب ليقف خلف الكاونتر الزجاجي ليرتب البضاعة المتراصة، فأوقفه صوتها بنبرة تنضح بالعنجهية والتعجرف:
_ أنت رايح فين!.

تجلت الصدمة علي ملامحه فتلاقي حاجبيه وألتفت لها فسألها:
_ بتكلميني أني؟.

تصنعت الجدية البالغة وبنفس وتيرة التعجرف أجابت:
_ أيوه بكلمك أنت، يلا روح المخزن و هات البضاعة الي لسه واصله من يومين وتعالي رصهم في الڤاترينا.
كانت تشير له بيدها، تجهمت ملامحه و أندفعت الدماء في وجهه، ألقي ما بيده بقوة علي الأرض فرأي الفزع في نظراتها، أشهر سبابته نحوها وبتحذير قال:
_ أسمعي يابت الناس لولا أنك حُرمة وبت الراچل الي أكرمني لكنت بعترت بكرامتك الأرض، لكن حديتي مش وياكي هيبجي ويا الحاچ نعمان لما يچي بالسلامة.

تركها في صدمتها من ردة فعله الحادة و غادر المتجر و ذهب يقف مع صاحبه، وعندما أفاقت من صدمتها أجهشت في البكاء:
_ أنا متخلفة وغبية أوي، أيه الي هببته معاه ده!، أهو زمانه كرهني ومش هيرضي يرجع يشتغل هنا تاني،ده غير هيبقي رده علي بابا علي موضوع جوازنا لاء بالتلاته، أعمل أي ياربي.

ذهب فارس إلي جنيدي ليجده يأكل شطيرة ويرتشف مياه غازية.
_ الحاچ عطالك أچازة ولا أيه؟.

زفر بضيق ليجلس علي الرصيف جواره وعينيه نحو المتجر:
_ لاء، أني مستنيه لحد ما يچي.

مد يده له بشطيرة:
_ خد لك ساندوتش الطعمية الچامد ده، هايعچبك جوي.

_ معلش يا چنيدي، كلو أنت بالهنا والشفا،أني ماليش نفس.

حدجه بتعجب وسأله:
_ أتخانجت وياها إياك؟.

لم يريد الإجابة فأشاح وجهه بضيق.
_ خلاص يا صاحبي علي راحتك، خد بالك أنت من الفرشه عجبال ما أروح أشتري لي علبة سچاير.
كانت تقف خلف زجاج العرض تراقبه وهي توبخ نفسها وتلعنها آلاف اللعنات علي أسلوبها الأحمق التي تعاملت به معه، بينما هو كان ينظر أيضاً لكن بغضب حتي أدار رأسه بعيداً عنها، فلاحظ هذا المدعو ممدوح يقف مع فتاة تطلق ضحكات رقيعة وتتحدث بدلال سافر.

عادت إلي المكتب بعدما أنتفخت أوادجها من كثرة توبيخ نفسها، دلفت لها تلك الفتاة تتشدق بالعلكة:
_ أزيك يا شهودة عامله أي يا وحشه الي مبتسأليش.

جزت الأخري علي أسنانها فهي تمقت تلك الفتاة بشدة بسبب سوء سلوكها:
_ الحمدلله يا سماح أنا بخير، عايزه حاجه؟.

جلست أمام المكتب وبإبتسامة زائفة:
_ كنت عايزة أكلم أمي أطمن عليها عشان عيانه و رصيدي خلص والراجل صاحب المحل الي شغاله فيه مدفعش فاتورة تليفون المحل وبقي إستقبال.

مدت يدها لها بهاتفها:
_ خلاص يا سماح، هاتحكيلي قصة حياتك، خدي كلمي أمك أنا لسه شاحنه الباقة.
4

أخذته من يدها باللهفة:
_ تسلميلي يا قمر يا حتة سكر، كملي جميلك معايا وهاتيلي أشرب ميه ساقعه هاموت من العطش.

زفرت بنفاذ صبر:
_ الصبر من عندك يارب، حاضر يا سماح هاقوم أجيب لك تشربي.

وبعدما نهضت شهدت وذهبت لتجلب لها الماء، أشرأبت برأسها لتطمأن إنها لم تراها فأمسكت بهاتفها وأخذت تضغط عدة نقرات وعلي شاشة هاتف الأخري، حتي جاءت شهد تحمل زجاجة مياه وكوب وضعتهما أمامها:
_ أتفضلي.

_ ربنا يكرمك يا سكره.
سكبت الماء في الكوب وأخذت ترتشف، ثم هاتفت والدتها وأطمأنت عليها.

_ أتفضلي تليفونك يا شهوده، ما أنحرمش منك أبداً، شكراً يا حبيبتي.

ردت بإقتضاب:
_ العفو.

نهضت وهمت بالذهاب:
_ هارجع أنا علي المحل عشان سايبه البت الي معايا لوحدها ودي خيبه مابتعرفش تبيع للزباين زيي، يلا سلام.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ تمسك بهاتفها لتجري إتصالها به للمرة الخمسون ولم يجيب، يبدو أنه ترك هاتفه علي الوضع الصامت هكذا كان ظنها، ألقت بهاتفها علي الفراش ونهضت وهي تتثائب بكسل.
ذهبت إلي المرحاض لتغتسل وتتوضأ ثم أبدلت منامتها بإسدال الصلاة وأدت فرضها، وبعد إنتهائها أطبقت شفتيها بألم وتضع يدها علي رأسها يبدو الألم يداهمها مجدداً، ذهبت إلي المطبخ لتعد فنجان قهوة عله يخفف لها ذلك الصداع.
وصلت إلي أنفها رائحة مقززة، أمتعضت ملامحها بتأفف، حتي وقع بصرها علي سلة القمامة، صفعت جبهتها قائلة:
_ آخ نسيت أخرجها إمبارح بالليل قبل ما أنام ، وشكل الراجل بتاع الزبالة فضل يرن الجرس وأنا نايمة زي القتيلة.

قامت بإغلاق كيس القمامة و وضعت غطاء السلة وأغلقته بإحكام لتخرجها من باب المطبخ وتضعها بجوار الجدار، كادت تعود إلي الداخل لكن أوقفها صوت أنين يصدر من شخص يتألم، تتبعت الصوت لتجد مصدره من الشقة المقابلة لها، خفق قلبها وتراجعت عن أمرها:
_ جري أي ياندي!، ناويه تروحيلو يا مجنونه!، بس ده شكله تعبان أو فيه حاجة، وأنتي مالك يتعب ولا يموت ولا يغور حتي في داهية، خليكي في حالك.

تنهدت و أردفت لذاتها:
_ وأنا مالي خليني في حالي أحسن.

و دخلت إلي منزلها، لكن فضولها يسيطر عليها فجالت في رأسها فكرة، ذهبت إلي جهاز الأنتركم وضغطت علي الزر ليأتيها صوت حارس العقار:
_ صباح الخير يا ست ندي، أمرك؟.

_ صباح النور يا عم خضر، بقولك أنا عايزاك تجيب لي خضار وفاكهة من عند الحاج مرعي.

_ حاضر يا هانم، في أي طلبات تانية حضرتك؟.

_ لاء، شكراً، بقولك صح هو فيه حاجة عند الجيران الي قصادي؟.

_ ده علي بيه ربنا يشفيه ويعافيه طلعو عليه ولاد حرام وغزوه بمطواه في جمبه، راجع من المستشفي إمبارح بالليل وسندته بالعافيه لحد ما نيمته علي سريره، بتصل عليه دلوقتي أشوفه محتاج حاجة وأطمن عليه ما بيردش، أصله قاعد لوحده والمدام بتاعته لسه مارجعتش من السفر زي مابيقول.

_ لا حول ولاقوة إلا بالله، ربنا يشفي كل مريض، ماشي ياعم خضر، هاتلي الطلبات الي قولتلك عليها.

جلست علي الكرسي بجوار الطاولة الرخامية تنتظر فوران قهوتها، وفي ذات الوقت أنتابها شعور بالذنب نحوه، تخشي إنه يلقي بنفسه إلي الهلاك من أجل نسيانها.
أنتفضت عندما سمعت آهاته تعلو يبدو إنه في حالة يرثي لها من الوهن والتعب، أخذت تقضم أظافرها وما بين أن تذهب لتطمأن عليه أم تتركه!.
تذكرت عندما تغيب عن الجامعة لأكثر من ثلاثة أيام ولاتعلم عنه شيئاً، فذهبت إليه وجدته محموماً ويتصبب عرقاً غزيراً وفي حالة هذيان، فقامت بالإعتناء به حتي تحسنت حالته.
أنتبهت إلي صوت فوران القهوة الذي تدفق علي سطح الموقد وأطفأ النار، نهضت وأطفأت الغاز وهي تحسم أمرها، بأن تقدم إليه آخر مالديها من مساعدة وتطلب منه الإبتعاد.
ذهبت إلي المرآه لتهندم من إسدالها وتضبط حجابها، ألتقطت مفتاح باب منزلها في يده ثم غادرت.
أطمأنت أولاً بألا أحداً سيراها وهي تضغط زر جرس باب جارها، ضغطت مراراً وتكراراً ولم يفتح لها، وضعت أذنها علي الباب لتتأكد من وجوده بالداخل فسمعت ذلك الأنين المرتفع.
عادت إلي داخل شقتها مرة أخري والقلق يساورها، فقالت:
_ مفيش غير حل واحد و ربنا يسترها.

خرجت من باب المطبخ وتمسك بسكين رفيع قد أخذته معها لتستطع فتح باب مطبخ شقته، وبالفعل نجحت في فتحه ودلفت تتلفت من حولها تبحث عنه.
شهقت عند رؤيته يتمدد علي الأرض في غرفة نومه بنفس هيئته منذ سنوات، محموم ويتصبب عرق غزير بإضافة إلي الألم المنبلج علي ملامحه وهو يجز علي أسنانه ويأن، دنت إليه لتلمس جبهته فوجدت حرارته مرتفعه جداً.
_ علي، أنت جسمك مولع، أزاي سايب نفسك كده!.

لم يجب وكانت عينيه كالشارد في الفراغ يهذي ببضع كلمات ألتقطت منها البعض:
_ ندي، أنا بحبك، ماتبعديش عني.

نهضت بتردد و هي تحدجه بإمتعاض، تعلم هذا ليس مجرد هذيان حمي بل حقيقة مؤكده نابعه من أعماقه وتعلقه المرضي بها.
أطلقت زفرة فهي في حيرة من أمرها، ماذا عساها أن تفعل!.
أنحنت إليه وألتقطت من بجواره منشفة قطنية أخذت تجفف بها حبات عرقه المتناثره علي جبهته و وجهه، لكزته في زراعه:
_ علي، سامعني؟،حاول تقوم عشان تحط راسك تحت الميه، حرارتك عاليه أوي.

نظر نحوها بعينين زائغتين مهمهماً:
_ ندي!، أنتي هنا بجد ولا أنا بتهيألي.

ربتت عليه وقالت:
_ لاء بتهيألك، قوم بس وأسمع كلامي.

تحامل علي نفسه وحاول أن ينهض مستنداً علي طرف السرير، أختل توازنه فكاد يقع، لم تشعر بنفسها وهي تمسك به لتساعده علي الوقوف.
ظل يرمقها وهو لم يصدق عينيه إنها معه بل وتسنده حتي قامت بإيصاله إلي المرحاض.

_ أتفضل أدخل حط راسك تحت الحنفيه، يا أما أفتح علي جسمك الدش، وأنا هاروح أعملك حاجة تاكلها.

أستدارت لتذهب، أمسك يدها ليمنعها قائلاً:
_ ماتسبينيش أرجوكي، أنا ماليش حد غيرك.

سحبت يدها في هدوء:
_ علي، أرجوك أنت أفهم وجودي هنا عشان أساعدك مش أكتر.

أستند بجسده علي الحائط وقال:
_ أنا أصلاً مش مصدق، حاسس أن أنا بحلم، اه...

تأوه بشدة، ركضت نحوه فلاحظت جرحه أسفل القميص يذرف دماً.

_ علي، أنت بتنزف، أنت آخر مرة غيرت علي جرحك ده كان أمتي؟.

هز رأسه بعدم معرفة:
_ مش فاكر، يمكن علي ما أعتقد من وقت إمبارح لما الدكتور غير لي عليه.

رمقته بضيق وقالت:
_ شكل جرحك أتفتح من الحركة وأتلوث وده الي خلي حرارتك بالشكل ده، أنت لازم تروح للمستشفي أو تكلم دكتور يجي يشوف جرحك.

تركها و دلف إلي المرحاض و أخفض رأسه أسفل الصنبور لينهمر الماء علي رأسه.
ذهبت إلي المطبخ تبحث عن شئ لتعده له، فتحت الثلاجة تجدها شاغرة، أغلقتها فشهقت بفزع عندما وجدته يقف أمامه وصدره يعلو ويهبط، يلتقط أنفاسه بوهن.
تراجعت قليلاً لتحافظ علي مسافة بينهما، فقالت بتوتر:
_ أنا كنت بدور علي أكل أعمله لك، ملقتش حاجة.

_ أنا أكلي كله دليفري أو باروح أكل في مطاعم، آخر مرة كلت فيها أكل بيتي،كان من أيديكي أنتي، فاكرة؟.

تحاشت النظر إليه وهمت بالذهاب لتتهرب من نظراته وحديثه :
_ طيب هاروح أنا لشقتي وهاعملك من عندي وأبعته لك، وياريت تتصل بالدكتور يجي يكشف علي جرحك.

خطي نحوها وهي تتراجع حتي أصبح أمامها وخلفها حافة طاولة الحوض الرخامية، يحدجها بعتاب وشوق وهيام و عشق قد بلغ ذروته:
_ أنا جرحي الي بينزف مش هنا.
أشار نحو جرح جانبه، وأردف:
_ جرحي الحقيقي هنا.

أشار إلي موضع قلبه، ظل ينظر في عينيها لثوان فبدأ يهبط إلي شفاها التي ترتجف من التوتر والخوف، وقبل أن يتمكن من تقبيلها، دفعته لتبعده من أمامها و عبرت من باب المطبخ إلي شقتها، تلهث بشدة، تضع يدها علي صدرها، تسمع خفقات قلبها أثر هذا الهراء والعبث الذي كان سيحدث منذ قليل، ذهبت إلي غرفة النوم وتخلع حجابها، ضغطت علي زر الإضاءة، تسمرت في مكانها وتشعر بالبرودة تسري في عروقها:
_ أكرم! .

_ لاتنظر لنا الحياة بنظرة واحدة تارة تسعدنا وتارة أخري تشقينا وتلقي بنا في بئر الأحزان والمصاعب فما علينا سوي السعي والصبر حتي نجتاز مرحلة الشقاء ونصل إلي بر السعادة.
          ♕ولاء رفعت علي♕
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ ذهبت إلي غرفة النوم وتخلع حجابها،  ضغطت علي زر الإضاءة،  تسمرت في مكانها وتشعر بالبرودة تسري في عروقها: 
_ أكرم!  .

كان يجلس علي طرف السرير وينظر إليها بشبه إبتسامة لم تستشف منها إن كان سعيداً أم غاضباً أو هادئ كالهدوء الذي يسبق العاصفة!.

أزدردت ريقها بتوتر حاولت إخفاءه ببسمة هشة قائلة: 
_ أي المفاجاءه الحلوة دي؟.
وتلتها بالذهاب إليه ومعانقته لتخفي ملامح وجهها عن رماديتيه التي كانت تخترقها عن كثب.
_ وحشتني أوي يا حبيبي.
تردد في مبادلتها العناق لكن رفع ساعديه وأحتضنها وبدأ العناق يشتد،  قائلاً  بنبرة تخلو من المشاعر التي تعبر عنها كلماته: 
_ وأنتي كمان كنتِ وحشاني.

أنسحبت من بين زراعيه و طبعت قُبلة رقيقة علي ذقنه الحليق،  فسألته : 
_ قولتلي إنك في شغل لمدة أسبوع وأنت يا دوب رجعت تاني يوم.
أجاب بعملية وجدية: 
_ كنت في مُهمة مُحدده والحمدلله خلصتها.

أمسك طرف ذقنها و حدق في عينيها بنظرة أربكتها وجعلت قلبها يكاد يقفز من مكانه، فأردف متسائلاً: 
_ مبسوطه من المفاجاءه ولا متضايقة؟.

تصنعت الدهشة علي ملامحها فأجابت بإنكار: 
_ وهتضايق ليه يا حبيبي،  طبعاً مبسوطه وفرحانه،  ده أنا كنت ببقي زعلانه لما كل شويه بتسافر وتسيبنا لوحدنا،  فاكر؟.

أومأ لها وأجاب:
_ أه فاكر،  و عمري مابنسي أي حاجة.

أدركت مايخفيه في طيات إجابته،  نهضت وهي تحاول تشتيته: 
_ طبعاً شكلك مافطرتش، روح خدلك شاور عقبال ما أحضرلك أكله هتاكل صوابعك وراها.

_ ما تعمليش حاجة.
أوقفها قبل أن تذهب،  ألتفتت إليه فأردف: 
_ أنا أكلت قبل ما أجي ،  لو أنتي لسه مافطرتيش كولي وجهزي نفسك عشان هانروح نجيب البنت.

عادت إليه وجلست جواره،  وضعت يدها علي كتفه: 
_ مالك يا أكرم،  أنت زعلان مني؟ أو ضايقتك في حاجه؟.

أمسك يدها ليضعها بين يديه ليجدها ترتجف وأطرافها يكسوها البرودة:
_ و هزعل أو هتضايق منك ليه!  ،  أنتي عملتي حاجه زعلتني؟.

غصة علقت بحلقها،  تجرعتها بصعوبة حتي تجيب علي سؤاله الذي زاد خوفها: 
_  لاء،  هو أحنا لحقنا نقعد مع بعض.
1

ربت علي كتفها وقال: 
_ متقلقيش،  هانقعد،  هانقعد كلنا مع بعض!.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تقف أسفل المياه المنهمرة فوقها كإنهمار عبراتها علي وجنتيها،  تبكي وتنعي ذاتها وكبريائها الذي تحطم علي يدي هذا الظالم.
فالألم النفسي يغمرها أكثر من الألم الجسدي أثر ما أقترفه بها، أطلقت آهه نابعة من جوفها فجلست علي الأرض محتضنة ساقيها وجسدها يرتجف وتبكي ويزداد نحيبها كلما تذكرت وعيده لها بأن يعاملها كالحيوان،  يزداد كلما تشعر بأثر لمساته العنيفة وهو يرغمها علي الركوع أسفله كما يفعل الرجال أيام الجاهلية والعصور المظلمة مع الجواري وآسيرات الحروب.
_ بعد ماتخلصي حضري نفسك عشان جايين لينا ضيوف بعد شوية.
أمرها من خلف باب المرحاض، تخشي أن تصرخ بالرفض وتخبره بأن يذهب إلي الجحيم هو وضيوفه،  فيجب عليها أن تتريث وتفكر جيداً في كيفية الخلاص من هذا الوحش.
نهضت وأغلقت الصنبور ثم تناولت معطفها القطني ومنشفة الرأس وأرتدتهما.

كان بالخارج يقف أمام المرآه يرتدي حُلة سوداء مثل عالمه،  يمشط خصلاته الفحمية وعينيه تنظر في المرآه نحو تلك التي خرجت من المرحاض للتو تتحاشي النظر إليه،  بل تتمني أن تهبط علي رأسه مصيبة مفجعة تخلصها وتخلص البشرية بأكملها من شره.

جلست علي الأريكة عاقدة ساعديها فقال لها وهو ينظر لها عبر المرآه: 
_ قاعده عندك بتعملي أي،  مش قولتلك جهزي نفسك!  .

رمقته بإزدراء جلي في نظرات ذهبيتيها المتلألأه من أثر البكاء: 
_ ما أني منتظراك تخلص وتطلع بره عشان أعرف ألبس.

إبتسامة هازئه أعتلت ثغره،  ألتفت إليها وسار نحوها حتي أصبح أمامها وبأسلوب ساخر تحدث: 
_ مكسوفه تغيري قدامي يا حبيبتي!، ما خلاص ده أنا حافظ كل تفاصيلك من أول شعرك.
أزاح المنشفة فوق رأسها فسقطت خصلاتها المبتلة بتبعثر علي كتفيها،  هبط ببصره إلي تلابيب معطفها بنظرات وقحة جعلتها تمسك بها وأردف: 
_ لحد رجليكي.

كادت تحرك قدميها من أمامه لكنه حاصرهما بين ساقيه، حاولت تحرير خاصتها فلم تنجح مما أثارت ردة فعلها ضحكاته، أخذ يقهقه و دنا نحوها ممسكاً بطرف ذقنها يحدق في ذهبيتيها بسوداويتيه لثوان،فباغتها بقبلة لم تستطع الإفلات منها لهيمنته وأصابعه التي أنغرزت خلف رأسها في طيات خصلاتها ليزيد من عمق قبلته التي لاتخلو من العنف،حيث ألتقط طرف لسانها عنوة بين أسنانه بضغطه خفيفة فتأوهت وقامت بمقاومته ليبتعد عنها، لكنه إبتعد بإرادته هو وليست هي.

ألتقطت أنفاسها التي كانت علي وشك أن تتوقف، أرتسم إبتسامة إستفزازية علي شفاه وقال:
_ معلش.

قالها وأعتدل ليغادر الغرفة قائلاً: 
_ عشر دقايق وألاقيكي لابسه وجاهزة قدامي.

وما أن غادر بصقت نحو أثره: 
_ معلش!  ، معلش علي أي ولا أي يا حيوان،  ربنا ياخدك أنت والي كان السبب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ هدأ من سرعة سيارته حتي توقف أمام البناء القاطن به عائلة زوجته، أمسكت بحقيبتها وكادت تفتح الباب وهي تقول: 
_ أستناني هنا خمس دقايق هاجيبها و نازلين علي طول.

_لاء.
تفوه بحده مما جعلها ألتفتت إليه بدهشه تلاشت عندما أردف:
_ أنا طالع معاكي.

نزل كليهما من السيارة،  و دلفا إلي البناء فأشار لها لتصعد الدرج أمامه،  و مع كل درجة تصعد عليها يزداد شعور بداخلها يحذرها من القادم.

أستقبلهما والدها بحفاوة وترحاب بعدما صافح أكرم وأحتضن أبنته: 
_ ده البيت نور بالحبايب.

أنبسطت ملامحه بسعاده غرار ما كان منذ قليل:
_ الله يخليك يا عمي،  منور بيكم ديماً.

جلس ثلاثتهم،  فقالت ندي: 
_ أومال فين ماما ولارا ؟.

أجاب والدها:
_ بنتك نايمه في أوضتك، ومامتك في المطبخ أول ما عرفت أنكم جايين بعد ما أكرم أتصل بيا، راحت تحضر الأكل الي بتحبوه.

_ حبيبتي يا ماما، لما أقوم أروح أساعدها.
قالتها وهمت بالنهوض، فوجدت والدتها تخرج من المطبخ وبيدها منشفه قطنية تجفف يديها بها:
_ أنا خلصت والأكل قرب يستوي كمان.

وقفت ندي بجوار والدتها وقالت بفخر:
_ مامتي طول عمرها ست بيت شاطره وأسرع واحده تعمل أكل.

قالتها ثم عانقتها، ف ردت والدتها بمزاح:
_ يا بكاشه.
نظرت إلي أكرم وقالت:
_ عارف رغم أنا زعلانه منك أنت وهي، لكن لما عرفت أن الحمدلله ربنا هداكم لبعض فرحت وأتبسطت أوي.

فقال والدها:
_ ربنا ما يجيب زعل أبداً ويهدي سرهم، إحنا مش عاوزين غير إننا نسمع عنهم كل خير ويكونو مبسوطين، ولا أي يا ندي؟.

_ أطمن يا حبيبي الحمدلله أنا وأكرم أسعد زوجين في الدنيا.

تدخلت والدتها قائلة:
_ قولي ماشاءالله يابنتي، لايحسد المال إلا أصحابه.

وجه والدها نظراته إلي أكرم الذي آثر الصمت فسأله وخلف سؤاله عتاباً علي ما أقترفه مع إبنته سابقاً:
_ يعني خلاص يا أكرم؟.

_ مش خلاص يا عمي.
إجابته الحاده جعلت ملامحهم تتبدل من الفرح والسعادة إلي الصدمة والوجوم، بينما ندي هربت الدماء من وجهها فأصبحت شاحبة كالأموات عندما تفوه الآخر:
_ أنا جيت لحضرتك النهارده زي ما جيت لك من تسع سنين وطلبت إيد ندي للجواز.

كان حماه يستمع لكلماته بإنصات شديد يخشي ما هو آتي، و زوجته التي لاتقل صدمتها عن إبنتها التي شعرت وكأن دلو من الثلج أُلقي علي رأسها، ليستطرد الآخر:
_ و زي ماقولتلك وقتها يشرفني إن أطلب إيد الآنسه ندي من حضرتك، دلوقتي بقولك بنتك ما تلزمنيش وكل واحد يروح لحاله.

شهقت والدتها وهي تضرب بكفها علي صدرها، وضعت ندي يديها علي فمها وعلي وشك البكاء غير مصدقة ما يقوله زوجها لوالدها الذي أجترع ما سمعه الآن علي مضض فقال:
_ بغض النظر عن الي قولته وهاعتبر نفسي ماسمعتوش، ممكن أفهم أيه السبب الي وصلك تقول كده؟.

أعتدل أكرم في جلسته وأرتسمت علي ملامحه الثقة والجدية البالغة:
_ حضرتك عرفت تفاصيل آخر مشكله حصلت مابينا أنا وبنتك، وبعترف بغلطي الي ندمت عليه وأخدت عهد علي نفسي ما كررش غلطتي دي تاني الي أتعلمت منها درس عمري ما هنساه.

جال ببصره إلي ندي التي تجلس بالقرب منه وأردف:
_ لكن الظاهر الي ما أتعلمش لسه هي بنتك.
وضع يده في جيب بنطاله وأخرج هاتفه وضغط علي شاشته ثم رفعه أمام عينيها:
_ مش دي الرسالة الي بعتهالك علي الحسيني من كام يوم ومسحتيها؟.

أتسعت عينيها وشعرت لوهلة بأنها علي حافة الهاوية، ورغماً عنها تفوه لسانها:
_ إزاي؟.

تدخل والدها وهو في حيرة من ما يحدث أمامه:
_ ما تفهمني يابني أي الي حصل؟، ورسالة أي الي بعتها الي اسمه علي ده؟.

حاول الآخر أن يكبح جموح غضبه الذي لو أطلقه عليها كلما يفكر فيما سيخبرهم به الآن، ستصبح في تعداد الأموات.
_ تحكي لهم ولا أحكي لهم أنا يا ندي هانم يالي بتوعدي وتحافظي علي وعدك!.
تحدث بسخرية مما جعلها صاحت بدفاع عن نفسها:
_ دي مجرد رساله ملهاش لازمه ومسحتها، الي يسمعك كده يقول إني خونتك!.

بادلها نفس وتيره الصوت المرتفع لكن بوضع الهجوم:
_ هو موضوع رسالة بس!، ولما الو..... يجي يسكن في الشقة الي قصادنا وتروحيلو لحد عنده وياريتها مره، مرتين، الأولي يوم ما سبتك وسافرت والتانية وقت ما رجعت من شوية ومالاقتكيش في الشقة ورجعتي من باب المطبخ.
1

كل كلمة وكل نظرة صادرة منه إليها كانت بمثابة سهام مشتعلة تخترق روحها وقلبها، فما كان منها سوي الإنكار لتبعد عنها نظرات الإتهام من والديها:
_ الي قالك كده كداب، أنا مكنتش أعرف أنه هو هيسكن قصادنا.

إنكارها الأحمق أسبر أغواره مما جعله يحدثها كما يتعامل مع متهميه في المخفر:
_ عيب لما جوزك يبقي نقيب شرطه وبيتعامل مع مجرمين وأشكال لايعلم بيها إلا ربنا، وتقوليلي كداب الي قالك، محدش قالي أنا شوفت بعينيا.

وأخذ يضغط علي شاشة هاتفه وقام بتشغيل فيديو مُسجل:
_ مين دي الي كانت معاه في أوضة نومه وهو مرمي زي الكلب؟.

نظرت إلي الهاتف لتجد مقطع دخولها لغرفة نوم علي وهي تحاول مساعدته، أردف:
_ أنا كنت عارف أنه هيجي يأجر الشقة الي قدامنا وصاحب البرج سألني عليه بحكم شغلي خليته يأجر له وأشوف أخرتها معاه، وقبل ما يسكن بيوم بعت واحد ركب له كاميرات، بالنسبة للرساله الي سيادتك مسحتيها من غير ماتبلغيني بيها كانت علي موبايلي زي موبايلك بالظبط، وقبل ما تمسحيها أخدتها إسكرين شوت، ما تستغربيش التكنولوچيا علي مابتضر علي أد مابتنفع برضو، ولو كان عندك ذرة ذكاء واحدة كنتي فهمتي لما قولتلك أوعديني ماتخبيش عليا حاجه تاني، كنت عمال أدعي أنك تخيبي ظني وترجعي ثقتي فيكي تاني، لكن للأسف كل مرة تثبتي لي إنك إنسانه غبية وغير جديرة بالثقة.

كان والدها مُنكس الرأس و هو يستمع لأخطاء إبنته التي لاتغتفر، فتدخلت والدتها بدبلوماسية حفاظاً علي منزل إبنتها من الخراب:
_ أكرم يابني، أنا معاك إن بنتي غلطانه وغلطها كبير كمان، بس معلش سامحها هي خافت تقولك علي موضوع الرساله لتتهور وتعمل حاجه في الي إسمه علي وتتأذي أنت.

رد بنفاذ صبر وهو يتمالك أعصابه من الإنفلات:
_ ولو عديت موضوع الرساله، بالنسبه لدخولها شقته ده أسامحها فيه برضو!.

نظر إلي حماه وسأله:
_ ترضاها علي نفسك يا عمي لو أنت مكاني؟، الي عملته بنتك ملهوش غير تفسير واحد عندي إنها ست خاينه وملهاش أمان .

صرخت ندي ببكاء:
_ والله العظيم ما......
_ أخرسي بقي مالكيش عين تتكلمي.
صاح بها والدها وهو يهبط بكفه علي وجنتها باللطمة قوية، شهقت والدتها وجذبتها لتبعدها من أمامه، وبرغم من الغضب العارم الذي يشتعل بداخله نحوها من ما أقترفته وألم قلبه من القرار الذي أتخذه وحسم أمره، شعر بوخزة في فؤاده عندما لطمها والدها، فمازال يحبها بل يعشقها بجنون ومن أجل محاربته لهذا الحب الذي سيجعله رجلاً بدون كرامة تفوه بقراره:
_ بنتك طالق.
16

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ دلفت سيارة سوداء ذات الدفع الرباعي من البوابة حتي توقفت أمام باب المنزل،  هبط السائق ليفتح باب السيارة فهبط منها المدعو دنيال ومن الجهة الأخري زوجته ساندرا،  يقف سليم لإستقبالهما.
تقدمت إليه ورفعت يدها لمصافحته تقول بالإنجليزية الأمريكية : 
_ منزلك الجديد رائع جداً سليم.

بادلها المصافحة ضاغطاً علي أناملها قليلاً ومبتسماً: 
_ أحب إقتناء كل ما هو رائع.

ضحك دنيال وقال: 
_ حتي عندما تزوجت أختيارك رائع.

هنا أظلمت عيناه وكف عن التبسم  ،  أشار لهما بالدخول وملامحه يكسوها التجهم : 
_ تفضلا.

سار بالداخل وهما خلفه،  فنظرت ساندرا إلي دنيال بتحذير هامسه إليه: 
_ أحذر من التغزل في زوجته، المرة القادمة لم يتردد في إقتلاع لسانك.

رمقها ذات النظرة قائلاً: 
_ أنتِ من سيقطع لسانها أن لم تصمتِ.

وصل إلي بهو لإستقبال الضيوف فوجدوا زينب تقف في إستقبالهم وتحدقهم بإبتسامة مصتنعه،  فهي ليست في حالة أن تجلس وتتسامر مع أحدهم حتي في ذلك الأمر مُرغمة دون إرادتها.

_ أهلاً بكِ سيدة ساندرا.
قالتها زينب وهي تصافح الآخري التي قالت: 
_ لا داعي عزيزتي تناديني بسيدة،  هل أبدو لكِ امرأه مُسنة أم ماذا؟.

تحمحمت بإحراج فأجابت: 
_ لم أقصد،  فأنا أقولها علي سبيل الأحترام.

_ قولي لي ساندرا بدون ألقاب فهذا أفضل.

فقال دنيال متدخلاً:
_ وأنا دنيال بدون سيد.

و كاد يمد لها يده ليصافحها فألحقته ساندرا  وأمسكت بيده تحت نظرات سليم القاتمة والذي قال لهما: 

_ لا داعِ للجلوس هنا، فهناك حفلة شواء قد أعددتها لكم في الحديقة، أعلم كم يحب دنيال اللحم المشوي.

صاح الآخر بسعادة وإبتسامة بلهاء تعلو وجهه: 
_ آوه يا ألهي، هيا بنا ساندرا.

_ هيا حبيبي.
قالتها وذهبا سوياً وسليم أمسك بيد الأخري قائلاً: 
_ خليكي زوق مع الناس وإياك أشوفك قالبه وشك، سامعه؟.

تمتمت بدون سماعه لكلماتها كما تظن: 
_ سمعت الرعد في ودانك.

_ بتقولي أي؟.
صاح بها،  فأجابت في الحال: 
_ ما جولتش،  خلاص هاسوي  الي أنت رايده.
وأردفت بصوت خافت: 
_ جبر يلمك.

حاوطها بزراعه ليتمتم بالقرب منها: 
_ أنا الي هاسمعك الي أرعب من صوت الرعد وأنا بعلمك الأدب، والقبر ده الي هيلم أشلاء جتتك بعد ما أقطعك حتت،  لمي لسانك أحسنلك.
وغرز أنامله في خصرها فتأوهت رغماً عنها، هدر بها من بين أسنانه:
_ أكتمي صوتك.

أبتعدت عنه بصعوبة وذهب لتجلس حول المائدة بجوار ساندرا التي مالت عليها وسألتها: 
_ لما تلك الدموع؟.

جففت عينيها أطراف أناملها: 
_ لاء مفيش حاچة.

عقدت الأخري مابين حاجبيها،  لم تفهم ما قالته زينب حتي أدركت فقالت بالإنجليزية: 
_ عفواً ساندرا، كنت أقصد لايوجد شئ، أو علي مايبدو دخان الشواء هو سبب عبرات عينياي.

نهضت الأخري وجذبت كرسيها فألتصقت بها حتي تستطيع التحدث مُستغله إنشغال سليم مع زوجها: 
_ لا تكذبِ زينب،  أنا أعلم ما يفعله بكِ سليم، هل يُعذبك،  يُضاجعك رغماً عنكِ؟.

جحظت عينيها بدهشة وصدمة في آن واحد لتجيب بقليل من الحده: 
_ كفي ساندرا،  ما هذا الهراء الذي تتفوهين به!.

رفعت جانب شفاها بإبتسامة ماكرة: 
_ حبيبتي،  أنا أعلم الكثير عن سليم و والده،  أأخبركِ سراً لايعلمه سوي أنا و هو.

تلفتت من حولها لتطمأن عدم سماع دنيال إلي ما ستخبرها به فأردفت: 
_ كنت عشيقة داغر العقبي والده،  كان رجل أكثر جنوناً من إبنه، وصل به الأمر شرب دماء ضحياه،  يلقبونه في عالم المافيا بدراكولا،  لذا عندما سنحت لي فرصة الفرار منه،  لم أتردد ولم أظهر سوي بعد علمِ بخبر وفاته، يقولون إنه توفي أثر جرعة مخدر زائدة لكن علمت من كانو مقربون إليه حينها إنه قد مات منتحراً.

أنتهت من كلماتها وأمسكت بزجاجة الخمر فسكبت القليل في الكأس وأخذت ترتشف،  تنظر إلي الأخري التي أستمعت إليها وعلامات عدم الإستيعاب وعدم المقدرة علي تصديق ما ألقته عليها للتو،  تمتمت في عقلها: 
_ أني سويت أي في دنيتي لأچل أوقع في يد واحد مريض نفسي وأبوه راچل مچنون، واحد بيسلخ الناس صاحيه والتاني كان بيشرب دمهم!،  والله لو جولت الحديت دي لأي واحد حدانا في النچع ليجول عليا أتچنيت عاد،  يارب صبرني وقويني يا تاخده يا تاخدني وتريحني.

_ ها قد جاء اللحم المشوي.
قالها دنيال وهو يجلس علي كرسيه والخادمة تضع أمامه طبق من اللحم المشوي وأطباق أخري من الأرز والمقبلات.

وبعدما تناول قطعة، تذوقها بسعادة بالغة:
_ أمم، ألذ لحم مشوي قد تذوقته في حياتي.

أبتسم له سليم:
_ جعلتهم يعدونه خصيصاً لك، هنيئاً.

أبتلع دنيال ما بفمه:
_ شكراً لك عزيزي.

إبتسم الآخر قائلاً:
_ علي الرحب.
نظر إلي زينب فوجدها لم تأكل سوي قطعة صغيرة وأخذت تمضغها علي مهل، أبتسم بخبث ومال عليها وقال:
_ مبتاكليش ليه ولا دي كمان محتاجه فيها أمر مني؟.
2

رمقته بإمتعاض وقالت:
_ ما أني باكل أهه.

أزدادت إبتسامته أكثر:
_ عارفه اللحمه دي لحمة أي؟.

رمقته بريبة وشك:
_ خنزير إياك؟.

_ لاء، ده الراجل الي سلخته خلتهم قطعو لحمه وتبلوه عشان نشويه، أي رأيك في لحمه طعمه جامد.
3

ألقت الشوكة والسكين مما أصدرا صوتاً ونهضت تركض مبتعدة لتفيض ما بجوفها وما قامت بأكله من اللحم، أنطلقت ضحكة من خلفها:
_ دي أنتي طلعتي مشكله،معقوله تكوني صدقتي!، حد قالك عليا آكل لحوم البشر!.
2

ألتفتت له وحدجته بإزدراء:
_ والله الي يجتل ويسوي كيف الي سويته ما أستبعدش عنك تاكل لحم البني آدمين، ما أنت قادر وتعملها، ولا نسيت لحمي الي نهشته أكتر من مرة!.

سرعان ما تبدلت ملامحه إلي تلك النظرة المُظلمة المخيفة.
_ هو أنتي لسه شوفتي حاجه، ده الي بعمله معاكي عينة من الي ناوي أعمله فيكي لو مابطلتيش عصيان وتمرد ده كوم وطلب الطلاق كوم تاني خالص.

ظل كليهما يتبادلان النظرات في صمت، فكانت نظراتها له تنضح بالكراهية والمقت الشديد بينما هو كان يرمقها بالتوعد والعذاب كلما أقترفت مايثير غضبه.
قاطع ذلك الهدوء صوت ساندرا:
_ ماذا بكِ زينب، هل أنتِ بخير؟.

أومأت لها وهي تنظر إلي سليم:
_ أجل، أنا بخير.

أطلق سليم زفرة ثم سأل الأخري:
_ أراكِ لا تأكلين اللحم ساندرا؟.

أبتسمت له إبتسامة صفراء وأجابت:
_ أنا لا أأكل سوي الخضروات، والدك جعلني أمقت كل ما به لون الدماء أو الدماء ذاتها.

حدجها بنظرة قاتله، جعلتها تتراجع وأمسكت بيد زينب:
_ زينب، أريد الذهاب إلي المرحاض.

فقال سليم وعينيه لم تبرح عينياي ساندرا:
_ أرشديها إلي المرحاض، زينب.
لاحظت نظراته الحالكة للأخري فكان هذا دليل مؤكد لها علي ما أخبرته بها وإنها لم تكن تكذب عليها.
سارت ساندرا برفقتها إلي داخل المنزل وقبل أن تدلف الأخري إلي المرحاض أوقفتها زينب بعدما تأكدت خلو الطريق من العاملين في المنزل:
_ أريد منكِ معروفاً وسأدين به لكِ طوال حياتي.

رمقتها الأخري بإهتمام بالغ:
_ تفضلِ زينب وأنا سأفعل لكِ ما تريدنه.

أجترعت لعابها بتوتر، تعلم ما هي مُقبله عليه سيكون مخاطرة كبيرة، كمن يتراقص علي جمرات مشتعلة، غير آبهه إلي من تلجأ وكيف؟.
قالت بحسم:
_أريد الفرار من سليم!.
5

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ تنظر في هاتفها لتتأكد من العنوان التي أرسلته إليها أحد أصدقائها في رسالة عبر التطبيق الشهير، دلفت فوجدت بهو الإستقبال مزدحم بالشباب والفتيات كل منهم يحمل ملف السيرة الذاتية.
ظلت تنتظر دورها علي مضض، تريد أن تعمل فلم يعد لديها نقود تكفيها ليومين آخريين،  مرت ساعة تلو الأخري،  حتي دوي إسمها في السماعات فنهضت ثم ولجت إلي داخل غرفة المسئول عن المقابلة.
_ أتفضلي أستاذة مروة.

جلست أمام المكتب وهي تنظر لهذا الجالس ويقرأ بياناتها ومؤهلاتها وخبرات عملها السابقة،  صدح رنين هاتفها فقد نسيت تماماً أن تضعه علي الوضع الصامت،  فقالت بإحراج: 
_ آسفه يافندم،  نسيت أعمله Silent.

أومأ لها بشبه بإبتسامة وقال: 
_ ولا يهمك.

وجدت المتصل إبنة خالتها و زوجة أخيهاوفي ذات الوقت، فقامت برفض المكالمة وكانت علي وشك الضغط علي علامة الوضع الصامت فوجدت رساله واردة للتو من الأخري
(مروة أرجعي أرجوكي خالتو تعبانه والدكتور بيقول حالتها خطيرة جداً ).

خفق قلبها بخوف علي والدتها برغم إختلافتهما التي لا تنتهي،  نهضت وتعتدل من إرتداء حزام حقيبتها: 
_ معلش يافندم مش هاقدر أكمل ال interview  ،  حصل ظرف طارئ ولازم أمشي،  أشار لها: 
_ أتفضلي.

خرجت علي الفور و أشارت إلي إحدي سيارات الأجرة،  فتوقفت سيارة أمامها،  دلفت قائلة: 
_ حدايق المعادي يا سطا.

_ وفي داخل البناء بعد أن وصلت أخذت تضغط علي زر المصعد،  لاحظت ورقة معلقة بجواره مكتوب عليها: 
(الأسانسير مغلق للصيانة )
زفرت بتأفف،  عليها أن تصعد الدرج حتي تصل إلي الطابق السادس.
صعدت أخيراً وهي تلتقط أنفاسها،  ضغطت زر الجرس لتجد زوجة أخيها تفتح الباب وترمقها بتوجس،  فقالت لها الأخري بقلق وخوف: 
_ ماما مالها يا أمنية؟.

وما أن دلفت خطوة إلي الداخل فوجدت من يجذبها من رسغها بعنف: 
_ ماما بخير بس معرفتش تربيكي،  وأنا بقي الي هربيكي يا مروة.

وأخذ ينهال عليها بالضرب لم يعط لها فرصة،  فصاحت زوجته: 
_ خلاص يا معتصم،  أبوس أيدك كفاية خالتو لو عرفت الي بتعمله هتقلب الدنيا عليك.

ترك الأخري ليصيح بزوجته محذراً: 
_ غوري من وشي بدل ما تكوني مكانها.
وكاد يلتفت ليكمل ما يفعله لكنها باغتته بقذف مزهرية زجاج علي رأسها وهي تصيح به: 
_ بتعمل عليا راجل يا أخويا،  خد بقي.

صرخت أمنية علي زوجها الذي أختل توازنه ووقع علي الأرض أثر الضربة وجرح غائر في مقدمة رأسه يذرف الكثير من الدماء،  وفقد وعيه.
_ معتصم،  معتصم رد عليا.

تراجعت مروة بخوف واضعه كفها علي فمها بخوف، لم تجد سوي الهروب كعادتها.

صارت تسير في الشوارع خائفة تفكر فيما وصلت إليه، تشعر بالضياع بعد أن فقدت الكثير،  صديقتها التي لاتعلم إلا الآن بما تكنه لها من حقد وكراهية،  أرادت أن تقلب حياتها جحيماً فأنقلب السحر علي الساحر وسُلب أعز ماتملك بعد فقدان قلبها وحبها الوحيد، والآن كانت علي وشك أن تقتل شقيقها.
وقفت أسفل شجرة عملاقة بعد أن داهمها التعب:
_ ليه كل ده بيحصل معايا، أنا كل الي كنت عايزاه هو علي وجت هي خطفته مني، طول عمرها سارقه أصحابي بيسبوني ويروحلها، حتي الإنسان الوحيد الي حبيته ألاقيه بيحبها، هي طول عمرها أنانيه عايزه كل حاجه من غير ماتخسر، علي هواها حب علي الرومانسي الي كان بيسمعها كلام يرضي غرورها وفي نفس الوقت يبقي معاها أكرم الظابط الوسيم إبن عيلة الي أي بنت تتمناه، وأنا عليا أستحمل وأستني أستاذ علي عقبال مارجع من السفر وبدل ما يتجوزني قال عايز ينتقم منها، أتاريه عايز يخرب حياتها وتطلق عشان هو يتجوزها وأنا زي الهبلة كنت بساعده، وأخرتها ضيعت نفسي معاه، الأناني، الندل، الجبان.
1

كانت تتحدث مع نفسها وتبكي، صمتت وتجفف عبراتها، تحولت ملامحها من البكاء والضعف إلي القوة والشر المتطاير من نظراتها للتو.
_ مبقاش مروة لو ماخلتش كل الي جه عليا يدفع التمن غالي، غالي أوي.
1

أنتبهت لرنين رسالة واردة عبر تطبيق الدردشة فوجدت رسالة صوتية من ندي، ضغطت لتستمع إلي محتواها 
( ألحقيني يا مروة أكرم خدني عند أهلي وطلقني).
أعتلت إبتسامة تشفي علي وجهها:
_ من أعمالكم يا صاحبتي!.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ تمسك بالعديد من أكياس مليئة بالطعام لتعد وجبة الغداء،  وبعدما ولجت وضعت ما تحمله في المطبخ ثم خرجت وهي تخلع غطاء وجهها، كادت تنادي علي عمر وبكر فتذكرت أنهما في المسجد الآن،  نظرت في ساعة هاتفها وقالت: 
_ قدامهم يچي ساعتين عقبال مايچو،  أكون خلصت الواكل.

ذهبت الغرفة لتبدل ثيابها،  فأرتدت عباءة قطنية بنصف أكمام وأطلقت خصلاتها علي هيئة ذيل حصان، دخلت إلي المطبخ وبدأت في إعداد الطعام.

وبخارج المنزل توقفت سيارة أجرة ترجل منها وهو يتلفت من حوله أن لا يوجد من يراقبه،  فمنذ أن قام بطعن من يظنه غريماً له هرب و مكث في إحدي الفنادق وفي الصباح سافر عبر القطار و وصل للتو.
أخرج المفتاح الخاص به وقام بفتح الباب ودلف إلي الداخل،  وصلت لأنفه رائحة طعام شهية ظن إن مصدرها من الجيران برغم بُعد المنزل عن المنازل الأخري ، فهو لم يتذوق أي شئ منذ الأمس ومعدته تضور جوعاً.
ترك متعلقاته علي المنضدة وأتجه إلي غرفته، وفي طريقه سمع بحركة وأصوات تأتي من المطبخ، ذهب ليري ماذا يحدث.

وبالعودة إلي التي تقلب قطع الدجاج في الإناء وتتأكد من نضجها بوخزها بالطرف المدبب للسكين، و لدي مدخل الطبخ يقف في مكانه يشاهدها ويتأمل خصلاتها التي تلمع في أشعة الشمس الآتيه من النافذة الصغيرة.
تركت السكين و أستدارت لتأخذ الغطاء وتضعه فوق الأناء فوجدت هذا الذي يحدجها بصمت، صرخت وركضت دافعة إياه من أمامها وذهبت لتجلب خمارها الطويل وأرتدته وبطرفه خبأت منتصف وجهها:
_ أنت كيف تدخل الدار من غير ما تستأذن يا أستاذ زكريا؟.

أنتبه لصوتها الذي يألفه وعينيها التي يتذكرها:
_ أنتي تبجي قمر مرات أخوي؟.

أجابت بضيق:
_ أيوه أني، وأخوك مش موچود وأنت خابر أننا إحنا جاعدين أهنه، ومن باب الإحترام والذوق كنت تتصل علي أخوك قبل ما تيچي.

حك فروة رأسه يشعر بالحرج من تصرفه الفظ:
_ أني نسيت أنكم جاعدين أهنه وما چتش فرصة أكلم أخوي، معلش حقك عليا.

وقبل أن تتفوه قاطعها رنين جرس المنزل، فتركته و ولجت إلي الغرفة وأوصدت الباب لترتدي ثيابها التي أبدلتها منذ قليل وغطاء وجهها أيضاً.

وفي الردهة بالخارج كان الزائر إبنة خالها المتوفي:
_ السلام عليكم.

رد الآخر التحية فسألته:
_ الشيخ بكر وقمر أهنه؟.

أشار لها لتدلف:
_أتفضلي قمر موچوده چوه.

رمقته بقلق وشك فيما قاله حتي أتي صوت قمر بعدما خرجت من الغرفه علي سماعها:
_ أيوه أني أهه.

ركضت إليها وبنبرة وشيكة علي البكاء:
_ أمي يا قمر، أمي عتموت.

جذبتها قمر من يدها لتجلسها علي الكرسي:
_أجعدي إكده وفهميني عاد، كيفها مرات خالي؟.

_ أمي بجالها فترة تعبانه وبدوخ كتير، أتصلنا علي خالي جالنا أنه سافر وما يعرفش راچع ميتي، روحت أنا وخايتي خدناها علي المستشفي في المركز، عملولها تحاليل وأشعة، الدكتور جالي أمكم حداها بعيد عنك ورم علي المخ وفي مرحلة متأخره كمان، عملها عمليه لأچل ياخده من الورم عينة ويعرفه نوعه أي وبناء عليه هيقرره يسولها العملية ولا لاء، وللأسف لساتنا عارفين النتيچة.
داهمها البكاء مرة أخري وأردفت:
_ للأسف فات الأوان، يعني كلها أيام أو شهر وأتنين و.....
لم تكمل وأنخرطت في نوبة بكاء، أحتضنتها قمر وربتت عليها لتواسيها:
_ كفياك بكا عاد، بإذن الله هاتخف وتعيش، ماحدش فينا خابر حاچة العلم عند الله وهو القادر علي كل شئ.

_ عماله تجول أنه الي صابها ده يبجي ذنبك وجاعده تبكي وتدعي ربنا يسامحها ورايده منك تسامحيها.

لاتعلم ماذا تقول فما وجدته من تلك المرأه ليس سوي معاملة قاسية وظلم وكأنها عدو لها وليست إبنة أخت زوجها، زفرت بإستسلام إلي مشاعرها وقلبها الذي رأف بحال زوجة خالها، فقالت:
_ أني مسامحها وربنا بشفيها ويعافيها.

_ هي رايده تشوفك وتسمعها منك لأچل جلبها يرتاح.

ظلت صامته لثوان تفكر في الأمر، فهي برغم ما فعلته في النهاية تكن زوجة خالها التي لم تنس له معروف، فمن أجله ستذهب وتراها وتكسب أچر الثواب.
_ أني چايه وياكي، أعطني دجيجتين هاطفي البوتچاز علي الواكل وهاچيب حاچة من چوة وچاية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ أنتهي الشيخ واصف من أداء فرضه،  فوجد جليلة زوجته ما زالت تجلس في مكانها منذ الصباح تبكي.
_ لساتك جاعده تبكي، جومي أتوضي وأدعي ربنا يرچعها لنا بالسلامه.

كفت عن البكاء لتزجره بنظرة غاضبة: 
_ الي جهرني الحديت الي عيتجال في حقها،  الي بيجول إنها هربت ويا الحكيم الچديد الي في الصحة،  والي يجول إنها هربت ويا عشيقها ليجتله رافع واد خالها.

_ بنتنا أدب وأخلاق الدنيا كلاتهم فيها ومحدش يجدر يجول غير إكده، هملي حديت الناس الي ولا يودي ولا يچيب،  أني چيت أجدم بلاغ للحكومه جالولي لازم يمر 48 ساعة،  و ولد أخوكي ورچالته جالبين البلد عليها.

نظرت له بإمتعاض وقالت: 
_ كيف أهمله وهي خرچت من ورانا ومن وجتها مارچعتش، الوليه الي قدامنا چايه تجولي جلبي عندك يا أم زكريا،  بتك مش مخطوفه،  بتك طفشت وكانت لابسه نقاب كيف مرات أخوها!.

زفر بسأم من حديثها قائلاً: 
_ العلم عندالله ولما ترچع نبجو نسألها.

طرقات علي الباب فقام الشيخ واصف بفتحه ليجد ولده بكر: 
_ السلام عليكم يا أبوي.

_ وعليكم السلام يا ولدي.

رمقته والدته وقالت بعتاب: 
_ لساتك فاكر حداك أهل تسأل عليهم إياك!.

أطلق تنهيدة ثم قال: 
_ حقك عليا يا أمي ما تزعليش.
وأنحني إلي رأسها يُقبل جبهتها، فكاد يُقبل ظهر يدها أيضاً سحبت يدها قائلة:
_ ما دريتش للي حوصل لخايتك؟.
عقد مابين حاجبيه بعدم فهم فسألها:
_ حوصل أي وياها؟.

أجاب والده بدلاً منها ليوقفها عن الثرثرة التي صدرت منها منذ قليل:
_ خايتك مختفيه بجالها يومين وما عرفنيش عنها حاچة واصل.

صاح بغضب قلما صدر عنه:
_ كيف دي؟.

ألتفت والديه نحو الباب الذي أنفتح للتو ودلفت وهي تتحاشي أنظارهم إلي مظهرها الرث وثيابها المليئة بالغبار،تركت الباب مفتوحاً قالت بصوت خافت:
_ السلام عليكم.

أجاب والدها وأخيها:
_ وعليكم السلام.

لكن والدتها منعتها آمره إياها:
_ وجفي عندك، الي يشوفك وأنتي داخله من باب الدار علي أوضتك يجول ولا كأنك غايبه بجالك يومين عاد.

تدخل واصف قائلاً:
_ همليها يا چليلة ترتاح شويه وبعدين نبجو نتحدتو وياها.

لم تكترث لما قاله لها زوجها، فنهضت وسارت نحو إبنتها و بنظرة تنذر بالوعيد، وبدون سابق إنذار هبطت علي وجهها بلطمة جعلتها وقعت علي الأرض:
_ كنتي فين يا فاچرة؟.

ركض بكر ليقف بين والدته وشقيقته:
_ أي الي عاتسوي ده يا أمي، مايصحش إكده.

صاح واصف بها:
_ أنتي أتچينتي في عقلك إياك؟.

_ بعد عن خلجتي يا بكر وهملني أربي بتي.

نهضت فاطمة تبكي وقالت من بين عبراتها:
_ وأني الي كنت فكراكي قلقانه عليا، عتضربيني!  .

صاحت جليلة بغضب: 
_ وأموتك بيدي أحسن ما يجولو بتك هربت ويا عشيجها وتچيب لنا العار،  كنتي فين وهروبتي ويا مين؟  .

_ أسألي ولدك زكريا وهو هيجولك.

تعجب الجميع وأعتلت الدهشة ملامحهم،  فقالت والدتها بسخرية: 
_  أخوكي خطفك أياك؟.

وسألها بكر:
_ أي علاقة زكريا بخطفك؟.

دخل رافع بللهفة باحثاً عنها ليجدها تقف خلف شقيقها و وجنتها بها أثر صفعة، لم يهتم لأمر عمته وزوجها وإبنهما، أمسكها من يدها وسألها بخوف وقلق وغضب:
_ كنتي فين؟.

جذبت يدها ورمقته بإزدراء وكراهية:
_ ملكش صالح.

_ معلش يا رافع هملها ترتاح، أهم حاچة إنها رچعت لنا بالسلامة.
قالها واصف، فتفوهت جليلة بما سيصبح وبالاً علي إبنتها:
_ ترتاح كيف ما تريد، وتحضر حالها لأچل كتب كتاب رافع ولد أخوي عليها الليلة دي وفرحهم مع بكر ومارته في ليلة واحدة!.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
6

_ عادت برفقة إبن خالها الصغير  بعدما أتصل بها بكر،  فولجت إلي داخل المنزل فوجدته يتلو آيات الله بصوته الرخيم،  تركته وذهبت لتبدل ثيابها ثم خرجت لتجد عمر نائماً علي الأريكة في الردهة  وعلي وجنتيه آثار عبراته التي أنهمرت بغزارة حزناً علي مرض والدته،  تنهدت بحزن وآسي،  حملته علي زراعيه و وضعته في الغرفة المخصصة له،  ثم ذهبت إلي بكر لتسرد له ما حدث معها اليوم.

ذهبت لتجلس علي مقربه حتي ينتهي من تلاوته وما أن قال: 
_ صدق الله العظيم.

أسرعت فقالت: 
_ أسكت يا بكر شوفت الي چري لمرات خالي؟.

توقعت إجابة علي غرار ما تفوه به: 
_ ومين سمح لك تروحي؟.

ألتمست غضبه الجلي في نبرة صوته التي يتحدث بها لأول مرة معاها.

_ چت بت خالي وخدتني من أهنه وأتصلت عليك وأني في الطريق لاجيتك ماردتش، أنتظرتك لحد ماتخلص الدرس للولاد وأكلمك،  غصب عني أنشغلت ونسيت.

رفع جانب فمه بإبتسامة ساخره مُردداً آخر كلمة نطقت بها : 
_ نسيتي!  .
تنهد بعمق وأردف: 
_ بصي ياقمر حاجتين ما سمحش فيهم عاد،  الأولي الكذب،  والتانية الإستهتار وعدم التقدير كيف أصلي نسيت،  هابجي أفتكر، لو مخابراش تحترمي چوزك كيف جوليلي وأني هاعلمك.

أتسعت فيروزتيها وهي تستمع للهجته الحادة معها مما دفعها إلي الرد عليه بتهكم عاقدة ساعديها: 
_ وهاتعلمني كيف يا شيخ بكر!،  ولا حد جالك عليا ما بفهمش عاد !،  چاوبني؟.

لايعلم ماذا أصابه، يشعر بضيق في صدره يخشي أن يستسلم لغضبه ويندم لاحقاً،  أخذ يردد بصوت منخفض: 
_ أعوذب بالله من الشيطان الرجيم،  أستغفر الله العظيم.

بينما هي ما زالت تقف أمامه بتحدي وإصرار،  صاحت بصوت مرتفع وكأنها تُصر علي خروج أسوء ما لديه:
_ ما تعلمني وخابرني كيف ما جولت دلوق،  ولا أجولك روح علم أخوك الي دخل الدار من غير إستآذان، ولا چاي تتشطر عليا أني!.

جز علي فكه وقد وصل غضبه إلي ذروته فأطاح بالمنضدة من أمامه يهدر بها: 
_بعدي عن وشي، وأدخلي چوه.

أنتفضت بخوف وذعر، كم هي حمقاء لاتعلم مهما كان هذا الذي يقف أمامها يتحلي بالصبر والتريث فهيمنة  وسيطرة الرجل الشرقي تسري في دماءه، ركضت إلي الداخل وأوصدت الباب ثم ألقت جسدها علي الفراش تحتضن الوسادة وأجهشت في البكاء.
كان يجلس بالخارج في سكون، نهض ليتوضأ  ، فالوضوء يطفأ من نيران غضبه ويخمدها ويرجعه إلي صوابه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ يتمدد علي الأريكة الخشبية يتأمل النجوم المتلألأه في السماء المحيطة بالبدر المكتمل لتوه،  يتخيل ملامحها بدلاً منه تبتسم له وتحدثه:  _ أتوحشتك يا فارس؟.

رد في عقله قائلاً: 
_ أتوحشتيني جوي جوي يا روح فارس، محتاچ لك يا زينب،  أني من غيرك كيف التايه في أرض صحرا ملهاش أول من آخر،  كيف الغريب في غربته من غير أهله وناسه،  كيف العطشان وقدامه بير فاضي، ياتري حالك أي وأنتي ويا غيري!.

_  حالي كيف حالك يا واد عمي،يمكن أسوء بكتير، وبرغم إكده لسه فيه أمل هيچي يوم ونتلاجي.

أطلق تنهيدة من أعماقه السحيقة يخرج فيها كل مالديه من حزن وآسي وقلة حيلة، لايعلم كيف سيصل إلي برائته، وماذا يفعل لقلبه الملتاع منذ أن ضاعت ملكته، تقذفه الدنيا كأمواج البحر الثائرة لتلق به علي كل شاطئ، وهو لايريد سوي مرسي واحد، العودة إلي بلده وينال براءته وتعود له من عاهدها ألا يعشق فؤاده سواها.

قاطعه صوت رفيق دربه المجهول:
_ هاتفضل مبحلج في السما إكده، ده أنت من وجت ما رچعت وأنت علي وضعك.

نهض وهو يزفر ليقول له:
_ والله يا چنيدي كأني عايش حلاوة روح، ولا مني حي ولا مني ميت.

زفر دخان السيجارة التي بين أصبعيه وقال:
_ چري أي ياصاحبي عتنوح كيف النسواين حدانا في الصعيد!.

زجره الآخر بنظره تحذره من التمادي في تشبيهاته الفظه، فقال جنيدي:
_ ماتزعلش مني ياصاحبي،  ما أنت خابرني كيف الدبش في حديتي.

نهض و وقف خلف السور ينظر إلي الشارع وأسطح المنازل، ضيق رماديتيه:
_ ألحق الواد شريف الي ساكن ويانا لساته نازله من التوكتوك علي ناصية الشارع الي جصدنا وچاي چري علي اهنه.

وقف الآخر بجواره ليري قائلاً:
_ عمري ما أرتاحت له الواد ده، شاكك مليون في الميه إنه عيشتغل شمال وچاي وحداه مصيبة.

عقب فارس علي حديثه:
_ ربنا يستر، إحنا ما ناجصينش بلاوي عاد، كفاية البلاوي الي إحنا فيها.

وبعد دقائق وجدا أمامهما شريف يلهث من الصعود ركضاً علي الدرج، فقال جنيدي له:
_ أي يا أبو عمو،  عتچري ليه إكده كيف الحرامية؟.

لم يرد ودلف إلي الغرفة يبحث عن حقيبته،  جثي علي عقبيه ليسحبها من أسفل السرير ثم قام بفتحها وأخذ يلقي بداخلها كل ثيابه.

_ ما تخابرنا يا چدع هببت أي بدل ما نلاجي الحكومة في وشنا دلوق!.

صاح بها جنيدي وقبل أن يجب عليه الآخر صدح رنين هاتفه ذو الطراز القديم، فأجاب عند رؤية إسم المتصل:
_ أزيك يا عم عربي.

رد الآخر علي عجل من أمره:
_ بسرعه يا جنيدي أنت وفارس خدو حاجتكم وأمشو بسرعه من الأوضة ، جالي خبر دلوقت من ناس تابعي من قسم المنطقة جايين يقبضو علي الي اسمو شريف بتهمة القتل.

أغلق المكالمة علي الفور وأمسك بتلابيب شريف وصاح في وجهه:
_ أنت ياض جتلت كيف ما جال عم عربي؟.

أبعد الآخر يديه وقال بإنكار:
_ أقسم بالله ما قتلتها، هي الي زودت في الشرب و وقفت في البلكونة مقدرتش تصلب طولها ووقعت، من حظي المهبب إبنها رجع من السفر و دخل لقاني في شقتهم وأمه واقعه من الدور العاشر، أفتكرني رماتها، والله ده كل الي حصل.

كان فارس يقف مستمعاً إليه فسأل جنيدي:
_ وكيف عم عربي عرف أنه جتل؟.

أجاب جنيدي من بين أسنانه:
_ ناس تابعه في القسم بلغوه فيه قوه جايه من هناك علي أهنه.

صاح كل من فارس وشريف في آن واحد:
_ بوليس!.

وفي غضون دقائق أخذ كل منهم أشيائه وفروا ثلاثتهم، ذهب فارس وجنيدي يبحثان عن مكان مهجور ليمكثا به حتي الصباح بينما ثالثهم ذهب إلي محطة القطارات ليركب القطار المتجه إلي الأسكندرية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ وفي اليوم التالي..
ترجلت من سيارة الأجرة أمام المتجر،  فكانت تتحدث في هاتفها: 
_ حاضر يابابا، مش هاكلمه لحد ماتيجي حضرتك وتبعت له وقتها هاعتذر له خلاص كده،  الو،  الو.

نظرت في شاشة الهاتف فوجدت الهاتف لايعمل،  زفرت بتأفف: 
_ يعني ماتفصلش غير وأنا بكلم بابا،  موبايل معندكش دم،  والله لأغيرك وأشتري الي أحسن منك.

ألقته بداخل حقيبتها،  ثم قامت بإخراج المفتاح وتذكرت فارس عندما كان يساعدها في فتح الباب، أنتبهت إلي صفير إحدي الشباب إليها:
_ ده القمر طلع بطل جامد وأحنا مانعرفش.

رد عليه شاب آخر بمغازلة سافره : 
_ ده الي كان معاها هو الي كان بطل إنه قدر علي الوحش الجامد ده.

نظرت نحوهما بإزدراء و هدرت بصياح مدوي:
_ جري أي يا حيلتها منك ليه لازم تتهزأو علي الصبح عشان تلمو لسانكم.

وقف أمامها إحدهما قائلاً:
_ حيلة مين وتهزأي مين يا حلوة، أبقي أعمليها كده وأنا هاعمل فيكي أكتر من الي عمله الواد معاكي في الفيديو.

لم تفهم ما قاله لها هذا الوغد، فظهر المدعو حموده الذي جاء للتو:
_ في أي ياشبح مالك ومال الآنسه؟.

قهقه الآخر بسخرية و أصدر صوتاً بذيئاً من فمه وأنفه:
_ آنسه!، ده أنت الي آنسه جمبها.
لكزه حموده في صدره:
_ طب غور من هنا يلا عشان مزعلكش.

أمسك الآخر بزراعه:
_ تزعل مين يا بابا، ده أنا الي هزعلك وأجيب ناس تزعلك.

خشيت شهد علي حمودة من هؤلاء الشباب من أن يقوموا بأذيته:
_ يلا يا حموده، سيبك منهم دول شوية عيال صايعه مش لاقين حد يربيهم.

فصاح الشاب الآخر:
_ ده مين دول الي صيع يا صايعه يا و.....، ما تروحي شوفي مين الصايع والو...... وفيديوهاتك علي كل الموبايلات.

قد فاض بها الكيل فصرخت به:
_ فيديوهات أي يا حيوان الي بتتكلم عنها.

أشار لها حمودة:
_ أتفضلي أدخلي المحل يا آنسه شهد وأنا هاشوف شغلي مع الأشكال دي.

رد الشاب وهو يباغته باللكمة قوية:
_ أشكال دي تبقي خالتك يالاه.

وعلي الجهة الأخري هبط كل من فارس وجنيدي من ال (التوكتوك)، فقال الثاني:
_ أيه الخناقة الي هناك دي قدام محل الحاچ نعمان؟.

نظر فارس ليجد شهد تصرخ في الشابين وهما يبرحان حمودة ضرباً بالركل في ساقه  واللكم في وجهه، ركض فارس علي الفور فناده جنيدي: _ رايح فين تعالي أهنه.

وبمجرد وصوله أمسك الشاب الذي يركل حمودة دفعه باللكمة في وجهه، و كاد الشاب الآخر يركله،أمسك فارس بقدمه ودفعه أرضاً، ودنا منه قابضاً علي ياقة قميصه:
_ خد صاحبك و غورو من أهنه.

و ألتفت إلي شهد وأمرها:
_ وأنتي أدخلي چوه.

صاحت وهي تشيح بيديها:
_ مش ماشيه غير لما أعرف أي حكاية الفيديو  الي بتكلمه عنه وبيقولو أنه بتاعي.
1

هدر بها فارس بأمر و حزم:
_ جولتلك أدخلي چوه، أني هاتصرف وياهم.

أرتجفت من صياحه في وجهها هكذا، فأذعنت له ودلفت إلي المتجر تنظر لما يحدث من خلف لوح زجاج عرض الملابس  ، فوجدت سيارة والدها وصلت للتو وهبط منها، وعندما رآه كلا الشابين قاما بالركض في الحال.

رأت والدها يتحدث مع فارس وحمودة  ثم دلفوا ثلاثتهم إلي الداخل.

_ روح يا حموده بلغ الأمين شوقي عايزه ضروري، خليه يجيب لنا العيال ديه ويربيهم.

حك حمودة فروة رأسه في حيره لايعلم كيف سيتفوه بالأمر:
_ أستني يا حاج بس الأول لازم تعرف حاجة.

أعتلت الدهشه ملامح الآخر:
_ حاجة أي الي لازم أعرفها ؟، ماتخلص وتقول.

أزدرد ريقه بخوف من ردة فعل رب عمله عندما يخبره بالآتي: 
_ الكلام الي العيال ضايقو بيه ست شهد كان بسبب حاجه كده أنا مش متأكد منها.

لم تتحمل أكثر من ذلك فصاحت: 
_ ماتنجز يا حموده وقول علي طول.

أخرج هاتفه وهو يقول:
_ فيه حوالي خمس فيديوهات أتبعتولي من رقم غريب علي الواتس  الصبح ومش أنا لوحدي،  كمان أتبعتت للشباب الي شاغلين في الكافيه الي علي الناصيه والي شاغلين في المحلات الي جمبنا وأنا جاي في الطريق سامعهم بيتكلمو عنها،  وأنا كنت ناوي أجي أبلغ حضرتك،  عشان بالتأكيد الفيديوهات دي متفبركه مش حقيقية....
+

لم تمهله شهد لإكمال حديثه فأختطفت منه هاتفه واخذت تبحث عن تلك الفيديوهات في معرض الصور، ضغطت لتشغيل واحد منهم وليتها ما قامت بتشغيله.
بدأ الفيديو بظهور فتاة نسخة مطابقة منها ترتدي ثياب فاضحة ويحتضنها شاب فوق الفراش وبدأ يُقبلها بحميمية ويخلع عنها ثوبها العاري!.

_ أستيقظت من نومها علي صوت جرس المنزل المتكرر، أرتدت وشاحها و خبأت منتصف وجهها بطرفه، فتحت الباب لم تجد أحد و مازال الجرس يرن، خرجت خطوة لم تجد أحد أنتفضت بخوف فولجت للداخل وأغلقت الباب وصدرها يعلو ويهبط من الفزع، لم يبرحها الخوف فوجدت ظل أسود يتكون علي الحائط بهيئة أمرأة، أرادت أن تصرخ و هي تدير مقبض الباب، لكن صوتها لم يخرج والباب كأنه موصداً من الخارج.
تسمر جسدها بالكامل عندما سمعت صوت مصدره هذا الظل الذي بدأ يتجسد علي شكل فتاة في مقتبل العشرينات.
_ تعالي أهنه ماتخافيش مني، أني چايه لك لأچل أبلغك رسالة.

جحظت فيروزتيها برعب وأرتعدت أوصالها من الخوف، تريد أن تسألها من أنتِ لكنها لم تستطع أن تحرك لسانها، ففاجأتها الفتاة:
_ لو رايده تعرفي أني مين روحي أسأليه ليه جتلتها هي والي في بطنها وكل ذنبها كانت عتحبك.

لا تفهم شيئاً مما قالته تلك الفتاة التي فهمت نظراتها لتكمل لها:
_ جوليلو عمري ما هسامحه ولو ماخدتش حجي في الدنيا هاخده منه في الآخرة.
وبدأت الفتاة تخرج من الحائط تطير في الهواء صوبها مما جعلها ترتجف وتريد الصراخ ولم تستطع.

يناديها صوت من بعيد:
_ جومي يا قمر، جومي.

أستيقظت بفزع وأطلقت صرخة، فوجدت من يوقظها بكر الذي أمسك بيدها يربت عليها:
_ أهدي، ماتخافيش أني كنت عصحيكي لما سمعت صوتك عماله تقري قرآن وبتترتعشي، دخلتلك أشوف مالك، لاجيتك نايمه، جولت أصحيكي ليكون كابوس ومعرفاش تفوجي منه.

أمسك بدورق المياه من فوق الكمود وسكب لها القليل في الكوب الفارغه جواره ومدها إليها:
_خدي أشربي.

تناولتها منه وهي ترتشف رويداً رويداً و تركت الكوب جانباً ، أخذت تستغفر ربها وتردد أذكار الإستيقاظ من النوم.

_ الحمدلله أنك صحتني، جلبي كان هيجف.
قالتها وهي تضع كفها علي صدرها، أمسك يدها وطبع قبلة في راحة كفها وقال:
_ ألف بعد الشر علي جلبك.

تذكرت ما فعله الأمس بها من صراخ و إهانة ولم يعط لها فرصة لتشرح إليه، جذبت يدها ونهضت مبتعدة عنه:
_ يدك ماتلمسش يدي تاني، وهملني أنت في حالك وأني في حالي.

غر فاهه فسألها ببلاهة:
_ هو الكابوس أثر علي دماغك إياك؟.

عقدت ساعديها وترمقه بسخط فقالت بتهكم :
_ أني برضك!، ولا واحد إكده أعصابه فلتت منه عشية إمبارح، وشاط التربيزة قدامي، ما كنت تكسرها علي دماغي أحسن!.

إبتسم رغماً عنه و رد برومانسية حالمة تعزف علي أوتار فؤادها الصغير:
_ علي فكرة بجي أني صاحي من بدري لأچل لما تطلعي أعتذرلك وأجولك حجك عليا يا حبيبة جلبي، شوفتي أنتي ظلماني كيف!.
أخفت إبتسامتها وأرتسمت علي ملامحها الضيق والوجوم:
_ ياسلام! ، بعد كل الي سويته چاي تجولي حجك عليا وأني المفروض أدوس علي زرار و خلاص بجي أسامحك!.

أطلق زفرة وتمتم بالإستغفار ثم قال:
_ أني بعترف بغلطي وأني سلمت حالي للشيطان الي خلاني أتعصب، لكن كيف ماغلطت أنتي كماني غلطتي وعتكابري ومعوزاش تجولي أنك غلطانه، يبجي مين إكده المفروض يزعل من التاني؟.

فتحت فمها غير مصدقة لتقول له بدهشة:
_ بچد والله!، دلوق خلتني أني الي غلطانة، ماشي يا سيدي حجك عليا إن روحت لمرات خالي من غير ماأستأذنك، لكن كيف ما جولتلك أني إكده ولا إكده مكنتش جاعدة في الدار.

_ خابر بسبب زكريا الي چه ودخل ونسي إننا في الدار، أني أتحدت وياه جالي مكنش يعرف وعيعتذرلك.

رفعت زواية فمها بتهكم:
_ متشكرين.

رفع حاجبه وسألها:
_ شامم ريحة سخرية في حديتك، ما عچبكيش الي جولتهولك ولا أي عاد؟.

ردت بإنكار:
_ وأني عتمسخر ليه، أنت عتجولي أخوك أعتذر وأني عجولك متشكرين.

أطلق زفرة ويرمقها بنظرة يخبرها بعدم إقتناعه، لكنه لايريد خلاف مرة أخري يكفي ما سيخبرها به للتو:
_ بالمناسبة،بعد ما نفطرو هنعاود علي دار أبوي.
2

داهمها الشعور بالصدمة وأتضح ذلك علي ملامحها
_ كيف؟.

رد ليخبرها أن حديثه لارجعة فيه:
_ هو أي الي كيف، مالك حاسس إن رچوعنا لدارنا ما عاچبكيش.

جزت علي فكها بحنق لم تستطع إخفاء شعورها بالرفض حيال ما يخبرها به.

_ جصدك تجول دارك أنت.

_ وأنا وأنتي نبجو أي، واحد؟، ولا كل واحد لحاله!.

ردت بتأني لا تظهر له مدي سخطها من العودة إلي منزل والديه:
_ طبعاً واحد، لكن أني أتفاچأت لما عتجولي.

أمسك بيدها ليجعلها تجلس علي كرسي وجذب آخر و وضعه أمامها ليجلس مقابلاً لها :
_ بصي ياقمر لأچل نبجي واضحين، أنتي خابرة ظروفي زين، ما أقدرش أشتري شقة دلوق، ممكن نأچر شقة علي قدانا لحد ما ربنا يكرمني وأشتري لك شقة ملك، الي هيحوصل دلوق إننا هانرچع علي دارنا ومنها أجف ويا خايتي فاطمة وأشوف أي حكاية أخوي وأكون ويا أهلي لأچل يحتاچو حاچة مني.

أنتبهت لذكر إسم شقيقته فسألته لتطمأن عليها:
_ مالها فاطمة؟ وأي حكاية أخوك؟.

أطلق تنهيدة لايعلم من أين يبدأ إخبارها فأجاب بإيجاز:
_أخوي ماعرفش لسه حكايته، لكن خايتي كانت مخطوفة ولساتها راچعة إمبارح وأمي حكمت عليها تتچوز رافع واد خالي غصب عنها.

شهقت وهي تضرب علي صدرها بكفها:
_ واه، رافع!، يامُرك يا فاطمة!.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ نهض من فراشه عندما شعر بقليل من التحسن، فبعد أن تركته وعادت إلي منزلها، تحمل ألم جرحه الذي ذرف دماءً كثيرة وهاتف الطبيب ليأتي إليه وجاء في غضون نصف ساعة مع حارس العقار عم خضر الذي قام بفتح باب الشقة بالنسخة التي تركها علي لديه، فتفاجأ كلاهما برؤيته مُسجي علي الأرض لا حول له ولا قوة، ودماءه ملطخه قميصه، أسرع الطبيب بإسعافه وتقطيب جرحه مجدداً وتغطيته بالشاش واللاصق الطبي، وقام بتعليق محلول وحقن بداخله مُسكن لتخفيف آلام جرحه.

تضور معدته من الجوع، ذهب إلي المطبخ باحثاً عن أي شئ يأكله فلم يجد سوي قطع دجاج مُتبلة في الثلاجة ،قام بطهيها في المقلاة، مد يده ليجلب طبق ويضع عليه القطع بعض قليها فداهمه ألم قاتل في جانبه جعله تأوه من بين أسنانه ويعتصر عينيه من فرط الألم.

خرج ليأكل أمام التلفاز، بمجرد ضغط علي زر الإضاءه وجد الذي يجلس أمامه علي الكرسي واضعاً ساق فوق الأخري يزفر دخان سيجارته، يرمقه في صمت قاطعه عندما تحدث بتهكم:
_ تصدق أنا جعان أوي، بس مليش نفس للفراخ.

وضع الطبق علي المنضدة ليجلس علي الكرسي المقابل للآخر، حاول كتمان أوجاعه وأن لا يظهرها أمامه، بادله حديثه بنبرة هاكمة :
_ أنا أول مرة أشوف ظابط يدخل بيوت الناس زي الحرامية!.

رفع أكرم زواية فمه بطيف إبتسامة ساخرة ، وضع يده خلف ظهره ليأخذ سلاحه الناري و وضعه علي المنضدة أمامه :
_ وأنا مش جاي لك بصفتي ظابط.
ع،
يجلس أمامه الآخر بثبات يُحسد عليه وكأنه ينتظر هذا اللقاء منذ زمن.
تناول قطعة دجاج بهدوء يثير حنق الآخر الذي يتحكم في ثورة غضبه العارم، تندلع من نظراته المتربصة.
مضغ وأبتلع ما بفمه ولعق أطراف أنامله ثم قال:
_ أومال جاي ليه بصفتك جوز ندي.
9

سحقاً لهذا الأحمق الذي يعلنها أمامه وصراحة، يتحداه والأدهي يلفظ إسم زوجته التي أضحت طليقته الآن علي لسانه بكل جرأه و وقاحة لم يراها من قبل، فسرعان أنقض عليه كإنقضاض ليث علي ضبع يظن نفسه في قوة خصمه لايعلم إنه وقع بين فكيه.
_ إسمها ميجيش علي لسانك بدل ما أقطعهولك.
هدر من بين أسنانه ممسكاً بتلابيب علي الذي يحدجه بتحدي سافر، يتراقص علي حافة البركان غير مكترث لحممه المتصاعدة لإحراقه وجعله رماداً مندثراً في مهب الريح.

_ إياك تكون فاكر إن هخاف منك!، أنا راجع وعارف مين خصمي ولا نقول غريمي.

غمز بعينه فسبر أغوار الآخر، كور قبضته ولكمه في وجهه، فأنقلب بالكرسي إلي الوراء، تأوه رغماً عنه، ليس من اللكمه بل من جرحه الذي لم يندمل بعد، بينما كان أكرم يملك جرح أعمق وأقوي، فجراح الجسد لها العديد من الأدوية لكن جروح الفؤاد لاتوجد ما يداويها.

أخذ سلاحه و صوب فوهته نحو رأس المُلقي علي ظهره:
_رصاصة واحدة ترشق في دماغك وتتمحي من الوجود أو أرميك ورا الشمس ومحدش هايعرف أنت عايش ولا ميت.

ورغم آلامه تجلت إبتسامه علي شفاه ليكيد الآخر ويثير جنونه، قال بتهدج:
_ أي؟،خايف إنها تسيبك وترجع لي؟، ولا الباشا مش عارف يسيطر!.

رصاصة أنطلقت وأستقرت في ظهر الكرسي تركت خدشاً لايذكر علي أذنه تسببت في ذرف بضع قطرات من الدماء، ومالبث أن باغته بالقبض علي تلابيب قميصه وأخذ يكيل له عدة لكمات متتالية، لم يمهله حتي إلتقاط أنفاسه وصاح به مهدداً إياه:
_ كان ممكن أخليها ترشق في قلبك، بس مش أنا الي يزفر رصاصه من مسدسه بدم واحد وس..... زيك، أقسم بالله لو ماخدت بعضك وغورت من هنا وياريت تغور من مصر كلها لأكون ملبسك قضية أقل حاجة فيها تأبيدة.
تابع حديثه بركلة قوية في جرح الآخر الذي أطلق صرخة مدوية، يشعر وكأن روحه تغادر جسده المتلوي من شدة الألم، ثم تركه وغادر المنزل متوجهاً إلي مقر عمله.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ بين نغمات أغاني الفلكور الشعبي لمحافظة أسوان والمراكب التي تتراقص في مياه النيل المتلألأة أثر سقوط أشعة الشمس الذهبية ، فتغني القلوب طرباً من هذا المنظر البديع الخلاب.
وهنا بداخل هذا المركب يتعانق قلبان كمعانقة أصحابهما لبعضهم البعض.
يهمس بجوار أذنها بعشق وهيام:
_ أنا أسعد واحد في العالم، في حضني الإنسانة الي بحبها وبعشقها وقاعد في مركب وسط النيل وشايفين الخضره علي ضفافه، هاعوز أي تاني من الدنيا!.

مالت برأسها علي كتفه لتنظر له بزواية:
_ عتتحدت چد يا صلاح، للدرچدي حبتني جوي؟.

إبتسم بمكر فقال بمزاح:
_ ولا حبيتك ولا حاجه أنتي صدقتي ولا أيه.

لكزته في كتفه وقالت:
_ أخص عليك يا صلوحتي وعلي هزارك البايخ عاد، بجي إكده أوعي.
وكادت تنهض فحاوط خصرها بزراعيه:
_ رايحه فين، أنسي إنك تقومي من حضني غير لما ننزل من المركب.

وقبل أن تتحدث وجدت صاحب المركب الذي يجلس بجوار المحرك ينظر نحوهما ويبتسم، شعرت بالخجل:
_ طيب خلاص، بعد هبابه إكده، الراچل عمال يبص علينا.

تمسك بها أكثر وقال:
_ ما يبص مالهوش حاجة عندنا، واحد ومراته في الهني مون وبيحبها ومايقدرش يبعد عنها ولو لحظة.

أستدارت بين يديه حتي تنظر في عينيه التي أشتدت زرقتها في ضوء الشمس الساطعة مما جعلها تحدجه وتتأمله في صمت، فقال هو:
_ عايزة تقولي أي يا سمسمتي؟.

يتراقص فؤادها من الفرح والسعادة، يعشقها ويفهمها بمجرد نظرة من زرقاويتيه لخاصتها، ما هذا القدر الحليف الذي أوقعها في درب رجل لم تكن تحلم بالزواج منه أو تقابل مثله عندما كانت تعمل بالمشفي، كثيراً رفضت من يريدون الزواج منها فمنهم من كان طامعاً في راتبها ومنهم من يريدها خادمة لوالداته وشقيقاته والبقية حدث ولا حرج أشباه رجال يريدون الزواج من أجل المتعة ليس أكثر.

تنهدت وأجابت:
كنت رايده أجولك أني برضك أسعد واحدة في العالم وربنا بيحبني جوي لأچل يچعلك من حدي ونصيبي.

أمسك يدها بلمسة أذابت قلبها تياماً، فقام بتقبيل كل طرف من أناملها حتي وصل لراحة يدها وطبع قبلة أفاضت بكل مايريد إخبارها به عن مشاعره نحوها.

_ واه، عتسوي أي عيب إكده.
قالتها بخجل يمتزج به بعض الدلال

_ عيب لما أبوس صوابعك وأيديكي ومش عيب الي حصل إمبارح والنهاردة الصبح ولسه هيحصل كل يوم و......
أسكتته بتكميم فاهه بيدها:
_ أكتم عتفضحنا يا راچل.

أزاح يدها من علي فمه و أطلق ضحكاته التي تعشقها وتظهر لها مدي وسامته، تصنعت الضيق وزمتت شفاها:
_ وأني جولت أي يضحك يا حضرة الأڤوكاتو؟.

أجابها وهو يهز رأسه:
_ أنتي مشكلة يا سمسمة، بضحك علي كلامك و ردود فعلك الغير متوقعة.

رفعت رأسها بشموخ لتحدثه من برج كبريائها المرتفع وكأنها ملكة تلقي خطاباً لشعبها:
_ حدانا في البلد إحنا أتربينا علي إكده، ممكن يكون حسب تفكيرك إني رجعية وقديمة لكن دينا وعاداتنا عتجول المشاعر سواء حديت أو فعل مابين الراچل ومارته لما يكون مجفول عليهم باب، لأن دي خصوصية مش علي الملأ إكده.

أومأ لها متفهماً، فقال بمزاح:
_ حاضر يا بلدينا.

ولت إليه ظهرها متمتمة:
_ روح أضحك مع حالك.

_ خدي هنا، أنا بهزر معاكي، وهاسمع كلامك هاعبرلك عن مشاعري لما نرجع الأوتيل، هاغرقك مشاعر لحد ماتفرهدي.
وغمز بعينه، توهجت وجنتيها وأشاحت وجهها، لم يكترث لما قالته له منذ قليل فأحتضنها وسألها:
_ مقولتليش بقي نفسك في أي أعمله لك، أطلبي وأتمني وأنا ومالي وحالي ملك إيديكي.

رمقته بفرحة تغمرها:
_ كل الي ريداه منك أنك تفضل إكده معايا علي طول، ماتتغيرش في يوم ولا تچرحني، إياك والخيانة.

أمسك بيدها وقال:
_ عمري ما أخونك لأني مختارك بعقلي وقلبي وعمري ما هلاقي زيك، وبالنسبه لحبي ليكي عمره ما هيقل بالعكس كل يوم بعيشه معاكي بحبك أكتر.

_ يبجي إكده مافضلش غير حاچة واحدة و دي بجي الي بإذنه ومشيئته هو الي يحققهالي ربنا سبحانه وتعالي.

رمقها متلهفاً فسألها:
_ وياتري أي هي الحاجة دي؟.

نظرت في عينيه لثوان فأجابت:
_ أنه ربنا يرزقني منك بولد وبنوته ويكونو شبهك بالظبط.

تغيرت ملامحه في لحظة من السعادة إلي الوجوم مما أثار الريبة بداخلها:
_ مالك أتضايجت ولا أي، ماريدش عيال!.

كان سؤالها ليس بمجرد سؤال تنتظر إجابته بالإيجاب أو النفي لكنها تخشي ما طرق في ذهنها عندما رأت وجوم ملامحه للتو.

و بما إنه متفوق في مهنته التي تميزه بالدبلوماسية البحته، أجاب عليها كالآتي:
_ مش زي ما أنتي ما فهمتي، كل الحكايه أنا مش مستعجل، تقدري تقولي نأجل الموضوع ده لبعدين، عايزين نستمتع بكل لحظة بنعيشها مع بعض.

هزت رأسها كدلالة علي ما أدركته، أشاحت وجهها وفي رأسها تتدور مئات الأسئلة، تنظر نحو الشمس التي بدأت في الغروب ويتحول لونها الذهبي إلي الأحمر البرتقالي في منظر جذاب من صنع الخالق.
قاطع وصلة تأملها رنين هاتفه، فأخرجه من جيب بنطاله ونظر إلي هوية المتصل.
_ ألو ياباشا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أجاب سليم علي الجانب الأخر بسخرية مازحاً:
_ ده أنت الي باشا وعريس، وأنا آخر من يعلم.

ضحك وقال:
_ والله الموضوع جه كده بسرعة حتي لسه محدش يعرف .

كان يقف علي حافة سطح منزله متكئاًحبمرفقه علي ساقه المستنده علي السور:
_ ما أنت عارف بقي مفيش حاجة بتستخبي علي سليم العقبي، ياتري مين سعيدة الحظ الي خطفت قلبك؟.

نظر صلاح إليها وهو يجذبها إلي صدره:

_ طبعاً ونيجي فيك أي يا مدرسة، و الي خطفت قلبي يا سيدي تبقي سمية هانم حرمي المصون.

عقد مابين حاجبيه يتذكر صاحبة ذلك الإسم:
_ أوعي تكون البنت الممرضة الي خدتها عندك؟.

_ دي ملاك رحمة نزل من السما عشان يعالج قلبي الي كان بيموت وهي جت أحيته من جديد.

رفع زواية فمه قائلاً:
_ عمتاً ألف مبروك، هاترجع أمتي من عندك؟.

شعر الآخر بعدم قبول صديقه تلك الزيجة فلم يهتم، وأجاب علي سؤاله:
_ إن شاءالله علي آخر الأسبوع، عشان فيه شغل وقضايا كتير كنت مأجلها.

_ وأنا كمان هخلص حاجه كده في الشغل الي عندي و راجع مصر علي آخر الأسبوع.
1

_ توصل بالسلامة يا باشا.

أجاب بإقتضاب:
_ الله يسلمك.
ألقي نظرة في شاشة هاتفه ينظر إلي الساعة ليجدها الحادية عشر صباحاً بتوقيت لاس فيجاس.
_ ماشي يا صلاح، أنا مضطر أقفل معاك دلوقت، يلا باي.

_ وبالأسفل بداخل الغرفة، تجول ذهاباً وإياباً تفكر في كيفية الهروب من هذا المتوحش بدون أن تفشل خطتها ويكتشفها فيلقي بها داخل جحيمه و يذيقها ويلات من العذاب الذي لايتحمله بشر.

توقفت فجاءة بجوار السرير فرفعت فراشه قليلاً وأخذت شيئاً من أسفلها، جلست تنظر إلي البطاقة المدون بها الرقم الشخصي لساندرا جابرييل وأسفله مدون أيضاً عنوان مركز سبا التي تمتلكه ويقع بالقرب من الكازينو الخاص بزوجها دانيال.
أنفتح الباب فجاءةً، فألقت بالبطاقة سريعاً أسفل السرير.
_ كنت لسه فاكرك نايمه.
قالها فأستدارت إليه فرأته يحدجها بشك، أبتلعت لعابها و قالت بتوتر:
_ لساتني صاحيه من عشر دجايج.

كادت تذهب من أمامه فأوقفها ممسكاً يدها، نظرت إليه فسألها:
_ تحبي نتغدا هنا ولا نتغدا بره؟.

أجابت بإمتعاض:
_ الي رايده أنت.

وقف أمامها مباشرة و رمقها مبتسماً مما أثار دهشتها من هذا الذي يتبدل حاله في كل وقت، رفع يده إلي وجهها فتراجعت بخوف،وجدته يمسك خصلاتها الغجرية وعينيه صوب خاصتها، ويده الأخري تجذبها من خصرها لتلتصق به.
_ خايفه مني؟.

لم تقاومه لأنها قد تعلمت، إذا أرتكبت فعل يثير غضبه سيلقنها عقاباً قاسياً، أجابت علي سؤاله المثير للسخرية:
_ و أي الي يخليني أخاف منك، عتضربني أو تعذبني مثلاً عاد!.

رفع زواية فمه بعدما أستشف من إجابتها السخرية، رد بهدوء أثار ريبتها نحوه:
_ طول ما أنتي مطيعة وتسمعي كلامي هخليكي أسعد واحدة، و لو العكس زي مابتعملي هخليكي تعيشي أسود أيام حياتك.

قالت في نفسها:
_ ما أني عايشة فعلاً أسود أيام حياتي من وجت ما شوفتك.

ردت علي كلماته بما يرضيه ويبعد شره وإيذائه عنها إلي أن تحين لحظة فرارها:
_ ما أني خلاص أتعلمت و الي هتجولي عليه من هنا ورايح هاسويه علي طول.

شبه إبتسامة يرمقها بها ونظرات قاتمتيه تخبرها بأنه ليس هو الرجل الذي ينخدع من إمرأه ساذجة، فهي كالكتاب المفتوح أمامه سهل قراءة أفكارها من نظرة واحدة.
ربت برقه علي وجنتها:
_ لما نشوف.
أصابتها رجفة شعر بها وهي بين يديه، تخشي أن يختبر صدق كلماتها، وقد كان، أبتعد عنها و ذهب ليجلس علي الكرسي واضعاً ساق فوق الأخري بعنجهية، أشار لها بأصبعه:
_ تعالي.

أذعنت له وسارت نحوه، مع كل خطوة قلبها يخفق بقوة، وقفت أمامه تنظر لأسفل تتحاشي النظر في سوداويتيه المُظلمة.

_ أرفعي وشك وبصي لي.
أمرها مجدداً، ففعلت ما أملاه عليها، وجدت ملامحه ساكنه خالية من أي تعبير يدل علي حالته المزاجية، لكن هناك ما جعل الرعب يتسلل إلي قلبها وهو ذلك الظلام الموجود في عينيه.

_ أقلعي.
غرت فاهها بصدمة وكأن خرج له رأس آخر.
7

_ سمعتي أنا قولت أي؟.
سألها بجدية صارمة، فأجابت بتهدج وحماقه :
_ أجلع، أجلع كيف يعني؟.

ضحك بتهكم علي سؤالها:
_ ماتعرفيش تقلعي هدومك يا بيبي!،ولا أقلعها لك أنا بطريقتي.

تراجعت بخوف خطوة إلي الوراء تضم تلابيب ثوبها:
_ ما أجصدش الي فهمته، أني كنت رايده أسألك هجلع خلچاتي ليه؟.

رد بجدية وحزم:
_ عشان أنا عايز كده، مش من شويه كنتي بتقولي أتعلمتي خلاص وهاتنفذي الي هقولك عليه! ، فين بقي.

تلعن نفسها علي ماتفوهت به إليه، ها قد عاد لجنون ساديته وفرض سيطرته مرة أخري، هزت رأسها بطاعة، و شرعت في تنفيذ أمره، أخذت تفتح زر تلو الآخر وأنزلته من كتفيها لتخرج زراعيها فوقع علي الأرض، وهكذا أصبحت بثيابها الداخلية فقط .
حدجها من أخمص قدميها إلي رأسها فهز رأسه برفض قائلاً:
_ هدومك كلها.

جحظت ذهبيتيها، كيف له أن يطلب منها هذا!، صاح بها ماجعلها أنتفضت مذعورة:
_ هاتفضلي مصدومة كدة كتير!، أخلصي ولا أقوم أنا أقلعك بنفسي.
و كاد ينهض، أوقفته بإشاره من يدها علي الفور:
_ خلاص، خلاص، هاجلعهم بنفسي.

وضعت يديها خلف ظهرها لكي تفك مشبك صدريتها بتردد وخجل شديد، أخفضت بصرها لأسفل لتواري عبراتها التي تجمعت للتو لكن شهقاتها بدأت تتعالي، وما أن أنتهت من خلعها أخذت تخبأ مفاتنها بضم زراعيها وكأنها تحتضن نفسها.
لم تشاهد تلك الإبتسامة التي ملأت ثغره و هو في قمة سعادته من رؤيتها في تلك الحالة، خاضعة لأوامره رغماً عن أنفها، تبكي بنحيب لم يكترث له بتاً، بل زاد ضغطه عليها أكثر فهدر بها:
_ أنتي هتقعدي اليوم كله هتعيطي، خلصي وأعملي الي قولتلك عليه.

أزداد بكائها بقهر، لم تشعر بإهانة من قبل قدر ماتشعر به الآن، أنهارت قواها فجثت علي عقبيها وتناولت ثوبها لتواري به جسدها، وأمسكت يده برجاء بالغ لتتوسله بل تتذلل إليه:
_ أحب علي يدك يا سليم، كفايه إكده مجدراشي أسوي الي عتجولي عليه.

برغم من عدم طاعتها لأمره بالكامل لكن يكفي تلك النظرة في عينيها، نظرة مليئة بالذل والألم،كم جعلت هذا الكائن الضاري بداخله يشعر بالإنتشاء لكن هناك جانب آخر في أعماقه يوبخه وينهره علي ما يقترفه بها وجعلها تصل إلي تلك الحالة التي يرثي لها.
بداخله صراع نشب للتو وصل لذروته مما سبر أغواره، نهض صارخاً:
_ كفايه.
4

توقفت عن البكاء ونهضت سريعاً لتبتعد من أمامه، لم يمهلها خطوة واحدة للإبتعاد، حيث جذبها من خصلاتها لترتطم به وأنقض علي شفاها، يقبلها بعنف وقسوة، وكلما حاولت دفعه عنها تزداد قبضته علي خصلاتها حتي أبتعد ليلتقط أنفاسه بلهاث وكأنه يعدو في صحراء قاحلة.
ظل يرمقها كمن فقد عقله، وهي تتراجع إلي الوراء تهز رأسها بالرفض تخشي ما هو مُقبل عليه، أندفع نحوها فأوقفه طرق علي الباب وتابعه صوت الخادمة:
_ عفواً سيدي، فرجالك ينتظرونك بالأسفل، يريدون مقابلتك في الحال.

أخرج هاتفه من جيبه ونظر إلي شاشته ليجد العديد من المكالمات الفائتة من كبير رجاله، فتركها وهبط إليهم ليري ماذا يريدون منه.

_ كارثة، كارثة سيدي.

أتسعت قاتمتيه فسأله:
_ ماذا هناك؟.

_ چوناثان قد علم بهجومنا علي وكره فنصب لنا فخاً و نال من العديد من رجالنا فلم يتبق سوي نحن الأربعة فقط، وقبل أن نرحل قال لي أحد رجاله قُل لسيدك إذا أراد أن يسترجع أشيائه فليأت ويأخذها بنفسه.

ثار غضبه وأصبحت ملامحه كوحش ضاري يريد الفتك بأعداءه، صاح بهم:
_ أذهب وأجمع لي كل رجال الحراسه.

_علينا ترك أثنين منهم لحراسة المنزل.
1

هدر بأمر حاسم:
_ أذهب وأفعل ما أمرتك به أيها الأحمق.

صعد إليها فوجدها تتمدد علي السرير بعد أن أرتدت ملابسها، ذهب إلي الخزانة وقام بفتح الضلفة الوسطي التي بداخله خزنته ذات الشفرة، لمس أحدي الأزرار المسطحة فأضاءت اللوحة الرقمية فوضع كفه وقام بفتحها وأخذ سلاحين ،فتح خزينة كل منهما وملئها بالرصاص.
أرتدي الحزام علي كتفيه و وضع السلاحين في كل جراب علي حده.
خطي علي عجالة وأمسك بزراعها:
_ قومي تعالي معايا.

_ واخدني علي فين إكده؟.
سألته بصراخ من ألم قبضته القاسية علي زراعها، فزجرها بنظرة جعلتها تلزم الصمت، هبط بها لأسفل ودفعها بداخل غرفة مكتبه منادياً علي مديرة المنزل:
_ آنيتا، آنيتا.

جاءت راكضة:
_ أمرك سيدي.

أشار لها قائلاً:
_ أوصدِ باب الغرف عليكما من الداخل حتي أعود.
وأردف بصوت لايسمعه سواها:
_ لا تخبريها بأي شئ، وأجعليها تحت عينيك، فأنتِ المسئولة أمامي.

أومأت له بطاعة:
_ أمرك سيدي.

وفي غضون دقائق ذهب وبرفقته جميع رجال الحراسة ولم يتبق سوي الخادمة وزينب في غرفة المكتب، أدركت الأخري بأن هناك كارثة قد حدثت وجعلته يأخذ جميع رجاله فعليها إستغلال تلك الفرصة للهروب.
نظرت إلي الخادمة التي ألتزمت بالوقوف في صمت مطبق، فسألتها:
_ أنيتا.

_ نعم سيدتي.

_ ماذا حدث وجعل سليم يأخذ جميع رجال الحراسة ويذهب؟.

تصنعت الأخري جهلها بالأمر:
_ لا أعلم.

حسمت أمرها وعليها التشبث بتلك الفرصة التي لم تأت مرة ثانية، فسألتها مرة أخري:
_ لايوجد سوي أنا وأنتي فقط؟.

رفعت كتفيها بإنكار:
_ لا أعلم سيدتي.

تمتمت بصوت غير مسموع:
_ آه يا وليه يا جرشانه، عملالي فيها معرفاش حاچة، يبجي تستاهلي الي هسويه فيكي دلوق.

أخذت تخطو تتفحص كل أنحاء الغرفة وبطرف عينيها لاحظت مراقبة الأخري لها عن كثب، فأيقنت أن سليم أمرها بذلك.
وقفت خلف المكتب الخشبي وحاولت فتح أدراجه، فتحت الدرج الكبير فوجدت بداخله حاسوبه المحمول، أخذها الفضول لتشغيله، وبعدما قامت بذلك، نقرت علي إيقونة ملفات التخزين فوجدتها مُشفرة.
_ جافلها برقم سري، يبجي بالتأكيد عليها بلاويه السودة.

أغلقت الحاسوب لتجد الأخري ما زالت تنظر لها، أمسكت بقطعة خزفية من المعدن وتتأملها:
_ تعالِ أنيتا،أنظري إلي هذا.

أقتربت الأخري بإهتمام وقالت:
_ ماذا به؟.

ترددت فيما ستفعله لكن كلما تتذكر كم ماتعرضت له علي يد هذا الطاغي، يندفع إليها حافز للفرار بأي ثمن.
شهقت وهي تنظر بفزع نحو الباب فأستدارت الخادمة لتري ماذا يحدث، فباغتتها زينب بضربة علي رأسها بقطعة الخزف مرتين حتي فقدت الوعي.
دنت منها لتأخذ المفتاح من جيب جونلتها، وقبل أن تغادر الغرفة أخذت الحاسوب وفتحت الباب، فصعدت لتأخذ متعلقاتها وبعض الثياب وأبدلت ملابسها سريعاً، أرادت مهاتفة ساندرا لتتأكد من وجودها بالمركز الخاص بها فتذكرت أن ليس لديها هاتفها ولاتمتلك أي أموال.

ركضت إلي الخارج حتي غادرت المنزل، ظلت تركض وتركض حتي وجدت نفسها علي طريق رئيسي، أشارت إلي سيارة أجرة وأخبرت السائق علي العنوان المدون بالبطاقة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3

_ بداخل الرواق يجلس الحاج نعمان أمام الغرفة التي تمكث بها إبنته منذ البارحة، فبعدما شاهدت محتوي الفيديو لم تتحمل وخارت قواها وفقدت وعيها علي الفور، حملها فارس علي زراعيه وأدخلها سيارة والدها وذهب جميعهم إلي أقرب مشفي خاص وبعد أن فحصها الطبيب أخبرهم أنها تعرضت لصدمة نفسية وما زاد الأمر صعوبة لأنها مريضة سكري، لذا وضعها تحت الملاحظة وأمر الممرضة بتعليق محلول لها وتبقي لمراقبتها حتي تفيق.

جاء فارس يحمل كيس يبحث عن الحاج نعمان فوجده يجلس علي كرسي مُنكس الرأس يمسك عصاه بيديه مستنداً عليها، أقترب منه وربت عليه برفق:
_ حاچ نعمان.

رفع رأسه ونظر إليه وعينيه تغرقها الدموع، قال له:
_ شهد بتضيع مني يا قاسم يابني.

جلس بجواره و وضع يده فوق يد الآخر بمؤازرة ومواساه:
_ ماتخافش يا حاچ، بإذن الله ربنا هيقومها بالسلامة، أدعيلها.

_ وأنا في أيدي أملكه غير الدعاء، آه لو أعرف مين إبن الحرام الي عمل لها الفيديوهات دي، وأزاي عملها، أنا طول عمري أسمع عن صور تتفبرك لكن فيديو أزاي!!.

أطلق تنهيدة وأعتدل في جلسته قائلاً:
_ للأسف دلوق فيه فبركه للفيديوهات، صورة وصوت كمان، عيسويها برامچ كيف الفوتوشوب، تبجي جاعد في أمان الله وتلاجي حد مصورلك فيديو بصورتك وصوتك وأنت عتسوي چريمة أو عتجول حديت يلبسك مصيبة، ياما بيوت خربت بسبب إكده.

_ لا حول ولاقوة إلا بالله، ربنا يسترها ويبعد عننا الأذي، أنا كل الي عايزه أن بنتي تقوم بالسلامة وهجبلها حقها.

وضع يده علي كتفه قائلاً:
_ أطمن يا حاچ وهمل الموضوع ده عليا، وأوعدك هچبلك الي سوي إكده لحد رچلك وتسلمو للحكومة.
_ مش هسلمه غير لما أطلع عينه الأول.

رفع الكيس ليقدمه إليه:
_ طيب ممكن تاكلك لقمة، وأوعدك كل الي رايده هو الي هيحصل.
هز رأسه بالرفض وقال:
_ وهاجيب النفس منين عشان آكل وبنتي مرمية جوه ولسه مافقتش لحد دلوقت.

خرجت الممرضة إليهما والسرور يملأ وجهها:
_ الآنسة شهد فاقت.

تهللت أسارير والدها فسألها:
_ ينفع أدخلها يابنتي؟.

أجابت وهي تشعر بالحرج:
_ بصراحة الي يقرر ده الدكتور، دقيقة هاروح أبلغه هيجي يطمن عليها وهو الي هيقول لحضرتك ينفع ولا لاء.

وبعدقليل جاء الطبيب وقام بفحصها مرة أخري ليطمأن علي حالتها الصحية، وخرج إليهم، فسأله نعمان بللهفة:
ــ بنتي عامله أيه دلوقتي يا دكتور؟.

أجاب الآخر قائلاً:
_ الحمدلله بقت أحسن من إمبارح خدنا منها عينة دم نعملها شوية تحاليل نطمن علي مستوي السكر، وأول ما تطلع النتيجة هاكتبلها إن شاءالله علي خروج بس أهم حاجة الراحة النفسية.

وبعدما أعطاهم الطبيب التصريح للخروج، عادوا إلي منزل الحاج نعمان، فساعده فارس علي إيصال إبنته إلي باب شقتهم و نزل لشراء كل ما كتبه لها الطبيب من أدوية وشراء بعض المستلزمات وأعطاها إلي والدها الذي أخرج المال من محفظته لمحاسبته، لكن الآخر رفض رفضاً باتاً.

قام نعمان بإعداد الطعام لإبنته و قام برصه علي الصينية ودلف إليها بعدما تحمحم:
_ يارب ياستر، صاحية يابنتي؟.

نهضت بجذعها وأراحت ظهرها علي الوسادة التي خلفها بدون أن تتفوه ولو بكلمة، أشاحت وجهها لاتريد النظر في عين والدها من فرط خجلها من ما حدث.
1

رفع طبق الحساء وأغترف منه بالملعقة:
_ عملك حبة شوربة لسان عصفور هتاكلي صوابعك وراهم.

هزت رأسها وتمتمت بخفوت:
_ مش عايزة أكل.

_ ماينفعش يابنتي، لازم تاكلي عشان الدوا الي هتاخديه.

زفرت بحزن وألم فقالت:
_ ياريتني ما فوقت أو موت أحسن.

وضع نعمان الطبق علي الصينية وألتفت لها والآسي يختلج ملامحه:
_ حرام عليكي، بتعملي فيا كده ليه، عايزه تقهري قلبي عليكي! ، ده أنا من يوم أمك الله يرحمها ما توفت وسابتك ليا حتة لحمة حمرة وأنتي بقيتي كل حاجة ليا، مرضتش أتجوز وأجيب لك مرات أب الله أعلم هاتربيكي إزاي ولا هاتعملك حلو ولا وحش، كان كل همي أربيكي أحسن تربية وأعلمك لحد ما أخدتي شهادتك مافضلش غير أسلمك لإبن الحلال الي يصونك ويحطك في عينيه، وتيجي في الآخر تقولي ياريتني أموت!.

أجهشت بالبكاء وقالت:
_ سامحني يا بابا، غصب عني الي حصل ده مش سهل عليا، إزاي هارفع راسي في وسط الحته بعد مابقيت في نظرهم الي شافوه في الفيديو .

تريثت لثوان حتي تجفف سيل أنفها بالمحرمة الورقية فأردفت:
_ أنا خلاص بقيت في نظرهم واحدة رخيصة، مبقتش شهد بنت الحاج نعمان الي بينضرب بيها المثل، أنت عشان أبويا والي مربيني عارف أن في الفيديو دي مش أنا، لكن غيرك مش هيصدق مهما حلفت لأن الناس ملهاش إلا الظاهر حتي لو عارفين الحقيقة.

جلس بجوارها وأحتضنها بحنانه الزاخر:
_ تولع الناس وتولع أي حاجة المهم عندي أنك بخير، وأوعدك هاجبلك حقك من الي عمل كده، هاخليه يبوس جذمتك عشان تسامحيه، بس ياريت تبطلي عياط ومتقهريش نفسك عشان خاطري.

عانقته بقوة تتشبث به كطفلة صغيرة:
_ يا بابا أنا أكتر حاجة تعباني أنت.

أبعدت رأسها عن صدره لتنظر له:
_ مش عايزه حد يبص لك بصة وحشة بسببي ولا يحرق دمك بكلمة عليا، لأني ما أستحملش أشوفك في الوضع ده، عرفت ليه بتمني أموت أو ما كنت فوقت!.

وضع يديه علي كتفيها وقال بحزم وجدية:
_ لا عاش ولا كان الي يكسرني أو يكسرك، ومتقوليش كده تاني، أنتي بنت الحاج نعمان الي بتمشي رافعه راسها ولا يهمها غير الي خالقها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ عاد فارس إلي صاحبه جنيدي الذي ما زال يقوم ببيع الثياب فوق الرصيف.
_ الحاچ نعمان كيفه دلوق؟.

سأله جنيدي فأجاب الآخر بعد أن جلس بجواره:
_ الله يكون في عونه، الموضوع شكله كبير جوي، والي سوي الحكاية دي غرضه يأذي الحاچ جبل بته.

زفر دخان سيجارته ليرد قائلاً:
_ وليه ماتجولش الي سوي البلوه دي يكون عينتجم منه أو من بته.

نظر له فارس فأومأ له وأشار له بنظرات عينيه نحو هناك حيث متجر المدعو ممدوح، لاحظ وقوف تلك الفتاة التي رآها منذ يومين أمام المتجر تنظر في هاتفها.

وبداخل المتجر، يجلس خلف مكتبه يزفر دخان الأرجيلة ويشاهد إحدي مقاطع الفيديو بنظرات شهوة مقززة ويقول في نفسه:
_ ده الولاه جيجا طلع فنان، لولا أنا الي مديله الصور بنفسي كنت صدقت الي في الفيديو دي البت شهد، دي شهد أجمد بنت اللذين، عليها عود وجوز عيون يدوخو رجالة بشنبات، يلا خلي أبوها يبقي يوريني وشه ولا هايرفع راسه في الحته إزاي، والسنيورة بنته هتقعد جمبه مش هتلاقي الي يعبرها، أقوم أنا أطلع الشهم الجدع الي هيتجوزها ويستر عليها، الله عليك يا دوحه وعلي أفكارك الألماظ.

_ بقالي ساعة برن عليك وأنت قاعد هنا!.
صاحت بها سماح التي ولجت للتو، فأنفزع وأنتفض علي كرسيه، وقعت من يده عصا الأرجيلة وأغلق هاتفه من الزر الجانبي، ليهدر بها:
_ أنتي أي الي جابك يابت؟.

أشاحت بيديها له في الهواء:
_ بت ماتبتك يا جدع أنت، أنا جيت لك عشان أخد بقية حقي ولا ناوي تاكله عليا!.

نهض وصاح بنفس أسلوبها الفج:
_ حق مين يا أم حق، أنا مديلك فلوسك وقتها وقولتلك ماشوفش وش أمك في الحته تاني.

_ نعم يا عمر! ، هو المتين ملطوش دول يعتبره فلوس أنت قولتيلي هديكي ألفين جنيه والميتين دي مجرد عربون.

دفعها في كتفها مما جعلها سقطت علي الأرض:
_ ألفين عفريت ما يلهفوكي، يلا يابت غوري من هنا، ولو لمحة خلقتك هنا تاني لأخلي رجالتي ياخدوكي علي الخرابه يوضبوكي.

نهضت وتحدجه ب شرٍ وتوعد:
_ ورحمة أبويا يا ممدوح الكلب لأفضحك وأخلي سيرتك علي كل لسان.

تجمع أصحاب المتاجر علي صياحها المدوي، فتدخل أحدهم:
_ في أي يا ممدوح مالك ومال سماح؟.

صرخ فيهم:
_ أنا قاعد في حالي وهي جايه ترمي بلاها عليا.

قالت سماح:
_ ده كداب.
وألتفتت له تزجره بتهديد:
_ أقولهم جيت لك ليه؟.

أقترب الآخر منها وقال بصوت لايسمعه سواها:
_ أبقي أنطقي بكلمة واحدة وهخليكي بدل ما بتعالجي أمك العيانه هخليكي تقرأي عليها الفاتحة.
نظرت في عينيه لتدرك صدق تهديده لها، فقال إحدي المتفرجين:
_ ما تقولي ياسماح وخلصينا ممدوح ضايقك في حاجة.

ظهر فارس وجنيدي من بين الجميع لمشاهدة تلك المشاجرة في ترقب

خشيت أن تتفوه بحرف ٍ واحد وهذا الوغد ينفذ تهديده إليها، ألقت نظرة عليهم جميعاً ولاحظت نظرات فارس التي أربكتها وكأنه يعلم ما بينها وبين ممدوح.
_ مفيش، كان ليا حساب عنده وأخدته منه خلاص.

فقال جنيدي بسخرية:
_ حساب كيف وأنتي عتشتغلي في الكوافير الي علي ناصية الشارع!.

رمقته بإزدراء:
_ ماتخليك في حالك يا جدع.
قالتها و ذهبت سريعاً، فهمس فارس لصاحبه:
_ أني رايح مشوار إكده، ومعاود علي طول.

سار فارس خلفها علي بعد مسافة حتي لا تراه، أوقفت مايسمي بالتوكتوك ودلفت بداخله ليتبعها أيضاً عبر ركوب التوكتوك الذي يليه قائلاً للسائق:
_ ورا التوكتوك الي ماشي قدامك، ماتفرقهوش واصل.

ترجلت في منطقة شعبية قريبة وأعطت للسائق الأجرة كادت تلتفت لتعبر الشارع لكن أوقفتها سيارة كانت علي وشك أن تصدمها وفي تلك اللحظة تلاقت عينيها برماديتيه المراقبة لها، فأطلقت ساقيها للريح، لاتدري أنه أمهر منها في الركض.
توقفت في وسط حارة نائية وبعيدة عن الإزدحام لتلتقط أنفاسها، أخذت تنظر من حولها فلم تجده، تنفست الصعداء وعادت لتذهب إلي منزلها، وما أن خطت قدمها فناء البناء ذو الرائحة العطنة أصتدمت به وأطلقت صرخة مدوية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1

_ أتفضلي يا حبيبتي.
قالتها والدة ندي وهي تقدم لمروة كأس العصير، تناولت الأخري الكأس وتتصنع الآسي والحزن علي صديقتها:
_ مكنش ليه لزوم يا طنط، أنا جيت أطمن علي ندي، أنا مصدقتش لما سمعت الڤويس نوت وبتقولي الي عمله أكرم.

جلست و زفرت بقلة حيلة، لتقول بنبرة مليئة بالشجن:
_ ومين فينا الي مصدق يابنتي، والله عين وصابتهم.

تجرعت رشفة قليلة ثم تركت الكأس لتسأل صديقتها مصتنعة عدم الفهم:
_ هو أي الي حصل و وصل الموضوع مابينكو للطلاق؟.

كانت الأخري تبكي كلما تذكرت ماحدث ينتابها حالة من الصدمة وينتابها حالة بكاء هيستري.
_ هو فاهم غلط، أقسم بالله ما خنته زي ما بيقول.

نهضت وعانقتها وربتت علي ظهرها بحنان زائف وتقول في نفسها:
_ دوقي ولو جزء من عذاب قلبي الي خلتيني أدوقه السنين الي فاتت ولسه بدوقه لحد دلوقت.

ثم قالت بصوت مسموع:
_ أهدي يا حبيبتي، ماتعمليش كده في نفسك، مفيش حاجة تستاهل دموعك، أهدي وفهميني أي الي حصل بالظبط.

أخذت ندي تسرد لها ما حدث معها وكذلك والدتها قد حكت لها ما فعله عندما كان هنا.

_ والله يا مروة يابنتي كنا قاعدين ولا علي البال ولا الخاطر، كنت فكراه جايبها عشان يقعدو معانا شويه وياخدو لارا وهم ماشين، عمري ماتخيلت الي حصل، بس أرجع وأقول إن بنتي الي غلطانه، هي الي وصلته لكده، لو كانت صريحة معاه في الأول مكنش شك فيها وعمل الحوار ده كله.

تعالي نحيبها وقالت بدفاع عن نفسها:
_ هو الي أضطرني أكدب عليه، يعني كنتم عايزني أحكيله واقوله علي حالف ما يسيبني في حالي عشان يروح يقتله!.

نظرت إليها مروة بإبتسامة هاكمة فسألتها سؤال يحمل بين طياته العديد من المعاني:
_ و أنتي خايفة يقتل علي ليه؟.
أزدردت ريقها من هذا السؤال المباغت والذي صدمها بقوة لاسيما نظرات والدتها التي تحدجها بإستفهام تريد تفسيراً.
أجابت بإنكار للأمر وبرسم الثقة علي ملامحها، وقد نست إخفاء رجفة يديها المنبلجة للعيان:
_ أنا مش خايفة علي علي، خوفي علي أكرم ليتهور ويتأذي بسببه.

ظلت مروة ترمقها وتقول في نفسها:
_ آه يا صايعه بتضحكي علينا ولا علي نفسك، قولي خايفة علي الأتنين، بدليل دخولك شقة الواطي قال أي صعب عليا وكنت بساعده، يالهوي علي الكهن الي بيجري في دمك، ياريت كان أكرم دخل عليكم أنتو الأتنين وقتلكم وريحنا.
أنتبهت لندي تناديها:
_ مروة، عماله أكلمك وأنتي سرحانه،مالك في أي؟.

عادت من شرودها فأجابت:
_ بتقولي حاجة؟.

_ بقولك ساعديني ألاقي حل أخلي أكرم يرجعلي ويسامحني، والله ما عارفه أنام وهاتجنن.

تصنعت التفكير في الأمر:
_ سهلة أوي أعملي أنك تعبتي وباباكي خدك علي المستشفي ومامتك تظبط الباقي تكلمه وتقوله ألحق ندي بتموت.

تدخلت والدة ندي بإمتعاض قائلة:
_ بعد الشر، وليه أفاول علي بنتي ونعمل الهيصه دي كلها، هو يعرف إنه غلطان ويجي لحد عندها.

زفرت ندي بتأفف من فكر والدتها ذو الكبرياء النرجسي، همست لصديقتها:
_ سيبك من ماما، لحد دلوقت ماتعرفش أكرم زيي، بصي الحل الي قولتيه أوڤر شويه ده غير أنه فكرة مهروسة وهيكشفها بسهولة.

ردت الأخري بهمس أيضاً:
_ يبقي مفيش حل غير إنك تروحيلو البيت، بلاش شغله ليتعصب عليكي وأنتم مش ناقصين فضايح وشوشرة، هاتيها له من ناحية بنتكم، قوليلو حرام لارا تتربي في جو أسري مفكك وأدخلي له في جو الصعبينيات والحب والكلام الي أنتي عرفاه، ألعبي علي نقط ضعفه، وأنتي أدري بيه.

فكرت ملياً فيما قالته، ردت بتساؤل:
_ تفتكري الحوار ده هيجيب نتيجة؟.

أومأت لها بنعم:
_ طبعاً هيجيب نتايج مش نتيجة واحدة، وهتدعيلي علي طول.

رفعت يديها داعية برجاء:
_ يارب حنن قلبه عليا وخليه يسامحني، وعمري ما هكرر غلطتي تاني.

نهضت وهي تهندم ثيابها:
_ معلش أنا مضطرة أمشي ورايا حاجات كتير وهابقي معاكي علي إتصال.

أوصلتها ندي إلي باب الشقه و قبل أن تودعها عانقتها فأجهشت بالبكاء قائلة:
_ أنا بحبه أوي.

بادلتها الأخري العناق وقالت:
_ أستهدي بالله ياحبيبتي إن شاءالله هاترجعو لبعض.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ يجلس علي حافة النافذة شارداً في من هيمنت علي عقله منذ الأمس، يتذكر ملامحها التي تنضح بالبراءه والجمال ذو السحر الجذاب لكل من يراه، أفاق من شروده قائلاً في نفسه:
_ أنت أتچنيت يا زكريا إياك، دي تبجي مرات أخوك، أعقل إكده وكفياك طيش، وروح توب قبل مايفوت الأوان.

أندفع باب غرفته و ولجت كالإعصار المُدمر الذي يقتلع كل مايقابله.
_ والله عال، جاعد حداك ولا علي بالك المصيبة الي چت لي من تحت عمايلك السوده.

حدجها بإمتعاض قائلاً:
_ بدل ما تيچي تشكريني أني أقنعت أمك تأچل موضوع كتب كتابك أنتي ورافع، چايه عتعلي صوتك عليا وتزعجي فيا!.

كان حديثه كافياً لإضرام نيران غضبها، فصاحت في وجهه:
_ نعم يا أخويا!، تأچيل أي الي عتتحدت عليه، أني مستحيل أتچوزو ولو علي چتتي.

أنتفخت أوادجه ليس في مزاج لجدال لا فائدة من الخوض فيه، هدر بغضب :
_ بجولك أي أنتي الي سويتي في حالك إكده لما خرچتي من ورانا لأچل تجابلي الدكتور يا سافله، أحمدي ربنا أني ما كسرتش عضمك علي العمله دي.

_ تعالو يا ناس أسمعو وشوفو مين الي عيتحدت!، أنت مسألتش حالك أتخطفت ليه وعشان أي يا أخويا يا كبير؟.

أنتبهت حواسه لما تفوهت به ويبدو من ملامحه ليس لديه علم بأمر إختطافها، فكل مايعرفه عندما جاء بأن والدته أخبرته بقرار عقد قران رافع علي شقيقته، فهاتف إبن خاله فأبلغه الآخر بصحة هذا القرار فقام زكريا بتوبيخه لأنه متزوج و شقيقته لاتريد الزواج منه، ليخبره رافع بمقابلة شقيقته للطبيب ولم يذكر له أمر إختطافها.

أردفت حديثها:
_ الي خاطفني يبجي أخو ورد.

خفق قلبه بخوف عندما ذكرت إسمها وما زاد رعبه شقيقها، كانت فاطمة تحدجه بترقب ملامحه:
_ مالك أتكتمت ليه!، يبجي الي جاله أخوها صوح.

تهرب من نظراتها و ولاها ظهره و رد بإنكار:
_ أني معرفش أصلاً عتحددتي عن مين.

أستشاطت غضباً أكثر، فوقفت أمامه، تصيح به:
_ كيف ماتعرفش ورد الي ضحكت عليها وخلتها حبلي منك!.

وبالخارج جاء للتو بكر وبرفقته قمر التي ذهبت لتري فاطمة وتطمأن عليها، أستمعت لصوت زكريا وهو يقول لشقيقته بإنكار جلي:
_ وأني عجولك ما ضحكتش علي حد ولا أعرف واحدة بالأسم ده.

_ لاء يا زكريا، تعرف الي أسمها ورد و كعادتك مع كل واحدة تعچبك تضحك عليها بكلمتين وهي تصدجك كيف الحماره، والظاهر المرة دي مكنش مچرد كلام معسول وخلاص، دي طلعت حبلي منك، يعني ارتكبت ذنب والي أفظع منه إنك تنكر الي سويته ورايد تتهرب منه.

أطلق زفرة بغضب عارم:
_ ولو أفترضنا الي عتجوليه صوح، رايده أي دلوق وعتدخلي في الي مالكيش فيه واصل؟.

علت الدهشة ملامحها، فقالت:
_ ماليش فيه كيف وأني بجولك أخوها خطفني، ولولا مارته هربتني من وراه كان زمانك عتتفرچ عليا وهو بيسوي فيا كيف ماسويت في خايته.

أمسكها من عضديها ليهزها بعنف:
_ يسوي فيكي كيف؟.

صرخت ببكاء:
_ كان خاطفني لأچل يخليك تيچي لحد عنده وينتجم منك بأنه...
لا تعلم كيف تخبره فاللأمر مخجل للغاية، صاح بها:
_ انطجي.

_ كان رايد يعتدي عليا قدام عينيك ويقهرك كيف ماقهرته علي خايته الي مايعرفش راحت فين وعمال يدور عليها.

أخذ يتمتم:
_ يا إبن ال......، وربنا ما أني مهملك ولو وصلت أخليك تحصل خايتك لأسويها.

لم تسمع من همهمته شيئاً، فباغتته بسؤال:
_ ألا جولي يا أخوي، ماتعرفش حاچة عن ورد الي أختفت!.
+

ما زالت تقف في الخارج تستمع لحديثهما وعند سؤال فاطمة، تذكرت هذا الكابوس والرسالة التي أبلغتها بها الفتاة، شهقت غير مصدقه:
_ واه، جتلها!.

عاد من معركة دامت لأكثر من ساعتين ما بين طلقات نارية متبادلة وهجوم ودفاع ريثما أسترجع كل بضاعته من أسلحة ومخدرات وخسارة الكثير من رجاله، بينما هو أُصيب بطلقة من حُسن حظه ليست خطيرة حيث أستقرت في  عضده الأيسر.
1

أصطفت السيارات أمام المنزل الحجري، ترجل مسرعاً فألحق به إحدي رجاله ليحذره: 
_ أنتظر سيدي،  عليك بالذهاب إلي الطبيب لإخراج الرصاصة من زراعك.

ألتفت له وبنظرة مرعبة يحدقه وبغضب عارم هدر به: 
_ أغُرب عن وجهي، وهاتف الطبيب چوزيف ليأتي.

أومأ له بخضوع: 
_ أمرك سيدي.

تركه سليم و ولج إلي الداخل متجهاً إلي غرفة مكتبه لكنه تفاجأ بخروج أنيتا الخادمة،  تترنح وتمسك برأسها المحاوطة بشاش قطني وينبلج الألم علي ملامحها.
أتسعت قاتمتيه المظلمتين بشدة،  دلف إلي الغرفة سريعاً فلم يجد لها أثراً، نادي علي الخادمة بصوت أهتزت له الجدران: 
_ أنيتا.

ركضت إليه ترتجف بخوف،  تخشي أن يعلم بما حدث فكما أخبرها هي المسئولة أمامه يا ويلتها!

_ نعم سيدي.
تنظر لأسفل متحاشية النظر في تلك الجمرتين المشتعلتين، أزدردت ريقها.
_ ماذا حدث هنا؟.

أجابت بتردد و وجل: 
_ زينب،  أقصد مدام زينب، هي من قامت بضربي علي رأسي وفقدت الوعي،  وريثما أستيقظت لم أجدها.

دفعها من أمامه كالثور الهائج،  وذهب خلف المكتب وفتح الدرج باحثاً عن حاسوبه، لكن لم يجده، قام بفتح درج تلو الآخر بدون فائدة، حتي توقف أمام درج موصد، ألتفت خلفه ليأخذ كتاب من بين الكتب المتراصة،  قام بفتحه وأخذ المفتاح المخبأ بين صفحاته ثم فتح به الدرج وأخذ منه لوح ألكتروني، وضع سبابته في مكان البصمة فأضاء، اخذ يلمس عدة مرات حتي وصل إلي مقاطع فيديو مُسجلة عبر الكاميرات الموضوعة في الغرفة هنا وفي خارج المنزل بالحديقة.
ضغط علي أول مقطع في التوقيت الذي غادر المنزل فيه ليجد ما حدث بين زينب والخادمة، يشاهد ويضغط علي قبضته حتي أتت لحظة إستيلائها علي حاسوبه، ضرب سطح المكتب بقبضته فأهتز كل ما فوقه.
تذكر عندما كان يقرأ بيانتها سابقاً، فكانت تعمل مهندسة برمجيات وبإمتلاكها لحاسوبه هذا لايعني سوي شيئاً واحد، سوف تستخدم كل ما عليه من ملفات صفقات وعقود ألكترونية بينه وبين رجال المافيا كل هذا ضده و ربما لتتخلص منه تُبلغ عنه السلطات وتقدم إليهم كل ما يدينه.
1

صرخ بصوت يشبه زئير الليث وكاد يحطم اللوح الذي بيده لكنه توقف عند لحظة، فضغط ليسترجعها ويمعن النظر مُكبراً الشاشة في تلك اللقطة، زينب تمسك ببطاقة ورقية، لم يستطع قراءة محتواها لكن مالفت إنتباهه هو شعار يألفه جيداً، أخذ يتذكر أين رأي ذلك الشعار.
(مشهد سابق)
_ في حفلة الشواء بعدما عادت ساندرا من المرحاض أصتدمت به فوقعت من يدها حقيبتها وأنفتحت وتدحرجت محتوياتها علي الأرض، دنا ليلملم معها متعلقاتها فلاحظ عدة بطاقات مدون عليها إسمها وأرقامها وشعار مركز التدليك الخاص بها.
عاد من ذاكرته فتحولت ملامحه ليصبح كالوحش الضاري الذي يريد الفتك بعدوه، ليتمتم بتوعد:
_ بتتحديني وتهربي مني وكمان سرقتي اللاب، شكلك يا زينب نسيتي متجوزة من مين، أنتي الي أخترتي مصيرك وبتكتبيه بأيدك، والي عملته معاكي قبل كده كوم والي هاعملو فيكي أول ما ألاقيكي كوم تاني خالص!.
5

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 
_ يشعر بالألم في أنحاء جسده لاسيما وجهه المليئ بالكدمات أثر لكمات أكرم له صباحاً، ولج إلي غرفته وهو يخلع ثيابه ثم ذهب إلي المرحاض،  فتح صنبور حوض الإستحمام ليتمدد أسفله بإسترخاء لعل الماء تخفف آلام جسده لكن هناك ماهو أشد ألماً كلما أُعيدت ذكرياته معها وكأنها فيلم سينمائي يُعرض أمامه كما يلي...

تمسك طبق الحساء بين يديها وتطعمه منه بالملعقة،  امتعضت ملامحه غير راغب لتناول المزيد: 
_ كفايه مش قادر.

مدت الملعقة إلي فمه وبإصرار قالت:
_ لازم تخلص الطبق كله عشان لسه هتاخد مضاد حيوي شديد ولا أنت مش  عايز تخف؟.

إبتسم والوهن يكسو ملامحه و يتصبب العرق فوق جبهته، هز رأسه بالرفض مازحاً:
_ لاء، مش عايز أخف،  تعرفي ليه؟.

دست الملعقه في فمه وقالت: 
_ شكلك حبيت الدلع طبعاً  من حقك ما أنت لاقي الي تأكلك في بوقك وتشربك وتصورلك المحاضرات الي فاتتك من زمايلك،  ناقص أي تاني أعملهولك!.

أمسك بيدها ليخلل أنامله بين أناملها الرقيقة ورفعها وأستند عليهم بوجنته، فأغمض عينيه قائلاً: 
_ عايزك تفضلي جمبي كده علي طول،  تكوني زي ضلي ماتفارقنيش ولا لحظة.

أختلجها شعور قوي بالتوتر، سحبت يدها برفق ثم وضعتها علي جبهته، تتهرب من حديثه ونظراته: 
_ الحمدلله السخنية شكلها راحت وجسمك عمال يعرق،  هاقوم أجيب لك كوباية مايه تاخد بيها المضاد.

أوقفها منادياً بهمس وكأن قلبه من يناديها وليس لسانه: 
_ ندي؟.
وقفت تحدجه في صمت فأردف: 
_ ليه كل ما أعبرلك عن مشاعري وحبي ليكي تتهربي مني!، علي فكرة مشاعرك الي بتحاولي تخبيها مني كل مرة ببقي قاريها في عينيكي.

اطلقت زفرة بتأفف وأجابت بإنكار: 
_ علي أرجوك متحاولش تضغط عليا أكتر من كده، أنا أتفقت معاك من الأول الي بينا علاقة أتنين أصحاب مش أكتر.

نهض من فوق الأريكة ليقف أمامها يحدجها بكل مشاعر الحب والغرام: 
_ أنتي الي قولتي،  لكن أنا لاء، أول ماعرفتك كانت بداية مرحلة إعجاب ولما قربنا من بعض أتطور الإعجاب جوايا لحب ودلوقتي عديت مرحلة الحب بكتير.

كادت تبتعد فأوقفها مرة أخري،  واضعاً يديه علي كتفيها: 
_ أنتي واثقه أن كل كلمة قولتها دلوقت صح، قربك مني دي مش مجرد صحوبيه زي ما قولتي، أنتي بتبادليني نفس المشاعر بس جواكي حاجز مانعك،  نفسي أعرف أي هو،  مش عايزه تصارحيني ليه كل مابسألك فيه حد تاني في حياتك علي طول تقوليلي لاء.

ما كان منها سوي أن تنظر ولا تتحدث ، لاتريد البوح له بأن تربطها علاقة خطبة برجل آخر حتي  لاينظر لها بإزدراء ويحتقرها، يكفيها شعور جلد الذات الملازم لها طوال الوقت،  وتتهرب منه بشتي الطرق.

_ ساكته ليه ما تجاوبي علي سؤالي؟.
لم يمهلها الإجابة فأردف بنظرات توسل: 
_ أوعي تكوني بتضحكي عليا، متعرفيش أنتي بقيتي أي بالنسبه لي، أنا بعشقك أوي يا ندي،  و مستني أخلص الدراسة بفارغ الصبر وأشتغل وأجي أطلب أيدك من أهلك،  والي هيطلبوه مني أنا تحت أمرهم، أنا أي نعم علي أد حالي بس الحمدلله بابا الله يرحمه كان شاري شقة صغيرة في دار السلام، هانبتدي فيها حياتنا مؤقتاً لحد ماربنا يكرمني ونشتري شقة أكبر في حدايق المعادي وياعالم ربنا يكرمني من وسع ونشتري في التجمع أو زايد، المهم نكون مع بعض ،  و دورك بقي لحد ما أجيلكو البيت أنك ترفضي أي حد هيتقدملك من بره بره.
4

رأت في عينيه توسل ورجاء أكثر من كونه طلب، وقعت في حيرة لاتريد أن تحطم فؤاده وفي ذات الوقت لا تريد أن تُعطِ له أملاً واهياً ، وبالنهاية هزت رأسها بتلقائية كدليل علي الموافقة.
تهللت أساريره وألتمعت عسليتيه التي تنضح بسعادة عارمة، لم يصدق ما رآه للتو،  سألها بللهفة: 
_ بجد موافقة؟.
2

أزدردت ريقها في تردد، فأجابت: 
_ مش هاقدر أديلك إجابة نهائية،  لسه الأول لما أشوف بابا وماما ورأيهم أي.
1

_ أهم حاجة أنتي،  لو موافقة هم كمان هيوافقو حتي لو أعترضو دورك هنا تقنعيهم،  أتفقنا؟.

ردت بهمس وكأنها مُغيبة: 
_ أتفقنا.

وما أن تفوهت بها غمرته سعادة وصلت لعنان السماء، باغتها بمعانقة قوية كعناق المغترب عند رؤية أحبائه وكإحتضان النجوم للسماء وكالقاء عاشقين بعد طول فراق.
أخذ يردد علي سمعها فيض مشاعره: 
_ بحبك،  بحبك أوي.
2

وكلما يخبرها كلما يشتد عانقه لها، أبعد رأسها عن صدره لينظر في عينيها الشاردة، تجرع ريقه قبل أن يقدم علي تلك الخطوة، تلك المرة الأولي في تقاربه الجسدي مع من سلبت لبه، فعشقه لها يهيمن علي حواسه ليجد شفاه تنجذب لخاصتها،  يختبر معها أول قبلة وأول عناق، سار بها ومازال يقبلها نحو الأريكة، بينما هي كانت في أشد لحظات ضعفها لم تفق منها سوي عندما وجدت نفسها تمدت علي الأريكة وهو يعتليها ملتصقاً بها  ...
صدح رنين جرس المنزل بشكل متكرر ليجعله يعود من حقيبة ذكرياته معها،  فنهض من الحوض وتناول منشفة قطنية قام بتجفيف جسده بعشوائية فتناول منشفة أخري علي عجاله يلفها حول خصره ليسرع ويري من الزائر!.
3

و ما أن فتح باب الشقة، أصابته دهشة، لم يصدق تلك التي تقف أمامه:
_ أنتي!، ليكي عين توريني وشك بعد الي عملتيه معايا في المكتب!.

نظرت لأسفل بخجل من هيئته،  ولم تعقب علي كلماته سوي بسؤال ترجوه:
_ ممكن أخد من وقتك عشر دقايق؟.

رفع جانب فمه فأجاب علي مضض مشيراً إليها للداخل:
_ أتفضلي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ولجت وهي تختلس بعض النظرات إليه، كم يغمرها الشوق والحنين لكن كلما تذكرت رفضه المُستميت وأهانته لها يختلجها شعور الإنتقام والثأر لكرامتها.

_ أدخلي أستنيني في الليڤنج روم عقبال ما ألبس هدومي و أجي لك.
كان يشير لها إلي الغرفة و ذهب إلي غرفته،  بينما هي دخلت تتأمل كل ما يحيط بها،  تمنت لو كان هذا منزل الزوجية الذي يجمعها بالرجل الوحيد الذي أحبته ولا تريد سواه.

وبعد دقائق قليلة دلف إليها قائلاً:
_ تحبي تشربي عصير ولا كوفي؟.

رفعت عينيها لتجده أرتدي قميص وبنطال قطني يظهران عضلات جسده الرياضي، غرت فاهها عندما رأت تلك الكدمات المتفرقة علي أنحاء وجهه وشريط لاصق علي أنفه.
لاحظ تحديقها في معالم وجهه المصابة، زفر بنفاذ صبر وقال متأففاً:
_ هتفضلي مبحلقه فيا كده كتير!.

أنتبهت إليه وملامحه الممتعضة من عدم ردها علي سؤاله:
_ ماتتعبش نفسك وتعالي أقعد، أنا مش جاية أتضايف.

تنهد من أعماقه الدفينه وجلس مقابلها:
_ خير؟.

لم تعرف من أين تبدأ، كان لديها الكثير من الأحاديث علي لسانها، لكنها شعرت وكأن هناك  من يلجمه، هيهات وشرعت في الحديث متصنعة الحزن من أجله:
_ أولاً ألف حمدالله على سلامتك.

تفوهت بها ثم صمتت لثوان، بينما هو قد نفذ صبره وأنتفخت أوادجه، فسألها بصوت به بعض الحدية:
_ عرفنا خلاص أولاً وبقولك الله يسلمك وشكراً علي إهتمامك، ثانياً أي بقي عشان مش فاضي ومعنديش وقت؟.

أبتلعت غصتها بعدما شعرت بعدم رغبته في الجلوس أو التحدث معها، أجابت بخفوت:
_ أنا هربت من بيتنا بقالي كام يوم وماينفعش أرجع خالص.

إبتسامة هاكمة لاحت علي ثغره:
_ و جاية عشان تستخبي عندي ولا أي بالظبط؟.

رفعت إحدي حاجبيها تنتظر ردة فعله علي ما ستلقيه عليه:
_ لاء يا خفيف، أنا هربت عشان ماما وأخويا عايزين يجوزوني بالعافيه.

أدرك ما ترنو إليه، نهض يحدقها بغضب، يطلق زفرة إستعداداً لما سيلقنها إياه من حديث قاسي:
_ وحضرتك جايه لي طبعاً عشان تقوليلي الكلمتين بتوع المرة الي فاتت، وأنا بقولك لاء يا مروة مش هاتجوزك، ريحي نفسك بقي وحافظي علي كرامتك ل.......

وقفت لتقاطعه بإندفاع:
_ أنا حامل.

وقعت الكلمة علي سمعه جعلته يصمت غير مصدق لما تفوهت به، رد بإنكار:
_ كدابة، بتقولي كده عشان ترغميني علي الجواز منك.

أمسكت حقيبة يدها وأخرجت منها ورقة مطوية، قامت بفردها لتعطيها له:
_ ده نتيجة تحليل الدم الي لسه عملاه قبل ما أجي لك، طلع Positive.

أختطف منها الورقة ليقرأ مابها، فأردفت:
_ ولو عايز تتأكد من كلامي إسم وعنوان المعمل عندك في الورقة.

جحظت عينيه وظلت مُسلطة علي كلمة إيجابي بالإنجليزية.
_ إزاي ده حصل؟.

صاحت بتعجب وسخط علي قوله:
_ نعم يا حبيبي!، أومال كنت فاكر نتيجة الي هببته معايا ده هيبقي أي إن شاء الله!.

ألقي الورقة جانباً وهدر بها:
_ الي حصل مابينا  مكنش مقصود أبداً، أنتي الي أستغليتي الحالة الي أنا كنت فيها وقربتي مني وأنا سكران، ليه ما أتمنعتيش وقتها وبعدتي!،ليه أتجاوبتي معايا وسلمت لي نفسك وعارفة إن شايفك في لحظتها هي!.

كانت تكبت عبراتها ريثما لا تضعف أمامه مرة أخري ويري مدي هشاشتها، فقد فاض بها حتي أجهشت بالبكاء وهي تجلس علي أقرب كرسي:
_ ما أتمنعتش عشان كنت في أشد لحظات ضعفي وأنا في حضنك، ما بعدتش برغم إن عارفة أنك فاكرني هي لكن قلبي كان محتاج يحس ولو بلمسة حنان منك حتي لو مكنتش ليا، قلبي هو الي أستسلم لك لأن عقلي كان مُغيب، وللأسف فوقت بعد ما ضعت وياريت خسرت حاجة واحدة، ده أنا خسرت قلبي و شرفي ونفسي، خلاص أنا ضعت والفرصة الأخيرة ليا هو أنت،  أنت الأمل الوحيد الي ممكن أتراجع عن كل الي عملته وهاعمله وأبدأ حياتي من جديد.

نهضت لتقف أمامه وأمسكت يده بين يديها تتوسله: 
_ أرجوك يا علي متتخلاش عني،  أدي لقلبك فرصة مع الي بتحبك والي هتخلي حياتك جنة،  وتتمني رضاك،  أنا الي بحبك وبعشق التراب الي بتمشي عليه، لكن هي مابتحبكش، سيب نفسك ليا وأنا هنسيهالك وهاتكتشف أنك كنت مخدوع كل السنين الي فاتت، أنا هافضل معاك مهما حصل وعمري ما هتخلي عنك.

ينظر في عينيها الباكية التي ذكرته بحاله منذ سنوات، كم كان هو حينها كالجريح يحتاج إلي من يداويه ويحتويه، تركته من عشقها وهو في أشد الإحتياج إليها، وأكثر ما جعله كالذبيح الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة عندما علم بزواجها من آخر، تباً لهذا الحب الذي يجعل صاحبه ذليلاً مقهوراً.

شعر بذنب نحو التي أمامه، كيف له أن يجعلها تصل إلي تلك الحالة التي كلما يتذكر حالته عندما كان بمكانها يكره قلبه ويلعن نفسه، يا لسخرية القدر، فقلبه آسير صديقتها وقلبها آسير له، لما لاتسير الأمور كما نريد، لماذا لا نملك أمر أفئدتنا بدلاً من جعلها هي التي تملكنا!.

أنحني قليلاً إليها ليعانقها، وأخذ يمسد ظهرها لتهدأتها:
_ خلاص، بطلي عياط، وكل الي أنتي عيزاه هيحصل.

أنتفضت كمن لدغها عقرب لم تصدق أذنها:
_ بتتكلم بجد، هاتتجوزني؟.

أومأ لها بالإيجاب قائلاً:
_ مفيش حل للي أنتي فيه غير كده، بس....

صمت ليفكر فيما سيخبرها به وهو أن قلبه ملك الأخري وليس هي، تلك الحقيقة التي لم تتغير بتاً ، لكنه ترأف بحالتها التي كانت كالغريق الذي يتعلق بقشة لتنقذه من الموت المحتوم.
أردف بإبتسامة مصتنعة:
_ بس كده، ولا أنتي ليكي رأي تاني؟.
1

أنبلجت السعادة علي وجهها بعدما أفتقدتها لسنين منصرمة، تتمني أن ما قاله يكن واقعاً وليس أحلاماً كالتي تراها في منامها يومياً، عانقته بقوة صارخه بفرح عارم:
_ موافقة طبعاً، ده رأيي من وقت ماقلبي دق لك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1

_ تسير في رواق طويل تتفرع منه الغرف الخاصة بعمل التدليك، حتي توقفت أمام آخر غرفة وطرقت الباب فأتاها صوتها من الداخل: 
_ تفضلِ ساندرا.

ولجت لتجدها مازالت تجلس علي الكرسي والطعام المتراص أمامها لم يؤكل منه شيئاً: 
_ ما هذا زينب!، لما لاتأكلِ؟.

_ لا أريد شيئاً سوي أن أرحل من هنا بأسرع وقت.
قالتها وأحتضنت حقيبتها، ردت الأخري وبسمة لمعت علي شفاها: 
_ أطمأنِ،  سوف ترحلين في خلال ساعة من الآن.

أتسعت عينيها في ترقب لمعرفة السبب: 
_ كيف؟.

أخرجت من الجيب الخلفي لبنطالها جواز سفر و وضعته أمامها علي الطاولة: 
_ تفضلِ.
جذبته الأخري علي الفور، قامت بفتحه تنظر إلي بياناته، عقدت مابين حاجبيها وقالت: 
_ من بالصورة ليست أنا، هي تُشبهني بالفعل وكذلك أيضاً الأسم وتاريخ الميلاد وجميع البيانات مُزيفة.

وضعت ساق فوق الأخري، فأشعلت سيجارة لتزفر دخانها في الهواء: 
_ أعلم، أمراً بديهياً زينب،  كيف سأخرج لكِ جواز سفر بصورتك وبياناتك الحقيقية و في كل المطارات تجد أعين لسليم وشركائه،  أم نسيتِ من هو زوجك ِ!.

تجمعت عبراتها لتحجب ذهبيتيها عن الرؤية كلما تتذكر نظراته المخيفة و وعيده عندما ترتكب ما يغضبه والآن فعلت ما هو أسوأ علي الإطلاق، الفرار من عرينه وليس فقط بل وأخذت حاسوبه!.
ناولتها ساندرا علبة المحارم الورقية لتجفف تلك العبرة التي أنسدلت للتو: 
_ لايفيدك البكاء الآن يا فتاة، عليكِ التحلي بالقوة و الشجاعة ريثما تعودِ لموطنك.
أنحنت للأمام لتربت علي فخذها، أخذت زينب محرمة لتجفف عبراتها و أرتسمت إبتسامة، فأخبرتها بإمتنان: 
_ شكراً لكِ ساندرا،  كنتُ خائفة للغاية عندما عرضتِ علي مساعدتك،  خشيت أن تخبرين سليم.

دست ماتبقي من سيجارتها في المنفضة الصدفية وقالت: 
_ العفو عزيزتي، أنا لا أخون أبداً من يلجأ إلي،  كما إنه مررت سابقاً وتعرضت مثل ما حدث معكِ تماماً، بل الأسوأ.

توقفت عن الحديث لتخلع سترتها و يليها كنزتها تحت نظرات زينب المندهشة لما تفعله تلك المرأه المتصابية،  حتي أدركت سبب خلع ملابسها عندما ولت إليها ظهرها فشهقت و وضعت كفها علي فمها.
ظهر الأخري مليئ بعلامات جلد وحروق قديمة وأثر لجروح تمت خيطتها بشكل غير تجميلي مما تركت آثار مشوهة.
_ أنظرِ زينب وتمعنِ جيداً في تلك العلامات، جميعها نتيجة جلد بالسوط أو عصا جلدية حادة،  والحروق المتفرقة كانت آثار لإطفاء العديد من السجائر الخاصة باللعين داغر العقبي،  بينما آثار الجروح كانت بفعل نصل سكين ، كان يغرزها في ظهري حتي تسيل دمائي فيلعقها هذا المعتوه وكأنه يتجرع كأس من النبيذ.

أوصدت عينيها من فرط بشاعة المنظر، فتذكرت حينما ألقي بها سليم في البناء المخيف خلف المنزل، كان يُقبلها بعنف حتي جرح شفاها وأنسدلت منها الدماء فقام بلعقها.

فتحت عينيها فجاءة ً وأستعادت رباطة جأشها وقوتها وإصرارها، لن تتراجع عن قرار فرارها إلي مصر،  فهي لم تتحمل أن يفعل بها مثل ما حدث من أبيه لساندرا، فالموت أكثر رحمة من ذلك العذاب.
نهضت وحملت الحقيبة علي ظهرها

_ عذراً ساندرا،  أريد الذهاب إلي المرحاض.

أرتدت الأخري كنزتها وسترتها ثم أشارت لتتبعها: 
_ سأوصلك،  ولاتنسِ خلع وشاحك،  فصاحبة الصورة لم ترتدي وشاحاً.

أوقفتها زينب لتقول بإصرار: 
_ أنتظري، لا أستطيع خلع وشاحي قط، ماذا أفعل؟.

نظرت ساندرا لهيئتها ريثما أتتها فكرة جيدة: 
_ لا تقلقِ،  هناك حل.

وبعد قليل خرجت زينب من المرحاض ترتدي قلنصوة قد أعتطها إياها ساندرا لتخفي أسفلها جميع خصلاتها بدلاً من وشاحها وكنزة ذات رقبة طويلة تغطي عنقها بالكامل.

رمقتها بإنبهار قائلة:
_ يا ألهي، أصبحتِ مثل يوستينا تماماً، هيا بنا فلقد أعددت سيارة لتقلك إلي المطار.
مدت يدها إليها بظرف سميك وأردفت:
_ خذِ هذا الظرف ،  أنتِ بحاجة إلي المال عند عودتكِ إلي بلدك .

رمقتها بسعادة وعينيها لاتخلو من الدمع غير مصدقة إنها وجدت يد العون والمساعدة في تلك البلد الغريب، عانقتها بقوة:
_ لا أعلم كيف أشكركِ علي مساعدتك و وقوفك بجانبي.

ربتت عليها الأخري ثم أبتعدت لتنظر لها:
_ كفاكِ بكاءً، لو تردين شكري حقاً هاتفيني عند عودتكِ لأطمأن عليكِ.

أومأت لها وقالت:
_ بالطبع، سأكون علي إتصال بكِ.

صدح رنين هاتفها:
_ أنتظرِ لحظة.

أجابت علي المتصل:
_ ألو، ماذا هناك؟.
............

جحظت عينيها والرعب يختلج ملامحها:
_ حسناً، حاولو إلهاءه ريثما ترحل من هنا، هيا.

أغلقت المكالمة لتمسك بيد زينب التي أرتجفت فسألتها وقلبها يخفق وجلاً:
_ هل علم بوجودي لديك؟.

_  بسرعة زينب، سليم و رجاله بالأسفل، هيا لترحلِ عبر الباب الخلفي!
2

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 
_ يلتقط أنفاسه بعدما صعد الدرج و وصل أمام شقة الحاج نعمان،  ألقي نظرة علي العنوان المدون في الورقة والذي أخذه من حمودة  .
ضغط علي زر الجرس،  وبعد ثوان أنفتح الباب و وجد نعمان الذي تهللت أساريره رغماً من حزنه علي ماحدث لأبنته.
_ يا مرحب،  يا مرحب،  ده أي المفاجاءة الحلوة دي.

دلف فارس و وضع ما جلبه من فواكه وعصائر فوق الطاولة بالردهة: 
_ آسف يا حاچ أني چيت من غير ميعاد، كنت عتصل عليك ولاجيت تليفونك مجفول.

رد الآخر بعدما أشار له بالجلوس علي الكرسي:
_ أتفضل يابني،  ده بيتك ومطرحك وأهلاً  بيك في أي وقت،  وأنا فعلاً قافل تليفوني مش عايز كل شويه حد يتصل بيا ويرغي ويستفسر،  عاملين نفسهم زعلانين علي بنتي وهم من جواهم شمتانين وفرحانين،  حسبي الله ونعم الوكيل  في كل الي ظلمها و عملها الفيديوهات المهببة دي.

أنبلج علي محياه إبتسامة تعجب لها نعمان حتي قال: 
_ أني چيت لأچل أطمن علي حضرتك والآنسه شهد وكمان لأچل أجولك إن خلاص خابرنا من ورا الحكاية وسوي الفيديوهات.

تجلت الدهشة علي ملامح الآخر في تأهب لمعرفة من أرتكب في حق إبنته ذلك الفعل الفاجر والمشين.

(مشهد سابق)

أخذت تنظر من حولها فلم تجده، تنفست الصعداء وعادت لتذهب إلي منزلها، وما أن خطت قدمها فناء البناء ذو الرائحة العطنة أصتدمت به وأطلقت صرخة مدوية.
دفعها علي الجدار أسفل الدرج مكمماً فاها ويمسك بزراعها فأخبرها بتحذير: 
_ هاشيل يدي دلوق لو صرختي أو سويتي حركة إكده ولا إكده هاكون مخلص عليكي بالخنچر الي معاي.

همهمت بصوت مكتوم وهزت رأسها بالموافقة علي حديثه،  فأزاح يده وسألها: 
_ أنتي الي ورا موضوع الفيديوهات؟.

ردت بإنكار ولوع: 
_ فيديوهات أي وأنت مين وعايز مني أي؟.

هزها بعنف ويزجرها برماديتيه بنظرة مقصودة لإخافتها: 
_ بت أنتي، لو ما ردتيش علي سؤالي دلوق لأخلي الدكاتره تحتار كيف تخيط وشك.

وضع يده علي جيب بنطاله وكأنه سيخرج الخنجر،  فأوقفته بتوسل: 
_ خلاص خلاص،  هقولك علي كل حاجة،  بس بالله عليك متأذنيش ولا تجيب سيرتي،  عشان ممدوح لو عرف هيأذيني ويعمل حاجة في أمي العيانة.

طيف إبتسامة علي ثغره عندما تأكد من حدسه الذي لايخطأ بتاً: 
_ جولي و ليكي الأمان.

رمقته بتوتر وخوف،  تتردد في إخباره بالحقيقة، رفع إحدي حاجبيه وأردف: 
_ لساتك عتفكري،  ما تنطجي وإلا...

قاطعته وأمسكت بيده لتمنعه بإخراج الخنجر: 
_ ممدوح هو الي خلاني أروح أعمل حوار علي شهد إن أعمل مكالمة من عندها وفي نفس الوقت أشغلها فطلبت منها تجيب لي ميه ساقعه وعقبال ماراحت وجت كنت ناقله شوية صور ليها من تليفونها علي تليفوني عن طريق البلوتوث.

أبتلعت لعابها لتسطرد: 
_ بعدها روحت لممدوح وبعتله الصور ولما سألته هايعمل بيها أي قالي ملكيش فيه ولو نطقت بحرف لحد هايسلط ناس عليا أنا وأمي و ده جبروت وما بيهموش.

حك ذقنه ليفكر بالأمر،  فسألها مرة أخري: 
_ ولما أنتي خابره إنه بالأخلاق الشين دي، ليه ساعدتيه وچبتي له الصور؟.

أسبلت جفونها بخجل من نفسها،  أجابت بخفوت: 
_ الحوجه والفقر الي خلوني أعمل كده، أمي تعبانه ومحتاجة علاج غالي ومرتبي الي باخدو من صاحب المحل الي بشتغل فيه يا دوب بيسد فواتير الكهربا والميه وأكلنا وشربنا،  معاش أبويا مبيكملش لنص الشهر وبفضل أستلف من هنا ومن هنا،  فلما لاقيت ممدوح عرض عليا الموضوع وهيديني ألفين جنيه، أدالي منهم متين عربون وجيت أطالبه بالباقي عمل الي شوفته قدام محله.

جز علي أسنانه بغضب من هذا الممدوح و ود لو يراه أمامه لكان لقنه لكمات في وجهه وركلات في معدته.
أطلق تنهيدة من أعماقه وقال: 
_ ماشي يا سماح، إسمك سماح برضك ولا أني غلطان؟.

أومأت له: 
_ أيوه، أنا قولتلك علي كل الي أعرفه،  بس والله مليش دعوة بالفيديوهات الي عملها ممدوح.

_ ما خلاص يا سماح، أنتي جولتيلي علي الي كنت رايد أعرفه، خابره لو كنتي روحتي للحاچ نعمان وجصدتيه يعطيكي فلوس لأچل والدتك العيانة مكنش هيجولك لاء وكان وجف وياكي،  لكن أنتي أختارتي الطريق التاني الي كله أذي وشر وأديكي أهه خسرانه ولا طولتي الفلوس وأرتكبتي ذنب عظيم أتمني تتوبي عنه وتروحي لشهد لأچل تسامحك.

ردت بصوت حزين وشعور بالذنب يسيطر عليها:  _ ربنا يسامحني ويارب شهد تسامحني.

_ هتسامحك لو برأتيها قدام الناس وخابرو الحقيقة.

سألته بتوجس تخشي ما تفكر به للتو:
_ عايزني أعمل أي؟.

_ تروحي ويا الحاچ نعمان القسم وهو عيقدم بلاغ كيف تكوني شاهده بدل ما تكوني متهمة.

صاحت برفض للأمر:
_ إستحالة، بقولك لو عرف هيأذيني.

مسح شفاه السفلي بإبهامه ثم أخرج هاتفه من جيب قميصه ليضغط علي زر مكبر الصوت:
_ أيو يا صاحبي عاتسمعني؟.

رد جنيدي:
_ معاك يا صاحبي ومسچل كل حاچة جالتها الأخت سماح.

إبتسم فارس بإنتصار قائلاً:
_ تمام يا صاحبي، سلام.

وضع هاتفه في جيبه ومازال مبتسماً إليها وبتهديد جلي يُخيرها:
_ ها يا سماح هتسوي الي جولتلك عليه ولا أجول لصاحبي يسمع التسچيل لممدوح ويروح يقدمو في القسم علي أنك شريكة في العملة المهببة الي سوتوها أنتي والكلب التاني.

هزت رأسها علي الفور بدون أن تتريث أو تفكر:
_ موافقة.

كان نعمان يستمع ويضرب كفه بالآخر:
_ كل ده يطلع من الحيوان الي إسمه ممدوح!، والله لأربيه قبل ما أسلمه للحكومة، هخلي الرجالة يأدبوه.

_ أني من رأيي يا حاچ تهمله للحكومة وهم هيتصرفو وياه، دي ممكن يستغل الي هاتسويه فيه وهو الي يقدم فيك بلاغ بالتعدي،وإكده يبجي ضيعت حق بتك.

ظل يفكر في حديثه لثوان، ويبدو أنه أقتنع به فقال:
_ عندك حق يابني، والله ما عارف أشكرك إزاي علي وقفتك جمبي أنا وبنتي، كان ليا نظرة فيك عمري ما خيبت وأنا أتأكدت بنفسي إنك إبن حلال وإبن أصول، وإن الي خلف ممامتش.
أنتفض فارس من ما تفوه به الآخر للتو، ماذا يقصد بحديثه الأخير!،وهل يعلم بحقيقته!.

أخفي دهشته ونهض ليهم بالمغادرة:
_ ما تجولش إكده يا حاچ، أني الي عشكرك علي وجفتك معاي،و لو رايد أي حاچة أسويهالك أني تحت أمرك.

قام بمفاجأته مجدداً:
_ أقعد يا فارس، واقف ليه؟.

جحظت رماديتيه وتصنم في مكانه، فأردف:
_ ما تستغربش أنت أول ما رجلك خطت المنطقة وشوفتك عرفت أنت مين وحكايتك أي.

وبقليل من التفكير وسرعة بديهة أدرك من أخبره هويته الحقيقة:
_ عم عربي الي جالك؟.

أومأ له قائلاً:
_ أقعد بس وهافهمك.

جلس فارس والوجوم يكسو ملامحه، فأردف الآخر:
_ أنا يابني راجل تاجر، أتعاملت مع كل صنف ولون والحلو والوحش، وأنا أول ماشوفتك لما أمين شوقي ماسكك أنت والتاني الي معاك عشان معكمش بطايق، بعدها بعت وراكم واحد عرف إنكم تبع عربي المسئول عن تسكين الشباب الي جايين يشتغلو وملهمش مسكن، كلمته بأمانة مرضاش يقولي في الأول وبعد ما ضغطت عليه قالي علي حكايتك أنت وجنيدي.

كان متردداً لايعلم كيف يخبره إنه أمر يطول شرحه، لكنه تعجب لشئ تذكره لوهلة، كيف لرجل بمكانته يطلب من متهم هارب من العدالة العمل لديه والزواج من إبنته!
كانت نظراته كفيلة ليدركها نعمان الذي أردف:
_ طبعاً زمانك بتسأل طالما عارف حقيقتك أي الي خلاني أشغلك عندي وأعرض عليك تتجوز بنتي.

أندهش أكثر لفطنة هذا الرجل الذي يذكره بوالده دائماً، فقال:
_ و ده فعلاً صوح الي عيدور في دماغي.

إبتسم الآخر ليجيب عليه:
_ لما عرفت إسمك بالكامل وقتها رجعت دماغي لأيام خدمتي في الجيش، كان والدك قاسم القناوي من أعز أصدقائي، ياما وقف جمبي وكان ديماً في ضهري وبعد ما خلصنا خدمة فضلنا علي وصال مع بعض، وكل واحد فينا أتجوز وأتلهي في حياته، سبحان الله يدور بينا الزمن وليا نصيب أقابل إبنه.

أطلق زفيراً من عمق أحزانه الدفينة وقال:
_ الله يرحمه، كل الي كان يعرفه يحبه، مكنش ليا غيره .

نهض ليجلس بجواره وربت علي كتفه قائلاً:
_  متقلقش يا فارس هساعدك لحد ما تظهر براءتك، بس أخلص الأول من موضوع شهد.

_ إن شاء الله يا حاچ.
نهض وأردف:
_ أستأذن أني بجي.
1

فقال الآخر:
_ أستني يا فارس.

تركه ودلف للداخل وبعد دقيقة خرج له وفي يده مجموعة من المفاتيح:
_ خلي المفاتيح دي معاك، عايزك تفتح المحل وتاخد بالك منه لحد مابنتي تروق وتبقي كويسه.

رد برفض قائلاً:
_ معلش يا حاچ أعفيني م.....

قاطعه الآخر:
_ عرفت الي عملته شهد معاك، وأنا بقولك حقك عليا، هي دماغها صغيره وعقلها مش فيها بس قلبها طيب وغلبانه وعيت علي الدنيا من غير أم، أمها الله يرحمها ماتت وهي عندها تلات شهور جالها غيبوبة سكر وكنت مش موجود، ومحدش لحقها وعقبال ماجيت كان السر الآلهي طلع.
1

عقب علي حديثه: 
_ لا حول ولاقوة إلا بالله  ربنا يرحمها ويرحم جميع موتانا.

_ آمين يارب ، فكل الي طلبه منك ترجع المحل وتاخد بالك من الشغل.

زفر بسأم ثم قال: 
_ حاضر ياحاچ الي رايده هيكون.

تناول المفاتيح من يده ثم نظر إلي ساعة هاتفه فقال: 
_ يا دوب أروح ألحج أفتح،  رايد مني حاچة تانيه يا حاچ.

رد برفض وإمتنان: 
_ لاء يابني،  شكراً.

_ العفو،  سلام عليكم.
ردد عليه نعمان التحية وقام بإيصاله إلي الباب.
وبعد مغادرة فارس،  أراد أن يدخل لإبنته ويطمأن عليها فتفاجأ بها تقف علي باب غرفتها!.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ يقف أمام المرآه يمشط خصلاته الفحمية ويهندم ثيابه الجديدة، فدلفت بُغتةً وتفاجأت بمظهره يرتدي بنطال وقميص،  يمسك بزجاجة العطر ويضغط المكبس لتتناثر ذرات هذا العطر ذو الرائحة الفجة،  أنتابها السعال ولم تتحمل الرائحة.
نظر لها عبر المرآه وقال بمزاح ثقيل: 
_ مالك عتموتي إياك!.
2

حدجته بإبتسامة صفراء وأجابت: 
_ بعد الشر عليا،  إن شاء الله الي يكرهني ويظلمني ويچي عليا.

ألتفت وسار نحوها فدفعها في كتفها بمرفقه:
_ عتدعي علي حالك ليه يا بت خالتي.

جلس علي الأريكة ليرتدي حذائه الأسود اللامع
أمسكت كتفها تتحسس موضع الألم فقالت: 
_ أني فعلاً كرهت نفسي يوم ما وافجت وأتچوزتك،  وظلمت نفسي لما كملت وياك وأتحملت كل الي عاتسويه معاي من إهانة وحرجة دم، وآخرتها رايح تتچوز عليا وعمال تظبط حالك وجلعت الچلابيه ولابس بنطلون وقميص ولا كأنك أول مرة رايح تتچوز.

لم يكترث بتاً لأي حرف تفوهت به،  عقد رباط حذائه ونهض مبتسماً بسخرية،  أقترب منها ودنا بالقرب من سمعها قائلاً: 
_ أني فعلاً  كأني رايح أتچوز أول مرة، وأحمدي ربنا إنك لساتك علي ذمتي،  لولا الي في بطنك كنت طلجتك وأرتاحت من خلجتك الفقر يا وليه يا بومة.
3

ألقي بكلماته الفظة القاسية في وجهها وغادر الغرفة،  تركها لنيران قلبها تحرقها فأنخرطت في البكاء بنحيب.
وبالخارج بحث عن والدته ليجدها تجلس أمام التلفاز.
_ أي ياماه،  لساتك جاعده قدام المخروب وما غيرتيش خلچاتك لأچل تيچي معاي.

أطفأت التلفاز لترمقه بنظرة سخط: 
_ ومين جالك أني هاچي معاك!،  أني مهملاك تسوي الي رايده لأني خابره مهما جولتلك ولا مانعتك حديتي ملهوش عزا حداك يا ولدي.

أمتعضت ملامح وجهه فقال هاكماً: 
_ بجي إكده!، كل ده لأچل خاطر بت خايتك،  و ولدك ملهوش عندك أي خاطر!  .

نهضت و وقفت أمامه بتحدي: 
_ ولا كانت مارتك بت حد غريب برضك مكنتش روحت وياك، لأنها ماجصرتش في حقك حتي موضوع الحمل الحمدلله ربنا كرمكم وبجت حبلي،  وبدل ماتفرح وتفرحها وتجف چارها، رايح تقهرها وتحرج جلبها وتتچوز عليها، ما كفكش الي سويته في خايتك الي ماعرفش عنها حاچة لحد دلوق، طول عمرك جلبك كيف الحچر.

_ عموماً يا أماه مكنتش منتظر منكم حاچة غير وچودك معاي، أبوي يتهرب مني وأنتي تجوليلي لاء، مادام كل واحد عيسوي الي بدو هملوني بجي أسوي الي علي كيفي و ماحدش يبجي يلومني عاد.
تفوه بكلماته ثم ذهب والغضب رفيقه، يعلم أن ما سيفعله ظلم لزوجته لكنه كمن كان ينتظر تلك الفرصة علي أحر من الجمر،  وها هي قُدمت إليه علي طبق من ذهب وعليه أن يغتنمها ويفوز بها.
1

وبعد قليل...  خرجت من غرفتها لم تستطع البقاء أكثر من ذلك فكل شئ هنا يجعلها تشعر بالضيق والإختناق ولاسيما رائحة عطره كانت تخترق رئتيها وكأنها غاز سام وليس مجرد عطر.

وبمجرد خروجها من باب المنزل وقف أمامها دبيكي كالجدار العازل قائلاً: 
_ ممنوع يا ست نوارة.

عقدت مابين حاجبيها وقالت بحنق: 
_ هو أي الي ممنوع يا غفير الغبرة،  غور من خلجتي أحسنلك.

أنعطفت من أمامه فأوقفها مانعاً إياها مرة أخري: _ دي أوامر رافع بيه،  إنك ماتخرچيش واصل.

صاحت بغضب مستعر كنيران متأججة : 
_  أوامره علي نفسه مش عليا.

_أجصري الشر و أدخلي چوه.
كانت جملته تهديداً جلياً أكثر من كونه رجاءً،  توقفت لوهلة ترمقه لتفسر نظراته المستتره لها: 
_ قصدك أي بأني أجصر الشر!  .

تنهد مضيقاً عينيه الحادتين،  فأجاب عليها:
_ قصدي أنتي فهماه يا ست نوارة.

تراجعت خطوتين للوراء، تفوهت بخفوت: 
_ أنت كنت سامعنا أني وأمي؟.

رفع جانب فمه ذو الشارب الكث بزواية: 
_ أيوه، ولو ما دخلتيش چوه لأروح دلوق لرافع بيه وأجوله علي كل حاچة.

أزدردت ريقها ودب الرعب في قلبها، هربت الدماء من أوردتها والشحوب يختلج وجهها،  تشعر بالجفاف في حلقها،  هيهات ريثما تستعيد قوتها الزائفة حتي لاتصبح لقمة سائغة في فم هذا الصرصور ذو الشوارب.
_ كيف تتحدت إكده وياي يا راس البهيمة، أنت ما خابرش تتحدت ويا مين!.

أتسع فمه بإبتسامة ثعلب ماكر مما أزادها وجلاً: 
_ لع،  خابر وخابر سر الي في بطنك،  بأمارة الراچل النصاب الي جبضو عليه في البلد علي البر التاني لأچل عيضحك علي النسوان الي رايده تحبل،  يخدرهم ويسوي عملته منها يتكيف ومنها لو حبلت الوليه فيهم يبجي إكده أتعالچت و تچيب له زباين كتير،  و أهو ده الي صار وياكي يا مرات رافع بيه، حبلي من راچل غير چوزك.

_ أكتم يا كلب.
لطمة قوية هبطت بها علي وجنته المنتفخة، شعرت وكأنها علي حافة بركان تتأجج حممه التي علي وشك الإنفجار.
_ أسمعني زين يا جلوص الطين،  يوم ما شيطانك يوزك وتروح تبلغ البيه بتاعك بكلمة،  لأكون جايله له إنك كداب وعتداري علي الي سويته فيا،  وهو إنك أتهچمت عليا،  تخيل بجي رافع هيصدج مين!  .

جز علي أسنانه و أدخنة النيران تنبعث من أذنيه كفوهة المراجل،  فأردفت : 
_كتك البلا في خلقتك.

عادت أدراجها،  وما أن فتحت باب المنزل لتدلف أصتدمت في خالتها التي أفزعتها قائلة: 
_ أي الي أني سمعته دلوق يابت خايتي!.
5

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

_ تنظر عبرة نافذة السيارة إلي الطريق المؤدي إلي مسكنها،  كم أشتاقت لمنزلها والأكثر إليه،  كيف له أن يصدق بخيانتها له ونعتها بهذا الوصف المُشين، تعترف حقاً إنها مخطأه لما فعلته عندما ذهبت إلي منزل علي، و ودت لو قام بمعاقبتها بأي عقاب آخر إلا الطلاق،  فهذا بمثابة وكأنه يحكم عليها بالإعدام بدون حق الدفاع أو المرافعة، كان قاضيها وجلادها في آن واحد.

_ نزلني هنا لو سمحت.
توقف السائق أمام البناء، فنزلت من السيارة وقبل أن تخطو إلي داخل الفناء أوقفها عم خضر:
_ حمدلله علي سلامتك يا مدام ندي.

ردت علي عجالة:
_ الله يسلمك يا عم خضر.

كادت تدلف إلي المصعد ليوقفها مجدداً:
_ معلش يا مدام ندي، ممكن أعرف حضراتكم هاتبيعو الشقة بالعفش ولا من غير العفش.

وكأن أصابها البرق، فسألته لتتأكد من حدسها للتو:
_ شقة أي وعفش مين يا راجل يا خرفان أنت؟.
1
أومأ لها بمعاتبة:
_ الله يسامحك يا هانم، دي أوامر أكرم بيه الي قالي أدور له علي بيعة لشقتكم و إمبارح جم ناس شافوها وعاجبتهم أوي وسألوني ممكن يشتروها بالعفش ولا لاء، أتصلت علي أكرم بيه ما بيردش عليا.

تستمع إليه غير مصدقة،هل وصل الأمر لبيع منزلهما بدون علمها!.
وبعدما أفاقت من شرودها لم تجب علي خضر بل تركته وأسرعت لتستقل سيارة أجرة التي وقفت ودخلت قائلة:
_ شارع 14 لو سمحت.

وبعد دقائق كانت أمام منزل عائلة زوجها والتي تقطن فيه حماتها السيدة كوثر وبرفقتها سيدة أخري من أقاربهم تقيم معها للعناية بها.
ضغطت علي زر الجرس، فتحت لها تلك السيدة وأتاها صوت والدة أكرم من الداخل:
_ مين يا فوزية؟.

دلفت ندي وهي تخلع حذائها وسارت إلي الداخل:
_ أنا يا ماما كوثر.

نهضت وتستند علي عكازها المعدني لتبتسم لها بحفاوة وترحاب:
_ أهلاً أهلاً يا حبيبتي.
صافحتها بعناق وأردفت:
_ أخيراً جيتي تزوريني، ولا أكرم كلمك وقالك تعالي عشان ماما زعلانه إنك مبتجيش تزوريها؟.

شعرت بإحراج فقالت:
_ والله يا ماما كنت مشغوله وشوية ظروف كده ربنا يعديها علي خير.
ربتت علي ظهرها بحنانها الفياض: 
_ أقعدي خدي نفسك عقبال ما أخلي فوزية تحضرلنا الغدا.

_ مفيش داعي،  أنا لسه متغديه قبل ما أجي.

_ كده عايزة تكسفيني،  ما واحشكيش  أكل حماتك!.
سألتها بمزاح، ردت الأخري بإبتسامة:
_ لا أبداً والله يا حبيبتي، بس حضرتك عرفاني أكلتي قليلة مابقدرش أكل كتير.

أشرأبت السيدة كوثر بعنقها باحثة بعينيها عن شئ ما بالخارج:
_ هي لارا مش معاكي ولا أي؟.

أدركت ندي من حديث وأسئلة حماتها إنها لاتعلم بشئ، يبدو أكرم لم يخبرها، تنفست الصعداء وأجابت:
_ لارا ماما خدتها وراحت بيها النادي عندها تمارين السباحة وأنا بقالي كتير موديتهاش.

أومأت لها كوثر بتفهم:
_ امم، بما إنك مش هتتغدي تحبي تشربي أي؟.

_ يا حبيبتي ماتتع.....

_ السلام عليكم يا أمي.
قاطعها صوته الذي جعلها أنتفضت بفزع حيث عاد من عمله للتو، كم تريد أن تنهض وترتمي بين زراعيه وتخبره إنها مشتاقة إليه.
نهضت وألتفتت له بحذر تخشي ردة فعله:
_ أزيك يا أكرم؟.

يحدقها برماديتيه وفي نظراته آلاف الكلمات التي لو تفوه بها لجعلها تود أن يقتلها ولا يسمعها إياها.
_ مالك يابني واقف عندك كده ليه، تعالي شوف مراتك الي مش عايزه تتغدي ولا تشرب حاجة.

رد عليها وعينيه لاتحيد عن تلك التي تتوسله بنظراتها طالبة العفو والسماح:
_ عن أذنك يا أمي أنا داخل هاغير هدومي.

تعجبت والدته وشعرت بأن هناك خطب ما يخبأه ولدها و زوجته عليها.
وقبل أن يذهب لغرفته أشار لندي بعينيه أن تتبعه وبدون أن تلاحظ والدته هذا.

دخلت وراءه ليباغتها بقبضته العنيفة علي رسغها وأوصد الباب، قال من بين أسنانه وبدون أن يعلو صوته:
_ أي الي جابك هنا، أمي ماتعرفش حاجة إياكي تكوني أتكلمتي معاها، دي مريضة قلب وماتستحملش ولو جرالها حاجة مش هارحمك.

لم تستطع منع نفسها من البكاء:
_ مقولتلهاش حاجة.

ترك يدها و زفر بضيق من قسوته المبالغ بها عليها:
_ أومال أي الي جابك هنا؟،مش رميت عليكي اليمين قدام أهلك!.

أبتلعت غصتها بمرارة العلقم، ثم أجابت بتهدج:
_ أنا روحتلك علي شقتنا لاقيت عم خضر بيسألني هتبيعو الشقة بالعفش ولا من غيره، أنت هتبيع شقتنا يا أكرم؟.

برغم نظرات الحزن والإنكسار التي تنضج من عينيها ترضي غروره وكبريائه كرجل لكن قلبه ينهره ليكف عن قسوته عليها، مازالت عبراتها تألمه لا يتحمل رؤيتها هكذا، بينما عقله يوبخه علي ضعفه ويُعيد عليه ما أقترفته من وراءه فيرتدي من جديد قناع الجمود.

_ آه هبيعها، مبقتش طايقها ولا طايق العمارة كلها، وأطمني حقوقك محفوظه نفقتك والمؤخر وكل حاجتك هتاخديها وبالنسبه للشقه هاشتري لك شقة في حته تانيه وإحتمال تكون في نفس العمارة الي ساكنين فيها أهلك.

أندفعت نحوه وتشبثت في زراعه:
_ بس أنا مش عايزة حاجة غيرك أنت، أنا مبقتش أعرف أنام ولا أكل ولا أشرب وأنت بعيد عني.

تمعن النظر في وجهها ليري صدق كلامها فالإرهاق والتعب يكسو ملامحها وبعض الهالات السوداء بدأت تنبلج أسفل عينيها المليئة بالإحمرار أثر البكاء وقلة النوم.
ولي إليها ظهره وبتعنت قال لها:
_ أنتي الي عملتي في نفسك كده، فمتجيش تلوميني.
ألتفت لتقف أمامه لمواجهته:
_ أنا مخنتكش، بعترف أن غلطت وكنت غبية لما داريت عليك الرسالة وماتعظتش من آخر مشكلة، لو عايز تعاقبني أعمل فيا الي أنت عايزه خاصمني أضربني لكن طلاق لاء.

أغمض عينيه لايريد النظر إليها حتي لايضعف أمامها، يجب عليه أن يعلمها أن ما فعلته ليس بهين، فتح رماديتيه وقبض علي ساعديها:
_ كان فين عقلك وأنتي داخله له شقته!، عارفه يعني أي واحدة داخله لواحد شقته ومش أي واحد، ده الي بيحبها وعايزها تطلق من جوزها عشان يتجوزها هو!.

ردت بتوسل وتأكيد علي توبيخه لها:
_ عندك حق في كل كلمة، عشان كده جيت لك تسامحني، أنا آسفة وأوعدك هاعمل كل الي هتقولي عليه، وموافقة تبيع الشقه وناخد في أي حته تانيه، المهم نكون مع بعض.

صراع ناشب في داخله بين قلبه وعقله، لم يقو علي تحمله ليفرغ تلك الطاقة الكامنة ويصب غضبه العارم عليها، هدر بها ويدفعها علي الكرسي أمامه:
_ أنتي وصلتني لمرحلة مبقاش عندي ثقة في حد، كنتي في حضني وجوايا نار لما كدبتي عليا وأنكرتي أنك مش مخبيه حاجة، كل مرة تثبيت لي إني مغفل بيتضحك عليه بكلمتين، لاء يا ندي، لازم أقهر قلبك وأحرقه زي ما قهرتيني وجرحتيني، هقولك علي حاجة أنا طلقت شفوي و هاردك دلوقت.

كادت بسمة فرح تظهر علي شفاها وسرعان ما تلاشت حينما أردف:
_ وهانرجع نعيش مع بعض بس علي شرط.

قالت بإندفاع كعادتها:
_ وأنا موافقة علي أي شرط المهم تسامحني ونرجع لبعض.

إبتسم بسخرية من ساذجتها:
_ مش لما تعرفي أي هو الشرط الأول.

رمقته بتوجس وتردد فقالت:
_ أي هو؟.

دنا منها ليخبرها بحزم وجدية :
_ هاتجوز عليكي!.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
8

_ تمكث في غرفتها وتوصدها من الداخل بعدما علمت بقدوم رافع ليأخذها إلي الصائغ وشراء مصوغات لها ثم يذهبا إلي المشفي من أجل تحاليل وفحوصات ماقبل الزواج.
طرقات علي الباب فصاحت بالطارق: 
_ جولت مافتحاش.

فقالت قمر بصوتها الناعم: 
_ أني قمر يا فاطمة،  ممكن نجعدو مع بعض هبابة.

نهضت وفتحت إليها الباب علي مهل: 
_ أتفضلي.

دلفت قمر ومن بعدها أغلقت فاطمة الباب من الداخل،  فقالت لها الأخري: 
_ إكده يا فاطمة،  جافلة عليكي الباب وما ريداش تتحدتي ولا تشوفي حد حتي أني!.

شعرت بخجل فقامت بتبرير مافعلت: 
_ حجك علي يا قمر، أديكي زي ماسمعتي بودانك من هبابة،  المخفي أتصل علي أبوي لأچل نروحو نشترو الشبكة وبعدها نروح المستشفي لأچل الفحوصات والتحاليل.

نظرت لها مبتسمة مما أثار حنقها فسألتها: 
_ عتضحكي علي أي شيفاني بجول نكت إياك!  .

_ أصل الي يشوف أفعالك ورفضك للچواز منه مايشوفش الي چوه عنيكي.

كانت كلماتها في مقتل،  كالمرآه العاكسه لمن ينظر إليها،  أشاحت وجهها بعد أن أصابها التوتر:  _ و چوه عينيا هيكون أي عاد؟.

ضيقت فيروزتيها بمكر فأجابت:
_ والله أنتي أدري بحالك يا بطته.

ألتفتت إليها فاطمة تزجرها:
_ لو معوزاش تخسريني ماتجوليش الإسم ده تاني.

ضحكت رغماً عنها:
_ حاضر، شوفتي بجي نستيني كنت عوزاكي في أي.

كانت علي وشك أن تخبرها شيئاً ما فقاطعتها طرقات عنيفة علي الباب وتبعها صوت جليلة:
_ أفتحي بدل وأيمانات المسلمين لأكون مدشملة الباب علي راسك.

فتدخل واصف قائلاً:
_ وطي حسك يا چليلة وعيب الي عاتسويه، بكفاينا فضايح عاد.

_ أكتم أنت يا أبو زكريا وخليك في حالك.
2

فقال رافع الذي جاء منذ قليل:
_ أصبري يا عمتي هي هتطلع لوحدها، أني خابر دماغها زين.

وبالداخل، كانت تجول الغرفة ذهاباً وإياباً، فقالت قمر:
_ أخرچي لهم وخلاص، ماعدش فايدة من جفلتك علي حالك.

خرجت فاطمة أخيراً بعدما أرتدت وشاحها وعندما رفعت وجهها تلاقت لؤلؤتيها بسوادويتيه الحادتين، تشعر برجيف فؤادها.
_ أنتي لسه ما لبستيش يا أخرة صبري!.
صاحت بها والدتها

_ ما أني لابسة خلچاتي أهه رايدين مني أي تاني!.

رمقها من أخمص قدميها إلي رأسها فكبت ضحكته علي مظهرها، ضربت جليلة بكفها علي صدرها:
_ نعم يا روح خالتك، لابسه لي عبايه سوده وحچاب أسود، رايحة تعزي إياك!.

صرخت بإصرار وعند:
_ و الله ده الي عندي ولا معاچبكيش أرچع أوضتي ومحدش ليه دعوة بيا واصل.

_ بتعلي حسك علي يا بت ال...
1

كادت تهوي بكفها علي وجنتها لكنه وقف حائل بينهما ممسكاً بيد عمته وأنزلها:
_ خلاص يا عمتي، فاطمة مهما لبست خلچات سواء ملونة أو سوده فهي في أي حاچة كيف القمر.

قالها وألتفت ليحدجها بهيام لكنها بادلته بنظرة إزدراء قائلة:
_ مالكش صالح أكون قمر ولا كيف القرد، خليك في حالك.

وبالنهاية خرج الجميع  فكلا من رافع وعمته جليلة والشيخ واصف وفاطمة معه في سيارته ،بينما بكر وقمر وعمر الصغير في سيارة زكريا الذي أستأجرها، وقبل أن ينطلق كان ينظر إليها عبر المرآه فلاحظت هي تحديقه بها، أشاحت وجهها تنظر إلي الخارج عبر النافذة.
أنطلقت السيارتان حتي وصل الجميع أمام متجر المصوغات، ترجل رافع من السيارة ليفتح الباب لها ومد إليها يده:
_ أنزلي يلا يا عروسة.
ترجلت وهي تدفعه في كتفه ثم ألتفت إليه تحذره بسبابتها في وجهه:
_ يكون في علمك چوازي منك علي ورج أكتر من إكده ماتحلمش.
إبتسم وقال بتريث وهدوء عكس صفاته:
_ الي رايداه هو الي هيكون يا بطتي.

أستشاطت غيظاً من هدوءه الإستفزازي فكانت ستوبخه لكن ما حدث جعلها شهقت بفزع بل جميعهم حيث أنتفض جسده أمامها بعدما أستقر به رصاصة أنطلقت للتو!.

_ تنزل علي الدرج مسرعة، فتوقفت عندما وجدته يصعد مقابلاً لها، تراجعت درجتين للخلف بعدما رأت تلك النيران المندلعة من ظُلمتيه المخيفتين، تجرعت لعابها بوجل مُرددة إسمه بتعجب زائف وفي محاولة بائت بالفشل وهي إخفاء ماتشعر به للتو:
_ سليم!.
1

وثب كالفهد مُنقضاً عليها حيث قبض علي ساعدها بل يعتصره بقوة ليسألها بنبرة جعلت هذا الشعور التي قد نسته منذ أيام والده يعود مجدداً، فصدق ذاك المثل الذي يقول من شبه أباه:
_ أين زينب أيتها العاهرة؟.
2

تظاهرت بالقوة مُتحملة ألم قبضته فقالت بترحاب زائف غير مكترثة لما نعتها به:
_ يالها من مفاجأة، لم أصدق عينياي، مرحباً بك يا إبن داغر العقبي في مركزي المتواضع.

ترك ساعدها ليجذب خصلاتها بعنف شديد مما جعلها أطلقت صرخة مدوية:
_ كُفي عن ثرثرتك وأجيبي عن سؤالي.

أجابت بإنكار من بين أسنانها وهي تتلوي وتتألم من خصلاتها التي كادت تقتلع من جذورها في قبضته،كما لاحظت زراعه المصاب بالرصاصة:
_لا أعلم.

وقبل أن يصب عليها جموح غضبه باغتته بضربة قوية في زراعه وركضت للأعلي، وبرغم شعوره بألم لم يحتمل بتاً ركض أيضاً خلفها مزمجراً كالوحش عندما يعلن حربه علي أعداءه، يتوعد لها بالويل وبالعذاب.
صاح في رجاله:
_ أجلبو لي تلك العاهرة.

وبالفعل قامو بملاحقتها بينما هي كانت تحاول بقدر الإمكان تأخيرهم ريثما تستطيع زينب الفرار إلي المطار و الطائرة التي سوف تكون علي متنها تقلع في السماء.
ولجت في إحدي الغرف و فتحت الخزانة المليئة بالمناشف والشراشف القطنية، إزاحتهم جانباً ليتثني لها الإختباء بداخلها، وما أن أغلقت بابي الخزانة أنفتح الباب بعنف و دلف يبحث عنها، تسمع لهاثه من فرط ألم جرحه الذي ما زال تنغمس به الرصاصة وجاءت ضربتها في مقتل.
2

أخذ قلبها يرتجف وجلاً،فالنظرة التي رأتها في عينيه منذ قليل تشبه تماماً نظرات والده عندما كان يمارس عليها طقوس ساديته.
قرع نعل حذائه يعلو شيئاً فشيئاً:
_ يبدو أن هناك من تتوق شوقاً لما كان يفعله بها أبي، مهلاً أنا لست مثله عزيزتي، هو كان يرأف بكِ،لكن أنا لم أرحم من يقف أمامي، هيا أخرجي بإرادتك بدلاً من أجعلك تخرجين زحفاً بعدما أكسر عظام ساقيك.

تراه من ثقب موضع المفتاح وهو يتجه إلي الباب فظنت إنه يغادر، تنفست الصعداء قائلة بداخل عقلها:
_ شكراً لك يا أله....
صرخة شقت حنجرتها حينما فتح باب الخزانة ليجذبها إحدي رجاله من زراعها ويلقي بها أسفل قدمي سليم الذي لم يمهلها لتقف فباغتها بالقبض علي نحرها دافعاً إياها علي السرير الخاص بعمل التدليك.
_ قلت لك لا أعلم، أرجوك أتركني.
صاحت بصوت مختنق و وجهها محتقن بالدماء وعندما رأي إنها علي وشك الموت تركها، أنتابها السعال وظلت تتنفس بصعوبة، كان ينظر لها بتشفي، وضعت يدها في جيب بنطالها لتخرج عبوة الرزاز الخاصة بمن يعانون حساسية الصدر المزمنة.
كادت تضعها بفمها وتضغط المكبس فأختطفها من يدها وألقي بها بعيداً، فهزت رأسها بتوسل متفوهة بصعوبة بالغة كالغريق علي حافة الموت:
_أرجوك،لا....
لم تستطع إكمال جملتها،فكان الشعور بالإختناق قد وصل لذروته، جثت علي عقبيها ودنا إليها فحدجها بإبتسامة قائلاً:
_إجابة سؤالي مقابل العبوة ساندرا.

جمعت كل ما أوتيت من قوة واهية وأجابت بصوت منقطع:
_ سا... فرت، سافرت بال... طائرة.

ذهب بخطي سريعة ومازال الألم يشتد به وبدأ يشعر بالإرهاق والقليل من الدوار، ألتقط العبوة وعاد ليقف أمامها وبكل جبروت لاينضح سوي من ظالم يخلو فؤاده من الرأفة أو الرحمة قال:
_ ها أنا أملك الذي يجعلك علي قيد الحياة أم أتركك تختنقين حتي الموت، إلي أين سافرت؟.
1

لا تريد إخباره لكن تري ما يتفوه به ليس هراءً بل تهديداً صريحاً، فما بيدها سوي أن تجيب علي سؤاله وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة:
_ مصر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ أمام غرفة العمليات ينتظر كل من الشيخ واصف ويتلو بعض السور من القرآن الكريم، وبجواره تقف جليلة تدعو لإبن أخيها، بينما بكر يقف جوار قمر في الجهة المقابلة، و زكريا يحتضن شقيقته فاطمة التي أنهارت في البكاء منذ أن أطلق أحدهم رصاصة صوب رافع فأستقرت في صدره.
تقدمت نحوها قمر لتربت عليها غير مكترثة لنظرات الآخر التي لاتحيد عن فيروزتيها:
_ بكفياك بكا عاد، دلوق هو محتاچ تدعيله ربنا يجومه بالسلامة.
5

تدخل بكر قائلاً:
_ سبحانه مغير الأحوال الي يشوفك دلوق مايشوفكيش وجت لما أمي حكمت عليكي تتچوزيه، ده أنا كنت خايف لتسوي في حالك حاچة!.

قال زكريا مبتسماً:
_ هم الحريم إكده يا أخوي، ماتخابرش هم رايدين أي، صنف مخبل.

رد بكر ويمسك بيد قمر ليشابك أنامله بأناملها تحت نظرات أخيه :
_ مش كلهم يا أخوي، والحمدلله ربنا رزجني بالزينة بنت الأصول قمر وهي كيف القمر.

حدجها بنظرة عاشقة أمام أخيه وشقيقته التي ما زالت تبكي، فأشاحت قمر وجهها بخجل شديد.

وبالعودة لدي الشيخ واصف وصوته العذب في تلاوة القرآن ، بدأت زوجته بالعويل جواره:
_ يا عيني عليك يا إبن أخوي، عين وصابتك أنت وبتي.
1

أنتهي من التلاوة ليجعلها تكف عن ما تتفوه به:
_ چري أي يا چليلة، عتولولي علي الراچل وهو لساته في العمليات بدل ما تدعيله!.

زجرته بنظرة كاللهيب المندلعة ألسنته:
_ خليك في حالك وهملني لحالي، أنت هتلاجيك من چواك ماصدجت حوصل إكده لأچل الچوازة ماتمش.

نظر بتعجب وأخذ يحوقل:
_ لا حول ولاقوة إلا بالله ، أني ما هردش علي حديتك الماسخ، ويعلم ربنا عمري ماتمنيت الأذية أو الشر لحد واصل.

وبنهاية الرواق جاءو يهرولون للإطمئنان علي ولدهم، كانت رسمية تبكي:
_ ولدي چراله أي، كيف أنطخ ومين الي طخه؟.
1

عقب زوجها خميس متسائلاً:
_ جبصتو علي الي سوي فيه إكده ولا لسه؟.

ربت علي كتفه واصف بمؤازرة ومواساة:
_ أطمن يا أبو رافع، ولدك هيكون بخير إن شاء الله.

لحقت بخالتها و حماها للتو وعينيها تذرف عبراتها، فبرغم ما أقترفه في حقها وظلمه إليها لا تتحمل أي أذي أو شر يصيبه، فعشقها هو المسيطر مهما يحدث.
_ وهيكون بخير كيف والقصيدة أولها كفر.

تفوهت بها وهي تحدق بفاطمة بكل ضغينة وكراهية، فسألتها جليلة وعينيها تنضح بالشر:
_ تجصدي أي يا بت سعاد؟.

ردت نوارة بقوة تتظاهر بها عكس ما بداخلها من ضعف و وهن كبناء متصدع وآيل للسقوط:
_ أجصد إن النسوان دي أقدام، واحده تبجي دخلتها علي چوزها تعليه ويبجي زين الرچال كيفي إكده، و واحدة تانية دخلتها كيف غراب البين توديه للقبر.
قالتها ورمقت فاطمة بنظرة قاتلة، أبتعدت الأخري عن شقيقها لتحدق إليها بغضب:
_ ما تكتمي يا حرباية، ساكته لك من وجت ماچيتي لكن عتغلطي فيا ده الي ماأسكتش عليه واصل.

أندفعت نوارة وكادت تعتدي عليها بالضرب فمنعها زوج خالتها ممسكاً إياها:
_ أني حرباية يا كهينة يا خطافة الرچالة.

صاحت فاطمة وتشيح لها بيديها:
_ أني ماخطفتش حد يا حبيبتي، چوزك هو الي كان داير ورايا في كل مُطرح لحد ما چاتله الفرصة ومسك فيا بيده وسنانه.

صرخت فيهما رسمية لتوقف تلك المشادة الحادة:
_ أكتمي منك ليها، ولدي بين إيدين ربنا وأنتو عاملين تتخانقو ويا بعض!.

ردت جليلة دفاعاً عن إبنتها:
_ يعني عاچبك حديت بت خايتك يا أم رافع؟.
1

كادت نوارة تجيب فقاطعتها خالتها موجهة حديثها لجليلة:
_ أني كل همي أطمن علي ولدي.

خرج الطبيب وتبعته المساعدة خاصته، ركض الجميع إليه، فأسرعت فاطمة لسؤاله:
_ طمني يا دكتور كيفه دلوق؟.

دفعته نوارة من أمامها:
_ چوزي كيفه يا دكتور؟.

رفع يديه كإشارة لهم أن يصمتو وقال:
_ أولاً وجودكم هنا ممنوع، أتفضلو أستنو تحت ولما ننقله لغرفة عادية بعد ما يفوق هانبعتلكم.

أشار له خميس قائلاً:
_ معلش يا دكتور، أني والده ورايد أطمن عليه.

أجاب الطبيب:
_ أطمن يا حاج، إبنك الحمدلله بخير، الرصاصة كانت بعيدة عن المراكز الحيوية زي القلب والرئة والظاهر إنه ماشاء الله عضمه قوي جداً لدرجة إن الطلقة رشقت في ضلع من ضلوعه الشمال والحمدلله قدرنا نخرجها بكل سهولة.
3

سألته رسمية باللهفة:
_ يعني هو إكده قام بالسلامة.

أومأ لها بالإيجاب:
_ إحنا هننقله علي غرفة العناية لحد ما يفوق وبعد كده هننقله علي غرفة عادية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ علي متن طائرته الخاصة يتمدد علي الكرسي ذو المسند المتمدد كالمضجع، يقطب له الطبيب جرحه بعدما أخرج الرصاصة التي أستقرت بين نسيج عضلات عضده فلم تكن بالإصابة الخطيرة، لكن بدأت الأعراض المصحوبة تتوغل جسده كإرتفاع درجة الحرارة الذي أدخله في مرحلة الهذيان وتضارب أفكاره مع ذكرياته القديمة ...

_ أستيقظ هذا الصغير من غفوته علي صراخ والدته في الغرفة المجاورة لغرفته، نهض من فراشه وذهب للإطمئنان عليها منادياً بصوته الخافت:
_ مامي، مامي.

حتي توقف أمام باب الغرفة الذي كان مفتوحاً قليلاً ورأي والده يجذب والدته من خصلاتها وهي تصرخ بألم:
_ حرام عليك بقي كفاية، أنا أستحملتك كتير قولتلك روح أتعالج.

قبض علي زراعها ويهزها بعنف ليهدر بها:
_ حرمت عليكي عشتك، أنتي بتاعتي وأعمل الي أنا عايزه فيكي، وبعدين أتعالج أي يا...... شايفاني مجنون ولا أيه!.

حاولت التملص من قبضتيه بدفعه عنها بكل قوتها وصاحت به:
_ أيوه مجنون وستين مجنون كمان، تقدر تقولي أي متعتك لما تربطني وتضربني بالكرباج زي الحيوانات!، أي الي بيخليك في قمة سعاتك وأنت بتقعد تشتمني بألفاظ قذرة وتذل فيا وتحرق دمي!.

دفعها في كتفها لتتراجع إلي الوراء:
_ أنا بعمل كده لما بأدبك عشان بتعصي أوامري وبتتعمدي تعملي الحاجات الي ناهيتك عنها .
1

_ أوامر أي يا أبو أوامر، حابسني في الفيلا ومش عايز حد يشوفني ولا أشوف حد، حتي أهلي لا أروح لهم ويوم ما كانو جايين يشوفوني روحت أنت كلمت بابا وأحرجته وكدبت عليه قولتله إن إحنا مسافرين!، خايف لأشوفهم وأفضحك قدامهم وأحكي لهم عن عمايلك و جنانك!.

كلماتها كانت بمثابة الزيت المنكب علي النار فجعلها أندلعت فتأكل كل مايقابلها، أنقض عليها وقبض علي عنقها بقبضة من حديد:
_ تحكي لمين يا بنت ال..... يا.......، أحمدي ربنا إني أتنازلت وأتجوزت واحدة أبوها حتة ساعي في شركة أبويا.
أمسكت كلتا يديها برسغ قبضته لتقول:
_ أتجوزتني عشان عارف أن أهلي غلابة ومش قدك ولا قد نفوذك فتقدر تمرمط فيا وتطلع عليا كل عقدك وأمراضك النفسية، وأنا عمالة اضغط علي نفسي وأستحمل عشان أبني وأنت عمال تتمادي، بتعاملني زي بنات الليل الي بتروح تخوني معاهم وتمارس جنانك عليهم، لكن أنا خلاص فاض بيا وما بقتش قادرة، طلقني.

ترك عنقها وتراجع للوراء وأخذ يضحك، تعالت ضحكاته بوتيرة مرعبة، توقف عن الضحك وتبدلت ملامحه القاسية إلي أخري يكسوها ظُلمة حالكة، نهضت لكي تهرب من أمامه لكن كيف لفريسة ضعيفة الفرار من مرمي صيادها!.
وفي غضون ثواني كانت بين يديه يحملها متجهاً إلي المرحاض ولم يأبه لتوسلاتها وصرخاتها، لايشعر بوجود صغيرهما الذي تسلل إلي الداخل ويخشي رؤية والده له فيكيل له العذاب مثلما يفعل به كل مرة.

ألقي بها داخل حوض الإستحمام وفتح الصنبور وخلع حزام بنطاله ليقيد يديها خلف ظهرها، وهي ما زالت تصرخ:
_ سيبني يا داغر ، طلقني، أنا بكرهك، بكرهك.

أرغمها علي النهوض وأخرجها من الحوض، هيهات ليمسكها مجدداً ريثما امتلأ الحوض بالماء ليغمر رأسها في الماء ثم أخرجها لتتنفس:
_ قولتي عايزة أي يا.......

نظرت له جانباً وبكل كراهية تحملها له صاحت:
_ عايزة أطلق منك، مش طيقاك.

عاد مجدداً لغمر وجهها في الماء وأخذ يضغط ويستمع لأنينها المكتوم وكأنه يستمع لنغمات تروق لها أذنيه.
يري الصغير هذا لايريد أن يظل مكتوف الأيدي وخائفاً، فعليه إنقاذ والدته حتي لو كان علي سبيل حياته.

جذب تمثال كان موضوعاً علي منضدة ورفعه ليباغت والده بضربة فوق رأسه، وما أن رفع التمثال لأعلي وجد والده يلتفت إليه والشر يتطاير من عينيه، أمسك بساعده الرفيع وعينيه جاحظتين ولم ينتبه ليده الأخري الضاغطة علي رأس زوجته في المغطس :
_ أنت كنت عايز تموتني يا إبن ال.....

أجهش الصغير بالبكاء وبرجاء وتوسل لوالده:
_ خلاص يابابي، حرمت مش هاعمل كده تاني.

وحين أنتبه داغر لسكون زوجته، أبعد يده علي الفور ورفع رأسها ليحملها خارجا
وأخذ يربت علي وجنتيها ويضغط علي صدرها لتفرغ الماء الذي أبتلعته وكل مايفعله بدون فائدة ، فكان خلفه إبنه ما زال يبكي فهدر به بصوت قد جعله كالأبكم:
_ بطل عياط لأخليك تحصلها.

عاد ببصره لينظر إلي وجهها الشاحب:
_ قومي يا سوزان، بطلي تمثيل بقي خلاص أنا سامحتك علي أي كلمة قولتيها، قومي وهعملك الي أنتي عايزاه هخليكي تشوفي أهلك أو أخليهم يجو هم هنا، قومي بقي.
ظل يهذي ويبكي بنحيب هكذا حتي أدرك أخيراً إنها فارقت الحياه، حين سأله الصغير ببراءة أصابته بصدمة لما أقترفه:
_ بابي هي مامي ماتت؟.

ردد وهو ينهض ويقترب من إبنه وعينيه لاتبرح جثة زوجته:
_ ماتت، ماتت.

عصفت به آلاف الكلمات في ذهنه، أولها جملة أنت قاتل زوجتك، بينما جانبه المظلم رفض ذلك الإتهام المطبق عليه ليلقي به علي عتق صغيره، مُعللاً إنه لولا محاولة إبنه لقتله وإنتباهه له لكانت الآن حية، ألتفت إليه ودنا منه بوضع القرفصاء:
_ ماتخافش يا سليم، مش هقول لحد إنك قتلت مامي.

وعانقه ويمسد علي ظهره، رد قائلاً:
_ بس أنا معملتش حاجة يابابي، أنت الي حطيت راسها في البانيو لحد ما ماتت.

أبعده عن حضنه وأرتسم علي شفاه إبتسامة لم ينساها الصغير سليم طوال حياته، يسول له شيطانه فكرة نابعة من براثن الجحيم ليرهب بها صغيره حتي لايتفوه بما رآه.
وقف وأعتدل ومد يده إليه والإبتسامة الإبليسية علي محياه:
_ هات إيدك.

تردد سليم والخوف يسيطر عليه، يخشي أن يلقي نفس مصير والدته كما هدده والده، صاح داغر به:
_ قولت هات إيدك.

أنتفض عندما جذب يده الصغيره وجذبه لخارج الغرفة و حمله ثم صعد به الدرج المؤدي إلي السطح.
_ بابي، إحنا علي السطح ليه؟.
تفوه بتردد و توجس وخوف، يكبت دمعاته حتي لايثير غضب والده الذي توقف للتو لدي حافة السور وبدون سابق إنذار أفلته من زراعيه قابضاً علي رسغيه وجسده بالكامل متدلي في الهواء، أخذ يصرخ ويبكي فقال له داغر:
_ أنا ممكن أسيبك تقع دلوقت وممكن برضو أرجع في كلامي إلا إذا سمعت الكلام، فاهم يا سليم؟.

يرمقه بتوسل وببكاء تهتز له القلوب من الهول والفزع:
_ فاهم، فاهم يا بابي، هاسمع الكلام.

أفلت يد واحدة حتي أصبح يمسك بزراع واحد فقط فتعالت صرخات طفله مُردداً:
_ هاسمع الكلام، هاسمع الكلام.

رفعه داغر رويداً رويداً و أنزله علي الأرض فرمقه من مستوي طوله الفارع ليشعر صغيره بمدي ضاءلته أمامه فيزداد إرهابه أكثر.
_ و دلوقتي يا سليم يا حبيبي، مامي حصلها أي؟.

أجاب بعفوية مطلقة:
_ ماتت.

_ ماتت إزاي؟.

سؤال أبيه دب الرعب في أوصاله، فبرغم صغر سنه الذي لم يتجاوز السبع سنوات لكنه يمتلك ذكاء وفطنة قام داغر بإستغلالها أسوء إستغلال، وقتله لزوجته كانت البداية.

أزدرد ريقه الذي علي وشك الجفاف من هول ما حدث معه:
_ عايزني أقول أيه؟.

تعجب من صغيره الذي أجاب علي سؤاله بسؤال يدل علي نجاحه في السيطرة عليه وجعله طوع له وبين يديه.
مسد رأسه بحنان زائف:
_ مامي كانت بتاخد شاور وأغمي عليها و وقعت في البانيو، صح يا سليم؟.

هز رأسه بالموافقة علي حديث والده:
_ صح يا بابي.
6

_ بدأ يفيق من هذيانه الذي دام طوال رحلة الطائرة إلي أرض الفردوس، فنهض وأتجه إلي المرحاض المخصص للإستحمام، وعند دلوفه إلي الداخل أوصد الباب وخلع ملابسه ونزل أسفل الماء بعد أن فتح الصنبور متفادياً لمسها لزراعه المصابة.

وبعد دقائق يقف في الغرفة الصغيرة التي تحتوي علي سرير وطاولة للزينة وكرسين و ثلاجة صغيرة للمشروبات.
وقف أمام المرآه ليمشط خصلاته السوداء، ويحرك زراعه المصابة بحذر ليرتدي سترة حُلته، غادر للخرج وأنتبه لسماع قائد الطائرة ينبه بالإلتزام في المقعد وإرتداء الحزام إستعداداً للهبوط إلي المطار.

_ وبعد دقائق من الهبوط وإصطفاف الطائرة في المكان المخصص للطائرات الخاصة، أنفتح الباب بآلية وخرج الدرج، ينزل تلك الدرجات مستنشقاً هواء بلاده، وكان في إستقباله قائد الحرس خاصته:
_ حمدلله علي سلامتك يا سليم بيه، نورت مصر.
1

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ فتح باب الشقة ودلف خطوة للداخل ثم مد يده إليها قائلاً:
_ حمدلله علي السلامة يا حبيبتي، نورتي شقتك يا عروستي.

أمسكت بيده و ولجت إلي الداخل تنظر بإنبهار لأثاث وديكور المنزل الذي قام بتغيره كلياً، فسألها:
_ أي رأيك؟، عاجبك الديكور الجديد للشقة؟.

ألتفتت له وبإبتسامة تغمر ثغرها:
_ ماشاء الله حلوة جوي جوي، لحجت تغير كل دي ميتي؟.

إبتسم بزهو وفخر ليجيب عليها:
_عيب عليكي، جوزك بس يشاور وكل الي عايزه بيتم بسرعة وكل ده وإحنا لما كنا في البلد ولما روحنا أسوان.

وبعد أن أدركت الثراء التي تميزت به كل قطعة ديكورية وكل قطع الأثاث، ألتفتت إليه وقالت:
_ و ليه كل المصاريف دي، ما كان العفش الأولاني حلو برضك.

أمسك بيديها و جلس علي أقرب كرسي وجعلها تجلس فوق فخذيه:
_ هو كان حلو فعلاً، بس حبيبتي عشان أحلي فلازم أفرشلها الشقة بالي يليق بيها.

نظرت للجهة الأخري بخجل من إطراءه لها، همست بخفوت:
_ الله يخليك يا حبيبي.

أمسك بوجهها ليجعلها تنظر إليه وبحنق تحدث:
_ الله يخليك يا حبيبي!، هو ده ردك!.

تلاشت إبتسامتها وتعجبت لردة فعله فسألته:
_ مالك متضايج ليه إكده؟، رايد مني أرد كيف؟.

أنزلها ليقف وحملها:
_ أنا هاعرفك الرد يبقي إزاي دلوقت.

وأتجه نحو غرفتهما وهي تصيح بضحكات رنانة: _ واه بجي، إحنا لساتنا راچعين من سفر هملني أرتاح هبابة.

ألتهم شفاها في قبلة نهمة لينزلها علي السرير:
_ ما هو أنا لو ماخدتش رد حلو منك دلوقت هخلي ليلتك هبابة!.
يقولها مضيقاً زرقاويتيه، يرمقها بمكر ولم يمهلها للتحدث، يقوم بتقبيلها مجدداً ويهبط بها علي الفراش ويديه تتخلص من وشاحها، ويخلل أنامله في خصلاتها ويضغط علي مؤخرة رأسها ليعمق من قبلته وكأنه يحلق بها في سماء العشق الوردية، مد يده الأخري لتلابيب ثوبها لفك أزراره، يحررها من كل هو عائق أمامه ويغمرها في ملحمة أضرمت نيران الحب في جسديهما، ليست مجرد أحضان وقبلات حميمية وأشياء أخري بل تبادل قلبين وروحين و وله وتيم يبلغ قوته وعنفوانه.

وبعد مرور وقت، أنتهي لتوه من الإغتسال وأرتدي مأزره القطني، خرج من المرحاض فلم يجدها في الفراش فقام بمناداتها:
_ سمية؟.

أتاه صوتها من الخارج:
_ أنا في المطبخ يا صلوحتي.

عقد مابين حاجبيه وقال بتعجب:
_ في المطبخ!، أنا كنت سايبها نايمة.

وقبل أن يذهب إليها صدح هاتفه برنين رسائل متتالية من تطبيق الدردشة الشهير، فأمسك به ليري محتواها، وجد أول رسالة كانت صوتية من سكرتيرة مكتب المحاماه خاصته، ضغط لسماعها:
( حمدلله علي سلامتك مستر صلاح، وألف ألف مبروك يا بيبي، مش كنت تقولي وتعزمني ولا خايف أقول للعروسة علي العلاقة اللطيفة الي مابينا، عموماً بكلمك عشان أقولك إن قضية كامل الدمنهوري بكرة الحكم فيها ولازم تكون موجود).
جز علي أسنانه بحنق متمتماً:
_ وأنا كنت ناقصك أنتي التانية، حسابك معايا لما أشوفك.

وبداخل المطبخ ذو الطراز الغربي، تقف خلف الطاولة الرخامية تعد بعض شطائر اللحم علي المقلاة تستنشق رائحتها بإستمتاع:
_ الله عليكي يا بت ياسمية، من يومك وعتسوي الحواوشي زين جوي.

فجائها صوته من خلفها:
_ طب ما تدوقني حته من إيديكي.

أنتفضت بذعر إليه:
_ بسم الله الرحمن الرحيم، حرام عليك يا صلاح خلعت جلبي الله يسامحك.

ترك هاتفه أعلي الطاولة، فأقترب منها ليجذبها إلي صدره:
_ سلامة قلبك من الخضة يا روح وعقل ونور عيون صلاح.

أستدارت بين يديه تلتقط بالماسك السيلكون وتقوم بتقليب الخبز:
_ واه بجي، شايف كنت هاحرج الرغيف كيف.

أحتضنها من ظهرها يستنشق رائحة الطعام وأنحني علي عنقها بهمس:
_ الله حواوشي، علي فكرة بحبه جداً، ممكن أحلي قبله؟.
لثم عنقها بقبلات متفرقة فأنزل حمالة ثوبها القطني، تلوت بين يديه تمسك بالمقلاة وباليد الأخري الماسك قائلة بمزاح:
_ بكفياك تحلية، أني واجعة من الچوع ولو ما أكلتش دلوق هتلاجيني أتحولت لزومبي وأكلك أنت.

جذبها إليه مجدداً وقال:
_ ما تيجي في أوضتنا وكوليني براحتك.

رن جرس المنزل، ضحكت فقالت:
_ طيب روح شوف مين الي عيرن الچرس، هاكون حضرت السفرة.

ذهب ليري من الزائر، وهي أعدت الأطباق وفي طريقها للذهاب إلي طاولة الطعام وجدت هاتفه يضيئ برسالة عبرة تطبيق آخر، كادت لا تكترث لكن إسم المرسل لفت إنتبهها، وكان المحتوي مرسل باللغة لم تستطع ترجمتها بينما الأسم سهل عليها قراءته جيداً، لاتعلم لما خفق قلبها والقلق يداهمه.
ذهبت لرص الأطباق فوجدته يمسك بالعديد من الأوراق، فسألته:
_ مين الي كان بيرن؟.
وضع الأوراق فوق منضدة موضوعة في زواية وأعلاها مزهرية:
_ ده السكيورتي بيديني الفواتير، ثواني هاروح أغسل إيدي وجاي.

بينما هي جلست تنتظره والوجوم يكسو ملامحها تتردد في سؤاله، ولربما صاحبة الرسالة تكن عميلة لديه، فهو محامي مرموق ذو صيت مشهور في وسط رجال الأعمال والإقتصاد.

جاء وجذب كرسيها تحت تعجبها:
_ متقعديش هنا.

جلس هو علي كرسيها،فقالت بدهشة:
_ يعني أنت تجومني لأچل تجعد مطرحي، ما الكراسي كتيره أهه.

أمسك يدها وأجلسها علي فخذيه:
_ أنتي مكانك هنا علي طول.

وأمسك بالشوكة والسكين وكاد يقطع الشطيرة، تناولت منها الأدوات و وضعتهما جانباً:
_ ده ما يتاكلش بالشوكة والسكين.
تناولت شطيرة وأردفت:
_ عيتاكل إكده.

و ضعتها بفمه فقطم قطعة وأخذ يلوكها حتي أبتلعها بمتعة عارمة:
_ تسلم أيدك بجد تحفة أوي.

رمقته بنظرة أربكته قليلاً:
_ بالهنا والشفا يا حبيبي.

وقبل أن يقضم قطعة أخري سألها:
_ مالك مبتاكليش ليه؟.

نهضت وعقدت ساعديها لتخبره بتساؤل:
_هاكل وجبل ما أكل، رايده أعرف حاچة إكده.

إبتسم ليخفي توتره يخشي أن تكون قد سمعت الرسالة الصوتية التي أرسلتها السكرتيرة:
_حاجة أي يا حبيبتي الي عايزة تعرفيها؟.
3

رفعت إحدي حاجبيها فسألته:
_ مين صوفيا دي؟.
1

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ إحنا كده مضطرين نعمل محضر، عشان دي كانت محاولة قتل.
قالها الطبيب المعالج لحالة رافع بعدما خرج من غرفة الإفاقة للتو ، فأجاب والده:
_ طبعاً لازم تعمل محضر وتشوف مين الي سوي فيه إكده.

أقتربت نوارة نحوه لتسأله بقلق بالغ:
_ هو كيفه دلوق يا دكتور؟.

وقفت فاطمة خلفها تنتظر سماع إجابة الطبيب:
_ هو الحمدلله بدأ يفوق وعمال ينادي علي المدام.

أندفعت نوارة لتهم بالدخول:
_ أيوه أني مارته، ممكن أشوفه؟.

أجاب مشيراً إليها:
_ طبعا، ً بس مش أكتر من عشر دقايق.

ولجت تحت نظرات فاطمة التي تود رؤيته لتطمأن عليه، فما حدث له كان بمثابة العاصفة التي هبت في فؤادها تدور في دوامة حبها إليه وجعلته يحيا من جديد.

وطأت قدميها الغرفة تنظر إليه بقلب منفطر علي حاله، ذرفت عينيها عبراتها علي معذب قلبها الذي يتمدد علي السرير ومتصله به الأجهزة الطبية، جذعه عارياً ويلف صدره ضماد طبي حيث موضع الجرح .
وصل إلي سمعها ترديده بكلمات غير مفهومة فأقتربت منه وجلست علي الحافة جواره، أمسكت بيده التي كان دائماً يهبط بها عليها بالضرب بدلاً من أن يحنو عليها بها ويربت بحب و ود، و رغماً من كل هذا ما زالت تعشقه، فكيف للعاشق يقبل بإهانة معشوقه والدعس علي كرامته وكبريائه، هل العشق أصبح إذلال!.
1

أمسكت بكفه بين يديها وهي تبكي:
_ ألف سلامة عليك يا جلبي، ياريتني كنت مطرحك لعل كان وجتها عرفت غلاوتي چواك، أني بحبك جوي جوي يا واد خالتي وچوزي وحبيبي وكل حاچة.

مالت بشفاها علي يده وقبلتها ثم وضعت كفه تتلمسه بوجنتها وقبلة راحته حتي توقفت فجاءة عند سمعها صوته يناديها:
_ فاطمة، ما تهملنيش يا حبة جلبي، أني بعشجك يا فاطمة، ردي علي يا حبيبتي.

تركت يده و وقفت ترمقه بصدمة ودمعها مازال ينهمر، والأشد غزارة كان عبرات قلبها الذي يدمي قهراً، ولت ظهرها إليه،ففتح سوداويتيه ليري طيفها وهي تغادر ثم أغمض عينيه مرة أخري.
خرجت وعينيها تتلاقي بخاصتي غريمتها،فباغتها الطبيب قائلاً:
_ لو سمحت يا مدام فاطمة ماتنسيش متعلقات وهدوم جوز حضرتك في الإستقبال.
3

ألتفتت إليه وقالت بملامح متجهمة:
_ أني مش فاطمة.
ثم أستدارت لتشير للأخري:
_ أتفضلي أدخليله، عينادم عليكي.

قالتها وتركت الجميع وهم ينظرون إليها فبعض النظرات كانت شفقة وأخري متعجبة.
1

تحمحم بكر وقال:
_ عن أذنكم يا چماعة أني هاخد قمر رايحين مشوار وهنعاود مرة تانية.

أومأ له واصف قائلاً:
_ أتفضل يا ولدي، الحمدلله ولد خالك بجي بخير.

غادر بكر وبرفقته قمر تحت نظرات زكريا الجليه لمن حوله حتي فاطمة لاحظت ذلك، أنتبهت لوالدتها تقول لها:
_ أدخلي أطمني علي خطيبك يا فاطمة.
2

وجدت زوجة خالها ترمقها بإمتعاض، فلا تبالي ودلفت، و مجرد أن دخلت وجدته ينظر إليها بإبتسامة حالمة:
_ فاطمة!.

وقفت بالقرب منه تبتلع لعابها، تخشي أن تظهر له ضعفها فيستغل حبها إليه مرة أخري، تفوهت بصوت خافت:
_ حمدلله علي سلامتك.

أجاب والألم يداهمه عندما أراد أن يعتدل:
_ الله يسلمك.

عم الصمت بينهما فقاطعه:
_ واجفة ليه عندك، خايفة مني إياك!،أديكي شايفة مفياش حيل حتي أرفع يدي.

خطت القرب منه وقالت:
_ الحمدلله إنك بجيت بخير والإصابة مكنتش خطيرة عاد.

_ خابره أني علي قد الي حصل مبسوط جوي.

رمقته مذبهلة من كلماته:
_ واه، مبسوط إنك أطخيت!.

رفع يده بصعوبة وأشار إليها:
_ تعالي، قربي أهنه.

أقتربت بتردد وخوف من نظراته التي تخترق روحها، أردف:
_ كنت مبسوط لأچل لما أطخيت آخر حاچة كنت فاكرها وجعت في حضنك، وآخر حاچة شوفتها كانت عينيكي.

غرت فاها وأتسعت عينيها، قلبها كاد يخترق ضلوعها ليقفز ويستقر بجوار فؤاد عاشقه.
مد يده ليلامس خاصتها وتفوه من بين شفاه:
_ ساكته ليه يا بطتي.
1

تلك النظرة وتلك النبرة التي غابت عنها منذ سنين منصرمة، لم تنساها، وكم مرت علي سمعها مثل الآن.
ولت ظهرها وما زالت يدها بيده:
_ أنا دخلت لك لأچل أجولك حمدلله علي السلامة والحمدلله شايفاك بخير، عن أذنك.

أوقفها برجاء وتوسل عاشق يريد عطف معشوقته ولو بنظرة:
_ فاطمة، ماتهملنيش، خليكي وياي.

ردت بنبرة أنبلج من خلالها ضعفها نحوه:
_ رايد مني أي يا رافع؟.

أجاب بعشق يآسر فؤاده في سجن مملكتها:
_ رايد جلبك يحن عليا وترچعي وياي كيف زمان، رايد أشوف ديماً النظرة الي لاجتها في عيونك وجت ما الرصاصة صابتني، أتمنيت إن الزمن يوجف في اللحظة دي لأچل ما أنحرمش منيها واصل.

بدأت حصونها المشيدة في التصدع وتتخلخل شيئاً فشيئاً:
_ كل ده في يدك أنت ترچعو ويمكن أحسن من زمان.

تهللت أساريره وخفق قلبه ليسألها باللهفة:
_ في يدي كيف؟.

_ تهمل كل حاچة حرام، تچارتك في السلاح والمخدرات وتبدأ من أول وچديد و چريك ورا الحريم، كل ده لو هملته أوعدك وجتها تلاجيني ملكك وبين يدك، حتي چوازنا مش هايبجي علي ورج.
5

صمت ولم يجب علي طلباتها التي بدت إليه صعبة، فتلك خصاله ويصعب التخلي عنها، الطمع والجشع يتدفقا في مجري دمائه، فهل للعشق سلطان عليه ليغيره!.

تأهبت لتردف كلماتها:
_ واضح إنه هيبجي صعب عليك تنفذ كل الي طلبته منك، علي راحتك والمشوار الي كنا رايحينه لأچل نشترو الدهب ده تنساه عاد وياريت تنسي مسألة چوازنا لأنه مستحيل يحصل طالما أنت رايد ماتتغيرش لأچل حالك ولأچل خاطري، سلام.

كان علي وشك منادتها ليجد الطبيب يدخل وبرفقته رجلين، فقال الطبيب:
_ حمدالله على السلامة يا رافع بيه.

_ الله يسلمك يا دكتور.

أشار له نحو الرجلين قائلاً:
_ رحيم باشا رئيس المباحث بذات نفسه جاي لحضرتك عشان ياخد أقوالك ويوصل للمجرم الي عمل فيك كده.

جذب رحيم الكرسي وجلس بجواره:
_ أولاً كده حمدلله على السلامة، وثانياً أنا جاي لك مش عشان أعرف مين الي عمل فيك كده، إحنا خلاص رصدناه عن طريق الكاميرات المحطوطه بره المحلات، وتقريباً قربنا نوصله بس حبيت أفرجك علي مقطع فيه ملامحه باينه أوي.

أعطي الضابط هاتفه وضغط علي المقطع ويضغط مرة أخري لتثبيته علي صورة المتهم :
_ شوفته قبل كده أو تعرفه؟.

أمعن التحقيق في ملامح هذا الرجل، ثم هز رأسه بالرفض، صدح رنين هاتف الضابط فأجاب علي الفور:
_ أيوه، عرفتو هو مين؟
..........
_ تمام، حضرو قوة عقبال ما أجليكم دلوقت، سلام.

نهض رحيم ويُعد سلاحه ويضعه خلف ظهره:
_ شوفت بقي لسه ماقعدتش معاك وقدرنا نعرف إسم المجرم وبيناته، ولما تقدر تشد حيلك تيجي تشرفنا القسم نستكمل المحضر.

قال رافع:
_ ومين الي سوي فيا إكده؟.

أجاب رحيم:
_ إحنا مشتابهين في واحد إسمه مجاهد أنور مجاهد!.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
5
_ يطوي الثياب بداخل العلبة الخاصة بها ثم وضعها في الكيس المطبوع عليه إسم المتجر وعنوانه، يعطيه للسيدة التي أخرجت له النقود فقال لها:
_ الحساب أدفعيه حضرتك لأستاذ قاسم هناك.

ذهبت السيدة إلي فارس الذي كان مسئولاً عن الحسابات وأعطه ثمن ما أبتاعته وذهبت.

وضع المال في الدرج فدلف إليه جنيدي ليزعره بصياح:
_ ألحج يا فارس.
وجد حمودة ينظر له بتعجب فتراجع قائلاً:
_ ألحج يا قاسم.

نهض من خلف المكتب بقلق،فأمسكه من ساعده متجهاً للخارج:
_ تعالي نتحدتو بره.
وقف كليهما بالقرب من المتجر، فسأله فارس:
_خلعتني يا أخي، حوصل أي؟.

أجاب الآخر:
_ روحت نواحي القسم الأول كيف ما جولت لي لأچل أتابع موضوع الآنسة شهد بعد ما الحاچ نعمان سوي محضر في إسمه ممدوح، تصور الكلب ده عمل أي؟.

تابع فارس رداً علي حديثه:
_ أنكر طبعاً.

_ ياريت أنكر وبس، راح چاب واحد من العيال الصايعة الي شغالين حداه، وخلاه أعترف إنه الي سوي إكده والبت سماح هي الي طلبت منه يفبرك الفيديوهات.

أكفهر وجهه مما يسمعه، يتكرر نفس السناريو الذي حدث له وإتهامه بهتاناً و ظلماً، سأله مرة أخري:
_ و سماح ما راحتش ويا الحاچ نعمان لأچل تشهد؟.

هز رأسه نافياً وقال:
_ ما لقيوهاش في البيت ولا هي ولا أمها، ده غير الواد الي عيجول أنه سوي الفيديوهات جال إنه مايعرفش الي إسمها سماح ولا عمره شافها واصل وإنه الصور چابها عن طريق الي عيجولو عليه هاكر.

أطلق فارس زفرة من أعماقه الثائرة غضباً، وتلفظ بسبة علي هؤلاء الحثالة الأوغاد، أخذ يلتقط أنفاسه حتي تريث وتذكر أمر الحاج نعمان:
_ والحاچ نعمان ماتعرفش سوي أي؟.

توترت ملامح جنيدي أثر الصمت لثوان ريثما أجاب:
_ ماعرفش أجولك أي، المصايب كلها عتتچمع في يوم واحد.

صاح الآخر بحنق:
_ جصر وجول ياچنيدي، أني ماناجصش مناهده عاد.

رد علي مضض قائلاً:
_ الراچل لما حوصل الي حكيت لك عليه ما أستحملش وجع من طوله وخدوه علي المستشفي الدولية الي علي الكورنيش، لساتني راچع من هناك.

صاح بصدمة جلية علي ملامحه:
_ عتتحدت چد؟.

_ و دي حاچة فيها هزار يا صاحبي، كل الي حكيته لك خابرته من عسكري بلديات واحد صاحبي أهنه،وبعدها أتدليت نواحي المستشفي، بس خد بالك ما عيدخلوش حد واصل غير جرايب المريض وكمان ماحداكش بطاجة.

دفعه فارس من أمامه:
_ أوعي من وشي، أني هاتصرف.
1

عاد إلي المتجر لجلب متعلقاته وأخبر حمودة بإغلاق المتجر الآن، لحق به جنيدي ينادي عليه، لكنه لم يبالي وتركه ثم أستقل سيارة أجرة إلي المشفي وفي طريقه هاتف عم عربي لكي يساعده في الدخول للمشفي، وبالفعل قام بمساعدته للولوج إلي داخل المشفي عبر إحد معارفه يعمل بالداخل.

وفي ردهة الإستقبال، أوقف عم عربي إحدي الممرضات ليسألها:
_ عن أذنك لو سمحت إحنا جايين نطمن علي الحاج نعمان الي لسه جاي لكم من شوية.

سألتهما بإستفسار عن هويتهم بجدية :
_ حضراتكم تبقو مين؟.

أجاب مشيراً علي نفسه قائلاً:
_ أنا أبقي صديقه.
ثم أشار نحو فارس الذي قاطعه:
_ الحاچ نعمان يبجي حمايا.
1

أجابت بحزن بالغ:
_ للأسف الحاج نعمان أُصيب بجلطة دخلته في غيبوبة، وحجزناه في غرفة العناية المركزة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ علي چمب هنا ياسطا لو سمحت.
قالها بكر فتوقف السائق أمام بوابة دخول المعبد الذي يقع علي مشارف النجع، وقبل أن يترجل أوقفته قمر هامسة إليه:
_ أنت خليته يوجف أهنه ليه؟.

أمسك بيدها وضغط قليلاً وقال:
_ أنزلي دلوق وهاتعرفي.

نزل و تبعته بتوجس و وجل، فمنذ أن غادرا المشفي وهو في حالة صمت مطبق، كلما تحدثت معه لم يتفوه بكلمة سوي الآن.

سار بها حيث يمسك بيدها إلي داخل الآثار المتبقية من المعبد القديم كما يطلقون عليه أهل النجع.
_ فيه أي يا بكر ما عتردش علي حديتي من وجت ما خرچنا من المستشفي، و واخدني مطرح مهچور، ليه كل ده؟.

توقف وجال ببصره ليتأكد من عدم وجود أي أحد سواهما، حدجها بحدية فباغتها بسؤال والشك جلي في مقلتيه :
_ أي الي بينك وبين أخوي عيخليه ماينزلش عينيه من عليكي واصل؟.
2

غرت فاها بصدمة، لم تستعب سؤاله الذي يتهمها فيه بوضوح، تجرعت غصتها في محاولة الإجابة بكل هدوء عكس ما بداخلها:
_ بيني وبين أخوك!، تجصد أي بسؤالك ده؟.

ضيق عينيه ليفاجئها مرة أخري بكلمات أكثر صعوبة أن تتحملها:
_ جصدي أنتي فهماه جوي، وماتلفيش وتدوري في الحديت.

ترقرقت عبراتها بداخل فيروزتيها، أبتلعت غصتها مرة أخري:
_ ولما أنت أخدت بالك من نظراته ليا ليه ما روحتش له وسألته هو!، ليه من نبرة صوتك وطريجة سؤالك عتتهمني بالخيانة.

صاح بغضب وإنكار:
_ أني ما جولتش إكده....

قاطعته صارخة به:
_ لاء جولت، مجولتش بلسانك، لكن عينيك جالت، حديت العين أبلغ وأصدج من حديت اللسان يا شيخ بكر، وكان المفروض تسأل السؤال ده لأخوك.
7

تبدلت ملامحه إلي التوتر حيث أحس إنه قد بالغ بالأمر كثيراً، فكلما تذكر نظرات شقيقه إليها تضرم بداخله نيران الغيرة الحارقة كبركان أطلق حممه المشتعلة فتدمر كل مايقابلها وتجعله رماداً منثوراً.

رفع غطاء وجهها الذي يحاوطه بكفيه، يحدق في عينيها بنظرات عاشق تقتله الغيرة:
_ أني واثق فيكي زين، لكن كل ما أفتكر نظرات عينيه ليكي الي لو أي حد شافها هيجول إنه هو الي چوزك، لأچل إكده سألتك، أتعرض لك أو ضايجك أو أتحدت وياكي؟.

أمسكت بكلتا يديه وألقتهما في الهواء:
_ أيوه أتحدت وياي وشافني من غير نقابي وكنت كمان بخلچات البيت.

كانت إجابتها بمثابة صدمة فهو لم يعط لذاكرته مُهلة لتعود إليه الأحداث السابقة، فقالت له:
_ فاكر لما كنت مهملني في البيت لحالي وأخوك چه ودخل بالمفتاح الي حداه ، كنت وجتها في المطبخ وبحضر الواكل أتفاچأت بيه في وشي ولما أخدت بالي إني من غير حچاب ولا نقاب چريت لبست خلچاتي وچت بت خالي أنقذتني من الموجف المحرچ.

أندفع نحوها وأمسكها من رسغها:
_ وأنتي ما جولتليش كل الحديت ده ليه من الأول؟.

رمقته بإمتعاض فأجابت بنبرة حادة :
_ لأنك وجتها ما هملتليش فرصة أشرحلك الي حوصل، كان كل همك كيف روحت أطمن علي مارت خالي من غير ما أستأذنك وكأني سويت چريمة، ولو جولتلك كنت هاتسوي أي يعني؟.

هدر بنبرة أرجفت كل خلاياها:
_ مكناش رچعنا لدار أبوي وأتصرفت، إن شاءالله حتي نجعدو في فندق.

جذبت يدها من قبضته التي ألمتها وقالت:
_ أني لا هتدلي علي فنادق ولا دار أهلك، أني هعاود علي دار أمي وخالي ويا مراته وعياله.

جذبها مرة ثانية لكن من ساعديها:
_ ومين هيسمحلك بكده، أني رچلي علي رچلك في أي مطرح هتخطيه، والمكان الي هجعد فيه هتكون وياي، و هاخدك دلوق لدارنا تحضري شنطتك ونروح نأچر أي مكان علي جدنا لحد ما يجوم رافع واد خالي بالسلامة وهنعملو الفرح ويتجفل علينا باب واحد، ومحدش هايشوفك غيري واصل، فاهماني ياقمر، أنتي ملكي أني ومحدش ليه حق يشوف شعرة منك لو حتي أبوي، أني راچلك وحبيبك وچوزك.
أنهي حديثه الذي صدر من عاشق تملكت منه الغيرة، فأنحني علي شفاها يلتقمهما في قبلة مليئة بالمشاعر المختلطة من حب وجنون وغيرة وتملك وقليل من العنف.
1

دفعته بكل قوتها في صدره وأخذت تبكي:
_ هملني يا بكر.
خلعت خاتمها وألقته في وجهه فأردفت:
_ أني ما أجدرش أكمل ويا واحد شك فيا ولو لحظة.
ذهبت مسرعة من أمامه لتتركه في صدمة كانت أقوي وأشد من صدمتها منذ قليل.
3

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ كانت تغط في النوم فأستيقظت علي صوت سقوط ضلفة الخزانة، نهضت بفزع:
_ مچاهد!،رچعت ميتي يا راچل؟.

رد مشيراً لها بإصبعه:
_ هش أكتمي يا وليه هاتفضحيني، أني چيت هاخد لي حبة خلچات وهاختفي لي كام يوم وهابجي أبعتلك تيچي لي أنتي والعيال.

ضربت بكفها علي صدرها:
_ يا مُري، أنت جتلت زكريا؟.

أنقض عليها وجذبها من تلابيب عبائتها:
_ أنتي منك لله، لو مكنتيش هربتي البت خايته كان زماني عرفت مكان ورد وخلصت عليها وعليه.

ردت بإمتعاض:
_ الحق عليا أني كنت خايفة عليك منيهم لحد يجتلك ولا الحكومة تحبسك، أروح أني فين وعيالي وجتها!.

ألقاها علي السرير قائلاً:
_ أديني مهملك الدنيا كلاتها.

ذهبت خلفه وبخوف وقلق سألته:
_ طب جولي هتدلي علي فين ولا سويت أي؟.

أغلق سحاب الحقيبة الصغيرة ولثم وجهه بالوشاح الأبيض، وقبل أن يغادر وضع يده علي كتفها:
_ أبجي خدي بالك من العيال وأدعيلي ربنا يسترها معايا.

تركها وذهب مسرعاً نحو باب المنزل، وبمجرد فتحه وجد أمامه الضابط يرفع فوهة السلاح في وجهه:
_ أرمي الشنطة وأرفع أيديك لفوق يا مجاهد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ تركض في وسط غابة مظلمة مليئة بالضباب وأصوات حفيف أوراق الأشجار يدلف الرعب لقلبها التي تسمع دقاته في صميم أذنيها، تركض وتركض وصوت ضحكاته المخيفة تلحقها كلما وطأت قدميها، تنظر خلفها لتتأكد من عدم ملاحقته لها، فإذا تصتدم به و وقعت لتجد إنها غرزت في الوحل، رفعت وجهها لتري ما الذي صدمها.
_ كنت فاكرة أنك تقدري تهربي مني!.

أطلقت صرخة مدوية تردد صداها في الواقع عندما أستيقظت من ذلك الكابوس المرعب، ألتقطت أنفاسها، لتجد المضيفة تمد لها كوب من الماء وتقول لها بالإنجليزية:
_ تفضلي سيدتي.

تناولت منها الكوب وأخذت ترتشف بنهم وكأنها عادت من سباق مارثون تحت قيظ الشمس المتوهجة.
_ هل من خدمة أخري؟.

أومأت لها بالرفض:
_ شكراً.

وقبل أن تذهب أوقفتها:
_ من فضلك، كم تبقي من الوقت علي الوصول؟.
نظرت في ساعة معصمها وأجابت:
_ ساعتان فقط.

نظرت عبر النافذة المستديرة لتجد أن الطائرة تحلق فوق السحاب مما أعطاها الشعور بالخوف الذي يرافقها منذ أن لاذت بالفرار، و أكثر ما يهدأ من روعها تبقت مائة وعشرون دقيقة فقط تفصلها عن بلدتها، أقسمت بمجرد هبوطها إلي أرض الكنانة سوف تجثو وتقبل ترابها وتعبئ رئتيها من عبق هوائها ذو الرائحة المميزة.
1

تحاول أن لا تغفو لكي لا يعود إليها ذاك الكابوس مجدداً، وإذا ظلت مستيقظة فمخيلتها تصنع لها آلاف المشاهد الدموية إذا أستطاع سليم الإمساك بها.
أعلن مساعد قائد الطائرة عن الوصول ويجب ربط الأحزمة، قامت بربط حزامها علي الفور وأرتدت نظارتها الشمسية وقبعتها، تخشي رؤية إحدهم لها ويبلغ زوجها.

بدأت الطائرة بالهبوط، وهذا الشعور الذي يداهمها في تلك اللحظة فأخذت تردد بعض الأذكار وتتلو بعض الآيات.

أمسكت بمقبض حقيبتها إستعداداً للنزول من الطائرة، وعندما هبطت درج الطائرة شعرت وكأنها كالطير الآسير الذي نال حريته للتو فعاد إلي موطنه.
رفعت زراعيها لتستنشق الهواء العليل وتشعر بأشعة الشمس التي تلامس وجنتيها فخلعت نظاراتها متجهة لصالة المطار من أجل الإجراءات الأمنية.

_ يوستينا چوزيف ميشيل.
رددها الضابط وهو يتحقق من بيانتها ثم وضعت الحقيبة علي السير، وأنتظرتها علي الجهة الأخري.
سارت نحو بوابة الخروج و أخرجت الهاتف التي أعتطها ساندرا إياه وقامت بتغير وضع الطيران إلي الوضع العام وقامت بالضغط علي إسمها لمهاتفتها، وعند خروجها من البوابة أصتدمت بإحدهم فتعثرت و وقع الهاتف من يدها علي الأرض، دنت لتلملم أجزاءه المتبعثرة، تدخلت يد أخري لمساعدتها، فقالت بدون أن تنظر لصاحب اليد:
_ شكراً.

أجاب عليها:
_ مفيش شكر مابين الراجل ومراته.
1

أنتفضت حينما سمعت صوته، رفعت وجهها للتأكد، وياليتها كانت ضريرة في تلك اللحظة حتي لاتري تلك الإبتسامة التي تشق ثغره ولم تصل إلي عينيه، فها هي أحداث حلمها الأسود يتحقق، فالغابة المظلمة ما تعيش بداخله من حياة بائسة والظلام مملكة معذبها، والضباب تلك الهالة التي تحيطه وتدب الرعب وتزرعه في كل خلية في جسدها، بينما الوحل هو ما حدث معها للتو، فلقد وقعت بين براثن الوحش!.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
🌷يتبع🌷
وحشتوني كتيررررررر حبايب قلبي، بعتذر منكم علي التأخير وقبل ما اقول الأسباب رجاء منكم تدعو لي أنا و ولادي بالشفاء وربنا يشفي كل مريض
وماتنسوش التفاعل علي الفصل في الفيس والتصويت علي الواتباد، وتشاركوني بآرائكم ومناقشتكم في الأحداث وياريت تركزو في الأحداث الي قرأو ليا قبل كده عارفين أنا مابكتبش روايات مجرد الترفيه وبس أبسلوتلي علي رأي اللمبي 😁 أنا من خلال كل شخصية بوجه رسالة ارجو تستفادو منها في حياتكم أو تفيدو بيها غيركم وكفايه بقي كده عشان السخنية عمله عمايلها معايا وممكن أقولكم أن الفصل الجاي دمار شامل ويارب بعد ما أخلصه كتابه أطلع منه سليمة نفسياً لأحسن أبو الغضب يستغل حالتي وقتها ويرميني في مصحة أمراض نفسية 🥴🥴ويروح يتجوز عليا والعيال يتشردو 😂😂😂 ياختااااي مش بقولكم السخنية مأثره عليا متاخدوش في بالكم 😁
سارت نحو بوابة الخروج و أخرجت الهاتف التي أعتطها ساندرا إياه وقامت بتغير وضع الطيران إلي الوضع العام وقامت بالضغط علي إسمها لمهاتفتها، وعند خروجها من البوابة أصتدمت بإحدهم فتعثرت و وقع الهاتف من يدها علي الأرض، دنت لتلملم أجزاءه المتبعثرة، تدخلت يد أخري لمساعدتها، فقالت بدون أن تنظر لصاحب اليد:
_ شكراً.

أجاب عليها:
_ مفيش شكر مابين الراجل ومراته.
4

أنتفضت حينما سمعت صوته، رفعت وجهها للتأكد، وياليتها كانت ضريرة في تلك اللحظة حتي لاتري تلك الإبتسامة التي تشق ثغره ولم تصل إلي عينيه، فها هي أحداث حلمها الأسود يتحقق، فالغابة المظلمة ما تعيش بداخله من حياة بائسة والظلام مملكة معذبها، والضباب تلك الهالة التي تحيطه وتدب الرعب وتزرعه في كل خلية في جسدها، بينما الوحل هو ما حدث معها للتو، فلقد وقعت بين براثن الوحش!

مد يده إليها وما زالت البسمة مرُتسمة علي شفاه: _ يلا أركبي .
2

جالت ببصرها من حولها تحاول إستيعاب ما يحدث، علي مرمي رؤيتها ينتشر رجاله وها قد جاءت سيارته السوداء الفارهة، هبط منها السائق ليفتح لهما الباب الخلفي.

تشعر وكأن قدميها أنغرزت في مكانها، لم تستطع أن تتحرك خطوة واحدة، فوجدت زراعه تحاوط خصرها ويدفعها برفق لتدخل إلي السيارة وكأنها عروس ماريونيت وخيوطها المعلقة في أنامله، يُحركها كيفما شاء.

أكثر ما يرعبها هدوءه وسكونه المضاد لخصاله، تعلم ما أقترفته يُعد في قانونه جريمة شنعاء ولابد من عقاب يجعلها لا تفكر مجرد التفكير في الفرار مرة أخري.
إحساس يداهمها بقوة عندما أمسك بيدها للتو ضاغطاً علي أناملها وكأنه يخبرها بل يؤكد لها إنها ملكاً له.

كل فينة والأخري يرمقها بتلك الإبتسامة، ودت لو كان يصرخ بها أو ينهرها أفضل من هذا السكون المرعب، أخفضت بصرها نحو يده المتملكة ليدها فوجدت قبضته تشتد ويزيد رجيف أناملها، بل جسدها بالكامل يرتجف.
ترك يدها وحاوط ظهرها، فسألها:
_ مالك يا زوزتي بتترعشي ليه؟، أخلي الشوفير يوطي التكيف؟.
5

كان سؤاله ساخراً أكثر من كونه إستفهام، فهو لديه يقين إنها الآن تود أن يأتي لها ملاك الموت ليخلصها منه.
أجابت بإقتضاب و بصوت يكاد يكون مسموعاً:
_ لاء.

مسد ظهرها صعوداً وهبوطاً، فأقترب بشفاه نحو عنقها فأحست بأنفاسه التي جعلتها أنتفضت وجلاً:
_ إحنا خلاص قربنا.

نظرت للجهة الأخري عبر زجاج النافذة المغلق والمعتم لتجد الطريق يحيطه الصحراء، أنتابها الفزع الشديد، جمعت قواها لتسأله بتوجس:
_ أنت واخدني علي فين؟.
أشار للسائق عبر المرآه الأمامية بأن يتوقف، هدأ السرعة ليتوقف جانباً، فأزداد شعور الخوف بداخلها ويتحول إلي الرعب وكأنها علي مشارف تنفيذ الحكم عليها بالإعدام.
أصابها الزعر وأخذت تتلفت يميناً ويساراً:
_ إحنا وجفنا ليه أهنه؟، أنت هاتسوي فيا أي يا سليم جولي؟.
4

رفع يده يتلمس وجنتها وعينيه لاتحيد عن ذهبيتيها، لم تنتبه ليده الأخري وهي تمتد إلي الجيب الداخلي لسترته قائلاً:
_ مستعجلة ليه، لما هتفوقي هاتعرفي.

أنبلجت علي شفاه إبتسامة يتجلي منها بريق أسنانه، رددت بتعجب في محاولة إدراك ما أخبرها به للتو:
_ لما أفوق!.
أومأ لها وهو يغرز إبرة المخدر في عنقها، فبدأ جفنيها بالإنسدال وتراخي جسدها بين يديه، أسند جذعها علي فخذيه وأمر سائقه:
_ أطلع علي الهنجر.
6

*ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ*

_ دلفت السيارة في مكان نائي بداخل الصحراء لتعبر بوابة عملاقة يقف عليها من الخارج رجال ذوي أجساد ضخمة، وبالداخل يوجد علي جانبي الطريق مباني من طابق واحد بداخلها كلاب بمجرد دخول السيارة أخذت تنبح بقوة، نُباح يشبه ذئير الليث!.

توقف السائق عن القيادة،وترجل وألتف مسرعاً ليفتح باب السيارة الخلفي فنزل سليم أولاً ثم أنحني للداخل وحمل تلك المُخدَرة علي زراعيه رغم ألم زراعه المُصاب لكنه تحمل فغضبه يفوق آلامه بكثير ، دخل إلي بناء ذو إضاءة خافته فوقف أمام لوحة معدنية صغيرة موصدة بقفل مفاتيحه لديه هو فقط، سار نحو مقعد معدني وأنزلها عليها ليتثني له أن يخرج المفتاح من جيب بنطاله وفتح القفل ويليه اللوح ثم أنزل زر يشبه الأزرار المسئولة عن فصل وتشغيل الكهرباء.
وعلي بُعد متر أنفتحت بوابة تتوسط أرضية البناء، ذهب ليحملها مرة أخري وسار إلي تلك الفتحة وهبط علي الدرج المؤدي إلي بناء آخر تحت الأرض.
مكان موحش يُنيره إضاءه صفراء خافته تشبه الشعلة، ورواق طويل وجدران صخرية تشبه السجون في العصور الرومانية، أصوات صادرة من مراكز التهوية الموجودة بالسقف.
سار حتي نهاية الرواق وهي مازالت نائمة لاتشعر بما يحدث من حولها.
وقف أمام باب حديدي يفتح عبر بصمة اليد، أنزلها أولاً ثم قام بوضع كفه علي الشاشة فأنفتح الباب وحملها مجدداً و ولج إلي الداخل.
2

_ منذ سنوات عندما كان فتي في الخامسة عشر، عاد من الخارج ليجد رجال والده منُتشرين في كل مكان وكأنهم يبحثون عن شئ مفقود، وأمام باب المنزل يصيح والده في مساعده وقائد الحرس:
_ عايزها في خلال ساعة تكون راكعه تحت رجلي.

هز الرجل رأسه له قائلاً بخضوع:
_ أمرك يا داغر بيه أعتبره حصل.

كان يقف من بعيد يراقب مايحدث عن كثب، يخشي ملاقاته أو رؤيته له وهو في تلك الحالة حتي لايصب عليه جمام غضبه، فتسلل نحو نافذة الشرفة، أوقفه صراخ والده:
_ سليم؟.

توقف فألتفت ليجده خلفه مباشرة والشرر ينطلق من عينيه:
_ كنت فين من الصبح؟.

أخفض بصره خوفاً من رؤية نظراته المرعبة، أجاب بخفوت:
_ كنت مع أصحابي.

جذبه الآخر من تلابيه فهدر به:
_ ياض أنا مش قايل لك تروح الشركة عشان عزام هايدربك علي الشغل!.

أجاب بتردد و وجل:
_ أصل، أنا، أنا.....

قاطعه والده صارخاً:
_ أنت أي يا فاشل، أنا لما كنت في سنك حضرت صفقات مع جدك وكنت عارف كل صغيرة وكبيرة في الشغل، كيان العقبي الي أسمه مسمع في سوق رجال الأعمال هنا وفي كل حته في العالم أنا الي عملته وعمري ما أسمح لحد يفكر بس مجرد التفكير أنه يجي جمبه.

و قبل أن يفتح فاهه للتحدث سبقه قائد الحرس وهو يلتقط أنفاسه:
_ الرجالة لقوها يا باشا،كانت راكبة تاكسي ومعاها شنطة فيها الملفات الي سرقتها.

أرتسم الشر علي ملامحه القاسية، فأشار إليه وقال:
_خدوها علي البيسين.

ذهب الرجل لينفذ أمر سيده، فألتفت داغر إلي إبنه الذي كان يخاف أن يفعل به شيئاً.

_ تعالي يا خايب أوريك وأعلمك إزاي تخلي الكل يخاف منك من مجرد إنه يسمع إسمك.

لم يعقب علي كلمات والده و سار خلفه حتي وصل كليهما لدي المسبح، جحظت عيني الفتي مُردداً بصدمة:
_ ساندرا!.

أشار له داغر نحو فتاة شقراء جاثية ومكبلة من يديها وقدميها كانت تبكي وتصرخ لأنها تعلم ماينتظرها علي يد هذا المجنون.
_ طبعاً كنت فاكرها السكرتيرة بتاعتي.
صمت وقهقه ليردف:
_ العاهرة دي قابلتها في اليونان وكان حالها يصعب علي الكافر، عملتلها قيمة ونضفتها وجبتها معايا هنا وعيشتها عيشة عمرها ما حلمت بيها بشرط تكون تحت طوعي والي أطلبه منها تنفذه حتي لو أمرتها تدبح نفسها.

خطي نحوها ودنا منها وخلل أنامله الغليظة في خصلاتها وإذا به يجذبها دفعة واحدة مما جعلها تنتفض وتصرخ بقوة، شعر سليم نحوها بالشفقة، أرتجف حين صاح والده:
_ تقوم الو....... بدل ماتحفظ جميلي عليها تهرب مني ومش بس كده، سرقت ملفات بتاعت صفقات السلاح عشان تهددني بيها ولا الله أعلم كان في نيتها أي.
سألها بالإنجليزية التي تتقنها غير لغتها اليونانية:
_ كنتِ تردين إبلاغ الشرطة عني؟.

صرخت بإنكار وتتلوي إثر قبضته:
_ لا، لا يا داغر، لم أفعلها، أردت الفرار منك وقد سرقت الملفات لكي تكن حماية لي من بطشك.

قهقه وصوت ضحكاته أخترق أذنيها حتي كاد يصيبها الصمم:
_ سأريكِ الآن بطشي بل جحيمي يا عاهرة.

تركها ونهض ليأمر رجاله أن يجلبو له صندوق زجاجي يسعي لشخص واحد، وعندما أحضروه قام بجذبها من خصلاتها وسحلها علي الأرض تحت صرخاتها وتوسلاتها بأن يتركها وشأنها، فألقي بها داخل الصندوق الذي يشبه التابوت.

_ أتوسل إليك داغر،أتركني لم أكررها أعدك.

نظر إلي ولده الذي يري ما يحدث والخوف يكسو ملامحه:
_ شوف أهي بتترجاني عشان أعتقها، أنا ممكن أسامحها ومعملهاش حاجة، بس لازم أعملها إرهاب أخليها بعد كده كلبة مُطيعة من قبل ما أنطق الكلمة تيجي تحت رجلي وتقولي أمرك ياسيدي.
4

أجتر سلسلة معدنية نهايتها معلقة برافعة وطرفها الآخر قام بربطه في حلقة حديدية مفرغة يتفرع منها أربع سلاسل مُثبته بزوايا الصندوق.
فرقع أصبعيه كإشارة لسائق الرافعة الذي بدأ يحرك الصندوق لأعلي وهي تتلوي بداخله وتصرخ.
جلس علي الكرسي وأخذ من فوق المنضدة التي جواره صندوق صغير فتحه وأخذ منه سيجاره وأشعلها بالقداحة، يتأملها بمُتعة وسعادة وهو يزفر الدخان من فمه وأنفه.

وحين أصبح الصندوق أعلي المسبح مباشرة بدأ السائق بإنزاله في المياه رويداً رويداً، أخذت تهتز بالداخل وقد أنتابها حالة هيسترية وكان الصندوق يتأرجح من حركتها، ما زال ينزل داخل الماء، فأشار له داغر بالتوقف، نهض وسار نحو الحافة حتي يراها عن قرب وهي تستغيث وترجوه، يرمقها بنظرة تشفي، قال لها:
_ أنتِ من فعلت هذا نفسك أيتها الشقراء الجميلة، لذا لا تلومي سوي حالك.

صاح آمراً السائق:
_ نزل.

بدأ الصندوق ينغمر في الماء وهي بداخله، حتي وصلت المياه إلي حافة الصندوق المفتوحة وبدأت تدفق إلي داخله وتلك المسكينة تصرخ وتصرخ، يرتفع مستوي الماء من قدميها إلي ركبتيها ثم وصل إلي خصرها وما زال التدفق مستمراً إلي أن وصل إلي شفتيها، حاولت أن تصعد بتحريك جسدها لأعلي لكنها فشلت بسبب يديها وقدميها المقيدين وثقل الصندوق الذي أستقر في القاع.

مرت ثوان ثم دقيقة وكادت تدخل في دقيقة أخري، فكانت علي وشك أن تستسلم للغرق.
لايشعر بحاله والمياه تدفق من بين ساقيه من هول ما رأي ريثما أنتشله صوت والده:
_ أرفع الصندوق.

قام السائق برفعه علي الفور ومجرد أن أصبح أعلي من مستوي المسبح، بدأت المياه تنهمر من فتحات قاعدة الصندوق فصار شاغراً وهي فقدت وعيها.

أخرجها داغر مُسرعاً قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة، حرر يديها وقدميها من الاحبال وأخذ يضغط علي صدرها لتفرغ المياه التي تسربت داخل مجري التنفس لديها، فهبط بشفاه علي خاصتها ويزفر بأنفاسه، أفاقت وشهقت بفزع، وما أن رأت إنها ما زالت حية.

وقف أمامها وهي أسفل قدميه ينظر لها بتلك النظرة السوداء:
_ هل تعلمتِ من خطأك، ساندرا؟.

نظرت له ثم إلي سليم الذي لم يصدق عينيه عند رؤيته بعد كل ما فعله بها والده جثت أسفل قدميه بتوسل:
_ سامحني سيدي، تعلمت ولم أكررها مرة أخري.
ودنت بشفاها لتُقبل حذائه.

وفي تلك اللحظة قد ترسخ بداخله لكي يصبح قوياً ويهابه الجميع عليه أن يقتدي بوالده ويطلق لوحش ساديته العنان!.
6

*ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ*
_ فتحت عينيها فوجدت نفسها بداخل مكان مظلم يتسلله بصيص من النور يصدر من مصباح صغير يتدلي من السقف، هناك صوت إرتطام قطرات المياه علي الأرض ذلك الصوت المثير للأعصاب ويزيد من الشعور بالتوتر ، وإذا بالأحداث عادت إلي ذاكرتها دفعة واحدة، شرعت بالتحرك فوجدت يديها مُقيدة لأعلي معاً في سلسلة تدلي من السقف، بينما قدميها مكبلة كل واحده علي حده.
تجرعت لعابها ببطئ، فأنتفضت عندما ظهر أمامها بُغتة، ونظرات عينيه كقاتل بل سفاح لا يفقه شيئاً سوي سفك دماء ضحياه.

_ عارفة أنتي عملتي الي ولا واحدة قدرت ولا أتجرأت حتي تعمله معايا.
ألتف ليصبح خلفها و بالقرب من أذنها أردف:
_ علشان كده لازم تشوفي جحيم سليم علي الأرض.
تحلت بقوة زائفة بل و واهنة للغاية، كيف لعصفور صغير أن يحلق في مرمي وحش بري ذو أنياب حادة، يريد الفتك به وسحق روحه.

_ أيه هاتضربني ولا هاتحرجني، ولا تكون ناوي تسوي فيه كيف ماسويت في الراچل الي جطعت چلده حتت وهو لساته حي!.

اللعنة علي لسانها وتمردها وكبريائها، ثلاثتهم يجعلون الوحش الذي بداخله يثور ويزأر، يريدها أن تجثو أسفل قدميه ليلقنها أشد ويلات العذاب.

ضحك وتعالت ضحكاته المُرعبة مما أثار وجلها دهشتها في آن واحد من رد فعله علي كلماتها، أمسكها من ذقنها ورفع وجهها لتنظر في ظُلمتيه المُخيفتين وقال لها بتوعد محسوم لديه:
_ أنتي يا بيبي الي زيك ولا بينضرب ولا بيتحرق ولا حتي بيتقطع حتت، عارفه ليه؟.

باغتها بجذب خصلاتها للوراء فهسهس من بين أسنانه مُردفاً وعيده:
_ لأن عقابك عدي المراحل دي كلها، هاعرفك إزاي قبل ماتفكري مجرد التفكير بس أنك تهربي تفتكري الي هاعمله فيكي كويس.

رفعت حاجبيها لأعلي وإبتسمت بإستهزاء وتفوهت بسخرية:
_ تصدج رعبتني جوي، ياريت بدل ما تطلع چنانك عليه روح دور لك علي مستشفي أمراض نفسية لأچل تتعالچ فيها، ولا ناوي تهمل حالك إكده لحد ما تزهق من الدنيا وتنتحر كيف ما أبوك ما أنتحر!.
5

سُحقاً للغباء الذي هبط عليها وأدي بها إلي أن تتفوه بتلك الحماقة أمام من لايرحم، فجعلته عاد إلي وادي ذكرياته السوداء ويعيد علي سمعه كلمات والدته لوالده ونعته بالجنون وعليه بالذهاب للعلاج في مصحة نفسية، الجملة التي أودت بحياة والدته وقتلها علي يد أبيه المعتوه.
وليس هذا وكفي فذكرها لإنتحار والده الذي أدرك أن من أخبرها به هي ساندرا جعل شياطينه تتراقص أمام عينيه ولم يتراجع عما سيفعله بها.

ترك خصلاتها ليبدلها بالقبض علي عنقها قائلاً:
_ خليكي فاكرة كلامك كويس عشان مش هاتكرريه تاني لأن هاعيد تربيتك من أول وجديد.
1

ندمت علي ماقالته و ودت أن يُزهق روحها أفضل من هذا العذاب النفسي القاتل.
بدأ بتمزيق ثيابها ليجردها منها ما عدا مايستر مفاتنها فقط، كانت تصرخ وكأنه يمزق روحها وليست ملابسها.

_ بطلي صريخ أحسن ليكي، محتاج حنجرتك للي جاي، لما أخلي صوتك يوصل لأخر الدنيا.
هدر بها وأبتعد عنها وذهب إلي داخل غرفة أخري ملحقة به لوح زجاجي كبير عاكس كالمرآه لمن ينظر له في الغرفة، بينما الأخري الملحقة من بداخلها يري كل من بالخارج.

كانت أمامه لوحة مليئة بالأزرار، ضغط علي إحدهم فصارت في ظلام دامس مما زاد خوفها،
أخذت تتلوي وتتلفت ، تخشي أن يفاجأها بالإعتداء عليها بالضرب أو يجلدها أو يقوم بإغتصابها كما فعل في آخر مرة، وما زاد الأمر سوءاً هذا الصقيع الصادر عن المكيف الذي تعمد خفض درجاته ليداهمها الشعور بالبرودة.

ضغط زر آخر فأصدرت السماعات المتراشقة علي الجدران أصوات صرخات لفتيات يتم تعذيبهن وإحداهن تتوسل لمعذبها أن يرحمها من عذابه لها.
أثارت الأصوات بل ودبت الرعب في أوصالها التي بدأت ترتجف، تجز علي شفتها السفلي وبداخلها تردد:
_ يارب، يارب.

وإذ فجاءة ينبعث نور في وسط الغرفة جعلها أنتفضت إلي الوراء وقد نست قدميها المُقيدتين فتألمت كثيراً مع البرودة وإصطكاك أسنانها من إثرها.

وما كان هذا النور سوي لفتاة مُعلقة من يديها مثلها و كل إنش بها مليئ بالجروح الدامية والكدمات، وملامح وجهها مشوهة وكأن أنسكب عليها حمض كبريتيك مُركز.
لم تستطع النظر إليها و أغمضت عينيها صارخة:
_ كفاية يا سليم.

تبدل صوت الفتاة إلي أصوات إستغاثة تصاحبه موسيقي مزعجة فيتحول المشهد من حولها لألسنة لهب تملئ كل الغرفة وبرغم إدراكها أن ما تراه الآن ليس سوي فيلم محاكاة بتقنية الهولوجرام، لكن ما تمر به للتو من تضارب لمشاعر عديدة كالخوف والتوتر والقلق ورهاب الظلام و أصوات الصراخ، جميعها أدت بها في نهاية المطاف إلي البكاء بنحيب وبدأ يعلو بصرخات.
عم الظلام المكان مرة أخري، ظلت تبكي وترتجف، والشعور بالخدر بدأ يتسلل أطرافها ما زاد الثقل علي كتفيها وعمودها الفقري.

يراقبها من خلف الزجاج وأرتفعت زواية فمه جانباً يحدثها عبر مكبر الصوت:
_ بتعيطي من دلوقتي يا زوزو، لاء أجمدي كده ده إحنا لسه في البداية، وبعدين أعرف أنك قوية وشجاعة ومبتخافيش مني،صح يا بيبي؟.
1

أجابته بصرخة مُرددة:
_ حسبي الله ونعم الوكيل فيك يا ظالم.

ضحك بصوت مرتفع وقال:
_ و أي كمان؟.

صاحت بكل ما أوتيت بقوة وببكاء :
_ أني بكرهك يا سليم.

_ قديمة، شوفي لي كلام جديد غير الدعاء وبكرهك والجو القديم ده، خدي بالك إحنا مطولين مع بعض، تصرخي تعيطي لو بتطلعي في الروح مش هارحمك.

وقع كلماتها لايزيدها سوي تعالي صوت بكائها فيقابله بالقهقه الساخرة، كف عن الضحك ليبدأ في إرهابها من جديد.
أضاء المصباح فأتضحت لها الرؤية، صوت بكائها يخبو عند رؤيتها دخان ينبعث من الأركان فيملأ الغرفة كالضباب و جعلها تشعر بالإختناق، أنتابها السعال ثم شهقت برعب عندما ظهرت لها أطياف وهمية تظهر وتختفي، فأنبلجت أمامها فجاءة جثة لسيدة هيئتها المُخيفة تُشيب لها الرأس، يصاحبها صرخة مدوية أخترقت أذنيها أدي إلي إصابتها بطنين حاد، خارت قواها ولم تتحمل أكثر من ذلك، الشعور بالخدر أمتد من أطرافها إلي كامل جسدها ومن فرط الضغط المتزايد عليها داهمها دوار كانت تنتظره لتستسلم، أسبلت جفنيها وأنحنت رأسها للأمام.

ضغط علي الزر المتحكم في مراكز التهوية لإخراج هذا الدخان الذي حجب عنه رؤيتها، ليراها فاقدة للوعي.
3

*ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ*
_ يتصاعد دخان سيجاره للأعلي، يجلس في الظلام، بداخله صوت بعيداً يطالبه بالتوقف عن مايفعله بها، فهذه زوجته وليست خاضعة من اللاتي كان يمارس عليهن ساديته الوحشية، و مهما أخطأت أو أرتكبت مايثير غضبه لكنها لاتستحق هذا العذاب، رغماً من كونه عذاباً نفسياً بدون التعرض لجسدها بالأذي لكن هذا من أسوأ أنواع العذاب.
يتذكر ما كان يطلع عليه من الكتب والمقالات تتحدث عن طرق التعذيب النفسي والجسدي و ذلك حينما سلك درب والده وسار علي خطاه، أراد إضافة الجديد لخبراته التي أكتسبها من داغر العقبي.
منذ القدم كان هذا النوع يُمارس علي آسيري الحروب والمتهمين للأعتراف بجرائمهم، فهناك العديد من أنواع العذاب النفسي، منها الزنزانة الباردة وهي أن تجعل الضحية بمفردها في غرفة مظلمة، بها منفذ تهوية يكاد يتسلل منه الضوء ويدخل منه الهواء وأحياناً لايوجد، يتعمد تشغيل جهاز تبريد كالمكيف بدرجة تجعل الضحية ترتجف من البرودة.
و عندما لايتوفر مكيف أو جهاز آخر يشابه، يملئون أرض الزنزانة بالماء وتخلع الثياب عن الضحية ويتركوه عارياً لمدة أيام حتي تنخر البرودة عظامه فيتوسل إليهم ليعفون عنه ويرضخ لمطالبهم.
ويوجد أيضاً العذاب بالأصوات، كان يمُارس في السجون الأمريكية وهو تعرض المسجون لأصوات مزعجة أو حادة بإستمرار مع حرمانه من النوم لأكثر من يومين وربما ثلاث تصل إلي أسبوع، فهذا كفيل بإصابته بالهلاوس وفقدان العقل أي الجنون، و أحياناً يُصاب من يتعرض لذلك بتوقف قلبه عن الخفق والموت المحتوم.
3

عاد من بحر خبراته المظلمة ينظر لتلك المتمددة أمامه علي الأريكة الجلدية، مغروز في يدها إبرة محلول مُغذي حتي لا تتعرض لهبوط في الدورة الدموية.

شارف المحلول علي الإنتهاء وبدأت مقلتيها بالتحرك أسفل جفنيها، أطفأ سيجاره بإلقاءه علي الأرض ونهض و دعس فوقه بحذائه، خطي نحوها وهو ينظر إلي ملامحها القوية التي جذبته إليها من مجرد رؤيتها خلال صورة فوتوغرافية، يري فيها ماينقصه ويختبئ خلف قناع القوة والهيمنة ليهابه الجميع ويخشونه، لم يتجرأ أحد يوماً الوقوف أمامه أو يُعاديه، ومن يقترف ذلك فقد خط شهادة وفاته بيده!.

عادت القسوة لتغزو ملامحه وهو يرمقها بنظرة من أعماق واديه المُظلم قائلاً:
_ لازم أكسرك وأخليكي رهن إشارة مني، وقبل ما أنطق الكلمة تكوني تحت رجلي وتعملي الي أنا عايزه، حتي لو طلبت منك تموتي نفسك!.
1

وبعد قليل.....

بدأت تفيق وتعود إلي كامل وعيها لتكتشف الصدمة، فهي مُقيدة داخل شيئ ضيق للغاية، وعند إدراكها لهذا الشيئ إزدادت سرعة ضربات قلبها تدعو الله أن لا يكون هو، هيهات وتلك الإضاءة التي تصدر من المصباح اليدوي الموضوع في يدها كشف لها حقيقة ما الذي هي مُقيدة بداخله، ليس سوي مجرد تابوت الموتي.

أطلقت صرخة بل صراخات متتالية، فأتاها صوته بتهكم يخبرها:
_ بطلي صريخ و وفري الأكسچين عشان بعد شوية مش هتلاقيه.

لم تكترث لنصيحته الساخرة وأخذت تصرخ:
_ خرچني من أهنه.

أخذ يقهقه وكانت ضحكاته تثير خوفها وصراخها أكثر.
_ تعرفي أنا عندي فضول أشوف شكلك لو حصلت معجزة وقدرتي تهربي من هنا، إحنا تحت الأرض وأفترضنا لو عرفتي تطلعي مش هاتعرفي تخطي خطوة برة الهنجر، لأن هاكون أديت أمر لرجالتي يفتحو أقفاص الكلاب الي أضعف كلب فيهم مش هايسيب منك غير بقايا عضم.

أطلقت تنهيدة وطرق بيده علي التابوب ليرعبها فأردف:
_ أنا هاخرجك فعلاً بس مش بجسمك، هاخرج روحك لما أدفنك دلوقت وأنتي صاحية وتتخنقي لحد ما روحك تتطلع.

غارقة في حالة هياج عصبي، فغريزة البقاء هي المسيطرة عليها الآن، وما تراه وما تسمعه منه زاد وجلها من الموت بتلك الطريقة البشعة، وابشعور بالإختناق يزداد بسبب عقلها الذي هيئ لها ذلك، لاتدري بتلك الثقوب الجانبية للتهوية، تدخل إليها الهواء لكن لاينفذ منها الضوء .
2

بدأ التابوت بالتحرك لكن لأسفل حتي أستقر وأرتطم فوقه شيئاً.
صاح بنبرة مرعبة ليخترق صوته أذنيها:
_ أنتي فاكره لما تهربي مني وتسرقي اللاب توب بتاعي مش هاعرف أجيبك! ، مش حتة حشرة زيك هي الي تقف قدامي، أنا دلوقتي هاعرفك أنتي متجوزة من مين!.

مهلاً هذا الصوت يشبه صوت إلقاء الثُري علي لحد الموتي بعد دفنهم ناتج عن إحتكاك المجرفة بالتراب.
أنهارت حصون قوتها وكبريائها قرميداً قرميداً حتي صارت أطلال لتعلن إستسلامها وخضوعها التام إليه.

_ أني آسفة، ما هاسويش إكده تاني... مش هاهرب... هانفذ كل حاچة هاتأمرني بيها.
توسلات هربت من لسانها بعدما مرت بكل هذا العذاب لينجح أخيراً في خضوعها إليها.
توقف صوت هيل الثري كما ظنت، فوجدت التابوت يتحرك لأعلي ثم نزل علي سطح مستوي.
قام بفتح الأقفال الموصدة، ومجرد أن فتح غطاء التابوت شهقت وهي تلتقط أنفاسها كالعائد من الموت لتوه، قام بفك قيودها من الأحبال، كانت لاتري شيئاً سواه هو فقط.
ساعدها في النهوض بمد يده إليها، لم تكن قادرة علي الوقوف، وكأنها تمتلك ساقين من الهُلام، يكفيها ما عانته من ضغط نفسي وعصبي جعلها تحت سيطرته.
1

جلست أسفل قدميه رفعت وجهها تنظر له في صمت بأعين باكية، بداخله ينهره علي تلك الحالة التي أوصلها لها، بينما خارجه أرتسم قناع الجمود فسألها بذات الصيغة التي سألها والده سابقاً لساندرا:
_ أتعلمتي من غلطتك يا زينب؟.

هزت رأسها بالإيجاب، أشار لها نحو أذنه و هدر بها:
_ مش سامع.

أجابت و تومأ له تكراراً:
_ أتعلمت، أتعلمت.

توقفت عن ترديد إجابتها عندما أمرها كملك يأمر عبدة لديه ريثما يتأكد من خضوعها التام له:
_ وطي علي جذمتي وبوسيها وأطلبي مني أسامحك.
3

غرت فاهها وظلت ترمقه لثوان، تتردد في تنفيذ أمره، لكن الحالة النفسية التي بها جعلتها تذعن لأمره بدون أي رفض.

أنحنت أمامه و كانت علي وشك أن تقوم بتقبيل حذائه، فأوقفها قبل أن تفعل هذا وبداخله في قمة سعادته ها هو قد وصل إلي غايته ، رفعها وأحتضنها، فأجهشت بالبكاء بعدما دفنت وجهها في صدره:
_ سامحني، سامحني ياسليم.
1

لم يصدق أذنيه من ماسمعه منها الآن ، ألتمس صدقها من نبرتها، فعانقها بقوة بين زراعيه يمسد بيده علي ظهرها العاري.

أبعد رأسها عن صدره وأحاط وجهها الشاحب بين كفيه يجفف عبراتها بإبهاميه من وجنتيها، يخبرها بعفوه عنها بجدية زائفة تخفي ورائها العديد من المشاعر:
_ خلاص سامحتك، كفاية عياط بقي.
4

أرجع خصلاتها خلف أذنيها فوجدها ترتجف، أمسك بيدها فأكتشف إن أطرافها باردة، سألها:
_ مالك بتترعشي كده ليه وأيديكي متلجه؟.
2

تشبثت به لتستمد بعض الدفء:
_ سقعانة جوي.

أبعدها وخلع سترته و وضعها عليها، حملها علي زراعيه مغادراً تلك الساحة التي كانت عبارة عن بهو شاسع به حفرتين بعمق مترين تحت الأرض وبالقرب منهما رافعة كان يحرك من خلالها التابوت.
دلف الرواق الطويل و دخل أول غرفة علي يساره.
*ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ*

_ كانت الغرفة ذات أثاث وفراش وثير متكون من الحرائر القرمزية والستائر الشفافة المحاطة بالسرير ذو الأعمدة المتصلة بالسقف وشموع متناثرة بداخل الجدران ومدفأة كلاسيكية مقابلة للسرير، تشبه غرف نوم الملوك و الأمراء في العصور القديمة، كما يوجد مرحاض ملحق بها.

أزاح الستائر جانباً بكتفه وأنزلها برفق علي السرير، أتجه إلي المدفأه و ألقي بداخلها ألواح الحطب:
_ هاولعلك الدفاية دلوقت، وهاروح أحضرلك الچاكوزي هيخليكي أحسن.

كانت تحدجه في صمت مطبق، تقدم نحوها ثم جلس بجانبها، أخذ يتلمس وجنتها، فوجد عدم مقاومة منها مثلما كانت تفعل معه في السابق، أنبلجت علي شفاه إبتسامة إنتصار، سألها:

_ جعانة؟.

هزت رأسها بإنكار وأجابت بصوت خافت:
_ لاء.

خشيت أن يعاقبها علي رفضها، تراجعت عن إجابتها:
_ أجصد، آه چعانة.

أدرك خوفها من نظرات عينيها وهي ترمقه بتوجس وحذر، ضحك وقال:
_ ياه للدرجدي خايفة مني يا زوزتي، عمتاً أنا خليت واحد من رجالتي يشتري لنا أكل، و لو مش قادرة تاكلي مش هاغصب عليكي، كفاية الي حصلك النهاردة.
2

اللعنة عليه، من يسمعه يظن إنه يكترث لأمرها وليس كان معذبها منذ قليل.

طيف إبتسامة أرتسم علي شفاها وسرعان ما تلاشي لتقول:
_ أني فعلاً چعانة، ماكلتش من وجت ما أهر.....

صمتت لتجده ينتظر تكملة جملتها.
_ سكتي ليه، كملي من وقت ما أي؟.

أشاحت وجهها لتتحاشي نظراته المترقبة لها، أمسك بذقنها وجعلها تنظر له فوجد شفاها ترتجف ودقات قلبها تصل إلي سمعه، أخفض بصره إلي منبع حديثها، يرمقها بإشتهاء وكأنها تفاحة الخلود.
رفع عينيه ونظر إلي خاصتها وقال:
_ حبيبتي خلاص عقلت وعرفت إنها طول ما بتسمع الكلام هخليها تعيش ملكة، ولو لحظة بس رجعت للي كانت بتعمله هاتشوف مني أسود أيام حياتها، أنا الي يعتبر عملته معاكي النهاردة كان لعب عيال، كان بإمكاني أسيبك تصرخي في التابوت لحد ما تقطعي النفس، بس لما أتأسفتي وأترجتيني صعبتي عليا وخرجتك.

مجرد إنتهاءه من كلماته تعجب منها حيث فاجأته بعناق قوي قائلة بدون أن يري ملامحها التي فقدت روحها وكأنها جسد بلا روح:
_ أطمن، أني تحت أمرك و ملك يدك.
تردد صدي جملتها في عقله، أبعدها عن صدره لينظر إليها بتعجب من إستسلامها وخضوعها، فكان هذا مُحفزاً لتدفق هرمون السعادة في جسده ليجعله في أسعد لحظاته.
عقب علي كلماتها بنبرة مليئة بالشغف والتملك والشوق:
_ أنتي فعلاً ملكي، ملكي أنا وبس.

وأنحني علي شفاها ليلتقمها بين خاصته، يُقبلها بشغف وبدأت تشتد قوة قبلاته شيئاً فشيئاً، وأكثر ما أدهشه وأصابه بالصدمة غير مصدقاً إنها تبادله إياها بنفس قوة تقبيله لها بل وأعنف.
أبتعد بلهاث ويلتقط أنفاسه ولكي يري ملامحها ويتأكد من رغبتها نحوه كما يرغب بها أيضاً، فوجد ملامح وجهها تحولت من الشحوب إلي اللون الوردي وشفاها تتوهج من الإحمرار أثر تقبيله لها.
تذكر إنها لم تتناول الطعام منذ هروبها، فخشي عليها أن تُصاب بالدوار مُجدداً، أخرج هاتفه من جيب بنطاله وهاتف إحدي رجاله الذي يأتي لهم بالطعام فأخبره الآخر أمامه نصف ساعة علي الوصول نظراً لبُعد المكان عن العمار.

_ قومي خدي لك شاور عقبال ما الأكل ما يجي، وأنا هاتصل بصلاح أبلغه إننا هنا في القاهرة.

أومأت له بإذعان:
_ حاضر.

قامت وأمسكت بإحدي الأعمدة فكادت تتعثر وتقع، أسرع وأسندها، فقالت:
_ معلش، أول ما جومت حسيت بدوخة ورچليا مش شايلاني.

أمسك بيدها وقال:
_ قومي وأنا هاسندك.

أمسكت بزراعه وتحديداً في المنطقة المصابة وضغطت بقوة لتتشبث به، فأطلق تأوهاً رغماً عنه، أنتفضت إلي الوراء.

_ آسفة لو وچعتك مكنش قصدي.
2

وجدها خائفة ومرتجفة فقال لها:
_ أنتي ضغطي علي جرحي، أصل كنت واخد طلقة.

قام بفك أزرار قميصه وخلعه ليطمأن علي جرحه ليجده كما هو و الضماد مازال أبيض دليلاً علي عدم نزفه دماءه.
_ هاتي أيدك وأسندي علي كتفي التاني.

فعلت ما أمرها به ودخل كليهما وفي يده الأخري يحمل مصباح يدوي إلي هذا الصرح الذي يُقال عليه مرحاض، بل كان لايُمت للكلمة بصلة من شدة روعته، ذو مساحة كبيرة يتوسطه المغطس (الچاكوزي )، وفي إحدي أركانه كابينة زجاجية للإستحمام، وهناك طاولة رخامية طويلة يعلوها مرايا ذات إطارات ذهبية والأرضية والجدران جميعها من البورسلين، يزين الأركان وجوانب حوض الوجه شموع تتنوع مابين اللون الأحمر والأبيض.
ساعدها بالنزول داخل المغطس، جلست بداخله وتتلفت من حولها بقلق:
_ هو مفيش أهنه لمبات؟.

أخرج من جيبه القداحة خاصته وضغط علي المكبس وبدأ يشعل الشموع:
_ فيه طبعاً، بس أنا حابب ضوء الشموع أكتر، مُريح للأعصاب خصوصاً وأنتي بتستجمي في الچاكوزي.

أنتهي من إشعال الشموع و هم بالمغادرة قائلاً:
_ عندك البشاكير والبورنص في الدولاب الي جمب الحوض، لو محتاجة أي حاجة أندهي عليا.

وقبل أن تخطو قدمه إلي الخارج أمسكت يده وقالت لتصدمه مرة أخري:
_ خليك معايا، أني خايفة.

جلس علي حافة المغطس وربت علي رأسها ليطمأنها قائلاً:
_ ماتخافيش أنا معاكي.

أمسكت بيده وتحدق في سوداويتيه اللتان تنعكس عليهما نيران الشموع المشتعلة، أغمضت عينيها و عادت برأسها إلي الخلف، ظل يراقب ملامحها لاسيما وهي موصدة العينين، فاجأته بهمسها الذي أخترق سمعه:
_ سليم.

دنا منها في ترقب مجيباً علي ندائها:
_ نعم؟.

أجابت فأصابته بالصدمة للمرة المائة:
_ أحضني.

أفترقت شفاه بدهشة غزت ملامحه، وبدون أن تفتح وتنظر إليه توقعت ردة فعله، فأردفت:
_ مالك مصدوم ليه!، مش ده الي كنت رايده مني من يوم ما أتچوزنا، أسلملك حالي برضايا!.
3

ضيق عينيه وأرهف سمعه، فسألها:
_ قصدك الي فهمته ولا.

فتحت عينيها وأعتدلت لترمقه بنظرات خالية من أي تعبير فأجابت بآلية:
_ أيوه جصدي الي فهمته دلوق.

رفعت يدها لتضعها علي صدره العاري، وترمقه بدعوة صريحة، فما كان منه سوي أن نزل معها داخل المياه، أنقض علي شفاها بجموح، يقبلها بكل قوته، هبط بشفاه علي ذقنها الملساء ثم إلي عنقها الذي قام بتلثيمه ولأول مرة تصدر تأوهاً ليس نابعاً من الألم مثلما يحدث كلما أقترب منها، بل كان تأوهاً من نوع آخر أثار كل خلية في جسده، غير آبه لألم جرحه الذي لم يندمل بعد، فعليه أن يغتنم تلك الفرصة الذهبية بالنسبة إليه، ما زال يُقبلها ويعانقها ويديه تجول علي بشرتها الملساء ذات الملمس الحريري، ليحررها من قطعتي الثياب التي كانت ترتديها، وعلي أضواء الشموع وأسفل الماء يبادلها الحب، تخلي عن ممارسته العنيفة التي كان يفعلها بها رغماً عنها، والآن كل قبلة وكل لمسة يصاحبها همسات من الغزل والإطراء، يشعر وكأنه يمتلك العالم بين يديه.

*ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ*

_ يستند بظهره علي لوح السرير الخلفي يزفر سيجاره، ينظر إليها بين كل حين وآخر، تتقلب وتمددت علي بطنها وخصلاتها الغجرية مبعثرة علي ظهرها العاري، يظن إنها نائمة وهي مستيقظة تتصنع النوم.
يجول في ذهنه مئات الأسئلة علي رأسها هل خضوعها إليه حقيقي أم زائف لإجتناب شره وما فعله بها اليوم!، لذا يجب عليه أن يضيق عليها الخناق ليري إلي أي مدي ستتحمل سيطرته، و هل ستطيعه أم ستعود كالسابق!.
بينما ما يُلح عليه هو لما بدأ يخبو شغفه نحو خضوعها الذي كان يصبو إليه ، فهل كان تمردها ورفضها الدائم له كانا يروقانه أكثر من إستسلامها!.
أمسك بهاتفه من جواره ينظر في الساعة ليجدها الحادية عشر مساءً، دفس ماتبقي من سيجاره في المنفضة.

هبط إلي داخل الدثار جوارها وأستند علي يده والأخري أخذ يمسد ظهرها:
_ زوزو.

همهمت بصوت مصتنع يتخلله النعاس ولم تفتح عينيها بعد:
_ لساتك صاحي مانمتش إياك؟.

كانت يده تهبط نحو أسفل ظهرها فأنتفضت و أستدارت لتعتدل محتفظة بالدثار عليها وبتلك الإبتسامة التي تخلو من الحياة، فأجاب عليها:
_ مجاليش نوم، غير أن المفروض نرجع الڤيلا، بكرة هانروح نبارك لصلاح ومراته.

ردت بإقتضاب:
_ حاضر.

عقد مابين حاجبيه متعجباً لردها المقتضب، فسألها:
_ مش هتسأليني هو أتجوز مين؟.

ردت بآلية:
_ وأني هسأل ليه عاد، ربنا يهنيه هو ومارته.

فاجأها بسؤال آخر وظل يراقب لغة جسدها كردة فعل علي سؤاله:
_ أنتي كنتي واخده اللاب تعملي بيه أي؟،ياتري كنتي ناوية تسلميه للبوليس عشان تخلصي مني قبل ما أوصلك؟.

رفرفت أهدابها وحاولت بشتي السُبل أن لا ينبلج علي ملامحها الكذب:
_ بوليس أي الي أسلمه اللاب، أني كنت واخداه لأچل أخلي ساندرا تشوفلي بيعة ليه وأخد فلوسه لأن ما كان معاي ولا فلوس ولا موبايل، لجتها ربنا يباركلها أتكلفت بكل مصاريفي وعطتني الموبايل الي أنت أخدته مني.

_ ماشي، هاحاول أصدقك لأن لو أكتشفت لعب أو خيانة من ورا ضهري، مش هارحمك ولا أنتي ولا أهلك، اقل حاجة هاعملها معاكم هي أرميكم للكلاب الي فوق بعد ما أقطع جثة كل واحد فيكم حتت، وصلت الرسالة يا بيبي.
تفوه بها ويداعب وجنتها بأنامله فأومأت له وهي تزدرد لعابها فأجابت:
_ وصلت.

هم بالنهوض قائلاً:
_ هاقوم أخد شاور و أنتي كمان وجهزي نفسك عشان نروح علي الڤيلا.

_ أستني.
ألتفت إليها ليري ماذا تريد، فوجدها تقترب منه زاحفة علي ركبتيها فوق الفراش، وضعت يديها علي كتفيه تنظر له ذات النظرة عندما كانا في المرحاض.
_ خلينا الليلة دي أهنه ونبجو نرچعو وجت ما نصحو.

رمقها بإبتسامة ماكرة يدرك ما وراء طلبها:
_ أنا ملاحظ إن في واحدة صاحبتنا بقت قطة شقية، وعاجبها اللعب مع الأسد.

كان يتوقع أنها ستخجل منه مشاكسته لها، لتفاجأه بما لم يتوقعه بتاً مهما كانت مستسلمة إليه.
نهضت وهي تلف علي جسدها الدثار، ألتقطت رابطة عنقه المُلقاة علي الأرض وأتجهت إليه لتعطيها إياه:
_ أني خابرة أنك عتحب تعمل إكده ويدي مربوطة، أتفضل سوي كيف ما أنت رايد.
1

تجهمت ملامحه لوهلة، فوجد أنه سيكون إختبار لخضوعها إليه إن كان حقيقاً أم مصتنعاً.
جذب رابطته من يدها وبحزم أمرها:
_ ضُمي إيديكي جمب بعض.

نفذت أمره في الحال، تنظر لأسفل تتحاشي رؤية ظلام عينيه المخيف في تلك اللحظات.

_ أرفعي وشك وعينيكي ماتنزلش عن عينيا.

نظرت بثبات في عينيه ولم تحرك جفنيها حتي لرؤيته وهو يُقيد الرابطة حول رسغيها معاً بربطة مُحكمة، أمسك بالطرف الآخر وقال لها بأمر مرة ثالثة:
_ أطلعي علي السرير.

أذعنت لأمره وفعلتها،فقام بربط الطرف الآخر بللوح السرير الخلفي، أقترب منها وأعتلاها ليمارس معها الحب بطريقته التي لاتخلو من العنف، يُقبلها حتي يُدمي شفاها ويلعق دمائها وكأنه يرتشف صوص الفراولة، كذلك قُبلاته علي أنحاء عنقها وجسدها كانت عنيفة تاركاً علامات بألوان تتراوح بين اللون الأخضر والقرمزي الداكن كإثبات لها إن هذا الجسد ملكه الخاص ويفعل به ما يشاء.

ظل كليهما هكذا لأكثر من ثلاث مرات مابين الممارسة الطبيعية والأخري العنيفة وطقوسه السادية الذي يتلذذ فيها بإيلامها، والأكثر دهشةً كانت هي من تطالبه بشراهة مما أثار ريبته نحوها، وفي المرة الأخري نهض من فوقها يلتقط أنفاسه والعرق يتصبب من كل أنحاء جسده، أحتضنها ويربت علي ظهرها قائلاً:
_ كفاية كده عليكي يابيبي النهاردة، الفجر قرب يأذن وإحنا المفروض نصحي بدري، ويكون في علمك في نظام وتعليمات هاتمشي عليها من ضمنها مواعيد نومك، تنامي وتصحي بدري مليش أنا في نظام السهر، إلا إذا كنا خارجين أو معزومين في مناسبة، وحاجات كتير لسه هقولك عليها بس بكرة بقي، لأن بصراحة فصلت وعايز أنام.

أعطاها قبلة رقيقة علي شفاها المنتفخة:
_ Good Night My Lovely.

ذهب في النوم رغماً عنه، بينما هي نهضت من جواره و ولجت إلي المرحاض ثم دلفت إلي كابينة الإستحمام وبدأت تغتسل، فكانت المياه المنهمرة تختلط بعبراتها التي أطلقتها، تريد الصراخ بأعلي صوت لديها لكنها تخشي إيقاظه ويراها في تلك الحالة التي يُرثي لها.

أنهتت من الإغتسال وأرتدت منامتها القطنية، تمددت علي الأريكة المقابلة للسرير، ظلت تنظر إليه وهو نائم في سبات عميق.

تسأل نفسها ماذا يحدث إذا قامت بقتله، قامت وأستلت السكين من طبق الفاكهة الموضوع أعلي المنضدة، وبخطي وئيدة تسير نحوه، ويدها الحاملة للسكين ترتجف، طالما تخشي رؤية والدتها وهي تقوم بذبح الطيور، فما بالها أن تقتل إنسان، بل الشيطان ذاته، هل تمتلك القوة والشجاعة بأن تفعلها!.

وقفت بجواره، يتمدد علي ظهره بأريحية، الخوف يسيطر عليها، ترددت كثيراً حتي فاض بها الكيل، وحسمت أمرها، رفعت يدها بالسكين لأعلي، فأنزلتها صوب موضع قلبه مباشرة، وقبل أن تصل وتغرز في هدفها أوقفتها يده ونظرته القاتلة عندما فتح عينيه!.
_ ذهب في النوم رغماً عنه، بينما هي نهضت من جواره و ولجت إلي المرحاض ثم دلفت إلي كابينة الإستحمام وبدأت تغتسل، فكانت المياه المنهمرة تختلط بعبراتها التي أطلقتها، تريد الصراخ بأعلي صوت لديها لكنها تخشي إيقاظه ويراها في تلك الحالة التي يُرثي لها.

أنهتت من الإغتسال وأرتدت منامتها القطنية، تمددت علي الأريكة المقابلة للسرير، ظلت تنظر إليه وهو نائم في سبات عميق.

تسأل نفسها ماذا يحدث إذا قامت بقتله، قامت وأستلت السكين من طبق الفاكهة الموضوع أعلي المنضدة، وبخطي وئيدة تسير نحوه، ويدها الحاملة للسكين ترتجف، طالما تخشي رؤية والدتها وهي تقوم بذبح الطيور، فما بالها أن تقتل إنسان،  بل الشيطان ذاته،  هل تمتلك القوة والشجاعة بأن تفعلها!.

وقفت بجواره،  يتمدد علي ظهره بأريحية،  الخوف يسيطر عليها،  ترددت كثيراً حتي فاض بها الكيل،  وحسمت أمرها،  رفعت يدها بالسكين لأعلي، فأنزلتها صوب موضع قلبه مباشرة،  وقبل أن تصل وتغرز في هدفها أوقفتها يده ونظرته القاتلة عندما فتح عينيه!.
2
أستيقظ فجاءةً كالعائد من الموت لتوه، فما كانت هذه سوي أضغاث أحلام ينسجها له عقله الباطن، جال ببصره باحثاً عنها فوجدها تتمدد بجواره وتغط في نوم عميق،الذي حدث لها علي يديه ليس بالهين، وبرغم خضوعها وإستسلامها لكن هناك صوت في رأسه يخبره بالحذر ربما هذا بداية النهاية وربما نهايته هو خاصةً.
3

أخذ يداعب خصلاتها بأنامله، فلاحظ رجيف جسدها ومن ملامح وجهها المنقبضة بإمتعاض، أدرك إنها تري الآن كابوساً.
ربت علي ظهرها برفق ليوقظها:
_ زينب، بيبي قومي أصحي، زي....

أنتفضت فأفزعته، تنظر له بخوف وصدرها يعلو ويهبط، فسألها:
_ أنتي كويسة؟.

تلفتت من حولها وتذكرت أخر ما حدث بينهم قبل أن ترحل في النوم، بدأت أنفاسها تنتظم، تنظر إليه لتراه يحدقها عن كثب، فنظراته تلك تصيبها بالإرتباك دائماً وكأنها لوح شفاف يسهل قراءته ويعلم ما تفكر به.
أشاحت وجهها لتتجنب نظراته و أعتدلت بجذعها فجذبت الدثار عليها لتنهض، منعها من الإبتعاد بجذب طرف الدثار مما أرغمها للإستداره والنظر إليه:
_ في حاچة؟.

ظل يرمقها بشبه إبتسامة لم تصل لقاتمتيه، وكأنه يخبرها إنه ليس بمن يتم خداعه فعليها الحذر وإلا ستري ما هو أبشع ما تلقته علي يديه.

أطلق زفرة عميقة فأجاب:
_ مفيش.
ترك الدثار ونهض ليرتدي سرواله مولياً إليها ظهره، أشاحت وجهها بخجل شديد، و ما أن همت بالخُطي نحو المرحاض أوقفها مرة أخري ليردف بأمر:
_ عشر دقايق وألاقيكي جاهزة.

أكتفت بالإيماء وكأنه يراها:
_ ما سمعتش.

تفوهت بصوت بالكاد يسمعه:
_ حاضر.
ألتفت إليها وسار نحوها حتي أصبح شديد القرب منها، وبما أنها في وعيها وإدراكها الكامل، لم تستطع التحمل، أنقطعت أنفاسها حينما تفوه:
_ ما إسمهاش حاضر يا بيبي.

جذبها بين زراعيه لترتطم علي صدره ، ف لمسته إليها لاتخلو من العنف، هسهس علي عنقها مُردفاً:
_ إسمها أمرك يا حبيبي، أتفقنا؟.

هزت رأسها بالإيجاب، فضغط علي خصرها وبنبرة تبدو هادئه لكنها تحمل تحذيراً جلياً:
_ مش سامع.

همست رغماً عنها:
_ أمرك حبيبي.

_ براڤو.
أثني عليها وقام بتلثيم عنقها بشفاه لتترك علامة جديدة غير تلك العلامات المنتشرة علي أنحاء جسدها.

تملصت من بين يديه قائلة:
_ ممكن تهملني لأچل أچهز حالي في العشر دقايق الي جولتلي عليهم؟.

رفع جانب فمه ببسمة هاكمة، فأومأ لها بسوداويتيه أن تذهب.

و ها هي قد خرجت أخيراً من هذا المكان الموحش الذي يطلق عليه إسم الهنجر، دلفت بداخل تلك السيارة السوداء في تلك المرة بإرادتها علي غرار الأمس عندما دلفت بداخلها رغماً عن أنفها.
و ما أن بدأت السيارة بالتحرك، ثارت الكلاب بالنباح الذي جعلها أرتجفت ونظرت إليهم عبر النافذة لتجدهم ليست بالكلاب التي تراها من قبل، فأتاها صوته وهو يمد يده ليمسك خاصتها بتملك:
_ ماستيف، من أشرس أنواع الكلاب وأضخمها بعت أشتريته من ألمانيا، والي هناك ده.
أشار إلي مبني آخر بوابته قضبان حديدية، أردف:
_ و ده روت فايلر و زي ما أنتي شايفه شكله بيوحي بشراسته وقوته ومعظم رجال الأعمال بيشتروه للحراسة، إما الي في آخر قفص ده نوعه يبقي بيتبول ده بقي أخطرهم وأشرسهم كمان، مابيسبش فريسته غير لما يغرز فيها أسنانه ولحد ماتطلع في الروح.

كان وقع كلماته مع رؤيتها لتلك الكلاب المفترسة جعل خفقات قلبها تتسارع بضراوة، فكان مُحقاً عندما أخبرها إنها لو لاذت بالفرار من تحت الأرض فسيطلق عليها تلك الكلاب القاتلة،فالنجاة من براثنهم ليست سوي معجزة آلهية.

تحمحم السائق ليسأله:
_ سليم باشا، أطلع علي زايد؟.

نظر إليه عبر المرآه الأمامية وقال:
_ أطلع علي الكونتينتال.
*ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ* 

_ وفي المشفي أخبره الطبيب بأن الحاج نعمان أفاق من الغيبوبة وقد نقله إلي غرفة عادية وتحت الرعاية أيضاً، شعر بالسعادة العارمة وكأنه والده، طلب منه الدخول لرؤيته والإطمئنان عليه.
دلف و كان يحمل أكياس مليئة بالفواكه المتنوعة 
_ السلام عليكم.

بادله التحية بوهن: 
_ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
كاد يعتدل فهرع إليه ليساعده: 
_ خليك مطرحك،  أني مش غريب.

رمقه بنظرة حنان لم يراها سوي في عين والده: 
_ أنت مش غريب،  أنت إبني الي مخلفتوش يا فارس.

أبتسم له بإمتنان وقال: 
_ يعلم ربنا أني من أول ما شوفتك وحسيت أن فيك من ريحة أبوي، حنيته وچدعنته و وجفته ويا المحتاچ.

عقب نعمان بعدما تنهد: 
_ الله يرحمه، بس تعرف أنت شبهه أوي، نفس الطلة حتي خصاله، وارث منه المروءة وعزة النفس.

إبتسم بعفوية رافعاً يده: 
_ الله يخليك ويبارك لك.

_ هات كرسي وتعالي أقعد جمبي عشان عايزك في كلمتين.
تمثل فارس لمطلبه وبعد أن جلس قال له: 
_ بص يابني، أنا كنت طلبت منك قبل الي يحصل لبنتي،  أنكم تتخطبو وتتجوزها، لأن عمري ما هلاقي واحد غيرك أأمنه عليها من بعدي.
_ الله يعزك يا حاچ،  بس ه.....

قاطعه نعمان بنبرة أدرك الآخر مدي آسفه وحزنه  علي ماحدث لإبنته من إتهامات باطلة:
  _ أنا عارف موضوع الفيديوهات ده ممكن يخليك تتراجع حتي لو عارف إنها بريئة.

رد بإنكار:
_ أبداً والله يا حاچ، الآنسة شهد زينة البنات، والكلب الي إسمه ممدوح أني مستني إنك تجوم بالسلامة الأول ، وهاشوف شغلي وياه، هي كل الحكاية أن......

قاطعه مرة أخري قائلاً:
_ أطمن شهد سمعتنا لما كنت عندنا، وقعدت معاها وقولتلها إنك هتحكيلها بنفسك حكايتك كلها عشان تبقو علي نور من غير خداع أو كذب.

_ أني مكنتش أجصد إكده،  كنت هاجول إن.....

قاطعة للمرة الثالثة وأستشف من نبرته الرجاء:
_ لو علي موضوع ورقك والبطاقة أنا حبايبي كتير وأطمن هخليهم يظبطولك بطاقة مضروبة، والله يا فارس يابني ماتعرفش فرحت أد أي لما حسيت أنك موافق، شهد ملهاش غيري وأنا أديك شايف ياعالم النفس الي داخلي دلوقت ممكن مايطلعش، وهي علي أد القوة الي بتتظاهر بيها للناس بس من جواها ضعيفة، فيها المطمع، ممدوح والي زيه مش هيسبوها في حالها، عشان كده بقولك بنتي أمانة في رقبتك، خلي بالك منها.

كان يريد أن يخبره بالمانع الحقيقي من زواج إبنته، وهو أن قلبه ليس بيديه، يحمل عشق من يتمني أن يلقاها ويراها ولو مرة واحدة.

دلفت بدون أن تطرق الباب، تراجعت خطوة إلي الوراء عندما رأته، لديها الكثير من المشاعر المتضاربة نحوه كلما تذكرت حديثه مع والدها وماهية حقيقته.

_ تعالي يا شهد،  واقفة عندك ليه يا حبيبتي.

قالها ويشير إليها للمجيئ،  ألتفت فارس ليراها تنظر إليه في صمت،  يعلم ما يجول في خُلدها للتو من صدمتها في من أحبته.

وضعت ما بيدها جانباً وقالت: 
_ أنا لما لاقيتك نايم،  نزلت أشتريت لك شوية حاجات الي أنت بتحبها عارفة أنك بتكره أكل المستشفيات، هاروح أنادي علي الممرضة تديلك العلاج.

أوقفها نعمان قبل أن تذهب: 
_ تعالي بس،  الممرضة زمانها جاية هي عارفة شغلها،  إنما أنتي خدي فارس يروحك.

رفضت بإصرار:
_ وأنا مش هاروح علي البيت غير رجلي علي رجلك، من وقت ما فوقت وعمال تزعق فيا عشان أمشي وقولتلك مش ماشية.

أشاح فارس وجهه جانباً حتي لاتري إبتسامته من هيئتها و غضبها كالطفلة المتذمرة.

قام بإستغلال خوفها عليه:
_ أقسم بالله ياشهد لو ماسمعتي الكلام، آه.....

تألم وتصنع عدم مقدرته علي التنفس مما أفزعها هي وفارس الذي أقترب منه لمساعدته، وبدون أن تلاحظ إبنته، غمز بعينه إليه ليطمأنه ويخبره هذه مجرد خدعة.

_ بابا حبيبي أنت كويس، حاضر هاسمع كلامك، بالله عليك ماتتعصبش عشان قلبك.

أجاب مشيراً إليها للذهاب:
_ يبقي تسمعي الي بقولك عليه وماتتعبينيش.

أعتدل ونظر إلي فارس بجدية مصتنعة:
_ وأنت يا فارس خدها وصلها، وقبل ماتوصلها، روحو علي أي مطعم وأتغدو، دي ما كلتش من الصبح وقت مافوقت.

أومأ له قائلاً:
_ حاضر يا حاچ.

نظر إلي إبنته مرة أخري:
_ أطلعي بره عايز فارس في كلمتين.

رفعت حاجبها الأيسر بدهشة ساخرة، زفرت بتأفف:
_ ماشي.
ذهبت فأشار له بالإقتراب حتي لاتسمعه المنتظرة في الخارج.
_ خدها في مطعم أو أي مكان عام وأقعد معاها أحكيلها عن كل حاجة، وخد بالك منها.

_ في عينيا يا حاچ، وأني هابجي أچي أطمن عليك بعد ما أوصلها للبيت.

هز رأسه بالرفض وقال:
_ لاء ماتجيش، روح علي المحل وخد بالك عشان الواد حمودة ده علي نياته وساذج وممكن الزباين تضحك عليه، ومتقلقش أنا إحتمال بكرة إن شاء الرحمن الدكتور يكتب لي علي خروج، هابقي أكلمك وقتها.
*ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ *
_ في مطعم الفندق الشهير تتناول طعام الفطور بينما هو يرتشف القهوة ويتصفح الأخبار، سألها بدون أن ينظر إليها: 
_ خلصتي؟.

هزت رأسها بالإيجاب وقالت: 
_ أيوه،  هو إحنا هنتدلي علي الڤيلا ميتي؟.

_ بعد ما نزور صلاح هارجع بيكي علي هنا لأن في شوية تجهيزات في الڤيلا لسه مخلصتش.
ترك القدح علي الطاولة،  وأغلق شاشة الهاتف ليضعه في الجيب الداخلي لسترته

تمسك بمحرمة ورقية تمسح فمها من آثار الطعام:  _ ممكن أطلع للچناح أريح شوية، حاسة بصداع رهيب مابيهملنيش غير لما أنعس.
رمقها بجدية وأجاب علي طلبها بالرفض التام:
_ لاء، مفيش نوم بالنهار لأن هيخليكي تسهري، و زي ما قولتلك ممنوع السهر.

كادت تتمرد لكن كبتت هذا التمرد بداخلها حتي لايأتي علي رأسها بالعواقب الوخيمة،فلقد تعلمت الدرس بحذافيره ولم تكرر خطأها مرة أخري.
3

همت بالنهوض وقالت:
_ ممكن أطلع عشان أخد شاور وأغير خلچاتي جبل مانروح؟.

أبتسم من طاعتها التي بدت من أستأذانتها منه، وبرغم تيقنه إنها طاعة زائفة لتتجنب غضبه وعقابه لكن هذا يسعده ويشعره بالإنتشاء فيكفي خوفها ورعبها منه.

_ أستني أنا طالع معاكي.
أقترب منها وحاوط خصرها بزراعه وكأنه يعلن ملكيته لها أمام الجميع، سار بها إلي المصعد و دلفا إلي داخله وبمجرد لمسه لزرار الإغلاق و رقم الطابق تحرك المصعد لأعلي، فباغتها بقبلة جامحة، ألتصق ظهرها بمرآه جدار المصعد ومن قوة ضغط جسده علي خاصتها شعرت وكأن جسدها سيخترق المرآه.
توقف المصعد فأبتعد عنها ويلتقط أنفاسه، حاوط خصرها مرة أخري و دخل إلي جناحه الخاص.
أوصد الباب من الداخل، كادت تخطو إلي المرحاض لتتهرب منه، جذبها إليه ورأت تلك النظرة المظلمة في عينيه، أدركت إنه في تلك الحالة الجنونية ولكي تتجنب شره، أستمرت في خضوعها التام.

تجرعت لعابها بتوتر وخوف جلي في عينيه، فهي الآن في كامل إدراكها وإفاقة من صدمة الأمس التي كانت تحت وقع أثارها.
1

خلع وشاحها وأمسك بيديها ليضعها أعلاها، وأنهال علي عنقها بقبلات نهمة، تفوهت بصعوبة حتي لا تتأوه من الألم التي تشعر به من حدة أسنانه:
_ إحنا إكده هنتأخرو علي صاحبك.

ضغط بجسده عليها ويستمر في قبلاته العنيفة قائلاً من بين أسنانه:
_ ركزي وأنا معاكي.
أبتعد عن عنقها ليرمقها بتلك النظرة وكأنها فاكهة يشتهيها بضراوة، أردف:
_ عايز كل تركيزك وعقلك حتي قلبك وروحك يبقو معايا، فاهمة يا حبيبتي؟.

أغمضت عينيها وقالت علي مضض:
_ فاهمة.

أطلق زمجرة كالوحش قبل أن يلتهم فريسته، و أكمل ممارسته الضارية بها ليشبع جانبه المظلم.
وبعد قليل بعدما أبتعد عنها يشعر وكأن هناك شيئاً ينقصه، فكان تمردها ورفضها الدائم يرضيه ويسعده لكن خضوعها الآن جعله يفقد ذلك الشغف.
*ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ*
_ عجباً لتلك القلوب التي لا تختار سوي من لا يبالي ولا يكترث لأمرها وتفني روحها من أجل هذا الحب!.
4

يجذب لها الكرسي قائلاً: 
_ أتفضلي.

ردت بإقتضاب متفحصة ملامحه بدون أن يلاحظ نظراتها الخفية:
_ شكراً.

و ذهب ليجلس مقابلها،  أطلق زفره من أعماقه،  يحمل من الهموم جبال علي كاهليه، فقلبه موچوع ولايريد أن يؤلم غيره مثلما يتألم هو.

_ تحبي تاكلي أي؟.
سألها ويمسك بقائمة المأكولات التي يقدمها النادي و مازال لاينظر إليها وكأنه يتهرب منها.

أجابت علي مهل:
_ أنا عايزة أشرب نسكافيه، حاسة بصداع رهيب عشان مابنمش بقالي يومين ويمكن أكتر.

رفع رماديتيه فرمقها بإبتسامة هادئة:
_ وياتري جلة النوم دي لأچل تعب الحاچ ولا عشان حاچة تانية؟.

ظلت تحدق في رماديتيه لثوان ثم أجابت:
_ مش عارفة.

علم إنها تفر من الإجابة علي سؤاله، تنهد و كاد سيتفوه فسبقه النادل:
_ أي طلبات يا فندم، عندنا كل الي موجود في المنيو و في واجبات كمان.

أجابت شهد بدلاً من فارس:
_ أنا عايزة واحد نسكافيه سادة، وبعد كده هنطلب الأكل.

_ وحضرتك يافندم؟.

رد فارس:
_ واحد جهوة مظبوط.

ذهب النادل وظلت شاردة في أثره، فأخرجها حمحمته من شرودها:
_ حابب أدردش وياكي عقبال ما تيچي الجهوة.

قلبها يدق بقوة، لاتدري ماذا عساها أن تقول له، تحمل في طيات قلبها الكثير إليه، بينما هو من النظر في رماديتيه المليئة بالشجن علمت إنها مُقبلة علي حرب ضروس طاحنة ومهلكة لقلبها.

_ أتفضل أنا سامعاك.
تفوهت بها وهي في ترقب لما سيخرج من بين شفاه.

_ مبدأياً إكده كيف ما سمعتي أني أسمي فارس قاسم القناوي، من قنا، أبوي الله يرحمه كان عمدة النچع.
كانت ساقه تهتز أسفل الطاولة عادة تلزمه كلما يداهمه التوتر.
_ كنت في أمريكا كملت دراستي وحضرت الماچيستير ونويت علي الدكتوراه، لكن چالي عرض في أكبر شركات البرمچة والكمبيوتر هناك في نيويورك، أشتغلت حداهم تلات سنين ورچعت لأچل....

صمت في محاولة التفكير أن يخبرها بتأني حتي لايجرح مشاعرها
أزدرد لعابه ليستطرد:
_ أني كنت خاطب زينب بت عمي من زمان، من وجت ما خابرت معني الحب ماحستهوش غير وياها وهي كمان بتحبني، ولما رچعت من أمريكا رچعت عشان نتچوز لكن فچاءة كل حاچة أتشقلبت اليوم ده.

ذهب ببصره ينظر إلي مياه النيل التي تعكس أشعة الشمس المتوهجة، يرجع بذاكرته إلي ذاك اليوم وأخذ يقص عليها كل ما حدث له من بداية وفاة والده والقبض عليه بتهمة ملفقة إلي أن تعرف علي والدها، فكانت تستمع إليه بكل حواسها، وكلما ذكر لها مدي خسارته لزينب التي لايعلم أين هي، تحاول كبت غضب قلبها الثائر.
2

_ هي دي كل حكايتي.

جاء النادل و وضع أمام كل واحد علي حده مشروبه وذهب، أمسك فارس بفنجانه وأرتشف القليل، فباغتته بسؤال لم يتوقعه يوماً:
_ زينب لو ظهرت وشوفتها في يوم من الأيام هترجعلها؟.

بسمة يخالطها حزن دفين أختلجت ملامحه، في إنتظار الإجابة علي أحر من الجمر، وقبل أن يجيب أطلق تنهيدة وكأنها آهه يخرج بها ألم فؤاده:
_ للأسف آخر مرة شوفتها خلعت الدبلة وعطتيها لي .

تعجبت فسألته بدهشة جلية ومصتنعة في آن واحد :
_ ياه، باعتك بدل ما توقف جمبك؟.
4

نظر مرة أخري إلي النيل ليجيب قائلاً:
_ زينب الي شوفتها في اليوم ده كانت خايفة وقلقانة وكأنها مغصوبه علي حاچة، ما أنكرش صدمتي فيها لما سوت إكده وطلبت البعد، غصب عنها، متأكد إن أخوها رافع هو الي غصبها إنها تهملني.

أبتلعت غصتها لتسأله مرة أخري حتي تتأكد من حدسها:
_ طيب سؤال أخير وآسفة لو بزعجك، أنا سمعت بابا وهو بيقولك إنه هيساعدك لما توصل لبرائتك  ، بعد ما تاخد البراءة هاترجع لبلدك و...

توقفت لتلتقط أنفاسها، وأردفت:
_ قصدي يعني هاترجعلها؟.
2

أدرك مقصد سؤالها المتكرر ومخاوفها ولكي لايكون معها منافقاً أو خادعاً فأختار أن يصارحها بدواخله:
_ بصي يا بنت الناس أني يبجي بخدعك لو جولتلك لاء، أني خابر وقاري الي في عينيكي زين جوي، سبق وجولتلك أني وعيت علي الدنيا عليها وأول ما جلبي دق برضك كان ليها، بجينا روح واحدة في چسدين، أتعهدنا إن الي هيفرقنا حاچة واحدة بس وهي الموت، لأچل إكده من وجت آخر مرة شوفتها و بجيت كيف الميت.

بدأت تتجمع العبرات في عينيها كالغيوم الملبدة في سماء الشتاء

_ مش ممكن تدي لقلبك فرصة تانية مع حد بيحبه، حد مستعد يعمل أي حاجة عشان يرضيه ويسعده؟.
2

الشعور بالأختناق يداهمه من رؤيتها في تلك الحالة، لايريد أن يؤلمها كما يتألم ويتذوق عذاب شوقه لمعشوقة قلبه و في ذات الوقت لايريد أن يشيد لها قصور من وهمٍ أو يعطيها أملاً في واقعه خيبة، فهي كالتائه في صحراء قاحلة ويبحث عن الماء ليروي جفاف حلقه وكلما تقترب من البئر تجده سراباً.

تحمحم ليجيب بكل صدق:
_ جلبي ماهوش ملكي، كل الي هيبجي بيني وبينك أول مايتجفل علينا باب واحد كل الإحترام والتقدير، معلش لو حديتي ضايقك، كان لازم أبجي وياكي علي نور من الأول، وليكي الأختيار في الآخر يا تقابلي تتچوزيني أو ترفضي.

صرخة بل آلاف الصراخات المترددة بداخلها، ودت لو أطلقتها لعلها تخفف ألم فؤادها المقهور، لما أوقعها القدر في درب قلب ملتاع علي فراق محبوبته!.

لا تجد سوي أن تطلق عبراتها في صمت، نهضت و وقفت لدي حافة السور الزجاجي لتجهش في البكاء، نهض ليتبعها،فوقف بجوارها بدون أن ينظر إليها، أخذت تجفف عبراتها بيديها ثم ألتفتت إليه:
_ أنا عايزة أروح.

رد برفض وإصرار:
_ ماينفعش تروحي غير لما تاكلي الأول.

صاحت برفض مماثل:
_ مش عايزة أكل.

أمسكت بحقيبة يدها إستعداداً للمغادرة،أشهرت سبابتها بتحذير في وجهه:
_ أنا هاروح لوحدي إياك تيجي معايا.
3

وبسبب صوتها المرتفع ألتفتت إليها الأنظار، عقد حاجبيه بغضب، أخرج من جيبه ثمن المشروبات و وضعه علي الطاولة، جذبها من يدها كالطفلة بدون أن يتفوه بحرف وسار بها نحو الخارج وهي تزجره:
_ سيب إيدي، أوعي مابتفهمش، بقولك عايزه أمشي لوحدي.

كل مايقابلهما في الطريق يحدق بهما، يبدو علي وجهه إمارات الغضب من صياحها المدوي و هي كانت تحاول سحب يدها من قبضته لكن لامحالة، فقبضته كالفولاذ.
أشار إلي سيارة أجرة، فتوقفت أمامهما.
_ أنت أي معندكش عقل بتفكر بيه بقولك.....

قال لها بأمر:
_ أركبي.

_ مش راكبه.
زجرها بتلك النظرة التي تخيفها وصاح بها:
_ جولت أركبي.

جزت علي أسنانها بحنق،  تشهق وتزفر بقوة،فأذعنت لأمره في النهاية ودلفت إلي السيارة و دلف أيضاً بجوارها ليقول للسائق:
_ أطلع ياسطا.

* ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ *

_ ونعود مرة أخري إلي نجع نور الدين حيث منزل الشيخ واصف، تتعالي فيه أصوات جليلة وإبنتها في مشاحنة حادة.
_ جولتلك ماريحاش عند خالي، ولا هو بالعافية عاد!.
صرخت بها فاطمة،  فصاحت بها جليلة بالأمر والقسم: 
_ طب عظيم ويمين بالله لأنتي لابسه خلچاتك دلولق وهاتيچي معايا حداهم.

أنتفخت أوادجها وفاض بها الأمر فقالت بتحدي وإصرار: 
_ قسم جصاد قسم ويمين بالله ماريحاش عند حد واصل.

خلعت جليلة نعلها للتو والشرر يتطاير من عينيها:  _ عتحلفي علي أمك يا جليلة الرباية،  والله ما هحلك من يدي.

أنقضت عليها قبل أن تفر من أمامها وأنهالت بنعلها علي كل أنحاء جسدها والأخري تصرخ بإستغاثة.
_ ألحجوني، هملني ياماه، بعدي عني.

دلف واصف من باب الدار ليري مايحدث أمامه، هدر بزوجته:
_ چليلة.

توقفت لترمقه بتحذير:
_ خليك في حالك يا أبو زكريا، وهملني أربي بتي.

خطي نحوها ليمسك بيد إبنته وجعلها نهضت ويحتضنها بحنان:
_ عيب يا وليه الي عتسوي في بتك، فاطمة مابجتش العيلة أم ضفاير.

_ وأني من ميتي عضربها غير لما تكون سوت حاچة عفشة، أسألها إكده؟.

رفعت عينيها الباكيتين لوالدها وقالت:
_ والله ياباه ماسويت حاچة واصل، كل الي جولته ليها إن ماريحاش عند خالي.

تفوهت الأخري من بين أسنانها:
_ وفيها أي لما تزوري وتطمني علي خطيبك!.

_ لما يبجي خطيبي الأول.

رفعت إحدي حاجبيها فسألتها:
_ جصدك أي يا بت بطني؟.

أختبأت خلف والدها لتأخذ حذرها:
_ أني أتفجت وياه مفيش لاخطوبة ولا چواز غير لما يتوب عن تچارة المخدرات والسلاح وعن أي حاچة حرام.

ربت والدها علي يدها بإحسان وثناء:
_ بارك.الله فيكي يابتي، زين ما جولتي.

غرت جليلة فاها بصدمة من زوجها وإبنتها مما جعل الدماء تغلي في عروقها:
_ أنت عتشجعها يا واصف  بدل ما تكسر راسها الحچر دي!.
2

زجرها بنظرة تحذيرية قائلاً: 
_ بتك صوح يا چليلة، والي عاتسويه إنها تخلي واحد عاصي يتوب لربه وتنول أچر عظيم عند ربنا.

جلست علي أقرب كرسي لها واضعة يديها فوق رأسها:
_ نفوخي يا عالم، الضغط هايموتني، چوزي وبتي رايدين يخلصو عليا.
1

وصرخت بآخر كلمة.
* ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ *

_ و هنا في دار خميس القناوي تتعالي ضحكات الشباب، فقال زكريا من بين قهقته: 
_ كل ما أفتكر شكل خايتي لما أطخيت،  في عز ما كنت مخلوع في نفس الوجت كنت هاموت من الضحك،  فكرتني بستك نچيبة الله يرحمها لما چدك أغمي عليه وأفتكرته مات جعدت تولول  لحد ما فاق راح عطيها كف.
نهض وأمسك بعصا رافع ليكمل أدائه وتقليده الفكاهي: 
_ أكتمي يا وليه يا خرفانه، عتولولي عليا ولساتني عايش، جبر يلمك أنتي وعيلتك نفر نفر.
ضحك رافع ثم تأوه واضعاً يده لدي موضع جرحه: 
_ أرحمني بجي من كتر الضحك حاسس الچرح هيتفتح.

فقال الآخر مازحاً: 
_ چرح أي يا أبو چرح،  ده الدكتور بجي مستغرب كيف الرصاصة رشجت في ضلعك ومعدتهوش، كان نفسي أجوله متخافش عليه يا دكتور ولد خالي من كتر ماعيشتغل في الخرده چتته بجت كيف الحديد.

لكزه رافع في صدره ويضحك حتي لاحظ صمت بكر الشارد، فناداه: 
_ كيفك يا شيخ بكر، من وجت ما چيبتني مع أخوك وأنت شارد، للدرچدي ماجدارش تبعد عن المزه؟.

وأنهي كلماته بغمزة وقحة، فسبر أغوار الأخر،  نهض و أشار له بتحذير: 
_ أني محترم فرق السن الي بينتنا يا رافع،  ولولا إكده لكان ليا تصرف معاك تاني عاد.

أعتدل رافع في جلسته وقال: 
_ مالك يا چدع، أني كنت بهزر معاك،  ومارتك كيف خايتي،  ما أجصدش حاچة واصل.

قبل أن يجيب نظر لشقيقه الذي تهرب من نظراته  ثم رمق إبن خاله الذي تعجب من غضبه،  فجميعهم يعلم مدي تحليه بالصبر والحلم.
_ وأنت خابر أني مليش في هزاركم الماسخ ده.

وعاد بنظره إلي أخيه الذي أراد تغير الأجواء والفرار من نظرات الإتهام في عين شقيقه.
_ إلا جولي يا رافع هو لما دخلك الظابط،  جالك مسكو الي طخك ولا لاء؟.

سأل رافع وأمسك بإناء الفخار ليرتشف القليل من الماء، عاد الأخر إلي الوراء ليتمدد بظهره وينعم بالراحة،  فأجاب: 
_ آه جالي إنهم چابه وشه من تسچيل الكاميرات،  وجدرو يوصل له علي ما أظن إسمه مچاهد  أنور مچاهد.

وفي لحظة كان كل ما بفم زكريا من ماء تناثر في الهواء كالرذاذ في وجه رافع الذي رمقه بإزدراء وصاح به ويجفف الرذاذ من علي وجهه:
_ الله يجرفك، عيل عِفش.

كان يداهمه السعال حتي بدأ يهدأ فقال:
_ معلش يا رافع، أصلي شرجت.
جلس علي الكرسي و الشحوب يكسو وجهه فأردف وقد نسي وجود بكر :
_ خابر يبجي مين مچاهد دي، يبجي أخو البت ورد.

رد الآخر بحماقة:
_واه، ورد البت الي كانت حبلي منك ولما چت تجتلك جتلته....

لم يكمل حين زجره زكريا وأصلح ما قال:
_ جصدك كانت هتجتلني وهربت، صوح ولا أي.

هز رافع رأسه بالإيجاب: 
_ صوح.

وينظر نحو بكر الذي يرمقهما بتجهم قائلاً:
_ ورد!،مش دي الي أخوها خطف خايتك لأچل يعرف مطرح أخته الي ضحكت عليها وحبلت منك.

أتسعت سواديتين رافع وهو يربط خيوط الحديث ببعضها البعض، فقال غير مكترث لزكريا:
_ والرصاصة الي أخدتها كنت أنت المجصود مش أني!.

حدج بكر بغضب في أخيه:
_ صوح الي فهمته ده يا أخوي، بجيت زاني وجاتل، بدل ما تصلح عملتك وتتوب تسوي ذنب أكبر، ذنب أي ده أنت سويت أتنين من الكبائر، زنا و جتل.

أزدرد الآخر لعابه فقال بدفاع عن حاله وإنكار:
_ أنت فهمت غلط يا أخوي.

نهض بكر وهم بالذهاب، في تلك اللحظة ولجت رسمية تحمل صينية الطعام:
_ رايح فين يا بكر، يلا عشان تاكله.

_ تسلم يدك يا مرات خالي، أبجي أچيلكم في وجت تاني، سلام عليكم.
قالها و ذهب مما اثار خوف زكريا الذي هم بالذهاب أيضاً واللحاق بأخيه:
_ معلش يا مرات خالي، أصلي أمي لسه مكلماني و رايده أروحلها ضروري، ألف حمدلله علي سلامة رافع، عن أذنك.

نظرت في إثرهم وقالت:
_ مالهم ولود عمتك، واحد خارچ كيف الي ميت له ميت والتاني متلهوچ.

ردد رافع ويفكر بالأمر:
_ ده بينه هيبجي مرار طافح.
1

وبالخارج أمام أطلال منزل قديم، يركض زكريا خلف أخيه:
_ بكر، يا بكر، وجف ياض عندك، جلبي هيجف من كتر الچري وراك.
توقف الآخر ليقول بسخرية:
_ و عتچري ليه ورايا، خايف لأبلغ أبوك وأمك وأفضحك عندهم، ولا خايف للبوليس يشم خبر بالي سمعته!.

يلتقط أنفاسه بللهاث، فأجاب:
_ أنت فاهم غلط، أني فعلاً غلطت وياها لكن ماجتلتهاش والله العظيم......

قاطعه بكر بصياح:
_ إياك تحلف بالله كذب، كفاية سجطت من نظري وصغرت جوي جوي كمان، للأسف أمي دلعتك بزيادة وكانت تداري علي مصايبك وبلاويك، ماخبراش إنها إكده بدل ما تربيك بتفسدك، وأدي النتيچة، ما هملتش ذنب غير ما سويته، تسكر وتزني وتبص علي دي وماتعتقش دي وأخرتها تقتل، لاء والكبيرة بجي، عينك من مرات أخوك.
2

جحظت عينيه من هول ما تفوه به شقيقه:
_ عتجول أي، عيب يا بكر و راعي إن أخوك الكبير.

صاح بغضب عارم:
_ تجدر تفسر لي يا أخوي يا كبير، ليه كل ما تشوف مارتي عينيك ماتنزلش من عليها!.

ولي الأخر إليه ظهره خشية من مواجهته قائلاً:
_ كفياك تخاريف، مارتك ببص لها كيف خايتي.

ألتفت بكر ليصبح أمامه:
_ خايتك!، هو فيه برضك أخ يبص لخايته كيف ما تبص لمارتي!.
أمسكه من تلابيبه ليردف: 
_ ليه إكده يا ولد أمي وأبوي،  ضاجت في خلقتك من بين كل البنات والحريم عينك ماتشوفش غير مارتي!، كل ما كنت أشوف نظراتك ليها، كأنك چبت خنچر وتدبو في جلبي.

ترك تلابيب قميصه ليباغته بهذا السؤال الصادم:
_ عتحبها إياك؟.

لم يكن قادراً علي التفوه أو الإجابة وأكتفي بنكس رأسه لأسفل،  يخطو الأخر إلي الوراء قليلاً غير مصدق لما يراه من خزي وخيانة.
أجل خيانة، كيف يسمح لقلبه أن يحب زوجة أخيه!.

_ ما عتردش ليه؟، أكدب عليه وجولي لاء، جولي إن بتوهم ومچرد تهيؤات!.

أجاب بدون أن يرفع عينيه في خاصته:
_ مش بيدي، وماتسألنيش أي السبب لأني أني نفسي ماخابرش، ورايدك تطمن عمري ما أتعدي حدودي، هافضل أبص لها علي إنها مارت أخوي.

قهقه بسخرية لاذعة:
_ أنت عتضحك عليا ولا علي حالك؟، هجولك أني، أنت من كتر الوساخة والفچور الي عايش فيهم مبجاش جلبك وعقلك يفرقو مابين الصح والغلط، الحلال والحرام.

لم يتحمل كم هذه الإهانات التي أصابته في مقتل وجعلته يشعر بالضيق والكراهية من نفسه، فأخرج ما فاض به وأنهال علي شقيقه بلطمة صارخاً به:
_ أخرس.
2

* ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ *
_ ولج إلي الداخل يسحب الحقيبة خلفه.
_ تعالي.
ولجت إلي هذا المنزل الجديد تتأمل جدرانه التي أثارت بداخلها شعور بالغربة رغماً من إنها في البناء المقابل للبناء التي تقطن به عائلتها.

_ واقفة عندك بتعملي أي؟.
أنتبهت إلي صوته،  فسارت إليه تنظر له ولا تعلم من أين تبدأ الحديث معه، بالأمس ما إن رأت إسمه ينير هاتفها وصوت نغمة الرنين التي خصصتها له فقط رقص قلبها من الفرح والسعادة تملأ محياها،تظن إنه كان يمزح في شرط رجوعه إليها وهو الزواج بأخري، وبمجرد أن سمعت صوته و تحدث  أصبحت حالتها علي النقيض تماماً، خاب ظنها عندما أخبرها أنه لايتراجع عن شرطه قد أصبح قرار محسوم أمره وعليها الخيار  فإذا وافقت تُعد حالها وتستعد للذهاب إلي منزلهما الجديد،  و ها هي الآن بداخله وبرفقته،  لكن معاملته التي مازالت تتسم بخلوها من المشاعر
ويكسوها الجليد، تجعل قلبها يشعر بالوخز طوال الوقت، تشتاق إلي نظرات عشقه إليها وإلي أحضانه الدافئه وإلي صوته الحاني عندما يلقي علي مسامعها أجمل الكلمات ومعاني الحب السامية، تشعر حينها وكأنها ملكة متوجة تتربع علي عرش فؤاد معشوقها.

أبتلعت لعابها لتبدأ الحديث قائلة: 
_ شكراً.

رد في طريقه إلي الغرفة ويفك أزرار قميصه: 
_ علي أي؟.

ذهبت خلفه وبخجل أجابت: 
_ شكراً علي أنك سامحتني و ردتني.

ألتفت إليها وأمسكها من عضدها وبجمود يرمقها قائلاً: 
_ أنا رديتك أه،  لكن ماسامحتكيش لسه، وأوعي تفتكري رجعتك عشان بحبك وعاشق ولهان ومش قادر علي بعدك، عملت كده عشان خاطر بنتنا الي ملهاش ذنب تتربي في جو أسري مفكك،  وملهاش ذنب ربنا رزقها بأم أنانية وكدابة ومش أهل للثقة.

كانت كلماته كالسهام المخضبة بالسم القاتل،  تو ملامسته للجسد تو ماينتشر سريعاً.
أزدردت غصتها كمرار العلقم فقالت: 
_ كلنا بشر وبنغلط و ربنا بيسامح.
3

ترك زراعها بحدة: 
_ و البني آدم مننا لما بيغلط المفروض يتعلم من غلطه مش يكرره!.

أقتربت خطوة لتصبح علي قرب شديد منه: 
_ وأنا أتعلمت وعمري ما هكرر غلطي تاني،  نبدأ صفحة جديدة مع بعض، ولا أقولك أعتبرنا لسه متعرفين علي بعض من أول وجديد.

إبتسامة هاكمة غزت ثغره رداً علي ما تفوهت به، رد بسخرية وتهكم : 
_ نتعرف علي بعض من أول وجديد ولما نتخانق في يوم من الأيام وأبعد شوية،  تروحي تغفليني وتخونيني مع علي،  صح!.

كم جرحتها كلماته و قبل أن تؤلمها ألمته هو بشدة، وأن قبلت بالعودة فعليها أن تتحمل.

_ و ده كان زمان خلاص،  وكنا مخطوبين.
2

دهشة أعتلت وجهه: 
_ جواز، خطوبة الخيانة فيهم واحدة مابتتجزأش وأديكي بتدفعي ولسه هاتدفعي تمن خيانتك.

ردت بإنكار، فنعتها بالخيانة وصف بشع للغاية:
_ أنا مش خاينة، لكن أنت الي هاتبقي خاين لما تنقض وعدك ليا إن قلبك وكل ماتملك ليه أنا بس وعمر ما حد هيشاركني فيك، و دلوقت قبل ماتوافق علي رجوعي أشترطت إنك تتجوز عليه!، مش دي تعتبر خيانة برضو؟.
2

_ لاء مش خيانة، أولاً ربنا حلل للراجل المسلم مثني وثلاث ورباع بشرط إن تكون الزوجة ليها علم بالجواز من التانية وأنا بلغتك وأنتي وافقتي ثانياً بقي كل الي ليكي عندي المعاملة الطيبة والتقدير والإحترام، أكتر من كده ماتحلميش بحاجة، هاجي لك يوم وهي يوم ويوم الأجازة هاقضيه مع لارا.

أنسدلت عبراتها رغماً عنها من قسوة قراره:
_ أنت كده بتظلمني وبتيجي عليه أوي.

أمسك بطرف ذقنها لينظر في عينيها الذابلتين من كثرة البكاء وقلة النوم، أقترب بشفاه أمام خاصتها فأغمضت عينيها، تظن إنه سيقبلها لكنه صدمها بقوله:
_ أنتي الي عملتي كده في نفسك.
*ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ *
_ بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير إن شاءالله.
_ تعالت الزغاريد في منزل عائلة مروة و ألحان الأغنية الشهيرة (يا دبلة الخطوبة)، ترددها الفتيات وهن يصفقن وينظرن إلي علي الذي يدخل في بنصرها خاتم الخطبة بعدما تمت مراسم عقد القران، قام بتقبيل يدها أمام الجميع ، فهلل الشباب والفتيات وكانت الأجواء مليئة بالسعادة.
حينما عادت إلي منزلها وجدت والدتها في حالة من الحزن الشديد علي غيابها و كذلك شقيقها رغما من ما فعلته به وهروبها من بين يديه، لكن والدتها قامت بالضغط عليه لمسامحتها وبعد ذلك أخبرتهم برغبة مدير الشركة يريد مقابلتهم لطلب يدها، فكانت تلك الفرصة التي لاتكرر مرة أخري، رحبت والدتها وشقيقها معتصم به، ذهب علي للتعرف عليهم ويتعرفون عليه فوجدهم في إستقباله بحفاوة وبترحاب و تبادل الأحاديث معهم حتي تم الإتفاق بينهم بالخطبة وعقد القران معاً وبعد أسبوع حفل الزفاف والسفر إلي إحدي المدن الأوروبية.
2

وبعد أن تبادلا وضع الخواتم، أمسكت الفتيات بيدها لتنهض وفعل مثلهن الشباب مع علي الذي كان كالتائه، كل شئ يحدث حوله بسرعة وعجالة.
بدأت الموسيقي الهادئة، فأمسك بيدها و خاصته الأخري وضعها علي خصرها ليقربها منه وأخذ يراقصها.
أنتبه لصوتها ونظراتها التي تنضح بفرحة عارمة لأول مرة يراها في عينيها.

_ علي ماتتصورش أد أي فرحانة أوي، أنا من أول مرة شوفتك من أيام الجامعة وأنا بحلم باللحظة دي،  مش مصدقة نفسي.

أومأ لها مبتسماً وقال: 
_ صدقي يا مروة، و عايزك تخليني أنا كمان أصدق.

تبدلت السعادة علي ملامحها إلي الوجوم بعدما أدركت ما يرنو إليه، أردف كلماته المبهمة:
_ خليكي جمبي و حاولي قويني،  عايز أرجع لعلي الي قبل مايشوفها.

هزت رأسها بتفهم وتحاول كبت تلك العبرات التي تجمعت للتو، تصنعت بسمة غزت ثغرها المكتنز، فقالت: 
_ أنا جمبك وعمري ماهتخلي عنك أبداً، وأوعدك لهخليك تنساها وتنسي إسمها.

مالت برأسها علي صدره وعانقته بقوة تردد بداخل عقلها: 
_ هخليك تحبني ضعف ما حبتها وتندم إنك عرفت واحدة زيها في يوم من الأيام.

_ وبالعودة إلي ندي التي تجلس في الشرفة تنتظر أكرم الذي هاتفها منذ قليل وأخبرها إنه سيتأخر قليلاً فهو يُعد شقة زوجته الثانية لأنه سيتزوج قريباً مما جعلها بعدما أغلقت المكالمة،  ألقت هاتفها وأخذت تبكي بحرقة وألم.
جاءت لها والدتها لتطمأن عليها ومعها إبنتها التي لاتريد النوم سوي بين زراعي والدتها.

_ مامي أنا بابي واحشني أوي.
تفوهت بها الصغير وهي تحتضن أمها،  فقالت لها الأخري: 
_ هو زمانه جاي يا حبيبتي بس هيتأخر شوية.

غفت الصغيرة وتركتها في محيط أحزانها، أردفت بهمس: 
_ و هو كمان واحشني أوي أوي.

مرت ساعة تلو الأخري،  ترتشف القهوة لتساعدها علي السهر في إنتظاره،  جلست في الشرفة تمسك بهاتفها تشاهد الصور التي جمعتهما وتستعيد ذكري كل صورة بإبتسامة حالمة،  تتمني أن تشعر بالسعادة التي تراها في تلك الصور. 
و سرعان ما رحلت بسمتها عندما أتاها إشعار بمنشور  عبر تطبيق موقع التواصل الشهير،ضغطت عليه ففتح لها، أتسعت عينيها وهي تري صورة كل من علي ومروة صديقتها يشكلنا بأناملهما قلب ويضحكان إلي الكاميرا، وبأعلي الصورة كلمات كالآتي:
(النهاردة أسعد يوم في حياتي كتابنا الكتاب
وأخيراً والحمدلله ربنا جمعني بحب عمري بعد سنين
علي+مروة= عشق للأبد).

وضعت كفها علي فمها لكي لايسمع الجيران صوت بكائها، ظلت تبكي حتي غفت في مكانها.
جاء للتو من الخارج، يبحث عنها، دلف إلي غرفة النوم التي تمكث فيها بمفردها فوجد إبنته نائمة، ذهب ليدثرها وبعدها سار للخارج حتي لاحظ ظلها في الشرفة.
رآها تغط في النوم وآثار الدموع علي وجنتيها، أطلق زفرة من أعماقه لعله يخفف هذا الشعور المؤلم، أنتبه لوميض تلك النقطة الموجودة بحافة الهاتف العلوية كتنبيه لرسالة أو مكالمة واردة، وما أن ضغط علي الزر الجانبي أُضيئت شاشة الهاتف ليظهر له منشور مروة.
جلس وهو يتنفس الصعداء، فكان هذا الخبر كفيل بإزاحة هذا الثقل ولو قليلاً من فوق صدره، لكن هناك شيئٍ آخر يريد التأكد منه حتي يريح قلبه والأيام القادمة ستثبت له ذلك!.
3

نهض وحملها علي زراعيه ليدخلها من البرد و ولج إلي داخل الغرفة ليضعها بجوار إبنتها، دنا منها ليقول بصوت لايسمعه أحد سواه:
_ أنتي كمان وحشاني أوي.
* ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ *

_ و علي خشبة الرقص تتمايل وتتهادي علي ألحان الأغنية،  داهمها ألم في خصرها المنحوت وخشيت أن تتوقف،  هيهات والألم يشتد عليها بقوة ويصاحبه دوار، كانت تري كل ما حولها يدور مما جعلها تفقد توازنها وتقع مغشي عليها.
توقفت الموسيقي وركضت مساعدتها والحارس الشخصي لها.
_ يالهوي أبلتي،  قومي يا أبلتي،  أي الي صابك،  شيلها يا تايسون وخدها علي الأوضة،  كان قلبي حاسس إنها تعبانة وشها أصفر وبقالها يومين دايخة.

جاء مدير الملهي وقال لهم: 
_ دخلوها أوضتها وأنتي يا نواعم لبسيها عبايتها عشان هناخدها علي المستشفي بسرعة.

وبعدما أخذوها إلي المشفي فحصها الطبيب وقام بتعليق محلول.
_ أبلتي سمارة مالها يا دكتور؟.

نظر إلي بيانات الحالة فسألها:
_ هي مدام سمر بتشتغل رقاصة؟.

أجابت نواعم: 
_ أيوه يا دكتور وأغمي عليها وهي بترقص وكانت مولعه الصالة،  بس النصيب بقي.
_ وفين جوزها؟.

ردت بثقة بالغه:
_ سي زكريا جوزها مسافر لأهله في البلد أصله من الصعيد الجواني.
رمقها بضجر وقال بتهكم : 
_ طيب يا ريت تهتمي بأبلتك عشان هي حامل والرقص غلط علي الجنين وأبقو أتصلو بأستاذ زكريا وبلغوه،  عن أذنكم.

دلفت الغرفة التي تتمدد بها ربة عملها وأطلقت زغرودة مدوية: 
_ ألف ألف مبروك يا أبلتي،  يتربي في عزك أنتي وسي زكريا.

تحاول أن تفتح عينيها فهي غير مدركة لما يحدث من حولها،  سألتها بوهن: 
_ يتربي أي وعز مين يا بت يا نواعم؟.

جلست بجوارها لتصدمها بهذا الخبر: 
_ أنتي حامل يا أبلتي.

نهضت بفزغ رغم التعب الذي يداهمها مرددة بصدمة لم تستعبها: 
_ حامل!.
*ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ*
الآن هما في السيارة في طريقهما لزيارة صديقه...
ترجلت من السيارة فلاحظت السيارة التي كانت تتبعهم ليست سوي سيارة رجال الحراسة الخاصة وسرعان ما أنتشرو من حولهما لتأمين المكان حولهما.

وبالأعلي فتح صلاح باب المنزل، كان في أنتظارهما ولم يخبر سمية بمن هم الزائرين، لكنه أخبرها إنه إحدي أصدقائه جاء مع زوجته للمباركة لهما.

كانت في المطبخ تعد العصائر والحلوي للضيوف، وفي الردهة يرحب بهما:
_ أهلاً أهلاً ده الشقة نورت.

أعطاه سليم علبة شيكولاتة كبيرة من النوع الفاخر والخاص قد أوصي عليها من الخارج ليهدي بها صديقه.

_ مبروك يا عريس.
وصافحه وعانقه.
_ الله يبارك فيك يا باشا، وأي لزومه التعب ده وجو الرسميات.

همس له حتي لاتسمعه زينب التي تقف بالقرب منهما:
_ دي مش شيكولاته عادية، حاجة كده معمولة مخصوص علشانك، الواحدة منها بتعادل إزازة ڤودكا متعتقة، يعني كفاية عليك تاكل واحدة قبل ما ها.
غمز بعينه ليفهم الأخر مايقصد فضحك وقال:
_ ده أنت الشيطان يقولك شابوه يا باشا.
3

لكزه الأخر في كتفه بمزاح:
_ وطي صوتك ليسمعونا.

_ أتفضلو، والله أول ما كلمتني وقولتيلي إنك رجعت مصر مصدقتش لأنك كنت قايلي هاتقعد شهرين هناك.
قالها وترك علبة الشيكولاتة علي طاولة الطعام وعاد إليهم

ألقي سليم نظرة لزينب التي تلتزم الصمت ثم حول بصره إلي صديقه وقال:
_ حصلت ظروف كده وأضطريت أقطع الأجازة ونزلنا.

_ حمدلله علي السلامة، منورة يا مدام زينب وسليم بيه عامل معاكي أي؟.
لم تنتبه لترحاب صلاح ولسؤاله لها، أمسك سليم بيدها لينبهها:
_ حبيبتي صلاح بيكلمك.

رمقته بإبتسامة متكلفة لاتعلم ماذا يقول لها لكنها خمنت إنه يرحب بها، فأجابت:
_ تسلم.

_صلاح، يا صلاح.
صوت سمية تناديه من خارج الغرفة تحمل صينية يعلوها كؤوس العصير وأطباق الحلوي

_ تعالي يا حبيبتي مفيش حد غريب.
و غمز إلي سليم الذي إبتسم وهو ينظر بطرف عينيه إلي زينب التي أستمعت لصوت صاحبة النداء،تألف هذا الصوت جيداً.

_ السلام عليكم.
ألقت سمية عليهم التحية، رد سليم عليها فرفعت عينيها لتري صاحب هذا الصوت التي لاتنساه أبداً.
صرخت وألقت مابيدها في الهواء و وقع علي الأرض، ركضت إلي الخارج.
1

نهض صلاح:
_ آسف يا جماعة أنا كنت عاملهلها مفاجاءة وناسي الي حصل معاها قبل كده، ثواني هاروح أطمن عليها وأرجع لكم.

كانت زينب لاتقل عنها صدمة، لم يكن لديها علم بزواج صديقة طفولتها من صلاح، كادت تنهض فأوقفها سليم:
_ رايحة فين؟.

_ بالتأكيد مش ههرب عاد ، ممكن أروح لها وأطمن عليها؟.

وبداخل الغرفة كان يعانقها ويربت عليها ليهدأها: _ خلاص حقك عليه أنا غلطان المفروض كنت بلغتك قبلها.

نظرت له وهي ترفع طرف وشاحها لتظهر جيدها:
_ لو كنت أنت نسيت الي سواه فيه، أني مانستش ولانسيت دي.
1

وأشارت نحو علامة حرق السيجارة الذي فعلها بها سليم، عانقها مرة أخري:
_ آسف حبيبتي.
وهبط بشفاه علي أثر الحرق ولثمه بقبلة رقيقة، أبتعدت عن صدره وقالت:
_ أني خابره أنه صاحبك لو رايد ترحب بيه في أي وقت معنديش مشكلة لكن بلغني جبلها عشان أمشي أروح في أي مطرح عجبال ما يجعد وياك ويمشي.

ضحك وقال:
_ يعني خدتي بالك منه وماخدتيش بالك من مراته!.

وقبل ان تنطق قاطعها طرق علي الباب:
_ سمية أني زينب ممكن اجعد وياكي؟.

صدمة أخري لكن جعلتها تشعر بالسعادة، قفزت من مكانها لتفتح لها الباب وصرخت بفرح:
_ زينب.
عانقتها بقوة:
_ أتوحشتني جوي يا حبيبتي.

ردت زينب وتبادلها العناق:
_ وأنتي كمان أتوحشتني جوي.

تحمحم صلاح وقال بمزاح :
_ عن أذنكم هاروح اقعد مع صاحبي وأسيبكم تعيشو في جو مسلسل الضوء الشارد الي أنتو فيه ده.
1

أمسكت سمية بيديها:
_ تعالي يا حبيبتي أجعدي وطمنيني عليكي، كيفك ويا سخام البرك الي متچوزاه ده؟

طيف إبتسامة ظهرت علي ثغرها الحزين:
_لساتك دمك خفيف كيف ما أنتي.

تنهدت وقالت بحزن دفين:
_ هي دي الحاچة الي عتصبرني علي الي حواليا، سيبك مني دلوق، إلا جوليلي أنتي كيف بتتعاملي مع الإبليس الي جاعد بره ده؟.

كيف ومن أين ستخبرها من المصائب التي حلت فوق رأسها كل فينة والأخري، تخشي أن لاتصدقها.
_ زينب، ردي عليا يا حبيبتي.
كانت تمسكها من يدها لتنبهها فلاحظت علي رسغيها أثار قيد، شهقت بفزع:
_ يا مُري هو بيربطك وبيعذبك ولا سوي فيكي أي !.

ضحكة ساخرة أنطلقت من بين شفاها لتجيب بحسرة وألم:
_ جولي ماسواش فيه أي.

خلعت الأخري وشاحها وأعتدلت في جلستها:
_ لاء بجي، رحرحي إكده وجوليلي كل الي حوصل وياكي من وجت ما هربتي من المستشفي لحد دلوق.

وبالخارج يزفر سليم دخان سيجارته:
_ هو ده سبب قطع الهني مون.

ضيق صلاح عينيه يتفحص ملامح الآخر بتفرس:
_ يعني تقدر تقنعني إنها بعد ما هربت منك و سافرت علي هنا وأنت قومت محصلها وعشان معاك طيارة برايڤيت سبقتها وعملتلها كمين في المطار، كل ده ومعملتلهاش حاجة!.

دفس ماتبقي من سيجاره في المنفضة وقال بتحذير للأخر:
_ وأفرض حصل، أظن دي حاجة خاصة بيني وبين مراتي.

تحمحم بحرج:
_ أنا كان كل غرضي مصلحتك في النهاية مش عايزك تتهور زي قبل كده، ولا ناسي البنت الي  ما أستحملتش عذابك ليها  تلات أيام ورا بعض في الهنجر  لحد ما ماتت وبكل جبروت خليت رجالتك رمو جثتها للكلاب نهشوها لحد مابقت بقايا عضم! ، مراتك بنت ناس ومحترمة مش زي الأشكال الي كنت بتعرفها هم بيبقو طماعنين فيك وأنت بتغريهم وتجر رجلهم عشان تمارس هوايتك عليهم.

زفر بتأفف و رد بضيق:
_ ما قولنا خلاص يا صلاح، ولو عايزنا نخسر بعض أبقي أفتح في المواضيع دي تاني.

أبتلع تهديده فقال له:
_ راجع للشركة أمتي؟.

رد بجدية:
_ يومين كده وإحتمال بكرة، حصل حاجة جديدة؟.

عقد ساعديه وأجاب:
_ لسه جايه لي أخبار من رجالتنا الي في الداخلية إن أكرم عمران هيبدأ اللعب معانا ده.

ضحك بإستهزاء:
_ أخبارك قديمة، مش قبل ما أتجوز كنا عارفين إني هدفه ولا شوفنا حتي مخبر واحد من بتوعه هوب ناحيتنا.

_ عشان كان مكلف بمهمة تانية ودلوقتي يعتبر فاضي لنا، أنت ناوي علي أي؟.

رفع جانب فمه ببسمة ساخرة:
_ خليه يلعب وأنا هوريه اللعب مع سليم العقبي هيبقي إزاي.
2

ولنعود إلي زينب و سمية التي فتحت فاها منذ أن سردت لها الأخري كل ما حدث معها.
_ يا جلب خايتك ربنا معاكي ويبعد شره عنك، واللهي يا سليم يا إبن أم سليم وأنت بتتمشي في الشارع يجع علي نفوخك طيارة مليانة قنابل ومتفجرات وتيچي الإسعاف تلاجيك بجيت رماد.

ضحكت رغماً عنها:
_ خابره خايفة لما أروح لأهلي وأحكي لهم مايصدجونيش أو يجولو أني أتچينت وبجول إكده عشان أتطلج وأرچع لفارس، ألا جوليلي يا سمية ماعرفاش حاچة عنهم أو فارس؟.
كانت تتردد في الرد لأنها تعلم ماهية الإجابة التي تريدها، لكن أخبرتها في النهاية:
_ أني من وجت ما أتچوزت ما رچعتش البلد لكن مرات أبوي كل يوم عتتصل عليا، وليه كهينة بتنجلي كل أخبار النچع عشان أني كمان أحكي لها عني أني وصلاح لكن بعينيها، المهم أبوكي وأمك بخير و نوارة مارت أخوكي حبلي، والبت فاطمة أتخطفت وأخوكي جلب عليها النچع حته حته لحد مالجوها رچعت لوحدها ومحدش خابر من أهل النچع من الي خطفها وكيف هربت، وأچارك الله من لت وعچن الحريم الي جالت إن أخوكي الي خطفها والي جال هربت مع الدكتور والي خاض في عرضها بالباطل أعوذب بالله منهم حرج أبو الي چابوهم.

تناولت زجاجة المياه والكوب:
_ ثواني هاروي عطشي وأكملك.

أرتشفت الزجاجة بأكملها تحت دهشة زينب التي تكتم ضحكاتها.
_ دي يعتبر الأخبار الخفيفة، لكن الأخبار الواعرة  هي، أخوكي كان رايح يخطب فاطمة وهم رايحين يشترو الدهبات چاله ولد حلال وطخو.

تفاجأت زينب برغم ما فعله بها لكنها أهتزت من داخلها عند سماعها هذا الخبر:
_ و هو كيفه دلوق، عايش ولا؟.

_ و ده سؤال يتسأل برضك!،ده الرصاصة هي الي أتصابت مش هو، أخوكي كيف القطط بسبع أرواح، لساته راچع من المستشفي النهاردة.
1

عقبت بسأم:
_ ربنا يشفيه ويهديه، وعچيبة كيف فاطمة وافجت عليه وهو متچوز ومارته حبلي كمان.

ردت الأخري بنبرة فكاهية:
_ يعني هاتوهي عن عمتك چليلة، أهي عمتك دي المفروض كانت تبجي أم رافع هو و أخوه زكريا لكن فاطمة وبكر وأنتي أمكم تبجي خالتي رسمية.

لم تعقب علي ما قالت لكن أتي في ذهنها سؤال تريد إجابته ليطمأن قلبها ويخفف عنها ما به من عذاب:
_ و فارس كيفه، طلع براءة ولا لساته في السچن.

أجابت بتردد:
_ فارس هرب، جصدي الحكومة دورت عليه في النچع كله عيجولو إنه يوم فرحك كان يوم ترحيله هو والي معاه علي النيابة، طلع عليهم عصابة مسلحة و طخو السواق والظباط والعساكر وهربو المساچين كلاتهم والحكومة عمالة تدور عليهم نفر نفر.

_ يعني فارس دلوق هربان!.

ردت الأخري بإجابة زادت من حيرتها وجعلت قلبها يخفق بقوة:
_ في ناس عتجول إنهم شافوه هنا في القاهرة والله أعلم.

طرقات علي الباب وتبعها صوت صلاح:
_ سمية قولي لمدام زينب سليم بيه عايزها عشان هيمشو.

نهضت زينب وهندمت ثيابها:
_ هستناكي تيچي مع صلاح، بالله عليكي ماتغبيش عني يا سمية.

تبادلا عناق الوداع قبل الذهاب، وبالأسفل بعدما دلفت إلي السيارة التي أنطلقت بعد ذلك.

_ طبعاً حكتي ليها عن كل الي حصل بينا.

أبتلعت لعابها بتوتر حاولت أخفاءع فقالت:
_ أبداً، كنا بندردشو وبطمن علي أهلي منها.
+

تفوهت بكل صدق حتي لايشك بها ويدرك كذبها، ألتفت لها و بنظرة متفحصة أربكتها:
_ بتطمني علي أهلك ولا علي فارس!.
_ تنظر من النافذة بشرود وأذنها تستمع لتلك الألحان الصادرة من هاتفها و كلمات تتغني بها الفنانة نجاة الصغيرة (آه لو تعرف)، تشعر بكل حرف يعبر عما ما تحمله في فؤادها الذي يعشق رجل لا يحب سوي ذاته، أخبرته بشروطها للموافقة علي الزواج منه و هو لا يكترث، و في ظل عاصفة ذكرياتها التي تجمعهما معاً سمعت طرق علي باب غرفتها وأعقبه صوت شقيقها بكر: 
_ فاطمة، لو صاحية رايد أتحدت وياكي دجيجتين.
2

أغلقت الأغنية و أجابت: 
_ فوت يا بكر،  أني صاحية.
و أعتدلت في جلستها ونظرت نحو الباب يفتحه و دلف إليها:
_ مالك جافلة علي حالك ولا خرچتي تتفطري ويانا ولا تتغدي كمان.

أمسكت بوسادة صغيرة وأحتضنتها:
_ مليش نفس.

أطلق تنهيدة ليجيش عما بداخله، رأت في عينيه ما يحمله من الهموم والشجن بادي علي ملامحه وكذلك علامات الإرهاق أيضاً.
_ و مين سمعك يا خايتي، الواحد فينا مبجاش مرتاح و الظاهر ما هيشوف راحة واصل.

رمقته بإهتمام وسألته:
_ واه، مالك أنت كمان، لتكون أتخانجت ويا قمر إياك!.

تريث في الرد قليلاً و قبل أن يجيب قاطعته مُردفة:
_ مخبي أي يا بكر، لتكون سبب خناجكم إنها حدا مرات خالها؟.

هز رأسه بالنفي وقال:
_ هي هناك حداهم مش زيارة، هي غضبانة و زعلانة جوي مني.

أعتلت الدهشة ملامحها فسألته مرة أخري لتدرك ما تجهله:
_ وأنت زعلتها ليه يا ولد أبوي؟، ده قمر طيبة و زينة جوي وما يطلعش منها العيبة واصل.

ماذا و كيف سيخبرها، عن شقيقهما الأكبر الذي يحب زوجته!،  أم يجيب عن سؤالها أن سبب مكوث قمر لدي زوجة خالها هو شكه بها والذي جعله يلقي عليها بإتهام آثم!  .

_ خلافات عادية ملهاش عزا،  أتخانجت وياها و زعجت چامد فيها.

رمقته بنظرة شك غير مقتنعة بتلك الإجابة التي توقن أن هناك أكبر من ذلك، ولأنها تدرك خصال شقيقها جيداً أستنتجت مبتغاه من ذلك الحديث معاها، أطلقت زفرة عميقة ثم قالت:
_ برغم أن حاسة الي حوصل حاچة كبيرة و أنت ماريدش تجولي الحقيقة، لكن هساعدك، أنت رايد مني أروح لها لأچل أصالحكم علي بعض، صوح؟.

طيف بسمة باهتة بدت علي ثغره علي سرعة بديهة شقيقته التي تدرك مايريده من نظرات عينيه قبل أن يتفوه به.
_ ياريت لو ما عندكيش مانع!.

أومأت له وهي تربت علي يده: 
_ أنت تؤمر يا حبيب أختك.

_ ربنا ما يحرمني منك واصل يا فاطمة،  ويريح جلبك.

_ أيوه بالله عليك أدعيلي أني محتاچة الدعوة دي جوي.

_ بدعيلك علي طول أطمني.
نهضت وقالت: 
_ هاجوم أروحلها دلوق،  بس جبلها هاكل لقمة.

نظرة تعجب تنضح من عينيه: 
_ مش أنتي لسه جايلة أن ملكيش نفس!  .

_ يرضيك أروح وأجعد أتحدت وياها و أحايل فيها لحد ما روحي تطلع كل دي وأني علي لحم بطني!  .
2

ضحك رغم حزن قلبه الدفين، يتمني من داخله بأن قمره تسامحه، يعلم ما ألقاه علي سمعها من حديث قاسي و إتهام ظالم يجعلونها لا تغفر له،  لكنه يدعو ربه بالهداية بينهما وأن يبعد هذا الشيطان اللعين الذي يريد أن يفرق بينهما وأن يلهمه الصبر و ينسي ما رآه في عيني شقيقه من نظرة حُفرت في أعماق ذاكرته الدائمة!  .

                  * •••••••••••••••••• *

_ تصاعد رنين جرس الدار، خرجت فاطمة من المطبخ تلوك بفمها قطعة شطيرة،  فوجدت والدتها سبقتها لفتح الباب: 
_ حاضر يالي عترن الچرس.

مجرد أن فتحت ظهرت لها سيدة ثلاثينية ترتدي حجاب و عباءة سوداء فضفاضة إلي حد ما،  يكسو منتصف وجهها نظارة شمسية سوداء، قالت بنبرة رقيقة: 
_ السلام عليكم يا حجة أم زكريا،  مش حضرتك أم زكريا ولا أنا غلطانة؟.

رمقتها جليلة بنظرة متفحصة من أعلي لأسفل، تشعر بإنقباضة في قلبها، حدسها يخبرها أن هناك بلاء أسود وراء تلك السيدة المريبة، أجابت والقلق ينهشها: 
_ أيوه أني أم زكريا،  حضرتك تبجي مين؟.

خلعت نظارتها و ظهرت عينيها ذات الكحل الأسود، أفترقت شفاها المطلية بالحُمرة القاتمة بما سيهبط علي رأسهم كالصاعقة: 
_ أنا أبقي سمر و...
صمتت لثوان ثم أردفت بتردد: 
_ زكريا يبقي جوزي!.
    
                 *••••••••••••••••••••••*
_ تهبط أشعة الشمس الحارقة علي رأس هؤلاء العمال المنتشرون في تلك البقعة الرملية،  يقومون بحمل الرمال المستخرجة من أعمال الحفر، و رئيسهم واقفاً مع رجل يبدو من مظهره مهندس مدني يشير له في لوحة ورقية كبيرة و يشرح له المخطط الهندسي و كيف سيجعل العمال بحفر وعمل الأساسات.
بينما في بقعة علي بُعد مترين يقود السائق آلة المجرفة ( اللودر)، لرفع كم من الرمال والوصول إلي الأرض الصخرية، وعند الوصول لعمق المتر و رفع المجرفة وقعت لفافة شرشف مهترأة ومُتسخة ينبعث منها رائحة كريهة بشدة.
2

أشار أحدي العمال إلي السائق: 
_ وجف لما نشوف أي البتاعة دي.

هبط السائق ليري معه ما تلك اللفافة المُريبة،  وعندما أقتربا منها، صاح إحدهما: 
_ أباه، أي الريحة النتنة دي ولا كأنه ميت .

وضع كلا منهما كفه علي فمه وأنفه، قال الآخر: 
_ ما تيچي نشوف أي الي چوة الملاية و ريحته عِفشة جوي إكده.

أجاب الأول: 
_ هيكون أي الي چوه يعني.

أنحني الآخر إلي اللفافة وأقترب بحذر،  فكلما أقترب كلما زادت الرائحة النفاذة فداهمه السعال من قوتها،  وما أن جذب طرف اللفافة ظهرت لهما جثة متحللة، شهق كليهما: 
_ يا مصيبة سودة و مهببة،  ده طلع جتيل!  .

                    *•••••••••••••••••••*

_ تجلس أمام التلفاز في إنتظاره بعدما أنتهت من جميع الأعمال المنزلية اليومية و طهو كل المأكولات والحلويات التي يحبها،  قامت برص الأطباق علي المائدة بشكل فني و جذاب، كما وضعت شموع و اشعلتها.
تعلم منذ الصباح عندما أسترقت السمع لمكالمة هاتفية له مع إحد أصدقائه أنه سوف يعود من عمله باكراً،  لذا بعدما ذهب إلي عمله هاتف والدتها لتأتي وتأخذ صغيرتها وأنجزت كل ما ذُكر سابقاً و ها هي الآن تجلس مُرتدية ثوب حريري ذو لون زمُردي، يكشف عن زراعيها وظهرها بالكامل و فتحة صدر تكشف عن منتصف نهديها،  تُزين وجهها بعض مساحيق التجميل بلمسة خفيفة تبرز جمالها الطبيعي.
عينيها صوب شاشة التلفاز لكن عقلها في وادي آخر،  عاصفة من الأفكار جعلتها حائرة، كان هناك سؤال يفتك برأسها لماذا تشعر بالضغينة والحقد تجاه صديقتها عند رؤيتها لها مع علي!  ،  هل لأن الأخري لم تكشف لها أوراقها أم لسبب آخر تخشي الإفصاح به و لو لذاتها!  ، و لو كان السؤال الثاني صحيحاً لما هي تحترق تواً من أجل أن يعفو عنها زوجها ويغفر لها خيانتها!  .

صدح صوت تنبيه الإشعارات من تطبيق التواصل الإجتماعي، سرعان ما أمسكت بهاتفها وقامت بالضغط علي الإشعار،  فوجدته منشوراً آخر من صديقتها صورة تجمعها بعلي و في الخلفية مرسي علي النيل  وأشجار، بأعلي الصورة كُتبت تلك العبارة: 
( هاكون عايزة أي أكتر من كده الماء والخضرة و وجه جوزي حبيبي أحلي راجل في الدنيا).
أصتكت أسنانها من الغيظ جعلها أغلقت الشاشة و ألقت هاتفها بعنف علي الأريكة بجوارها، سمعت صوت مفتاحه يتحرك في باب الشقة نهضت علي الفور و دلفت إلي غرفة النوم تلقي نظرة علي هيئتها في المرآه، تعتدل من إسدال خصلاتها الطويلة التي تصل إلي نهاية ظهرها و أطبقت شفتيها لتتأكد من توزيع الحُمرة جيداً.
ألتفتت لتخرج فوجدته يدلف من باب الغرفة، توقف للحظة يرمقها في صمت، عينيه صوب عينيها، رأت إهتزاز تفاحة آدم في عنقه أثر إزدراد لعابه، و قبل أن يستسلم لهوي فؤاده تذكر موقفه و ما يُعده لها ليعود ثانية إلي جموده.
جلس علي طرف السرير ليخلع حذائه، سرعان ما وجدها تجثو أمامه علي الأرض لتخلع له حذائه قائلة بنبرة ناعمة تعلم مدي تأثيرها علي سمعه: 
_ ممكن تسيبني أعملك كل حاجتك بنفسي؟.

مازال في صمته المُطبق و تركها تخلعه عنه،  عاد بظهره إلي الوراء قليلاً يستند بيديه علي الفراش  ، بينما هي أمسكت بالحذاء والجوارب و وضعتها جانباً،  ما أن مدت يدها لتفك له أزرار قميصه أمسك بمعصمها و نظرة أنطلقت من رماديتيه جعلتها أنتفضت من الفزع،  أبتلعت ريقها وسألته:  _ أأ أنا عملت حاجة ضايقتك؟.

بدأت قبضته بالأرتخاء عن رسغها ليتنازل عن صمته و أجاب:
_ متحاوليش يا ندي، فياريت توفري علي نفسك كل الي بتعمليه ده لأن موقفي ناحيتك عمره ما هيتغير، رصيدك خلص من عندي و أحمدي ربنا أني رجعتك علي ذمتي.

تستمع لكلماته المُهينة و عينيها كأنها مُتجمدة بل مُتحجرة لم يرف لها هدب واحد، و في غضون ثانية أرتمت علي صدره تبكي كالطفلة الصغيرة، بُكاءً لم يسمعه منها من قبل، صوت بُكائها كان بمثابة سيف أخترق قلبه لم يتحمل رؤيتها في تلك الحالة، عانقها و شد زراعيه عليها، ربت علي ظهرها ليهدأ من روعها قائلاً:
_ خلاص بقي كفاية عياط.

لم تكف بل زاد نحيبها التي أهتزت له أركان قلبه المُتيم بها برغم جرحه الغائر منها، ظل يربت حتي تهدأ لكن لافائدة، أقدم علي فعل كان يحترق الأيام المنصرمة شوقاً للقيام به و ها هي الفرصة الآن بين يديه، أغمض عينيه في محاولة التراجع علي ما يدور في خُلده لكن صوت نشيج بكائها جعله يضعف، دفن وجهه في عنقها وهي تبكي علي كتفه، بدأ بكائها يخبو رويداً عند شعورها بشفاه علي بشرتها، يلثم كل إنش بعنقها و عينيه موصدة.
بدأت قبلاته تزداد و ترتفع إلي ذقنها ثم إلي وجنتها حتي وصل بشفاه إلي خاصتها ليلتقطها في قُبلة قوية كالذي يتضور من الجوع و وجد أمامه طبق مليئ بالطعام  فأكله بنهم بدون توقف، رائحتها المشتاق إليها تخترق أنفه لتسيطر عليه.
أبتعدت فجاءةً عندما شعرت بالأختناق و أخذ كليهما يلهث، قام بمحاوطة وجهها بين كفيه ليمسح عبراتها بإبهاميه، سألها بصوت تُهيمن عليه الرغبة: 
_ بتحبيني؟.

أومأت له وأجابت ببحة أثر البكاء يكاد يسمعها بصعوبة: 
_ بحبك.

رد بإنكار: 
_ عليي صوتك مش سامع.

دنت علي أذنه لتتفوه بعمق و تخترق سمعه: 
_ أنا بحبك، و عايزاك تسامحني و شرط ترجعني ليك أنك تتجوز عليا بالله عليك بلاش،  أنا ممكن أموت لو واحدة جت خدتك مني أو تبص لك أو تقرب منك أو تلمسك حتي، ده أبشع عذاب ماقدرش أتحمله و....

أكتفي من ما تفوهت به وضاق به زرعاً،  جذبها بين يديه ليقبلها مُجدداً، تطورت القُبلات إلي لحظات أخري حميمية لكن تخلو من الرومانسية بل كانت تسير في درب العنف.
تتلوي بين يديه تتوسله ليبتعد عنها أو يكف عن قسوته التي يلقنها إياها.
نهض من فوقها وأبتعد ليعود إلي حالة الجمود و يتلبسه هذا الشخص العاشق الجريح: 
_ مالك متضايقة وبتعيطي ليه!  ، للدرجدي مش طايقاني وأنا معاكي!  ، ولا هاتسيبيني و تروحي لعلي الحسيني عشان حنين و يعرف يدلعك!، لكن أنا القاسي أبو قلب حجر.

بدأ نحيبها في الإرتفاع تلملم الغطاء لتدثر جسدها العاري من عينيه التي ترمقها بإزدراء،  ليردف حديثه الأقسي من الصخر، يهدر بصوت أرعبها : 
_ عايزاني أسامحك إزاي وأنا كل ثانية بفتكر كدبك وخيانتك!  ، أنسي أن كنت في عز زعلي علي موت أبويا الي أتقتل غدر وغصب عني من حزني عليه بعدت عن الدنيا كلها فترة،  و بدل ما تقفي جمبي وتواسيني روحتي تخونيني مع واحد كلب جاي بيتحداني وعايز أطلقك عشان يتجوزك هو،  صح ولا لاء؟.

أرتفع بكائها، فصاح بها بصوت مدوي قوي و مُخيف كالرعد: 
_ ردي عليا و بطلي عياط.

هزت رأسها بالإيجاب ثم قالت: 
_ صح،  بس أنا بحبك أنت مش هو،  غلطت وبعترف بغلطي و توبت وطلبه منك السماح، أضربني أقتلني أعمل فيا الي عايزه بس بلاش تتجوز عليا.

أنقض عليها كالذي فقد صوابه وقبض علي خصلاتها: 
_ و لما الموت عندك أهون من الإحساس بالغيرة وأن أتجوز غيرك ليه خليتي واحد تاني يحبك غيري!  ، ليه خلتيه يلمسك!  ، ليه روحتي له بيته وأنتي واحدة متجوزة والمفروض  بتحبي جوزك زي ما بتقولي!.

ألتقط أنفاسه وأردف: 
_ عارفه ليه؟، لأنك واحدة ضعيفة بتمشي ورا هواها،  عايزة كل حاجة حواليكي،  راجل مريض بُحبك زي علي،  و التاني الي يوفرلك كل الي أي واحده بتتمناه،  زوج ميسور و نقيب و طيب وبيحبك وحطي تحت بيحبك مليون خط،  لأن عايزك تحطي في دماغك الي هقوله لك دلوقت،  علي قد ما حبيتك يا ندي من كل قلبي،  علي أد ما كرهت نفسي أني حبيتك، لو ينفع البني آدم يعيش من غير قلب كنت شيلت قلبي و دوست عليه بجذمتي.

ترك خصلاتها و وقف فأفترقت شفاه بكلمات نابعة من قلب رجل مقهور ومُتألم: 
_ للأسف بحبك و نفسي حبي ليكي يتحول لكره يمكن قلبي يرتاح، بس وقسماً بربي زي ما خلتيني أحس بالوجع والقهر كل ثانية لأخليكي تعيشي عشر أضعاف الي عشته، سواء أتجوز عليكي و لا أعاملك بالمعاملة الي تليق بيكي الي هو مجرد جارية تلبي لي طلباتي.

أمسك بالصندوق المحتوي علي زجاجة العطر وألقاه نحوها فأصتدم في وجهها: 
_ مش عايز هدايا، هديتك الي لسه عاملينو مع بعض من شوية.
3

                 *••••••••••••••••••••••••*

_ تشق المركب مياه النيل ونسمات الهواء العليل تداعب بشرتها التي يختلجها اللون الوردي الآن بدلاً من الأصفر الشاحب كأرض جافة تشققت من قلة الماء و عندما أرتوت عادت إلي روعتها وجمالها فينتشر الزرع بها ويترعرع،  فهكذا فعلت  بها عودة علي لها، أقسمت حينها أنها ستحارب بكل ضراوة حتي تسترده ويصير قلبه ملكها فقط.

نظرت إليه فوجدته ينظر إلي الماء شارداً، أقتربت منه وأمسكت بذقنه ذات اللحية المشذبة: 
_ ياتري حبيبي سرحان في أي؟.

شبه إبتسامة هيمنت علي شفاه، فأجاب بحزن دفين ادركته لتوها: 
_ مفيش،  عادي منظر الميه حلو وشدني ليه.

باغتته بسؤال لم يكن مستعد لأجابته: 
_ لسه بتفكر فيها؟.

أطلق تنهيدة ود لو كانت الأفكار كالهواء في رأسه تخرج بالزفير، تصنع عدم الفهم ما ترمي إليه : 
_ مين الي هاكون بفكر فيها يعني؟.

رفعت إحدي حاجبيها وبتهكم أجابت: 
_ علي،  بطل إستهبال أنت عارف أنا قصدي علي مين كويس، من وقت ما جيت عديت عليا و روحنا الفندق عشان نأكد علي حجز القاعة و لحد ما جينا هنا وركبنا المركب وأنت سرحان وساكت وكل ما أتكلم معاك تهزيلي راسك كأني بكلم نفسي.

عقد مابين حاجبيه بضيق من صوتها المرتفع وأسلوب حديثها معه لايروق له: 
_ أنا هنبهك لأول وأخر مرة،  لو أتكلمتي معايا تاني بأسلوبك ده هقولك كل واحد يروح لحاله،  سمعتي كويس ولا أعيد تاني.

وقع كلماته بمثابة صدمة، إنه يلعب علي نقطة ضعفها و ما هي إلا حبها نحوه.
ردت بتوتر جلي في نبرة صوتها: 
_ سوري،  بالتأكيد مش أقصد أتكلم بأسلوب وحش  زي ما فهمت بس أنا أتضايقت من تجاهلك ليه طول الوقت، عارفه لساك بتحبها ومش قادر تنساها و في نفس الوقت عايزني أنسيهالك،  طب إزاي وأنت حاطط مابينا ألف حيطة سد مابيني ومابينك!.

زفر بتأفف لايريد التحدث في هذا الأمر ولو بالفعل يريد نسيانه فهي تذكره الآن وتجعله يعود سجين أفكاره مجدداً.
_ و مجرد أنك تجيبي سيرتها أو تلمحي بيها بكده عمري ما هنساها،  أنا لما طلبت منك وقت ما كنا بنرقص أنك تخليني أنساها،  قصدي تجذبيني ليكي تخليني أعرف أحبك بس بإرادتي مش غصب وعافية!.

أفترقت شفاها ببلاهة وكأنها تراه بثلاث رؤوس،  تحلل كلماته المتناقضة بداخل عقلها ولم تصل إلي نتيجة أو حل، لكن هناك حلول يلقيها عليها قلبها الذي لم يتنازل عن عشقه.
_ ممكن نتفق إتفاق و هو نرجع نتعرف علي بعض من أول و جديد،  ننسي كل ماضينا ونرميه ورا ضهرنا، وندي لبعض فرصة أن كل واحد فينا يكتشف التاني من مميزات وعيوب بيحب أي وبيكره أي،  بس بشرط.

ومع كلمتها الأخيرة أبتسم بسخرية،  لم تكترث لبسمته وأردفت: 
_ ماتستغلش نقطة ضعفي ناحيتك و أنا مش هاضغط عليك وفي نفس الوقت مش هاسيبك لحد ما تحس من جواك أنك فعلاً  بتحبيني،  و حب كمان لدرجة العشق،  أتفقنا؟.

أومأ لها بإستسلام قائلاً: 
_ أتفقنا.

قفزت من جواره لترتمي عليه وتعانقه مُهللة بسعادة، فها هي الآن نجحت في أول خطوة للفوز بفؤاده.
قهقه علي جنونها الذي راق إليه،  فعقله يخبره أن ما هو مُقبل عليه معها هذا عين الصواب، لا أمل ولا حياة في التعلق بأوهام، كُن مع من يحبك ويريدك بشدة وليس مع من لايريد حتي ذكر إسمك أمامه.
2

             *••••••••••••••••••••••••••*
_ طرقت الباب أولاً ثم ولجت إلي الداخل تحمل صينية الطعام فوجدته يجلس علي الكرسي ويصلي جالساً،  أنتظرت حتي أنتهي من أداء فرضه فقالت: 
_ تقبل الله يا بابا.

أنتهي من التسبيح والأستغفار قائلاً: 
_ منا ومنكم آمين.

همت بالذهاب قبل أن يناديها تخشي التحدث معه فيما حدث بينها وبين فارس،  أوقفها مُردفاً:  _ أستني يا شهد يابنتي عايز أتكلم معاكي شويه.

ألتفتت إليه و خطت لتجلس أمامه،  تتجنب تلاقي عينيها مع عينيي والدها حتي لايري مدي ألم قلبها.
_ خير يا بابا؟.

رد الحاج نعمان: 
_ كله خير يابنتي،  عشان كده مش عايزك تتسرعي وتحكمي علي الحاجة من مظهرها.

أدركت ما يرمي إليه فقالت: 
_ و أنت يرضيك يا حاج أنت بنتك تتجوز واحد بيحب غيرها ولا عمره هيحبها!.

_ و مين قالك أنه عمره ما هيحبك، مش يمكن يزهق من الي بيحبها خاصة أنهم بُعاد عن بعض،  و ممكن لما يشوف حنيتك وإهتمامك بيه علي طول وقتها يتحول حبه ليها ويبقي ليكي أنتي!.
أستند علي مسند كرسيه ونهض ليجلس بجوارها فأسرعت لمساعدته علي السير والجلوس بجوارها وأكمل حديثه: 
_ عارفة يا شهد أنا و والدتك الله يرحمها أتجوزنا جواز صالونات ولا كنت أعرفها ولا كانت عرفاني وكان معظم الناس بتتجوز كده أيامنا،  وسبحان الله الي بيوفق ويألف مابين القلوب،  الله يرحمها مكنش فيه أحن من قلبها،  حسيت فيها كل الي أفتقده، لاقيت فيها أمي في حنيتها وصديقتي الي بشكي لها همومي حتي لو كانت السبب فيها  و مراتي الي بتحتويني وعشيقتي الي عيوني ماشفتش ولا هاتشوف غيرها.
إبتسمت و هي تشعر بالغبطة،  فوالدها حقاً كان ومازال يعشق والدتها المتوفية،  تمنت ولو جزء بسيط من هذا العشق لكن من فارسها،  أمعنت التفكير فيما قاله والدها.
_ تفتكر أن ممكن يحبني زي ما بحبه؟.
و ما أن أنتبهت لتصريحها بدون خجل أمام أبيها،  طأطأت رأسها لأسفل بحياء، وضع يده علي كتفها:
_ مكسوفة من أي،  أنا عمري ما هحجر علي مشاعرك ولا أمنعك عن نعمة ربنا وهبها لينا طالما هاتكون في إطار شرعي و يكون الي بتحبيه واحد يستاهلك وهيتقي الله فيكي.

رمقته من طرف عينيها وقالت بتردد: 
_ أنا بس أندفعت مرة واحدة كده والمفروض يكون عندي دم وأخجل إن أقول حاجة زي كده قدام حضرتك.

ضحك علي برائتها،  فهذه طفلته التي مهما كبرت ما زالت خصالها كما هي،  تندفع وترتكب الأخطاء ثم تخجل غرار جرأتها المعتادة.
_ والله وكبرتي يا قلب أبوكي،  كنت طول عمري أقول أمتي أشوفها وهي عروسه وأخيراً جه اليوم وربنا يقدرني ويديني العمر أسلمك بنفسي لعريسك.

عانقته بقوة مثلما كانت تفعل دائماً:
_ ربنا يبارك لي في عمرك و أخليك زي ما ربتني تربي أحفادك كمان.

ربت علي ظهرها قائلاً:
_ ربنا يسعدك ويحفظك يا بنتي ويريح قلبك.

             *••••••••••••••••••••••••••••*

_ أتفضلي يا أبلة فاطمة دارنا نورت.
قالها عمر إبن خال قمر بعد أن فتح الباب، ألتفتت خلفها قبل أن تدلف تشير لبكر المنتظر في ركن يبعد عن المنزل بأمتار قليلة.
وبعدما دلفت أشار لها الصغير لتجلس: 
_ أتفضلي أجعدي هادخل أنادم لك علي قمر.

_ أومال فينهم أمك وأخواتك؟.

أجاب: 
_ أمي في المستشفي وأخواتي وياها وأني وقمر هنا في الدار بنچهزلهم الواكل.

رمقته بشفقة عند تذكرها لمرض والدته فقالت: 
_ ألف سلامة علي والدتك ربنا يشفيها ويعافيها.

وقبل أن يُعقب علي مواساتها خرجت قمر من المطبخ،  تفاجئت بوجود فاطمة فأستقبلتها بفرحة: 
_ الله أي المفاچاءة الحلوة دي.
عانقتها بود وترحاب،  فقالت الأخري: 
_ بجي إكدة ياقمر،  تغيبي يومين ولا تسألي!  ، طب لو زعلك مع أخوي أني ذنبي أي؟.

_ طبعاً ملكيش ذنب واصل، معلش حجك عليا أني كنت محتاچة أبعدلي يومين،  و أهنه أديكي شايفه هم محتاچيني،  مرات خالي عتروح المستشفي وبناتها وياها وأني بسويلهم الواكل عجبال ما يرچعو، جوليلي الأول تشربي أي؟.

أمسكتها من يدها وقالت:
_ أجعدي أهنه أني ماجياش أتضايف.

رمقتها بفيروزيتيها المليئتين بالشجن:
_ لو چاية لأچل تصالحني علي أخوكي، أني بجولك أعفي نفسك من المهمة دي لأني مش هسامحه.

_ أستني الأول وأسمعيني، أني وربنا ماعرفاش الي بيناتكو وحوصل أي، بكر أخوي ما جاليش حاچة هو طلب مني أچي أجولك مهما حوصل ماتبعديش عنه لأنه بيحبك جوي ومايجدرش يعيش من غيرك .

تنهدت بقلة حيلة لاسيما قلبها الذي خفق من كلمات بكر المُرسلة إليها علي لسان شقيقته، لا تنكر هي أيضاً أنها تحبه بل تعشقه وتشتاق إليه فهو من أنقذها من براثن شر أعمال زوجة خالها وشقيقها ولم يتردد في الزواج منها برغم الظروف الصعبة المُحيطة بها.
_ أخوكي أهاني يا فاطمة، چرحني وأتهمني بأبشع إتهام لا يمكن أسامحه بعده.

أطلقت زفرة وأخذت تستغفر ربها ثم قالت:
_ طب جوليلي أتهمك بأي ولا سوي أي وياكي وأني هجولك حداكي حق ولا لاء؟.

فكرت لثوان وجدت أن ما حدث لايمكن التكلم عنه، ماذا ستخبرها وكيف!، و هل ستصدق!، فهي تعلم أن زوجها لديه حق في غيرته، لاتنسي نظرات زكريا لها كلما تلاقت عينيه بخاصتها، نظرات كانت تراها دائماً في عينيي بكر قبل ما يفصح لها عن حبه، ألهمتها أفكارها بنسج قصة زائفة حتي تقتنع الأخري فقالت:
_ كل الي حوصل جولت له أني معوزاش أتچوز في دار تانية ورايده أعيش ويا أهلك راسه وألف سيف  ومحكم رأيه لكلمته هي الي هاتمشي.

تستمع فاطمة إليها بإهتمام، ضيقت عينيها ويبدو من نظراتها أنها لم تقتنع بعد خاصة أنها علي دراية بأن قمر تريد العيش بعيداً عن جليلة بسبب معاملتها السيئة كلما أتاحت لها الفرصة وبكر غير موجود في المنزل.
_ أخوي رايد تعيشو في شجة تانية ودي أني خابرها لكن الي ما بلعهوش هو كيف أنتي رايدة تعيشي ويا أمي الي كان أغلب خناجاتي وياها بسبب معاملتها الشين ليكي!، قمر، جولي الحجيجة أحسن لك.

جلست بجوارها مُترددة تخشي أن تخبرها فيزداد الطين بلاءً.
_ معلش وريداكي متزعليش مني، أخوكي لو كان رايدك تعرفي كان جالك، متحطنيش في موجف محرچ كفايه الي أني فيه.

أومأت لها علي مضض وبداخلها الفضول علي وشك أن يقتلها، لكنها أحترمت خصوصيتها مع شقيقها ولم تريد أن تتطفل أكثر من ذلك.
_ ماشي علي راحتكم أنتم الأتنين، علي فكرة هو واجف بره الدار منتظرك تجوليله يتفضل أهنه.

قشعريرة سرت علي طول عمودها الفقري من فرط السعادة عند سماع هذا،  فما كان منها سوي أن تتدلل:
_ خليه حداه إن شاء الله يجف لسنة كمان ولا طلعه له ولا هاجوله أتفضل عاد.

إبتسمت فاطمة بمكر، تدرك تأثير ما ستتفوه به علي الأخري جيداً:
_ علي راحتك يا مارت أخوي، خليكي أهنه كيف ما أنتي رايده، أه نسيت أجولك طلع أخويا زكريا ماتچوز واحدة إنما أي وسطها كيف الكامانچا  عود وچمال وحلاوة تخلي ماحدش ينزل عينيه من عليها، أني يا بت عاكستها.

رمقتها بدهشة فسألتها لتتأكد ما تتمتم به:
_ مارت أخوكي زكريا كيف، أتچوز ميتي؟.

_ أرچعي الدار وأنتي هاتعرفي كل حاچة، ده موضوع كبير جوي وأمي جالبة الدنيا علي راس زكريا، الحزين ضاجت في خلقته من جلة الحريم راح أتچوز غازية.

شهقت قمر وهيهات أنطلقت في الضحك حتي توقفت:
_ يا خبر أبيض، زمان خالتي چليلة جامت عليه الحد.

اجابت الأخري:
_ الدنيا هناك مولعة أمي عمالة تنوح وكأنها ميتلها ميت وأبوي يهديها و زكريا راح ساحب مارته من يدها و باينه خدها علي داره الي كنتو فيها.

تركتها و دلفت لتحضر عبائتها السوداء وغطاء وجهها وخمارها وأرتدتهم علي عجلة من أمرها، وقامت بمناداة عمر:
_ عمر خليك أهنه وماتخرچش بره عجبال ما أمك وأخواتك يرچعو.

_ رايحه فين، هاتهملينا تاني؟.
سألها بنبرة ألتمست فيها حزنه، دنت منه و مسحت بيدها علي رأسه:
_ ما تخافش أني راچعة تاني، رايحة أشوف عمك بكر رايد مني أي و معاوده تاني.

خرجت إلي فاطمة التي فرحت عندما رأتها قادمة معها، فقالت بمزاح :
_ هاترچعي لأچل چوزك ولا غيرتي من الغازية.

و غمزت لها بعينها، لكزتها قمر في كتفها:
_ غازية علي نفسها، الي تجرب من چوزي أجطعها بسناني.
      
              *•••••••••••••••••••••••••••••*
_ بمجرد رؤيتها وهي قادمة برفقة شقيقته كان كالغائب عن الوعي و أفاق من إغمائه للتو،  كلما تقترب خطوة تزداد دقات قلبه كقرع الطبول.
وبدون أن تنتبه قامت شقيقته بالغمز إليه فبادلها بإبتسامة إمتنان وشكر.
كاد يقترب من قمر لكنها أمسكت بيد فاطمة وقالت من أسفل غطاء وجهها: 
_ يلا بينا يا فاطمة.
2

حدجها بدهشة وتعجب من رفضها إليه فقال: 
_ فاطمة هاترچع علي الدار وأنتي هاخدك ورايحين نجعدو في أي مطرح، رايد أتحدت وياكي.

زجرته بنظرة من فيروزيتيها  : 
_ و أني ما رايداش أروح وياك أي مطرح وملكش حديت معايا، أني راچعة لأچل خاطر خايتك وهاجعد وياها.

جز علي أسنانه بحنق فقال لها وبنظرة توعد يحدقها بها: 
_ بجي إكده يا قمر!، روحي ويا خايتي بس أستلجي وعدك مني.

كادت تضحك وحمدت ربها أنه لايري ضحكتها أسفل غطاء الوجه،  فقالت بتحدي وكبرياء: 
_ فاكرني خايفة منك إياك،  هاتسوي فيا أي عاد!.
أقترب خطوة ويتظاهر بجذبها: 
_ تحبي أفرچك هاسوي فيكي أي.

تراجعت بحذر خلف فاطمة ودفعتها للسير بخطي سريعة: 
_ يلا بينا يا فاطمة،  أمشي بسرعة.

ظل واقفاً في مكانه يتبعهما وهو يكبت ضحكاته عليها،  كم يعشق برائتها وطيبة قلبها.

            *•••••••••••••••••••••••••••*

_ تتلفت تلك السيدة يميناً و يساراً في مدخل قسم الشرطة، رآها الأمين فقام بمناداتها: 
_ أنتي يا ست واجفة حداكي ليه إكده وعماله تتلفتي حواليكي؟.

سارت إليه و وقفت أمامه: 
_ بالله عليك يا بيه تساعدني أدخل الواكل ده لچوزي ده محبوس حداكو بجاله كام يوم وكل ما أچي البيه الي بيبجي جاعد مطرحك يزعجلي.

نظر إلي الأكياس التي تحملها  فسألها: 
_ چوزك إسمه أي؟.

أجابت: 
_ أسمه مچاهد.

أرتشف من الكوب التي بيده قليلاً من الشاي ثم تركها: 
_ مش ده الي ضرب النار علي رافع القناوي الي من النچع ؟.

أندفعت قائلة: 
_ هو مكنش يجصد رافع القناوي،  هو كان بياخد بتاره من زكريا واصف أصله بعيد عنك ضحك علي أخته والبت حبلي منه و مختفية بجالها كتير و چوزي رايد يعرف مطرحها فين.

أنصت لها بإهتمام فقال لها:
_ طب بصي أدخلك لساعة الظابط المسئول وتجولي له كل الحديت الي جولتيه ده لأن وجت ما چوزك جبضو عليه وماعوزش يتحدت واصل.

ردت بتردد عندما أدركت عدم إفصاح زوجها عن الحقيقة: 
_ هو لازم أجول يعني؟.

أجاب بتهكم علي سؤالها الأحمق: 
_ أيوه لازم تجولي، لإما چوزك هايروح في داهية.

وبعد قليل دلفت إلي الضابط بعدما أخبره الأمين بما تفوهت به،  أخذت تسرد له كل ما تعلمه ظناً منها هذا يبعد عنه تهمة الشروع في القتل.

تنهد الضابط وقال: 
_ أفهم من الي كل الي حكتيه أنك بتتهمي الي أسمه زكريا إنه ورا إختفاء ورد أخت جوزك الي كانت علي علاقة بيه وحامل منه وهو أنكر ومش عايز يتجوزها ولا هايعترف بالي في بطنها!.

أومأت له واجابت بإصرار: 
_ وحياة عيالي يا بيه هو ده الي حوصل،  أني كل الي طلباه من حضرتك توصل له الواكل.

أشار لها بيده:
_ حضرتك سيبي الأكل والعسكري هيدخلو له بس بعد ما يتفتش كإجراء أمني.

_ طب چوزي كده هايخرچ يا بيه ولا لاء؟.

_ خير إن شاء الله، كله الي عايزه منك تقعدي مع المُحضر وتقوليلو كل الي حكتيه و كمان مواصفات أخت جوزك الي أختفت.

وبعد الإنتهاء من الإدلاء بكل ما أُعيدت سرده علي كاتب البلاغ غادرت القسم،  أخذ الضابط الورق المدون فيه أقوالها ويمعن التفكير في كلماتها.

                *•••••••••••••••••••••••••••*
_ أي الي چابك يا سمر وخلاكي تخابري أهلي عن چوازنا.
هدر بها زكريا قابضاً علي زراعها بقوة مما جعلها تصرخ بألم: 
_ أومال كنت عايزني أقولهم عن علاقتي بيك أي إن شاء الله،  ولا ماتكونش ناوي تشهر جوازنا!.

نفض زراعها بإزدراء وصاح بتهكم: 
_ چواز مين يا أم چواز،  ده كل الي بينا حتة ورجة عرفي ملهاش عزا.

تجلت الصدمة علي قسمات وجهها واضعة يدها صدرها غير مصدقة إنكاره: 
_ هو أنا الي فهمته من كلامك صح ولا أنا الي فاهمة غلط!.

كان جاوبه الصمت الذي كان كافياً كإجابة مُفحمة لها، مما أشعل نيرانها التي أطلقتها للتو : 
_ نعم يا روح خالتك!، ورقة ملهاش عزا!، و ديني وأيماني يا زكريا لو ماروحتش جبت المأذون دلوقتي وكتبت عليا رسمي لأكون خارجة وماجرساك في النجع كله مش بس كده،  هافضحك وأقول لأهلك عن البت الورد الي ضحكت عليها وحملت منك وأنت قتلتها والكلام يتنطور للحكومة و في ثانيه تلاقي البوليس حاطط إيديك الحلوين دول في الكلابشات و هوب يرحلوك علي النيابة و هوب تلاقي رقبتك ملفوف حواليها حبل المشنقة.

كلماتها كانت كفيلة بإخراج الوحش الثائر من داخله،  و في أقل من ثانية أنقض عليها قابضاً علي نحرها: 
_ جولتي لي بجي هاتسوي أي.

ردت بصوت مختنق وكأنها تلفظ أنفاسها الأخيرة، تمسك بمعصم يده القابضة علي عنقها: 
_ أي عايز تقتيلني أنا كمان، أنا قايلة للبت نواعم تتصل عليا كل ساعه لو ماردتش تروح تبلغ البوليس.

قام بإرخاء يده عنها،  يلهث بقوة من فرط مايشعر به من الغضب والجنون عندما قامت بتهديده.
أردفت كلماتها: 
_ أيوه كده أعقل، فاكرني هبلة زي البت الي تويتها أنت وإبن خالك،  لاء يا روحي فوق ده أنا سمارة الي ياما رجالة بشنبات يقف عليها الصقر يتمنو بس إشارة مني، أعمل بقي في نفسي الي زي الزفت رفضتهم كلهم ورضيت بالهم وياريت الهم راضي بينا.

أجاب علي سخريتها بحدة قائلاً: 
_ و أني ماضربتكيش علي يدك  يوم ما وافجتي أكتب عليكي عرفي.

أبتلعت غصتها وعقبت علي كلماته التي تعلم ما وراءها من حديث طائل:
_ كان بإرادتي ورضيت بالعرفي عشان عارفة أنك مش هتوافق تكتب عليا رسمي، لأنك راجل صعيدي و أنا رقاصة والي هايعرف أنك متجوز واحدة زيي هايعيرك بيا برغم وربنا ما في راجل لمسني غيرك.

تفوه بأكثر ما قد يؤلمها من داخلها:
_ مش شرط يلمسوكي بإيديهم ولا الي بالك فيه، كفاية عينيهم الي بتاكل كل حتة في چتتك ولحمك الي باين وأنتي بتهزي وسطك جدامهم، خابرة بيتجال أي علي الي بتعري لحمها وتسوي الي عاتسويه هاتروحي تدفيني نفسك بالحيا.

_ عارفة من غير ما تقول كلام جارح، ويكون في علمك لو أنا واحدة رخيصة أوي كده أنت ماتفرقش عني يمكن أنت أبشع من كده، خاين و زاني و قاتل، كل واحد فينا هيقف يتحاسب قدام ربنا،  مفيش حاجة إسمها ده راجل والراجل مايعبوش حاجة ودي ست ولو عملت غلطة وتابت يفضلو يعايروها بذنبها طول عمرها وتبقي وصمة عار علي كل الي يعرفوها.

ولي إليها ظهره هارباً من نظرات الإتهام في عينيها فكلماتها جعلته عارياً منبوذاً،  فهي لديها كامل الحق زاني وقاتل بل وخائن، قام بخيانة أقرب الناس إليه، أحب زوجة أخيه ولم ينكر حتي عندما سأله شقيقه.

_ جصرو يا سمر أني ولا هاكتب رسمي ولا زفت،  أديكي جولتي أني رخيص أوي،  مستنية أوي من واحد مش باجي علي حاچة، أرچعي مطرحك وأنسيني، أني واحد مصيره أسود ومهبب ليه عايزة تربطي حالك بيه!.

وقفت أمامه وأمسكت يده وهي تستعيد رباطة جأشها: 
_ أنا الي جابني لحد عندك حاجة أغلي مني ومنك، الحاجة الي هتخليني أبطل رقص وأستقر في حياتي زي أي واحدة محترمة.

وضعت كفه علي بطنها، رفع عينيه ليرمقها محاولاً إستيعاب ما وصل إليه، فأقتصرت عليه السؤال لتجيب هي:
_ أنا حامل يا زكريا.
1

        *••••••••••••••••••••••••••••*

_ يجلس أمام شاشة الحاسوب ينقر علي أزرار لوحة المفاتيح يسجل حسابات المبيعات والصادرات والواردات، دلفت له سيدة عجوز ذات مظهر رث قالت له بتوسل: 
_ والنبي يابني حاجة لله،  ربنا يزيدك ويفتح عليك من وسع،  أكرمني يكرمك ربنا.

وقف و وضع يده في جيب بنطاله وبدون أن ينظر إلي كم هي النقود الذي أخذها وضعها في يدها الممتدة إليه: 
_ أتفضلي يا أمي،  ولو محتاچة أي حاچة تعالي وهاعطيكي الي فيه النصيب.

تهللت ملامحها وأنفرجت تجاعيد وجهها من الفرح وهي تنظر إلي النقود التي أعطاها إياها و عرض عليها المساعدة،  رفعت يديها لأعلي في وضع الدعاء: 
_ ربنا يعطيك ما يحرمك أبداً ويجعلك في كل خطوة خير وسلامة ويبعد عنك ولاد الحرام قادر يا كريم.

أبتسم لها بأمتنان: 
_ الله يباركلك يا أمي.

ردت وهي تغادر المتجر: 
_ تسلم يابني.

أطلق زفرة من أعماقه،  كم هذه الدعوات أشرحت صدره و تمني أن الله يستجيب لدعوات تلك المرأة المسكينة لعلها تكون السبب أو الطريق إلي برائته والعودة إلي بلده.
وفي أثناء تفكيره، أقتحم جنيدي خلوته مع نفسه فأفزعه قائلاً: 
_ أنت جاعد أهنه ولا علي بالك الي بيحوصل بره.

رمقه بإنتباه وسأله بقلق: 
_ حوصل أي؟.

أجاب مُسرعاً: 
_ چالنا خبر أن الحكومة باعتة البلدية يشيلو كل الفرش الي علي الأرصفة،  جوم تعالي شيل معاي بسرعة هخلي بضاعتي حداك في المخزن لحد ما يخلصو ويمشو.

_ و في مكان قريب يقود سيارته منذ أن تركها وغادر المنزل، لم يتحمل بكائها عندما ألقي عليها بكلماته الأقسي من الحجر، أرتدي ثيابه و ركب سيارته، ثم أخذ يتجول بها لساعات بدون إتجاه محدد.

وبالعودة إلي فارس و جنيدي يحمل كليهما اللوحة الخشبية المتراص فوقها البضاعة،  يسيران إلي متجر وفي منتصف الشارع،  صاح جنيدي في صاحبه: 
_ حاسب يا فارس.

ألتفت بفزع وتفادي السيارة بمعجزة آلهية وقع علي الأرض و كذلك مايحمله ، كانت علي وشك تصدمه من الخلف حيث كان مولياً ظهره،  بينما صاحب السيارة الذي كان غافلاً وأنتبه علي آخر لحظة ضغط علي الفرامل فجاءة مما أصدر صوت إحتكاك الإطارات بالأسفلت.
+

تجمع بعض المارة وأصحاب المتاجر للأطمئنان علي فارس الذي كاد ينهض فتسمر مكانه عندما صوت آخر ما كان يريد رؤيته علي الإطلاق: 
_ أنت بخير؟.
_ وبالعودة إلي فارس و جنيدي يحمل كليهما اللوحة الخشبية المتراص فوقها البضاعة،  يسيران إلي متجر وفي منتصف الشارع،  صاح جنيدي في صاحبه: 
_ حاسب يا فارس.

ألتفت بفزع وتفادي السيارة بمعجزة آلهية وقع علي الأرض و كذلك مايحمله ، كانت علي وشك تصدمه من الخلف حيث كان مولياً ظهره،  بينما صاحب السيارة الذي كان غافلاً وأنتبه علي آخر لحظة ضغط علي الفرامل فجاءة مما أصدر صوت إحتكاك الإطارات بالأسفلت.

تجمع بعض المارة وأصحاب المتاجر للأطمئنان علي فارس الذي كاد ينهض فتسمر مكانه عندما صوت آخر ما كان يريد رؤيته علي الإطلاق: 
_ أنت بخير؟.

توقف كل شئ في تلك اللحظة، هو لم يرفع وجهه لكن بطرف عينيه تأكد من شخصه وإذا تعرف الآخر علي هويته سوف يرجعه إلي السجن لا محالة، من لا يعرف أكرم عمران الضابط الذي يقدس عمله ويقوم بواجبه ولم يعف أي أحد أخترق القانون حتي لو كان نفسه، وإذا عاد الآخر إلي السجن فلم يستطع إظهار برائته!.

أنحني و رفع الخشبة علي منكبيه، يجيب باللهجة سكان القاهرة حتي لاينكشف أمره:
_ الحمدلله أنا بخير.

ولي ظهره إليه وهم بالذهاب ليوقفه الثاني مرة أخري ليطمأن عليه، بينما فارس يحاول بكل جهده أن لايجعله يري وجهه:
_ لو أتخبطت أو حاسس بألم تعالي أوديك لأقرب مستشفي، أنا متكلف بكل حاجة.

تدخل جنيدي الذي فهم جيداً المأزق الذي وقع فيه صديقه، فقال:
_ مفيش داعي يا بيه الحمدلله أنا نبهته علي آخر لحظة، العربية ماخبطتهوش.

رمقه أكرم وهو يشعر كأنه رأي هذا الوجه من قبل، فقال فارس ليؤكد علي حديث صاحبه:
_ مفيش داعي حضرتك، أنا كويس.

تنهد أكرم بأريحية فكان آخر ما يتمناه أن بسبب سيطرتها علي تفكيره جعله كان علي وشك إرتكاب خطأ فادح ليس في الحسبان.
_ علي العموم يا شباب أنا بعتذر، كنت سايق وما أخدتش بالي والحمدلله ربنا سترها، لو محتاجين أي حاجة أنا تحت أمركم.

رد جنيدي بدون النظر إليه مباشرةً، يتجنب نظرات تفحص أكرم لملامحه:
_ تسلم يا بيه الله يخليك.

عاد إلي داخل سيارته ومازال ينظر إليهما، وبعدما أنطلق و رحل، أسرع كلا من فارس وجنيدي للدخول إلي داخل المتجر، أدخل بضاعة صاحبه إلي داخل المخزن، جلس يلتقط أنفاسه، فسأله  الأخر ليتأكد من حدسه :
_ أنت خابر الراچل الي كان هيخبطك؟.

عقد ما بين حاجبيه و أجاب بهدوء بالغ كأنه يقص عليه أمر عادي:
_ ده يبجي ظابط وفي مكافحة المخدرات.

إبتسامة ساخرة ظهرت علي شفاه،وأردف بنبرة هاكمة:
_ وخد دي، يبجي صاحبي وأبوه كان صاحب أبوي الله يرحمهم الأتنين.
صفع الأخر جبهته قائلاً:
_ يا خربيت نفوخي، وأني برضك بجول هيئته دي مش عادية،  شكله وبصاته باين عليهم جوي،  أتاريه عمال يبحلج فيه وكأنه يعرفني.

عقب علي كلماته بفطنة: 
_ بالتأكيد كل الأقسام والظباط حداهم صوارنا لأچل بيدورو علينا من وجت الحادثة إياها.

_ وبعدين يا صاحبي ده لو أفتكر ممكن يچي ويجبض علينا،  أني إستحالة أرچع السچن تاني.
قالها بقلق وخوف ليجيب عليه الأخر قائلاً: 
_ ومين فينا الي الي رايد يرچع،  أني أتسچنت ظلم ومستني اللحظة الي أثبت فيها براءتي وخلاص هانت.
4

               *•*•*•*•*•*•*•*•*•*•*
_ ينقر عدة مرات علي زر حاسوبه المحمول وفي النهاية يُعطيه ذات النتيجة  ،  مُربع أسود يتوسطه كلمة بالإنجليزية Virus،  ذلك كان تنبيه من برنامج الحماية من الڤيروسات والذي لم يقدر علي حماية الحاسوب والملفات المُخزنة من ذلك الڤيروس الذي قام بتدمير كل محتويات قرص التخزين .

أطلق زفرة و علي وشك أن ينفذ صبره، حدسه يخبره أن هناك ما يُحاك من ورائه،  برغم إستسلامها وخضوعها المُريب له لكن هناك تردد صدي ناقوس الخطر ينبهه و يحذره بأن لا يعطيها الثقة المُطلقة،  حرياً به أن لايثق بها بتاتاً.

أخذ يقرع بأنامله علي الطاولة بجوار الحاسوب ، تذكر عندما كان يتأملها منذ قليل وهي تغط في النوم خصلاتها متناثرة علي الوسادة،  زراعيها العاريان تملأهما علامات قبضاته وقبلاته الضارية التي تركت تجمعات دموية مابين اللون الأخضر القاتم والأزرق المائل للأرجواني.
أمسك بالصندوق الخشبي المُزخرف وأخرج منه سيجاره و وضعها بين شفتيه ثم أشعلها بالقداحة، عاد بظهره إلي الخلف بأريحية،  يزفر دخانها مُبتسماً .
و ها هي خرجت من المرحاض مُرتدية معطفها القطني وعلي رأسها منشفة ملتفة حول خصلاتها  ، توقفت في مكانها بخوف شديد عندما رأته يجلس أمام الحاسوب، تدعو ربها أن لا يكون أكتشف أمرها، تصنعت عدم الإكتراث و ذهبت أمام المرآه وخلعت المنشفة من فوق رأسها، في نفس الوقت تراقبه بدون أن تلفت إنتباهه إليها، أمسكت بمجفف الشعر، كادت تضغط علي زر التشغيل فأوقفها بسؤاله الذي دب الرعب في كل خلية بجسدها:
_ أنتي معاكي نسخة من الملفات الموجودة علي اللاب؟.

ياله من وغد و ماكر يسألها بهدوء وكأنها قد فعلت ذلك وسؤاله مجرد أن يتأكد ليس إلا، و كان وقع السؤال في نفسها أدني إلي الفزع الذي يشيب له رأس الوليد، جف حلقها ولم تجد ماتبتلعه ولو قطرة من اللعاب.
أستعادت رباطة جأشها و نظرت لإنعكاسه في المرآه وليتها ما ألتقت عينيها بخاصته المُظلمة، وإذا ألتفتت و وقفت أمام عينيه  عن قرب ستري إنعكاس صور لآلاف من الشياطين تتراقص أمامه علي معزوفة الإحتفال بموتها المحتوم إذا تأكد من ظنه!.
ردت بهدوء و بثبات تُحسد عليه:
_ ملفات أي الي عتتحدت عنها؟.

إبتسامة ضارية بدت علي شفاه فقط، نهض من مكانه و هو يدفس ماتبقي من سيجاره المشتعلة في المنفضة، وقبل أن يصبح خلفها، أغلقت عينيها و بمجرد قامت أن فتحتهما وجدته بالفعل يقف خلفها يكاد مُلتصقاً، تشعر بأنفاسه، أخذ منها المُجفف وقام بالضغط علي زر التشغيل ليقوم بهذه المُهمة بدلاً منها، يمسك بخصلاتها وبعناية يجففها و مازال يتحدث بهدوء مبالغ:
_ الملفات الي علي اللاب يابيبي، اللاب الي سرقتيه وقت ما كنتي فاكرة أنك تقدري تهربي مني  .

كادت ستلتفت إليه لكنه أوقفها ليجعلها علي وضعها كما هي بأمر:
_ أثبتي زي ما أنتي، أنا لسه ماخلصتش باقي شعرك.

جحظت ذهبيتيها من جملته، من يسمعه كأنه يؤدي مهمة رسمية وليس يقوم بتحقيق مُرعب معها!.
_ أني نسيت أجولك چيت أفتحه ماعرفتش، لاجيتك جافله برقم سري، جعدت أضرب أرقام عشوائية وفي الآخر جفلته، كنت رايدة أمسح أي حاچة من عليه جبل ما أبيعه.

أنهي تجفيف خصلاتها فضغط علي زر الإغلاق وترك المُجفف علي طاولة الزينة، ألتقط فُرشاة الشعر و بدأ بتمشيط شعرها بروية قائلاً بتهكم :
_ أول مرة أعرف أن الواحد لما يكتب ال password غلط كذا مرة اللاب يتڤيرس، درستيها في الكلية عملي ولا نظري يا حضرة المهندسة !.

قلبها علي وشك أن يتوقف، تعلم ما وراء سخريته، كم هو يتمتع بذكاء خارق و دهاء أوقع به أعتي رجال الأعمال والمافيا اللذين وقفوا أمامه أو كانو أعداء له، مهلاً إن كان هو يمتلك هذا الذكاء فالمرأة لديها ذكاء لا يقدر أن ينافسها فيه رجل واحد.
ألتفتت إليه ليصبح وجهها مقابل وجهه بعدما أنتهي من التمشيط، وضعت وجهه بين كفيها وقالت بمزاح زائف:
_ إعتبر دي سخرية ولا بتختبر معلوماتي، تشوفني كنت شاطرة ولا لاء.

أفزعها حين أمسك بيديها المحاوطة لوجهه وأثني زراعيها خلف ظهرها، ليصبح صدره ملاصق لخاصتها و أمام شفاها المُرتجفة بل كان جسدها بالكامل يرتجف، تحدث من بين أسنانه :
_ بطلي شغل الإستعباط والإستهبال ده عليا، أنتي فاهمة سؤالي كويس، اللاب لاقيته متڤيرس، طبعاً عملتي كده عشان ما أكشفش أنك عملتي نسخة من الملفات علي فلاشة أو CD  ، صح ولا لاء؟.

عادت برأسها إلي الوراء قليلاً، تجيب بحذر:
_ لو صح الي عتجوله،كنت لاجيت أي حاچة من الي نسخت عليها معاي،لو مش مصدجني فتش شنطتي.

ترك زراعيها وقال وكأنه يحاصرها بكل السُبل لكي تعترف له بالحقيقة:
_ من غير ما تقولي أنا دورت فعلا في الشنطة وكمان في هدومك يوم ما قلعتهالك في الهنجر وما لقتش أي حاجة، وكنت عارف أن مش هلاقي لأنك ممكن أو بالتأكيد بعتيها في طرد لحد تعرفيه هنا في مصر.

حاولت بكل قوتها أن لايفلت منها فعل يؤكد له علي حديثه، تعلم مدي ذكاءه لكن ليس إلي هذا الحد المُخيف وكأنه كان عميلاً لدي المخابرات!.

تصنعت دور المجني عليها لتقنعه أن ما تفوه به إفتراء عليها:
_ هو أنت عطيت لي فرصة أسوي أي حاچة!،طلعت من عند ساندرا علي المطار و ركبت الطيارة علي طول ولما وصلت القاهرة تو ما خرچت من المطار تو ما لاجيتك في وشي.

ظل يرمقها بنظرة مُخيفة أخترقت روحها،يلتقط أنفاسه و يخرجها في زفير حارق كألسنة اللهب، هناك صوت بداخله يخبره بأن عليه أن يصدقها فما رأته علي يديه جعلها تعلمت جيداً من أخطائها و من الحماقة أن ترتكب خطأ آخر.
قال بنبرة جدية وتحمل من الوعيد ما يرجف الأوصال: 
_ هاحاول أصدقك،لأن لو أكتشفت أنك كذبتي عليا و عملتي حاجة من ورايا،أقسملك بالي خلقني وخلقك أن لو وطيتي علي رجلي وبوستيها لأخر يوم في عمرك مش هارحمك من الي هاعملو فيكي،الي عملته معاكي في الهنجر كان لعب عيال مجرد تسالي،المرة الجاية هايكون عذاب علي حق وأديكي شوفتي عينة منه لما كنت بعذب الراجل في لاس فيجاس.

وفي لحظة أصبح وجهها قاب يديه،فأخبرها بدهاء و كأنه حقاً يخاف عليها ويهتم بأمرها:
_ بيبي،لو مخبية حاجة أتمني تقولهالي،أنا خايف عليكي من نفسي،المرة الجاية مش ضامن ممكن أعمل فيكي أي!.

تباً لهذا المعتوه المريض،يقوم بنصحها وإرهابها في آن واحد!.
هزت رأسها بالنفي وقالت بصوت خافت،  و في نفسها تود أن تصرخ في وجهه تخمشه بأظافرها أو تقبض علي نحره وتضغط بكل قوتها حتي يلفظ أنفاسه:
_ مفيش حاچة مخبيها، كل الي أعرفه جولته، و أظن من العقل والي شوفته علي يدك خلاني أتعلمت زين جوي.

هنا البسمة غزت ملامحه وقسمات وجهه،كفاها رعباً إلي هذا الحد،طبع بشفاه قُبلة علي جبهتها و علي وجنتها ليليها الأخري ثم أنهال عليها بوابل من القُبلات في كل أنش بوجهها وعنقها حتي وصل إلي موطن كلماتها وألتقمها كالوحش الضاري الذي يلتهم لحم فريسته، صوت تأوها يكتمه بداخل فمه،لم يرحم شفتيها حتي تذوقت طعم دمائها،ومن فرط الألم تتمسك بحافة الطاولة الزجاجية حتي أبيضت أناملها.
تركها بعد أن كانت علي وشك الإختناق حرفياً،ألتقطت أنفاسها بصعوبة، إستدارت علي الفور لتري شفتيها المُدماه في المرآه، وكما توقعت الكثير من الجروح المتفرقة علي شفتيها  وتذرف الدماء، وكأن وحشاً برياً من كان يُقبلها!.

أعطاها منشفة وينظر لها عبر المرآه بسعادة قائلاً بأمر محسوم  :
_ عشر دقايق وتكوني جاهزة،رايحين الڤيلا، عندنا حفلة وعازم فيها فيها الناس الي ماقدرتش أعزمها وقت فرحنا.

سألته بتمني:
_ صلاح وسمية چايين؟.

أومأ لها مُجيباً:
_ طبعاً، دول من أول المدعوين، أهو تقدري تتكلمي مع صاحبتك براحتك وتعرفي أخبار البلد وأهلها الي عايشين فيها والهاربين منها.
أختتم كلماته بغمزة من عينه، فأدركت مقصده من آخر ماتفوه به،بادلته بنظرة ثابتة لم تتأثر بحديثه بل أرتسمت الجدية علي ملامحها وقالت بآلية بحتة:
_ عشر دجايج وهاكون چاهزة، ممكن لو سمحت تهملني فيهم ألبس خلچاتي؟.

أطلق ضحكة ساخرة،لم تعطيه ردة فعل رغماً أنها تستشيط غيظاً من إستهزائه وسخريته منها، وعند رؤيته لإحتقان الدماء في وجهها علم كم هي غاضبة، أخبرها رافعاً كفيه:
_ خلاص أنا خارج وهستناكي في اللڤينج بره لما تخلصي.

و مجرد أن غادر أمسكت وسادة لتكمم فاهها وتطلق صرخة عميقة لايسمعها أحداً سوي هي فقط،حتي التعبير عن حزنها وغضبها قد حُرمت منه وذلك حتي لاتثير شكوكه نحوها ولما تخطط إليه!.
4

                    *•*•*•*•*•*•*•*•*

_ يا مُرك يا چليلة، يا ميلة بختك الي أنيل من سواد الحلل في عيالك،ياريتني ما كنت خلفتكم مكنش حرجتم دمي ولا چالي الضغط،هاتموتوني بحسرتي.
صاحت بنواح وتضرب بيدها فوق الأخري أعلي رأسها، أمسك إبنها بيدها بتوسل:
_ أبوس يدك وطي حسك.

نفضت يده وزجرته بنظرة جحيمية:
_ خايفة للغازية تسمعني إياك!،للدرچدي خايف علي مشاعرها وفي داهية أمك!.

زفر والحيرة تأكل صدره، لقد أصبح في مأزق لا يُحسد عليه،أختار دربه فعليه التحمل والقادم أسوء بكثير!.
رد بإنكار:
_ لاء،أني خايف عليكي أنتي النرفزة الي أنتي فيها غلط علي صحتك،أني رايدك تسمعيني للأخر و....

قاطعته بسخرية وغضب معاً:
_ أسمع أي أكتر من الي سمعته وأنت بتجولي أتچوزت الغازية،رايد مني أرجصلك أني كمان!.

وفي الخارج بالردهة تجلس فاطمة في صمت وبجوارها أيضاً قمر كلتيهما تعقد زراعها، وعينيهما لاتحيد عن تلك الجالسة في الكرسي المقابل،تتأفف وتزفر بضيق،فصوت زوجها و والدته يصل إلي ثلاثتهم.

_ ألا جوليلي يا قمر هو ليه الناس مابجاش حداهم دم ولا إحساس؟.
سألتها فاطمة بنبرة هاكمة تقصد بها سمر، فأجابت قمر  لتكمل وصلة السخرية وتتحاشي في نفس الوقت النظر للتي ترمقهما بشرٍ للتو:
_ مالناش دعوة بحد يا فاطمة،و علي رأي المثل الي حداه دم أحسن من الي حداه فدان.
أخفضت صوتها بسؤال تهمس به إلي فاطمة:
_ صوح المثل ولا أني بخرف؟.

كادت تجيب الأخري لكن داهمها الفزع عندما نهضت سمر واضعه يديها علي جانبي خصرها، تتشدق بصوت جهوري:
_ إسمعي يا دلعدي منك ليها، أنا ساكته لكم من بدري عشان خاطر سي زكريا، و سامعه كلام الحاجة وهي بتهيني وأنا عاصرة علي نفسي فدان ليمون وقولت يابت أستحملي مهما كانت أم جوزك، لكن بقي شغل التلقيح و الحرابيئ لحد عندي وأستوب أنا لو فرشتلكم الملايه هفرج عليكم النجع كله ولا هايهمني حد، فاهمة ياختي منك ليها.

أومأت كلتاهما،تتشبث فاطمة بقمر وكأنها تحتمي بها، وبالعودة إلي المشادة الكلامية الحادة مابين زكريا و والدته.
_ غازية!،وأني الي كنت بحلم باليوم الي أچوزك فيه زينة الصبايا تجوم رايح تتچوز لي رجاصة!، ليه إكده يا ولدي،أني خابره أنك بتاع بنات وكنت بدعيلك بالهداية ويرزجك بالي تملا عينك وتتوبك عن الي كنت بتسويه، طب ما حطتش في دماغك وجتها سمعتك وسمعت أهلك وناسك!،خابر هيتجال عليك أي لما الكل يعرف!،بلاش دي نسيت أبوك وأخوك يبجو شيوخ وحافظين كتاب الله، جولي هيبجي أي منظرهم قدام أهل النچع!.

كلماتها بمثابة سوط غليظ تنهال به عليه بلا هوادة، فلديها كامل الحق،لكن هناك تضاد في مبادئها و هو كيف لم تتقبل زوجة إبنها لكونها راقصة و لماذا تريد من إبنتها الزواج من إبن شقيقها الذي يتاجر في المخدرات والأسلحة!، يا للعجب من هذا التفكير العقيم!.

_ماخلاص ياماه الي حوصل حوصل، وريحي حالك إكده ولا إكده أني هاخدها وهانعيشو في مصر (القاهرة).
قالها مولياً ظهره إلي والدته التي صاحت بصدمة من اللامبالاه التي يرتديها ولدها وكأن الأمر يخصه هو فقط ولم ينل عائلته:
_ هو ده الي قدرك عليه ربنا!، تصدج بالله أني المفروض ينادوني يا أم بكر، ياريتك كنت في ربع أخوك ماهجولكش تبجي زيه، برغم مكنتش راضية علي زواچه من قمر لكن أختار صح،بت محترمه من بيت محترم،عارفة ربها و متربية زين،ياريتك كنت أتچوزت كيف قمر مكنتش هتجهرني زي ما جهرتني دلوق.
1

_ ياريتني جابلت جمر من زمان، يمكن كنت هاتوب علي يدها،هي دي الي كنت بحلم بيها،ويوم ما لاجيتها طلعت مارت أخوي.
كلمات جالت في عقله ولم يستطع البوح بها،لذا عليه بالتمني في صمت مطبق للأبد.
رد بصوت مسموع وأشتد به الضيق والحنق:
_ بزياداكي بجي عاد،وأني لما چيت جولت لك علي موضوع چوازنا أني كان جصدي أعرفكم ماباخدش رأيكم.

وجدت من مناقشتها البائسة معه لافائدة،سأمت من أخطائه وفاض بها الكيل،وبدلاً من أن تدعو له قالت:
_اللهي ما يريح جلبك كيف ما أنت تاعب جلبي وياك يا ولدي،و طول ما أنت ماشي في الطريق الشين نهايتك هاتبجي سودة و وجتها تجول ياريتني كنت سمعت حديتك يا أماه.

ألتفت إليها و حدجها بنظرة أبلغتها أنه بالفعل قلبه يُعاني و روحه تحترق من كثرة الآثام التي أرتكبها.
_ بالله عليكي ما تدعيش عليا أني ماناجصش،أني فيا الي مكفيني،جلبي واچعني أوي. 

و في برهة فرت من عينه دمعة جعلت قلب  والدته يتقهقر ويحترق، ما بيدها سوي مدت زراعيها له، فأرتمي علي صدرها كما كان طفل صغير يبكي في حضن والدته، بكاءً مريراً،شعرت بالندم علي ما ألقته علي مسامعه
، أخذت تربت عليه بحنان وبصوت يشوبه الندم قالت له: 
_ حجك عليا يا ولدي،ياريت كان أنجطع لساني قبل ما أدعي عليك.
: أزداد بكائه مصحوباً بنشيج يرتفع بالتدريج.
_ بعد الشر عليكي يا أمي، أني أستحق الي جولتيه وأكتر، كل الي طلبه منك تدعي لي ربنا يهدي جلبي.

عانقته بقوة،فشاركته في البكاء:
_ ربنا يريح جلبك يا ولدي ويهديك، ويبعد عنك الشيطان.

أمسك بيدها وقام بتقبيل ظهر كفها يطلب منها برجاء:
_سامحيني يا أمي،أرضي عني أحب علي يدك.
_ مسمحاك ياولدي، ولو عايزني أرضي عنك صوح طلج البت الرجاصة العفشة دي،وأني هاچيب لك عروسة أچمل وأأدب منها بكتير، فاكر البت چميلة بت عبدالوهاب المزين؟.

وقبل أن يجيب ولجت هي علي كلمات والدته وتشدقت: 
_ يطلق مين يا حاجة،أتقي الله ده أنتي عندك بنت،ولو مش خايفة للي بتعمليه يترد فيها،خافي علي حفيدك الي في بطني.

أستمعت جليلة لها وكأن دلو ماء أنسكب علي رأسها،كادت عينيها تخرج من محجريهما أثر الصدمة التي تلقتها،بينما زكريا ظل ينظر إلي سمر بتوعد كان سيلقنها إياه لكن صوت طرقات عنيفة علي باب الدار جعل أفئدتهم تنخلع من الفزع لاسيما زكريا.
1

فتحت فاطمة الباب لتجد أمامها قوة من الشرطة يتصدرهم رئيسهم الذي سألها بحدة: 
_ ده بيت زكريا واصف؟.

أكتفت بإيماءة من رأسها رداً علي سؤاله،و علي التو أمر العساكر: 
_ أدخلو هاتوه.

وقفت جانباً بتوجس وصدمة جعلتها غير قادرة علي التفوه ببنت شفه،وقبل أن تقتحم أفراد الشرطة الغرفة خرج إليهم وخلفه سمر و و جليلة التي سألت الضابط والخوف ينهش قلبها: 
_ خير يا بيه؟.

لم يرد ولكن سأل ولدها:
_ أنت زكريا واصف؟.

أزدرد لعابه وشعور النهاية يتدفق في مجري دماءه،أجاب بتوجس: 
_ أيوه أني.

_ خدوه علي البوكس.
أمرهم بإقتضاب،وبالفعل قاموا بالقبض عليه، فصرخت جليلة وسمر التي صاحت: 
_ واخدينو ليه يا حضرة الظابط،  جوزي عمل أي؟.
1

رد بإقتضاب وعلي عجلة من أمره: 
_ لما يروح القسم هاتعرفوا.

    *•*•*•*•*•*•*•*                        

_ أنتهت للتو من غسيل الصحون وأستدارت لتطفأ الموقد قبل أن تفور القهوة،فأمسكت يد الركوة وسكبتها في الفنجان ثم أخذتها و ذهبت إليه لتعطيه إياه في الغرفة التي يخصصها لإنجاز مهمام عمله ومراجعة القضايا التي لديه.
وقفت أمام الباب قبل أن تدير المقبض،تسمعه يتحدث لأحدهم لكن بللغة أجنبية،ولجت علي مهل حتي هو لم ينتبه إلي دخولها،يبدو علي ملامحه علامات الإمتعاض والضجر.

_ صوفيا أرجوكِ كُفِ عن مضايقتي كل حين وآخر،ماذا أفعل لكِ لكي تدعيني وشأني؟.

وصلت إجابتها إليه عبر سماعة أذن متصلة بحاسوبه:
_تعلم جيداً ما أريده صلاح،يكفيك بُعاداً حبيبي.

تبدلت ملامحه من الضجر إلي الإمتعاض وذلك علي مرأي تلك الجالسة في زواية تمسك بالفنجان وترتشف هي القهوة والفضول يفتك بها،تركت الفنجان جانباً وأخذت تتسحب بدون أن تلفت إنتباهه إليها لتري من المتحدث إليه.

وبالعودة إلي المحادثة: 
_ كفاكِ أنتِ محاولة،لاجدوي لعودتنا إلي بعض مرة أخري،أنتِ من أخترتِ النهاية وعليكِ التحمل،وكما أخبرتكِ سابقاً، الرجل الذي أحبتيه قد مات منذ زمن والفضل يعود لكِ صوفيا.

لحظات من الصمت المُطبق، قطعته شهقات مُعلنة عن بكائها وتوسلات لانظير لها، محاولات بائسه لإستمالة قلبه إليها مرة أخري.
_ صلاح،أنا ضائعة من دونك.

أغمض زرقاويتيه و خلع سماعات الأذن حتي لايتأثر،مسح بكفيه علي وجهه وأطلق زفيراً ينبع من جوفه،عليه أن يضع حداً حازماً لهذا الأمر وألا ستكون العواقب وخيمة فوق رأسه ربما تهدم حياته مع سُمية!.

وضع السماعات مرة أخري في أذنيه وقال: 
_ أنتبهِ لي صوفيا، لأنني لم أعيد حديثي مرة أخري،لم ولن أعود إلي مَنْ أختارت بل وفضلت إدمان الخمر والعقاقير عن الإنسان الذي أحبها بصدق وكان علي إستعداد أن يفعل المستحيل من أجلك، لكن أنتِ لاتستحقين منه سوي الشفقة علي حالتك المُزرية والبائسة ل....

قاطعته برجاء وتوسل يُرثي له: 
_ من فضلك أسمعن...

_ أستمعِ أنتِ يا إمرأه ولا تقاطعيني،رجل آخر لو كان في مكانتي لكان قام بإستغلال وضعك وحالتك وأخذت منكِ إبنتي عنوة، لكن أنا لستُ متحجر القلب مثلك،وقلت لنفسي أبنتك غداً ستكبر وتعلم من هو والدها و سوف تأتي لك بملئ إرادتها.

وقفت الأخري خلفه تنتظر حينما ينتهي من التحدث لتلك الحرباء الصفراء التي بمجرد رؤيتها تقف خلفه تصنعت عدم رؤيتها،رجعت إلي الخلف ليتثني لها خلع سترتها وأصبحت بكنزة قطنية بدون أكمام، جففت عبراتها وأبدلت نبرتها من الحزن والآسي إلي التغنج والدلال السافر،تظن أنها تفهم اللغة الفرنسية:
_ حسناً حبيبي، لديك حق في كل ما ذكرته للتو، لكن لاتنسي كل ما كان بيننا،هل نسيت ما فعلناه من لحظات جنون، ذكرياتنا في ڤينسيا أم باريس أو الأحري علي اليخت الذي أهداك إياه صديقك سليم؟،ألم تشتاق إلي لمسة واحدة من جسدي!.

أختتمت آخر كلمة بقبلة وحركات تعبيرية بإغواء وإغراء جعل سمية تصرخ بصياح:
_ ما تخرچي له من الشاشة أحسن وأجعدي علي حچره وأهريه بوس.

أنتفض فزعاً وينظر وراءه إليها،لم تمهله بأن يفسر لها ما يحدث،أردفت:
_ چري أي يا حرباية يا صفرا يا سخامة البرك يا قعر الحلة المصدية.
2

وبدلاً من أن يوقفها أخذ يقهقه علي كلماتها البلاغية المُضحكة، فهذا كان كافياً بإشعال غضبها أكثر،ضغطت علي شاشة الحاسوب لإغلاقه ودفعت الكرسي الذي يستدير تلقائياً ليصبح في مواجهتها: 
_ و كمان ليك نفس تضحك!.

أشار لها بيده لتتريث ريثما يتوقف عن الضحك: 
_ أصبري بس هافهمك.

عقدت ساعديها وقالت بسخرية: 
_ ما أني خلاص فهمت كل حاچة، مش دي الهانم الي خلفت منها في فرنسا؟، رايده منك أي تاني، ليكون ريداك ترچع لها؟.

وأخيراً كف عن الضحك ليجيب عليها بجدية: 
_ ولو أفترضنا إنها عايزة أرجع لها، تفتكري إن ممكن أعمل كده؟.

صمتت لثوان تفكر في إجابة، فجاء صوته لها مُردفاً:
_ لو مش عارفة تجاوبي يبقي أظن أنك ماعندكيش ثقة فيا، و ده بقي موضوع تاني.

نهض من علي كرسيه و غادر الغرفة أمامها، كانت مُتسمرة في مكانها غير قادرة علي التحدث وكأن لسانها قد أُلجم بللجام قوي.
ركضت خلفه لتجده يقف خلف النافذة ويمسك بسيجارة يشعلها بالقداحة، يزفر دخانها إلي الخارج، وقفت بجواره و بندم جلي من نبرة صوتها قالت:
_ أنت فهمتني غلط عاد،و لو حديتي ضايجك كان غصب عني، غيرت عليك لما لاجيتك بترطم معها بالفرنساوي وأني مافهماش حاچة ولما جربت منك لاجيتها تخلع الچاكيت من غير خشا قدامك، رايد مني أسوي أي يعني!.

ألقي السيجارة من النافذة وألتفت إليها يحملق في ملامحها الذي يغزوها الحزن،رفع يده ليلامس وجنتها بأطراف أنامله، رفعت وجهها لتتلاقي عينيها بخاصته و خلال برهة كانت قابعة بين زراعيه،يعانقها بحب لم يشعر به من قبل سوي معها هي فقط،يحس برجفة قلبها النابض علي صدره الملاصق لخاصتها، شعور بسائل دافئ علي بشرته، فأدرك إنها عبراتها، شد من معانقتها وسألها: 
_ طيب بتعيطي ليه؟.

أجابت ببكاء: 
_لأنك مضايج مني وفهمتني غلط.

أطلق تنهيدة و ربت علي ظهرها بحنانه الدافئ:
_ أنا فعلاً هتضايق لو مابطلتيش عياط، خلاص بقي.

رفعت وجهها من موضع صدره و رمقته كالجرو الصغير فجعلته يندم علي ردة فعله، مالبث لحظات، فهبط علي شفتيها بقبلة إعتذار دامت لدقيقة بل دقيقتين، لوقت لم يشعر كليهما بحسابه بدقة،كانا محلقين معاً فوق غيمة هائمة بين نسمات العشق، يتذوق كل منهما رشفات من رحيق فم الأخر،فالإعتذار لم يقتصر علي كلمة فقط، الفعل أبلغ من الحديث وأقوي،يترك أثراً عميقاً بداخل النفس قد يدوم للأبد.

أنتهت القبلة بعدما أحتاج كل منهما لإستنشاق الهواء،أمسك بخصلات شعرها التي تعيق رؤيته لوجهها و وضعها خلف أذنيها وزرقاويتيه لاتحيد عن شفتيها شديدة الحُمرة:
_ حقك عليا، أنا الي آسف خليتك تضايقي وتزعلي و خليت دموعك نزلت.

إبتسامة سعادة عارمة غزت فمها بل ملامحها بالكامل، أمسكت بيده بين كفيها وقالت بصوت حنون:
_ أني الي خلاني بكيت هو لما حسيت أنك متضايج مني.

_ وأنا قولت لك خلاص مش متضايق.

رمقته بمكر فسألته بفضول:
_ طب كنت عتتحدت مع الي تنوأد ومايلقوش تربة يتاوها فيها دي في أي؟.

ضحك و هز رأسه: 
_ أنتي مشكلة.

جذبها برفق ليعانقها وأردف وهي بين يديه:
_ عايزة الحقيقة بس من غير زعل؟.

أومأت له وقالت: 
_ وهازعل ليه عاد!، مادام هاتجولي الصراحة من دون كدب.

تنهد ليخبرها: 
_ صوفيا عايزاني أرجع لها، كانت فكراني من بعدها مش هلاقي حد أقدر أحبه.

قشعريرة داهمت كل خلايا جسدها فسألته بهدوء:
_ وأنت جولتلها أي؟.

تفهم ما وراء سؤالها فأجاب ليطمأن قلبها الذي يسمع دقاته ويشعر بها:
_ قولتلها أنا ماحبتش ولا هاحب غير واحدة بس أسمها بقي موشوم علي قلبي، عيوني مش شايفه غيرها، الإنسانة الوحيدة الي خطفت عقلي قبل قلبي وما أستحملتش لحظة واحدة لما بعدت عني لحد ما وصلتلها بطريقتي ومسبتهاش غير وهي بقت مراتي حلالي.

ذرفت عينيها بضع قطرات فأثارت تعجبه:
_ ليه بتعيطي تاني؟.

إبتسمت وقالت بسعادة مفرطة:
_ دي دموع الفرحة.
وعانقته بكل ما أوتيت من قوة،فأردفت: 
_ أنا بحبك جوي جوي ياصلاح، ربنا مايحرمني منك أبداً.

بادلها قوة العناق مُجيباً:
_ وأنا تخطيت معاكي مرحلة الحب والعشق، شعور مش عارف أوصفه بأي كلمة، من الآخر أنا من غيرك أموت بجد يا سمية.
7

                  *•*•*•*•*•*•*•*
_ معني كلامك أنك بتنكر علاقتك بالقتيلة،برغم أن تقرير الطب الشرعي أكد علي إنها أتقتلت عن طريق الإختناق ومش بس وكده دي كمان كانت حامل، ولو أخدنا بإتهامك  زوجة أخو القتيلة ليك أنك علي كنت علاقة بورد ولما قالتلك علي حملها أنكرت، وأخر مرة شافتها كانت رايحة تقابلك.
كانت كلمات الضابط المحقق إلي زكريا ذو الوجه الشاحب، يتهرب من النظر إلي الضابط قائلاً: 
_ ماعرفش حضرتك عتتحدت علي مين، وأول مرة أسمع إسم البنت دي.

ضيق الضابط عينيه يتفحص ملامح الآخر ويقرأ لغة جسده التي تدل علي كذبه وتهربه
، أردف بتردد وإختلاق أكذوبة تزيح عنه الشبهات:
_ الفترة دي كنت ويا أخوي وإبن خالي برة النچع بنچيبو بضاعة، ولو مش مصدجني ممكن تسألهم حضرتك.

و بالخارج أمام قسم الشرطة، يمسك رافع بيد عمته يرجوها: 
_ أحب علي يدك يا عمتي خليكي أهنه، والمحامي دخلو دلوق وما هانمشيش غير وهو في يدنا.

عقبت فاطمة وعينيها ترمقه بحدة ونظرة قاتلة:
_ أسمعي حديت ولد أخوكي يا أمي، دخولك چوه ولا هايجدم ولا يأخر.

أقتربت منها سمر التي تتهرب من نظرات رافع التي ترعبها: 
__  ماتقلقيش يا حجة أنا كلمت أكبر محامي في مصر وزمانه علي وصول.

زجرتها جليلة بنظرة قاتلة وصاحت بها: 
_ بعدي عن وشي يا بومة يالي قدمك كان قدم الشوم تو ما خطيتي عتبة دارنا.

كادت الأخري تجيب، لكن صوته ونظراته الحادة كفيلة بتكميم فاهها: 
_ سمر، لمي حالك.
_ هو أنا أتكلمت يا سي رافع، أنا كنت هقولها تسلمي يا أم الغالي، دي مهما كانت في مقام أمي الله يرحمها.

كلماتها أسبرت حنق جليلة التي صاحت:
_ رافع خد الرجاصة دي من وشي.

أشار إلي غفيره:
_ تعالي يا دبيكي.

جاء إليه مهرولاً مطأطأ الرأس: 
_ أمرك يا كبير.

_ خد الست سمر وصلها لحد الدار لحد ما يقرر چوزها نعملو وياها أي عاد.

أقتربت منه بكل جرأة وأشرأبت بعنقها و وقفت علي أطراف قدميها حتي تستطيع الوصول إلي أذنه، وذلك تحت نظرات فاطمة التي ودت أن تنقض عليها وتجذبها من خصلاتها وتقتلعها من جذورها.

همست إليه ببضع الكلمات فتبدلت ملامحه وتحمحم ثم قال للغفير: 
_ خد بالك من ست سمر والي تطلبه تنفذه لها.

أبتسمت سمر وأعتدلت من وشاحها الذي يكشف عن منتصف خصلاتها، تسير وتتمايل بخصرها وقالت بدلال لتثير حنق كلا من جليلة وإبنتها:
_ هابقي أكلمك ياسي رافع وأعرف منك الأخبار، عن أذنكم، يلا يا دبيكي.

أبتعدت وكان يتبعها ببصره، يتفحص منحنياتها التي تحددها العباءة، مسح علي شاربه الكث يقول في عقله: 
_ ماعرفش الحريم الچامدة دي بيوجعو في حب الأهبل زكريا ده علي أي.
4

أنتبه علي لكز فاطمة له في زراعه: 
_ لم عينيك لأخزقهم لك.

رمقها بنظرات ماكرة يمسك وجنتها:
_ عتغيري عليا يا بطتي؟.

زجرته وألقت يده في الهواء:
_ بطة في عينك، ولا غيرة ولا زفت،  بس دي تبجي مارت أخوي.

_ طب عيني في عينك إكده؟.

أبتلعت ريقها وأشاحت وجهها جانباً قائلة: 
_ أنت في أي ولا أي،خلينا في المصيبة الي أخوي واجع فيها، جلبي عيجولي أنه له يد في إختفاء الي إسمها ورد.

وقبل أن يجيب عليها قاطعهما المحامي الذي خرج للتو ليخبره: 
_ يا رافع بيه الوضع أكبر من الي كنت متوقعه.

سأله رافع بتوجس:
_ جول فيه أي عاد؟.

نظر المحامي بإشارة نحو فاطمة، فأردف الأخر: 
_ تبجي أخت زكريا.

جفف عرق جبينه بالمنشفة الورقية ثم قال: 
_ متهمين زكريا بقتل ورد.

                   *•*•*•*•*•*•*•*•*

_ كانت تتأمل في صوره التي ألتقطتها له خلسة، تتمني بداخلها بأن تلك العينان الرماديتيان تنظران إليها مثلما تنظر هي إليه!.

_ شوفي ياشهد مين بيرن الجرس.
صوت والدها يناديها من الغرفة المجاورة، ألهذه الدرجة لم تسمع صوت الجرس من فرط شرودها في من أختطف قلبها ولُبها معاً!.

ردت قائلة: 
_ حاضر  يا بابا.

نهضت ورفعت يديها لتتأكد من عدم وجود أثر لعبراتها التي ذرفتها عينيها منذ قليل، جذبت وشاحها من فوق الكرسي وأرتدته علي عجلة من أمرها، وقبل أن تفتح قال والدها من الداخل:
_ لو الواد حمودة خدي منه الإيراد وقوليله يخلي فارس يعدي عليه بكره.

_ حاضر.
أدارت المقبض ليقابلها رائحة عطره التي تحفظها عن ظهر قلب، تخشي رفع وجهها والنظر إليه خجلاً،لاتعلم ماذا ينتابها في حضوره، تلك الهالة التي تحيطه تجعل قلبها يخفق بشدة و البرودة تسري في جسدها.

_ الحاچ مش موچود؟.

رفعت وجهها فتلاقت عيونهما وأجابت بإقتضاب وهي تشير إليه للولوج إلي الداخل:
_ موجود، أتفضل.

مد يده إليها بظرف وقال: 
_ أني چيت أسلم له الإيراد وراچع تاني علي المحل، حمودة أمه تعبانه.

أخذت منه الظرف لتجد يده تتراجع متمسكاً به، فرمقته بتعجب، فسألها: 
_ لساتك زعلانة مني، أن....

_ أنا موافقة.
إجابة أهتزت لها جدران قلبه الذي يصرخ بالرفض، كان يتمني أن لاتقبل بالزواج منه، ظن من المقابلة السابقة ولأنه يعلم بعض من خصالها جيداً وهي ذات كبرياء وما أخبرها به به جرح واعر لكرمتها، لكن ما تفوهت به للتو فاق كل توقعاته، لاحظت الدهشة التي تعتلي ملامحه، فأردفت لتوضيح الأمر: 
_ أيوه موافقة نتجوز، بس في نفس الوقت مش هاقدر أسيب بابا يعني كلنا هانعيش هنا.

_ أتفضل يابني، واقف عندك ليه، مش تقوليلي ياشهد أنه فارس، أتفضل يابني البيت بيتك.
قد خرج من غرفته وأستمع لحديث إبنته، بينما فارس الذي كان في حالة من التيه قال: 
_ معلش يا حاچ هابجي آچي لكم وجت تاني، أني سايب چنيدي هناك عجبال ما أرچع، چيت لأچل أعطيك الإيراد حمودة والدته تعبانة وراح وياها للدكتور.

_ علي راحتك يابني، عموماً كنت لسه هاكلمك وأقولك تيجي بكرة تعدي عليا تاخدني للمحل.

أجاب بإحترام وجدية:
_ تحت أمرك يا حاچ.

تدخلت شهد قائلة: 
_ أنت لسه تعبان يا بابا،أرتاح لك يومين كمان.

أجاب الأخر: 
_ أنا هافضل تعبان لو قعدت أكتر من كده في البيت،خليني أنزل أشم الهوا وأقعد في المحل، الحبسه وحشة.

قال فارس:
_ ماتقلقيش يا آنسة شهد الحاچ في عينيا وهاخد بالي منه.

رفعت زواية فمها بتهكم، فمازال يحتفظ بالألقاب بينهما كرسالة أراد أن يوصلها إليها،  مهما تقربت منه فبينهما حدود لم يتجاوزها بتاتاً.

ولكي تخبره إنها أدركت مضمون رسالته الخفية قالت: 
_ ما أنا عارفة و واثقة أنك هاتحطه عينيك، زي حاجات كتير تانية، وكده ولا كده ما أقدرش أعارض بابا لأنه عنيد جداً وأنا بقي وارثة الصفة دي منه،لما بصمم علي حاجة بعرف أخدها وتبقي ملكي أنا مش ملك غيري!.
3

طيف إبتسامة رمقها بها ويشوبها نظرة تحدي وكأنه يخبرها عليها الحذر من منطقة قلبه، فهي محظورة وممنوع الإقتراب منها.
_ عن أذنكم يا حاچ نعمان، و إن شاءالله هاعدي عليك قبل ما أدلي علي المحل.

_ وأنا هستناك.
رد نعمان، فقال الأخر: 
_ سلام عليكم.
و رحل علي الفور، أغلقت الباب وأستندت بظهرها عليه، فوجدت والدها ينظر لها ويسألها:
_ الي أنا سمعته من شويه وفهمته من كلامك دلوقت، أنتي فعلاً موافقة عليه؟.

أومأت بالإيجاب وعينيها تلمع بنظرة تحدي وإصرار قائلة:
_ أه موافقة، و ما أبقاش شهد بنتك غير لما هخلي قلبه وعقله يبقو ملكي أنا.
             
              *•*•*•*•*•*•*•*•*•*
3

_ تجول الخادمات في أرجاء المنزل للإنتهاء من إعداد كل شئ،و هنا في الحديقة يقوم هؤلاء الرجال ذو الزي الموحد والتابعين لإحدي شركات تنظيم الحفلات، ينظمون المقاعد والطاولات بشكل فني.
بينما هو يقف بداخل شرفة الغرفة يتحدث في هاتفه ويتابع كل مايحدث بالأسفل في الحديقة، و لدي إنتهاءه من مكالمته عاد للداخل وجدها تتمدد علي الأريكة المخملية شاردة في السقف، وقف لدي موضع رأسها و سألها: 
_ سرحانة في أي يابيبي؟.

تحركت مقلتيها نحوه لتري تلك النظرة التي تربكها وتخيفها دائماً، أنتظرت لحظات تفكر في إجابة يقتنع بها،وقبل أن تفترق شفتيها باغتها بما تفكر فيه حقاً: 
_ قلقانة عليه ونفسك تعرفي أخباره؟.

عقدت ما بين حاجبيها وأتقنت ظهور عدم فهمها حديثه، أعتدلت في الحال وجلست لتري ملامحه الساكنة التي لاتوحي لها بشئ لكن هناك وحش علي وشك الإستيقاظ قابع في حدقتيه القاتمتين.
أبتلعت غصة عالقة في حلقها ثم أجابت بتأني تُحسد علي إتقانه: 
_ طبعاً قلقانة عليهم، دول أهلي.

يدرك جيداً فهمها لمغذي سؤاله، وها هي تتلاعب معه كما يفعل،لكنها لاتدري مع من تعبث!.
و إذا بها تقف وتقترب منه لتعانقه بحميمية، تتلاشي النظر في عينيه أكثر من ذلك حتي لايفتضح أمر أفكارها التي تنهش بداخلها،تريد أن تطمأن علي مالك فؤادها بأي ثمن و لكي يحدث ذلك عليها بالتواصل مع مُربيته الخالة هنادي و زوجها العم جابر:
_ أبوي وأمي أتوحشوني جوي.

وبدأت تتساقط عبراتها التي شعر بدفء ملمسها لصدره،أبعدها عنه لينظر في وجهها فتأكد من صدق ما أخبرته به للتو، تلك العبرات صادقة وليست زائفة،فهناك سبباً آخر بل أسباباً عديدة.
مسح وجنتها بإبهامه ثم لعقه مُتذوقاً طعم دموعها وكأنه يلعق قطرات من العسل، يغمض عينيه بإستمتاع،و عندما فتح قاتمتيه وجدها توقفت عن البكاء و ترمقه بتعجب و بداخلها علي يقين إن هذا الذي تقف بين يديه ليس إلا مريضاً نفسياً وعليها أن تتخلص منه في أقرب فرصة تأتي إليها، لكن كيف ذلك و هي بداخل عرينه أو بالأحري لنقل سجنه المُحاط بأسلاك شائكة!.
مال برأسه قليلاً، يرمقها عن كثب و تلك النظرة التي في عينيه تدرك ما ورائها جيداً، تحدث أمام شفتيها بنبرة أسرت القشعريرة في كل إنش بجسدها و أصابتها بالصدمة والدهشة:
_ من عيوني،أول ما نخلص الحفلة هاخدك ونطلع علي البلد.
7

كان فكها يتدلي بعدم تصديق، يذعن لها بسهولة وبنبرة رومانسية حالمة لم يتحدث بها معها من قبل!.
هبط علي شفتيها بقبلة هادئة ثم أردف عائداً إلي نبرته المعهودة :
_ بس خدي بالك،حركة غدر، محاولة هروب، أنتي عارفة كويس أقل رد فعل ليا أي وقتها،مش محتاج أشرحلك أي الي ممكن أعمله، فاهمة يا زوزو؟.

أومأت له طواعيه و حدجته بشبه إبتسامة ولكي تطمأنه نحوها قالت له: 
_ شكراً.

إبتسامة ماكرة تنضح من عينيه وترتسم علي شفتيه يليها قوله:
_ حاجة لازم تعرفيها وتاخدي بالك منها، لما تحبي تشكريني بجد يبقي مش بالكلام.

_رايد مني أشكرك كيف يعني؟.
سألته بتردد وتدعي بأن يُخيب ظنونها، فأنتفضت عندما مد يديه إلي تلابيب ثوبها قائلاً:
_ أنا بقول عليكي ذكية يابيبي، لحد دلوقتي لسه مافهمتنيش، أنا هاعلمك إزاي تشكريني بالطريقة الي تعجبني وترضيني.
و بعد أخر كلمة تفوه بها قام بتمزيق الثوب من تلابيبه ليخوض معها في جولة من ممارسة الحب علي طريقته الخاصة التي تتسم بالهوس والجنون.
                  *•*•*•*•*•*•*•*•*
_ فتح زرقاوتيه فوجدها تتوسد صدره العاري، تغط في سبات تام، أمسك بخصلاتها ليبعدها عن وجهها، و بأنامله أخذ يلمس وجنتها صعوداً وهبوطاً، يهمس بعشق: 
_ مكانك دايماً هنا جوه حضني الي فيه قلبي النابض بكل كلمة حب قالوها العشاق، عيونك علمتني معني الحب الحقيقي و خلتني متيم بهواكي و سواء بعدتي ولا قربتي ببقي دايماً مشتاق.

أبعد أنامله فتململت و همهمت ثم قالت بصوت يشوبه النوم: 
_ كمل يا صلوحتي،و أي كمان؟.

سألها بتعجب : 
_ أنتي صاحية!.

أعتدلت وأستندت علي زراعه بكسل، وبمزاح ساخر أجابت: 
_ لاء لساتي نعسانة أهو.
و تصنعت النوم بطريقة فكاهية أثارت ضحكاته، فأردفت: 
_ أي السؤال الخارق للذكاء ده.

رفع إحدي حاجبيه يسألها: 
_ أنا شامم ريحة سخرية في كلامك.

رفعت رأسها لتحدجه بإبتسامة مشاكسة قائلة:
_ و الريحة زينة ولا شينة!.

نهض بجذعه وأجاب بتوعد:
_ لاء، كهينة وأنا بقي هاخليكي تحرمي تألشي و تتريقي علي كلامي.

و خلال بُرهة كان أعلاها، صرخت بقهقه: 
_ عتسوي أي فيا،أحب علي يدك أني مفرهدة ومفيش حيل واصل.

إبتسم بخبث وقال: 
_ و ده المطلوب ياسمسمتي.

أمسك بيديها و وضعهما أعلاها ثم أمسك كلا رسغيها بيد واحدة واليد الأخري تزيح الدثار عنها لكي يتمكن من دغدغتها.
_ وجف ياصلاح، كفياك هزار تجيل عاد.
صاحت بها من بين ضحكاتها وهو يدغدها ومازال مُستمراً.
_ لاء مش هوقف غير لما تقولي حرمت يا حبيبي.

هزت رأسها بنفي قائلة: 
_ بجي إكدة، مش هاجول و سوي الي تسويه.

ضحك رغماً عنه:
_ يعني مش همك!، أستحملي بقي هافضل أزغزغ فيكي لحد ماتقولي حقي برقبتي.

تقهقه بصوت مرتفع يمتزج بالصراخ لكي يتركها، ومن فرط ضحكاتها وألمها ألتمعت عينيها لتنذره علي وصلة بكاء قادمة، فتوقف في الحال، نهض من فوقها تاركاً يديها وسرعان ولت ظهرها إليها وخبأت وجهها في الوسادة.
_ أنتي بتعيطي بجد، والله ماأقصد أوجعك، كنت بهزر معاكي.

رفعت كتفها لتبعد يده عنها وأخبرته بحزن مصتنع:
_ بَعد عني وإياك تلمسني تاني، هزارك تجيل، دي ما أسمهاش زغزغة، عمال تغوزني بصوابعك و وچعت لي ضلوعي.

قال بتعجب ضاحكاً: 
_ أغوزك!، ماشي يا صاحبي، ممكن تلف عشان أصالحك.

_ و عتتمسخر عليا كمان، بَعد عني أني زعلانة ومخصماك.
ألتفتت وأمسكت بالدثار لتنهض، فسألها: 
_ رايحة فين؟.

أشاحت له بيدها بعدم إكتراث و أجابت:
_ ملكش صالح، أروح مطرح ما أروح أني واحدة زعلانة ومقموصة.

جذبها من خصرها قائلاً بدلال لها ومشاكسة رومانسية: 
_ تعالي هنا يا طعم يا مقلوظ لما أصالحك، سلامتك من القمص.

حاولت دفعه عنها:
_ أبعد عن وچعتني بچد.

أمسك بيدها وقال: 
_ خلاص مش هكررها تاني، حقك عليا.

قام بتقبيل يدها وسألها:
_ لسه بيألمك مكان الزغزغة؟.

أومأت له و زمتت شفتيها كالطفلة الصغيرة، و بمكر أمرها: 
_ غمضي عينيكي.

_ ناوي تسوي أي كمان، تعلجني في السقف!.

أخبرها بنبرة يدرك مدي تأثيرها عليها: 
_ مش أنتي بتثقي فيا، ممكن بقي تغمضي عينيكي،  وماتفتحيش غير لما أقولك، تمام؟.

زفرت بقوة وأغمضت عينيها: 
_ أديني غمضت أه.....

لم تكمل كلماتها بسبب ما يفعله الآن، سافرت يده إلي موضع دغدغته وأخذ يمسدها وفي نفس التوقيت يُقبل عنقها بالتدرج لأسفل نحو كتفها عائداً إلي عظمة الترقوة ثم هبط نحو موضع ضلوعها جانب جذعها بعدما قام بفك الدثار عنها.
كانت كالشريدة التي وجدت ملاذاً يحميها، وهو حاميها ومآواها.
ظلت ساكنة و غائبة عن الواقع مُحلقة في كبد سماء عشقه الغادق، و مالبثت حتي رفعت راية الإستسلام، وضعت يدها علي لحيته لترفع وجهه وتنظر في زرقاويتيه التي تذوب عشقاً في أمواجها العاتية.
_ أني عمري ما أزعل منك واصل.

فما كان منه إجابة سوي أن أختطفها بين يديه ليغوص بها في قاع محيط العشق الوردي.

وبعد مرور وقت...
أنتهت من إرتداء وشاحها، فأتي من خلفها صوت صفيره بإعجاب: 
_ لاء كده شكلنا مش رايحين حفلات، العيون كلها هاتبقي عليكي.

أستدرات إليه و سألته بدلال: 
_ بتغير عليا يا صلوحتي؟.

عانقها مُجيباً:
_ أوي يا روح صلوحتك، ولو لمحت واحد بيبص لك مش ضامن نفسي وقتها، أنا ممكن أغوزو في عينيه.

أطلقت ضحكة مغناج من ترديده لكلمتها التي سخر منها بمزاح.
_ طيب يلا أحسن ما نتأخرو علي صاحبك المچنون.
عانقها محاوطاً خصرها، يحك طرف أنفه بطرف خاصتها قائلاً:
_ طيب ما تيجي أزغزغك وأصالحك من أول وجديد.
أختتم جملته بغمزة وقحة من عينه، لكزته في كتفه: 
_ ما تتهد بجي يا راچل أني لولا وعدت زينب إني چايه مكنتش أتحركت من مطرحي، رچليا مش شيلاني و مفرهدة جوي.

كان واقفاً مُندهشاً من ردها العفوي والفكاهي في آن واحد، فهي لم تكف عن إتحافه بطرفاتها المضحكة.
أشار لها لتتقدمه: 
_ يلا يا سُمية، ربنا يهديكي يا حبيبتي.

و قبل أن يفتح باب الشقة أوقفته: 
_ ثواني هاروح أشرب.

هز رأسه بسأم قائلاً بمزاح:
_ أنا حاسس إن واخد بنت أختي معايا.

أشارت له من المطبخ بصياح: 
_ أنزل أسبجني وأني چاية وراك.

وقبل أن يجيب جاءته مكالمة هاتفية، بينما هي فتحت الثلاجة وألتقطت زجاجة مياه وسكبت منها في الكوب لتروي ظمآها ثم أعادت الزجاجة وتذكرت أمر الشيكولاتة التي جلبها لهما سليم.
_ لما أخدلي واحدة شكلها چامد جوي.

فتحت اللفافة الذهبية وتحدج قطعة الشيكولاتة التي تريد تناولها بنهم فألتقمتها بشراهة، أخذت تلوكها بفمها.
1

نظرت نحو صلاح فوجدته مازال يتحدث في هاتفه.
_ لما أكلي واحدة كمان، طعمها زين جوي.
أكلت واحدة أخري ثانية ثم الثالثة، ومن بعدهم شربت الكثير من المياه.
4

كان أنتهي من مكالمته فوجدها تقف أمامه وتمسح فمها بالمحرمة الورقية لتزيل آثار الشيكولاتة، وليست بأي نوع من الشيكولاتة!.

(مشهد سابق من الفصل الثاني والثلاثون)
« أعطاه سليم علبة شيكولاتة كبيرة من النوع الفاخر والخاص قد أوصي عليها من الخارج ليهدي بها صديقه.

_ مبروك يا عريس.
وصافحه وعانقه.
_ الله يبارك فيك يا باشا، وأي لزومه التعب ده وجو الرسميات.

همس له حتي لاتسمعه زينب التي تقف بالقرب منهما:
_ دي مش شيكولاته عادية، حاجة كده معمولة مخصوص علشانك، الواحدة منها بتعادل إزازة ڤودكا متعتقة، يعني كفاية عليك تاكل واحدة قبل ما ها.
غمز بعينه ليفهم الأخر مايقصد فضحك وقال:
_ ده أنت الشيطان يقولك شابوه يا باشا.»
تصدح الموسيقي الهادئة من السماعات المتفرقة في أرجاء الحديقة، وأصوات همهمات ناتجة عن أحاديث جانبية وضحكات أنثوية، روائح عطور فواحه من هؤلاء الذين يرتدون أقنعة زائفة تربطهم جميعاً مصالح مشتركة ظاهرها علي غرار باطنها المليئ بالصفقات المشبوهة عن تجارة المخدرات والسلاح ولم تكتف إلي هذا الحد، فهناك تجارة الأعضاء البشرية والرقيق الأبيض.
وهنا يقف ممسكاً بيدها يبتسم للضيوف، مال
بالقرب منها بصوت لايسمعه أحداً سواها:
_ علي فكرة دي حفلة مش ميتم.
نظرت له بجانب وجهها رافعه إحدي حاجبيها ولا تغفل عليه نظرة التمرد التي رأها للتو بداخل ذهبيتيها التي كلما حدق بهما يشعر بشئ ما بدأ يترعرع في فؤاده الذي وضع من حوله آلاف الجدران الحديدية، فالحب في قاموسه نقطة ضعف قاتلة لصاحبها، لذا كلما يداهمه ذاك الشعور يوأده في الحال!.
1

_ رايد مني أسوي لك أي،  أرجص لك مثلاً؟.
أستشف السخرية من نبرة صوتها و سخطها الجلي للسامع،ولوهلة كانت خلفه تلاحق خطواته متعثرة، تفوهت بتوجس:
_ سليم، أهدي أني مكنتش أجص...

أبتلعت ماتبقي من كلمات عندما وجدت جسدها ملتصقاً في تلك الشجرة ذات الأوراق الكبيرة المتدلية تخفيهما عن الأعين.
علو وهبوط صدرها المتكرر نتيجة خوفها من نظراته القاتمة التي تعلم ما ورائها.
أنتفضت عندما رفع يده لملامسة وجنتها الملساء، فظهرت علي شفاه إبتسامة زهو يدرك تأثيره الطاغي عليها يجعلها تخشاه أو تفعل مايثير شياطينه.
_ لاء يا بيبي كنتي تقصدي، وياريت ماتكذبيش علي جوزك تاني، النظرة الي شوفتها في عينيكي وأنا بكلمك لو أتكررت تاني هيبقي ليها عقاب رادع، أحذري.
تجرعت غصتها و أومأت له، فسألها: 
_ كلامي مفهوم؟.

كررت الإيماء مرة أخري، قبض علي ذقنها وبإبهامه يضغط علي شفتيها المطلية بالحمرة القانية قائلاً:
_ نسيتي ولا أي؟، فين كلمة حاضر ياسيدي!.

عقدت مابين حاجبيها تتذكر ما أملاه عليها من قواعد التعامل بينهما لترضي غروره وساديته، أفترقت شفتيها بصعوبة: 
_ حاضر يا سي سليم.

ألتوي فمه جانباً بإبتسامة هاكمة قائلاً:
_ حلوة سي سليم، بس لسه فاضل حاجه عشان تهديني وتهدي أعصابي الي لو فلتت مني مش ضامن وقتها هاعمل فيكي أي.

_ جولي أسوي أي وأني تحت أمرك.
كانت نبرتها سيمفونية تعزف علي سمعه، ذلك الخنوع التام في كلماتها يجعله مُنتشياً من فرط السعادة.
ضم شفتيها بين إبهامه وسبابته و نظرات عينيه مليئة بالشهوة الجامحة:
_ أنا كل مرة الي أبدأ معاكي، المرة دي عايز العكس.
دارت كلماته في خلدها لثوان، فأدركت مايرنو إليه، نظرت لأسفل وبخجل قالت: 
_ لو الي فهمته صوح، يبجي لما تخلص الحفلة ونطلعو أوضتنا.
_ وأنا طلبت معايا هنا في الجنينة وتحت الشجرة.
تفوه بجدية واضحة، ترددت في الإجابة علي جنونه التي لم تجد له حدود قط.

_ الچنينة مليانة ناس وممكن حد يتمشي لأهنه ويشوفنا، إحنا لينا خصوصية وأظن عيب...
توقفت عندما أخذ يضحك بشدة، رفعت وجهها لتجده غارقاً في حالة قهقهة هيسترية، رمقته بإمتعاض حتي كف عن الضحك و أخبرها: 
_ نيتك سودة يا زوزو، أنا مش قصدي الي فهمتيه، أنا كل الي عايزه كده.
و هبط إلي موطن كلماتها وكان علي وشك إلتقام شفتيها فأوقفه حارسه الشخصي الذي تحمحم وقال : 
_ سليم باشا ،ياسر بيه مستني حضرتك.

هسهس بسبة وحنق من هذا الأحمق الذي جاء في الوقت الخطأ، حدجه بنظرة جعلت الأخر يرتجف بخوف فأردف مُعتذراً:
_ أسف ياباشا، هو عايز حضرتك ضروري.

أطلق زفرة حارقة وقال: 
_ خدو و خليه يستناني قدام باب المكتب عقبال ما أجيله.

أومأ له الرجل:
_ أمرك يا باشا.
و هرول مغادراً.

أختطف من شفتيها قبلة رقيقة علي غرار قبلاته العنيفة ثم قال:
_ أطلعي أوضتنا ريحي شوية عقبال ما أخلص المقابلة دي .

_ و مين الي هايجعد ويا الضيوف، غير سمية وصلاح الي لساته متحدت وياك أنه چاي في الطريج.

رد علي مضض: 
_ أوك، يبقي أستني چوه.

تقدمت أمامه وفعلت كما أمرها، وعينيها لاتحيد عنه، فرأته يقف مع رجل يستند علي عكاز معدني، أستقبله سليم بترحاب وحفاوة و دلفا معاً إلي داخل الغرفة التي علمت منذ مجيئها اليوم إنها غرفة خاصة لمراجعة أعماله.
ــــــــــــــــــــــــ

و بالخارج يدلف بسيارته عبر البوابة وعلي وجهه إمارات القلق، فكيف له يطمئن من تلك الجالسة تضحك كل فينة وأخري، أصطف جانباً وأخبرها:
_ بطلي ضحك ويلا ننزل.

رمقته ببلاهة وقالت:
_ بچد وصلنا كيف بالسرعة دي!  .
وأطلقت ضحكة بمبالغة، أخذ يحملق بتمعن في ملامحها، فهو علي دراية أن حالتها المُريبة تلك ليست سوي حالة ثمالة، لكن كيف يحدث لها هذا وهي لم ترتشف قطرة من الخمر!.

_ سمية أنتي شربتي حاجة ولا أخدتي حاجة كدة ولا كدة؟.

تصنعت التفكير والبسمة لا تفارق ثغرها:
_ أيوه شربت.

تجهمت ملامحه فأردفت: 
_ شربت ميه كتير، أصلي كنت عطشانة جوي.

لم يصدقها فسألها مرة أخري بأسلوبه الحاني،أمسك بيدها بين كفيه:
_ حبيبتي قوليلي ماتخافيش،أنا مش هتضايق ولا هازعل.

أجابت و رأسها تترنح فالرؤية مشوشة إلي حد ما أمام عينيها، أخبرته بإنكار:
_ أطمن يا صلوحتي، أني بخير يمكن تجلت شوية في الشيكو...

قاطعها إحدي الحراس الذي طرق زجاج النافذ بجوار صلاح الذي ضغط علي زر إسدال الزجاج، فأنحني الحارس قائلاً:
_ نورت يا صلاح بيه، حمدالله علي السلامة.

قام الأخر بمصافحته قائلاً: 
_ الله يسلمك ياهيثم.

فتح هيثم الباب له ثم ألتفت مسرعاً ليفتح الباب المجاور لسمية التي أن وطأت قدميها الأرض أطلقت ضحكات متتابعة وقالت من بينها: 
_ بتشتغل ويا سليم و إسمك يبجي هيثم!.

نظر الرجل بإحراج وبإبتسامة متكلفة رد بحذر و من طرف عينه ينظر إلي صلاح المنزعج من تصرفاتها الغير لائقة.
_ نورتي يافندم.

سحبها صلاح من يدها وقال بصوت خافت:
_ مالك ياسمية مهايبرة كده ليه؟.
1

ردت بسعادة: 
_ مالي ياصلوحتي ما أني أهو، عيوني وخشمي في مكانهم ولا يكون طلعلي ديل إياك!.

تمتم بحنق: 
_ لاء، شكلك بجد مش طبيعي، تعالي ندخل جوه أحسن بدل ما الناس تبص علينا.

فتحت فمها كالبلهاء و رددت وهي تسير معه:
_ ماتچيب لي شيكولاتة لابلاش يا ولاه.

وبالداخل، تتسحب بخطي وئيدة نحو الغرفة لتستمع إلي حديثه مع ذلك الرجل ذو الهيئة المثيرة للشك، ألتفتت يميناً ويساراً لتتأكد من خلو الرواق من العاملين والضيوف، أنحنت قليلاً لإستراق السمع، فوصل إليها صوته الرخيم ..

_ عارف يا ياسر لو أتضح لي إنك بتلعب من ورايا، أوعدك لأخليهم يلمو أشلائك من كل حتة.

أزدرد ياسر لعابه بخوف، تحمحم وقال: 
_ عيب عليك يا باشا،أبيعك إزاي وأنا عينك ودراعك اليمين في الداخلية، والي هايخلي لك أكرم عمران مايتجرأش حتي يفكر في حضرتك.

زفر دخان السيجار الكامنة بين أصبعيه:
_ ملكش دعوة بأكرم،أنا بللعب معاه بطريقتي.

زفر الدخان مرة أخري و أردف: 
_ الي بيني وما بين أكرم نفس الي ما بين الفريسة و الصياد، بيفضل مراقبها من بعيد وطبعاً بعد ما يكون مجهزلها طعم صغير يجذبها بيه، تقوم الفريسة رايحة برجليها لحد الطعم و أول ماتقرب، هوب واقعة في الفخ المتفصل علي مقاسها بالمللي.
صاح بصوت أجفل الآخر وجعله أنتفض ثم أعتدل في جلسته وقال بإطراء:
_ باشا، طول عمرك باشا وأحنا تلاميذك.

أكتفي سليم بإبتسامة زهو و فخر بذكائه الذي يرعب أعدائه ومن يفكر لمجرد لحظة أن يقف في دربه كأنه كالثُري التي تواجه هبوب ريح عاتية.

_ مدام زينب.
تفوهت بها تلك الخادمة الآسيوية مما جعل الأخري أُصيبت بالفزع،  وألتفتت إليها بوجل.
أردفت الفتاة قائلة: 
_ آسفة، فيه ضيوف مستنين حضرتك برة.

كانت تلتقط أنفاسها، خشيت أن يعلم سليم إنها كانت تتصنت علي حديثه مع هذا الياسر، فيزيد الأمر من شكوكه التي لم تنتهِ، أمرتها بإمتعاض:
_ روحي وأني چايه وراكي.

أومأت لها الفتاة و ذهبت فتتبعتها زينب وبداخل رأسها آلاف الأسئلة، ومن بين كل هذا صوت يتردد صداه في أذنها، صوت يخبرها إذا أرادت هزيمة الوحش فعليها أن تتظاهر بالخضوع التام والطاعة العمياء له ثم تتوغل في براثنه حتي تعثر علي مواطن ضعفه و ثغراته الواهية لتتمكن من سحقه و لكي لاينهض مرة أخري، في تلك الحالة لاتضمن النجاة لأن حياتها آنذاك سوف تكون أقل ثمن عليها دفعه!.
2

توقفت علي مشارف الممر المؤدي إلي البهو،  وحين رأتها أسرعت من خطواتها والفرح يُزين قسمات وجهها.
_ يا مرحب، يا مرحب،يا أهلاً بالعرسان،البيت نور بيكم.

كانت هناك زوج من العيون تُراقبهم عن كثب،
رد صلاح وهو يمسك بيد التي تترنح وتضحك إلي الفراغ: 
_ البيت منور بأهله.

_ الله يخليك.
وكادت تعانق صديقتها لكنها توقفت لتتفحص في ملامحها و سلوكها الغريب، تحمحم صلاح الذي لاحظ نظرات تعجبها،فقال بصوتٍ خافت: 
_ معلش يا مدام زينب، ممكن تاخديها وتطلعو فوق،من وقت ما كنا في الطريق وهي زي ما أنتي شايفها كده، تضحك عمال علي بطال وتغني.
1

عقدت مابين حاجبيها و سألته: 
_ أنت شربتها حاچة؟.

رد بإنكار:
_ لاء خالص،  ومن وقت ما أتجوزنا مابقتش أدخل أي أنواع خمور في شقتي.

أخبرته بطمأنينة: 
_هملهالي وأني هاشوفهالك مالها.

و بعدما ساعدتها في الصعود لأعلي جعلتها تجلس علي طرف الفراش، فما زالت الأخري تردد: 
_ ماتچيبلي شيكولاتة لا بلاش يا ولاه.

ظلت زينب تنظر إليها، تحسست جبهتها ثم سألتها:
_ أنتي شربتي ولا أكلتي أي جبل ماتيچي؟.

نهضت بترنح و أجابت بثمالة: 
_ أباه بجي عليكم عاد،  ما أني عماله أجول لكم من الصبح، ما تچيب لي شيكولاتة لا بلاش يا ولاه.
وأخذت تهز خصرها، تجهم وجه زينب عندما تذكرت شيئاً ما علي ذكر الكلمات التي تتغني بها الأخري، فأخبرتها: 
_ خليكي أهنه وأني هاحضرلك الحمام،حالتك دي لازمها دش ميه ساجعه لأچل تفوجي.

لم تهتم إلي ما أخبرتها به زينب، أخذت تتراقص مما أثار ضحك الأخري التي هزت رأسها بقلة حيلة.
1

و في الأسفل كانت الكارثة!.

ـــــــــــــــــ

يتعالي صوت ضحكاتهم الرجولية ثم أعقبها قول ياسر:
- مقولتلناش يا متر الجواز حلو ولاالعزوبية؟.

رد الأخر و السعادة تنضح من زرقاويتيه:
_ أنا أعترف لحد وقت قريب إن العزوبية أحسن و أريح نفسياً،بس بعد ما ربنا كرمني أقدر أقولكم وبقلب جامد الجواز أحسن بكتير، خصوصاً لو أتجوزت عن حب.

طيف إبتسامة هاكمة بدت علي ثغر سليم، لم يغفل عنها الأخر الذي أكتفي بالنظر إليه بدون أن يُعلق، فكلاهما يفهم ما يجول في ذهن الأخر، أنتبها علي قهقة ياسر قائلاً:
- مش عايز أصدمك وأقولك ده بس عشان أنت لسه في الأول، أقطع دراعي كلها سنه وهيجمعنا المكان ده تاني وهاتقول كان يوم أسود لما قررت بس أتجوز، وياسلام بقي لما المدام تعرف تاريخك الحافل مع حسناوات من مصر وبرة مصر، ولا أم بنتك مـ...

- ياسر!.
كان نداء تحذيري من الأخر الذي تحولت ملامحه في لمح البصر من السعادة إلي أخري يشوبها الوجوم والقليل من الغضب، عاد الأول إلي أدراجه عندما أدرك فداحة مزاحه الذي كان غير مرحب به إطلاقاً:
_ أي يا أبو صلاح أنا كنت بهزر معاك، مكنتش أقصد.

أبتلع لعابه من توتر الأجواء السائد بين ثلاثتهم، أردف:
- أنا كان قصدي إن الجواز غيرك للأحسن.

وقبل أن يرد صلاح سبقه صوت القداحة، حيث قام سليم بإشعال سيجاره و سحب نفساً عميقاً ثم أطلقه في الهواء ليُشكل سحابة دخانية و عقب علي حديث هذا الضابط الفاسد:
- تغير عن تغير يفرق يا ياسر، فيه تغير يرفعك لفوق لحد سابع سما وفيه تغير يخسفك لسابع أرض، والي بتسموه الحب ده مجرد وهم بنضحك بيه علي نفسنا، لأن الحب الحقيقي حب الذات، هاتحب نفسك وتقدرها هاتلاقي الكل بيحترمك ويعملك ألف حساب.

- الله عليك يا باشا بتقول دُرر. 
و أخذ يصفق بحرارة، و هنا رد صلاح و هو علي وعي وإدراك كامل بما يقصده صديقه أو بالأحري لنقل هو المقصود:
- الحب يا ياسر من أسمي المشاعر الي يحس بيها الي عندهم إحساس و قلب أبيض صافي عكس القلوب الي مليانة سواد و كره، ربنا لما خلق آدم خلق له حواء تونسه وتكون شريكته في الجنة، الحاجه الوحيدة الي خربت عليهم حياتهم وخلاهم خرجو منها هو الشيطان،  الشيطان سيطر علي آدم وخلاه حب نفسه وأكل الثمرة المحرمة والنتيجة كان أتطرد من الجنة، حب النفس لو زاد عن حده بيقلب لمرض نفسي والي بنسميه مرض الملوك بالبلدي جنون العظمة، تلاقي الكل بيبعد عنك ويتحاشاك وفجاءة تلاقي نفسك لوحدك وتكون نهايتك هي الإنتحار.
1

هناك نظرات متبادلة، أقل ما يُقال عليها رصاصات إذا أصابت كل منهما لأردته صريعاً.
هيهات و دوي صوت تهليل أتي من الخارج!.
ــــــــــــــــــــ

علي كلمات الأغنية بصوت السندريلا، تتمايل بخصرها بكل سلاسة علي الموسيقي.
(ما تجيب لي شيكولاتة لابلاش ياولاه...)
1

خلعت حجابها وألقته في الهواء ثم ألتقطته لتقوم بلفه حول خصرها تحت نظرات الضيوف اللذين وقفوا في تجمع من حولها، ينظرون إلي تلك السمراء الجميلة و خصلاتها تتطاير معها، فكانت النظرات ما بين إعجاب وإنبهار من الرجال بينما النساء كن علي غرار ذلك بل أخذن يتبادلن الأحاديث الجانبية، فقالت إحداهن إلي تقف بجوارها:
- و دي تطلع مين، معقول سليم بيه جايب رقاصة!.
1

تدخل رجل كان برفقتها:
- علي ما أظن سليم عمره ما يعمل كده، ملهوش في الجو ده خالص، بس بصراحة البنت عود بطل.

رمقته الأخري بنظرة نارية ولم تنتبه إلي صلاح الذي كان يقف خلفهما ويردد بصوت خافت:
- يانهار أسود.

و مازالت تلك العيون المراقبة لما يحدث، ويقوم صاحبها بإلتقاط صور في الخفاء وبدون أن يلاحظ أحدهم هذا، تبدلت الأغنية إلي أخري أغنية من الفلكلور (حبيبي يا عيني.. يامسهر عيني...)

و أخذت تتراقص و تهز خصرها علي إيقاع الموسيقي، تحت مرأي سليم الذي كان يتابع في صمت وأكتفي بنفث دخان سيجاره، بينما ياسر كانت شارداً في سمية قائلاً بداخل عقله:
- طول عمرك ياصلاح بتقع واقف، حظك من السما مع الستات.

و لنذهب إلي هذا المشهد الذي لايُحسد عليه صلاح، حيث أمسكها من يدها والأخري يخلع عنها الحجاب من حول خصرها:
- أنتي أي الجنان الي بتعمليه ده؟.

وضعت يدها الحرة علي وجهه تقول له:
- تعالي أرجص معاي، الأغنية حلوة جوي.

جذبها من يدها والأنظار تتبعهم، يرفع البعض منهم هواتفهم لإلتقاط مقاطع فيديو وصور لما يحدث، لاحظ سليم هذا فأشار إلي إحدي رجاله، فأدرك في التو مايريده الأخر، ذهب مسرعاً و هو يشير إلي زملائه أن يأخذوا الهواتف من الضيوف و القيام بمسح كل ما ألتقطوه، فهذا ليس من أجل عدم إفتضاح صديقه لكنه يخشي لفت إنتباه الرأي العام إليه.
1

_ أنتي أي حكايتك النهاردة بالظبط، ينفع الي هببتيه دلوقتي؟.
صراخ صلاح الذي وصل إلي ذروة غضبه، و قام بإلقاء الوشاح عليها، أجابت بثمالة:
- أباه عليك،  عتزعج عليه ليه؟.

قد أفلت لجام غضبه، رفع يده لأعلي وكاد يصفعها، توقف و أبتعد قليلاً ليطلق زفرة حتي ينفث عن غضبه ولكي لا يؤذيها، يعلم جيداً حالة الثمل التي بها، فـ هي لاتعي ماتفعله.
كانت زينب تقف علي الدرج تري ما يحدث، ذهبت لتلحق بها وتأخذها قبل أن تحدث كارثة أخري، و ما أن أمسكت بيدها قائلة:
- تعالي ياسـ...

نفضت الأخري يدها ليتبدل حالها علي النقيض تماماً:
- بعدو عني، هملوني لحالي، كلاتكم بتعاملوني و كأني أتچنيت، أني لساتي بعقلي، أنتو الي أتچنيتو.

رمقت زينب باللوم وقالت:
- أنتي أتچينتي يوم ما وافجتي تتچوزي الراچل المچنون ده.

و أشارت بيدها نحو سليم، أسرع صلاح وأمسكها من يدها قبل أن تقول ما لايحمد عُقباه:
- يلا أطلعي قدامي، كفايانا فضايح.

جذبت يدها و أبتعدت وجسدها يترنح، صرخت به:
- فضايح ليك ولا للبيه بتاعك، لسه باجي وخايف عليه ولا خايف منه إياك!، تحب أفكرك سوي فيا أي!.

أزاحت الثوب قليلاً من عند العنق لتكشف للجميع أثر الحرق:
- عارفين الحرق ده مين الي سواه، الباشا صاحب الحفلة، طفي السيچارة بتاعته في رجبتي لأچل مكنتش رايدة أبيع صاحبتي وبت بلدي و أجوله علي مطرحها، و خابرين أي كمان؟.

نظر كبير الحرس إلي سليم الذي أشار له بأن لايتحرك، بينما أخذت زينب زواية لتختبئ حتي لايري الأخرين عبراتها التي أنسدلت للتو.

دنا صلاح من زوجته و هسهس من بين أسنانه:
- أقسم بالله يا سمية لو ما بطلتي شغل الجنان الي بتعمليه، ها...

صاحت في وجهه وكأنها فقدت عقلها:
- هاتسوي فيا أي أنت كمان!، هاتسلط عليا رچالتك يغتصبوني زي ما البيه بتاعك كيف ما جالهم يعملو معاي إكده!.

أنهمرت عبراتها و لم تستطع الصمود أكثر من ذلك، فأخذت تصرخ:
- أنا بكرهكم، وبكره نفسي، بكرهكم كلاتكم، أنـ..
و في غضون لحظة كانت مستلقية علي زراعي صلاح الذي ألحق بها قبل أن تقع علي الأرض بعدما فقدت الوعي!.
4

ــــــــــــــــــــــــــ
- في صباح اليوم التالي، يجلس خلف مكتبه شارداً في ذكرياته معها، كل ما يجمع بينهما من  لحظات مليئة بالسعادة والحب وأخري علي النقيض، يبدأ شعور الندم يتسلل إلي فؤاده، فيباغته عقله بما أقترفته في حقه وكيف قامت بخيانته ليعود من جديد إلي هذا القاسي ذو القلب المتحجر، تساوره الشكوك مُجدداً حتي يعود إلي النقطة ذاتها، لابد من حل أو الأحري إختبار نهائي و عليها أن تجتازه بالنجاح أم بالسقوط!.

طرق علي الباب أنتشله من محيط أفكاره، فقال للطارق:
- أدخل.

فُتح الباب و دخل شاب ذو مظهر كلاسيكي، يرفع يده بتحية:
- أحلي صباح علي أكرم باشا سيادة النقيب والي بعون الله هايكون لواء.

طيف إبتسامة بدت علي وجهه قائلاً:
- تعالي يا حجازي، أي الأخبار؟.

رد الأخر بسعادة بالغة و كأنه عاد من الحرب ظافراً:
- العبدلله قدر يصورلك كل حاجه حصري من قلب فيلا سليم العقبي، و كانت الأحداث نار خصوصاً الي حصل أخر الحفلة.

قطب حاجبيه بعدم فهم، فـ أخرج له الأخر ظرف وأعطاه إياه:
- بص معاليك، دي صور من أول ما بدأت الحفلة لحد ما خلصت، تخيل مين أول ضيف كان هناك؟.

فتح الظرف وأخرج أول صورة، وبإبتسامة هاكمة قال:
- ياسر الطوبجي!، ده بقي يحضر حفالات كمان.

أخرج صورة تلو الأخري، رأي الكثير من الوجوه يعلم منها البعض، والبعض الأخر كانت مجهولة إليه، توقف لدي صورة لكلا من زينب و سمية،أمعن النظر تحديداً في صورة زينب، شعر وكأنه رآها من قبل، رفع الصورة أمام حجازي الذي تفهم سؤاله دون أن يتفوه به:
- دي تبقي مرات سليم، و لاقيت الخدامة بتناديها زينب،  وكمان الي جمبها في صورة تانية، الي فهمتو إنها تبقي مرات صلاح أيوب.
هناك إشارة ما أو ربما إنذار ينبهه إلي طرف الخيط، فـ سأله:
- ما تعرفش إسمها زينب أي؟.

أبتسم الأخر بـ زهو و أجاب: 
- ما أنا جاي لحضرتك في الكلام أهو، بعد تحرياتي الدقيقة، عرفت إنها من الصعيد و من عيلة إسمها القناوي، من محافظة قنا،  وليها أخ إسمه رافع وإبن عمها كان مقبوض عليه إسمه فارس، أوعي يكون فارس الي حضرتك مكلفنـ..

نهض أكرم من مكانه و ضرب بقبضته علي المكتب، و يتحدث بكلمات لايسمعها سواه:
- زينب تبقي مرات سليم العقبي!، إزاي!.

ألتقط هاتفه و الصور التي بحوذته قائلاً:
- أستناني هنا ياحجازي و أنا راجع لك تاني.

ذهب إلي رئيسه في المخفر، طرق الباب ثم دلف:
- صباح الخير يا باشا.

ترك الأخر قدح القهوة بعدما أنتهي منه:
- أتفضل يا أكرم.

وضع أمامه الصور، أمسك بها الأخر مُقطب الحاجبين، فقال له أكرم بـ عزم و إصرار:
- أنا عايز إذن من النيابة بالتحقيق مع مرات سليم العقبي.

رمقه بصدمة قائلاً:
- تحقق مع مين!، أنت فاهم أنت بتطلب أي؟.
أبتسم بتهكم و أردف:
- ده أنت كده بتفتح علي نفسك نار جهنم، و بعدين هاتحقق معاها ليه، هاتعترف لك مثلاً علي جوزها، ياريت تقولي سبب مقنع.
1

جلس علي الكرسي أمام مكتبه ليخبره بـ ثقة بالغة:
- مدام زينب العقبي هي زينب القناوي بنت عم والي كانت خطيبة فارس القناوي، الي هرب مع المساجين وقت السطو علي عربية الترحيلات!.
ــــــــــــــــــــ
بداخل سراي النيابة، يعود الوكيل بظهره إلي الخلف و يسأل زكريا الذي أصبح ذو مظهر رث ولحية قد كبرت:
- كل التحريات بتأكد علاقتك بالمجني عليها، ده غير إتهام أخوها ليك، و تقرير الطب الشرعي أثبت إنها فعلاً كانت حامل، ولسه كمان لما تطلع نتيحة تحليل الـ DNA، الي هنثبت بيه إن الي في بطنها كان إبنك وفي الحالة دي مفيش متهم غيرك أنت.

صاح بخوف وتوتر:
- مش أنا،  معرفهاش، حتي أسأل رافع إبن عمي أو بكر أخويا كنت مسافر معاهم بنجيب بضاعة من القاهرة.

و بعد قليل، يقف رافع أمام وكيل النيابة بشموخ وثقة واهية،ليشهد زوراً:
- أيوه كان ويانا و إحنا بنچيبو بضاعة من تچار الخردة في القاهرة.

وبالخارج يقف كلا من بكر والشيخ واصف الذي يقرأ أيات الله، ويديه تتحرك علي حبات السبحة، خرج العامل مُنادياً:
- بكر واصف.

و قبل أن يذهب أمسكه والده من يده و ربت عليها قائلاً:
- خد بالك من كلمة الحق يا ولدي، إياك والشهادة الزور، حتي لو كانت هاتبجي في صالح أبوك، إنها من الكبائر يا ولدي.

أومأ له بكر و وضع يده علي كتف والده:
- ماتجلجش يا أبوي، عمري ما هاغضب ربنا حتي لو علي حساب حالي.

خرج رافع و يرمق بكر بـ نظرة يدركها الأخر ثم دنا نحو أذنه:
- ياريت قبل ما تجول أي حاچة، أفتكر إن ده أخوك، و قبل ما تضره هاتضرنا كلاتنا، من أول أبوك و عمتي و خايتك، البلد كلاتها ما هيبجي لهم سيرة غيركم علي لسانها، فكر بعقلك.

رفع الأخر جانب فمه بإبتسامة هاكمة:
- ما تجلجش يا ولد خالي، أني فعلاً بفكر بعقلي و الي بيجولي، أشهد بكلمة الحق، عن إذنك.

و أمام وكيل النيابة كان لقاء الأخوة، أخوة في ظاهرها لكن ما في النفوس علي غرار ذلك، يخشي زكريا إستغلال شقيقه الخلاف القائم بينهما، لكنه علي يقين بأن أخيه مهما يحدث، فـ بالنهاية لايشهد سوي بالحق!.

- ها يا بكر،  أخوك كان بيقولنا كان معاك وقت حدوث الجريمة، طبعاً غير إنه بينكر علاقته بالمجني عليها، فما هو قولك في ذلك؟.
كان سؤال الوكيل واقعاً علي الوتر الفاصل بينهما.

كان زكريا يرمقه بـ توسل و رجاء، حديث دائر بداخل عقله و نظرات عينيه كفيلة بإبلاغ شقيقه بما يريد قوله: 
- أني خابر زين أد أي بجيت بتكرهني، بس أني مش وحش جوي كيف ما أنت شايفني يا أخوي، كنت أتمني تاخد بيدي وتفضل ورايا لحد ما أبعد عن الطريج الواعر الي وجعت فيه.
1

بادله بكر بنظرات ندم وحسرة، يشعر بالحزن علي شقيقه و ما أوصله إلي هذا المصير البائس:
- أني ياما نصحتك يا أخوي، جولت لك إياك والطريج الي أنت ماشي فيه، ماسمعتش كلامي و مشيت ورا شيطانك وسلمتله حالك، زنيت و شربت المنكر وأستحليت كل حاچة حرام و يوم ما أديت فرصة لجلبك ضاجت بيك الدنيا وبصيت لمرات أخوك، و ختمتها بالجتل، ناجص تسوي أي إياك!، ربنا عطاك نعم كتير وأنت ماصونتش أي نعمه فيهم، سامحني، سامحني يا ولد أبوي، ما أجدرش أشهد كدب وزور، ما أنت عارفني زين، ما أجدرش أغضب ربنا وأضيع حق واحدة مظلومة، يمكن لما تتعاقب و تتوب ربنا يغفر لك الي سويته في حق الناس و حق نفسك.

- يا أستاذ بكر؟.
كان نداء وكيل النيابة، فأنتبه له الأخر و قال يخرج بصعوبة بالغة من حلقه:
- معاك يا فندم.

زفر الأخر وأخذ يطرق بالقلم علي المكتب و يسأله:
- أخوك كان مسافر معاكم؟.

أزدرد ريقه، و يتحاشي النظر إلي شقيقه المُكبلة يديه بالأصفاد المعدنية، يتردد في أذنه صدي صوت والده:
(خد بالك من كلمة الحق يا ولدي)
1

أخذ نفساً عميقاً و أطلقه في زفرة هادئة ثم أجاب بكلمة الحق:
- لاء.

ـــــــــــــــــــــ

و بداخل عيادة طبية في مكان نائي و متطرف عن النجع، تجلس قامعة في أفكارها، لاتملك سوي هذا الحل حتي لايفتضح أمرها أمام زوجها، أصبحت مُهددة من خالتها التي أمرتها أن عليها تخبر ولدها بالحقيقة أم ستخبره هي بنفسها!.
فـ كلا الخيارين أصعب مما تتفوه به، هل من السهل أن تقول له ما بإحشائي ليس ولدك!، أم ستخبره بأن هناك من أستباح جسدي بسبب الركض وراء الترهات والدجل بدلاً من أن ألجأ لخالقي!.
نرتكب كثير من الأخطاء و لا نعلم أن كل خطأ علينا دفع ثمنه إينما كان آجلاً أم عاجلاً.

-مدام نوارة؟.
قامت بمناداتها الفتاة مساعدة الطبيبة، نهضت الأخري وتواري منتصف وجهها حتي لايراها أحد.
طرقت الباب و دخلت و أول ما شعرت به، برودة قاسية تضرب أطرافها، تتردد فيما قد عزمت عليه، تقدمت بخطي وئيدة والطبيبة تراجع بياناتها في الورقة المدون بها بياناتها:
- أتفضلي إستريحي يا نوارة.

جلست علي الكرسي و تمنت همومها كانت مثل جسدها تلقيها هكذا بأريحية، فـ سألتها الأخري:
- أول مرة تعملي متابعة حمل؟.

أجابت بإنكار و تردد: 
- لاء،أجصد أيوه.

سألتها بـ عملية مرة أخري:
- أخر مرة جت لك العادة الشهرية أمتي؟.

ظلت صامتة للحظات حتي أخبرتها:
- ماخبراش، يمكن شهر أو شهرين.

قطبت الأخري حاجبيها بإستفهام، هيهات و أشارت إليها نحو سرير الفحص:
- أتفضلي أطلعي علي السرير و جهزي نفسك عشان أعملك سونار.

كانت علي وشك أن تخبرها بما هي آتية من أجله، تراجعت و لا تعلم لما فعلت هكذا، عليها التفكر في الأمر ملياً،هل القرار صائب أم جُرم شنيع!.
فعلت كما طلبت منها الطبيبة، أستلقت علي السرير و جذبت الدثار، لحقت بها الأخري و أمسكت بزجاجة الهُلام و أخذت القليل و قامت بوضعه علي بطنها.
كلمات خالتها تتردد في أذنها:
(لازم تجوليله الحجيجة يا إما هاروح أجوله أني ).
تجرعت غصتها المريرة بطعم العلقم،دمعة حارة فرت من عينيها و هي تأخذ قرارها الحاسم، أمسكت الطبيبة بالجهاز و قبل أن تضعه عليها أمسكت يدها لتمنعها قائلة:
- أني چايه لك تسوي لي عملية إچهاض.
1

ـــــــــــــــــــ
تجلس بجواره و تربت عليه لعلها تخفف عنه تلك الحالة النفسية السيئة بعدما عاد من سراي النيابة و الإدلاء بشهادة الحق.

- أني كنت ما بين نارين، نار خايف أغضب ربنا لما أكذب و أضيع حق الست الي جاتلها و ما بين أخوي الي كان عمال يبص لي و كأنه بيستغيث بيا.

و ما أن إنتهي من كلماته بدأت عبراته في الإنهمار، وقفت أمامه و حاوطت وجهه بكفيها ثم قالت:
- أحب علي يدك كفياك بكي، دموعك غالية و عزيزة، أنت سويت الصح و جولت كلمة الحق، لو كنت سويت العكس مكنش هيچي لك نوم واصل من إحساسك بالذنب.

رفع وجهه و نظر إليها في صمت يتأملها، بينما هي أخذت تمسح عبراته بإبهاميها، وضع يديه علي يديها ليزيد من شعوره بلمساتها، لايدري لما أتي في ذهنه للتو ذاك المشهد، عندما عاد من الخارج في المنزل الأخر و وجدها تقف أمام شقيقه، و الكثير من المرات عند إجتماعهم علي مائدة الطعام، حينها لايغفل عن نظرات شقيقه إليها، و أكثر ما جعله يشعر بالضربة القاتلة هناك عندما حدثت بينه و بين شقيقه المواجهة و إعترافه بإنه يحب زوجته، كان إعترافاً غير لفظي، لكن صمته و نظراته كافية بإبلاغه بالإجابة، فحديث العيون أبلغ من اللسان.

كل تلك الأفكار كانت كالنيران التي أضرمت في الهشيم و سرعان ما أحرقت كلما يقابلها في طريقها، صدره يشتعل من الغيرة،  و هناك صوت من أعماقه يخبره بأن دافعه الأول من الإعتراف علي شقيقه ليس لخشية أن يرتكب ذنباً عظيماً بل كان إنتقاماً أو ربما عليه التخلص من شقيقه.
صراع داخلي ناشب يكاد يفتك برأسه، و من يري هدوءه ينخدع، لايعلم هذا الهدوء الذي يسبق العاصفة.

همس لها بصوت يكاد تسمعه:
- بعشجك يا قمري.

أبتسمت و كأن الشمس قد أشرقت بل هي القمر في إكتماله، بدر مُنير في سماء صحراء قاحلة، يركض فيها كالظمآن الذي يبحث عن الجُب ليرتوي منه، و ها هي الماء أمامه، أخفض كفها علي شفتيه، أخذ يُقبل راحة يدها بشوق وعشق جارف، أغمضت عينيها عندما سرت قشعريرة في جميع خلايا جسدها، نهض و ما زال يمسك بيدها ويقبلها، لم يكتفِ بذلك،  فمازال يشعر بالظمأ، ترك يديها و لم يمهلها لحظة و قام بجذبها بين زراعيه و هبط علي عنقها برغم إرتدائها الحجاب، قام بإسداله من فوق خصلاتها.
بدأت تتلوي يميناً و يساراً:
-بلاش يا بكر، بلاش.
1

و قبل أن يتمكن من عنقها ويقبله بنهم شديد، كان يتمتم:
- أني الي بعشجك، أنت مارتي أني، ملكي لوحدي، سامعني زين يا قمر، أنتي ملكي أني.

هزت رأسها بتوجس من نظراته التي لأول مرة تراها الآن، علي قدر أنها قد أشفقت عليه، في ذات الوقت تشعر بالخوف، و ما أن أفترقت شفتيها لتتحدث، وأد كلماتها في قُبلة، بدأت بوتيرة هادئة ناعمة و بدأت تسلك مساراً آخر،يده تتخلل خصلاتها وتمسك برأسها واليد الأخري يغرزها في خصرها المنحني،تأوهت بألم جعلها تزداد في مقاومتها بصوت يكاد يختنق:
- كفياك يا بكر، بعد عني.

و بالفعل قد أبتعد و ليته ما رمقها في تلك الحالة، يبدو علي وجهها علامات الألم، شفتيها مُنتفختين، خصلاتها مُبعثرة، أدرك فداحة ما أقترفه لتوه.
- من هنا لحد ما نعملو فرح مش هيتجفل علينا باب لوحدنا واصل.

و في تلك اللحظة دلفت والدته ترمقه بنظرة جحيمية، أرتدت قمر حجابها و كان قلبها يخفق بقوة، غادرت الغرفة.

جلست والدته ترمقه بغضب قائلة:
- أرتحت!، أرتحت لما شهادتك دخلت أخوك السچن!.

ولي ظهره إليها و قال:
- أني جولت كلمة الحق الي هيحاسبني عليها ربنا.

رفعت جانب شفتيها بتهكم:
- كلمة الحق، و لا ماصدجت تخلص منه لأچل مارتك!.

أستدار إليها و عينيه كادت تخرج من محجريهما،،يرد بإنكار:
- أي الي عتجوليه دي يا أمي؟

قطبت حاجبيها و بنبرة هاكمة أجابت:
كيف ما سمعت إكدة، فاكرني ماخبراش الي بيحوصل من ورا ضهري، ولا خابرة كل واحد فيكم بيفكر في أي!.
- لو كنت خبرانا زين مكنتيش جولتيلي الحديت الي جولتيه،  ولا كان ولدك زكريا مرمي في السچن دلوق.

كان يحدثها و ملامح وجهه يغزوها التجهم، أخذ يستغفر ربه، أطلق زفرة من أعماقه و رأي من الأفضل المغادرة.

ــــــــــــــــــــ

يقف بالقرب من محطة قطارات السكك الحديدية ينتظره بشوق ولهفة، و ما أن رآهُ ركض عليه ليعانقه بإشتياق و ربت الأخر علي ظهره بقوة، يستنشق منه رائحة والده.

- أتوحشتني جوي يا ولد الغالين.

رد فارس و السعادة تغمره:
- كيفك يا عم چابر و كيفها الخالة هنادي؟

- الحمدلله بخير يا ولدي، أتوحشتها جوي علي طول بتدعيلك، بس أني مجولتلهاش أني چاي لك، الحريم ماتضمنش يا ولدي، لسانهم وكالة أخبار عالمية.
قهقه الأخر و قال:
- ياه يا عم چابر لساتك كيف ما أنت خفيف الظل، ربنا يبارك فيك.

ربت علي كتفه قائلاً:
- المباركة دي تتجالك أنت يا عريس، إلا جولي بصحيح حوصل ده كيف ولا ميتي؟

بدأ فارس يسرد له في الطريق بعدما أستقل كليهما سيارة أجرة،حكي إليه منذ بداية معرفته بالحاج نعمان حتي الآن.
و إلي أن وصلا في منزل الحاج نعمان الذي أستقبلهما بحفاوة و ترحاب، و قد لحق بهم جنيدي، أضحي رفيق دربه و صديقه الصدوق.

و تلك الجميلة ذات العينين التي تشبه عيون المها، و لأول مرة تتخلي عن عدساتها اللاصقة، فللون عينيها يتميز يشبه الذهب في بريقه الساحر، خاصة عندما قامت بتزين جفونها بالكحل، تقف أمام المرأه تضع الحُمرة علي شفتيها فأبرزت جمالها أكثر.
ألقت نظرة أخيرة علي ثوبها المُرقط كجلد الفهد، ينسدل علي منحنياتها.

أنتفضت بفزع عندما أتاها صوت والدها بالنداء، أخذ قلبها يخفق بل و يرفرف ويحلق، و قبل أن تذهب إليهم نظرة لصورتها المنعكسة بالكامل في المرأه، تتفوه بتوعد لمن سلب فؤادها:
- ده أنا مش هخليك تحبني و بس، وحياتك لأجننك يا فارس، هخليك تنساها خالص، أنت لسه ماتعرفش شهد بنت الحاج نعمان.

- بت يا شهد.
صوت والدها الذي نفذ صبره من إنتظارها، ركضت علي الفور، ذهبت أولاً لتجلب صينية كؤوس المياه الغازية، حملتها علي مهل و تقدمت بها إلي غرفة الضيوف.

كان شارداً في الفراغ، و والدها يتحدث مع العم جابر، بينما جنيدي أتسعت عينيه لم يصدق ما يراه، لكز صاحبه في زراعه قائلاً بإطراء سافر:
-ألحج يا أبو الفوارس، دي أي الفرسة الچاحدة الي چاية علينا دي، يخربيت چمالك يا عود،  الكامانچا يا مانچا، ما تسألي خطيبتك عليها لأچل بدل ما تبجي جراية فاتحة واحدة يبجو جرايتين، لكن البطل دي عايزالها كتب كتاب و دخلة علي طول.

لكزه فارس بمرفقه في زراعه، يهمس له:
- إكتم أنت.

و بخطي هادئة ذهبت إليه أولاً لتقدم له الكأس  و تنظر لأسفل بخجل، سبقته يد جنيدي الذي قال:
- تسلم الأيادي يا مزة بلادي.
1

رمقته بإمتعاض و هو يتناول الرشفة الأولي و في نفس الآن قال والدها للعم جابر: 
- دي تبقي شهد بنتي العروسة.

عقب الأخر:
- بسم الله ماشاء الله، اللهم بارك.

و ما أن سمع جنيدي هذا أصابته حشرجة في حلقه كاد يختنق، ناولته هي كوب ماء و ترفع إحدي حاجبيها قائلة:
- أتفضل يا أخ جنيدي.

تناول منها الكوب و وجهه محتقن من الحشرجة و الشعور الشديد بالإحراج، نظر إلي فارس يرمقه بإعتذار.
قدمت باقي الكؤوس إلي فارس الذي تعمد عدم التحديق بها، كما قدمت إلي والدها و العم جابر الذي قال:
- تسلم يدك يا عروستنا، ربنا يتمملكم على خير.

و رمق فارس ليبدأ في حديثه،تنتابه حالة من التوتر:
- أنا چيت النهاردة لأچل أطلب يد الآنسة شهد علي سنة الله و رسوله، و حضرتك خابر كل حاچة عني و ظروفـ...

قاطعه نعمان بإشارة من يده قائلاً:
- بص يابني، أنا كل الي طلبه منك و قدام عمك جابر و صاحبك، إن مش عايز منك أي حاجة خالص غير حاجة واحدة بس وهي أنك تحط بنتي في عينيك.

أومأ له فارس و أجاب:
- و أنا أوعدك يا حاچ هاشيلها چوة عينيا.
1

تدخل صاحبه قائلاً بأسلوب فكاهي:
- و الله يا حاچ نعمان ما ليك عليا حلفان، يا زين ما أختارت عريس لبتك، فارس زين الرچال چدع و إبن أصول و كفاية إنه صعيدي و صاحبو يبجي چنيدي.

ضحك الجميع ثم رد نعمان:
- يبقي كده نقرأ الفاتحة.

ــــــــــــــــــــــــ

و علي متن فندق عائم علي مياه النيل، يُقيم حفل زفاف علي و مروة، يرقصان علي نغمات الموسيقي الهادئة.

شاردة في عينيه التي آسرتها منذ أن رأته لأول مرة منذ أيام الجامعة، رمقها بإبتسامة و سألها:
- يا تري سرحانة في أي كدة؟

أخفضت بصرها بخجل و أجابت:
- سرحانة فيك.

أمسك بذقنها لترفع وجهها وتنظر إليه:
- هو مينفعش تتكلمي و أنتي عينك في عينيا مثلاً؟

أبتسمت بخجل و قالت:
- بصراحة، مش مصدقة نفسي، كنت بحلم باليوم ده، أي نعم قابلت صعوبات كتير لحد ما وصلتلك، بس خايفة أقابل الأصعب لغاية ما أوصل لقلبك.

أطلق تنهيدة و تهرب من التحديق في عينيها و هو يخبرها:
- للأسف يا مروة قلوبنا مش بإيدينا، و أنا قولتهالك قبل كدة، خليني أنساها، عارف إني أناني و ظالم كمان، بس أنا محتاج إيد تشدني وتقومني من دايرة الماضي، أنا محتاج لك أوي.

و أمام البوابة المُطلة علي كورنيش النيل، تقف السيارة، نزلت و أخذت تتلفت من حولها بإبتسامة تغمر شفتيها، فعندما أخبرها صباحاً إنهما سوف يخرجان،لم تصدق نفسها، ظنت إنه قد غفر لها أخيراً و سامحها، لاتعلم نواياه الخفية.

أمسك بيدها و دلفا عبر الجسر إلي الفندق، فقالت له:
- عارف، كان نفسي نعمل فرحنا هنا، بس ظروفك ما سمحتش وقتها و أنا قولت مش مهم، الفرح الحقيقي هي أكون معاك.

حدجها بنظرة غامضة و إبتسامة إستهزاء جعلتها تشيح وجهها الناحية الأخري.

توقفا أمام باب كبير يقف عليه حارسين، أخرج لهما دعوة قد أخذها من صديقه طارق الذي أعتذر عن الحضور، دخلت و قلبها أصابته إنقباضة و أذنيها أصابها صفير حاد.

و قعت عينيها علي العروسين، فعلمت لما تشعر بكل هذا، إستدارت وهمت بالذهاب، أوقفها قائلاً و يده قابضة علي زراعها:
- رايحة فين؟، مش ناوية تباركي لصاحبتك و جوزها؟

أبتلعت ريقها بتوتر فشلت في إخفائه:
- أنا عايزة أمشي.

رد بإصرار و حزم:
-  و إحنا مش ماشين غير لما نروح نسلم عليهم و نباركلهم.

جذبها من يدها لتسير خلفه بتعثر، حتي توقفا علي مقربة شديدة من مروة وعلي الذي تسمر في مكانه حينما تلاقت عينيه بخاصتها، و هي قد أهتزت عندما جذبها أكرم من خصرها يحتضنها.

وقفت مروة تنظر إلي صديقتها السابقة بدهشة، كيف جاءت و هي لم ترسل لها دعوة حضور الزفاف!.

ذهبا إليهما، صافحت ندي مروة علي مضض:
- مبروك يامروة.
1

ردت الأخري بإقتضاب:
- الله يبارك فيكي.

ــــــــــــــــــ

و ها هي قد أهتداها تفكيرها الشيطاني بعدما رفضت الطبيبة بإجراء الإجهاض لها، تلجأ إلي الحيل القديمة، ذهبت إلي العطار، و قامت بشراء خليط من الأعشاب التي علمت بمفعولها الذي سيفي بالغرض.

و الآن هي بمفردها تمكث في غرفتها منذ الأمس، تمسك بالكوب الخامس أو ربما السابع تحتسيه بصعوبة بسبب رائحة الخليط النفاذة، كما يداهمها منذ الأمس شعور بألم يزداد كل فينة و الأخري.
صعدت علي الكرسي و وثبت علي الأرض، مرة تلو الأخري،  و في كل مرة تتأوه بألم،  و إذا تشعر بسائل دافئ يتدفق من أسفلها و قد وصل الألم إلي ذروته، و هنا لم تعد قادرة، فأطلقت صرخة وصلت إلي مسامع أهل النجع!.
تمكث في الغرفة بمفردها منذ أن عادا من الخارج، لم يستغرق وجودهما في حفل الزفاف سوي مجرد دقائق مرت كمرور الدهر علي قلب احدهم و بمثابة خنجر متوهج يخترق قلوب آخرين بلا رحمة.

نهضت من فوق السرير بعد تفكير دام لأكثر من ساعة، ذهبت لتبحث عنه في الردهة، وصل إلي أنفها رائحة سيجارته المشتعلة من الشرفة، سارت إليه و وقفت خلفه بتوجس حيث إنها تدرك جيداً حالته النفسية الآن، فهو لا يلجأ لتدخين السجائر إلا عندما يكون في قمة غضبه لاسيما تري من جانب وجهه إحتدام عظام فكه البارزة و انتفاخ أوداجه النافرة.

ترددت في التحدث إليه، لكن في النهاية وجدت لا مجال للهروب عليها المواجهة، ساعة من المواجهة وتلقي الصدمات أكثر هواناً من العيش لساعات و ربما لأيام في خوف و آسر ذهنك في براثن الأفكار المُظلمة.

- أكرم.

تظاهر و كأنه لا يسمع ندائها علي غرار ما بداخله من وقع صوتها علي فؤاده الذي يتوسل إليه بأن يغفر لها، لكن الآن العقل هو المسيطر، طالما عقله يرشده إلي الثواب والمسار إلي الدرب الصحيح.

أطلق زفرة نفث بها دخاناً كثيفاً من أنفه و فاهه، و صمته كان الرد الجلي إليها، اقتربت منه وضعت أناملها المُرتجفة علي عضده و كأن قد سري في جسده تيار كهربائي، ألتفت إليها بنظرة لو كانت نيراناً لجعلتها رماداً لتوها.

أجفلها بصوت أرجف قلبها:

- عايزة أي؟

ابتلعت غصتها بتردد و أجابت:

- ممكن نتكلم شوية؟

سحب نفساً عميقاً من سيجارته ثم أطلقه في زفرة عبئت الأجواء من حولهما بالدخان الكثيف، تخلص من ما تبقي بين أصبعيه بإلقائها من الشرفة ليخبرها:

- الكلام ما بينا أنتهي.

لم تتحمل كلماته القاسية و نظراته الأشد قساوة، انفجرت في نوبة بكاء و كأن الجميع تكالب عليها اليوم:
- حرام عليك بقي كفاية، أنا ما بقتش أستحمل، بقي أبسط حاجة عندك تذل وتبيع فيا كأني مش مراتك و أم بنتك.

ها هي قلبت الأدوار علي رأسه، فأصبح هو الجاني و هي الضحية المجني عليها، ما كان منه أن يشعر سوي بالغضب العارم، قبض علي رسغها دافعاً إياها إلي الداخل ومن بين أسنانه يلقي عليها وابل من رصاصات الكلمات القاتلة:

- و أنا مكنتش خطيبك وحبيبك وقت لما روحتي أترميتي في حضنه!، أنا خدتك للفرح عشان أشوف النظرة اللي شوفتها في عينيكي، إحساسي عمره ما خاني و الليلة دي أتأكدت بنفسي من كل شكوكي، و كفاية كذب و خداع، أنا مش عارف إزاي أنتي كدة!، خلتيني أحس بأوسخ إحساس أي راجل عنده كرامة و نخوة إستحالة يقبله علي نفسه.
تريث قليلاً ثم أردف و نظراته مليئة بالقسوة و الكراهية:

- تعرفي اللي زيك تتوصف بأيه!

قربها منه و نظر صوب عينيها و كأن كل ما به يتحدث و ليس فمه فقط:

- خاينة.

هبطت أسفل قدميه تبكي بتوسل و نفي اتهامه لها:

- أنا مش خاينة، و الله بحبك أنت،بعترف أن غلطت و ندمانة و دفعت تمن غلطي، قسوتك و كلامك اللي زي السكينة دبحني، برغم كل ده أستحملت و هاستحمل، كل ده عشان بحبك.

هبط لمستواها و أمسكها من عضديها يُعنفها:

- بطلي كذب بقي يا شيخة، أنتي ما بتحبيش غير نفسك و بس.

كانت ترتجف بين يديه و تهز رأسها يميناً و يساراً، لم تصدق عينيها ما وصل إليه، أصبح أمامها كالوحش الضاري، مهما بررت أو توسلت لم يرحمها، فأسرع و أسهل حل لديها الآن هو الهروب من أمامه و الاستسلام لفقدان الوعي الذي بدأ يداهمها بالفعل.

زاغت عينيها ثم أسبلت جفونها في صمت، لم يتبق سوي صوت أنفاسه المتهدجة و هو يراها ساكنة بين يديه.

              ❀ـــــــــــــــــــــــــــ❀

تسير في الطريق المُظلم بعدما انتهت من زيارة إحدى صديقاتها، فكان الشرود رفيق دربها و الذي أنتشلها منه احدهم، جذبتها يد غليظة و كانت علي وشك الوصول إلي منزلها، شهقت بفزع عندما أفجعها بنظراته القاتلة و صوته الأجش الذي دب الرعب في فؤادها، يسألها:

- معاودة منين؟

رمقته في صمت لثواني حتي عادت الدماء إلي أوردتها مُجدداً، و لبست قناع الجمود و أجابت ببرود:

- ملكش صالح بيا عاد.

دفعها إلي أقرب جدار، فأرتطم ظهرها به، قلبها يخفق وجلاً غرار ما تظهر له قوة واهية علي ملامح وجهها، أمسك برسغيها بقبضة من حديد:

-من هنا و رايح رچلك ما تخطيش عتبة الدار.

رفعت إحدى حاجبيها بتمرد أنثي لا تنحني يوماً سوي إلا لخالقها قائلة:

-و ده من ميتي إن شاء الله يا سبع الرچال، إيش تكون أنت لأچل تحكم و تشخط فيا عاد!

أقترب أكثر منها، و من يراهما من بعيد يحسب إنهما متلاصقان، هدر من بين أسنانه:

-أنا أبجي راچلك،و چوزك بعد ما نكتبو الكتاب بكرة، و بعدها بأسبوع هاتكون دُخلتي عليكي يا بطتي.

ازدردت لعابها لتُبدد توترها المُنبلج من نظرات عينيها، تخبره بتهكم:

- بعينك يا واد خالي.

شبح ابتسامة غزي أسفل شاربه قائلاً:

- لاء يا جلب واد خالك، هاتبجي بصدري الي هاتدفي فيه و أنتي في حضني، و بجلبي الي هاتسمعيه و أنتي راسك علي صدري و شعرك الچميل مفرود عليه، أجولك أي كمان.

أقترب بموطن كلماته بالقرب من شفتيها المذمومتين و أكمل:

- و بشفايفي اللي نفسها تدوج كل حتة فيكي يا بطتي، خصوصاً الحتة دي.

برهة واحدة و كاد يُقبلها.

- بت يا فاطمة.

صوت والدها أجفل الأخر و جعله أبتعد عنها و هّم بالذهاب فأوقفه الشيخ واصف ليسأله:

-واجف ويا بتي و عتسوي أي يا رافع!

لم يستطع رفع عينيه من فرط ما يشعر به من حرج، تحمحم ثم أجاب:

- كنت بسألها كيفها عمتي.

أمسك والدها بيدها، يدفعها برفق خلفه و حدج الأخر بنظرة تحذيرية قائلاً:

- عمتك زينة، و لو رايد تطمن عليها تدخل الدار من بابها لأچل تطمن عليها و بس، غير إكده ملكش صالح ببتي واصل.

لم يمهله والدها حتي الرد و أخذ أبنته و عاد إلي منزله، تاركاً الأخر في نفور أوداجه التي كادت تطق من الغيظ.

            ✿ــــــــــــــــــــــــــــــ✿

وصل أمام منزل عائلته الذي يغلفه سكون الليل يتخلله صوت مزعج يصدر من فم و أنف هذا الدبيكي ذو المظهر المُخيف و شاربه الكث يحتل نصف وجهه.

لكزه بقوة في صدره قائلاً:

- جاعد أهنه و نايم و عتشخر كمان!

أنتفض الأخر بفزع يتلفت من حوله كالمجنون، حتي عاد إلي صوابه:

- حجك عليا يا كبير،أصلي مانعستش من إمبارح، و الحاچة و الحاچ خرچو من بدري راحو يعزو چماعة وهدان، فأتكوعت علي الكنبة أهنه و الهوا طس في وشي و نعست غصب عني.

زجره مُتمتماً:

- طسك جطر يا بعيد.

تركه و فتح الباب بالمفتاح يُدندن:

- يا ولاد بلدنا يوم الخميس، هاكتب كتابي و هابجي عريس.

ظل يُرددها، و قبل أن يدخل الغرفة، رأي الضوء من خلال أسفل الباب، تحمحم حتي لا يجفل زوجته و كأنه يهتم لأمرها:

- بت يا نوارة، أنتـ...

فتح الباب و بتر كلماته المشهد الذي يراه أمامه، حيث رآها ممددة علي الأرض و طرف ثوبها يرتفع إلي أسفل ركبتيها، فساقيها مُلطخة بالدماء المُتدفقة من أسفلها، ترتجف جفونها و تلتقط أنفاسها ببطيء، صاح بفزع:

- نوارة.

أنحني علي عقبيه و أخذ يربت علي خدها، و عينيه تكاد تخرج من محجريهما:

-أي اللي سوي فيكي إكدة!

تتحرك مُقلتيها نحوه تارة و تارة أخري تختفي أسفل جفونها المُرتجفة، تردد اسمه بخفوت:

- رافع، رافع.

ألتقط غطاء من فوق السرير، دثرها جيداً و حملها علي زراعيه كالأهوج، قلبه يخفق بخوف ثم نادي علي المنتظر خارج المنزل:

- دبيكي، أنت يا زفت.

هرول إليه غضون لحظات:

- أمرك يا كبير.

أشار له بعينيه نحو الكمود و بصوت هادر صاح به:

- خد المفاتيح دي و بسرعة أفتح لي العربية.

توقف الأخر محدقاً بصدمة، فسأله:

-حوصل أي لست نوارة؟

صاح به رافع بصوت ترتعد له الجبال:

- و ده وجته يا وحل البرك، روح سوي اللي جولتلك عليه.

فعل كما أمره رب عمله مُسرعاً، و حينما فتح إليه باب السيارة:

- سوج علي أجرب مشتشفي بسرعة.

و في غضون دقائق كان في المشفى، ينتظر خارج الغرفة في قلق و خوف، لأول مرة يشعر نحوها بتلك المشاعر، فـ منذ أن رآها في تلك الحالة التي يرثي لها، شعر بانقباض فؤاده و غصة في حلقه، إلي هذا الحد كان ظالماً!

آلاف السناريوهات تنهش عقله و تضغط عليه، و كأنه مثل حبوب القمح بين حجري الرُحي، لا يعلم إنه هو من جعل زوجته هكذا، أوقعها بين حجريه، الأول عشقها له من طرفها فقط،  و الحجر الأخر هو ظلمه لها و كيف كان قاسياً جافياً عليها.

خرجت الطبيب ليخبره:

- واضح جداً إنها محاولة إجهاض من النزيف الشديد اللي عندها و....

دفعه الأخر من أمامه و أسرع إليها، يخالجه كلا من الخوف و الغضب و كل من المشاعر المتضاربة، و إن دلف توجه بصرها إليه و كأنها تناديه، جلس جوارها و أمسك يدها، سألها بلهفة لأول مرة تراه في سوداويتيه رغماً من غضبه:

- أي اللي چرالك،ليه سويتي في حالك إكدة؟

ردت و الكلمات تكاد تخرج من شفتيها بصعوبة بالغة:

-أني خلاص هريحك مني و من همي.

عقد حاجبيه ثم رمقها بنظرة قاتلة يسألها:

-  رايدة تجتلي حالك أنتي و ولدي!

ازدردت ريقها الذي كان كالغصة العالقة في حلقها و أجابت:

- اللي في بطني ما يبجاش ولدك.

قبض علي يدها و من بين أسنانه سألها:

-عتجولي أي يا خرفانة، تجومي بالسلامة الأول و بعدين راح أحاسبك علي سويتيه في حالك و في إبني.

أغمضت عينيها لثواني و قامت بفتحهما لتخبره بالفاجعة:

- أسمعني زين، أني و أمي روحنا عند واحد بيجولو عليه شيخ بيعالچ اللي متأخر في الحمل، روحت و ياريتني ما روحت.
توقفت لحظات لتلتقط أنفاسها مرة أخري و أردفت:

- لما جعدت وياه عطاني جماشة جعدت أدعي باللي نفسي فيه و بعد إكدة ما دارتش بحالي.

تقسم إنها تري الآن ألسنة لهب تندلع من عينيه لو أطلقها عليها لأحرقتها حية في التو.

أعتصر يدها بلا رحمة و هسهس إليها:

- خابرة لو حديتك ده صوح، هاسوي فيكي أي؟

أومأت له و ابتسامة ساخرة تعلو شفتيها:

- مش محتاچ تسوي يا رافع، أني خلاص هارتاح و هاريحك مني، رايدة بس تعرف حاچة واحدة، مفيش حد حبك و عشجك قدي، كنت مستعدة أسوي أي حاچة لأچل تحبني ربع حبك لفاطمة، عمري ما أنسي لما كنت بين إيديك و تنادم عليا بإسمها،كل يوم جلبي ينجهر و ألوم حالي و أجول أي اللي سويته في نفسي دي، چريت ورا سراب و وهم و أديني بدفع التمن دلوق، و برغم كل ده هافضل أحبك.

داهمتها شهقة تبعها توقف صدرها عن العلو و الهبوط، عّم السكون جسدها الذي أضحي شاحب اللون.

✿ـــــــــــــــــــــــــــ✿

خرج كلاهما من بوابة إحدى المتاجر، يحمل هو و المدعو حمودة العديد من الحقائب، أوقفته قائلة:

- كدة مافاضلش غير  الـ Makeup Artist  عشان أكد عليها الميعاد، و نروح نشتري البدلة بتاعتك.

أومأ لها قائلاً ببرود علي عكس ابتسامتها و السعادة التي تنضح من عينيها:

- طب يلا لأچل أوصلك علي البيت،  و أروح علي المحل، چنيدي هناك لحاله و أنا أتاخرنا عليه.

أدركت تهربه الواضح، اقتربت منه و اختطفت منه الحقائب لتعطيها إلي حمودة لتحطم حُجته الواهية:

- خد الشنط دي يا حمودة و أطلع بيها علي البيت.

رد الأخر بطاعة و أستعد للذهاب:

- حاضر يا ست شهد.

أمسكت يد هذا المتسمر في مكانه و التجهم يغزو ملامح وجهه، تخبره:

-علي فكرة بابا قالي أنك أجازة من إمبارح عشان تحضيرات جوازنا، يعني بطل تتهرب مني، و يلا عشان هاروح أنقي معاك البدلة.

و في برهة تبدلت ابتسامتها إلي النقيض بعدما قال لها:

-أسمعيني زين، كلمة و مش هكررها أول و أخر مرة تتصرفي من دماغك، أنا اللي أجول نروحو فين و ميتي، و ياريت ما يتكررش التصرف اللي سويتيه دلوق، و كأن ساحبة وياكي عيل صغير.

تركت يده و تبتلع لعابها، أشاحت وجهها بحرج:

- أنا مكنتش أقصد اللي فهمته خالص،كنت عايزة أروح أختار معاك البدلة، و كان نفسي زي أي أتنين عرسان نروح نحجز القاعة اللي مفروض نعمل فيها فرحنا، طبعاً ما ينفعش عشان ظروفك.

وقف أمامها مباشرة ليخبرها بنبرة أقسي من الصقيع:

- و أني ما ضربتكيش علي يدك لأچل تجبلي ظروفي أو توافجي عليا.

رفعت وجهها لتواجه عينيها اللوزية رماديتيه التي تأسرها في حضوره:

- و أنا موافقة و قابلة ظروفك، بس ياريت أنت  اللي تقدر و تبطل تحسسني أنك مغصوب علي جوازك مني.
2

أطلق زفرة عله يهدأ من غضبه الدفين أو يزحزح قليلاً هذا الحمل الثقيل من فوق كاهليه، يتخذ الصمت حصناً منيعاً بدلاً من التحدث بحماقة يندم عليها لاحقاً.

أشار لها أمامه:

- أتفضلي نروح نشترو البدلة.

ذهب كليهما و كان أمر ثقيل علي قلبه لا سيما عندما تذكر أمر بدلته التي أشتراها من أمريكا لحفل زفافه علي زينب، كم تمني ارتدائها في ليلة تجمعه مع من يهواها فؤاده و لم يعشق

سواها.

أشارت له نحو بدلة سوداء من الطراز الكلاسيكي قائلة:

- حلوة أوي البدلة دي، هاتبقي حلوة عليك.

أومأ لها و عقب:

- تمام.

سألته باهتمام:

- عجبتك ولا بتقول تمام و خلاص؟

كان عقله شارداً في طيف حبيبته التي أعادته عليه ذاكرته أفاق علي يد الأخرى التي تلوح بها أمام عينيه:

-فارس، أنت سرحان و لا أي؟

سألها بعدما عاد مُنتبهاً:

- عتجولي حاچة؟

ردت بنظرة مُبهمة:

- بقولك عجبتك البدلة؟

حدجها بذات النظرة التي أدركها من بين فواصل كلماتها و قال:

- مش هاتفرق.

كانت هنا لحظات من الصمت يتخللها حديث العيون، قاطعها البائع:

- لو هتاخد البدلة دي يافندم عليها عرض حلو و هو كراڤت و بيبون هدية.

و بعد انتهائهما من الشراء، غادرا المتجر و ذهبا إلي آخر قريب، توقف أمام محل مصوغات ذهبية، أشتري خاتم بسيطاً من الذهب.

تراقص قلبها من الفرح، و كانت علي انتظار أن يضعه في بنصرها، لكنه أعطاها العلبة بالخاتم الذي داخلها قائلاً:

-معلش كنت المفروض أچيبه لك المرة اللي فاتت.

أخذته و داهمتها غصة في قلبها، ظلت طوال الطريق تمسك بالعلبة تجترع مرارة غُصتها، و حينما ترجلت من السيارة أمام البناء، وقفت تنتظر فارس الذي كان يدفع الأجرة للسائق، و قبل أن تدلف إلي الفناء برفقته أمسكت يده و وضعت العلبة في راحة يده بحدة بلا تعليق أو كلمة واحدة ثم تركته و اختفت من أمامه إلي الداخل،صعد خلفها حتي وصل إلي الشقة، فـ رأي والدها في انتظاره يحدقه باستفهام و وجوم، ألقي عليه التحية، ردد الأخر و يبدو من نبرته اللوم و العتاب:

- و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته.

أخبره بـ تردد:

- معلش أتأخرنا شوية عجبال ما أشترينا البدلة و فوتنا علي الچواهرجي، أشتريت لها دبلة و مارضتش تاخدها.

رمقه نعمان بابتسامة غامضة و سأله:

- عندي سؤالين ليك الأول أنت أشتريت لنفسك دبلة زيها؟، و التاني أنت لبستها الدبلة في صبعها و لا أديتلها العلبة كدة و خلاص؟
1

تفهم ما يرمي إليه، فأجاب:

- أني ما بحبش ألبس حاچة في يدي، و بالنسبة لإچابة السؤال التاني أني عطيت لها العلبة و مش في دماغي أي حاچة. 

أشار الأخر إليه ليتبعه:

- تعالي يا فارس، عايزك في كلمتين.

جلسا سوياً، بدأ فارس الحديث:

-خير يا حاچ؟

- بص يا بني، أنا عارف الحب الأول عمره ما يتنسى، و علي رأي اللي قبلينا ما قاله و ما الحب إلا الحبيب الأولِ، و مش هقدر أقولك حب بنتي لأن قلوبنا مش بإيدينا، بس كل اللي بطلبه منك تحتها في عينيك و ما تكسرش بخاطرها، هي ممكن تبان أنها قوية و مندفعة لكن هي عكس كدة خالص، شهد زي الطفلة الصغيرة محتاجة الإهتمام، أتربت من غير أم و برغم أحتوائي ليها و حنيتي عليها، دايماً بلاقي في عينيها نظرة حزن، النظرة دي أختفت من يوم ما أنت ظهرت،فياريت و أعتبره رجاء من أب لأبنه ما تخليش نظرة الحزن دي ترجع في عينيها تاني.
3

يبدو من الخارج في تماسك شديد و ثبات يُحسد عليه، غرار داخله الذي يصرخ و يريد أن يخبره كيف سيغدق عليها من حنان و اهتمام و هو في احتياج إليهما، لاسيما بعدما فقد كل شئ والدته و هو صغير و والده عند عودته من السفر ثم الفتاة الوحيدة التي وجد فيها كل ما فقده!

أومأ له قائلاً:

- ما تجلجش يا حاچ،أني هعاملها بما يرضي الله.

ربت الأخر علي كتفه و قال:

- و أنا واثق من كدة إن شاء الله.

اعتدل في جلسته و أكمل حديثه:

- شوفت نسيت حاجة مهمة.

أخرج من جيب عباءته محفظة جلدية، فتحها و اخرج منها بطاقة هوية و مدها إليه:

- أتفضل البطاقة، اسمك دلوقت بقي قاسم رشدي سعدالدين.

امعن النظر في الهوية، فوجدها لا تفرق شيئاً عن الأصلية، ردد قائلاً:

- إكدة هاجدر أسوي حاچة كنت مأجلها لحد ما موضوع البطاجة يخلص.

رمقه باستفهام و سأله:

- حاجة أي اللي أنت ناوي تعملها؟

نهض و أخرج محفظته ثم وضع البطاقة داخلها، فأجاب بـ عزم و ثقة:

-تجدر تجول مهري لشهد، أنا ما ملكش المال لكن ربنا عطاني عقل و قوة أرد بيها حقها زي ما وعدتك و وعدتها.

✿ــــــــــــــــــــــــــــــ✿

استيقظت للتو أو ربما نقول يجافيها النوم منذ ليالي مُنصرمة، تشعر بالشتات و الاغتراب عن مكنون ذاتها الحقيقي، تخشي أن تنجرف دون وعي منها و تصبح بالفعل جارية مُطيعة له و المصطلح الصحيح خاضعة، كلما تذكرت كلمات صديقتها في الحفل تشعر بألم ينهش داخلها برغم أنها تعلم جيداً إنه مُجرد تمثيل زائف، لكن متي سينتهي!، و متي تتبدد تلك الغيمة السوداء!

نهضت بوئيد من جواره، ألقت نظرة عليه فوجدته ما زال نائماً، نصفه العلوي عارياً، من يراه في ذلك السكون لا يصدق أفعاله الإجرامية، سارت نحو مرآة الزينة وقفت أمامها تتأمل هيئتها، ترتدي ثوباً حريرياً ينسدل علي منحنيات جسدها، يُجسد معالمه التي تمقتها كلما تذكرت لمساته عليها، عقدت ساعديها و كأنها تعانق نفسها بمواساة، أغمضت عينيها، داهمتها ذاكرتها بأخر لقاء بينها و بين فارس قلبها، لم تنس صوته و عناقه أو لمسة شفتيه لخاصتها.
1

انسدلت عبرة من عينيها لم تكمل هبوطها علي خدها بسبب الأنامل التي جففتها الآن، شهقت بفزع عندما فتحت عينيها و وجدته خلفها، عانقها و مال برأسه ما بين عنقها و كتفها العاري يسألها:

-أي اللي مصحيكي دلوقتي؟

نظرت إليه عبر المرآه، فوجدته يحدق بها عن كثب، تلك النظرة التي تربكها دائماً، حاولت أن تبدو هادئة و هي تجيب:

- مكنش چايلي نوم.

جعلها تستدير حتي تصبح في مواجهته، أمسك يديها بتشابك أنامله بأناملها و ينثر بعض القُبلات علي جيدها، يسألها من بين قُبلاته:

- و أي اللي مطير النوم من عينك؟

تململت من لمساته و حاولت تملص أناملها من بين أنامله، فوجدته يضغط بقوة مما سبب لها بعض الألم، رفع وجهه ليرمقها بتحذير عن الابتعاد، ابتلعت ريقها و قالت:

-مفيش، حاولت أنام ما جدرتش.

-أنا ملاحظ الأرق اللي عندك من ليلة الحفلة، للدرجدي كلام سمية مأثر عليكي!

يا له من وغد ماكر، يعلم كل ما يجول برأسها من مجرد نظرة فقط!

تهربت من النظر إليه بخفض بصرها لأسفل:

- و هي سمية جالت أي يعني، ما نجدرش نللوم عليها أو نحاسبها، دي كانت سكرانة.

شبه ابتسامة بدت علي ثغره، باغتها بسؤال صادم:

-أحياناً الحقيقة اللي جوانا بتطلع في لحظة لما بيكون عقلنا مُغيب،بالبلدي كدة زي ما بيقولو كل واحد بيطلع اللي جواه من غير كذب و تزييف، و أنا بقالي فترة عايز أسألك، لسه عايزة تبعدي عني و لا مكملة في تمثيلك لدور الخاضعة؟

رفعت وجهها لتجيب بثبات و دون أن يرف لها هدب واحد:

- و أني أي اللي هايچبرني أمثل كيف ما بتجول، ليه ما تجولش رضيت بنصيبي!

عانقها و ألصق جبهته بخاصتها، فأخبرها:

- الخوف يا زوزو، خوفك مني يخليكي تعملي أي حاجة عشان تتقي شري.

قشعريرة قوية دبت في جميع خلايا جسدها الساكن من الخارج، لكن بداخلها ترتعد فرائصها من الخوف، فما كان عليها سوي أن تتلاعب به هي أيضاً و تستخدم دهاء الأنثى في تلك اللحظات العصيبة :

- و ليه ما تجولش بدأت أحبك.
أبتعد خطوة ليتمكن من إطلاق قهقه تراها لأول مرة، لكنها تدرك أنها ضحكة ساخرة.

توقف عن الضحك و سار نحو الخزانة قائلاً:

- عارفة يا بيبي، أنتي الوحيدة اللي بتقدر تعصبني و في نفس الوقت بتخليني أضحك.

رفعت شفتيها جانباً بابتسامة ساخرة سرعان ما تبدلت إلي الخوف بل الرعب عندما رأت في يده سلاحاً نارياً.

- مالك خوفتي ليه، ده حتي أخوكي ماشاء الله وسع نشاطه و بقي يتاجر فيهم.

أشاحت وجهها جانباً قائلة:

- و أنا مالي بيه، كل واحد مسئول عن حاله.

أقترب منها و جذبها من يدها و دفعها نحو صدره لتلتصق به و أخبرها بـ كبر و تملك:

- لكن أنتي مسئولة مني أنا، أنتي ملك سليم العقبي، صح يا بيبي؟

هزت رأسها بالإيجاب و بداخلها بركان من الدموع يُريد الانفجار، ربما ما يمارسه الآن عليها من ضغط نفسي يجعلها تنهار من جديد و تستسلم للبكاء.

انتبهت بجذبه لاحدي يديها و وضع بها سلاحه الثقيل تحت نظرات التوجس و الخوف التي تنضح من عينيها.

- أنا ممكن أريحك مني و من التمثيلية دي خالص، بضغطة واحدة بصباعك علي الزناد.

غرت فاهها كالبلهاء تحاول إدراك ما تفوه به، همت بالابتعاد عنه تصطنع عدم الاكتراث لما قاله فهي ليست بحمل ضغوط أخري لم يعد لديها طاقة أن تتحمل جنونه.

-أني هاريح لي ساعتين.

و قبل أن تتحرك خطوة كان يقيد جسدها بجسده كالعنكبوت الذي يحاوط ضحيته بجميع أطرافه، و ها عاد صوته الأجش مرة أخري بأمر أحمق:

-لما أكلمك تقفي تردي و بعدين أنا ما بهزرش.

أمسك بذقنها و حدق في ذهبتيها المتلألئة بالدموع الحبيسة و أردف:

-أنا عارف أنك مستنية اليوم اللي تتخلصي فيه مني بفارغ الصبر، و أنا بقدملك الفرصة علي طبق من دهب،رصاصة واحدة و تتخلصي من كابوسك الأسود للأبد.

حدجته بصدمة بعدما رأت إصراره و جديته من خلال عينيه ذات اللون الأسود القاتم و النظرة الحادة المُرعبة.

دس السلاح بين يديها عنوة صارخاً بها:

- مستنية أي، بقولك يلا أقتليني و أخلصي مني، و يكون في علمك دي الفرصة الوحيدة و عمرها ما هاتتكرر تاني أبداً.

أشار له بعينه إلي مقدمة السلاح ليخبرها:

- و ما تقلقيش المسدس مزود بكاتم صوت، و هاتعرفي تهربي بأي طريقة بعدها، ها مستنية أي!

أرتجف جسدها و يديها في قبضته حتي و قع السلاح منها، هبط و التقطته ليعطيها إياه مرة أخري و بصوت كاد يصيبها بالصمم أمرها:

-أخلصي.

تعالت شهقاتها و رفعت السلاح لأعلي بتردد، صوت أنفاسها يخترق أذنه، و بكل قوة لديها رمت السلاح ليصطدم بالمرآة التي تصدعت و انكسرت لعدة قطع و فتات.

-كفاية بجي.

 انخرطت في نوبة بكاء عكس تعابير وجهه الذي داهمها شبح ابتسامة يشوبها الغموض، جذبها في عناق قوي، يحتويها بين زراعيه و كأنه أمانها الوحيد، كيف يكون لها مصدر الأمان و هو منبع خوفها و إرهابها طوال الوقت!

-خلاص أهدي، مفيش حاجه حصلت تستاهل العياط ده كله.

أبعدت وجهها عن صدره الذي أبتل بعبراتها التي ملأته و قالت:

- ما حصلش!، كيف مستهون باللي عتسويه فيا عاد!

أخذ يمسح عبراتها بإبهاميه قائلاً بهدوء و كأن لم يحدث شيء:

- و ليه ما تقوليش ده كان إختبار صغير مني!

كفت عن البكاء و رمقته بصدمة مرة أخري:

-و أنت فاكر إن يوم ما أحب أتخلص منك أجتلك!

عانقها و أخذ يهمس بجوار أذنها و أنفاسه تضرب عنقها:

- لأن مفيش مفر للخلاص مني غير أنك تقتليني يا بيبي، أنا قدرك و نصيبك لحد ما أي حد فينا يموت، الموت الوحيد اللي يقدر ياخدك مني، غير كده مفيش.

ظل ينثر قبلاته التي بدأت ناعمة و تدرجت إلي الحدة ثم أخذت مسار العنف غير مبالي إلي حالتها النفسية السيئة الذي كان هو السبب الرئيسي لها.

- بعد عني يا سليم لو سمحت.

خرجت من بين شفتيها بصعوبة حتي لا تعود إلي نوبة البكاء، قبض علي خصرها بقوة و قال بتملك:

- مش أنتي اللي تقولي أبعد، أنا بس اللي أقول.

حاولت أن تخلص خصرها من قبضتيه لكنها محاولة فاشلة:

- و أني تعبانة و ما جدراش، بزيداك تضغط عليا، أبوس يدك كفاية بجي.

و بعد أخر كلمة لم تتحمل و أجهشت بالبكاء مما جعله توقف عن ما كان يفعله، أبتعد عنها فجاءة لا سيما عندما تعالي صوت بكائها، تركها و غادر الغرفة قبل أن يخرج وحشه الكاسر عليها صافقاً الباب خلفه.

✿ـــــــــــــــــــــــــــ✿

صوت رنين هاتفها يصدح في أرجاء الغرفة، لم تسمعه سوي عندما فتحت عينيها، ضربت ذاكرتها أحداث ليلة أمس التي لن تُمح من ذكرياتها بتاً.

أمسكت بالهاتف و وجدت المتصل والدتها، أسرعت بتبديل وضع الهاتف إلي الصامت، فهي ليست في حالة مزاجية بأن تجيب أو تسرد لوالدتها ماذا حدث أو الذي لم يحدث.

نهضت من فوق الفراش بجهد حيث ما زالت ترتدي ثوب الزفاف، تلفتت من حولها علها تجد أثراً لوجوده و هي تتذكر ليلة أمس...

" بعدما تبادلا أكرم و ندي السلام معها و مع علي الذي وقف مُتسمراً للحظات ينظر إلي ندي و أكرم يحاوطها بزراعه بشدة و تملك، خشيت أن يحدث شيئاً و تفسد ليلتها إذا لم تفسد من الأساس، اقتربت منه و أمسكت بيده، سألت الأخرى و كأن الود بينهما موصولاً:

- أومال فين لارا، ماجبتوهاش معاكم ليه.

ضغط أكرم علي عضد ندي كإشارة لها أنه سوف يجيب بدلاً منها، فقال:

- لارا عند عمي و حماتي، أصلي أنا و ندي قررنا نعيد الهني مون من أول و جديد، صح يا حبيبتي؟

أومأت الأخرى بشبه ابتسامة و رمقته ثم اشاحت وجهها، فتلاقت عينيها بأعين علي الذي لم يستطع إخفاء نيران الغيرة المُندلعة في عينيه.

عقبت مروة و هي تتشبث بيد علي و تظهر تشابك إياديهما أمام أكرم و ندي و بالأخص تقصد الأخرى:

-إحنا كمان بعد الفرح أنا و علي مسافرين، بس برة مصر.

نظر أكرم في ساعة يده و قال:

- معلش بقي مضطر أستأذن، عن أذنكم.

و رمق علي بنظرة يشوبها وعيد مُردفاً:

- ألف مبروك يا عريس.

رحل و يمسك بزوجته و كأنها ستفر منه لو تركها برهة واحدة، أنتبه علي إلي مروة التي تهز يده قائلة:

- علي فكرة مشيو من بدري هاتفضل واقف متنح لأمتي؟

قطب حاجبيه و ألقي نظرة من حوله و بدأ يشعر بالاختناق، رغم الهواء الطلق المحيط بالجميع، أخبرها بأمر و حزم:

- يلا عشان هانروح.

أتسعت عينيها تحاول أن تستوعب كلماته، فسألته:

- هانمشي ليه؟، لسه بدري الفرح لسه مخلصش و بعدين مش المفروض نطلع علي المطار عشان مسافرين لروما!

أطلق زفرة بضيق و أجاب:

- كلمة و مش هاكررها، قولت هانروح علي البيت، لو مش عاجبك خليكي قاعدة مع أهلك و قرايبك و أنا ماشي.

و لم ينتظر حتي أن يستمع إلي إجابتها و سار، ذهبت خلفه و الحضور ينظر إليهما بتعجب و دهشة، همسات من القيل و القال، بينما هي كانت تلحق به تاركة والدتها و شقيقها اللذان يناديان عليها.
1

و بالخارج دلف إلي داخل سيارته، صعدت من الباب الأخر إلي الداخل أيضاً، فأنطلق بالسيارة، و في الطريق ظلت تلقي عليه العديد من الأسئلة التي قوبلت منه بالصمت المطبق وولم يكلف عناء نفسه أن ينظر إليها و يري حالتها السيئة و هي تتوسل إليه.

و لدي اقترابه من المنزل سألته بصياح:

- أنت ليه بتعمل معايا كدة، للدرجدي لسه الهانم مسيطرة علي دماغك و كل ما تشوفها حالة تسوء بالمنظر ده!، قولي هي أحسن مني في أي!، أي عندها و مش عندي!، رد عليا.
1

صرخت بأخر كلمة فبادلها بصرخة أقوي:

- بس بقي، و كلمة كمان و أقسم بالله هرجعك لبيت أهلك حالاً و بعد ما هرمي عليكي اليمين.

ابتلعت غصتها و صمتت بوجه محتقن، أكمل قيادته حتي توقف أمام البوابة:

-أنزلي.

نظرت إليه و أدركت إنه لم ينزل برفقتها، و في لحظة كانت بخارج السيارة، و قبل أن تعبر البوابة إلي الداخل تحت نظرات حارسان الأمن، أنطلق الأخرى ليتركها بمفردها في هذا المنزل بمفردها.

و بالأعلى ظلت تنتظره و تجول أرض الغرفة ذهاباً و إياباً حتي ساعات مُتأخرة من الليل، و غفت رغماً عنها".

عودة إلي الوقت الحالي...

غادرت الغرفة باحثة عنه لم تجده في الطابق، نزلت الدرج حافية القدمين، تتلفت يميناً و يساراً حتي قابلت في نهاية الدرج خادمة ذات ملامح آسيوية سألتها:

- أي خدمة سيدتي؟

سألتها الأخرى:

- علي فين؟

أجابت الخادمة:

- مستر علي فيه الليڤنج مدام.

ذهبت حيثما أخبرتها، توقفت لتتأمل هذا المشهد بصدمة و ألم مرير، وجدته يجلس نائماً علي كرسي و أمامه منضدة يعلوها زجاجات خمر فارغة و جوارها ورقة مالية مطوية علي شكل أسطوانة تتناثر من طرفها ذرات مسحوق أبيض اللون.

تقدمت نحوه حتي أصبحت أمامه، مالت إلي وجهه، لاحظت آثار دموع علي خديه، رفعت يدها لتزيح خصلات شعره المنسدلة علي جبهته، انتفضت عندما أمسك برسغها و يحدقها بنظرة أجفلت قلبها.

سألته و الوجع يتجلى في كل حرف تتفوه به:

- و بعدين يا علي؟

لانت نظرته و معها قبضته، ترك يدها ليخبرها كطفل صغير:

- مش قادر أنساها.

أشار إلي رأسه حيث موضع عقله قائلاً:

- ده عايز يمحي أي ذكري ليها.

ثم أشار إلي موضع قلبه و أردف:

- لكن ده مش مطاوعني، بالعكس كل مرة أشوفها قصاد عيني يتقهر أكتر.

جلست علي الكرسي المجاور له، فأخبرته:

- أنت مريض بحبها يا علي، أنت مريض و موهوم، هي عمرها ما حبتك، حاول تنساها و فكر في نفسك، بص حواليك و شوف اللي بيحبوك و يتمنو لك الرضا،أنا أستحملت كم إهانات منك ما تستحملهاش أي واحدة لو مكاني و كل ده عشان بحبك، أحتويتك و عندي إستعداد أقف جمبك و أستحمل أي حاجة في سبيل أن اخلصك من الوهم اللي أنت عايش فيه.

نهضت لتقف أمامه و تستطرد حديثها:

- أعتبرها زي الحاجات اللي شربتها رغم إنك منعت نفسك عنها لفترة و وعدتني إنك مش هاترجع تشرب تاني، بس أنا برضو مش هيأس و هخليك تبعد عن أي حاجة تضرك، حتي لو الحاجة دي ضد رغبة قلبك، قلبك اللي هيبقي ملكي في يوم من الأيام، زي قلبي بالظبط.

نظر إليها بحزن و قهر قائلاً بتوسل:

-أوعي تتخلي عني، أنا حرفياً بموت.

فما كان منها سوي أن تجذبه بين زراعيها و تربت عليه قائلة:

- بعد الشر عليك، ما تخافش أنا جمبك و عمري ما هاسيبك.
1

✿ـــــــــــــــــــــــــــ✿
ضعت أمامه صحن الأرز و كادت تذهب، أمسك يدها و سألها:

- رايحة فين؟

أجابت دون أن تنظر إلي زرقاويتيه، هكذا حالها منذ أن أفاقت من حالة الثمل الشديد التي كانت بها في ليلة الحفل المشئوم.

- رايحة أجعد ويا حالي.

سألها مرة أخرى بنبرة حانية:

- طيب مش هتيجي تاكلي معايا؟، أنا واحشني  أوي تأكليني بإيديكي.

أشارت إليه نحو الملعقة و قالت:

- حداك المعلجة كُول بيها.

نهض و أمسك وجهها ليخبرها و يعلم مدي تأثير نبرته علي قلبها:

- أنتي عاملة ملوخية و عارفة أنا بحب أكلها بالعيش اللي بتقطعيه ليا علي شكل ودن قطة و تأكليها لي.

رمقته و رفعت حاجبيها لتتأكد من جدية حديثه، فوجدته يرمقها بنظرة كالحمل الوديع مما أثار ابتسامتها.

- شوفتي بقي أنتي ظلماني إزاي ببُعدك عني، رغم أنا معملتش ليكي حاجة.

نظرت لأسفل بخجل و قالت:

- أنت ماسوتش حاچة، أني اللي سويت و فضحتك وسط أصحابك، و ما أستحقش معاملتك الطيبة ليا.

جذب إحدى كراسي المائدة و جلس عليه و  جعلها جلست فوق فخذيه:

- أوعي تقولي كده لأزعل منك، أنا عارف الحالة اللي كنتي فيها كان غصب عنك و أنا السبب إن ماقولتلكيش علي موضوع الشيكولاتة من الأول، بالنسبة لباقي كلامك أنتي تستحقي كل حاجة حلوة، لأنك أحسن واحدة قابلتها في حياتي، فيكي كل الصفات اللي أي راجل فينا يتمناها، حلوة و ذكية و طيبة وجدعة و بنت أصول.

ابتسمت و قالت بخجل و دعابة:

- طب كفاية بجي لأتغر في حالي.

قهقه و كما أهلكها صوت ضحكته التي تعشقها.

- الغرور نفسه يغير منك لأنك ملكة، ملكة علي عرش قلبي.

وضعت كفها علي فمها لتواري خجلها، أزاح يدها قائلاً:

- ما تحطيش إيدك علي بوقك و بطلي كسوف، أنا بعشق جمال إبتسامتك.

حاوطها بزراعيه و كاد يعانقها، تأوهت بألم سألها بقلق و خوف:

-مالك في أي؟

مدت زراعيها للأمام و أجابت:

- چتتي من وجتها وچعاني و عضمي كأني اللي واخدة علجة.

- قومي.

أمرها فنهضت، قام بحملها علي زراعيه، سألته:

- عتسوي أي؟

سار بها نحو الغرفة قائلاً:

-هاعملك سيشن مساچ هاتفضلي تدعيلي طول عمرك عليه.

ركلت ساقيها في الهواء برفض:

- لاء، أبوس يدك المساچ بتاعك أخر مرة كسر عضمي و جعدت تلات أيام ما أتحركش.

ضحك و قال:

- عشان كان أول مرة،  و بعدين عشان مش بتمارسي أي رياضة، فعضلات جسمك قفشة علي طول.

- أبوس يدك و عضلاتك نزلني،  ما ريداش أتمسچ، أنا هاخف لوحدي.

قهقه علي ملامحها التي تشبه الأطفال عندما ترفض و تتذمر، كاد يتحدث فقاطعه رنين جرس المنزل، أنزلها برفق.

- أدخلي أنتي و أنا هاروح أفتح، شكله السكيورتي عشان كنت قايله علي شوية حاجات يجيبهم لي.

فعلت كما أمرها و ذهب ليفتح الباب، وجد أمامه طفلة صغيرة ذات ملامح أجنبية و عينيها الزرقاء أكثر ما يميزها.

تقول له بالفرنسية:
+

-Bonsoir papa.

و تبعها صوت التي ظهرت خلفها تسأله:

- مفاجأة، أليس كذلك؟

توقفت سيارة سوداء فارهة أمام بناء ذو طراز يوناني، يقف أمام بوابته الزجاجية حارسان، ركض إحداهما نحو السيارة و قام بفتح الباب الخلفي، نزلت بحذائها الأحمر المخملي و يلامسه طرف ثوبها الأسود و يكسو رأسها وشاح بلون الأحمر القاني، تنظر من حولها ثم انتبهت إلي صوت الحارس يُرحب بزوجها.

- أهلاً و سهلاً يا سليم باشا، المطعم نور.

رد الأخر بعدما أمسك بيدها و وضعها علي ساعده بعدما أثني ذراعه:

- كل حاجة تمام؟

أجاب بـ رسمية:

- كل حاجة تمت زي ما حضرتك أمرت.

أبتسم بزهو و قال:

-تمام.

و بعدما دلفا إلي الداخل، وجدت المطعم خالي من الزبائن نظرت إليه باستفهام و سألته:

- هو المطعم ليه فاضي إكدة؟

-المطعم محجوز لينا مخصوص.

شبه ابتسامة ساخرة أعتلي ثغرها فسألته بتهكم:

-خايف من أعدائك إياك؟

توقف و أصبح أمامها مباشرة، يحدقها بعينين شديدة القتامة قائلاً:

- بيبي، جوزك اللي بيتخاف منه مش العكس، أنا اللي حبيت نكون علي راحتنا خصوصاً محضرلك مفاجأة أتمني تعجبك.

قطبت حاجبيها و سارت برفقته حتي وصلت لدي طاولة يحاوطها زوجان من المقاعد، جذب لها احدهم فجلست، و تابعها بالجلوس علي المجاور لها و لنقل بالأحرى الملاصق لها، و عندما أصبح بالقرب الشديد هذا منها شعر برجفة جسدها، حاوط ظهرها بذراعه و دنا بشفتيه من مسامعها هامساً:

- سقعانة؟

نظرت إليه من طرف عينيها دون النظر مباشرة، فقربه هذا أكثر ما يثير خوفها و يذكرها بكل ما أقترفه بها، ازدردت ريقها ثم أجابت:

-لاء، أجصد ممكن لأچل أول مرة نيچو أهنه.

قهقه خافتة أصدرها فاهه فأخبرها:

-أنا من أفضل الجيست اللي بيجي هنا من ١٥ سنة.

هزت رأسها و لم تنطق كانت تتابع مدير النُدل يتقدم إحدهم الذي يدفع عربة يعلوها زجاجات خمر و أطباق فاكهة، أشار له سليم و قال بأمر:

- سيبهم هنا دلوقت.

أومأ إليه النادل قائلاً:

- أمرك يا باشا.

و ذهب، فقال المدير:

-أي خدمة تانية يا باشا؟

رد باقتضاب و دون أن ينظر إليه:
- لاء.

و بعدما ذهب الأخر أعتدل ليسألها:

-نفسك في أي؟

رمقته في صمت و بداخل رأسها إجابة ودت إخباره بها، و هي أنها تريد الفرار منه و العودة إلي فارسها، و لكن الوضع الآن لا يسمح سوي بالتمني!

ردت بهدوء يشوبه حزن دفين:

-رايدة أشوف أهلي، أتوحشت أمي جوي.

أمسك يدها و قام بوضع أناملها علي شفتيه، قام بتقبيل أطراف أناملها بحنان غير معهود ثم أخبرها:

-أعملي حسابك الأسبوع الجاي هانكون في النجع.

سعادة عارمة شقت ثغرها بعدما أخبرها بما قاله فسألته للتأكد ليس إلا:

-الأسبوع الچاي؟

أجاب و أنفاسه تضرب و جنتها من يراه من بعيد يظن إنه يُقبلها لا يعلم إنه يخبرها:

-اه ،و لا مش عايزة؟

هزت رأسها بالنفي و قالت باللهفة بالغة و سعادة تنضح من ذهبتيها:

- لاء، رايدة طبعاً أني بتوكد بس.
-طيب الخبر الجميل ده مالهوش كلمة شكر!

سألها بترقب و أنامله تمسد ظهرها بحميمية، كادت تبتعد فقام بتقيدها من خصرها، رمقته بضيق و امتعاض، افترقت شفتيها لكي تعترض لكن أوقفها صوتاً آخر:

-زينب.

انتفضت حينما سمعت هذا الصوت و لم تصدق ما تراه أمامها الآن، هنا تحررت من قبضة يده و نهضت لترتمي بين ذراعي صديقتها التي اشتاقت لرؤيتها:

-أتوحشتك جوي جوي يا ريهام.

أغمضت الأخرى عينيها و تعانقها و تربت عليها بحب و شوق، لقاء الأصدقاء بعد مرور كثير من الوقت و فقدان الأمل و الاستسلام لظلام أسود أو فوهة تفتح علي متاهة دون طريق عودة.

نظرت ريهام إلي سليم و أومأت له بامتنان قائلة:

-شكراً يا سليم بيه.

أبتسم الأخر بزهو و قال:

-العفو،أنا علشان خاطر زينب أعمل أي حاجة تبسطها.

صدح رنين هاتفه و عندما نظر إلي الشاشة فأخبرهما مُعتذراً:

-معلش هاضطر أرد علي مكالمة مهمة، خدو راحتكم عقبال ما أرجع.

نهض و أبتعد ليتمكن من التحدث في هاتفه، بينما زينب سألت صديقتها باللهفة:

-ممكن تفهميني أي اللي حوصل؟

أجابت الأخرى بعدما ارتشفت قليل من الماء:

-بصي كنا لسه أنا و أحمد راجعين من السفر، لاقيت رقم غريب بيتصل علي أحمد و قاله أنا سليم العقبي، في البداية أحمد أفتكره واحد بيهزر و لا بيعمل مقلب، و لما لقيناه بيحكي لنا علي اليوم اللي جه خدك من عند ماما أتأكدنا إنه هو، أستأذنه إنه عايز يكلمني ضروري في حوار يخصك، بيني و بينك قلقت عليكي بعد كدة أطمنت و فرحت أوي لما طلب مني نتقابل و يعملهالك مفاجاءة، أنا مكنتش عارفة أوصلك خالص و عرفت من الميديا إنكم أتجوزتو و سافرتو، ألا قولي لي هو عامل معاكِ أي.

انبسطت شفتيها بطيف ابتسامة يغلب عليها الشجن، فماذا عساها أن تبوح إليها أو كيف ستروي إليها ما مرت به من أهوال لو سردتها لم يصدقها أحد!

نظرت نحو الفراغ و أجابت باقتضاب:

-الحمدلله زين.

رمقتها الأخرى بامتعاض و سألتها مرة أخري:

-زينب أنا عارفاكي أكتر من نفسك،أحكي لي يمكن أقدر أساعدك بجد،أنا سعد إبن عمي بقي محامي شاطر جداً ممكن أخليه يساعدك و يطلقك منه.

ودت لو تخبرها بأن ما تفوهت به ليست سوي أحلام أو مجرد درب من دروب المستحيل فهي متزوجة من الموت ذاته، إنما ذهبت يدركها حتي لو اختبأت في برج مُشيد أو چُب بداخل صحراء قاحلة، في كل الأحوال سيصل إليها.

-أي يابنتي سرحتي في أي؟

لوحت إليها بيدها عندما وجدتها شاردة و لم تنطق بحرف،أنتبهت الأخرى:

-ما سرحتش و لا حاچة،و أطمني أني بخير و الدليل أني جدامك أهه،زينب هانم العقبي حرم أكبر بيزنس مان.

قطبت ريهام حاجبيها بتعجب و شعرت لوهلة بأن تلك الجالسة أمامها ليست صديقتها التي تعلم عنها كل شيء، بل أصبحت شخصاً أخر شخص يائس و ضعيف.

تهربت من النظر إلي صديقتها خشية أن تكشف عكس ما تبديه إليها من قوة واهية.

أخذت كلتيهما يتسامران في ذكرياتهما منذ أيام الجامعة حتي قاطع حديثهما سليم الذي أنهي مكالمته و جلس جوار زوجته قائلاً:

-أستاذ أحمد عامل أي؟

- الحمدلله بخير، كان عايز يجي معايا بس هو مشغول في تجديدات النادي اللي شغال فيه.

مد يده إلي يد زوجته المستندة علي الطاولة يمسكها بحنان، لاحظت ريهام ما يفعله و كأنه يطمئنها علي صديقته، أعتدل و أخرج بطاقة ورقية من جيب سترته الداخلي و قدمه إليها:

-أتفضلي ده كارت vip أديه لأستاذ أحمد و خليه يجي الشركة،ليه مكان عندنا مش هو تخصص برمجيات؟


أومأت له و أجابت:

-اه ده تخصصه، بس هو حابب شغله في النادي خصوصاً أنه الحمدلله أترقي و بقي مدير الـ waiters هناك، علي العموم هاديله الكارت و أبلغه، شكراً لحضرتك.


أومأ لها مُبتسماً و قال:

-العفو.

ـــــــــــــــــــــ

- هملني يا صلاح بدل ما أخرچ و أجطع لك چتتة بت المركوب اللي جاعدة برة دي.

صاحت بها سمية الذي يمسك بها صلاح و يقيد حركتها، و هذا بعدما علمت بماهية تلك المرأة الأجنبية و يخشي أن سمية تفتك بها.
1


رد الأخر و يشد من قبضة ذراعيه حول جسده حتي لا تفلت منه:

-قال يعني لو سيبتك مش هاتروحي تعملي فيها كده، أهدي يا سمية و خلينا نشوف هي جاية ليه.


صاحت بتهكم و تتحرك بصعوبة تريد الانفلات من تقيده لها:

-ما هي واضحة كيف الشمس يا حبيبي، السنيورة چاية لأچل ترچع الماضي و تلهفك مني، ما أنت كنت جدامها السنين اللي فاتت و لا لما لاجتك أتچوزت حليت في عينيها.


كتم ضحكته برغم نبرة صوتها المرتفعة لكن كلماتها تحمل روح الفكاهة التي تتميز بها لاسيما عندما تغضب.


أخبرها لعلها تهدأ:

-و مين قالك كدة، هي بالتأكيد جاية عشان حاجة تانية، و بعدين ماتنسيش إنها أم بنتي.


رفعت إحدى حاجبيها و رمقته بنظرة لم يستشف منها شيئاً:

-أني مانسياش إنها أم بتك، بس ياريت ماتنساش أني مارتك و لو طهجت مني أو مليت إحنا لسه فيها، طلجني و أرچع لها.


حدق إليها بنظرة عتاب، تركها و أطلقها تتحرك بحرية و سألها باللوم:

-أنتي شايفة كدة!


أدركت فداحة ما تفوهت به فأجابت:

-أنت فهمتني غلط، مكنش جصدي حاچة.


أطلق زفرة عميقة ثم هز رأسه و يخبرها:

-لاء أنا فاهم صح، أولاً كلامك فيه إتهام ليه اللي هو إن متجوزك أتسلي بيكي يومين و خلاص و تاني حاجة أخر كلمة كنت أتوقعها تقوليها.


طأطأت رأسها لأسفل بخجل و قالت:

-دي لحظة غضب، و أنت خابرني زين لما بضايج بجول أي حديت و خلاص.


ألتفت في استعداد إلي الخروج من الغرفة:

-أنا هاخرج بره و أسيبك لحد ما تهدي.


-صلاح.

نادت بنبرة يشوبها الندم، أجاب باقتضاب:

-نعم؟


أقتربت منه و أمسكت بيده و بصوت أنثوي قالت:

-حجك عليا ما تزعلش منـ...


باغتها بدفعها نحو الحائط و فاجئها بقُبلة قوية و لم يبتعد سوي عندما شعر بعدم استطاعتها التنفس، هسهس إليها و نظراته تؤكد علي كل حرف يتفوه به:

-أنتِ ملكي يا سمية و عمري ما هاطلقك إلا إذا دي رغبتك أنتِ،لأن بحبك بجنون و عمري ما هابعد عنك لأن أنا كمان بقيت ملكك، روحي و قلبي و عقلي و كل ما فيا بتاعك أنتِ، مفيش حد يقدر يشاركك فيا.


و ما أن أنتهي من كلماته لم يمهلها الرد ألتقم شفتيها بقوة كالذي يتضور جوعاً و وجد أمامه كل ما تشتهي إليه النفس، دفعته قليلاً لكي تتنفس و تسأله:

-يعني لو الصفرا أم صورم اللي جاعدة برة دي لو جالت لك تتچوزها لأچل بتكو هاتوافج؟


أدرك مدي غيرتها الجنونية عليه فأجاب بوضوح و صدق:

-لاء، أنا كل اللي يربطني بيها بنتي مش أكتر.


تعلقت بذراعيها حول عنقه و تدفعه بخطي وئيدة نحو الفراش، و بدفعة واحدة من كفيها في صدره جعلته تمدد علي السرير ثم أرتمت فوقه قائلة بنبرة توقن مدي تأثيرها الطاغي عليه:

-مش أنت بتجول أنت ملكي، همل ليا نفسك و سيبك من السحلية اللي برة و ركز معاي.


رمقها باستفهام:

-ناوية تعملي فيا أي يا سمية؟

رمقته بنظرة وقحة تخبره بما هي مُقبلة عليه و قالت:

-هاوقع صك ملكيتي يا جلب سمية لأچل تخابر سخام البرك صوفيا أنك بتاعي أني و بس.


هيهات و حدث غرار ما توقعه، أطلقت آهه دوي صداها إلي الخارج عندما غرزت أسنانها في وجنته!
2


ـــــــــــــــــــــ
تجلس أمام مرآة الزينة ترتدي مأزر الحمام و تمشط خصلاتها، شاردة في من أشتاق إليه الفؤاد، جاء من خلفها من جعل خيالها يتلاشى علي الفور، أخذ فرشاة الشعر من يدها و قام بالتمشيط بدلاً منها، تلاقت أعينهما خلال المرآة.

- مبسوطة؟

ما هذا السؤال الأحمق الذي يلقيه عليها، كيف لها أن تفرح في خضم تلك الأهوال التي مرت بها علي يده، يكفي أنها زوجته رغماً عن أنفها.

و لكي تتجنب نظرات الشك التي كادت تظهر في عينيه ذات اللون الأسود القاتم و المخيف أجابت بإيماءة كدلالة علي كلمة نعم قائلة:

-الحمدلله، شكراً علي المفاچاءة الحلوة.


ترك الفرشاة جانباً و أخذ يمسد جانبي عنقها و إزاحة تلابيب مأزرها عن كتفيها، دنا نحو جيدها و بدأ بتقبيل بشرتها الملساء:

-مفيش ما بينا شكر يا بيبي، بس ده ما يمنعش إن أستاهل مكافئة حلوة منك.


ردت بصفاء نية:

-و أي المكافئة اللي أنت رايدها مني.


أمسك بيديها لتنهض و جعلها تقف أمامه، عينيها صوب خاصته و يخبرها:

-فاكرة طلبي لما كنا في الجنينة يوم الحفلة؟


حاولت التذكر و لم تسعفها الذاكرة فسألته بتهكم:

-أنهي طلب فيهم، أصل طلباتك و أوامرك كتير جوي.


ابتسامة ذئب تغزو ثغره يتبعها قوله:

-عايزك تثبيتي لي حبك ليا، في لمسة.

قام بتشابك أنامله بخاصتها و أردف:

-في حضن.

عانقها بحميمية و أغمض عينيه يأمرها:

-أحضنيني و ضميني ليكي بكل قوتك.


قامت بتنفيذ أمره باحترافية و كأنها تعانقه برغبة نابعة من داخلها، و الفضل يعود إلي فلك ذاكرتها و آخر لقاء لها مع فارس قلبها.

كان عناقها له قوياً فجعله كالبركان الذي أنفجر لتوه، بادلها العناق حتي شعرت عظام جسدها تتحطم بين ذراعيه و همهمات صادرة من شفتيه التي أنقضت علي كل إنش في وجهها و عنقها و جيدها بقبلات ضارية يخبرها من بينها:

-بحبك أوي، بتحبيني؟


هزت رأسها، لم تكفيه الإشارة جمع خصلاتها في قبضة يده و جذبها بعنف إلي الخلف مما أظهر إليه طول عنقها:

-عايزة أسمعها من شفايفك.


أسدلت جفونها و تكبت الألم التي اعتادت عليه معه، أجابت:

-اه.


خلع عنها المأزر و أصبح كالوحش الثائر الذي أطلق سراحه من سجن دام لأعوام:

- اه أي قوليها، عايز اسمعها و أحسها.


رددت بصياح و نبرتها تكبت ألم جسدي و نفسي، صرخت و كأنها تنادي علي مالك قلبها:

- بحبك، بحبك، بحبك.


صرختها بتلك الكلمة و تكرارها كإلقاء تعويذة علي هذا الوحش، فقام بدفعها إلي الفراش و افتراسها بل و الفتك بها، لم ينتبه إلي عينيها التي تعتصرها و بداخل عقلها تخبر فارسها:

-سامحني يا فارس.
ــــــــــــــ
1

ظلام معتم و رائحة عطنه تملأ هذا المكان المثير للاشمئزاز مثل هذا المُقيد في الكرسي و يردد بتوسل:

-ميه، عايز أشرب، هاموت.


أفزعه صوت جنيدي الذي صاح به:

-ما تنطجتنا بسكاتك يا دوحه و لا أنت أستحليت الضرب، ما جولت لك أعترف بعملتك السودة و أني هاعتجك جدام القسم.


-ماعملتش حاجة، أنا مظلوم.

و جاء الأخر علي تلك الجملة فسأله بصوت أجش ينذر عن غضب كامن:

-لساتك عتكدب إياك.


أشار إليه جنيدي نحو هذا الممدوح و قال:

-ولد المركوب واكل علجة موت لما جطع نفسي و ضيع لي أحلي نفسين علي المسا و مارايدش يعترف باللي سواه.


جذب فارس كرسي خشبي بالي و وضعه أمام الأخر، أخبره بهدوء قاتل:

-الظاهر ممدوح عاچبته الجاعدة حدانا، بحيث إكدة يبجي لازم نرحبو بيه.


نهض من فوق الكرسي و أخرج جهاز صغير بمجرد أن يضغط علي زر به يصدر أزيز، صاح الأخر بنبرة هيسترية:

-كهربا!، كهربا لاء، ابوس إيدك كهربا لاء.

و أخذ يرددها برعب، نظر جنيدي إلي صاحبه بتعجب من ردة فعل ممدوح الذي فقد عقله، ضحك فارس بسخرية و أخبر صاحبه:

-ما تستغربش يا صاحبي، أصل المعلم ممدوح بيخاف من الكهربا من هو صغير.


عقب جنيدي علي حديث صاحبه:

-يبجي الواد هيما حداه حق لما جالي إن عيلة دوحة كلاتهم ماتو محروجين بسبب ماس كهربا و هو الوحيد اللي نچي من أهله.


-و أني لازم أفكره لو ما أعترفش صوت وصورة علي اللي سواه في صور بت الحاچ نعمان.

صرخ ممدوح قبل أن يقترب منه الأخر:

-خلاص، خلاص، هاعترف والله هاعترف، هاعمل اللي أنتو عايزينه.


و بالفعل قام فارس بتصوير ممدوح و هو  يعترف بتزييف الفيديوهات و تركيب صور شهد و تصنيع محتوي فاضح، أخذ جنيدي هذا الاعتراف و قدمه خلال إحدى معارفه إلي الشرطة و تم القبض علي ممدوح و يجري التحقيق معه.

ذهب فارس إلي منزل الحاج نعمان و وضع أمامه قرص التخزين(فلاشه) و قال:

-أتفضل يا حاچ ده يبجي مهري لشهد.


ربت الأخر علي كتفه و قال:

-عفارم عليك يا فارس راجل من ضهر راجل، عقبال إثبات برائتك.


-أتفضلو.

قالتها شهد و وضعت صينية أعلاها كوبين من الشاي و قطع كيك، نهض نعمان و قال:

- تعالي يا شهد أقعدي مع خطيبك عقبال ما أروح أصلي العشا.


ذهب والدها و جلست هي لم تجد سوي الصمت.

- شكراً علي أنك جبت لي حقي من ممدوح الحيوان.


تحمحم ثم قال:

-ده واچب عليا و لو أي واحدة حوصل وياها إكدة بالتأكيد كنت هاجف چارها لحد ما أخد لها حجها.


يا ليته ما تحدث، فحديثه كالسهام التي رشقت في مقتل لديها، كظمت غيظها و أشارت إلي الكعك و الكوب:
- ما بتاكلش كيك ليه؟


رفع يده بشكر:

- تسلم يدك، بس أنا و الله ما جدرش أكل، أصلي جبل ما أچي كنت چعان عديت علي محل الكشري وأكلت الحمدلله.


نهضت و أمسكت بكوب الشاي و مدت يدها إليه قائلة:

-خلاص يبقي تشرب الشاي.


كاد يخبرها إنه لا يريد.، فلم تمهله حيث تركت الكوب الذي لم يلحق بأن يمسك به و وقع علي فخذه، رمقته بتشفي:

-تعيش و تاخد غيرها.


تركته قبل أن يدركها غضبه و ركضت إلي غرفتها!
ـــــــــــــــــــ
تقدم ساق و تأخر الأخرى بتردد، تخشي الذهاب إلي هذا المنزل الذي تبغضه، فبعدما ذهبت إلي منزل خالها لتأدية واجب العزاء لم تجده و علمت من و الدته إنه منذ وفاة زوجته و لم يأتِ إلي المنزل و يمكث في المنزل الأخر القريب من المعبد القديم!
1


طرقت الباب فوجدته مفتوحاً قليلاً و رائحة دخان النرجيلة يصل إليها يشوبها رائحة الخمر الكريهة، دفعت الباب و ولجت إلي الداخل، بحث عنه لم تجد سوي الظلام و هناك وهج الفحم المُشتعل في إحدى الزوايا.


-رافع، أنت أهنه؟

أجفلها صوته الأجش:

-چايه ليه؟


استشفت من نبرته الحادة إنها غير مرحب بها، ابتلعت لعابها و قالت:

-چيت لأچل أعزيك، البقاء لله.


انتفضت عندما أنقشع الظلام مع إضاءة المصباح الذي اشعله للتو، أتسعت عينيها من مظهره الرث و حالته المُزرية، يغزو الاحمرار عينيه المحاطة بالهالات السوداء، و شعره أشعث و لحيته الكثيفة مع شاربه الكث أكسبه مظهر مُخيف بل و مرعب، كل هذا كفيل بجعل أوصالها ترتعد لاسيما حديثه الحاد معها:

-چايه تعزي و لا تشمتي، و لا تكوني فرحانة إنها ماتت!


رمقته بامتعاض فسألته بضيق:

-ليه بتجول إكدة؟، أنت خابر زين عمري ما كرهتها بالعكس دي كانت صعبانة عليا من اللي عتسويه وياها.


أطلق ضحكة ساخرة سرعان تحولت إلي مُرعبة، جعلتها تتراجع بخوف و كادت تغادر لكنه باغتها بالقبض علي زراعها بعنف ثم دفعها علي الأريكة و هدر بغضب كالعاصفة:

-اللي كنت بسويه وياها أنتِ السبب فيه، أنتِ اللي خلتيني روحت أتچوزتها لما رفضتي تتچوزيني، أنتِ اللي خلتيني أجهر جلبها كل ما أجرب منها و أنادم عليكي و هي في حضني، ياما باتت ليالي و دمعها علي خدها و برضك بسببك، نوارة ماتت من الجهرة، ماتت لأچل أتچوزت واحد مكنش بيفكر غير فيكي.
1


نهضت و لم تخشي مواجهته قائلة:

-نوارة ماتت بسبب أنانيتك، ماتت بسبب إچرامك و شغلك المشبوه و الحرام، نوارة كل ذنبها إنها عشجت جلب ما حبش غير حاله، لوثت يدك بدم كل اللي يفكر يطلب يدي لأچل ما بجاش لغيرك و لا أطول سما و لا أرض، بدل ما تروح تلوم حالك چاي ترمي اللوم عليا إياك!


تركها و ذهب ليجلب من فوق المنضدة عدة أوراق و ألقاها في يدها قائلاً:

-حداكِ حق في كل اللي جولتيه، أني مكنتش أنفعك و لا أنفعها، أنا كيف الشيطان ما بيحبش غير حاله، مشيت في الحرام لأچل أتچوزك و أعيشك أحسن عيشة و أخرتها رفضتيني، و يوم ما جولت أندمك و أخليكي تشوفي غيرك في النعيم، يچي ربنا يجولي خد، أحصد زرع شيطانك.


وجد علي وجهها مئات علامات الاستفهام فأشار إليها نحو الأوراق قائلاً:

-اللي في يدك ده تقرير طبي بيجول إني ما بخلفش و لا عمري هخلف.


- طب كيف نوارة كانت حامـ...

لم تكمل سؤالها عندما أدركت فداحة الأمر، فشهقت و وضعت كفها علي فمها، و هنا رأت أسوأ وجه للشيطان الواقف أمامها.


-نوارة خافت لأطلجها لأچل الخلفة مشيت ورا أمها و أخرتها وجعت ضحية لواحد دچال إبن كلـ.... خدرها و سوي اللي سواه فيها، كانت مستعدة تضحي بحالها لأچل تسعدني و أني كيف الغبي كل همي تكوني ليا.


بدأت تتصاعد أنفاسه فأطلق ثورة غضبه الحارقة:

-خابرة أني ندمان أشد الندم أني حبيتك في يوم من الأيام، ضيعت حالي و ضيعت بت خالتي المسكينة و أذيت ناس كتير بسببك، أنتِ لعنة كان المفروض أخلص منيها من زمان، أجولك أنا كل حبي ليكِ أتحول لكره، ما بجتش طايجك، الله يحرج جلبي اللي حبك، غوري من وشي و همليني، أديني بجولهالك أني مابجتش رايدك، أني بكرهك، بكرهك.


دفعها خارج المنزل، تعثرت و وقعت علي الأرض، نهضت و انهمرت دموعها من سوط كلماته و اتهامه الزائف لها، ليست هي المُلامة بل هو الذي يجب أن يُحاسب، و أخيراً قد نالت حُريتها و ابتعدت عن براثن الشيطان الآثم و ربما يكتب لها القدر ما هو الأفضل!
ــــــــــــــــــــــ
- بارك الله لكما و بارك عليكما و جمع بينكما علي خير إن شاء الله.
و بمجرد انتهاء الشيخ من جملته و مراسم عقد القران، نهض الحاج نعمان و عانق ابنته و السعادة تملئ وجهه و تفيض كالأنهار المتدفقة كلما خفق قلبه من فرط الفرح،فها هي صغيرته بين يدي أمينة، علي ذمة رجل سيكون لها خير سند و حماية، و لأنه يعلم جيداً بأن ابنته صعبة المراس لكنه أصبح مُطمئن بعد زواجها من فارس،لا يدرك أنه أرتكب خطأ فادح،جعل ابنته تتزوج برجل قلبه ليس ملكاً له بل يحتفظ بقلبه و عقله إلي مليكة أمره التي أختطفها القدر و ألقي به في اليم،تلطمه الأمواج العاتية حتي ألقت به علي شاطئ من الوحل الأسود، كلما نهض منه ينغرز لأسفل حتي يبتلعه دون رحمة، ما أدراك ما هي قلة الحيلة و لم تكن قادراً علي امتلاك زمام أمرك و عليك الوفاء بوعد، فؤادك قد أصبح له ذو ثمن بخس.

- ألف مبروك يابنتي.
كلماته صاحبت تربيت و عناق قوي بحنان غادق و فياض، ابتسمت ابنته و ربتت علي ظهره:
- الله يبارك فيك يا حبيبي، ربنا ما يحرمنا منك أبداً و يبارك لنا في عمرك.
و أمسكت بيد والدها و قامت بطبع قُبلة شكر و امتنان علي ظهر يده، مسد الأخر علي رأسها ثم رمق فارس الذي يقف كالتمثال،ربما التمثال أفضل حالاً منه الآن،ينظر إلي دفتر الشيخ و إلي آثر الحبر الأزرق علي إبهامه الذي يحرقه بشدة من ألم الخيانة، قد خان قلبه الذي أقسم علي عهد إنه لم يصبح سوي لامرأة واحدة فقط، هي من تمتلكه مهما مر الدهر أو ضرب الشيب رأسه سيظل عاشقاً لها.

- مبروك يا فارس يابني.
كلمات مقيتة بالنسبة إليه أفاقته من شروده، و بعد إنتباهه إلي صاحبها قال باقتضاب:
- الله يبارك فيك يا حاچ.

أقترب منه الأخر و أمسك يده و قام بالضغط عليها كإيصال رسالة و تأكيد علي كلماته التالية:
- أنا مش هوصيك علي بنتي و أقولك الكلام اللي بيقوله أي أب في اللحظة دي، كل اللي طلبه منك أتقِ الله فيها و إياك تكسر قلبها أو بخاطرها في يوم من الأيام.

أكتفي بهز رأسه و أتبعه بالقول:
-ما تجلجش يا عمي، بتك فوج راسي.

أبتسم الأخر باطمئنان و أشار بيده إلي موضع ما يذكره:
-أنا مش عايزها فوق راسك، عايزها في عينيك و أنا واثق بإذن الله هاتكون في قلبك.

شبه ابتسامة يختبئ خلفها صرخة قلب ينزف و يطلب الرحمة فشعوره الآن مثل حبة قمح أودعت بين حجري رُحا يدور كل منهما عكس اتجاه الآخر، لتصبح الحبة مُجرد ذرات من الحنطة تتطاير هباءً منثوراً.

تدخل آنذاك رفيق دربه چنيدي صافحه بقوة مُباركاً إليه:
-ألف مبروك يا صاحبي،ربنا يتمملك علي خير.

ثم أقترب منه و همس إليه بخفوت:
-رايدك ترفع راسنا يا عريس،خد الحباية دي و أنت هاتبجي كيف الأسد و أجوي من كينج كونج ذات نفسه.
ربت بقليل من الحدة كإتمام علي كلماته التي أثارت حنق فارس الذي رمقه بتوعد قائلاً:
-عجبالك يا صاحبي لما نجولك مبروك.

-يالا يا فارس خد عروستك و أطلعو فوق و لو عوزتم أي حاجة أتصل عليا.
قالها الحاج نعمان فعقب جنيدي بمزاح و كأن هذا أخر ما ينقص فارس:
-يتصل ليه عاد، إبننا فارس زين الرچال و فخر الصعيد كلاته.

ابتسامة صفراء بدت علي ثغر الأخر، تتجلي فيها أسنانه الناصعة، حك جنيدي ذقنه الحليق و أردف حديثه استعدادا للفرار من نظرات صاحبه المتوعدة:
-عن أذنكم أني بجي أروح أوصل عم الشيخ المأذون، و ربنا يچعلها أخر الأحزان جصدي يديم عليكم الأفراح.

قهقه الجميع من حديث هذا الجنيدي الذي لم يكف عن المزاح.
أشار فارس إلي عروسه التي ألتزمت الصمت منذ إنتهاء عقد القران أن تسير أمامه.
و بعد أن صعد كليهما إلي الأعلي، فتح الباب و قال لها دون النظر إليها:
-أتفضلي.

رفعت وجهها و أخذت تنظر إليه و كأنها تنتظر منه شيئا سألها بعدم فهم تلك النظرة:
-فيه حاچة و لا أي؟

أجابت بعدم مبالاة إلي تعابير وجهه الواضحة للعيان بأنه مُرغماً علي تلك الزيجة:
-المفروض زي أي عريس داخل شقته مع عروسته يعمل أي؟

رمقها باستفهام، وضعت يديها علي خصرها و أردفت:
-بيشيلها.

و قبل أن يخبرها بما لا يحمد عقباه، أنقذه رنين هاتفه، أخرجه من جيب بنطاله و ألقي نظرة علي إسم المتصل ثم أجاب و لا يبالي لإنتفاخ أوداج تلك الثائرة أمامه.
- ألو يا عم عربي.

ولج إلي الداخل و كأنها فرصة للابتعاد عنها، أطلقت زفرة متأففة و صفقت الباب، ذهبت إلي غرفة النوم تنتظره ريثما ينتهي من التحدث في هاتفه.
مرت دقيقة تلو الأخرى بل عدة دقائق قاربت علي النصف ساعة، و ما زالت جالسة في انتظاره حتي نفذ صبرها، نهضت و كادت تخرج اصطدمت به علي باب الغرفة، تراجعت خطوة و عينيها المُزينة بالكحل و الأهداب الصناعية الكثيفة بينهما تتلألأ عدسات لاصقة رمادية، تنضح بالغضب العارم، و لأنه أراد عدم الخوض في مناقشة حادة أخبرها بـ برود يُحسد عليه:
-عم عربي كان بيعتذر و بيبارك لنا و عم چابر كلمني بعده بيعتذر إنه ما چاش لأچل الخالة هنادي تعبت و جاعد وياها و بيبارك لنا.

صاحت بنبرة شديدة السخرية:
-الله يبارك فيهم يا أخويا،و نعم الذوق قاعدين طول اليوم و مستنين دلوقت عشان يتكلمو و يعتذرو و الله فيهم الخير.
كانت تلوح بيديها ثم عقدت ساعديها أمام صدرها سرعان ما قامت بتركهما و تراجعت بتوجس بضع خطوات إلي الخلف بعد تلك النظرة المُخيفة التي يرمُقها بها للتو، يقترب منها و يتحدث بنبرة تبدو هادئة في ظاهرها بينما تحمل في باطنها تحذيراً بالغاً:
-أسمعيني زين يابت الناس،أول حاچة و حطيها حلجة في ودانك صوتك ما يعلاش عليا و هاتكون أول و أخر مرة، تاني حاچة الناس اللي عتممسخري عليهم يبجو أهلي و ناسي و إياكِ تكرري اللي سوتيه دلوق مرة تانية، مفهوم؟

ظلت متسمرة في مكانها، صاح بحدة أجفلتها:
-ما سامعش.

أومأت إليه و رددت:
-حاضر.

أبتعد ليأخذ ثيابه المطوية بعناية أعلي السرير و قال دون أن يعيرها نظرة واحدة:
-خدي راحتك أهنه أني هاغير خلچاتي في الأوضة التانية، لو محتاچة حاچة أبجي نادمي عليا.

و ما أن تحرك خطوة مدت يدها و أمسكت بساعده تنظر إليه بأعين متوسلة بأن لا يتركها بمفردها قائلة:
-أنت مش هاتتعشي معايا؟

نظر إلي يدها الممسكة به أولاً و تنهد ثم أخبرها:
-أتعشي أنتِ، أني مش چعان.

حدقت إليه ببراءة و دلال قطة تلعب علي أوتار مشاعر صاحبها:
-بس أنا جعانة، و ما بعرفش أكل لوحدي.

لم يجد مفر سوي مشاركتها فأخبرها:
-ماشي،لما تغيري خلچاتك حضري الواكل و أني هستناكي في أوضة الضيوف.

تراقص قلبها طربا أول محاولة ظفرت بها مما جعلها تتجرأ إلي مطلب أخر و ترتسم علي ملامح وجهها إمارات الخجل:
-هاغير هدومي إزاي، و فستاني زي ما أنت شايف مش عارفة أتحرك منه.

أنتبه إلي ثوبها الأبيض ليري لديها حق، لم تستطع خلعه و هذا بسبب السحاب الخلفي، صعب أن تقوم بإنزاله و كذلك أيضاً الوشاح و الحجاب المتدلي أعلاه كل منهما متشابك بإبر رفيعة لم تتمكن من خلعها بمفردها، أخذ يساعدها بفك كل تلك الإبر و ألقاها أعلي طاولة الزينة، و بسحب أخر إبرة قامت هي بجذب الوشاح، فكشفت عن خصلاتها الحريرية ذات اللون الأشقر الصناعي، انسدلت خصلاتها مما زاد مظهرها الجذاب جمالا لم يستطع أي رجل أن يراها بتلك الهيئة و الزينة و ألا يكف النظر إليها بل و تأسر قلبه، لكن صاحب العينين الرماديتين كان له رأي آخر، نظرته إليها يغلفها جبال من جليد نهضت و ولت ظهرها إليه و قالت بدلال:
-ممكن تفتح لي السوستة عشان مش هاعرف.

تحركت تفاحة آدم في عنقه و يبتلع لعابه، يخشي من ضعف نفسه و لو للحظة، يعلم نهاية كل هذا، مهما حاول التجاهل أو إظهار عدم الاهتمام فالأمر قد حُسم علي كل الأحوال.
جمع خصلاتها و ألقاها علي إحدي كتفيها، أمسك بطرف السحاب و أنزله بتأني حتي علق في المنتصف و يبدو إنه أحتك ببشرتها مما سبب لها ألماً، تأوهت فأنتفض:
-آسف، مكنتش أجصد، السوستة باينها علجت و مارضياش تتفتح.

- خلاص سيبها أنا هاعرف أقلع الفستان كدة.
و كأن كلماتها أعطته الحرية للتنفس، خرج علي الفور بعدما أخذ ثيابه، ألتقط أنفاسه بالخارج، و ذهب إلي الغرفة الأخرى.

بعد قليل، كان جالساً أمام التلفاز شارداً في ملكوت أخر حتي أتت تلك التي تملك فن الإغواء، تريد جذبه إليها و هدفها الأكبر قلبه.

دلفت تحمل صينية الطعام و يا للكارثة!
ترتدي مأزراً حريرياً قصيراً، تركته مفتوحاً ليكشف أسفله عن ثوب أبيض من الدانتيل يكاد يصل إلي ركبتيها و من الأعلى يكشف الكثير و الكثير، يُزين جانب عنقها رسم حناء بشكل فني جذاب و حول جيدها سلسلة ذهبية يتوسطها اسم فارس بالعربية، تفوح منها رائحة عطر اخترقت أنفه بقوة، فهي كالمحارب القوي الذي يهاجم بكل أسلحته علي حصون عدوه و يريد تدمير قراميدها إلي فتات.
تظاهر بالصلابة و الجمود الذي جعل دمائها تفور كالمياه بداخل مرجل قد أضرمت نيرانه منذ عهود.
وضعت الصينية علي المنضدة أمامه بقليل من الحدة، رفعت وجهها لتنظر إليه فوجدته مُنشغلاً أو الأحرى مُتظاهراً بمشاهدة التلفاز.
أتظن أنني سأستسلم، يبدو أنك لا تعلم من هي شهد أيها الفارس.

ذهبت للجلوس بجواره و كأن مسه تيار كهربي أبتعد قليلا رفعت إحدى حاجبيها و ترمقه بماذا بعد، سألها بتوتر:
-في حاچة؟

أطلقت تنهيدة ثم قالت بنفاذ صبر:
-لاء مفيش، بس الأكل أتحط و الأكل له إحترامه و لا أي!

مد يده ليتناول ملعقة و يتحاشى النظر إليها، فهناك قنبلة أنوثة جالسة جواره، تفاجئ بقطعة من الدجاج قد وضعت بفمه، رمقها مُنزعجاً فأخبرته بتهكم:
-ما بتحبش الفراخ و لا أي، ما تقلقش دي فراخ بلدي عشان تتقوي بدل ما شكلك هفتان من أكل الشوارع و الكشري اللي هري معدتك.

و عندما رفعت يدها إلي فمه مرة أخري أمسك يدها و قال:
- كفاية إكدة، أني أصلاً مش چعان و جعدت وياكي عشانك.

-خلاص أكلني أنت.
تفوهت بدلال و رمقته بنظرة جرو  صغير و التي تجعل أي من يراها يلبي لها أي مطلب دون تراجع.

تمتم بكلمات لم يمكنها سماعها، فسألته:
-بتقول حاجة؟

أجاب باقتضاب:
-لاء.

قام بمد قطعة لحم بالشوكة وجدها تغلق فمها و تهز رأسها بالرفض ثم أخبرته:
-أكلني بإيدك.

أطلق زفرة من فرط ما يشعر به من الضيق، قام بإطعامها في فمها و لاحظ تعمدها ملامسة شفتيها أطراف أنامله، و في المرة الثالثة أمسكت بيده و ظلت ترمقه بنظرات هيام عاشقة فأخبرته رغماً عنها تحت وطأة لحظة ضعف قلب متيم بمعشوقه:
-أنا كل اللي عايزاه ده يحس بيه.

أشارت إلي موضع قلبه ثم أردفت:
-أنا فاكرة كل كلمة قولتهالي لما كنا في النادي، أي واحدة مكاني كانت بعدت بس أنا ما قدرتش، لأن معرفتش و لا قادرة أبعد، عارفة قلبك مش ملكك بس بلاش تحاوطه بألف سور، أديني حتة منه، مش طالبة غير حتة بس من قلبك تكون ليه.

سرعان تحولت ملامحها من الهدوء إلي الحزن و تجمعت الدموع التي بدأت بالتساقط:
-طول عمري كنت قافلة علي قلبي لحد ما شوفتك، خطفته من أول نظرة، شوفتك الراجل الوحيد اللي تستاهله، الراجل اللي نفسي يخدني في حضنه و يطبطب عليا بحنية، الراجل اللي لو الدنيا كلها بقت ضدي عمره ما يقسي عليا مهما حصل، أنا مش وحشة يا فارس، أنا عكس خالص البنت القوية اللي شوفتها طول الأيام اللي فاتت، أنا أضعف مما تخيل، نقطة ضعفي الوحيدة هي أنت، لأن بحبك أوي.

و بمجرد انتهاءها من تصريحها أطلقت دموعها للانهمار، دموع عاشقة تتوسل حب من عشقه قلبها و تهواه بكل جوارحها بينما هو أهتز بل ضربه زلزال مُدمر عند رؤيتها في تلك الحالة، لعن هذا الحب الذي لا يجلب سوي التعب و المشقة و العذاب لأصحابه، ما كان بيده سوي أن يحتضنها و يعانقها، يمسد علي ظهرها علها تهدأ:
-بزيداكي بُكي عاد، طب لأچل خاطري لو بتحبيني كيف ما بتجولي.

رفعت وجهها من صدره تنظر إليه و عينيها الباكية جعلته يفعل ما كان لا يريده و حاول بكل السُبل أن لا يحدث.
أغلق عينيه و دنا بشفتيه ليلثم خاصتها، أخذ يُقبلها حتي كفت عن البكاء، كاد يبتعد فوجدها تتشبث به كالغارق في بحر مُظلم و هو منقذها الوحيد، بادلها العناق لكن شتان ما بين عناق كل منهما للأخر، هي تعانقه بعشق و حميمية بينما هو و كأنه مُرغماً، عناقه يخلو من المشاعر.
دعته بنظراتها بأن يُقبلها مرة أخري و كأنها قبلة المُحياة،نهض و حملها إلي غرفة النوم، أنزلها علي الفراش و أراد الابتعاد، فوجدها متعلقة بذراعيها حول عنقه ثم و ضعت رأسها علي صدره و أخبرته:
-ممكن ماتسيبنيش لوحدي؟

رفع وجهها بين يديه و ظل يرمقها في صمت، و إذا به يراها مليكة قلبه، تبتسم و تضحك كما كان يراها دائماً، و صوتها يصدح في مسامعه قائلة:
-بحبك جوي جوي يا فارس.

- و أني بعشجك يا جلب فارس.
ردد تلك الكلمات بخفوت و أستسلم إلي خياله الذي جعله يغرق في بحر الذكريات غير واع إلي ما يفعله، لمسات و همسات و همهمات غير واضحة للأخري، ما بيدها سوي الاستسلام إليه رغماً من علمها إنه يشاركها جسده فقط!

قامت بكتم صرختها بدفن وجهها في صدره، تلك الصرخة التي أيقظته من غفلته، نهض و أبتعد عنها و ملامح وجهه غاضبة من نفسه، قلبه ينعته بالخائن و باغته الشعور بالندم و كأنه أرتكب جُرم بشع في حق معشوقته، أغمض عينيه ليتمكن من رؤية وجهها الحزين و الغاضب منه، فقال لها بهمس نابع من قلبه:
-سامحيني يا زينب!

علي شاطئ إحدى القري السياحية الشهيرة في الساحل الشمالي حيث يمكث كليهما منذ أيام، كان يمر الوقت بوئيد شديد رغماً من خروجهما إلي الحفلات المسائية بالأندية و المخيمات القريبة ليلاً، و بالنهار تظل بجواره علي الشاطئ في حالة صمت مُطبق.
و ذات ليلة كانا بإحدى الحفلات، يجلس كالعادة في حالة سكون، شارد و ضائع تغزو ملامحه إمارات الوهن و الإرهاق، و إذا به ينهض و يخبرها مجرد المعرفة قائلاً:
-أنا رايح التويليت و راجع.
نظرت إليه قليلاً و حدسها يخبرها سبب ذهابه إلي المرحاض ليس لقضاء حاجته بل لشيء آخر عليها أن لا تمُر الأمر هكذا!

-أتفضل و أنا مستنياك بس ياريت ما تتأخرش عشان عايزة نمشي.
لم يُعلق و ذهب، بينما هي جلست في انتظاره حتي آتتها إحداهن بصياح مفاجئ:

- مورو.
رفعت وجهها لتري من تلك، ابتسمت إليها فأردفت الأخرى:
-أي ده أنتي و مستر علي هنا بتقضو الهني مون؟

أجابت الأخرى باقتضاب و بشبه ابتسامة، تعلم خصال تلك الفتاة الثرثارة:
-اه،  و أنتِ؟

جذبت الفتاة الكرسي و جلست دون أن تسمح لها الأخري و أخبرتها:
-أنا جاية هنا في رحلة مع أصحابي يومين و كدة و بعدها هانرجع الشركة و وجع القلب، ألا قولي لي عرفتي توقعي مستر علي إزاي يا سوسه ده الراجل ملحقش يشم نفسه قومتي شقطيه علي طول كده خبط لزق و جواز كمان!

أطبقت شفتيها بابتسامة صفراء و أجابت عليها بحنق لم تبديه بالكامل:
-ما إسمهاش شقطه يا حبيبتي، و بعدين هو كان عارفني من أيام الجامعة و كنا بنحب بعض و الظروف بعدتنا و سبحان الله الشغل جمعنا ببعض و هو طلع عايش علي ذكري حبنا و أنا كمان بحبه.
1

عادت بظهرها إلي الوراء بعدما انتهت من كيد الأخرى، لا تعلم ما تخبأه لها أو تلقيه عليها كالآتي، اقتربت منها و كأنها ستخبرها سراً عظيماً:
-غريبة يعني طلعتو تعرفو بعض، أصل البت السكرتيرة بتاعته كانت قايلة قبل كدة إنها شافت مستر علي و ندي ربنا يستر علي ولايانا في وضع مش مظبوط و عمال يقولها كلام اللي فهمته إنه كانو علي علاقة مع بعض قبل ما تتجوز.

كفي هُراءاً لقد تعدت كل الحدود و يجب وضع حداً ساحقاً لها، هبت واقفة و بلهجة شديدة التحذير صاحت بها:
-عارفة لولا إن إحنا في مكان عام كان هايبقي ليا تصرف تاني معاكِ، أولاً اللي بتتكلمي عنهم الأول يبقي جوزي و التانية تبقي صاحبتي و مفيش أي تخلف من اللي بتقوليه ده،و عارفة أن فضولك هايموتك لكن اللي زيك مالهمش أي لازمة أو أهمية أن أرد علي كلامهم، فياريت تخلي عندك كرامة و تغوري من هنا و أرجع للشركة ما شفش خلقتك خالص بدل ما أمشيكي منها بفضيحة عشان و لا تعرفي ترجعي و لا تلاقي شغل في حته تانية.
ابتلعت الأفعى سُمها و لم تجد رداً أو ربما خشيت من تهديد الأخرى لها، هزت رأسها و قالت:
-متشكرة أوي أوي علي أسلوبك و كلامك، بس عايزة أقولك ده كلام الكل في الشركة و كان غرضي أوعيكي باللي بيتقال من ضهرك و عايزة مصلحتك، عن إذنك.

يا لها من داهية تمتص غضبها خوفاً علي طردها من العمل و ذات الوقت تُضرم النيران بها لتجعلها تحترق، فما أكثر الأفاعي في حياة كل منا يتظاهرن بوجه الملاك و هم بالحقيقة كالوسواس الخناس يُخبئ لك شراً مُستطيراً.

ابتلعت غُصتها اللاذعة و ذهبت نحو المرحاض لتنتظر زوجها في الخارج، و في طريقها لاحظت وجوده في ركن بعيد و ينحني للأمام، اقتربت منه لتري ماذا يفعل و هنا صدق حدسها وجدته يستنشق هذا المسحوق الأبيض اللعين.

رفع رأسه عندما شعر بوقوف أحدهم أمامه، رمقها ببرود و لم يبرر لها موقفه، نظرت إليه و ألسنة النيران تندلع من عينيها، تريد الفتك به علي كل ما حدث، عودته إلي تعاطي المُخدرات  بعدما أعطي لها وعداً وهمياً بأن يبتعد عنها، لكن كيف له أن ينسي أكبر همومه دون أي وسيلة كما أعتاد منذ سنوات!

- تصدق بالله أنت حلال فيك وجع قلبك اللي عمره ما هينتهي و هاتفضل عايش زي المذلول، و أنا من غبائي أو ربنا إبتلاني بُحبك و أديني بدفع معاك التمن،بحاول معاك علي قد ما بقدر و أنت بترجعنا لنقطة الصفر،أنا جبت أخري منك و كل اللي أقدر أقوله لك كتك القرف.
ألقت كلماتها و ركضت باكية،نهض و أسرع خطاه خلفها مُنادياً:
-مروة أستني، مروة أسمعيني بس، مروة.

لم تقف و مضت في طريقها تبحث عن سيارة أجرة، كادت تعبر الطريق لكنه ألحق بها و أمسكها من يدها:
- حرام عليكِ، أسمعيني بقي.

صرخت في وجهه و قد فاض بها الأمر من كل الجهات، كلمات الفتاة إليها منذ قليل و ما فعله هو أيضاً:
-حرام عليك أنت نفسك و اللي بتعمله فيا، أنا كل اللي طلبته منك تحافظ علي نفسك من القرف اللي بتشمه، لو مش خايف علي نفسك أنا خايفه عليك عشان بحبك، لكن أنت مش عايش حتي لنفسك، أنت عايش بس عشان الست ندي اللي هاتجيب أجلك و هاتموتني بقهرتي عليك.

رمقها بتوسل و يمسك بيديها معاً:
-أنا و الله بحاول أنساها و يمكن الكوك بيساعدني علي كده أحسن ما أتجنن من كتر التفكير.

 
لم تتحمل و صاحت بغضب:
- و أنا هاموت من وجع قلبي.

 
- بعد الشر عليكِ، أنا دلوقتي مليش غيرك أنتِ و إبني اللي في بطنـ....
بتر جملته بصياح و ذعر:
-مروة!

و ذلك عندما تحركت قليلاً و لم تنتبه  إلي تلك السيارة التي اصطدمت بها للتو!
أسرع بحملها و أدخلها إلي سيارته و توجه نحو أقرب مشفي، و هناك قام الطبيب بالإجراءات و الإسعافات الأولية، الخوف يمتلك منه بقوة، يشعر بالذنب الشديد تجاهها، و بمجرد خروج الطبيب من الغرفة ركض نحوه ليسأله عن حالتها يُريد الاطمئنان عليها:
-هي عاملة أي يا دكتور؟

أجاب الأخر و يكتب في دفتر ورقي:
-هي الحمدلله بخير، الخبطة كانت خفيفة بس واضح إن من الخضة نفسها أغمي عليها، و دلوقتي فاقت، هانعلق لها محلول و بإذن الله هاتبقي أحسن.

تذكر أمر حملها و لا يعلم ما دفعه إلي سؤاله:
-طب و الجنين؟

عقد الأخر ما بين حاجبيه باستفهام:
-جنين أي؟

-أصلها حامل و داخله علي شهرين و أكتر.
أخبر الطبيب بهذا ما جعل الحيرة ترتسم علي وجهه و عقب علي ما قاله:
- أنا عملت لها فحص كامل، مفيش حمل!
ــــــــــــــــــــــــ
يمسك هاتفه و يتمعن النظر فيه، و في الشاشة تظهر هي و تؤدي مهام يومها من طهي و تنظيف المنزل،فهو يضع لها نظام مراقبة متصل عبر برنامج علي هاتفه، و هذا يعود إلي عدم ثقته بها أو ربما يريد قلبه أن يثبت إليه تغيرها و يجب أن يعطيها فرصة أخري، ترك الهاتف أمامه علي المكتب و أغمض عينيه بسأم و يزفر بين كفيه، يشعر و كأن هموم الكون تجمعت و ألقت فوق ظهره، لما عليه تحمل كل هذا العناء فهل هو الحب! أم عقله الذي لا يستوعب إلي تلك اللحظة ما أقترفته زوجته في حقه من خيانة قبل و بعد الزواج!
4

أنتفض عندما أنفتح الباب و دلف هذا المزعج يصيح بسعادة:
-سلام عليكم يا أكرم باشا.

رمقه بغضب قائلاً:
-أنت يا بني آدم مش فيه باب بتخبط عليه الأول و لا هي وكالة من غير بواب!

حك الأخر ذقنه بتعجب و أخبره:
-و الله يا باشا قعدت أخبط و أنت الظاهر مكنتش واخد بالي قولت أدخل أستناك بس لاقيتك ماشاء الله قاعد و منور المكتب.

أطلق زفرة ثم نظر إليه بإمتعاض، أشار إليه ليجلس أمام المكتب:
-أقعد و أتفضل قولي أخر الأخبار، و يارب المرة دي تطلع أخبار عدلة مش زي وشك.

أبتسم الأخر و قال:
-مقبولة منك ياباشا.
أخرج من حقيبته الصغيرة عدة صور و وضعها أمامه مُردفاً:
-العبدلله قدر يمسك لك طرف الخيط اللي تقدر توقع بيه سليم العقبي، الصور اللي معاك دي لسليم و مراته و اللي كانت معاهم في المطعم بعد تحرياتي و مصادري السرية الخاصة عرفت إنها إسمها ريهام علي تبقي صاحبتها من أيام الجامعة بس عايشة هنا في القاهرة متجوزة من واحد إسمه أحمد بيشتغل سوبر فايزر أو تقدر تقول مدير العمال في نادي الجزيرة.

ظل ينظر إلي الصور و يفكر في أمر ما:
-تراقب لي اللي إسمها ريهام و تجيب لي عنوان بيتها و التقرير يكون علي مكتبي بكرة زي دلوقت.

إبتسم الأخر بـ زهو و فخر و قال:
-عيب عليك يا باشا، كله تم من قبل ما تؤمر.
و أخرج ورقة مطوية و أعطاها له:
-ده العنوان بالتفصيل.

أمسك بالورقة و عينيه تلمع ببريق الإنتصار قائلاً:
-حلو أوي،خلاص يا سليم نهايتك قربت أوي!

ـــــــــــــــــــــــــ
بعد عودته من المشفي برفقتها ظل صامتاً لكن بدواخله لهيب يحرقه، جلس علي كرسي أمام السرير ريثما تستيقظ من النوم، و ها هي تتقلب و تتأوه من الألم التي تشعر به أثر صدمة السيارة بها.
فتحت عينيها و حاولت أن تنهض فوجدته جالساً يرمقها بنظرة غريبة لم تدرك منها شيئاً، سألته و الوهن بادي في نبرة صوتها:
-أنا نمت كتير؟

أجاب بإقتضاب:
-لاء.

ألتفتت إلي يمينها لتمسك بإبريق المياه و تسكب القليل بالكوب لتروي ظمآها، و قبل أن تنتهي من الشرب ألقي عليها سؤاله:
-أنتِ كنتِ بتضحكي عليا و تقولي لي أنك حامل؟

أصابتها حشرجة في حلقها و كادت تختنق، أنتابها السعال حتي هدأت، رمقته بتوتر و قالت:
-أصل كنت، أصـ...

قاطعها و هو ينهض و في لحظة واحدة أصبح أمامها مباشرة:
-أصل أي، أي مش عارفة تداري كذبتك بكذبة تانية!

رمقته بتوسل و أخبرته بتوجس تخشي ذلك الغضب الذي يندلع من عينيه:
- أنا أضطريت اكذب عليك عشان بحبك و ماتبعدش عني، و قولت أول ما تيجي فرصة هقولك الحقيقة.

ضحك بسخرية ثم قال بتهكم:
-عندك حق طبعاً، ما هو أنا المغفل اللي بينضحك عليه.

أمسكت بيده و بقلب حزين أخبرته:
-أنا عملت كدة عشان بحبك.

لم يري في تلك اللحظة سوي ندي و كيف قامت بخداعه و ها هي الأخري تجعله أحمق مرة أخري، نيران غضبه قد وصلت إلي ذروتها فضغط علي قبضتيه كي لا يتهور و صاح بها:
-تفرقي أي عنها، أنتو الأتنين كدابين هي كدبت عليا و عيشتني في وهم حبها و أنتِ عملتي زيها بالظبط.

نهضت و وقفت أمامه تخبره بدفاع عن نفسها:
-أنا مش زيها يا علي، هي عمرها ما حبتك، أنا اللي بحبك و أستحملت و لسه بستحمل أي حاجة عشان أبقي معاك، أنا اللي لو طلبت مني روحي تبقي فداك عمري ما هتأخر عليك، هي ما فضلتش مستنياك سنين عشان مش قادرة تنساك و مش عارفة تحب غيرك.
1

لم تتحمل الوقوف فهبطت علي عقبيها أمامه و تمسك يده بتوسل و أطلقت لعبراتها العنان ثم أستطردت:
-أنا بحبك من أول مرة شوفتك من أيام الكلية، كنت بروح أفضفض لها عن مشاعري ناحيتك، كنت بروح أحضر ندوات و مؤتمرات الطلبة اللي كنت بتنظمها عشان أشوفك و اليوم اللي قررت فيه إن أكلمك أو أشوف أي حجة عشان أعرفك بيه لاقيتك بتعترف لها بحُبك،هي خانتني و خانتك،أنا اللي حبيتك بجد و فضلت عايشة علي أمل أن أشوفك تاني،أنا كل ذنبي مجرد كذبة عشان تكون ليا، أنا راضية بأي حاجة هاتعملها إلا أنك تبعد عني، أرجوك ماتسبنيش.
11

أنحنت علي يده بجبهتها فتساقطت عبراتها الدافئة علي قدمه، شعر بوخزة في قلبه و نعت نفسه بالأحمق الوغد، كيف لا يراها أو يشعر بها، لما ترك نفسه أن يعيش في وهمٍ و يركض خلف أخري لا تحب سوي نفسها بل و خائنة.
وضع يده يربت عليها بحنان، و دنا منها ليجعلها تنهض و تقف أمامه، نظر في عينيها الباكية ثم هبط ببصره إلي شفتيها التي ترتعش من البكاء، لم يجد من الكلمات ليهدأها سوي أن يأخذها بين ذراعيه و يعانقها قائلاً:
-كفاية دموع، أنا ماستهلهاش و لا أستاهل حبك ليا.

رفعت وجهها من صدره و رمقته بنظرة مليئة بالعشق و الهيام لتخبره:
-أنت تستاهل حبي و عمري و روحي،أنا ملكك يا علي.
1

أخذ يمسح عبراتها بإبهاميه و ينظر تارة إلي عينيها و تارة أخري إلي شفتيها،سألها بنبرة رجولية عزفت علي أوتار قلبها طرباً:
-طب أي اللي يثبت لي أنك ملكي؟

عادت البسمة إلي وجهها بعد بكاء مرير،أجابت بفرحة عارمة:
-أنا بين إيديك و تحت أمرك.

رمقها بنظرة وقحة و يسألها بإبتسامة ماكرة:
-يعني لو طلبت منك أي حاجة هتنفذيها؟

أبتسمت بخجل و خفضت بصرها لأسفل، أجابت بخفوت:
-اه.

أمسك طرف ذقنها و رفع وجهها و قال:
-عايزك تنسي أي حاجة حصلت، نرمي الماضي ورا ضهرنا، ننسي اللي فات كله و كل واحد فينا يتولد علي أيد التاني،أنا أعيش ليكِ و أنتِ تعيشي ليا و بس،أكون ملكك و تكوني ملكي، عايزك تسيبي لي نفسك.

بريق لامع تتلألأ به عينيها من فرط السعادة، لم تصدق ما تسمعه،هزت رأسها و أجابت:
-سيبهالك لحد آخر نفس ليا.

ظل ينظر لها و حدقتيه تتحرك علي كل إنشاً في وجهها، و إذا به ينقض علي شفتيها يلتهمها بنهم،ينسي معها كل أحزان الماضي الأليم، أطلق نفسه بين يديها لتندمج أواصرهما معاً و يهيم معها في سماء الحب بعدما تبددت الغيوم و أنهمر العشق بالغيث ، يروي قلوب قد جفت من الشوق منذ سنوات عجاف.
8

ــــــــــــــــــــــــــــ

عاد من عمله و دلف إلي داخل منزله، وصلت إلي أنفه رائحة الطعام الشهية، وقف يستنشق باستمتاع تلاشي بمجرد خروجها من المطبخ و رآها تقف أمامه و انطلقت صغيرته من الغرفة الأخرى، تردد بصياح و تهليل:

-بابي.

فتح ذراعيه لأبنته و عانقها بشوق و حنان:

-وحشاني أوي يا قلب بابي.

زمتت شفتيها بحزن ثم قالت:

-أنا زعلانة منك عشان مكنتش بتيجي تشوفني عند نناه و لا بتتصل بيا.

ابتسم و ربت عليها قائلاً:

-آسف يا حبيبتي، معلش كان عندي شغل كتير و أول ما هاخد أجازة هاخدك و نتفسح في المكان اللي أنتِ تقولي عليه، أتفقنا؟

تهللت أساريرها و قالت بمرح:

-ميرسي يا أحلي بابي في الدنيا.

أشار لها نحو وجنته:

-طب فين بوسة بابي بقي.
عانقته بقوة و قامت بتقبيل خده، عانقها بفرح و سعادة تبددت مجرد سماعه إلي صوت الأخرى و هي تقول بصوت خافت:

-حمدالله علي السلامة.

نهض و ربت علي رأس صغيرته قائلاً لها:

-أدخلي يا حبيبتي ألعبي في أوضتك عقبال ما أغير هدومي و جاي لك نقعد مع بعض.

-حاضر يا بابي بس ما تتأخرش عليا و لا تنام.

أومأ لها و أبتسم علي فطنة ابنته فأخبرها:

-حاضر مش هتأخر.

ركضت الصغيرة إلي داخل غرفتها، بينما هو تجاهل تلك الواقفة تنتظر أن يعيرها أي اهتمام لكنه سار نحو غرفته فذهبت خلفه و سألته:

-أنا خلصت الأكل، أحط الغدا؟

ولي ظهره إليها و أجاب بنبرة بها بعض الحدة:

-أنا مش جعان أتغدوا أنتو.

فك أزرار قميصه و قبل أن يقوم بخلعه توقف و نظر إليها عبر المرآة:

-واقفة عندك ليه عايز أغير هدومي عن إذنك.

خفق قلبها من الحزن إلي هذا الحد لم يعد يتقبلها، ابتلعت ريقها و كادت تذهب قبل أن تضعف أمامه و تبكي، أوقفها قائلاً:

-أستني عندك.

أقترب منها ببضع خطوات جعلت الدماء تدفق بشدة في عروقها من التوتر و الخوف من كلماته القاسية التي تتوقعها قبل أن ينطق بها، و كما توقعت من امتعاض ملامحه قال لها:

-أنتِ اللي بأيدك كل حاجة، و أنتِ اللي بتعملي في نفسك كده برضو،مفيش حد فينا عليه اللوم غيرك،حاولي لمي الشروخ اللي بينا يمكن يجي يوم و أسامحك.

لم تكن قادرة أن تقول شيئاً، أنتهي وقت الحديث و عليها بالفعل و إثبات حبها كما زعمت له من قبل، عليها تحمل قسوته و تجعله يلين إليها و يعود أكرم الذي يعشقها لكن كيف و متي!
1

ــــــــــــــــــــــــــ

طرق علي الباب و رنين جرس متواصل جعلها استيقظت من النوم، انتبهت إليه يهندم من هيئته و ثيابه و يخبرها:

-جومي حضري حالك لأن اللي عيخبط يبجي والدك.

نهضت لتفعل كما أمرها علي مضض، و بمجرد ولوجها إلي داخل المرحاض وقفت أمام الحوض و نظرت إلي صورتها المنعكسة في المرآة تتذكر ليلة أمس و كيف كان يتعامل معها بشفقة و عطف، إلي هذا الحد أصبحت في وضع يُرثي إليه!
1

و بعد قليل انتهت من ارتداء ثيابها و حجابها، ذهبت لإعداد مشروب و وضعت معه بعض الحلوى، تحمل الصينية و اتجهت إلي غرفة الضيافة، ألقت التحية علي والدها و ذهبت لتصافحه و تُقبل يده فقال لها:

-أي أخبارك يابنتي؟

كانت عينيه تراقب ملامح وجهها ثم نظر إلي فارس الذي يجلس في هدوء و وجهه الساكن يحمل خلفه الكثير، أجابت ابنته بسعادة زائفة:

-الحمدلله يا بابا أنا بخير.

نظر إلي فارس و سأله:

-و أنت يا فارس.

أجاب و طيف ابتسامة تملئ ثغره:

-الحمدلله زين.

تنهد نعمان ثم قال:

-يارب يديم بينكم المحبة و الود و يبعد عنكم الشيطان.

أومأ له فارس و ردد:

-إن شاء الله.

شعر والدها بتوتر الأجواء و أن هناك خطب ما، فقال لابنته:

-قومي يا شهد أعملي لي فنجان قهوة و خليكي واقفة عليها عشان ماتفورش و تضيعي لي الوش بتاعها زي كل مرة.

رمقته بنظرة ذات مغذي و قالت بمزاح:

-ما تقول أنك عايز توزعني يا حاج، عموماً عيوني أحلي فنجان قهوة.

و قبل أن تذهب رمقت فارس بطرف عينيها و قد كان ينظر إليها أيضاً ثم ذهبت.

أشار إليه والدها قائلاً:

-تعالي يابني أقعد جمبي.

نهض الأخر و جلس بجواره فسأله:

-خير يا حاچ؟

سأله بخفوت و نبرة يشوبها التوتر و القلق:

-قولي أي الأخبار، بنتي عامله معاك أي؟

أجاب و قد علم ما خلف سؤاله:

-زينة يا عمي الحمدلله.

تلفت نعمان من حوله حتي يتأكد من عدم سماع ابنته إلي حديثه:

-أنا عارف شهد بنتي صعبة و دماغها ناشفة، معلش خدها علي قد عقلها و هي هتبقي تحت طوعك، هي عمرها ما حبت زي أي بنت، أنت أول راجل في حياتها.

ربت الأخر علي كتفه ليطمئنه:

-أطمن يا حاچ الحمدلله كل حاچة تمام ما تجلجش.

و رمقه بنظرة جعلت والدها تحمحم من الإحراج و سرعان الابتسامة غزت وجهه عندما أطمئن علي إتمام زواج ابنته!

و إذا به ينهض فجأة و كأنه قد تذكر شيئاً،تعجب فارس و نهض يسأله بقلق:

-فيه حاچة يا عمي؟

-أنا جيت أطمن عليكم و الحمدلله طمنت قلبي،و كمان عشان..

أخرج من جيبه ظرف أبيض ليعطيه إليه مُردفاً:

- و دي نقطتكم.

تراجع فارس عن أخذها مُعللاً:

-لاء يا عمي، أني معاي الحمدلله، خير ربنا كتير.

وضع الأخر الظرف في جيب قميص فارس قائلاً:

-دول نقوط جماعة حبايبنا بمناسبة جوازكم.

-أي ده يا بابا أنت واقف ليه؟

كان صوت شهد التي دلفت و بيدها فنجان القهوة، أجاب والدها:
1

- أنا يا دوب هاروح المحل عشان فيه بضاعة جاية و لازم أبقي موجود، أنا جيت أطمن عليكم و الحمدلله أطمنت، و أنتِ أبقي خدي بالك من جوزك و أسمعي كلامه.

رفعت زاوية فمها جانباً بتهكم، و بداخل عقلها تقول:

-مش لما ياخد باله مني الأول.

غادر نعمان و هو يظن إن أصبح كل شيء علي ما يرام لا يعلم الحرب التي علي وشك الحدوث.

ظل جالساً في الغرفة و يشاهد التلفاز أو هكذا تظاهر، بينما هي قبل أن تذهب إلي غرفتها سألته:

-أحضرلك الفطار؟

رد ببرود يشعل نيران غضبها:
1

-أني صحيت من بدري و فطرت.

جزت علي أسنانها إلي هذا الحد لا تفرق إليه في أبسط الأشياء، لذا رمقته بنظرة توعد و عزمت علي إثارة ضيقه و حنقه!

بعد قليل خرجت من الغرفة ترتدي ما يخطف الأنفاس و يسحر الألباب، فهي الآن بكامل زينتها و ثوب عاري يجعل من جسدها البض ذو المُنحنيات أكثر إثارة و إغراء، تسبقها رائحة عطرها الفواح، و قبل أن تدلف إليه ذهبت و جلبت من المطبخ طبق ممتلئ بالتسالي، و قفت أمامه و وضعت أمامه الطبق:

-أتفضل.

رفع وجهه و نظر صوب عينيها، أطلق زفرة و كأنه يستعين بالصبر في تلك اللحظات العصيبة، جلست بجواره و حافظت علي مسافة قليلة بينهما، أمسكت بجهاز تحكم التلفاز و قامت بتغير القناة، فقال لها:

-ممكن تچيبي القناة اللي فاتت چايبة فيلم رايد أتفرچ عليه.

لم تهتم لمطلبه و أخذت تتناول التسالي قائلة:

-ده فيلم عربي قديم، أنا بحب أتفرج علي الأجنبي.

زفر بضيق يعلم إنها تحاول استفزازه لكنه سيظل يرتدي قناع الجمود الذي يظن سيجعلها تنفر منه و تبدل حُبها له إلي كراهية.

صدح رنين هاتفه و كأنه مُنقذ له، أجاب علي الفور:

-ألو يا چنيدي.

.....

-صباح النور.

.....

- أه صاحي أطلع كان لسه الحاچ عندنا أهنه.

.....

-لاء أني جاعد ما بسويش حاچة أطلع أني مستنيك، سلام.

و بعد أن أنهي المكالمة أخبرها:

-جومي خشي چوه، چنيدي طالع.

توقفت عن التقام اللب قائلة:

-ما يطلع و أعمله أي!

بصقت ما بفمها من قشر، رفع إحدى حاجبيه و قال بحدة:

-بجولك طالع و أنتي جاعدة كيف إكدة!

أطلقت ضحكة ساخرة و قالت:

-اللي يسمعك يقول إنك بتغير عليا ما يعرفش اللي فيها.

-أستغفر الله العظيم، بزياداكي حديت ملهوش عزا و أسمعي اللي بجولك عليه.

تركت الطبق علي المنضدة بحدة مما أصدر صوتاً و ألتفتت إليه قائلة:

- ولا ما سمعتش هاتعمل أي!

جز علي أسنانه و يكظم غضبه حتي لا يصدر منه فعل يندم عليه لاحقاً:

-أجصري الشر يا شهد و سوي اللي جولت لك عليه.

اغتاظت من لهجته الحادة و أمره الصارم، نهضت و تناولت كوب عصير و بدون أن ينتبه قامت بإلقائه في وجهه قائلة:
1

-عشان تبطل برود أعصابك.

ركضت سريعاً إلي الغرفة و تقسم بأن رأت في عينيه الجحيم، ألتفتت لتبحث عن عباءتها، شهقت عندما وجدته أمامها و يرمقها بنظرة نارية،أمسك ذراعها بعنف و هدر بصوت غاضب:

- أي اللي سوتيه ده!

و كأن القطة قد أكلت لسانها، ازدردت لعابها و قالت بدون أن تنظر إلي عينيه مباشرة:

-أنت اللي أستفزتني.

كور قبضته و قام بضرب الحائط بجوارها مما أجفلها و جعلها تبتعد من أمامه،أخذ صدره يعلو و يهبط من فرط ما يشعر به من غضب عارم.

خلع قميصه القطني المُبتل بالعصير و ألقاه علي الأرض بحنق، فأصبح أمامها عاري الجذع، خفضت بصرها لكن اختطفت بعض النظرات خلسه علي تفاصيل جسده المنحوت و كأنه رجل داوم علي ممارسة الرياضة لمدة أعوام، فالعضلات بارزة لاسيما لدي عضديه و عضلات بطنه السُداسية.

ذهبت سريعاً لتجلب إليه قميصاً آخر من الخزانة، ألتفتت لتعطيه إياه وجدته خلفها مباشرة كادت تصطدم به، و هنا احتبست أنفاسها حيث شعرت بوهج شديد الحرارة يلفح  بشرتها التي سرعان ما غزاها اللون الوردي.
1

- هاتفضلي و اجفة تبحلجي فيا كتير إكدة!

قال لها هذا عندما وجدها مُتسمرة أمامه و تتشبث بقميصه، ابتلعت ريقها و قالت له علي استحياء:

-أنا آسفة.

اختطف منها القميص و لم يجب عليها أو يتقبل اعتذارها بل و تركها و ذهب إلي الغرفة الأخرى، يخشي أن يُصدر منه ردة فعل يندم عليها لاحقاً فتلك الشهد تسبر أغواره و توقظ بداخله شيطان غضبه الثائر.
ــــــــــــــــــــــ
مرت عدة أيام و كانت قد حسمت قرارها و ها هي تقف أمام المشفى الشهير في مدينة قريبة من النجع، تمسك بيد حقيبتها و تضغط عليها بقوة،فـ عقلها كاد يُجن من الأحداث المُنصرمة كلما تتذكر ما ألقاه عليها ابن عمتها من كلمات مُفجعة تشعر بالاختناق و الموت البطيء فعليها أن تحيا بعدما حكم عليها بالنبذ و النفي من حياته.
6

دلفت إلي داخل المشفى و سألت عن مكتب الطبيب  يحيي، أرشدها إحدى العاملين إلي عيادته،أنتظرت أمامها ريثما ينتهي من الفحص الذي لديه مع رجل كبير السن.

خرجت الحالة فنهضت و طرقت الباب حتي أتاها صوته:

-أتفضل.

ولجت بخطي وئيدة حتي وقفت أمام مكتبه، بينما هو كان مُنكب علي دفتر ورقي يسجل به بعض الأشياء و دون أن ينتبه إليها، يحسب إنها إحدى مرضاه فأشار إليها:

-أتفضلي حضرتك.

أغمضت عينيها للحظات ثم قامت بفتحهما و بدأت تتحدث:

-أني چيت أجولك مابجاش في حاچة تجدر تمنعك عني.
1

ــــــــــــــــــ

صدح رنين جرس منبه الهاتف فأيقظه من غفوته بينما هي ما زالت نائمة، أخذ يتأمل وجهها الملائكي و يداعب خدها بأطراف أنامله حتي فتحت عينيها و رمقته بأعين يغلبها النوم ثم أوصدتهما مرة أخري، همس بصوته الرخيم و يداعب خصلاتها و يمسد فروة رأسها بحنان غرار خصاله البرية:

-زوزو أصحي، من إمبارح و أنتِ نايمة من المغرب و ما رضتش أصحيكِ لما جيت قولت أسيبك براحتك، قومي بقي كفاية نوم.

أجابت بصوت يُسيطر عليه النوم:

-هملني بالله عليك يا سليم، أني ماجدراش أحرك چتتي.

و تقلبت علي جانبها الأخر فأصبح ظهرها مقابلاً إليه،رفع إحدى حاجبيه و قال:

-بتهربي مني بالنوم، أوك يا بيبي أنا هاعرف أصحيكي بطريقتي.

نهض من بجوارها و ظنت إنه أبتعد، هيهات و انتفضت بفزع عندما وجدت الدُثار يُلقي من فوقها ليصبح هو بدلاً منه، أخذ يدغدغها لدي جانبي أضلاعها و هي تضحك رغماً  عنها و تصرخ في آن واحد:

-بعد عني يا سليم، جوم ماجدراش أخد نفسي.

قهقه و قال:

-عشان تحرمي ما تسمعيش الكلام، عمال أصحي فيكي عشان وحشاني، بقالي كام يوم كل ما أرجع ألاقيكي نايمة و بتصعبي عليا أصحيكي.
1

-بصعب عليك!، حنين إياك!

توقف عن دغدغتها و نهض من فوقها ينظر إليها بضيق عندما أستشعر بالتهكم في حديثها و عاد من جديد إلي جانبه المظلم و الذي كان يتجنبه منذ فترة:

-الظاهر كنت غلطان لما أتعاملت معاكِ بحُب و إحترام، و شكلك من النوع اللي لازم ياخد علي دماغه عشان يتعدل.

نهضت و وقفت أمامه و ها قد عادت إلي طبيعتها  و نظرة التمرد التي أخفتها منذ شهور ظهرت مُجدداً في ذهبتيها و اكتملت بنبرة صوتها القوية:

-أنا اللي غلطانة لما طول الوجت بجولك حاضر و نعم، خلتني واحدة تانية ما بجتش خابرة هي مين، مُچرد عبدة تلبي رغباتك المچنونة و لو علي حساب كرامتها، أنا تعبت كفاية بجي.

و في لحظة واحدة كانت خصلاتها مُجمعة في قبضته،كشر عن أنيابه و يخبرها بنبرة آتية من قعر الجحيم:

-قولي بقي إنك كل الفترة اللي فاتت عايشة تمثيلية و فكراني المغفل اللي ممكن يصدقك، أنا كنت متوقع هايجي عليكِ وقت و مش هاتقدري تكمليها، عارفة ليه.

دفعها من مؤخرة رأسها و أصبح وجهها مقابل وجهه و عينيها صوب عينيه ذات النظرة المُخيفة و التي أجفلت قلبها و جعلت أوصالها ترتعد خوفاً لاسيما عندما أردف:

-أيوة أنتِ هنا عبدة و أوامري كلها سيف علي رقبتك و يوم ما تفكري تعملي عكس كدة أو شوفت النظرة اللي شوفتها في عينيكِ دي تاني مش هقولك أنا ممكن أعمل أي فيكِ ساعتها، هاسيبك تتفاجئي بس أعرفي وقتها لو فضلتي تعيطي و تترجيني و تبوسي رجلي عمري ما هارحمك، سامعة؟

عجز عقلها عن التفكير من الخوف و هي تري كل ما قامت ببنائه طوال الوقت ها هي في لحظة حماقة تقوم بهدمه،فالذي يقف أمامها ليس سليم الذي أصبح حنوناً بل شيطانه الذي كان في غفوه و أستيقظ لتوه ليعود لأمجاد شره العاتي،عليها أن تستخدم إحدى الحيل و تستعيد هذ الحنون مرة أخري قبل فوات الآوان.
+

و بالفعل و بدون أي تمثيل أجهشت في حالة بكاء هيستري، جعلته يترك خصلاتها من يده و يراقبها بوجه متجهم،و تلك الوخزة في قلبه الذي يشعر بها للتو أخبرته عليه باحتوائها فهي ليست في حالتها الطبيعية أو ربما هناك اضطراب في الهرمونات خاصتها مما أدي إلي تغير حالتها المزاجية من سيء لأسوء!

عانقها و أخذ يربت عليها دون أن يتكلم، تركها تبكي حتي هدأت و أصبحت في حالة سكون و عندما رفعها من صدرها ليري سبب صمتها المُطبق، وجدها استسلمت إلي النوم، حملها ثم وضعها علي السرير و دثرها جيداً، أخذ يلوم نفسه علي كلماته القاسية التي ألقاها عليها لكن الوحش الذي بداخله أخبره هذا ما كانت تستحقه و أن لم يفعل ذلك، فكان سيصبح هو عبداً لها!

و كان مرور تلك الأيام لها أثر علي تلك التي تقهقر فؤادها، و هذا لأن منذ تركها منزل عائلة زوجها و أتت تمكث لدي منزل خالها فما كان ردة فعل الأخر سوي التجاهل و كأنها لا شيء بالنسبة إليه، تعلم أخباره من الصغير عمر الذي كان ينقل كل أخباره إليها ليطمئن قلبها لكن زاد هذا من ألمها أكثر، يمارس حياته الطبيعية و لم يعط لها أدني اهتمام يا له من شعور مُوجع بل و مؤلم أيضاً.

فوق المنزل تقوم بوضع الثياب علي الحبل ثم تحكمها بالمشبك الخشبي و عندما انتهت من نشر الدثار الكبير و ألتفتت لتأخذ مشبك من الوعاء البلاستيكي انتفضت و شهقت بـ ذُعر عندما وجدته يقف أمامها.

-بسم الله الرحمن الرحيم.

قالتها و تلتقط أنفاسها، رد قائلاً:

-شوفتي عفريت إياك!

رمقته بضيق و ولت إليه ظهرها:

-أي اللي فاكرك بيا و چابك أهنه؟

وقف أمامها و أخبرها بنبرة يغلب عليها التملك:

-چيت أخد مارتي و نرچعو علي دارنا.

رفعت حاجبيها و سألته بتهكم:

-مارتك!، تو ما أفتكرت إياك!،أني خلاص ماليش مطرح غير أهنه في دار خالي الله يرحمه.

حاول إخماد نيران بركان غضبه، فهو يعلم سبب حديثها الساخر و غضبها البادي إليه، أطلق زفرة و قال:

-مطرحك هو مطرح چوزك يا قمر، و أنتِ أهنه مُچرد ضيفة كفاية عليكِ إكدة، يلا تعالي معاي.

أمسكها من يدها فجذبتها من يده صارخة بغضب:

-جولت ماريحاش معاك، هو أي بالعافية!

جز علي أسنانه و قال بنبرة لا تتحمل أكثر من ذلك:

-أجصري الشر يا قمر، لينا دار نتحدتو فيها ما تسامعيش مرات خالك و ولادها بينا.

أطلقت ضحكة ساخرة ثم أخبرته بتهكم:

-واه تصدج مكنتش واخده بالي!،خابر يا بكر أني أكتشفت إن اللي حصلي جبل ما أعرفك أهون بكتير من ما كنت وياك.

كرر أخر كلماتها في ذهنه و ردد:

-كنتِ!، جصدك أي بالحديت ده!

عقدت ساعديها أمام صدرها و قررت أن تثأر لكرامتها بإلقاء عليه هذا الطلب الذي بمثابة قنبلة تُدمر الأخضر و اليابس:

-طلجني يا بكر.
1

لم يدري بحاله و هو يدفعها إلي الحائط قائلاً بأمر عاشق مُتيم:

-مفيش طلاج، و هاتيچي معاي و بكرة هايبجي الفرح سواء راضية ولا لاء، و لو رايدة تعرفي ليه بعدت عنك طول الأيام اللي فاتت، ده لأني هملتك لحد ما تهدي و أني كمان أحاول أهدي و أنسي كل اللي حوصل، لأن كان چوايا نار و كنت خايف عليكِ منها و من نفسي يعني مكنتش نسيكِ كيف ما فهمتي.
أخبرها قلبها بصدق حديثه، فذلك البريق الذي ينضح من عينيه يخبرها بأنه يعشقها إلي حد الثمالة و ما حدث كان من فرط غيرته عليها، ربما هذا أسعد قلبها قليلاً لكن كبرياءها ما زال يرفض انصياعها لأمره و عليها بالثأر.

-لو أفترضنا اللي عتجوله ده صحيح، أني خلاص مارچعاش في قراري، أي اللي يغصبني أكمل مع واحد شك فيا و هو خابر مين هي قمر.

ردد بداخله دعاء حتي يلهمه ربه بالصبر ثم أخبرها:

-أني لو كنت شاكك فيكي لو لحظة مكنتيش بجيتي علي ذمتي لحد دلوق، الموضوع كان صعب عليا جوي، حطي حالك مطرحي لما تكتشفي أجرب الناس ليكِ و اللي هو المفروض الدعم و السند يطعنك في ضهرك، أنتِ ما خابراش أني بحبك قد أي و بغير عليكِ من الهوا و.....

صمت فجاءة عندما لاحظ عدم ارتدائها لغطاء وجهها سألها بنبرة جعلتها تنتفض و تريد الابتعاد من أمامه لكن قبضته جعلتها غير قادرة أن تتزحزح إنشاً واحداً:

-ما لبساش نقابك ليه؟

أجابت بتوتر:

-مفيش حد شايفني و جولت هانشر الغسيل و أنزل تحت علي طول.

جز علي أسنانه و عروقه عنقه النافرة تكاد تطق من الغيظ، أومأ لها بشبه ابتسامة و إذا به يفاجئها بقُبلة لم تسمح لها بالتحرك بتاتاً أو حتي دفعه، يسيطر علي يديها بجوارها، و بعد أن أنتهي من تقبيلها رمقها بانتصار و ابتسامة ماكرة قائلاً:

-أبجي أنسي تلبسيه أو تجلعيه بره الدار و أني إكده هافهم أنك رايده أسوي فيكي كيف ما أسويت دلوق، و يلا جدامي و أبجي جولي لاء لأچل أنفذ تهديدي و يا عالم ممكن الموضوع يتحول لحاچة تانية هاموت و أسويها بس لما يتجفل علينا باب واحد، يا قمري.
جحظت عينيها من تهديده و إيحاءاته الجريئة و المنحرفة، عضت علي شفتها السفلي من الخجل الشديد فانتفضت خلايا جسدها حينما أردف بصياح:

-لساتك واجفة، طيب يبجي أنتِ اللي أخترتي.

و كان علي وشك الاقتراب منها، دفعته و ركضت إلي الأسفل و لم تسمع ضحكته التي بلغت عنان السماء.

ــــــــــــــــــــــ

تقف في المطبخ شاردة في مُعذب قلبها و الذي لا يلين إليها قط،يا له من قاسي لكي لا يظلمها يؤدي واجبه الزوجي نحوها لكن بدون مشاعر، لم تنس ليلة أمس و التي تشبه سابقتها

(حدث سابقاً)

نهض من فوقها و قطرات العرق تنزلق علي جبهته و كأنه يعدو صحراء شديدة القيظ، و ذلك بعدما آتاها لمدة دقائق تكاد تحصي علي أنامل الكف الواحدة و بمجرد بلوغه إلي لحظاته أبتعد عنها و كأنه يؤدي مُهمة مُرغماً عليها، تركها و ذهب ليغتسل، لنقل الأحري يريد إزالة لمسات الخيانة من علي جسده الذي لا يريد أن يقترب سوي من معشوقة قلبه فقط.

ظلت جالسة علي الفراش تبكي بحسرة علي تلك الإهانة، أجل فما يفعله إهانة لها، يكتفي بالاقتراب منها دون احتواء أو عناق أو قُبلات و يتركها دون أن يكترث إليها و هل وصلت إلي ما وصل إليه أم لا.
2

لا تلوم سوي نفسها هي من قررت و عليها تحمل قرارها الخاطئ و الذي ستدفع ثمنه لاحقاً!

(عودة إلي الزمن الحالي)

انتبهت إلي رائحة احتراق طعام تنبعث من الفرن، شهقت:

-يا لهوي المكرونة.

فتحت باب الفرن و جذبت الشبكة بيدها التي ترتدي بها قُفاز عازل للحرارة، رأت صينية المكرونة قد تفحمت حيث تركتها أسفل نيران الشواية لتعطيها اللون الذهبي لكن حالة الشرود التي كانت بها جعلتها نسيت أمرها، و في تلك اللحظة عاد من الخارج يحمل أكياس و ألقي بهم في الأرض حينما أستنشق رائحة الحريق، ركض إلي المطبخ ليراها تجلس علي عقبيها أمام الفرن المفتوح قائلة من بين بكائها:

-حتي الأكل اللي عملت له عشان بيحبه حرقته، ليه حق ما يحبنيش.

تنفس الصعداء عندما علم بمصدر الرائحة،أقترب منها و مد يده إليها قائلاً:

-ما تبكيش في داهية الصينية، المهم أنتِ بخير.

رفعت وجهها لترمقه بعينيها المليئة بالدموع:

-أنت فعلا خوفت عليا و لا كنت تتمني أموت و ترتاح مني.

عقد حاجبيه بضيق و سألها:

-ليه عتجولي إكده!، بعد الشر عليكِ.

نهضت و فاضت ما بداخلها:

-و اللي بتعمله معايا ده مش شر!،معاملتك الجافة و طول الوقت بتحسسني إنك جاي علي نفسك و مستحملني بالعافية!

لا تريد الإفصاح إليه أكثر من ذلك حتي لا يخطئ فهمها، ربما خجلها يمنعها من التحدث إليه عن سبب بكائها طول الليل، ماذا كانت تنتظر من رجل قلبه ليس ملكاً له!
2

زفر بنفاذ صبر و ظل يردد:

-أستغفر الله العظيم، اللي عنبات فيه نصبحو فيه، يا بنت الحلال مش أني أتحدت وياكي جبل الچواز و فهمتك كل حاچة؟

سؤاله كان بمثابة خنجر مشتعل ينغرز في جرح لم يندمل بعد، مما جعلها تفقد أعصابها و صاحت في وجهه غير مُبالية لتحذيراته السابقة في آداب الحوار:

-أنا فهمت بس أعمل أي لقلبي اللي ماقدرش يبعد عنك، قولت يمكن أخليك تحبني زي ما بحبك، نفسي أعرف فيها أي زيادة عني عشان مش قادر تنساها و طول الليل و أنت نايم تقعد تنادي عليها!،هقولك أنا ليه عشان أنت جبان و بتخاف من المواجهة و لا عارف تجيب حقك من إبن عمك اللي للبسك مصيبة و مليون في الميه أخته اللي عايش علي أمل حبها زمانها أتجوزت و متهنية في حضن واحد أحسن و أرجل منـ....
3

قاطع كلماتها لطمة قوية بكفه هبطت علي خدها، ماذا كانت تتوقع منه بعد تلك الكلمات التي تتطعن في رجولته، فعلت أكثر ما يؤلمه.
1

ذهب بعيداً إلي الخارج و يزفر بغضب، فهو غاضب منها و من نفسه، لم يكن يريد أن تصل الأمور بينهما هكذا.

و بعد أن أصبح في سكينة و هدوء ذهب يبحث عنها في الأرجاء، وجدها في غرفة النوم تضع ثيابها في الحقيبة،ركض إليها ليمنعها:

-عتسوي أي يا مچنونة.

رفعت وجهها و صاحت:

-أبعد عني و ملكش دعوة بيا، أنا أتحملت كتير بس توصل لمد الأيد و ربنا ما هعديهالك و ليا كبير يتصرف معاك.

قبل أن يرد لاحظ أثر كفه ما زال علي خدها و أثر لخط دماء رفيع بجوار شفتيها، يا لك من أحمق ما الذي فعلته!

أقترب منها و أمسك بيدها قام تقبيل ظهر كفها قائلاً:

-آسف.

رمقته بنظرة حزن دفين و سألته سؤال متعدد الإجابات:

-آسف علي أي بالظبط؟

أمسك بيديها و أجاب:

-علي أي حاچة زعلتك مني و علي اللي سويته فيكي من شوية، بس أنتِ اللي خرچتني عن حالي و أستفزتيني.

-عشان أنت اللي وصلتني أقولك كده،و لا أقولك أنا فعلاً أستاهل ما أنا واحدة داست علي كرامتها بالبشبشب كنت هاستني تعمل فيا أي أكتر من كدة!
1

زفر بقوة و جعلها تجلس علي طرف الفراش و جلس بجوارها:

-طب لو جولت لك سبيني أخد فرصة وياكي من غير ماتضغطي عليا و آچي عليكِ.

ابتسمت إليه كالبلهاء و ألف رحمة و نور علي كرامتها التي وأُدت!
4

- بتتكلم بجد و لا بتضحك عليا و لا خايف من بابا.

أومأ لها بامتعاض و قال:

-عتحدت چد،و بعدين أني ما بخافش من حد إسمها إحترام و تقدير، ياريت تعقلي حديتك جبل ما تنطجيه.

هزت رأسها بالإيجاب:

-حاضر.

نظر في ساعة الهاتف ثم أخبرها:

-حضري حالك، هاخدك و نروحو نتغدو برة، هستناكي برة عجبال ما تچهزي.

-فارس.

نادته بصوتها الحسن، ألتفت إليها قبل أن يغادر الغرفة، وجدها ترتمي علي صدره و تعانقه بقوة و تخبره:

-ربنا يخليك ليا و تحبني زي ما بحبك.
3

ربت علي رأسها قائلاً:

-إن شاء الله.

ـــــــــــــــــــــ

-أخيراً أخدتي إفراج من جوزك، أنا كنت قربت أفقد الأمل إن أشوفك تاني.

تفوهت بها ريهام إلي زينب حيث كلتيهما تجلس في المطعم الخاص بالنادي الذي يعمل به زوجها.

أجابت الأخرى بضيق بعدما رفعت زاوية شفتيها جانباً بتهكم :

-خليني ساكتة أحسن، المفروض بعد ساعة چاي علي أهنه، لاء و كمان مهمل معاي چوز الغربان اللي واجفين أهناك و كأنهم عيحرسو حرم الوزير.

أطلقت صديقتها ضحكة و من بينها قالت:

-يخربيت تشبيهاتك لسه زي ما أنتِ في عز ما بتكوني متضايقة بتقولي كلام يموت من الضحك.

- ما هو من جهرتي و غُلبي، يلا حسبي الله ونعم الوكيل في اللي كان السبب.

انتبهت الأخرى إلي ما وراء كلماتها فسألتها:

-زينب ممكن أعرف الحقيقة عشان كل اللي قولتيه في المطعم و تهربك مني في كل مكالمة لما بسألك عن حالك و جوزك، كل ده ملهوش غير تفسير واحد، فيه مصايب أنتي مخبياها و خصوصاً موضوع الفلاشة، مارضتش أشوف اللي عليها غير لما أستأذنك.

ألتفتت زينب لتتأكد من بُعد هذان الحارسان بمسافة لا تسمح لهما بسماع ما ستخبر به صديقتها، اقتربت إلي الأمام قليلاً و قالت:

-الفلاشة دي عليها اللي يودي سليم و كل اللي وراه في داهية أولهم أخوي و فارس ياخد براءة بدل ما هو هربان، أنا بعتهالك لما نزلت ترانزيت شحنتها من أهناك علي بيت والدتك، خابرة لو كنت نزلت بيها مصر كان زمانك عتجري الفاتحة عليا دلوق.

غرت صديقتها فاها من ما تسمعه فسألتها:

-ترانزيت هو أنتِ كنتِ فين؟

كان السؤال كافياً ليذكرها بأحداث لن تريد تذكرها مرة أخري، يكفيها ما تعرضت إليه من تعذيب نفسي ترك فيه نفسها ندوب لم تندمل بعد، تأتي إليها خلال كوابيس مُرعبة.

-سافرنا أمريكا بعد ما أتچوزنا و هناك عرفت أهرب منيه و معاي اللاب توب بتاعه اللي عليه بلاوي تخلصني و تخلص الناس من شره لما توصل للشرطة، و كيف ما جولت لك لما وجفت الطيارة ترانزيت هناك أشتريت فلاشة من مكان جريب من المطار و نجلت عليها كل حاچة و بعتهالك من هناك، لأن كنت متوقعه إن سليم هلاجيه مستنيني في مطار القاهرة و فعلاً اللي حسبته لاجيته.

شهقت الأخرى و سألتها:

-يا خبر!، و عمل معاكي أي؟

-جولي ماسواش فيكي أي، ده واحد مريض و مچنون، خابرة من چبروته بيسوي أي في أعدائه.

صمتت و تتذكر ما فعله في ضحيته في لاس فيجاس، لاحظت ريهام رجفة يدها و هي تتناول كوب الماء و ترتشف منه القليل لتردف:

-الظالم بيسلخ الراچل و هو حي كيف الدبيحة.

وضعت الأخرى يدها علي فمها غير مصدقة ما تسمعه من أهوال:

-أنتِ بتتكلمي بجد يا زينب، أنا حاسه إنك بتتكلمي عن المهوسين بتعذيب الناس لحد الموت و السادية الدموية و اللي موجودين في الـ Dark Web (الأنترنت المُظلم).

هزت رأسها بالإيجاب و أجابت:

-هو فعلاً سادي في كل حاچة، أنا دوجت الذل و المرار علي يده و لأچل أتجي شره فضلت أمثل عليه دور الخضوع و الچارية المُطيعة.

رغماً عنها انهمرت دموعها، فالذي مرت به ليس بهين علي الإطلاق، أعطتها الأخرى محرمة ورقية و ربتت علي يدها:

-أهدي يا حبيبتي و بلاش عياط عشان محدش ياخد باله و لا جوز الغربان يفتنو لجوزك.

ابتسمت و بسخرية عقبت:

-هو أتعود علي دموعي عاد.

نهضت الأخرى و مدت لها يدها و قالت:

-قومي تعالي أغسلي وشك و نروح نشوف أحمد غطسان فين من وقت ما جينا و هو مختفي.

ـــــــــــــــــــــــ

علي طاولة مُطلة علي ضفاف النيل منذ أن جاء كليهما و هي لا تري سوي هو، تراقبه و هو يأكل بالشوكة و السكين فسألته:

-اللي يشوفك و أنت بتاكل بالشوكة و السكين يقول عليك باشا.

هز رأسه بسأم:

-مفيش فايدة لساتك عترمي حديت كيف الدبش، عموماً العادة دي اتعلمتها من أيام ما كنت في أمريكا، كملت دراستي هناك و أشتغلت في فرع من فروع شركات ميكروسوفت و الحمدلله كنت هاترقي و أبجي مدير الفرع لكن كان لازم أنزل أچازة.

لاحظت إنه قد بدأ يحدثها عن نفسه مما جعل قلبها يتراقص من السعادة، سألته باهتمام:

-و ليه ما أستنتش الترقية و نزلت، ده كان زمانك عديت هناك.

أبتلع ما بفمه و أجاب علي سؤالها:

-لسببين أولاً أتوحشت أبوي جوي و الحمدلله لحجت أشوفه جبل ما يتوفي الله يرحمه.

-الله يرحمه، طب و أي السبب التاني؟

نظر إليها و صمت قليلاً، فهمت سبب صمته فقالت:

-عشان تتجوز بنت عمك زينب؟

ترك ما بيده و أرتشف الماء دون إجابة علي سؤالها ثم قال:

-الحمدلله.

 نهض و أردف:
- هاروح أغسل يدي و راچع، كملي واكلك.

أدركت إنه لا يريد أن يخبرها هذا الجانب و عليها أن لا تذكره به، فهي تريد أن تجعله يمحو هذه الزينب من ذاكرته و تخرج من قلبه و تمكث و تتربع بدلاً منها.

انتبهت إلي اقتراب امرأتان منها إحداهما تألف ملامحها جيداً.

- أنتِ شهد بنت الحاج نعمان؟

صاحت شهد بسعادة:

-ريهام، عاملة أي؟
1

تبادل كلتيهما الأحضان و القبلات علي الوجنتين، قالت ريهام:

-أنا الحمدلله بخير أتخرجت و أتجوزنا أنا و أحمد و أنتِ أخبارك أي جه اللي قدر يخطف قلبك و لا لسه.

ضحكت و قالت بفخر و سعادة، و كعادة النساء في الإجابة عن تلك الأسئلة إما بالمكر و عدم الإفصاح أم بالتفاخر و المبالغة، بينما شهد استخدمت الاختيار الثاني:

-الحمدلله ربنا رزقني بالراجل اللي خطف قلبي من أول نظرة و فاكرة لما قولتلكم نفسي أتجوز صعيدي و مُز في نفس الوقت؟

-أنتِ هاتقولي لي عليكِ، ده أنتِ كنتِ مصدعانا، يوه نسيت أعرفك بصديقتي زينب.

مدت شهد إليها يدها للمصافحة و قلبها يخفق بتوجس لا تعلم ما سببه:

-أهلاً يا زينب.

ابتسمت إليها الأخرى و شعرت بما حدث لشهد في آن واحد، فقالت ريهام:

-أعرفك يا زوزو دي شهد نعمان تبقي صديقة و جارة بنت خالتي و متربين مع بعض، كنت بروح أقعد معاهم بالساعات و كنا نخرج.

ابتسمت شهد و علقت:

-كانت أحلي أيام.

قالت ريهام:

-علي فكرة يا شوشو زوزو من الصعيد الجواني من قنا.

كاد لسانها ينفلت و تخبرها أن زوجها أيضاً من قنا، لكن تلك الصدف الغريبة والمُريبة الجمت لسانها حتي وقع الحدث العظيم،  كان المشهد كالتالي تقف شهد أمامها و خلفهما يسير نحوهما هذا القادم يُنادي:

- شهد.

أشارت إليه و قالت:

-تعالي يا فارس أعرفك بريهام صاحبتي.

ألتفت كلا من ريهام و زينب علي ذكر الاسم و الصوت، فهي لا تحتاج إلي رؤيته لتتأكد، يكفيها سماع صوته و رائحة عطره المفضلة لديه، و هنا كان اللقاء الذي بكت إليه القلوب و دمعت له العيون.

عيون تلاقت بعد شوق جارف و شجن يملأ قلوب نزفت علي جانبي دروب الحب، نظرات كفيلة بالتحدث دون اللجوء لتفوه الألسن.

-أحب أعرفكم علي فارس جوزي و حبيبي.

أمسكت يده بتملك أمامهما، و أمام عينيها التي امتلأت بالدموع رغماً عنها.

يسمع حديث عينيها في أذنه بصوتها رغم صمتها و شفتيها المُطبقة حتي لا تبوح بصرخات مذبحة قلبها:

" معجول يا فارس،بعد كل اللي أتحملته عشانك و شوفت الموت و چيت علي نفسي كتير جوي في الآخر أتچوزت، خنت العهد اللي بينتنا!، هان عليك كسرة جلبي اللي عايش علي أمل رچوعنا!،طب أنا أتچوزت غصب عني أنت أي اللي غصبك! إلا لو خلاص نسيتني "

تندلع رماديتيه بالحنين و العشق و الدفاع عن نفسه من إتهام عينيها الجلي، يسمع صوت عقلها بقلبه و ليست بأذنيه:

" لاء مانستش يا جلب فارس و لا أجدر أنساكِ، ظروفي هي اللي غصبتني أكون لغيرك، بس أقسم لك جلبي و روحي وياكِ أنا مچرد چسد بلا روح معاها،عمري ما خنت عهدنا و لا هاخون، كان نفسي يجمعنا القدر في نهاية المطاف و أكون في النور، كل يوم بنام و جلبي عينادم عليكي و يبكي و يصرخ، اللي كان مصبره ذكرياتنا اللي لو سجلوها علي ورج هاتبجي حكاية لكل العشاق"
1

همست شفتيها دون أن تتحرك:

"أنت حكمت عليا بالموت و أني حيه"

بادلها الحديث الصامت:

"و أني ميت من غيرك يا جلبي"
2

أمسكت ريهام بيد صديقتها و تدعو الله أن يُمر هذا الموقف العصيب علي خير، تشعر بحالها لذا كانت نظراتها إلي فارس مليئة باللوم و العتاب، فقالت:

- عن أذنك يا شهد معلش إحنا رايحين لأحمد جوزي أصله بيشتغل هنا.

- أتأخرت عليكِ يا بيبي؟

صوت أجش يتبعه لمسة ذراعه الذي وضعه علي ظهرها و يمسك خصرها بيده، فهذا آخر ما ينقص الجميع و اختتام اليوم بلقاء فارس بغريمه، نظرت ريهام إلي فارس بتشفي قائلة:
1

-سليم بيه العقبي جوز زينب.

كلمة في مقتل قلب فارس الذي يحترق حياً و هو يقف و ينظر إلي ذراع سليم حول جذع زينب و كأنها ملكاً له، غيض من فيض من الآلام التي يشعر بها للتو.

- أهلاً يا فارس، مش فارس برضو!

رمقت زينب سليم الذي فاجئ الجميع و الوحيدة التي تجهل كل ما يحدث شهد و ربما تكون لديها الشك.

أمسك فارس بيد زوجته و قال:

-فرصة سعيدة يا سليم بيه، عن أذنكم.

تقف زينب مُتسمرة تشاهد رحيل فارس و زوجته أمام عينيها حتي شعرت بسليم  يمسك بيدها و يضغط عليها بقبضته قائلاً:

- مش يلا إحنا كمان يا بيبي، أنا خلاص أخدت أجازة عشان نسافر،  بس الأول هانوصل مدام ريهام.

اخبرته ريهام بامتنان و القلق يساورها تشعر بالخوف علي صديقتها من هذا السليم الذي يبدو يعلم بكل ما يحدث، يبدو نفوذه و سلطته أكثر بكثير عن توقعها:

-شكراً لحضرتك، أنا هافضل قاعده هنا مستنيه أحمد يجي و نروح مع بعض.

اقتربت من زينب و قالت:

-سلام يا حبيبتي أشوفك قريب.

ثم أردفت بهمس:

-خدي بالك من نفسك و أجمدي لجوزك يشك في حاجة.

و بعد أن ذهب الجميع، لا تعلم زينب كيف وصلت إلي السيارة، لا تشعر بساقيها و كأنها كالهلام، انتبهت إلي سليم و يشعل سيجارته و يسألها بنبرة جليدية:
+

-كان أي شعورك لما شوفتيه مع مراته؟
3

هنا لم تسمع سوي طنين في أذنها يرتفع تدريجياً و بثقل جفونها تنسدل رويداً رويداً، تمنت لو كانت فقدت روحها بدلاً من وعيها!

يقف في مكان خالي من المارة آسير دموع قلبه الذي ينزف منذ رؤيتها،يتذكر عندما جاءت إليه في المخفر تطلب منه مسامحتها، فكان لا يدرك حينها إنها مُرغمة علي الزواج من شخص آخر، و ليس بأي شخص، لم ينس تلك النظرة السوداء المظلمة في عيون هذا السليم، نظرة كفيلة بـ سبر أغوار قلبه و خوفه عليها!

هبط علي عقبيه و أمسك بقطعة حجر و قذفها بكل قوته في مياه النيل التي أمامه،فـ بدأت ذاكرته تستعيد صورتها و ملامحها الذي يكسوها الحزن و الإنكسار،و بدون أن يشعر أنسدلت دمعة علي خده فقال:

- أني خابر إنه مكنش بيدك لكن ما جدرتش أمنع عن جلبي نار الشوق و الغيرة، حالي كان أصعب من حالك، ويلي من النار اللي ولعت في چتتي لما  الراچل اللي أتچوزتيه ماسك فيكي و كأنه بيجولي دي ملكي أنا، و لا ويلي من شهد اللي القدر حكم عليا و أتچوزتها و نصيبها تكون ويا واحد ما يملكش جلبه، جلبه اللي ما خابرش معني الحب غير علي يدك، خابره أني كنت رايد أسوي أي أول ما تشوفك عيني.
2


أطبق شفتيه ليمنع نفسه من البكاء ثم استطرد:

- كنت رايد أخدك في حضني و أنسي كل لحظة قسوة عشتها، حضنك المطرح الوحيد اللي بحس فيه بأمان و دفا، دلوق بجيت كيف الضايع من غيرك، ماليش أهل و لا مطرح، بجيت فارس بلا مأوي.
1


و في خضم تلك الأحزان هناك من يساوره القلق، و يجوب الأرض ذهاباً و إياباً في ذلك الممر الطويل،يقف بجواره هذا الذي وصل منذ قليل:

-أهدي يا باشا هي إن شاء الله هاتكون بخير، ممكن يكون سبب الإغماء ما أكلتش أو تكون تعبانة شويه.


و ما أن فُتح الباب و ظهر الطبيب ركض عليه بلهفة يسأله:

-هي عاملة أي يا دكتور.


نظر إليه بابتسامة و أخبره لعله يطمئن:

-الحمدلله مدام زينب بخير، هي فاقت و بقت أحسن علقنا لها محلول و أديتلها حقنة فيتامين،شويه كده و تقدر تقوم و تتحرك عادي، بس ياريت تتغذي كويس و تحافظ علي صحتها عشانها و عشان الجنين.
2


توقف الزمن في تلك اللحظة حين أدرك ما نطق به الطبيب و يتأكد من مسامعه عندما سأل صلاح الطبيب:

-هي حامل يا دكتور؟


أومأ له الطبيب و أجاب:

-اه ألف مبروك.


عانق صديقه بفرح و سعادة:
-ألف مبروك يا سليم.


كان سليم يبادله العناق و لم يصدق نفسه من فرط ما يشعر به من السعادة، فها هو قد أصبح أب، أبتعد عن صديقه و ولج إلي الداخل وجدها تجلس في حالة سكون لم يرف لها هدب واحد و كأن الطير يأكل من فوق رأسها من الخبر الذي علمت به من الطبيب، فهذا أخر ما كان ينقصها، تحمل في أحشائها نبتة ذلك الشيطان الآثم و التي تود التخلص منه اليوم قبل الغد!

-ألف مبروك يا بيبي،أخيراً هيجي ولي العهد اللي هايشيل إسمي و يكمل مسيرة العقبي، مش قادر أوصفلك أنا فرحان قد أي، أنا من كتر الفرحة عايز أصرخ و أقول أنا بقيت بابا.

كان ينطق كلماته بسعادة بالغة، يعانقها و هي كالجماد الساكن لم تبادله حتي المباركة، وجهها أصابه الجمود لاتدري ماذا عليها أن تفعل، تريد البكاء و غير قادرة،أو إطلاق صرخة تخرج بها ما تحمله في صدرها من الألم لكن حتي هذا التعبير عاجزة عن فعله و كأنها أصابها شلل كُلي!
8


ــــــــــــــــــــــ

تطلي شفتيها بقلم الحُمرة و تنظر إلي هيئتها بسعادة، فـ منذ أن عادت من الخارج معه تركها و أخبرها أن لديه أمر هام، تعلم أن ما حدث اليوم ليس بالهين لكن ما توصلت إليه جعل قلبها يتراقص، مالكة قلب زوجها متزوجة، و ها هي الساحة أصبحت خالية لها فقط.

نهضت و تلقي نظرة أخيرة علي عباءتها ذات اللون الزُمردي و المطرزة بخيوط الذهب تشبه ثوب ملكة من القرن الثالث عشر، تاركة خصلاتها بانسيابية علي ظهرها، أطلقت صفيراً بإعجاب علي مظهرها الجذاب قائلة:

-الله عليكي يا شاهي مُزة في كل حالاتك،دلوقتي لما يشوفك هاينسي زينب و أهلها و ينسي نفسه كمان، ما هو خلاص ما بقاش ليه حد غيري، لما أروح أولع الشمع.
1


ذهبت إلي غرفة المائدة التي يعلوها أطباق من الطعام الشهي و أبريق مُليء بالعصير و كؤوس شاغرة و أطباق حلوي قد أشترتها عبر خدمة الطلبات المنزلية.


قامت بتشغيل إحدى الأغاني الرومانسية علي هاتفها و أخذت تتمايل عليها بفرح و تردد كلماتها:

- خليني جمبك في حضن قلبك، خليك معايا ديماً قريب، مستحيل أتخلي عنك، مستحيـ...


قاطع غنائها صوت فتح باب الشقة، ركضت بلهفة و سعادة لاستقباله، ليتها ما رأته في تلك اللحظة، ذو وجه عابس و متجهم، عينيه و كأن بداخلها ألسنة مُندلعة من نيران أضرمت منذ آلاف السنين.

اقتربت منه و تبتلع لعابها من القلق و التوجس، سألته بحذر:

-أحضرلك الحمام تاخدلك دش، أنا محضرة لك عشا هتاكل صوابعك وراه.


أنحني ليخلع حذائه فسبقته يديها لتقوم بتلك المهمة بدلاً منه و ترفع وجهها لتسأله مرة أخري بفضول:

-أنت كنت فين؟


أطلق زفرة تنبأها أن هذا الواقف أمامها كالبركان الذي علي وشك الانفجار، عليها الحذر و الابتعاد، هذا ما تأكدت منه عندما أجاب:

-ممكن تهمليني لحالي الله لا يسيئك و أحسن ليكِ.


تركها و ذهب إلي الغرفة الأخرى غير غرفة النوم، ذهبت خلفه و سألته بحنق:

-هو أي أسيبك و أحسن ليا، يعنـ...


وصد الباب أمام وجهها دون أن يجيب عليها،حاولت فتح الباب بإدارة المقبض لكن وجدته مُغلق من الداخل مما أثار جنونها و فقدت السيطرة علي لسانها الذي أنفلت بما لا تحمد عُقباه:

-هو أنا هاشحت الكلام منك و لا أي،أنت فاكرني هبلة و مش فاهمة اللي حصل، أنا كان قلبي حاسس أول ما شوفتها و عرفت إنها بلدياتك، شوفت ربنا عمل فيك أي،ورتني الذل و المرار و أستحملت و رضيت بالهم و الهم مش راضي بينا، في الأخر طلعت متجوزة و سبحان الله ليك نصيب تشوف جوزها بعينيك، شكله راجل هيبة مش زيك جبان و لا عارف تاخد حقك و عايش مستخبي و......
3


انتفضت و تراجعت إلي الخلف عندما فتح الباب، هذا الذي أمامها ليس بفارس بل إعصار مُدمر، عليها بالفرار من أمامه لكن فات الآوان، جذبها من خصلاتها و صاح بصوت جهوري غليظ دوي صداه بين كل جدران المنزل:

-حذرتك كتير من طولة لسانك لكن اللي كيفك إكده لازم يتربي و أني هاربيكي من أول و چديد.


صرخات أطلقتها بعدما بدأ يصفعها بيد و الأخرى كانت تقتلع خصلاتها، من يراه و كأنه وحش بري فقد السيطرة و أطلق نفسه إلي شيطان غضبه الثائر.
3

- خلاص بالله عليك يا فارس، آه.


كما يقول المثل الشعبي «اللي حضر العفريت يصرفه»، و هذا في حالة جنونية، لايري أمامه بعد أن أفقدته صوابه و لقي ما قد يفرغ فيه غضبه،و ربما نسيت إنه رجل صعيدي ذو كرامة و دماء حارة، لم يتقبل الإهانة مهما حدث، يكفي ما مر به اليوم.


 ما زالت تصرخ و لم تكن قادرة أن تبعده لفرق القوة الجسدية، و عندما أبتعد عنها ليلتقط أنفاسه تحملت آلامها و فرت من أمامه صارخة:

-بتضربني!، بتفش غلك فيا، عشان تعرف إنك مش راجل و بتتشطر علي واحدة ست، روح أتشطر علي اللي أتجو.....
3


ركضت إلي غرفة المائدة و هو خلفها، لم تتمكن من إغلاق الباب بسبب دفعه بجسده مما دفعها هي و وقعت علي الأرض، زحفت علي ركبتيها أسفل المائدة و خلايا جسدها ترتعد من الخوف.

- فكرك ما أجدرش أطلعك دلوق.

أفرغ غضبه الدفين و الذي أنطلق و فقد السيطرة عليه بإلقاء كل شيء من فوق المائدة، و هي بأسفلها تري الأطباق و الكؤوس تتحطم علي الأرض و تسمعه يزمجر كالوحش و بعدما نفذت و أستنزف الغضب قوته،بدأ يهدأ فأخبرها بصوت متهدج :

-أني داخل و هاجفل عليا الباب، قسماً بالله سمعت صوتك مرة تانية لأخدك من يدك و ورجتك جبل منك عند أبوكي،و أنتي خابرة الناس هاتجول أي عليكي لما تتطلجي و أنتي مكملتيش شهر چواز!،اللهم بلغت اللهم فأشهد.


ذهب و خرجت من أسفل المائدة تستند علي المقعد بألم، تطلق آهات من الألم الذي تشعر به في رأسها من جذبه لخصلاتها و كذلك خديها كليهما مُنتفخان من الصفعات التي تلقتها، أطلقت صرخة يتبعها بكاء بألم و قهر لاسيما لم تستطع التعبير و لو بحرف خشية من أن يسمعها و يخرج إليها و ينفذ تهديده، اللعنة علي قلبها الذي يجلب لها المتاعب و لسانها السليط الذي جلب لها الإهانة و وأد كرامتها!
6


ـــــــــــــــــــــــــــــ

صباح يوم مشرق، ترسل شمسه دفئها إلي جميع الأرجاء لكن دفئها لم يصل إلي تلك القلوب الذي يغلفها صقيع اللوعة و الاشتياق و يتربع الحزن في أركانها، ولج إلي داخل الغرفة يحمل صينية الطعام فوجدها ما زالت نائمة أو ربما تدعي النوم:

-أي يابيبي لسه نايمة!
4


وضع صينية الطعام علي الكمود و ذهب ليفتح الستائر،ضرب ضوء الشمس أنحاء الغرفة و بدي الضيق علي وجهها، جلس بجوارها و أخذ يداعب خصلاتها و يهمس بجوار أذنها:

-قومي و بطلي كسل لازم تفطري و تتغذي، دلوقتي يا بيبي أنتِ مابقتيش لوحدك، أنتِ جواكِ حتة مني.


وضع يده الأخرى علي بطنها و أردف:

-أنا عايزه ولد عشان يكمل مسيرتي و يفضل إسم العقبي من جيل لجيل، هعلمه كل حاجة هخليه زيي بالظبط الكل يخاف منه و لو أتذكر أسمه قدام حد يترعب،هخليه يملك القوة و المال مع بعض و طبعاً الذكاء هياخده وراثة.
3


نظر إلي الفراغ و يردد بسعادة قائلاً:

-جاسر سليم داغر العقبي.


و بمجرد نطقه إلي الاسم شعر باهتزاز جسدها، يبدو إنها تبكي بدون صوت، أمسك بوجهها و نظر إليها واجماً:

-بتعيطي ليه؟


نهضت بجذعها و تبتعد عنه لا تري أمامها سوي كل ذكري سوداء مرت بها و ما حدث من لقاء الأمس و هذا القابع أمامها سعيداً بالشيء الذي لم تتوقع حدوثه يوماً و لم تريده بتاتاً.

تهز رأسها يميناً و يساراً بـ رفض بائن قائلة من بين دموعها:

-أني معوزاش اللي في بطني.
2


و ما أن أدرك معني جملتها تلك أستيقظ شيطانه من غفوته فأشتد ظلام عينيه ذات اللون الأسود الحالك المُخيف.

أصبح وجهها بين كفيه يحدق صوب ذهبتيها الباكية بنظرة ترتجف إليها قلوب أعتي الرجال، هسهس لها من بين أسنانه بنبرة مُرعبة:

-أوعي تكوني فاكراني مغفل و ماخدتش بالي من نظرتك ليه إمبارح،المغفل هو أنتِ لما فاكرة نفسك ذكية و قدرتي تخدعيني و تتظاهري بخضوعك و إستسلامك ليا،أديكي شوفتيه بعينك، اللي بتمثلي و جايه علي نفسك عشانه قدر يهرب و بدل ما يدور عليكِ أول حاجة راح أتجوز و عاش حياته، أهلك نفسهم وافقو علي جوازك مني غصب عنك يعني دلوقت ملكيش حد غيري أنا و ولي عهدي اللي أقسم بالله لو فكرتي مجرد التفكير أنك تأذيه لأكون مخلص علي أهلك و حبيب القلب و صاحبتك و كل اللي بتحبيهم و قدام عينيكِ.
3


جذبها بين ذراعيه و دفن وجهها في صدره و أخذ يمسد بيده علي رأسها، يخبرها و كأنه أصابه حالة من الهذيان:

-أهدي  و أعقلي كده، إحنا مالناش غير بعض و هاتكمل فرحتنا بإبننا، صح يا بيبي؟


رفع وجهها من صدره و تمعن النظر في عينيها و أنتقل ببصره إلي شفتيها:

-معلش بقي خبر حملك نساني أبارك لك، مبروك يا أم جاسر.

و ألتقم شفتيها كالرضيع الجائع، يغمرها بجنون حبه و هوسه، يُذكرها في كل لمسة و قُبلة إنها ملكه هو فقط غير آبه إلي بكائها أو حالتها النفسية التي ساءت و عادت إلي نقطة البداية!

ــــــــــــــــــــــ

و من سماع صوت البكاء نذهب إلي صوت ضحكات نابعة من القلب علي هذا اليخت الذي يقف في عرض البحر، تهبط الدرج لأسفل و تضحك و يتبعها هو قائلاً بمرح و مزاح:

-هاتهربي مني فين مش قدامك حتي تستخبي فيها إلا لو رميتي نفسك في البحر.


توقف و ألتفتت إليه و بابتسامة تملأ ثغرها و ملامحها التي أشرقت من السعادة التي تعيشها الآن معه لاسيما منذ أن قرر كليهما المكوث في اليخت لعدة أيام بعيداً عن كل شيء.

-أنا هارمي نفسي فعلاً، بس جوه حضنك.


و ألقت بجسدها علي صدره العاري، عانقها بحنان ثم حملها و دلف إلي الداخل يخبرها بنبرة أذابت كلا خلايا جسدها:

-طب ما نيجي نترمي في أحضان بعض أنا و أنتِ جوه.


تعلقت بذراعيها حول عنقه و قامت بمشاكسة حك طرف أنفها بأنفه:

-أي يا لول ما إحنا لسه خارجين من جوه من ساعة.

رمقها بنظرة وقحة و قال لها:

- أصل بصراحة من ساعة ما طلعنا اليخت و أنا حبيت القعاد جوه و لا زهقتي؟


شعرت بالخجل بعدما فهمت مغذي سؤاله الجريء، خبأت وجهها في صدره، و حين توقف ابتعدت قليلاً فرأت أنها بداخل الغرفة التي شهدت ليالي من الحب و الغرام، أنزلها و ينظر إليها و كأنه ينوي علي فعل شيء ما، تراجعت إلي الخلف و سألته بمرح:

-مالك يا علي بتبص لي كده ليه، علـ...


قاطع ندائها بقُبلة جامحة لم يشعر بلذتها سوي معها و هذا بعدما قرر الاستسلام إليها و نسيان الماضي بذكرياته المؤلمة، بينما هي نجحت بالفعل أن تجعله يترك نفسه بين يديها و قلبها العاشق له يتفنن في سحره و ذلك من الاهتمام و بكل ما يرغب به، تغمره بحنانها و دفئها، تبادله جنونه في كل لقاء بينهما علي جزيرة القطن الشاهدة علي ليالي اقتران قلبين تجدد العشق بداخلهما من جديد.


و بعد مرور وقت لا تشعر به سوي عندما استيقظت فوجدته يغفو كالطفل الصغير، يتوسد صدرها برأسه، أخذت تتأمل ملامحه التي تعشق كل إنشاً بها، نظرت علي جانبها و التقطت هاتفه من فوق الكمود لتشاهد الصور التي ألتقطها لهما و لاحظت نظراته في كل صورة قد تغيرت علي غرار الأيام السابقة، الآن عينيه تتلألأ ببريق من السعادة.

أطلقت تنهيدة و قالت بصوت خافت و تنظر إليه:

-و أخيراً ربنا جمعني بيك و أنا مش عايزة أي حاجة تانية من الدنيا غيرك أنت و بس.


عضت علي شفتها السفلي و هي تفكر في أمر ما ضغطت علي علامة تطبيق التواصل الاجتماعي الشهير و قامت بإنشاء قصة من خلال عدة صور لهما و كتبت ما ذكرته للتو لكن بصيغة مختلفة و كأنه هو من قام بكتابة تلك الكلمات!
و هناك في مكان آخر من تقرأها و نيران الحقد و الغيرة تأكل قلبها، و بدون أن تعطي لـ عقلها فرصة للتفكير و التريث، أسرعت بالرد علي القصة بلا تفكير في العواقب الوخيمة:
«سواء معاها أو مع ألف غيرها عمرك ما هاتقدر تنساني يا علي فبلاش تعيش في أوهام »!
 
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
12

-بطلي عياط مش سامع منك و لا كلمة، هو أي اللي حصل بينكم؟

ردت علي سؤال والدها و تحدثه عبر الهاتف بعدما أطمئنت من مغادرة زوجها للمنزل،أرادت أن تخبر والدها عن ضربه لها لكن قلبها الأحمق نهاها عن ذلك تخشي أن يبعدها عنه أو يفعل يؤذيه،فأخبرته غيض من الحقيقة:

-بقولك يا بابا شوفنا زينب بنت عمه و طلعت متجوزة لما شافها أتصدم و من ساعتها مش طايقني، قولي أعمل أي؟
1


- عايزاني أجي أتكلم معاه؟

و قبل الإجابة نظرت إلي وجهها الذي مازال عليه آثار أنامله و عينيها ذابلتان من كثرة البكاء، أسرعت بالرد:

-لاء يا بابا بالله عليك أوعي تجيب له سيرة عشان خاطري، أنا بحكي و بفضفض معاك.


ضرب الشك قلبه و ساوره القلق فسألها:

-أوعي تكوني بتضحكي عليا يا شهد و شديتي معاه و طولتي لسانك و خلتيه مد أيده عليكي أصل أنا عارفك و مربيكي.
5


-لاء يا بابا خالص أبداً، إحنا ما بنتكلمش من وقت ما رجعنا.


أطلق زفرة بأريحية بعدما أطمئن و هكذا ظن، فأخبرها:

-بصي يابنتي فارس جدع و إبن أصول خليكي ناصحة و حابي عليه و خليكي الصدر الحنين ليه، و لو اللي قولتيه ده صحيح إن بنت عمه طلعت متجوزة، يبقي دي فرصتك و جت لحد عندك ألعبي بطريقتك، الراجل مننا بيحب الإهتمام و الدلع أكله حلوة نسيه أي هم عاشه هتلاقيه زي الخاتم في صباعك، و تبقي بنت أبوكي بصحيح لو أتجدعنتي و ربطيه بحتت عيل، خليني أفرح بحفيدي قبل ما أموت.
4


مسحت دموعها بطرف أناملها و قالت:

-بعد الشر عليك يا حبيبي ربنا ما يحرمني منك و يباركلي فيك، عموماً حاضر أدعي لي بس ربنا يصبرني و يقويني و يلين قلبه ليا.

سمعت صوت مفتاحه في الباب فأردفت بصوت خافت:

-سلام دلوقت يا بابا ده رجع من بره.


أنهت المكالمة و ظلت تنتظر قدومه إلي الغرفة التي تمكث بها منذ الأمس فلم يأتِ، سمعت صوت آتي من المطبخ فعلمت إنه بالداخل، ذهبت بخطي هادئة و راقبت ماذا يفعل بالداخل.

كان يحضر أطباق و يخرج من الأكياس طعام جاهز و يقوم بغرفه في تلك الأطباق، دخلت بتردد و انتفضت حينما ألتفت و وجدها أمامه، لاحظت قد أشتري الطعام التي تفضله و انتبهت إنه قام بتحضير صينية صغيرة إليه و يريد العبور لكنها تقف عائقاً للخروج.

-عن إذنك.


لم تفعل بل و وقفت أمامه تدهس علي كرامتها و كبريائها الذي تلاشي منذ أن ظهر في حياتها:

-ممكن أتكلم معاك.


نظر إليها و ليته ما نظر، رأي آثار ما اقترفتهش يداه، ترك الصينية بعنف علي الطاولة الرخامية مما أصدرت صوتاً مُزعجاً و سألها بحدة و سخرية:

-و ناوية تجولي أي المرة دي، مش أني چبان و فيا كل العبر أي اللي چبرك تتچوزي واحد كيف ما جولتي!


شابكت أنامل يديها معاً كطفلة صغيرة و تنظر لأسفل قائلة:

- أنا آسفة.


أطبق شفتيه و أطلق زفيراً من أنفه ثم قال:

-و تفتكري حديتك ده هيداويه الأسف!، للأسف أني اللي غلطان، المفروض مكناش أتچوزنا من الأول.


رفعت وجهها و بنبرة وشيكة علي البكاء:

-أنا عارفة لساني طويل و جايب لي المشاكل، و أنت ما سكتش و اخدت حقك مني، و علي فكرة بابا كان لسه مكلمني مارضتش أحكي له أنك مديت إيدك عليا، لما قعدت مع نفسي و حطيت نفسي مكانك عذرتك إمبارح مكنش يوم سهل، بس أنا عندي أمل تكون ليا بقلبك خصوصاً بعد ما طلعت زينب متجـ....


قاطعها بغضب عارم:

-أبجي كملي حديتك ده تاني و أوعدك ما هاتشوفي بعدها خلجتي واصل، و أسمعيني زين مش معني إنها أتچوزت يبجي هانسها أو كرهتها، أني خابر ده هيحصل من زمان و خابر حوصل غصب عنها لأن اللي بيني و بينها أكبر من واحدة كيفك تفهمه و تحس بيه، زينب حب عمري اللي وعيت عليه من و إحنا لساتنا عيال صغيرين،فاهمين بعض من مچرد نظرة، اللي بينا كبير جوي إستحالة يتنسي و لا هايتنسي.
15


ألقي عليها تلك الكلمات القاسية و اخترقت قلبها كالسكين المشتعل يحرق جرحها دون رحمة.

حمل الصينية و ذهب من أمامها بعدما أفسحت له الطريق، لحظات و سمعت صوت باب الغرفة و يوصده من الداخل، أطلقت صرخة من أعماقها و كل ما تمتد إليه يدها تأخذه و تلقيه علي الأرض بغضب هيستري، خرج مهرولاً يخشي أن يكون قد حدث لها مكروهاً، فوجدها تجلس علي الأرض و تبكي و الدماء تنزف من يديها، أنتفض بذعر و صاح بها:

-سويتي في حالك أي يا مچنونة!


ساعدها في النهوض و أخذت تسحب ذراعيها من يديه صارخة:

- أبعد عني، سيبني مش عايزة منك حاجة.


أخذها إلي المرحاض و لم يهتم إلي ما تصرخ به، قام بغسل يديها فوجد الجراح سطحية.

-خليكي واجفة أهنه ثواني و راچع لك.


و بعد ثواني جاء و بيده صندوق إسعافات صغير، أخرج منه لاصق الجروح و ضماد القطن، قام بتنظيف الجرح أولاً بالقطن و المطهر، تأوهت نظر إليها عاقداً حاجبيه ثم أكمل ما يفعله حتي أنتهي من تضميد يديها:

-تعالي أجعدي چوه و هاچيب لك تاكلي.


أومأت له بالرفض التام:

-مش عايزة آكل.


أمسكها من رسغها و سحبها كالطفلة و ذهب إلي غرفة المائدة أرغمها علي الجلوس، أحضر لها الطعام و أمرها:

-الواكل ده لو مخلصش مش هاجولك أني ممكن أسوي فيكي أي.

و إذا به يفاجئ من نظرة السخط في عينيها مثل طفلة صغيرة مُرغمة علي فعل شيء لا تريده،كاد يضحك لكن الموقف غير مناسب للضحك، بدأ يتناول طعامه الذي لا يعلم بمذاقه بسبب حالته النفسية السيئة و قلبه المحترق.
ــــــــــــــــــــــ
1

انتهت من رص الأطباق علي المائدة و دلفت إليه لتوقظه، لكزته بخفة:

-صلاح، جوم الغدا چاهز.


تقلب و فتح عينيه بصعوبة ثم أمسك بيدها و قام بتقبيلها قائلاً:

-تسلم إيدك يا سمسمتي.


تلقت كلماته بالصمت فسألها:

-مالك زعلانة ليه هو حصل حاجة و أنا نايم؟


رفعت جانب شفتيها بتهكم و قالت:

-و هافرح كيف إياك و حدانا حية صفرا چاية تخطف چوزي.


أعتدل و أخذ يضحك:

-يابنتي أرحميني بقي، ما أديها قاعدة هي و البنت في أوضة لوحدهم و أنا و أنتي في أوضة، و بعدين لما قولتلك هاخدهم و آجر ليهم شقة مفروشة قلبتي الدنيا عليا.


رفعت إحدى حاجبيها بتعجب ساخر:

-آه يا أخويا تاخدلهم مطرح عشان الهانم تستفرد بيك و تچرك للرذيلة، لاء خليهم أهنه تحت عينيا أحسن.
2

ينظر إليها بدهشة، هز رأسه بسأم و بابتسامة قال:

-الله يخربيت الدماغ،رذيلة أي اللي تجرني ليها، حد قالك أنا عيل مراهق، و بعدين صوفيا مين اللي أرجع لها و أنا ربنا رزقني بسمسمة قلبي و روحي ماليه عيني و مش شايف ست غيرها و بس.


اقتربت منه ترمقه عن كثب، تضيق عينيها يبدو أنها لم تقتنع بما أخبرها به:

-مالك بتبص لي كده ليه؟


أجابت بأسلوبها الفكاهي الساخر:

-يا مأمنه للرچال، جوم يالا يا سبعي جبل ما الواكل ما يبرد.


ترأس المائدة و علي يمينه تجلس هي:

-هي الهانم مش ناوية تيچي تطفح.


قطب حاجبيه ثم نظر نحو تلك القادمة، شهقت سمية حين رأتها، ترتدي ثوب فاضح و يكشف من جسدها الكثير.

- واه!، الله يخربيتك حُرمة ما حداهاش خشا و لا حياء.


رمقها صلاح بنظرة تحذيرية و أخبرها بصوت خافت:

-خليكي في نفسك هو ده لبسها الطبيعي.


-ده أني ياللي إسمي مارتك أتكسف أجعد إكده جدامك.

ثم قالت بصوت ظنت إنه لم يصل إلى مسامعه:

- أني دلوق عرفت ليه هملتها، لأنك مكنتش رايد يتجال عليك قرني.


جز على أسنانه مُحذراً إياها:

-سمية!


- هانكتم أهه.

وضعت كفها علي فمها، فبدأت الأخرى بالتحدث بلغتها الفرنسية و تنظر إلي الطعام باشمئزاز:

- يا الهى، ما هذا الطعام الغريب؟


سألته سمية و قد أدركت من نظرات الأخرى إنه لا يعجبها الطعام:

- عتبرطم تجول أي الحية دي؟


أضطر إلي الكذب خشية من إثارة غضبها و تقتلع خصلات الأخرى:

-بتقول أي الأكل اللي ريحته تجنن.


اعتدلت و نظرت بزهو و فخر قائلة:

-طبعاً لازم تتچنن هي هاتدوج و لا هاتشوف واكل بالحلاوة دي فين، عجبال ما تتچنني بچد و نرميكي في العصفورية يا بعيدة.


سألت الصغيرة والدها بصوتها الطفولي الرقيق:

-ما هذا بابا؟


أرتسم علي محياه الابتسامة و أجاب و هو يشير إلي كل طبق:

- تلك تدعي فتة تتكون أرز و فوقها صلصة طماطم بالثوم، و هذا طاجن كوارع، الكوارع هي أرجل البقرة و تم طهيها جيداً في الفرن،بينما هذا الطبق نطلق عليه مُمبار عبارة عن أمعاء البقرة و تم تنظيفها جيداً و حشوها بخلطة الأرز ثم تم سلقها و قليها في الزيت.
6


و حين سمعت صوفيا هذا أصابها صاحت:

-اللعنة.
3

و ضعت كفها علي فمها و نهضت مهرولة إلي المرحاض.

تعجبت سمية من ردة فعلها و سألته:

-مالها المچنونة دي؟


تحمحم ثم قال:

- شكلها عندها برد.


نظرت إلي الصغيرة و قالت لها:

-  ما بتاكليش ليه أنتِ كمان؟


لم تفهم الصغيرة العربية نهضت و أخبرت والدها:

-بابا، أريد بيتزا من فضلك.


يكتم ضحكاته فأومأ لها قائلاً:

-أذهبِ إلي غرفتك و سأطلب لكِ و لوالدتك الآن.

نهضت و وقفت علي أطراف قدميها لتقبله ثم قالت إليه:

-شكراً بابا.


كانت سمية تراقب معاملته مع صغيرته، تكتشف جانب آخر له، فهو كما معها زوج حنون فهو مع ابنته أب عطوف، تمنت في تلك اللحظة أن يرزقها الله منه بطفل صغير.


انتبهت إليه و هو يخبرها:

-كُلي عشان ساعة كده و جهزي نفسك هانروح نبارك لسليم بيه و زينب.


رمقته بعدم فهم و سألته:

-نبارك لهم علي أي؟

تدعو الله أن يخيب ظنها فهي تعلم إذا حدث ذلك حقاً ستكون كارثة فوق رأس صديقتها.

أجاب باقتضاب:

-زينب حامل.


شهقت بصدمة:

-يا مُري.


تفاجئ من ردة فعلها فسألها:

-و فيها أي لما تحمل منه؟

ضيق زرقاويتيه و أردف:

-أنتِ تعرفي حاجة و مخبياها؟


ابتلعت لعابها و بتوتر سرعان حولته إلي مزاح حتي لا يشك بأمر صديقتها:

-أني جصدي مش كفاية علينا سليم واحد البشرية ماناجصاش مرار طافح أكتر من إكدة.


أطلق قهقه دوت في الأرجاء بينما هي تتحدث بداخل عقلها:

-الله يصبرك يا زينب دلوق إكدة الموضوع بجي صعب أكتر و مش هاتعرفي تتخلصي من الشيطان اللي إسمه سليم.

ـــــــــــــــــــــــ

أغلقت سحاب حقيبة ابنتها:

-ياريت ناكل كل الساندويتشات يا إما مفيش شيوكليت تاني.


زمتت الصغيرة شفتيها بامتعاض و أجابت علي مضض:

-أوك مامي.


صدح رنين هاتفها فقالت:

-يلا الباص تحت، خلي بالك من نفسك.


فتحت لها الباب و نزلت، ذهبت إلي الشرفة لتطمئن علي وصولها إلي الحافلة المنتظرة، نظرت ابنتها إلي أعلي و لوحت بيدها إلي والدتها:

-باي باي مامي.


-باي لارا.

و بعد أن انطلقت الحافلة عادت إلي الداخل، دلفت إلي الغرفة تبحث عن شيء ما، هبطت علي عقبيها و تبحث أسفل السرير، اعتدلت و نهضت كادت تصطدم به، يبدو أنه أنتهي من الاستحمام لتوه من جسده العاري المُبتل و حول خصره تلتف منشفة فقط.

يرفع يده أمام عينيها و يمسك بالخاتم الذهبي خاصتها:

-دبلتك اللي بتدوري عليها.


أخذتها منه و قالت:

-شكلي نسيتها علي الحوض و أنا بغسل الحمام.


ترددت في ارتدائها حتي جاءت في ذهنها فكرة لعلها حجة لكي تجعله يقترب منها بدلاً من البُعد و الجفاء الذي أصبح بينهما.

- ممكن تلبسها لي؟

و ابتسمت إليه ابتسامة ساحرة، هل تظن هي إنه لا يشتاق إليها بل قلبه و روحه و كل ما به يشتاق إليها بشدة.

تناولها من يدها و تظاهر بالجدية البالغة حتي لا تدرك مدي ضعفه بالقرب منها، أعطت له يدها ليضع في بنصرها الخاتم و تعمدت ملامسة أنامله و يدها الأخرى وضعتها علي صدره تزيح قطرات الماء و تتخلل بأناملها شعيراته المتناثرة علي أنحاء صدره، لو تعلم ما تفعله الآن هو الاحتراق ذاته، فلمساتها بمثابة نيران أُضرمت في جسده، يلح عليه فؤاده بأن يجذبها بين ذراعيه و يعانقها بقوة حتي تتلاحم ضلوعهما معاً.

وضعت رأسها علي صدره و كأنها تسمع نبضات قلبه الذي يناديها:

-وحشتني أوي يا أكرم.


نبرتها الناعمة كافية بتحطيم جدرانه و هدم قلعته لتطئ بقدميها داخل مملكته و لم يستطع مقاومتها مرة أخري مُتحصناً بكبريائه الغائب الآن.

و في لحظات وجدت جسدها يتمدد علي الفراش و ينهال عليها بقُبلات برية متوحشة، و عناق بالغ القوة يكاد يحطم عظامها، تحملت كل هذا في سبيل أن تنال الغفران، ربما نست ما فعلته و إنه لم يمُر هباءً.

أحتدم اللقاء بينهما، لا يتسم بالحميمية كما كان يفعل معها سابقاً لكنه لقاء بين مُنتقم يأخذ بثأره!

أنهكت قواها و بدأت تشعر بالدوار من فرط التعب، صفعها علي وجهها و يسألها من بين أسنانه:

-لسه بتحبيه؟


هزت رأسها بالنفي و أجابت بوهن :

-و الله ما حبيت حد غيرك أنت.
5

سألها مرة أخري و كأن القادم يتوقف علي إجابتها:

-متأكدة؟


و إذا به يبتعد عنها في أشد لحظات احتياجها إليه، نهض و ولي ظهره إليها و لم يكن حدث بينهما شيئاً، عادت نبرته الجليدية مرة أخري:

-لما ترجع البنت من المدرسة خديها و روحو أقعدوا عند أهلك عشان عندي مهمة مش عارف أرجع منها أمتي.


دثرت جسدها بالغطاء القطني ثم نهضت و يضرب القلق داخلها:
+

-هاترجع أمتي؟


- مش عارف، المهم أعملي اللي قولت لك عليه.

و ألتفت إليها و ظل ينظر إليها بصمت تخلي عنه حينما أردف بنبرة في ظاهرها تبدو باردة خالية من المشاعر:
1

- هتوحشيني أوي!

-و ناوي تعمل أي يا باشا معاه، هاتسيبه و لا في دماغك حاجة تانية؟

كان هذا سؤال صلاح الجالس أمام مكتب سليم الذي يغلق القداحة بعدما أشعل سيجارته الكوبية الفاخرة، و زفر دخانها الكثيف من فمه و فتحتي أنفه، أجاب و الظلمة تشتد في عينيه:
-عيب يا صلاح لما تسأل الأسد و تقوله هاتعمل أي في ضبع ممكن يقدر يفكر يقرب من حدود مملكتك.

شبه ابتسامة انبلجت علي ثغره و زرقاويتيه تدوي بريقاً لامعاً:
-طول عمري ما شكيت في ذكائك و لو لحظة، بس نصيحة من محامي عارف الدنيا من أولها لأخرها بلاش تهور و تحط نفسك في مشاكل أنت في غني عنها، و ماتنساش أنت لو بتدور عليه الحكومة من قبلك و هي قالبة عليه الدنيا يعني لو تكرمت مع الحكومة و عايز تكسب point عندهم بلغ عن مكانه.

أطلق الأخر ضحكة بلغت عنان السماء فأصبح لون وجهه وردياً قاتماً و تكونت عبرات من فرط الضحك و السعادة التي يشعر بها.
سأله صديقه بسخرية مازحاً:
-ياه هو أنا قولت نكتة ضحكتك أوي للدرجدي!

و في لحظة توقف عن الضحك و كأنه آلة فُصلت عنها الكهرباء فجاءة و قال بتهكم مماثل ربما أكثر سخرية:
- الظاهر جوازك من سمية عمل معاك نتيجة عكسية يا حضرة الأفوكاتو.

ضرب الأخر سطح المكتب بقبضته و ود أن يُسدد له لكمة قوية، لكنه ليس بهذا الشخص العنيف أو المتهور:
-إطلاقاً، جوازي من سمية خلاني أشوف كل حاجة بمنظور صح، تقدر تقول أتولدت من أول و جديد، أتعلمت حاجات أكتر لما عرفتها، حاجات عمر اللي زيي و اللي زيك عايشين في عالم المجرمين ما يعرفوهاش.

حرك الأخر عينيه بضجر و تأفف قائلاً:
-ما خلاص يا حضرة الفيلسوف،عمتاً كنت حابب أسمع إقتراحاتك عشان لما أجي أعمل حاجة ماتجيش تقولي ما أخدتش رأيي ليه يا باشا!

و بالأعلى تعانق سمية صديقتها و تربت عليها بمواساة:
-بزيداكي بُكا يا زينب جطعتي جلبي.

ردت الأخرى بقلبٍ مقهور لم تملك صاحبته أمرها:
-من غُلبي يا سمية و من جهرتي، كل اللي خطط له باظ بعد ما بجي في حشايا حاچة تربطني بيه.

-وحدي الله ما تعلميش يمكن اللي في بطنك يكون خير ليكِ، و أنت بنفسك لسه حكيالي لما شوفتي فارس في ثانية لاجيتي سليم چارك معني إكده كان حداه خبر و اللي زيه طبعه شكاك و مليون في الميه كان ناوي لك علي نية سودة و ربنا نچدك بخبر حملك.

أبعدتها عن صدرها لتتمكن من النظر في عينيها و تخبرها:
-يا هبلة المفروض تستغلي هوسه و چنانه بإبنه لصالحك، طلعي عليه الجديم و الچديد لحد ما يچي لك راكع و يجولك أبوس يدك سامحيني.
2

ابتسمت بتهكم و عقبت:
-طول عمرك طيبة و غلبانة يا سمية، سليم خابر زين أني بمثل عليه من وجت اللي سواه معاي في الهنچر لحد خابر أني حامل.
تلاقي حاجبيها باستفهام و حدسها يخبرها بما اقترفته الأخرى، شهقت و قالت:
-واه، إياكِ جولتي له معوزاش الحمل كيف ما جولتي لي دلوق!

ردت بألم و قهر من قلب يحترق:
-ما جدرتش أكتم جهرتي في جلبي، كل اللي نازل عليا أبكي و أصرخ، جالي ما أني خابر بتمثيلك عليا و لو فكرت أسوي حاچة في إبنه ما هيكفيه أهلي و كل اللي أعرفهم جصاد حياة ولده.

- يخربيته المچنون، جادر و يعملها، شوفتي أهو ده اللي كنت خايفة منه، أديكي أهه يا خايبة كشفتِ له ورقك و يا عالم لا قدر الله الحمل اللي في بطنك حصله حاچة و أنتِ ما لكيش دخل، ممكن يسوي فيكي أي.

عندما أخبرتها بتلك الكلمات شعرت للتو بانقباضه جعلت قلبها يخفق بقوة حيث جاء أمام عينيها مشهد مروع لسليم و هو يقتل كل أفراد عائلتها أمام عينيها بلا شفقة و علي رأسهم فارس،أطلقت صرخة رغماً عنها من مجرد التخيل فما بال الحقيقة!

أسرعت سمية بمعانقتها و ربتت عليها:
-أهدي يا حبيبتي، و أستغفري الله و جولي يارب و بإذنه هتلاجي الفرچ عن جريب.

ــــــــــــــــــــ
يمشط خصلاته السوداء الناعمة ثم أمسك بزجاجة العطر ينثر منها القليل علي يديه و يربت بها علي شعر لحيته المشذب و أخذ يضبط رابطة عنقه التي كلما ربطها تنزلق، تأفف بضجر أخرجه من تلك التي دفعت الباب و بابتسامة عارمة سألته:
-محتاچ حاچة يا عريس؟

أشار إلي رابطة عنقه بسأم و قال:
-كل ما أربطها تتفك.

تقدمت نحوه و بدأت بعقدها بشكل فني:
-من يومك و أنت صغير و أني اللي بربطهالك و چه الوجت يا جلب خايتك اربطهالك و أنت عريس كيف القمر.

طبع قبله فوق جبهتها و قال بامتنان و وداد:
-ربنا ما يحرمني منك يا فاطمة و أشوفك مع اللي يستاهلك و يبجي زوچ صالح و حنين و يشيلك چوة عينيه.

انتهت من عقد الرابطة و ظلت تنظر إليه بتردد، تريد أن تخبره بالخطوة القادمة المُقبلة عليها لكنها أثرت الصمت فاليوم هو يوم حفل زفافه علي قمره.

-مالك سرحانة في أي عاد؟
نظرت في عينيه ثم ابتسمت إليه و عانقته و ربتت علي ظهره قائلة:
-أني فرحانة لك جوي جوي يا أخوي و كأنه يوم فرحي أني.

-عجبال ما نفرحو بيكي يا خايتي.
عانقته بقوة أكثر و كأنها هي في أمس الحاجة إلي هذا العناق، أبعدها عن صدره و تمعن النظر في عينيها و لاحظ تجمع دموعها و علي وشك البكاء فسألها و يري ما يدور بداخلها:
-لساتك بتحبيه رغم كل اللي جاله لك!

لم تتمكن من الإنكار، هزت رأسها بالإيجاب و أتبعته بالقول:
-مش بيدي يا أخوي، أني عمري ما حبيت غيره.

عقد حاجبيه و بدي الضيق علي قسمات وجهه فسألها مُتعجباً:
-و لما أنتِ ما حبتيش غيره ليه رايده تظلمي الدكتور وياكِ!

كان سؤاله في محله تماماً بل ضربة في مقتل كما يقولون، تهربت من سؤاله بأخر:
-دكتور يحيي كلمك؟

-و أتجابلنا كمان، الراچل بيحبك و رايدك تكوني شريكة حياته، لكن لو أنتِ رايداه لأچل تنسي بيه رافع يبجي بتظلميه و ها تظلمي حالك جبل منه.

مسحت عبرة قد انسدلت و أخبرته ليطمئن:
-أطمن يا بكر، أني عملت بالمثل اللي يجول خد اللي يحبك و أني أختارت اللي يحبني و يشيلني چوه عينيه حتي لو چيت علي جلبي.

ربت علي كتفها بعدما أطمئن فهو يعلم مدي رجاحة عقلها :
-لو كيف ما بتجولي يبجي ربنا يكتب لك اللي فيه الخير، و يا عالم مع العِشرة الطيبة و حنانه ليكِ يخليكِ تحبيه كيف ما بيحبك، سبحانه مُغير القلوب بين ليله و ضحاها.

و علي حين غرة تفاجئ كليهما بتلك التي دلفت و الشرار ينطلق من عينيها، تنظر إلي ولدها و كأنه أقترف جُرم عظيم:
-هاتتچوز يا بكر و أخوك لساته مرمي في السچن!

ردت ابنتها بتعجب و سخط من قول والدتها:
-واه يا ماه، زكريا جدامه شهور عجبال ما ينحكم في جضيته، رايده يجعد يبكي چاره إياك!

صاحت جليلة بغضب أهوج:
-أكتمي يا جليلة الرباية و مالكيش صالح دلوق أني بتحدت ويا أخوكي.

تدخل صوت آخر و كان للشيخ واصف ذو الصوت الرخيم:
-چري أي يا چليلة شده حيلك علي ولادك و تشيلهم ذنب أخوهم اللي أنتِ السبب في سچنه.

أتسعت حدقتيها بصدمة و قالت:
-أني؟

رمقها بغضب و بحدة أجاب:
-أيوه أنتِ، ربتيه علي الدلع و كل ما كنت أشد عليه أو أنصحه سواء باللين أو الشدة تدخلي بينا و تحامي له في الغلط لحد ما بجي فاچر و عاصي ما يهموش حد و لا يخاف ربنا و كانت النتيچة أي، بجي زاني و قاتل كمان و الله أعلم سوي أي من ورانا و إحنا و لا دارينيين، و كل دي ذنبك أنتِ و بدل ما تتعلمي الدرس زين، چاية ترمي غلطك علي ولادك اللي الحمدلله و ربنا يبارك لي فيهم عرفت أربيهم زين.

- بجي إكده يا واصف،طب و الله العظيم ما أني جاعده لك في الدار بعد ما يخلص فرح إبنك.

و علي غرار ما كانت تتوقع من ردٍ أخر منه قال:
-كل خناجة بتجولي و تهددي ما تطلعي قد حديتك و لو مرة واحدة ، يبجي علي الأجل دي أول حاچة صوح تسويها.

كاد كلا من بكر و فاطمة يضحكان لكن رمقهما والدهما بتحذير فالتزما الصمت، صاحت جليلة:
-لاء عتحدت بچد و هاروح أجعد عند أخوي و لو چيبت لي مين ما رچعاش واصل.

ركضت من أمامهم و عروق نحرها نافرة تكاد تنفجر من الغيظ.

أقترب واصف من ولده و عانقه:
-ألف مبروك يا ولدي و ربنا يتمملك فرحتك أنت و مارتك علي خير و يبعد عنكم العين و الشيطان.
5

ربت بكر علي ظهر والده و قال:
-الله يبارك لي فيك يا أبوي و يعطيك الصحة و تفرح بخايتي كمان.

فتح ذراعه الأخر إلي ابنته التي سرعان ما أرتمت علي صدر والده تشارك شقيقها في هذا العناق الرائع:
-ربنا يبارك لي فيكم يا ولادي و ما يحرمنيش منكم.

رد كليهما في صوت واحد:
-و لا منك يا أبوي.
ــــــــــــــــــــــ

و بداخل بهو صالون التجميل تقف مولية ظهرها فكما هو المتعارف عليه حالياً ما يسمي

(First Look)

يقف متسمراً و يمسك بيده باقة الزهور ليقدمها إلي عروسه و خلفه شقيقته تدفعه هامسة إليه:
-واجف ليه إكده روح لها يلا خلينا نصور اللحظة الچميلة دي.

رد بابتسامة يخبئ خلفها توتره:
-و الله أنتو البنات عليكو حاچات غريبة.

صاحت الفتاة التي زينت العروس و تقوم بتسجيل لحظة اللقاء الأول:
-يلا يا عريس واجف حداك ليه و لا رچعت في رأيك إياك!

حك ذقنه و رد بسعادة:
-رچعت أي ده أني مش مصدج حالي، يلا بجي نجول بسم الله.

تقدم نحو قمره و التي عندما شعرت بوجوده خلفها مباشرة استدارت إليه، ملاك أبيض في أبهي طلته، برغم ارتدائها إدناء حريري و غطاء وجه مماثل له و لا يظهر منها سوي عينيها المُزينة بالكحل و الأهداب الصناعية مما أكسب عيناها الساحرتان إطلالة شديدة الجمال لاسيما لونهما الفيروزي المتلألئ يخطف الأنظار من أول نظرة.

-بسم الله ماشاء الله اللهم بارك و صلِ وسلم على سيدنا محمد.
كان يردد تلك الكلمات المباركة من فرط سعادته، لم يستطع أن يتحمل رؤية هذا الملاك الأبيض دون أن يلمسه، جذبها في عناق قوي جعل الفتيات و شقيقته يصفقن و يهللن مع إصدار صفير.

- أيوه يا سيدي الله يسهلو.
ظل معانقاً إياها و لم يشعر بمرور الدقائق و كأنه لم يصدق نفسه حتي أنتبه إلي صوت شقيقته و تخبره:
-يلا يا عريس لسه ورانا فرح.
و قبل أن يسمح لقمره بالابتعاد عن صدره قال لها:
-أني إكدة فوزت بچنة الدنيا عجبال چنة الآخرة و أنتِ معاي فيها يا جلبي.
ابتسمت و السعادة تنضح من عيناها فقالت من خلف غطاء وجهها:
-ربنا ما يحرمني منك أبداً.

ــــــــــــــــــــــــ
و في تلك الأثناء في مكان أخر موحش مليء بالمجرمين و المظلومين، تقف مُنتظرة انتهاء موظف الأمن من تفتيش حقيبتها و كيس الطعام التي جلبته من أجل زوجها، تأففت بضجر قائلة بسخرية:
-يعني هاكون مخبية مخدرات في الأكل، ده أنت ناقص تدور في علبة الرز.

رمقها العسكري بامتعاض و أخبرها:
-دي إجراءات أمنية يا ست، عشان زي ما قولتي داخله سجن يعني وارد و أكيد هتلاقي أي بلاوي تتدس في الأكل.

رفعت زاوية شفتاها جانباً ثم قالت:
-بلاوي أي هو ناقص يارب بس يطلع بحكم مخفف.

رد الأخر بصوته الأجش مُشيراً إليها نحو دفتر ورقي:
-إمضي هنا يا ست و خلصيني.

اختطفت منه القلم بحدة و قامت بتوقيع اسمها (سمر)

ثم ذهبت إلي غرفة الزيارة جلست تنتظر قدومه، فكم اشتاقت إليه، تضع كفها علي بطنها التي برزت قليلاً و تتحدث إلي جنينها:
-أنا عارفة أبوك مصيبته كبيرة بس هو اللي عمل في نفسه كده، ربنا يتوب عليه و يسامحه.

-سمارة!
ألتفتت إلي صاحب الصوت و نهضت لتراه يقف أمامها يرتدي زي أبيض و كم هي حالته مُزرية، الهالات الداكنة تحاوط عيناه و لحيته قد نمت بكثافة و الحزن يكسو ملامحه.

-أزيك يا سي زكريا، عامل أي يا حبيبي؟
هبط ببصره إلي بروز بطنها و تذكر أمر إبنهما ليزيد من حمل همومه ثقلاً، أجاب علي سؤالها بأخر و الضيق يبدو علي وجهه:
-أنتِ أي اللي چابك هنا؟

أمسكت يده بشوق جارف و بنبرة مُشتاقة تتلهف رؤية عاشقها:
-جاية عشان أشوفك و أطمن عليك، أنا مليش حد غيرك يا سي زكريا، أنت و إبنك اللي في بطني.

وضعت يدها الأخرى علي بطنها، ترك يدها و جلس بآسي مرير، طأطأ رأسه قائلاً:
-أنسيني يا سمارة، أنا خلاص خابر مصيري يا إعدام يا مؤبد ما تربطيش حالك بواحد زيي.

جلست بجواره و التصقت به، وضعت يدها علي ظهره:
-بعد الشر عليك يا حبيبي، إعدام أي فال الله و لا فالك، أنا قومت لك محامي كبير و شاطر أوي بإذن الله هتاخد حكم مخفف، بس ياريت تكون أتعلمت من غلطك و تكون توبت.

رفع رأسه و نظر إليها بسأم:
-فِكرك اللي زيي بعد كل اللي سواه لو تاب ربنا هيغفر له ذنوبه!

ربتت عليه و بابتسامة أمل مُشرقة نظرت إليه و قالت:
-ربنا غفور رحيم، ما أنا أهو الحمدلله توبت و سيبت شغلي في الكباريه و أتحجبت، طالما النية جوة قلبك يبقي بإذن الله ربنا هيتقبل توبتك، ربنا رحيم أوي يا سي زكريا، طب هقولك حاجة بقي ربنا بيحبك.

عقد حاجبيه بتعجب فأردفت:
-ما تستغربش، ربنا فعلاً بيحبك عارف ليه، لما تكون عاصي و مليان ذنوب و تقوم مرة واحده كده ضاقت بيك الدنيا و جه الوقت اللي تدفع فيه تمن أخطاءك سواء بقي تقضي أيام في السجن أو بعد الشر عليك تتصاب بمرض أهو كل ده تطهير ليك من ذنوبك، لأن جواك حد طيب، حد يستاهل فرصة للتوبة مهما كانت أخطائك بس أهم حاجة تكون نيتك خالصة لله و تبعد عن أي معصية.

ظل يتأملها عن كثب و هي تخبره بتلك الكلمات التي أشرحت صدره و بدلت ما بداخله من حزن و ألم و خوف من القادم إلي أمل و نور قد بثته بحنانها و عطفها و نظرة حبها إليه.

-أنتِ چميلة جوي يا سمر.
و لأول مرة يراها في حالة الخجل تلك، فأردف:
-چميلة من چوه و برة، من أول يوم شوفتك فيه و أني حاسس من ناحيتك براحة، كنت أوجات أجول لحالي أنت كيف تربط حالك بغازية أنت راچل صعيدي و دمك حامي، كنت مالاجيش إچابة و ألاجيني مش شايف غير سمر اللي أني شايفها دلوق.

أجفلته بعناق مُفاجئ و لم تجد سوي تلك الكلمات لتفيض إليه بما تشعر به الآن:
-أنا بحبك أوي يا زكريا.

حب!، تلك الكلمة التي جعلته يخسر أعز و أقرب الناس إليه، كلمة لم يتخلص من الشعور بها حتي الآن لا سيما تذكر وجه قمر حينما رآها في منزله.

أبتعد رويداً ليسألها:
-أومال فين أمي و أبوي و أخواتي ما چوش ليه؟

-زمانهم كلهم في الفرح، فرح بكر و قمر.
ـــــــــــــــــــــــــ
و بالعودة إلي حفلة الزفاف المُقامة علي مركب كبير في نهر النيل حيث يتجمع عائلة بكر و عائلة قمر، زوجة خالها المتوفي و ابنتيها و ابنها الصغير عمر الذي كان يقفز و يرقص من سعادته.

و علي نغمات و كلمات تلك الأناشيد الغنائية للعروسين يردد الحضور و يصفقون.

و في المنتصف يجلس بكر و بجواره قمر، دنا بالقرب من موضع أذنها و سألها بهمس:
-مبسوطة يا قمري؟

أجابت و السعادة تقفز من عينيها:
-جوي جوي يا شيخ بكر.

-شيخ أي في اليوم المُفترچ ده، رايدك تنسي الكلمة دي نهائي خصوصاً النهاردة، خابرة ليه؟

أمسك يدها و برغم إنها ترتدي قفاز حريري لكنها تشعر بلمساته التي أسرت قشعريرة في جسدها و أردف:
-الليلة دي هابجي العاشق بكر، الولهان المُتيم بكل حتة في قمري.

أسبلت جفونها لأسفل بخجل:
-أهي بصة الخچل دي لوحدها كفيلة تخليني أجوم شايلك دلوق و مروح علي دارنا و مش هجولك هاسوي أي، أخليكي تعرفي لحالك.

ردت بصوت خافت:
-بزيداك حديت بجي يا بكر أني بتكسف.

أطلق قهقه جعلتها تلكزه في كتفه، بينما كانت فاطمة تقف علي مقربة منهما تنظر إليهما بسعادة، رغماً عنها انسدلت عبرة من عينها عندما تخيلت هي العروس و رافع زوجها، أجل ما زال قلبها يهواه لكن عقلها هو من يمسك بزمام أمورها و الحديث الأخير الذي تم بينهما كفاية للابتعاد دون رجعة، خفق قلبها فجاءة و أخذت تنظر نحو المرسى حيث الأشجار، هذا لم يكن خيالاً بل كان حقيقة، فهناك من يقف بعيداً خلف تلك الأشجار يُراقب الأجواء و تمني مشاركتهم بل و تمني أن يكون العريس و هي عروسه!

-ألف مبروك يا فاطمة عقبالنا.
نظرت إلي الذي يقف أمامها و لم تعلم بوجوده سوي الآن و عندما تحدث معها، غرت فاهها ثم قالت:
-دكتور يحيي.

رد مُبتسماً:
-أنا جيت و سلمت علي العرسان و أنتِ واقفة سرحانة، يا تري الجميل سرحان في أي؟

شبه ابتسامة تجلت علي ملامحها الذي يشوبها حزن دفين:
-مفيش.

أنتبهت إلي شقيقها و هو يخبرها:
-علي فكرة حماكِ و حماتك أهنه مش ناوية تروحي تسلمي عليهم إياك.

تعجبت فوجدت يحيي يهز رأسه و يؤكد علي حديث شقيقها قائلاً:
-والدك عازمنا و بابا قرر تبقي الفرحة فرحتين.

أخرج من جيب سترته الداخلي علبة صغيرة قام بفتحها، ظهر خاتم تتوسطه ماسة:
-تتجوزيني يا فاطمة؟

ألجمت المفاجأة لسانها و لم تستطع الرد، وجدت رجل و امرأة يقتربان منها، تقدم منها والدة يحيي و صافحتها:
-عروستك بسم الله ماشاء الله زي القمر يا يحيي.

و قال والده:
-طبعاً ما هو طالع زي أبوه.

ضحك الجميع، و قال يحيي لها:
-ممكن إيدك يا عروسة.

مدت يدها فوضع الخاتم في بنصر يدها اليمني، فأطلقت النسوة و الفتيات الزغاريد و عم الفرح بين الجميع، بينما هناك من يتمزق قلبه لأشلاء بعدما شاهد كل ما حدث، أبتعد و ذهب هائماً دون وجهه تمني أن يأتي له ملاك الموت و يقبض روحه، فهو في حالة يُرثي لها من الألم و التمزق، عليه أن يتحمل نتائج ما اقترفته يداه من آثام و جرائم و ما زال عليه دفع الثمن!

ـــــــــــــــــــــــــــ
ماتجرحنيش أكثر من كده... حرام عليك كده
ما تجرحنيش وكفاية كده... حرام عليك كده
خايف منك خاف عليه... يا حبيبي حس بيه
دا انت اول حب ليا... و لو انجرحت مش هاعيش...

كلمات الأغنية تغلغلت وجدانها و لمست مشاعرها و فؤادها الجريح، انسدلت دموعها رغماً عنها و عندما تذكرت معاملته السيئة و الجفاء الذي يعاملها به منذ أن جمعهما منزل واحد عاد إليها كبريائها الذي يوبخها بشدة علي مدي تهاونها و إهدار كرامتها من أجل رجل لا يبالي إليها و لو للحظة.
2

نهضت و جففت خديها بحدة و رفعت رأسها، أطفأت ذلك المذياع، يكفيها سماع أغاني يغلب عليها الشجن و الانكسار، لكن إلي مدي ستظل صامدة!
ولجت إلي داخل المرحاض و بدأت بخلع ثيابها من أجل الاستحمام، بينما هو قد خرج من الغرفة التي يمكث بها و يأسر الابتعاد حتي لا يحدث احتكاك بينهما و ينتهي كما حدث بالأمس.

دلف إلي المطبخ، معدته تضور جوعاً أخذ يبحث عن شيء ليأكله فتح البراد وجد مُعلبات و منتجات ألبان و فاكهة، تناول تفاحة و زجاجة مياه انزلقت من يده و وقعت فأصدرت صوتاً قوي وصل إليها في المرحاض، كانت قد انتهت من الاستحمام، تناولت المنشفة الكبيرة و ارتدتها حول جسدها و خرجت علي الفور لتري ما يحدث، كادت تصطدم به فتراجعت و لاحظت حطام الزجاج علي الأرض، فقال لها:
-أبعدي لتتعوري و أني هلمه.

لم تهتم لأوامره، أمسكت بالمكنسة اليدوية و كادت تلملم الحطام بها، أمسك رسغها قائلاً بغضب:
-هو أني ليه اللي بجوله ما بيتسمعش!

نظرت إلي يده القابضة علي معصمها ثم إلي وجهه و ترتسم نظرة كبرياء سرعان ما تحولت إلي نظرة أخري عندما رأت تلك النظرة الغاضبة التي تجعل قلبها يخفق من الخوف و العشق في آن واحد.
جذبت يدها بعنف و صاحت بتحذيره:
-خليك في حالك و ملكش دعوة بيا.

وجدت إنه يجب عليها استغلال تلك الفرصة و أن تأخذ بثأرها:
-و لا أقولك خد لم الأزاز اللي كسرته زي ما كسرت حاجات كتير.

و دفعت عصا المكنسة بقوة اتجاهه دون أن يأخذ حذره فأصابته الضربة أسفل خصره مما جعله أطلق تأوهاً مدوياً و يضم يديه، رأت هذا و كالعادة خفق القلب خوفاً عليه لكنها تظاهرت بعكس ذلك و قالت:
-معلش بقي تعيش و تاخد غيرها، المرة الجاية هاتبقي علي دماغـ....

صرخت و ركضت عندما رأته يرمقها بنظرة نابعة من الجحيم، و في طريقها إلي الغرفة تعثرت في طرف السجادة وقعت علي الأرض، نهضت فوجدت ما يسد عليها الطريق بجسده، يقف و الشرر يتطاير من رماديتيه التي تشبه دخان رمادي تتراقص به ألسنة النيران، ليس أمامها سوي أن تستعمل حيلة ربما تنطلي عليه، رمقته بنظرة جرو صغير قائلة:
-أنا كنت بهزر معاك و معرفش الهزار هيقلب جد.
تبدلت نظراته الغاضبة و الحادة إلي أخري بابتسامة ماكرة، يرمقها من أسفل إلي أعلي و أخبرها:
-طيب روحي ألبسي حاچة الأول و بعدين أتحدتي براحتك.

شعرت بنسمة هواء تلفح بشرتها بل جسدها بالكامل، وضعت يديها لتتأكد من وجود المنشفة فلم تجد سوي ملمس بشرتها الملساء، شهقت بخجل و ركضت تصيح بخجل شديد:
-أحيه!، يا فضحتك يا شهد.

لم يستطع كبت ضحكاته من ردود أفعال تلك البلهاء، و بعد قليل خرجت ترتدي عباءة و خصلاتها مجمعة علي هيئة ذيل حصان، تبحث عنه فسمعت صوت صادر من المطبخ، دلفت و رأته يقف أمام الموقد و يقلب فطيرة البيض صنعها للتو.

وقفت جانباً تراقبه، تعقد ساعديها أمام صدرها ، تتأمل كل ما يفعله و ملامحه كم تعشقها، خُيل إليها إنها تعانقه من ظهره فيلتفت إليها و يبادلها العناق ثم ينهال علي شفتيها بقبلات جامحة، هيهات و عادت إلي الحقيقة المؤلمة.

صنع شطائر البيض المقلي، مد يده إليها بشطيرة:
-أتفضلي.

تناولتها منه، فأمسك بأخري و كاد يقضم منها قطعة أوقفته بسؤالها:
-أنا طبعاً بقيت قدامك واحدة معندهاش كرامة و لا إحساس و لو واحدة مكاني كانت ما قبلتش بوضعي و بعدت بعد ما تكون قلبت الدنيا عليك و بهدلتك.
4

تركت الشطيرة جانباً و اقتربت منه للغاية و اردفت:
- بس أنا قلبي لسه بيحبك و بيعشق التراب اللي رجلك بتخطي عليه، أنا راضية تحبني لو ربع حبك ليها و أنا هابذل كل جهدي عشان يبقي قلبك كله يبقي ملكي، بس أديني فرصة واحدة، فرصة أخليك تفوق و تعرف مين اللي تتمني منك كلمة تحيي بيها قلبها و تداوي جرحه، كلمة لو حسيتها بس منك و من غير ما تقولها هتلاقيني من أيدك دي لأيدك دي.
2

و أمسكت بيديه ثم تركتهما و عانقته بقوة قائلة:
-أنا بعشقك أوي يا فارس.

وقفت علي أطراف أناملها و قامت بتقبيل شفتيه، كان موقفها مفاجأة بالنسبة إليه رغماً كل ما حدث بينهما من عنفه نحوها كلما تشاجرت معه و جفائه الصريح لها، تخللت أناملها ما بين أزرار قميصه و همت بفتح كل زر و كان علي وشك أن يستسلم للمساتها الجريئة علي صدره لكن هيئة زينب و عيناها الغارقة بالدموع ظهرت له من العدم أمام عينيه، و إذا به يبعد الأخرى بقسوة عنه فـ رمقته بضيق من ردة فعله، تركها بمفردها و ذهب أخذت تلقي كل ما أمامها و تصرخ علي غرار ما تحمله إليه من عشق دفين:

-أنا بكرهك يا فارس، بكرهك.
و أخذت تبكي بصراخ تتمزق له الأفئدة، فلم يتحمل كل ما يحدث غادر المنزل و ذهب إلي عمله حيث متجر حماه!
ـــــــــــــــــــــ
- ريهام كوباية الشاي بسرعة عشان يا دوب ربع ساعة و نازل.
3

كان صوت أحمد زوجها من داخل الغرفة، يرتدي قميصه و يغلق أزراره.

و في غضون لحظات دخلت و تمسك بصينية صغيرة فوقها كوب الشاي، أتسعت عينيه بتعجب:
-بالسرعة دي عملتي الشاي!، و لا تكوني بتعمليه من مية السخان؟

ضحكت و قالت:
-لاء يا حبيبي مش أنا اللي تعمل كده، لو مش مصدقني روح المطبخ و بص علي الكاتل.

أختطف قبلة علي خدها:
-بنكش فيكي يا رورو.

اتجهت نحو المشجب و أخذت سُترة البدلة خاصته و اقتربت منه لتجعله يرتديها:
-أنكش يا روح رورو علي قلبي زي العسل.

و فعلت كما فعل معها لكنها اختطفت القبلة من شفتيه، رفع حاجبيه و سألها بمكر:
-تلبسيني البليزر و تقوليلي روح رورو و بوسة من دون سابق إنذار، ما تجيبي من الأخر و قوليلي عايزة أي؟

و ختم كلماته بغمزة من عينه، ابتسمت و عانقته بدلال:
- هو مفيش مرة كده أبداً غير ما تقفشني.

حاوط خصرها و أخبرها:
-عشان حافظك أكتر من نفسك.

ضغطت علي وجنتيه بأناملها:
-و ده اللي مصبرني عليك.

أبتسم من مشاكستها فقال بمزاح:
-اللي يسمعك يقول أنا مطلع عينك و بعذبك، أه منكم يا صنف حواء اللي ينفع معاكم واحد زي سليم العقبي يمشيكم زي الألف و مفيش واحدة تتجرأ تفتح بوقها.

شهقت باعتراض و قالت:
-نعم!، و لا ألف من عينة سليم يقدر يهز مني شعرة.

دغدغها في خصرها و يضحك ثم جذبها بين ذراعيه و عانقها بحميمية:
-بموت فيك يا شرس أنت يا خِطر.

ابتسمت بدلال و تداعب ذقنه الحليق بأناملها الناعمة:
-طب الشرس عايز ينزل يشتري شوية حاجات، عيد الأم قرب و عايزة أشتري هدية لماما.

أمسك بيدها التي تداعب بها ذقنه و قام بتقبيلها و قال:
-الفلوس عندك في الدولاب هاتي اللي نفسك فيه و هاتي هدية عيد الأم، بس أستني لما أرجع أنزل معاكِ بدل ما تنزلي لوحدك.

أصابها القليل من التوتر و أعادت خصلاتها خلف أذنها:
-خليك أنت عشان بترجع متأخر و أنا بحب ألف و أنقي الحاجة علي راحتي.

أومأ لها و قال:
-علي راحتك، بس خلي بالك من نفسك و أنا هابقي أتصل أطمن عليكي.

و دنا بشفتيه و وضع قُبلة علي جبهتها، اشتدت من عناقها له قائلة:
-بحبك أوي يا أحمد ربنا ما يحرمني منك أبداً.

لم يبادل كلماتها بحرف فأختار الفعل ليعبر لها عن جوابه فألتقم شفتيها في قبلة رومانسية دامت لدقائق حتي ابتعدت هي لتلتقط أنفاسها، ربت عليها و قال:
-يلا أسيبك أنا عشان أتأخرت، سلام يا روحي.

أمسكت بكوب الشاي و ذهبت خلفه:
-طب و الشاي؟

فتح باب الشقة و قبل أن يغادر أجاب:
-ما أنا ما ينفعش أشرب الشاي بعد ما دوقت العسل.

و غمز بعينه فابتسمت و تابعت النظر إليه حتي ألقي تحية السلام و غادر، تركت الكوب علي المنضدة و تردد بحسم قرارها:
-لازم أروح أقابلها و أعرف كل حاجة!
ـــــــــــــــــــــــــ
يجلس خلف مكتبه و عاد إلي التدخين بشراهة، المنفضة أمامه مليئة، دلف العامل يحمل إليه فنجان القهوة:
-القهوة يا باشا.

أشار له بحدة نحو المنفضة قائلاً بأمر:
-فضي الطفاية و حطها في مكانها.

نظر الرجل بتعجب و قال:
-دي تالت مرة يا باشا أفضي لك الطفاية حرام عليك صحتك أنت مكنتش بتدخن كده!

نهض و ضرب سطح المكتب بيديه فأهتز كل ما عليه و صاح بغضب جلي:
-و أنت مالك أشرب و لا أتنيل علي عيني.

أزدرد الرجل ريقه و رد باعتذار:
-آسف يا باشا و الله من حبي و خوفي عليك، أنا آسف مرة تانية.

أنتبه إلي نفسه و غضبه الذي يحرقه و يحرق كل من يقترب منه، أطلق زفيراً و يسمع صوت اصطكاك أسنانه، أشار إلي العامل:
-معلش يا عم صبحي سبني لوحدي لو سمحت.

غادر الرجل في الحال و جلس الأخر يحاول أن يهدأ من روعه، كيف ذلك و هاتفه أمامه عاد يمسكه للمرة المائة ينظر في الشاشة و يقرأ تلك المحادثة من جديد و كانت كالتالي:

"ندي:
- سواء معاها أو مع ألف غيرها عمرك ما هاتقدر تنساني يا علي فبلاش تعيش في أوهام.

علي:
-أنتي أي يا شيخة، يخربيتك مش هاتبطلي وساختك دي بقي!، عايزة أي من جوزي!

ندي:
-؟؟

علي:
-أيوه أنا مروة مش علي،علي اللي بحبه و بيحبني و عمره ما هيرجع يبص لواحدة زيك أنانية و خاينة و ماتستاهلش لا تكون زوجة و لا أم و لا صديقة

ندي:
- بذمتك أنتي مصدقة نفسك، فوقي يا حلوة علي بيحبني أنا، عاش أجمل لحظات حياته معايا بدليل لسه عايش علي ذكرياته معايا لحد دلوقتي، روحي أسأليه و هو هيقولك

علي:
-ده كان زمان يا ست ندي، لما كان مخدوع في واحدة عايزة تاخد كل حاجة

ندي:
- خليكي عايشة في وهم كبير بكرة تفوقي منه لما يطلقك و يرميكي في الشارع و يجيلي لحد عندي، علي مفتاح قلبه بإيدي و ممكن بكلمة منه أخليه يرمي عليكي اليمين حالاً تحبي أوريكي؟؟

علي:
- أنتي اللي عايشة في كدبة كبيرة و بكرة هافكرك يا ندي لما تخسري كل حاجة حتي أكرم اللي خسارة فيكي، راجل محترم و فيه أي مواصفات الزوج المثالي اللي تتمناه أي واحدة، لكن أنتي عشان أنانية وطماعة و ما بتحبيش غير نفسك

ندي:
- هههههههه تصدقي صعبتي عليا و عماله تديني مواعظ،طب خدي بقي عندك، أيوه يا مروة أنا بحب علي بس اللي خلاني ما أقدرش أكمل معاه ساعتها لأن حالته المادية مكنتش تسمح نفتح بيت و لا نتجوز أو يقدر يعيشني في المستوي اللي أنا عايزاه، و بالنسبة لأكرم زي ما قولتي بالظبط فيه مواصفات الزوج المثالي، نفس مستوايا الإجتماعي و نقيب و أهم من كل ده بيموت فيا و بيغير عليا من الهوا كفاية ربنا رزقني منه بأجمل بنوته، أنا عمري ما جريت ورا حد و لا هنت كرامتي تحت رحمة واحد بشحت منه كلمة حب و أنا عارفة و واثقة قلبه مش ملكه، قلبه ملك واحدة مهما عملتي عمرك ما هتوصلي لواحد من عشرة من حبه ليها،يلا مبروك عليكي وجع قلبك يا صاحبتي بالشفا

علي:
-أقسم بالله أنتي بني آدمة مش طبيعيه أبداً، أنتي مريضة نفسياً، طب مش خايفة أخد الشات ده أسكرينات و أبعتها لجوزك و لا هاتكدبي كعادتك؟

ندي:
-و لا تقدري تفكري تعملي كده، عارفه ليه، لأنك متأكدة و واثقة أن لو أنا أتطلقت من أكرم علي هايسيبك و هيرجعلي، فبلاش بقي شغل التهديد اللي أنا و أنتي عارفين أخرته أي

علي:
-تصدقي بالله إن أنا غلطانة ضيعت وقتي في الكلام مع واحدة مستفزة و وضيعة زيك، أنا ما بحبش أدعي علي حد و أنتي اضطرتيني لكدة، روحي يا ندي اللهي ربنا يديكي علي قد نيتك و تشوفي أسود أيام حياتك و تخسري كل حاجة و تبقي لوحدك، و مبروك عليكي أحلي بلوك "
5

و أن أنتهي من قراءة الشات الذي يحفظه عن ظهر قلب، يا لها من حمقاء لا تعلم إنه يملك الرقم السري للحساب الشخصي الخاص بها علي الموقع التواصل الاجتماعي و كذلك تطبيق الدردشة، لم يحتاج إلي سؤالها ما أن الشك استقر في قلبه نحوها كما الأمر لا يحتاج إلي فطنة فهو بحكم عمله يلجأ إلي أساليب عديدة للتجسس للقبض علي المجرمين، فيجب عليها أن تتوقع كل شيء لكن يبدو هي من تعيش في أوهام من نسيج خيالها المريض و قد وقعت في شباك من صنع يديها.
صعد قليلاً إلي أعلي و أعاد قراءة اعترافها للمرة الألف:
(( أنا بحب علي بس اللي خلاني ما أقدرش أكمل معاه ساعتها لأن حالته المادية مكنتش تسمح نفتح بيت و لا نتجوز أو يقدر يعيشني في المستوي اللي أنا عايزاه، و بالنسبة لأكرم زي ما قولتي بالظبط فيه مواصفات الزوج المثالي، نفس مستوايا الإجتماعي و نقيب و أهم من كل ده بيموت فيا و بيغير عليا من الهوا كفاية ربنا رزقني منه بأجمل بنوته ))

و قد وصلت قوة صبره إلي درجة لا تحتمل، نهض كالوحش الكاسر و أطلق غضبه بأخذ كل شيء من أعلي المكتب و يقذفه أرضاً لاسيما فنجان القهوة السادة الذي يشبه لون و طعم حزنه المرير.
4

🌷يتبع🌷
بعدما ودع العروسان أهليهما و معارفهما، ركب كليهما السيارة و أنطلق بهما السائق نحو منطقة يبدو من مبانيها إنها حديثة المنشأ.

مالت نحوه لتسأله بصوتها الهادئ:
-إحنا رايحين علي فين؟

أمسك بيدها و قام بتقبيل ظهرها و قال:
-رايحين علي دارنا يا قمري.

تلاقي حاجبيها من أسفل غطاء الوجه الأبيض الحريري، فقالت بتعجب:
-أومال الأوضة اللي چهزناها في دار أهلك دي تبجي أي!

نظر إليها مُبتسماً و أخبرها بسلاسة:
-ما أني جولت أسويهالك مفاچاءة.

و بعدما وصل كليهما أمام الشقة، فتح لها الباب و قال:
-ثواني.

و إذا به يحملها فأطلقت ضحكة رغماً عنها:
- واه يا سي بكر هاجع منك.

دلف إلي الداخل و أغلق الباب بقدمه قائلاً:
- هاتجعي كيف يعني، متچوزة عيل فرفور إياك!

و ظل يحملها إلي أن وصل إلي داخل غرفة النوم، فأنزلها برفق و كأنها قارورة يخشي أن يحدث لها شيئاً، وقف أمامها مباشرة و قام برفع النقاب الحريري،و ما أن وقعت عيناه علي وجهها ردد بصوت خافت:
-بسم الله تبارك الرحمن، اللهم صل و سلم على سيدنا محمد، اللهم بارك و يبارك لي فيكي.

أسبلت جفونها بخجل شديد و رجفة يديها من فرط التوتر حيث تذكرت الحديث الذي دار بينها و بين فاطمة من قبل عن أن ما قبل الزواج يختلف كثيراً عن ما بعد الزواج و لأنها خجلت أن تخوض في تفاصيل كثيرة لأنها بنت لم يسبق لها الزواج من قبل فأعطتها كتاب بعنوان «جرعات من الحب» للكاتب كريم الشاذلي، و أخبرتها ستجد به كل الإجابات المبهمة لديها و تجعل علاقتهما الزوجية و الحياتية ناجحة دون اللجوء لنصائح الأصدقاء و المعارف الغير موثوق بها، كما أخبرتها بما يحبه شقيقها من المأكل و الملبس و أمور أخري ربما قد انتبهت إليها منذ معرفتها به.

أفاقت علي صوته و يسألها بنبرة زادت من رجفة جسدها ليس خوفاً بل بسبب خفقات قلبها التي تزداد من التوتر و القلق:
- مالك بتترعشي ليه إكده، خايفة إياك؟

أجابت بصوت يكاد يسمعه بصعوبة:
- لاء، جصدي يعني متوترة تجدر تجول مكسوفة.

أمسك بطرف ذقنها و رفع وجهها ثم حدق في فيروزتيها بنظرة تبث بداخلها الشعور بالطمأنينة و الراحة كما تزيل القلق الذي يختلج صدرها و يبدله إلي السكينة.

- أنا خابر خوفك و توترك يبجي من أي، و أني بجولك ما تجلجيش أني بحبك و بخاف عليكي أكتر من حالك، رايد منك تطمني و أنتي وياي لأن كيف ما جولتلك و لساتي علي وعدي ليكي  هاتجي الله فيكي و هاشيلك چوة عيني و مقامك فوج راسي، و حابب أجولك علي حاچة أخيرة.
رمقها بابتسامة و عيناه لا تحيد عن خاصتها فأردف:
- عمرك ما هاتحسي بالأمان غير في حضني و بس، ها لساتك خايفة؟

هزت رأسها بالنفي فقال لها:
- رايد أسمع صوتك اللي كيف صوت الكروان لما يغرد، فأجابت بصوت يذوب له قلبه من نعومته و دلاله:
- مش خايفة.

أبتسم بمكر و أراد أن يبدد توترها:
- طب يلا نغيرو خلچاتنا و نروحو نتوضو الأول لأچل نصلي ركعتين شكر للرحمن أنه رزجنا ببعض و بعدها رايدك تثبتي لي مش خايفة كيف.

نظرت إليه بعدم فهم و سألته:
- أثبت لك كيف يعني؟

ازدادت ابتسامته لاسيما بعد ما نوي علي ما سيفعله، نظر إلي السقف و تصنع رؤية شيء ما مما جعلها تفعل المثل فأجفلها علي حين غرة باختطاف قبلة من شفتيها المكتنزة!
ــــــــــــــــــــــــــ
و بعد أن انتهت من التسوق و جلبت كل ما أرادت شرائه ساقتها قدميها إلي متجر الحاج نعمان، لديها مئات من علامات الاستفهام ودت معرفة إجابتها من شهد فـ قررت الذهاب إلي متجر والدها لتأخذ منه رقم هاتف ابنته، لم يكن لديها علم إنه إذا ولجت ستجد من يقتصر عليها درب الأسئلة.
4

-سلام عليكم الحاج نعمان موجود؟
أنتبه إليها المدعو حمودة و أجاب:
-لاء مش موجود، أتفضلي حضرتك أؤمري.

أشارت بيدها و قالت:
-شكراً، أنا خلاص ممكن أجي له في وقت تاني.

و في تلك الأثناء خرج من غرفة تخزين البضاعة و تلاقت عينيها بـ عينيه، رمقته بازدراء و همت بالمغادرة فأوقفها مُنادياً بتوسل:
-ريهام ممكن نتحدتو شوية؟

و دون أن تنظر إليه قالت بـ تهكم:
-عايز مني أي يا باشمهندس.

ثم جالت ببصرها علي محتوي المتجر و أردفت بتهكم و حديث ذات مغزي:
-باشمهندس برضو و لا حتي دي كمان غيرتها!

أدرك ما ترمي إليه و هو إنه قد نسي حب عمره و تزوج من أخري، و قبل أن يُعلل لها ما فعله ألقي نظرة من حوله وجد حمودة يتظاهر باللعب علي هاتفه لكنه يُراقب كل شيء، يبدو أن شهد تكلفه بتلك المُهمة و هو نقل أخباره إليها، أشار إليه بأمر صارم:
-جوم يا حمودة هات لنا واكل من محل الكشري اللي في الشارع اللي ورانا.

نظر إليه الأخر بتردد و تفهم إنه لا يرغب بوجوده، أخذ يُتمتم:
-معايا رقم المحل أتصل يجيب لنا دليفري.

صاح به غاضباً و عينيه ترمقه بتهديد:
- جوم فز بدل ما أخليك ما تعتبهاش تاني.

نهض علي مضض و خوفاً من تهديد الأخر إليه فقال بانصياع:
-حاضر يا سطا قاسم هاروح أهو.

بينما هي لاحظت نطق الشاب لهذا الاسم الزائف، و بعد مغادرته للمتجر نظرت إلي فارس و سألته:
-واضح إن كل حاجة أتغيرت حتي اسمك!

عقد حاجبيه مُشيراً إليها للذهاب إلي المكتب:
-تعالي بس أتفضلي و أني هاحكي لك عن كل حاچة من الأول.

تنهدت ثم ذهبت بعدما رأت إصراره في عينيه، و بعد أن جلست جلس هو علي المقعد الأخر مقابلاً لها أمام المكتب.

-أني هحكي لك كل حاچة و ياريت تفهميني جبل ما تحكمي عليا.
يقع في حيرة من أمره و كأنه من أين سيبدأ لها من رحلة عذابه، فبدأ يسرد لها منذ وصوله إلي مصر و وفاة والده و عند عودته من مراسم الدفن تم القبض عليه ظُلماً و زيارة زينب له و شعوره حينها إنها تمُر بضغط من شقيقها و إجبارها علي الانفصال منه و فسخ الخطبة، و كيف مرت عليه تلك الليالي الحالكة خلف قضبان الزنزانة و محاولة قتله بداخلها.

كما سرد لها محاولة هروبه هو و من معه من شاحنة الترحيلات بعدما تعرضت لهجوم مُسلح من مجموعة رجال يتبعون إلي إحدى المتهمين الخطيرين، لم تكن لديه فرصة حينها سوي الفرار أو تسليم نفسه ليستمر سجنه ظُلماً، ظل يخبرها بما تعرض له من صعاب و انتهت بمجرد مُقابلة الحاج نعمان الذي مد يد العون إليه لكن لكل شيء ضريبة و هي الزواج من شهد حفاظاً لهذا العرفان و ذلك بعدما تبين رابط علاقة الحاج نعمان بوالده، لكن تلك الجزئية لم تقتنع بها كفاية، فقامت بالتعقيب:
-بغض النظر عن كل المعاناة اللي مريت بيها و طبعاً دي مصيبة لوحدها لأنك كده في نظر القانون كدة أنت هربان، بس اللي مش قادرة أقتنع بيه هو جوازك من شهد، كان ممكن ترفض بأي حجة و ما تورطهاش معاك، أنت دلوقت واقع في مصيبة و لازم حل يا إما هاتفضل عايش هربان طول عمرك ضايع و مشتت و بهوية غير هويتك الحقيقية، مش ده فارس اللي كانت بتحكي لي ديماً عنه زينب!

و علي ذكر اسم معشوقة قلبه أنحني إلي الأمام و أخبرها برجاء:
-بالله عليكِ أني خابر اللي هاطلبه ده ما يصحش و ما ينفعش أني رايدك توصليني بيها بأي طريجة، رايد أطمن عليها.

ترددت هي الأخرى في أن تخبره بكل ما مرت به صديقتها من أهوال علي يد الطاغية سليم العقبي، لكن وجدت لا مفر من ذلك، بدأت تسرد إليه منذ لجوء زينب إليها بعدما فرت من ذلك الزواج الإجباري و شقيقها علي وجه الخصوص هو من أرغمها عليه و أخبرته عن وصوله إليهم و برفقته من أصبح زوجها الآن تحت التهديد:
- إياك تفتكر أنك لوحدك اللي عايش في عذاب، زينب يمكن مُصيبتها أكبر.

تحفزت كل حواسه و نظرة القلق و الخوف علي صديقتها بداخل رماديتيه أخبرتها بما يدور في دواخله.

-كملي يا ريهام و جفتي ليه!، يبجي مين سليم العقبي ده و سوي فيها أي!
أجابت بحذر:
-أنا هحكي لك بس بالله عليك بلاش تهور، لأن أي حاجه هتحاول مجرد المحاولة تعملها هتأذيها هي قبل ما هتأذي نفسك.

بدأت تخبره من هو سليم داغر العقبي و مدي نفوذه و جانبه المظلم و من يقترب منه أو يقف نداً له يحترق أو ينتهي مصيره إلي هلاك محتوم، فما بال من يقترب من ممتلكاته و خاصة زوجته!

أجفلها بضرب قبضته فوق سطح المكتب مما جعلها انتفضت:
-أهدي يا فارس ماتخلنيش أندم حكيت لك حاجة، أنا اللي خلاني أقولك و أحكي لك عشان تعرف و تفهم زينب ضحية زيك بعد ما شوفت نظرة إتهامك ليها و إحنا في النادي.

شد علي قبضته و جز علي أسنانه، فما أصعب شعور العجز هذا!، يريد إنقاذ مُهجة فؤاده من براثن هذا الوحش حتي إذا لم تكن له في النهاية.

- يا ريهام أنتي ما خابراش أي اللي أني حاسه دلوق،أنا رايد أروح و أخدها منـ....

قاطعته بتحذير شديد:
-أوعي، ده مجرم  مش بعيد يقتلك و يقتلها و إنها ما تفكرش حتي تبعد عنه، سليم شخصية سادية لدرجة عمرك ما تتخيلها، كل اللي أقدر أنصحك بيه بلاش السلبية اللي أنت فيها و أسعي لبرائتك و بالنسبة لزينب ما تقلقش عليها.

توقفت عن الحديث لاسيما عندما سألها:
- ما أجلجش ليه عاد؟، أنتِ خابرة حاچة؟

عم الصمت بينهما و إذا به صوت رنين هاتفها يقطعه، أخرجت الهاتف من الحقيبة فرأت المتصل زوجها:
-معلش يا فارس مضطرة أمشي جوزي بيتصل عليا.

نهضت فتبعها بالقيام و قال:
-معلش لو أخرتك بس كل اللي رايده منك تعطيني رقم تليفونها و ما تخافيش...

و قبل أن تقاطعه بالرفض التام:
-أنا كل اللي أقدر أعمله أخليك تكلمها من علي موبايلي و بالله عليك ماتضغطش عليا أكتر من كده خوفاً عليها و عليك.

تفهم توسلها هذا، فالنظرة التي رمقه بها سليم بالأمس بجانب ما أخبرته به منذ قليل كافياً بمعرفته من هو الوحش التي تقع معشوقته في عرينه و لكي ينقذها منه عليه بالتأني و التفكير الجيد دون تهور أو ارتكاب حماقة.

قامت بإجراء الاتصال و أشارت إليه بالصمت و انتظرت حتي أتاها صوتها الذي يشوبه النعاس:
-ألو يا ريهام.

أجابت و عينيها لا تغفل عن نظرة فارس الذي يود اختطاف الهاتف من يدها:
-أزيك يا حبيبتي عاملة أي دلوقتي؟

 
أخبرتها بنبرة تحمل في طياتها الكثير من الآسي و الحزن:
-أني بموت يا ريهام.

نهضت لتبتعد قليلاً عنه و سألتها بصوت خافت بقلق:
-هو المجنون ده عمل فيكي حاجة إمبارح بعد ما روحتو؟

أجابت بنبرة وشيكة علي البكاء:
-لاء،الموضوع أكبر من إكده.

قطبت ما بين حاجبيها بعدما داهم القلق قلبها،أرتفع صوتها دون قصد :
-ما تحكي يا بنتي كده قلقتيني عليكي أكتر، سليم عمل معاكي حاجـ...

لم تستطع إكمال سؤالها حيث أختطف الأخر الهاتف من يدها و بلهفة عاشق ثائر تملأ نبرة صوته عدة مشاعر متضاربة من الخوف و القلق يتخللهما الشوق و اللوعة و قلب ينزف حتي الموت يتفوه بحروف اسمها المحفور بين ضلوعه:
-زينب، كيفك يا جلبي؟
لحظات من السكون و الهدوء التام حتي ظن أنها ربما أنهت المكالمة، أبعد الهاتف عن أذنه و نظر إلي الشاشة فوجد ما زالت المكالمة مستمرة، ألتقط أنفاسه و تحدث بشق الأنفس، يذكر حروف اسمها التي تروي حلقه الذي جف عندما وصل إلي مسامعه صوت أنفاسها:
- زينب،رايد تسمعيني زين و تعرفي إن اللي شوفتيه ده كله مش حجيجي.

عقبت بصوت يبدو عليه الضيق أدرك مدي كم الاختناق الذي تشعر به و كأنها تريد الصراخ و البكاء:
-كيف و أني شايفة يدها في يدك!، كيف و أني شايفة الفرحة مالية عينيها و هي بتجول أعرفكم بچوزي!، كيف لما چت لك فرصة تهُرب بدل ما تيچي لي تروح لواحدة غيري و تستخبي في حضنها!
3

 
ألجمت كلماتها لسانه و كأنه فقد الحركة للنطق كما أصابته غصة في حلقه جعلته عندما أستطاع الإجابة أخيراً صوته يكاد يخرج بصعوبة بالغة مع تكون عبراته كالضباب علي رماديتيه:
-قسماً بالله بحب و لا هاحب غيرك أنتِ، أني أتچوزتها كرد چميل مش أكتر، أني بحبك جوي يا زينب، أنا ما بشوفهاش غيرك أنتِ، صوتك في وداني و صورتك بشوفها في كل واحدة عيني بتيچي عليها.

صمت و ولي ظهره إلي ريهام حتي لا تري دموعه التي تساقطت للتو، تلك الدموع التي انسدلت من فرط الشوق و اللوعة التي تحرق صدره و قلبه العاشق، حاول كبت نشيج بكائه ليستطرد حديثه:
-أني معاها بچتتي لكن روحي و جلبي وياكي أنتِ، كل نفس بتنفسه أنتِ السبب فيه، عايش علي حبك اللي بيچري في عروقي، زينب أني كل يوم بموت و لما شوفتك وياه جلبي أندبح و عمال ينزف من وجتها، الموت عندي أهون  من إنك تكوني مع غيري.
5

و ها هي قد خارت قواها و أصبحت علي حافة الانهيار و قد قذفت بها الريح إلي وادي الشجن فأطلقت عبراتها بغزارة كالذي تم نفيه من أحضان الوطن، أخبرته من بين أنينها:
-و أني مُت خلاص يا فارس، من وجت ما أخوي هددني بحياتك يا إما أهملك، من وجت ما چبرني أتچوز واحد الشيطان چاره ملاك، من وجت ما خدني الشيطان ده بالغصب و كل ما يجرب مني و أني جلبي ينادم عليك و بفوج و أني بندبح في كل مرة، خابر اللي كان بيصبرني أنت، عمرك ما فارجتني لحظة، عمري ما نسيت حضنك ليا لما چيت لك القسم.

أعتصر عينيه بألم فها هي لا تقل عنه ألماً بل حياتها أكثر جحيماً، أطلق لسانه بأمر:
-و أيه اللي چابرك عليه لدلوق أتطلجي منه.
1

صدر من شفتيها ضحكة باكية بل و ساخرة من حالها البائس فأخبرته:
-تمن الكلمة دي دفعته غالي جوي، و بجي استحالة بعد.....
صمتت بعدما كانت علي وشك أن تخبره بأمر حملها.

-بعد أي؟، كملي وجفتي ليه؟

مسحت بأناملها دموعها المنهمرة و أستعادت رباطة جأشها و قالت:
-فارس أني لازم أشوفك ضروري، أول ما هظبط أموري هابلغك عن طريج ريهام، و لحد ما أشوفك بالله عليك خلي بالك من حالك و إياك تسوي حاچة و لا تتهور حياتي و حياتك و حياة أهلي كلها في خطر لو حوصل حاچة و سليم شم خبر.

رد بغيظ و غضب من بين أسنانه:
-واه، رايدني أتفرچ علي اللي بيحوصل وياكي و أسكت إياك!

- لو ليا خاطر عندك بالله عليك أسمع كلامي، أني خابرة بسوي أي زين، و أطمن عن جريب هخلص منه و أخلص الدنيا من شره.
انتفضت عند سماع طرقات علي باب الغرفة فأردفت بصوت خافت:
-سلام دلوق.
1

أنهت المكالمة علي الفور و ألتفتت و نظرت نحو الباب و قالت:
-أتفضل.

ولجت الخادمة إليها بصينية فوقها أقراص مكملات غذائية و كوب ماء:
-أتفضلي يا زينب هانم الفيتامينات.

أشارت إليها نحو المنضدة و أمرتها:
- همليهم علي التربيزة عندك.

- تحت أمرك.
فعلت كما أمرتها و كادت تذهب فأوقفتها:
-وجفي عندك.

ألتفتت إليها الفتاة فسألتها الأخرى:
-سليم رچع؟

- سليم بيه من الصبح في مكتبه، أي أوامر تانية؟
أشارت إليها أن تذهب:
-لاء، روحي أنتِ.

تنفست الصعداء و ما لبثت سوي ثوان فصدح رنين هاتفها، انتفضت بفزع عندما رأت ذلك الاسم الذي جعل قلبها يكاد يقفز من بين ضلوعها من الوجل و الرعب، أجابت:
-نعم؟

أتاها صوته الذي يدب الرعب في فؤادها:
-عايزك، أنا في المكتب تحت.

ازدردت غصتها و قالت بطاعة لا تملك سواها الآن:
-حاضر چاية.
ــــــــــــــــــــ
_ السلام عليكم و رحمة الله، السلام عليكم و رحمة الله.
رددها بكر بخشوع في ختام صلاته فأتبعته قمر بترديدها أيضاً، رفع يديه في وضع الدعاء و ظل يدعو ربه و يحمده حمداً كثيراً.

و بعدما أنتهي ألتفت إليها فوجدها تجلس علي عقبيها ساكنة، أقترب منها و وضع يده علي رأسها قائلاً بصوت خافت:
اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ خيرَها وخيرَ ما جبلتَها عليهِ وأعوذُ بِكَ من شرِّها ومن شرِّ ما جبلتَها عليهِ.

 و بعد ذلك عانقها و ظل يردد أدعية أخري فوجدها تسكن بين ذراعيه بطمأنينة فسألها:
- چعانة يا قمري؟

ردت بصوتها الناعم و الذي يثير مشاعره و يجعلها كالعاصفة:
- بصراحة لاء و لو چعان هاجوم أچيب لك الواكل، فاطمة جالتلي التلاچة مليانة من خيرات ربنا.

أبعد رأسها عن كتفه ليتمكن من النظر إليها وجه لوجه و قال :
- أچوع كيف و كل حاچة حلوة بحبها واجفة جدامي.

انسحبت بهدوء و خجل ثم نهضت قائلة بتوتر جلي :
- أني هاروح أحضرلك الواكل، خمس دجايج و راچعة لك.

لم تنتظر رده و اطلقت ساقيها نحو المطبخ، وقفت تلتقط أنفاسها و وقفت أمام الطاولة الرخامية وجدت صينية كبيرة مغطاه، أزاحت الغطاء فوجدت كثير من الأطباق و كذلك الأصناف التي تفضلها من الطعام، تناولت قطعة مثلثة محشوة باللحم المفروم و كادت تأكلها، فوجدت من يمسك برسغها و يضعها بفمه لكن يضع نصفها بفمها و النصف الأخر مازال بالخارج، أشار إليها بأن تشاركه أكلها لكنها أكتفت بالنظر إلي أسفل بخجل، أمسك القطعة بيده و أخبرها:
- علي فكرة أني چعان و ما هاحطش حاچة في خشمي غير و هتشاركيني فيها و لو جعدتي تتكسفي إكده ماواكلش حاچة و خليني انام و أني چعان و ذنبي يبجي في رجبتك،  و لا أجولك علي حاچة احسن هاتصل بأمي و اجولها مارتي ماعوزاش توكلني و أنتي خابرة حماتك هاتسوي فيكي أي.

 
كتم ضحكاته و لم يستطع أن يكبتها أكثر من ذلك و هذا بعد أن قالت له بتوسل ما بين الجد و المزاح:
- خلاص خلاص هاواكلك بس بالله عليك بلاش خالتي چليلة.

أطلق قهقه جعلتها استشاطت غيظاً، لكزته في كتفه فجذبها بين ذراعيه و توقف عن الضحك قائلاً:
- أني بضحك وياكي، و رايدك تعرفي حاچة زين، طول ما أني عايش و فيا النفس محدش يجدر يجرب منك واصل و لو بنظرة تأذيكي، أني منك و أنتي مني، فاهمة يا قمري؟

أومأت له و أجابت:
- فاهمة يا سي بكر، يا حبيبي يا چوزي.

همس أمام شفتيها:
-چوزك چعان هتواكليه كيف!

و أمسك القطعة و وضعها بين شفتيها قائلاً:
- ممكن تخليني آكل كيف ما أني رايد و لا حداكِ مانع؟

هزت رأسها بالنفي و القطعة بفمها و ضربت حُمرة الخجل وجنتيها مما جعلته هيئتها المثيرة تلك لمشاركتها في التهام القطعة التي سرعان ما أبتلعها دون أن يقطع قبلته، أُضرمت نيران العشق بينهما من خلال تلك القبلة التي استمرت لدقائق جعلتها بين يديه  كقطعة الثلج وضعت في وهج الشمس، انهارت كل مخاوفها و ها هي تتشبث به لا تريد أن يتركها بعدما أذاقها من العشق طعمه الحلو.

أبتعد حينما وجد كلاهما يحتاج إلي التنفس:
- علي فكرة الچو حر جوي.

و مد يده إلي طرف وشاح الإسدال الذي يغطي رأسها و بمجرد خلعه عنها انسدلت خصلاتها ذات اللون الذهبي الاصطناعي و الذي أضاف إلي جمالها الطبيعي جمالاً مُثيراً جعله يشتهي تذوقها بشدة، مد أنامله لمؤخرة رأسها حيث تخلل خصلاتها بأنامله و في لحظة عاد يقبلها بقوة عن ذي قبل و يتقدم بها إلي خارج المطبخ و هي كالتائهة في ربوع مروجه الساحرة، لمساته و همساته تأسر فؤادها و تسلب الوعي من لُبها.

توقف أمام الفراش و مد يديه بجرأة ليخلع عنها هذا الإسدال فاتسعت عيناه عندما رأي ما ترتديه أسفله، ثوب أبيض حريري مندمج مع لون بشرتها الكريمي، يجسد منحنياتها حيث يمكنه رؤية معالم و قسمات جسدها و خصرها المنحوت مثل الساعة الرملية.

فهو الآن يقف أمام أيقونة و آية من الجمال، تحركت تفاحة آدم جراء ابتلاعه للعابه، و حين اقترب منها و أدركت وصولهما إلي ساعة الصفر لبدأ ملحمة قوية، تحمحمت و قالت:
- يا خبر أني نسيت أحط لك الواكل ثوانـ...

قاطعها بقبلة أفاض بها كل ما يشعر به للتو من العشق و الهيام، و عندما شعرت بملمس الفراش الناعم أسفل جسدها الممدد عليه همست إليه بدلال:
- الواكل يا سي بكر.

أبتسم و مسح بلسانه علي شفته السفلي و يتأمل ملامحها الصارخة بالجمال فألقي عليها ارتجاله :
- دعِني ارتشف من عسل شفتيكِ
و ألقِ بي في عمق بحور عينيكِ
و أغمريني بالدفء بين نهديكِ.
2

صمت و عندما وجدها إنها علي استعداد أردف:
- رددي ورايا يا قمري، اللَّهُمَّ چنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وچنِّبِ الشَّيْطَانَ ما رَزَقْتَنَا.

 رددت الدعاء مباشرة و هنا توقف الحديث و بدأ قرع الطبول مُعلنة عن الحرب التي ستبدأ، أسلحتها قُبلات بمثابة رصاص متطاير و لمسات كتأثير قيظ الشمس الحارقة علي المحاربين في الصحراء فتجعلهم كالوحوش الثائرة في أرض المعركة، و آهات تنتهي برفع راية الاستسلام و بذلك أصبحت ملكاً له قلباً و قالباً و أنارت قمره لياليه المظلمة كالسراج المُنير الذي يتوسط سماء الليل الحالكة.
ـــــــــــــــــــــــ
7

تُقدم قدم و تُأخر الأخرى قبل أن تولج إلي مكتبه لاسيما بعد سماعها صوته الثائر كالعاصفة الهوجاء، يوبخ أحدهم في الهاتف
-أنت هاتستعبط عليا و لا أي، فاكرني هاصدق الهبل ده كله، اسمعني لأن مش هاكرر كلامي تاني إلا و أنت عارف هاعمل فيك أي كويس.
.....
- تروح أنت و الرجالة تجيبوه من قفاه حتي لو لاقتوه نايم في حضن مراته تاخدوه  و تجروه من قفاه علي أي مخزن و تخليه يقول مين اللي وراه و لو ما نطقش تليفون صغير و هتلاقيني عندك تسيب لي أنا المهمة دي، و ياريت ما أسمعش حسك غير لما تقولي كله تم يا باشا غير كده هايبقي مصيرك زيه بالظبط و أنت عارف لما سليم العقبي يحط حد في دماغه ممكن يعمل فيه اي.

كانت تقف تستمع و تراقب ملامحه الغاضبة، تراجعت خوفاً من التحدث أو التعامل معه و هو في تلك الحالة المرعبة، ألتفتت و اتجهت نحو الباب لتغادر، أوقفها بأمر و صوت جعل قدميها تسمرت في مكانها:
- أقفي عندك رايحة فين؟

ابتلعت ريقها بخوف و بتوجس اجابت:
- لاجيتك بتتحدت في التليفون جولت أچي لك في وجت تاني أحسن.

ألقي الهاتف علي الأريكة الجلدية و سرعان تحولت ملامحه من الغضب الكاسر إلي ابتسامة مُرعبة زادت من خوفها أكثر:
- أقفلي الباب و تعالي.
فعلت ما أمرها بها و عادت إليه بخطي وئيدة و تشعر بالبرودة تضرب أطرافها من الخوف المسيطر عليها الآن.
أشار لها بإصبعه:
- قربي.

اقتربت منه و تركت مسافة قليلة بينهما، كان هدوئه يرعبها حتي قطعه بقوله:
- لما اقولك قربي القرب ما يبقاش كده.

و قبل أن تسأله كان قد جذبها من يدها فارتطمت بصدره و هنا الوضع كان أقل ما يقال عنه مُخيف، تشعر بحرارة جسده الناتجة عن حالة الغضب المسيطرة عليه و أنفاسه التي من فرط حرارتها كادت تحرق بشرتها الشاحبة، سألها بترقب و كل كلمة تخترق أذنيها:
-مش هتسأليني أي اللي مخليك عامل كده؟

رفعت كتفيها كدلالة علي عدم المعرفة قائلة:
-أني ما بحبش أتدخل في حاچة ما تخصنيش عاد.

لوي شفتيه جانباً بابتسامة غامضة ثم أخبرها و هي ما زالت بين يديه:
- ده واحد كان من رجالتي و كنت مخليه من المسئولين علي حماية عمليات البيع اللي الدبان الأزرق ما يعرفش عنها حاجة، و المغفل كان فاكرني بثق فيه و فيهم كلهم ثقة عمياء ما يعرفش إن النفس اللي بيتنفسه بيكون عندي علم بيه، تخيلي كان بيشتغل لحساب لواحد من ألد أعدائي، علي أي حال هو اللي قرر مصيره ما يزعلش بقي لما أخليه عبرة لكل واحد يفكر بس في يوم من الأيام يقف ند لسليم العقبي.

ضربات قلبها ارتفعت حتي شعرت إنه كاد يتوقف و ستكون نهايتها لا محالة، هيهات و أنتشلها من هذا الشعور حين أمرها:
- نسيني، نسيني اللي حصل يا بيبي.

فهمت ما يقصده فترددت عن فعل ما ينتظره و هذا بسبب رائحة عطره القوية و يشوبها رائحة السجائر مما أدي إلي ارتفاع الدوبامين لديها و شعورها بالرغبة في القيء أصبح في ذروته، لكن تلك النظرة القاتمة التي يحدقها بها الآن جعلتها تفعل ما يريد، بدأت بتقبيله و لم تمر سوي لحظات، ابتعدت فجأة و ركضت إلي أقرب حاوية مهملات و أفرغت ما بجوفها، جلس بجوارها و اخذ يمسد علي رأسها و أمسك بإحدى يديها:
- أتصلك بالدكتور؟

انتهت و اعتدلت ثم أخبرته:
- مفيش داعي، اللي حوصل ده من أعراض الحمل.

فسألها مرة اخري باهتمام بالغ:
-يعني مفيش ضرر علي البيبي؟

رأت في عينيه مدي خوفه المبالغ علي ما بأحشائها، ردت و صوتها يبدو عليه الإعياء و الوهن:
- أطمن ولدك بخير، خايف عليه جوي إكده!

أخذ يمسح قطرات العرق من علي وجهها و إذا به يفاجئها بالقول الحاد و التهديد المرعب:
- ما أنا قولتلك قبل كده يا بيبي، حياة إبني اللي في بطنك في كفة،  و حياتك أنتي و كل اللي تعرفيهم واحد واحد في كفة تانية، Take care يا بيبي Take care.

يكفيها إرهاباً و حرب الأعصاب التي تدمرها ببطيء شديد فسألته:
- أنت بعت لي ليه، فيه حاچة؟

أستند بجبهته علي خاصتها و قال لها:
- كنت هقولك جهزي نفسك عشان مسافرين بكرة.

تذكرت أمر ما تخفيه في مكنونها فأخبرته:
- ممكن تأچل السفر لحد ما أبجي زينة، أديك شوفت اللي بيحوصل معاي.

فكر بالأمر ملياً و تذكر نصائح الطبيب من اجل سلامتها و سلامة الجنين و هي الراحة ثم الراحة:
- أوك، نأجله بعد ما تعدي التلات شهور و بعد كده نسافر بالطيارة.

تنفست الصعداء بعدما وافق علي طلبها فوجدت أن الفرصة تلك لا تتكرر، فأخبرته بما تريد:
- كنت رايدة منك طلب لو سمحت يعني.

أبتسم و قال:
- أطلبي.

ازدردت ريقها و تخشي الرفض:
-أني كنت رايدة أتابع ويا دكتور أو دكتورة أطمن علي صحتي و علي ولدك.

رفع إحدى حاجبيه و أخبرها:
-أنا هحجزلك عند إستشاري نسا و ولادة بس استني هاظبط أموري عشان هاجي معاكي.

ابتسمت لتخفي توترها و قالت:
- خليك أنت، أني هاخد ريهام صاحبتي أحسن، المشاوير دي بتبجي عايزة حريم.

تصنع التفكير ثم تنهد و قال لها:
- أوك موافق، بس علي شرط السكيورتي هيبقو معاكم.

نظرت إليه و تومأ له بنعم فبادلها بنظرة لم تستشف منها ما بداخله أو ما يدور برأسه و هذا أكثر ما يربكها و يجعلها تتراجع عن قرارها الذي ستقدم عليه.
ـــــــــــــــــــ

- يا الهي.
كان صراخ و ليست كلمة من صوفيا عندما وجدت ثوبها الأسود مليء بالبقع البيضاء الناتجة عن وضعه في ماء مخلوط بالكلور، في هذا التوقيت كان قد دلف من باب المنزل و عندما سمع صوتها خشي أن سمية فعلت بها شيئاً رغم كل توصياته قبل أن يغادر.

أسرع إليها فوجدها تقف و تمسك بالثوب و تبكي:
- ماذا حدث صوفيا؟

رفعت الثوب أمام عينيه لتريه:
-ثوب والدتي الذي أحبه، زوجتك قد أفسدته عن قصد.

تذكر بالأمس عندما وجد سمية تقف أمام المغسلة بعدما وضعت صوفيا ثوبها الأسود ذو الحمالات الرفيعة و التي كانت ترتديه و الأخرى تستشيط من الغيظ بسبب محاولاتها البائسة في إغراء زوجها بأي طريقة و لا تكترث إليها.

ترك صوفيا و ذهب إلي الغرفة الأخرى وجدها تخرج من المرحاض يبدو إنها انتهت من الاستحمام للتو، وجدته يقف امامها و الشرر يتطاير من عينيه و بسرعة بديهة أدركت سبب غضبه، جلست أمام طاولة الزينة و أمسكت بعلبة كريم و قامت بفتحها و سألته:
- حمدالله علي السلامة يا صلحوتي، مالك واجف حداك ليه إكده.

شعرت باقترابه منها و أنفاسه المرتفعة، رفعت ساقها و أنحسر عنها مأزر المرحاض القطني فأصبحت إلي أعلي الفخذ عارية، تناولت القليل من الكريم و بدأت بدهن ساقها و كأنها تمسدها بإغواء و من طرف عينيها تراقب ملامحه التي سرعان تبدلت إلي أخري، فابتسمت و سألته مرة أخري:
- ما بنطتجش ليه يا حبيبي؟
4

أستند بجسده علي حافة الطاولة و أجاب عليها بسؤال:
- اي اللي عملتيه ده في فستان صوفيا.

رفعت وجهها فوجدته يرمقها بغضب، تصنعت البراءة و تناولت القليل من الدهان مرة أخري و أزاحت المأزر عن كتفيها ليظهر إليه الجزء العلوي من مفاتنها، قامت بدهان و تمسيد عنقها و جيدها و كتفيها:
- سويت فيها أي، ما حداك چوه في الأوضة التانية كيف القردة و لا چيت چمبها واصل.

رفع إحدى حاجبيه:
- يعني ما بوظتيش فستانها الأسود و دلقتي عليه كلور أبيض في الغسالة إمبارح!

تركت ما بيدها و نهضت بهيئتها المثيرة تلك و اقتربت منه قائلة بنفي:
- أني تعرف عني إكده!، إن شاء الله تعدمها و يدوسها قطر محمل طوب و زلط و يوجعو عليها ما سويت حاچة من اللي جولت عليها.
4

- ياسلام!
أمسكت برباطة عنقه و أجابت:
- و حياة خالي عبد السلام.
صاح بغضب:
- سمية، أنا ما بهزرش.

ردت بعدما التصقت به و حاوطت عنقه:
- و أني بهزر.

أطلقت ضحكة مغناج بددت غضبه فأردفت:
-واه بجي يا صلوحتي، أنت خلاص من وجت ما چت الحرباية دي و أنت مش معبرني و لا تسأل فيا كيف الأول،  عمتاً علي كيفك بجي الإهتمام ما بيطلبش عاد.

و قد نسي ما حدث و أستسلم لها قائلاً:
-الشغل كتير،  و القضايا المهمة اللي ماسكها محتاجة تركيز فبضطر أقعد في المكتب أراجعها لأن لو رجعتها هنا مش هاعرف أركز.

- هات شغلك و أني هساعدك، چربني بس و مش هاتندم واصل.
أقترب من شفتيها و قال:
-أنا ندمان علي الوقت اللي راح مني و أنتي مش معايا.

و كاد يقبلها، فُتح الباب فجاءة و ظهرت صوفيا و تمسك بمقبض حقيبة السفر خاصتها،رفعت سمية مأزرها علي كتفيها و اعتدلت:
- يبدو إنها كذبت عليك كالعادة، حسناً صلاح سأترك لك هذا المنزل و سأرحل لكن سوف أترك لك أبنتك، تحمل مسئوليتها يكفيني أضعت سنوات عمري علي تربيتها و أنت هنا تعيش حياتك كيفما تشاء، و لن اقول لك وداعاً.

غادرت المنزل و لم تنتظره أن يقول لها كلمة،فسألته زوجته:
- جول إنها هتسافر إياك!

ضحك رغماً عنه و قال:
-فعلاً هي مسافرة و سابت البنت.

و بمجرد ذكر إبنته أسرع من الذهاب إليها فوجدها تجلس في زواية بالغرفة و تبكي، عانقها و ربت عليها بحنان:
- أهدئي صغيرتي فأنا بجوارك، لا تخافي.

نظرت إليه ببكاء و قالت:
- أريد أمي و هي أخبرتني إنها لا تريدني أن أعيش معها و أنت ستفعل بي مثلما فعلت و تلقي بي في دار للأيتام.

عانقها بقوة و أجاب:
- لا يا قلب والدك، لن أفعل هذا أبداً، أنتِ ملاكي الصغير و أنا والدك الذي يحبك كثيراً،  لا تخافي يا روحي.

عانقته و تشبثت به:
- أحبك كثيراً بابا.

عانقها و الحزن داهم قلبه:
- و أنا كثيراً يا حياة أبيكِ.

بينما سمية تقف بالقرب منهما تراقبهما و لم تستطع منع نفسها من البكاء علي حال طفلته المسكينة و التي علمت منذ البداية أن والدتها أتت بها إلي عنها لتتخلي عنها لأبيها و التفرغ إلي حياتها!
ــــــــــــــــــــــ
تجلس بداخل الشرفة لتتمكن من البكاء دون أن يراها أحد، فهو منذ أن أرسلها إلي عائلتها لم يتصل بها و كان يكتفي بالاتصال علي والدها ليطمئن علي صغيرته فقط، مئات الأسئلة تدور في فلك ذهنها و تشعر بالعجز من فرط التفكير بالأمر لما هو قاسياً إلي هذه الدرجة!
11

نظرت إلي هاتفها لتجري الاتصال رقم الخمسمائة تجد الرقم مشغولاً، يبدو وضع رقمها علي قائمة الحظر حتي لا يضعف فؤاده و يرغمه علي سماع صوتها الذي أشتاق إليه، لكن عقله هو المسيطر الآن في إدارة كل ما يحدث الآن.

ضغطت علي علامة الاتصال و كالعادة أعطاها مشغولاً، ألقت هاتفها بعنف و أطلقت عبراتها، فهي في وضع لا يرثي له تشعر بالضياع و خسارة كل شيء، كل يوم تشاهد صوراً لعلي و مروة تُرسل إليها عبر إحدى زميلاتها التي كانت تعمل معها في الشركة و كلما رأت تلك الصور تشعر بالحسرة و الحقد نحوهما و تتذكر ما وصلت إليه مع أكرم الذي لم تنس نظرته القاسية الخالية من أي مشاعر في آخر لقاء بينهما، نظرة أخبرتها بأنها ستكون وحيدة بعدما خسرت الكثير و الكثير.
ـــــــــــــــــــــــــ
12
و في مكان آخر يجلس بداخل سيارة عليها شعار لاحدي شركات المكيفات الشهيرة و يرتدي زي عمال التركيبات و الصيانة.

كان حاله لا يقل عنها لكنه هو الجريح و ليس الجارح، تتردد في ذاكرته  كلماتها التي كانت في المحادثة و كأنه يسمعها بصوتها في أذنه، قلبه ينزف بغزارة من الجرح العميق التي تركته تلك الكلمات، فما أصعب شعور الخيانة لدي رجل قلبه قد عشق بإخلاص و تفاني و تأتي له الطعنة من التي هواها أحتل قلبه و وجدانه و إذا به في لحظة أضحي هذا الحب مجرد خدعة من ماكرة استطاعت اللعب بقلبين رجلين دون أن تكترث لما تتركه من جراح لم تندمل لكليهما.

-أكرم باشا نتحرك دلوقت و لا نعمل أي؟
كان سؤال مساعده، فكان رده بعدما عاد من حالة الشرود و أنتبه إلي مهمته التي يفعلها دون علم رئيسه بالعمل!

أجاب بأمر حاسم:
- أنزل و خلي الرجاله ما ينسوش التكيف و خدو بالكم من العربية السوده اللي واقفه هناك دي، الظاهر العقبي ما بيضيعش وقت خالص.

أطلق زفرة و أردف:
- هانت.

هبط و معه رجاله اللذين يرتدون مثله و من يراهم يحسبون أنهم رجال صيانة المكيف و ذلك ما كان يظنه هذا الرجل المنتظر بداخل السيارة السوداء و يتحدث في الهاتف:
- باشا، فيه عربية من شركة التكيفات نزل منها عمال و طالعين العمارة.

أتاه صوت الأخر و يقف خلف الحائط الزجاجي بداخل الشركة خاصته:
- تمام، اطلعوا شوفو داخلين أنهي شقة و خليكم مراقبين حركة دخولها و خروجها هي و جوزها و لو حصلت أي حاجة غريبة بلغني فوراً.

- أمرك يا باشا كله تحت السيطرة.
و بالأعلى كانت ترتدي وشاحها بعدما أبدلت ثيابها استعدادا للخروج و تتحدث مع زينب:
- أموت و أعرف عايزة تقابليه ليه و إزاي و إحنا بيبقي معانا في كل حتة حرس جوزك!

ردت الأخرى و ترتدي حذائها:
- مش أنتي بتجولي هو بيشتغل في محل حماه، إحنا نروحلو هناك كأننا هانشترو حاچات و لو خايفة و جلجانة خلاص أعطيني العنوان و أني هاروح لحالي.

تنهدت بضجر و قالت:
- بطلي شغل القمص بتاع العيال ده،و أنا بكلمك أصلاً لبست و أحمد دلوقتي نازل  بس هو رايح علي الشغل،أنتي أول بس ما توصلي لوسط البلد كلميني و أنا هانزل علي طول،عشر دقايق و هاكون عندك.

سألها زوجها بصوت جهوري لكي تسمعه من داخل الغرفة:
- عايزة حاجة يا حبيبتي أنا نازل.

- ثواني يا زوزو خليكي معايا، أحمد خد معاك كيس الزبالة و أنت نازل الراجل مجاش النهاردة ياخدها.

تمتم الأخر بـ تذمر:
- الراجل مجاش يبقي أحمد يدبس فيها و ينزل يرميها، الله يسامحك بوظتي برستيچي و هيبتي قدام الجيران.

وصل صوته إليها، ضحكت فقالت له:
- و ماتنساش و أنت راجع تجيب معاك توست و لبن.

صاح بنفاذ صبر و بمزاح:
- الصبر من عندك يارب.

قالت لها زينب بعدما استمعت إليهما:
-لساتكم تتشاكلو كيف ناقر و نقير، مالكمش حل واصل.

و ضحكت رغماً، ردت الأخري:
- ده بقي اسلوب حياة، يلا أسيبك بقي تكملي لبسك، خدي بالك من نفسك و من اللي في بطنك.

وضعت يدها علي بطنها و قالت:
- خابرة، أني خايفة أچيبه للدنيا و أظلمه و يلومني إن أبوه راچل مچرم نفسي أتخلص منه النهاردة جبل بكرة، أوجات بتيچي عليا و ببجي رايدة أجهضه و لولا أنه حرام كنت سويت إكده.

- حرام عليكي و أستغفري الله ماتعلميش ربنا كتب لك الخير فين، يلا قومي و بطلي الأفكار السودة دي و لما نخلص مشوارنا و لقاء قيس و ليلي اللي ربنا يستر و يعدي علي خير، هاخدك و اعزمك علي كريب شاورما فراخ اللي بتعشقيه.

شبه ابتسامة ارتسمت علي شفتيها:
- ماشي، يلا سلام.

- سلام.
أنهت الأخرى المكالمة و انتهت أيضاً من ارتداء الحذاء، وقفت و إذا بدوار يداهمها فأصبحت الرؤية لديها مشوشة، أسرعت للجلوس مرة أخري و تمددت علي ظهرها لعل يتبدد هذا الشعور، نظرت في السقف و تذكرت أمر إنها سوف يمكنها رؤيته و التحدث إليه وجهاً لوجه مما أعطاها حافز و قوة بأن لا تستسلم للأعياء و حالة الدوار التي تصيبها بسبب حملها.

و بالعودة إلي منزل ريهام و أحمد الذي فتح الباب ليغادر لكنه وجد أمامه رجل غريب و خلفه مجموعة رجال يحملون مكيف، أشار له أكرم بأصبعه أمام شفتيها بأن يصمت، أخرج له البطاقة الخاصة بعمله.

- معاك يا فندم مندوب و عمال الصيانة من شركة كاريير، حضرتك أتصلت بخدمة العملاء إمبارح و إحنا جينا عشان نركب لحضرتك التكييف.
ــــــــــــــــــــــ
و لدي زينب التي أصرت علي الذهاب رغماً من الوهن الذي تشعر به، نهضت بتثاقل و أخذت حقيبة يدها، تترنح و تقف قليلاً ريثما تشعر بتحسن ثم تكمل خطواتها.

وصلت إلي الدرج و وقفت لدي أول درجة بالأعلى، فأوقفتها الخادمة بعدما رأت حالتها تلك:
- زينب هانم شكلك تعبان جداً ما ينفعش تنزلي و أنتي في الحالة دي.

أزاحتها الأخرى من طريقها:
- بعدي عن وشي،  فاكرة حالك مين لأچل تؤمريني! ، و لا يكون الباشا بتاعك أمرك تسوي إكده!

أومأت لها الخادمة و قالت بنبرة اعتذار:
- أبداً و الله يا هانم، أنا خايفة علي حضرتك.

شعرت بالندم من كلماتها القاسية مع الخادمة التي ظهر من صوتها و نظراتها القلق و الخوف عليها:
- حجك علي ما تزعليش مني، أني كنـ....

لم تكمل جملتها و خارت قواها و دون سابق إنذار وقعت علي الدرج و تدحرج جسدها  تحت صراخ الخادمة و الذي ركض إليه و تجمع كل العاملين و العاملات ليروا زوجة ربيبهم ممددة علي الأرض دون أي حراك !  

و بالعودة إلي منزل ريهام و أحمد الذي فتح الباب ليغادر لكنه وجد أمامه رجل غريب و خلفه مجموعة رجال يحملون مكيف، أشار له أكرم بأصبعه أمام شفتيه بأن يصمت، أخرج له البطاقة الخاصة بعمله.
- معاك يا فندم مندوب و عمال الصيانة من شركة كاريير، حضرتك أتصلت بخدمة العملاء إمبارح و إحنا جينا عشان  نركب التكييف.

و بعدما تمعن الأخر في البيانات المدونة في البطاقة و علم أنهم رجال شرطة فأدرك أن هناك أمر خطير،  أشار إليهم بالدخول و بمجرد أن دلفوا أعطاهم أكرم إشارة للتحرك و كل رجل منهم جهاز صغير بحجم كف اليد يشبه الأجهزة اللاسلكية التي يتواصل بها رجال الأمن ببعضهم البعض لكن تلك تختلف قليلاً في الحجم و الوظيفة،  حيث تعمل علي كشف أجهزة التتبع و التصنت و جهاز أخر أيضاً صغير يكشف لهم أي كاميرات مراقبة.

أنتشر كل منهم في أرجاء المنزل، خرجت ريهام من الغرفة و تفاجئت بما يحدث فسألت:
- هو بيحصل أي؟

و قبل أن ينطق أكرم تجمع رجاله و أخبروه:
- مفيش أي حاجة يا فندم،  أمان.

أشار لهم بأمر:
- تمام،  أطلعو أستنوني بره.

رحلوا كما أمرهم فأخبر ريهام:
- أنا الرائد أكرم عمران من مباحث المخدرات.

نظرت إلي زوجها الذي لا يقل عن حالتها فأردف أكرم:
- ما تقلقوش أنا جاي بس في مهمة محددة و محتاج أستاذه ريهام تساعدني.

سألته بعدم فهم:
- أساعد حضرتك في أي بالظبط؟ ، أنا مش فاهمة حاجة.

أجاب عليها بهدوء و سلاسة:
- أولاً اللي عملوه الرجالة أول ما دخلو ده بنطمن إن سليم العقبي ما يكونش زرع لكم كاميرات أو أجهزة تصنت في البيت و الحمدلله لاقينا مفيش حاجة، ما تستغربوش اللي بقوله لأنه حقيقة أي حد يقرب ناحية سليم العقبي بيتحط تحت المراقبة، بالنسبة بقي لطلبي ليكي عايزك تكوني مرسال أو همزة وصل ما بيني و بين مدام زينب العقبي.

تذكرت ريهام أمر قرص التخزين لكنها لا تريد الإفصاح عنه أو التصرف به،  و هذا الأمر لا يمر علي أكرم بسهولة ففطنته و ذكائه و حسه الأمني كضابط شرطة، شعر أن هناك شيء تخبأه الأخري فقال لها:
- أرجوكِ يا مدام ريهام،  لو عارفة أي حاجة ياريت تقولي لي،  صاحبتك في خطر و أنا واثق و متأكد إنها أتجوزته غصب عنها، لأن عارفها كويس و عارف فارس القناوي لأنه  صاحبي.

أتسعت عيناها فأستطرد:
- أنا عارف إنكم قابلتم فارس و أنتي روحتي له المحل اللي بيشتغل فيه، بس عايزك تطمني هدفي الكبير هو سليم اللي واثق و متأكد إنه سبب دخول فارس السجن و إتهامه في قضية مخدرات مش بعيد يكون إبن عمه رافع متفق مع سليم العقبي و ده لأسباب كتير كنت عارفها قبل كده من فارس، الوقت مش في صالحنا و لازم نكون مسابقين سليم بخطوة أنتم ما تعرفوش بتتعاملو مع مين،  ده بإشارة منه و هو علي مكتبه يعمل أي حاجة لا تخطر علي بالكم.
اندفع أحمد قائلاً:
- إحنا عارفين اللي حضرتك بتقوله و متأكدين منه بس مش هانقدر نعمل أي حاجة غير لما زينب تقول لريهام تتصرف في الفلا..

قاطعته زوجته بنظرة تحذيرية ثم وجهت حديثها إلي أكرم :
- ما تقلقش يا سيادة الرائد لو في أي حاجة هابلغ حضرتك.

و من حديثها المختصر و نظرات عيناها التي أخبرته إنها لا تريد التعاون معه حتي يصدر لها الأمر من صديقتها،  قاطع نظرته الثاقبة لها رنين هاتفه و حين رأي الرقم أجاب علي الفور:
- في حاجة حصلت؟

رد علي الجانب الأخر:
- لسه في عربية إسعاف دخلت و رجالته كانو عاملين رايحين جايين و في دقايق العربية طلعت و راحت علي المستشفي و لما روحت وراهم عرفت إن العربية جت عشان ياخدو مرات سليم.

صاح أكرم بأمر حازم:
- طيب خليك عندك و ما تتحركش غير لما تعرف أي اللي حصل و دخلت المستشفي ليه.

- تمام يا باشا،  بس خد بالك الحراس كلهم مترشقين بره و جوه المستشفي.

- أسمع اللي قولت لك عليه و لو في أي جديد بلغني فوراً.

أنهي المكالمة و عاد إلي ريهام الذي يخبرها حدسها أن هناك كارثة وقعت و هذا ما تأكدت منه عندما أخبرهما أكرم:
- شوفتي يا مدام ريهام قولت لك الوقت مش في صالحنا،  لسه عارف دلوقت إن فيه عربية إسعاف جت خدت مدام زينب علي المستشفي.

صاحت بفزع و خوف:
- زينب!،  أكيد حصل حاجة و مش بعيد يكون جوزها  هو اللي عمل فيها كده،  انا لازم أروح لها.

- أهدي بس عشان نفكر عايزين الأول طبعاً نطمن عليها و ده اللي تابعي زمانهم بيعملوه بس كبعاً ما يقدروش يدخلو لها، بالنسبة بقي كل اللي طلبه منك  تتصلي عليها أو تروحي لها علي الفيلا الأول و تتفاجئي هناك من الأمن لما يبلغوكي و تقومي رايحة علي المستشفي اللي هاقولك عنوانها دلوقت و اطمني عليها و بلغيني فوراً، و ياريت  ياريت لو عارفه أو مخبيه حاجة تقوليها كله في صالح صحبتك و فارس.

أخرج من جيبه محفظة جلدية و ألتقط منها بطاقة ليعطيها لها:
- ده كارت فيه كل أرقامي و ياريت ما تتأخريش كل دقيقة بتمر يا تبقي لينا أو علينا!

ـــــــــــــــــــــــ

ينتظر أمام غرفة العمليات و بالقرب منه يقف مجموعة من حراسه و يقف معه صديقه الذي يقول له:
- تعالي أقعد ده لسه قدامهم كتير زي ما سمعت من الممرضة.

رمقه الأخر بنظرة جعلته يكف عن التحايل عليه و أثر الصمت، بينما هو كان يقترب علي حافة الجنون يريد أن يعلم أخر التطورات بداخل تلك الغرفة و ماذا حدث لزوجته و ابنه!

و بعد مرور وقت خرج الطبيب إليهم فسأله:
- مراتي و ابني عاملين أي؟

أجاب الطبيب بهدوء:
- مدام زينب للأسف حصلها إصابات زي كدمات و شرخ كبير في رجلها اليمين و رضوض في القفص الصدري محتاجة من شهرين لتلاتة علي الأقل خالص راحة تامة و عشان كمان الجبس.

أعاد الأخر سؤاله بقلق و لهفة و كأن حياته تتوقف علي تلك الإجابة:
- و ابني يا دكتور؟

نظر إليه بحزن قائلاً:
- للأسف عقبال ما نقلوها علي المستشفي كان الجنين نزل، ربنا يعوضكم بإذن الله،  عن أذنك.

ذهب الطبيب فأقترب صلاح الذي أستمع إلي ذلك، أخذ يربت علي كتف صديقه:
- ما تزعلش إن شاء الله ربنا يرزقكم بالأحسن  المهم أطمنا علي مدام زينب و هنا المستشفي علي اعلي مستوي رعايه ما تقلقش هايهتمو بيها كويس لحد ما تقوم بالسلامة و تقف علي رجليها.

لم يعقب علي حديثه سوي بإبتسامة لم تصل إلي عينيه.
و بالأسفل في ساحة الإستقبال تصيح في وجوه هؤلاء الحراس الذين يقفون كالسد المنيع:
- أي قلة الزوق دي،  بقولكم أنا صاحبتها روحو بلغو البيه بتاعكم و قولو له مدام ريهام عايزة تطلع تشوف صاحبتها.

أخبرها الحارس بهدوء قاتل و إستفزازي:
- و أنا بقول لحضرتك ممنوع أي حد يطلع فوق دي أوامر سليم باشا.

فقال لها زوجها:
- تعالي بس اقعدي و انا هاتصل عليه.

ردت بنفاذ صبر: 
- يا أحمد ده اللي أنا بعمله من الصبح، عماله اتصل عليه ميت مرة و الباشا ما بيردش و ده بيأكد لي أنه مليون في الميه هو اللي عمل فيها كده.

أنتبهت إلي إتصال وراد علي هاتفها فوجدته فارس، ضغطت رفض المكالمة، تعلم لما يتصل و إذا اجابت و سألها عن حال صديقتها بماذا ستخبره!

اطلقت زفرة عميقة بعدما شعرت بالإختناق و كأنها مقيدة لا تستطيع التحرك، لم تجد سوي هذا الحل الأمثل لما يحدث لعلها تنقذ صديقتها من براثن و شراك زوجها المجرم.
- أنا لازم أتحرك بسرعة.

قالتها و اسرعت خطواتها إلي خارج المشفي،  ركض خلفها أحمد الذي يتحمل تصرفاتها المفاجئة و لا يريد توبخيها حتي تهدأ و تنتهي الأمور علي خير:
- تعالي هنا و فهميني ناوية علي أي،  أوعي تتهوري مش ناقصين مصايب كفاية اللي حصل لصاحبتك.
- أطمن يا أحمد أنا مش متهورة عشان اعمل حاجة تأذي حد فينا،  بس هاعمل اللي المفروض كنت أعمله لما الرائد أكرم سألني،  هو الوحيد اللي هايقدر ينقذ زينب و فارس و ينقذنا لو طالنا الخطر!

ـــــــــــــــــــــــ
ترتدي حذائها ذو الكعب المرتفع و نهضت لتلقي نظرة علي مظهرها فأتاها صفير كدلالة علي الإعجاب، نظرت خلفها وجدته يقف يحدق بها قائلاً:
- أنا أول مرة أشوف بدر طالع الصبح.

استدارت و أقتربت منه و حاوطت عنقه قائلة:
- و اعتبر ده غزل و لا أي بالظبط!

ابتسم و أعطاها قبلة علي وجنتها ثم أجاب:
- بوصف مراتي حبيبتي.

خفق قلبها بشدة فها هو يناديها بحبيبتي، و رغم أصبح يعاملها بحب لكن كلما تذكرت ما حدث في الأيام الماضية قبل زواجهما تشعر بالقلق و الخوف يسري بداخلها،  فسألته:
- بتحبني يا علي؟

طال النظر في عينيها و أجاب بصدق و هدوء:
- من غير ما اقولها بلساني المفروض تحسيها في عينيا، في لمسة إيديا لأيدك.
أمسك يدها بحنان و قام بتقبيل كفها و أنتقل بشفتيه إلي معصمها:
- في كل لمسة من شفايفي ليكي.
و أخذ يقبل معصمها لدي موضع العروق مما سبب لها قشعريرة فقالت برجاء و عيناها تخبره بذلك قبل فاها:
- أنا نفسي أسمعها من شفايفك.

حاوط وجهها بين كفيه و همس بنبرة أهتزت لها كل خلايا جسدها:
- شكراً لأنك خلتيني ألاقي نفسي و أحبها و لما حبتها لاقتني بحبك.

و ألتقم شفتيها في قبلة تحوي كل كلمات الحب و العشق الساحرة، تهوي علي قلوب العاشقين و تحلق بهم فوق غيمات وردية يصيبها البرق فتنهمر زخات الحب فوق قلوب قد جفت فيترعرع بداخلها بذرة تنمو و تنمو و تخرج ثمارها.
و بعد مرور وقت نهضت من جواره و تلتقط المأزر، نظرت إليه فوجدته يغط في النوم و علي وجهه علامات السعادة و الرضا و كأنه طفل صغير قد غفي بعدما أطعمته والدته حتي الشبع فشعر بالتخمة و سافر في عالم الأحلام.
و بعد قليل أرتدت ثيابها و وشاحها و كذلك حذائها، فالخطوة القادمة لابد أن تفعلها حتي تحمي حبها و من تحبه من الشر الذي يقترب منهما، أحياناً لابد من إضافة حرف الراء إلي كلمة الحب إذا استدعي الأمر ذلك و بعد كل الأحداث التي مضت عليها أن تكون الفائز في النهاية!
ـــــــــــــــــــــ
- سليم،  سليم.
رددها صلاح ليوقظه، فتح الأخر عينيه بنظرة مرعبة و أخذ يجول ببصره من حوله حتي تذكر إنه مازال في الغرفة التي مكث بها منذ الأمس بالمشفي.
أعتدل في جلسته و مسح بكفيه وجهه ثم ألقي نظرة علي ساعة يده فوجد إنها العاشرة صباحاً في اليوم التالي فقال:
- هو أنا نمت كتير أوي كده!
2

أجاب صاحبه:
- شيء طبيعي بعد وقفتك طول اليوم امبارح و قلقك كل ده هيخلي جسمك محتاج راحة.

تناول سترته ليرتديها و سأله:
- مفيش جديد؟

- ما أنا جيت أصحيك عشان أقولك إن الدكتور بيقول مدام زينب صاحية و لو عايز تدخلها و تطمن عليها مفيش مشكلة.

هز رأسه و أرتسمت علي شفتيه ابتسامة غامضة و قال:
- تمام.
نهض و اتجه نحو المرحاض الملحق بالغرفة:
- أكد علي الرجالة ممنوع دخول اي حد و خصوصاً لو كان حد من بتوع الصحافة و التليفزيون.

- اعتبره حصل.

و بعد ان انتهي من غسيل وجهه و مشط شعره أخرج سيجارة و قام بإشعالها فسأله صديقه:
- أطلب لك فطار دليفري؟

نفث دخاناً كثيفاً ثم أخبره:
- مفيش داعي،  أنا نص ساعة و طالع علي الشركة هافطر هناك، معلش هخليك هنا لحد ما ارجع.

ذهب إلي الطبيب و علم منه تطورات حالتها الصحية و أخبره بعدما أستيقظت و عاد وعيها بالكامل إنها أصيبت بحالة نفسية سيئة عندما تذكرت ما حدث لها.

ولج إلي الداخل وجدها ممددة علي ظهرها  في حالة سكون، تنظر إلي السقف بسبب الأسطوانة المحيطة بعنقها و ذراعيها بجوارها إحدهما محاط ببديل الرباط الضاغط و إحدي ساقيها محاطة بالجص.

جلس بجوارها فتحركت عيناها نحوه و جدته يبتسم لها قائلاً:
- حمدالله علي السلامة يا بيبي.

و اقترب منها و دنا نحو شفتيها و قبلها بنعومة ثم أخبرها و الإبتسامة التي تراها لأول مرة دبت في قلبها الخوف و سرعان ما تبدد عندما قال لها :
- بتعيطي ليه،  لما تقومي بالسلامة نقدر نعوض إبني اللي راح،  بس أنتي شدي حيلك و ارجعي اقوي من الأول و أوعدك هاعيشك أحلي أيام حياتك و أنسيكِ كل اللي فات.

و أمسك يدها الأخري و قام بتقبيل ظهر كفها و هنا رمقها بنظرة مليئة بالكثير من المشاعر يخبرها بكلمة واحدة نابعة من قلبه و هذا ما جعلها وقعت في حالة من التعجب و الحيرة،فكانت تتوقع أن يفعل معها نقيض ذلك تماماً :
- أنا بحبك.
و توج كلمته بقبلة بث إليها من خلالها كل مشاعره المكنونة نحوها، لحظات و أبتعد ليخبرها:
- معلش يا بيبي أنا مضطر أروح الشركة دلوقت و راجع لك تاني، نفسك في حاجة أجيبها لك و أنا جاي؟

أجابت بصعوبة:
- أني عايزة أتحدت مع ريهام، زمانها قلقانة عليا.

أومأ لها و قال:
- عينيا هاكلمهالك و هاطمنها بنفسي،  و أنتِ لما تتحسني يومين كده هاخليكي تكلميها بنفسك.

- أمي و أبوي عرفوا باللي چرالي؟

أجاب بنفي و طمئنها:
- لسه معرفوش هابقي أكلمهم و أبلغهم.

أنحني نحو جبهتها و قبلها في المنتصف ثم ربت علي رأسها و قال:
- خدي بالك من نفسك يا بيبي،  و عايزك تاكلي كويس، عايز في خلال الشهرين ألاقي زينب حبيبتي القوية الشرسة ترجع من تاني، اتفقنا؟

أومأت له بعينيها فأبتسم لها!
ــــــــــــــــــــــ
« أكرم بليز رد عليا أنت ما بتكلمنيش ليه؟
أكرم أنت وحشتني أوي هاترجع أمتي؟
أكرم نفسي نرجع زي أيام زمان و ننسي كل حاجة و نبتدي من أول و جديد.
هقولك علي حاجة أنا نفسي في بيبي و يا سلام لو كان نسخة منك.
علي فكرة أنت وحشني بقي رد عليا ارجوك أنا تعبت من كتر البعد و الانتظار
أكرم أنا بحبك أنت لسه بتحبني؟»
4

تلك كانت مجمل الرسائل التي أرسلتها علي مدار الأيام المنصرمة عبر برنامج الدردشة الشهير و بالطبع كان لا يري اي واحدة أو هكذا بدي لها في المؤشرات الجانبية التي لم تتلون باللون الأزرق.

أطلقت تنهيدة و أنتبهت إلي جرس المنزل فكادت تنهض و تذهب لتفتح الباب فقالت والدتها مشيرة إليها :
- اقعدي انتِ،  انا اللي هافتح شكله الواد سعيد بتاع السوبر ماركت كنت قايلاله علي كرتونة بيض بلدي.

و عندما فتحت و رأت الزائر:
- اهلاً اهلاً يا حبيبتي أتفضلي.

دخلت فأغلقت والدة ندي الباب، توقفت الأخري و قالت:
- معلش يا طنط أنا جاية عشان اقولك كلمتين و أمشي علي طول.

تعجبت الأخري و سألتها:
- في أي يابنتي خير؟

و قبل أن تتحدث رأت ندي التي أنتفضت بفزع عندما رأتها فقالت:
- أنتي هنا،  حلو أوي تعالي و أسمعي الكلام اللي هقوله لمامتك اللي هاتبقي شاهدة علي عمايلك و قذارتك.

- في أي يا مروة فهميني؟

أخبرتها إبنتها ببرود:
- سيبك منها يا ماما، دي واحدة مجنونة و جاية ترمي بلاها عليا.

صاحت مروة بغضب:
- يخربيت وقاحتك يا شيخة!، الهانم بنتك المحترمة المتربية يوم ما جيت أحكي لها عن مشاعري ناحية واحد حبيته ايام الكلية و كانت مخطوبة لأكرم في نفس الوقت، راحت من ورايا و قربت منه و قضتها غراميات و وصلت أنها تروح له لحد بيته و الله أعلم حصل ما بينهم اي،  طبعاً الهانم خافت تخسر حضرة الظابط و كملت خطوبتها و اتجوزت،  رجع صاحبنا بعد كام سنه و للاسف كان لسه بيحبها قعدت تمثل إنها بتزعقله و يبعد عنها  و هي من جواها في قمة السعادة إنه ملهوف عليها و منها يرجع لها الذكريات، و يوم ما جوزها اكتشف الموضوع الحلوة ما تلمش نفسها و تحافظ علي بيتها و جوزها لاء إزاي ده يحصل و ست ندي تخسر رجالتها!
2

و لأن والدة ندي علي علم بهذا عندما جاء علي لزيارتها قبل ذلك و استمعت إلي حديثه لها فقالت بدفاع و خوف من زوجها:
- خلاص يا مروة ده كان موضوع و اتقفل و راح لحاله، عيب كده انتو اصحاب.

و كأن كلماتها كالشرارة التي أضرمت النيران في الهشيم فقالت الأخري بصوت هادر:
- قولو لبنتك الكلام ده، هي ماقالتلكيش أن أنا و علي اتجوزنا و جت لي الفرح هي و جوزها من غير ما اعزمها!

عقبت ندي:
- علي فكرة مش أنا اللي جيت لك من نفسي،  أكرم فاجئني و مكنتش اعرف انكم هاتتجوزو.

أطلقت ضحكة ساخرة و قالت بتهكم:
- طيب و ياتري جوزك برضو هو اللي قايلك تبعتي رسايل لجوزي و تقولي له عمره ما هينساكي!

رمقتها ندي بشر مستطير فقالت الأخري:
- بتبص لي كده ليه، هو أنا جايبة الكلام ده من عندي و لا بتبلي عليكي!، تحبي أوري لمامتك الشات اللي ما بينا و اعترافك الصريح و انتي فرحانه اوي و فخورة و بتقولي ايوه بحب علي!

رمقتها والدتها بغضب و سألتها بنبرة لا تبشر بالخير إطلاقاً:
- كلام مروة صحيح يا ندي؟

لم تستطع الأخري التفوه بحرف و بماذا ستنفي ما قالته من كانت يوماً صديقتها،  فقالت مروة:
- بصي يا طنط أنا اقسم بالله لولا أن كان بينا عيشرة و جيت عندكم اكتر من مرة و كلنا عيش و ملح كنت روحت لجوزها و اقوله ابعد مراتك عن جوزي و فرجته علي الشات و لما هددت بنتك بكده بكل قذارة تقولي روحي قولي له خليه يطلقني و جوزك ما علي ما يعرف طلاقي هايرميكي و يجي لي.

ردت ندي بدفاع و جمود:
- كنت بغيظك لأنـ....
قاطعتها والدتها:
- أخرصي أنتي خالص،  و انتي يامروة حقك عليا أنا و شكراً لأنك برغم اللي حصل بتعملي بأصلك و باقية علي العشرة.
1

-أنا خلاص قطعت علاقتي بيها، ياريت تخليها تبعد عني و عن جوزي، لأنها أخرة اللي بتعمله هاتخسر كل حاجة و أولهم جوزها و بنتها.

و حدقت ندي بنظرة تهديد لا مزاح بها و أردفت:
- المرة دي أنا جيت لأهلك لأنهم مهما عملو معاكي انتي بنتهم المرة الجاية هايكون جوزك.
و بعد ان انتهت من مهمتها رحلت علي الفور،
كادت ندي تبرر أخطائها لوالدتها لكن أوقفتها بصفعة قوية.
ـــــــــــــــــ
كان يتصفح حاسوبه الخاص و يشاهد محتوي القرص الذي أرسلته له ريهام عبر إحدي رجاله و هذا بعدما أخبرها في الهاتف عليها أن تعد نفسها هي و زوجها للرحيل من منزلهما فأي وقت،  كما عليهما تغير شرائح الهواتف خاصة شريحتها حتي لايعلم سليم المكان التي ستذهب إليه عن طريق تتبع الشريحة ،  و بالفعل في ليلة مظلمة بمساعدة رجال أكرم أستطاعت ترك المنزل و الذهاب إلي أخر في مكان لا يعرفه سوي عائلتهما و هو فقط لأن القادم سيكون حرب ضروس و عليه أن يكسبها دون خسائر.

خلع القرص من حاسوبه و ذهب إلي رئيسه و أخبره بكل محتوي هذا القرص و ما عليه من كوارث فقال له رئيسه:
- أنا مقدر كل مجهوداتك يا أكرم بس خد بالك أنت ذكرت أسماء اقل اسم فيهم لو قبضنا عليه من غير دليل واحد أنت و أنا هايفصلونا عن الخدمة نهائي ده غير الكوارث اللي هاتقع فوق دماغنا، ده غير طبعاً عامل الوقت،  يعني علي الأقل محتاج لك شهرين تعمل تحرياتك و في سرية تامة لحد ما توقعهم واحد واحد.

رد أكرم بجدية وثقة:
- عارف يا فندم و عامل حسابي لكل تفصيلة صغيرة قبل الكبيرة بس المشكلة فيه بعض الأسماء للأسف من جوه الداخلية، أولهم ياسر الطوبجي عشان كده الموضوع لازم يتصعد للنائب العام.

-و ده اللي قصدي عليه و بأكد عليك كل خطوة لازم تكون مدروسة و محسوبة بالمللي، ده كفاية واحد زي سليم العقبي و نفوذه اللي واصله لعندنا ده غير الحيتان الكبيرة اللي وراه، إحنا داخلين علي حرب يا عالم هتنتهي علي أي.

نهض أكرم و عيناه تنضح بعزم و إصرار:
- و أنا أوعدك يا فندم هاتكون نهاية كل دول علي أيدي و علي راسهم سليم العقبي،  يا أنا يا هو.

ـــــــــــــــــــــ
و في خضم تلك الأحداث هناك ما يجافيه النوم خاصة كلما يتصل علي ريهام يتلقي رسالة مسجلة بالهاتف مغلق، يريد الإطمئنان علي زينب التي لا يعلم عنها شئ و يخبره قلبه إنها ليست بخير، ألقي الهاتف بتأفف و سأم فقالت له بتهكم التي تراقب تصرفاته عن كثب:
- للدرجدي مش طايق نفسك و عمال تنفخ من الصبح عشان الهانم ما بتردش عليك!

تلاقي حاجباه بضيق فقال لها بتحذير:
- أجصري الشر يا شهد و خليكِ في حالك.

نهضت و وقفت أمامه تلوح بيديها:
- أقصرو إزاي و الشر بنفسه راح لك لحد عندك في محل ابويا من كام يوم و من ساعتها ماسك التليفون زي العيل المراهق اللي مستني مكالمة حبيبته، فاكرني عيلة صغيرة قدامك و لا اي!

رفع إحدي حاجبيه و سألها:
-هي وصلت تخلي حمودة يتچسس عليا!

ردت بإنكار:
- أنت فهمت غلط،  كل اللي حصل كنت عند بابا إمبارح و سمعت حمودة و هو بيحكي له في التليفون و أنت عارف إن حمودة كل هفوة لازم يبلغها لأبويا،  جدع و بيحافظ علي الأمانة.

تفهم ما تقصده فرمقها بإمتعاض و نفاذ صبر:
- أجفلي خشمك و بزيداكي تلقيح كلام.

أقتربت منه و جلست أسفل قدميه علي عقبيها، تبدلت حالتها من القوة التي تحدثت بها للتو إلي الضعف و السير خلف قلبها دون الإكتراث إلي كبرياءها:
- ارحمني و ارحم قلبي و اوعدك هتلاقي لساني ما بينطقش غير بحاضر و نعم و أحلي كلام الحب، يا فارس أنت مش عارف قيمة نفسك و لا مقدرها، أنا عمر ما راجل ملي عيني و لا مس قلبي زيك، لو بس تدي لنفسك فرصة و تحبني ربع الحب اللي ليك جوه قلبي هتلاقيني من إيدك دي لإيدك دي، طب هقولك علي حاجه أنا نفسي ربنا يرزقني منك بطفل أنت مش نفسك في ابن من صلبك!

لا تعلم مدي الخناق التي تزيده عليه من توسلاتها تلك، نهض و ولي ظهره إليها قائلاً:
- طفل كيف و أني ماشي ببطاقة غير بطاقتي و يا عالم هافضل إكده لميتي، رايده تچيبي طفل تظلميه ويانا كفايه اللي أني فيه.

و كعادتها و تهورها الأحمق و كأنها تريد دمية للعب بها، نهضت و وقفت أمامه و بأمر و ليس طلب:
- مليش دعوة بالقصة دي كلها،  أنا عايزة أحمل و أكون أم و لا دي كمان عايز تحرمني منها زي ما حرمتني من حاجات كتير!

أنتفخت أوادجه فقال محذراً إياها:
- أتقي الشر يا شهد و عيب الحديت اللي عماله ترميه، أنا ماسك حالي عنك و وعدت نفسي ما مدش يدي عليكي تاني،  بس أنتِ اللي هاتخليني أخلف وعدي.
1

لم تهتم لتحذيره الجلي من نظرة عينه القاتمة لتزيد الطين بلاء و أنفجرت في الحديث دون خجل:
- الكلام مش علي هواك طبعاً عشان عارف أنت غلطان لاء و عمال تهددني كمان، مش كفاية مستحمله و ساكته في قلبي، يا راجل ده انت كل ما تقرب مني يا دوب كبيرك دقيقتين تلاته و تقوم تسيبني كأني واحدة جايبها من الشارع،  ده لو كنت بنت ليل كنت هاتعملني احسن من كده.

و هنا لم يتحمل أكثر من ذلك و بدلاً من أن يمد يديه أطلق لسانه بوابل من الكلمات الجارحة :
- خابره ليه، لأن الواحد يوم ما بيحب مارته و يعشجها بيبجي نفسه يفضل وياها طول عمره و ما يفرقهاش حتي وهم علي السرير،  لكن لما يكون ما بيحبهاش و چاي علي حاله و كمان لسانها سليط و محتاچ قصو بيبجي مش طايق حتي يبص في خلقتها بس مضطر يعاملها بما يرضي الله عشان لما يتسأل عليها قدام ربنا.

تركها و غادر المنزل لأنه لا يريد أن ينظر إليها بعد ما ألقاه علي مسمعها من كلمات بمثابة طعنات بخنجر غير مسنون فيزيد الآلام أضعافاً.
13

ـــــــــــــــــــ

مر شهران علي الجميع و في أثناء تلك الأيام العديدة كان أكرم يعمل علي قدم و ساق و بمساعدة أكفأ القادة المخلصين لبلدهم و عملهم النبيل، استطاع الإيقاع بأصغر المتهمين في القضايا و اولهم الضابط ياسر الطوبجي عين و ذراع سليم اليمني في وزارة الداخلية و كذلك قام بالقبض علي بعض الأسماء ذات الصيت و هذا بعد ما توصل لأدلة موثوقة أوقعتهم في شر أعمالهم و لم يتبقي سوي خطوة واحدة يكلل بها نجاحه إذا تمت كما يريد.

و علي الصعيد الشخصي وجد أن عليه وضع حداً و نهائياً لعذابه و هو البعد لكن ليس كالمرة السابقة حتي لا يضعف و ينصاع إلي قلبه مرة أخري، فما كان سوي أن يرسل إلي منزل عائلة من كانت زوجته ورقة الطلاق و رسالة إلي والدها يشرح له الأسباب، يكفيه ما عاشه طوال الوقت من خداع و جراح و انتهت بإعتراف قتل ما تبقي من كبريائه.

و بالسفر عبر القطار إلي محافظات الصعيد وصولاً إلي نجع الشيخ نور الدين..
لدي عائلة خميس القناوي، زوجته رسمية منذ وفاة إبنة شقيقتها لم تنقطع عن زيارة شقيقتها سعاد و التي فقدت صوابها بسبب موت إبنتها و أستدعي الأمر لابد أن تذهب إلي مصحة نفسية لكن رسمية رفضت هذا و قالت إنها أحق برعاية شقيقتها يكفيهم فضائح.

بينما رافع كما هو حاله بل قد أزداد سوءاً عندما علم بزواج فاطمة من الطبيب يحيي و الذي جاء له فرصة عمل في دولة أوروبية فسافرت معه و هي بثوب الزفاف و البسمة تملئ ثغرها لكن هل قلبها يبتسم أيضاً أم لا!

كان يقضي لياليه في الملاهي الليلية بين الخمر و فتيات الليل حتي ضاق ذرعاً و أختنق و في يوم قرر أن يضع نهاية لما هو عليه،  ذهب إلي قسم الشرطة و أعترف بكل جرائمه و علي رأسهم القضية التي دبرها لفارس إبن عمه و هذا بسبب حقده و كرهه الدفين له.
1

و أما زكريا لقد أصدرت المحكمة عليه السجن لمدة خمسة عشر عاماً مع الشغل و النفاذ و هذا بعد محاولات عديدة من المحامي و استغلال كل الثغرات لكن إذا تم التلاعب بأحكام البشر لكن لن يقدر أي مخلوق التدخل في حكم الله.

و لدي بكر و قمر كان الحال مستقر،  فكليهما أختار الطريق الصحيح منذ البداية، سبيل لن تضل بعده العباد إذا سلكوا هذا السبيل بنوايا و قلوب طيبة يرجون رحمة الخالق و كرمه الواسع.

و بعد رحلتنا من الجنوب نعود إلي العاصمة، لدي صلاح و سمية كان الوضع مستقر حد ما و هذا بعدما نشب بينهما خلاف تريد رؤية صديقتها و هو يخبرها بأمور لم تصدقها و بالنهاية قال لها أن زوجها يمنع عنها الزيارة و لا يعلم لما، مما زاد ذلك من مخاوفها علي صديقتها، حتي فاض بها الأمر و أرتدت ثيابها و خرجت لتقول له:
- قدامك حاچتين مالهمش تالت الأول يا توديني أطمن علي زينب و التانية تهملني أسافر لأهلي.

ترك قدح القهوة الذي أنتهي منها لتوه و نهض قائلاً بعدم تصديق:
- أنتِ أتجننتِ يا سمية!

ردت بجدية دون أي مزاح:
-بقولك أي يا صلاح انت خابر زين مين المچنون،  مفيش غيره صاحبك اللي معرفاش هو ناوي علي أي لزينب، جولي أنت و اديني عقلك ليه ممانع الزيارة عن مارته بجي له شهرين إلا إذا هو ناوي علي حاچة.

زفر بتأفف و قال:
- ما أنا قولت لك الدكتور قاله ان حالتها النفسية سيئة عشان كده هو مش راضي حد يزورها.

قطبت حاجبيها و تفوهت بتهكم:
- و أني لو روحت لها نفسيتها هاتسوء اكتر إياك!

صاح الأخر بغضب:
- سمية،  اتفضلي خشي غيري هدومك و بطلي عند،  هي احتمال تخرج النهاردة أو علي بكرة بالكتير و لما تروح هاخدك بنفسي و روحي اطمني عليها.

و بعد ذلك الجدال آتاه هاتف من إحدي رجاله يخبره بما حدث من وقوع رجال الأعمال اللذين علي صلة بصديقه في تجارة المخدرات و الأسلحة و وصله أمر رافع الذي ذهب إلي الشرطة و أدلي بجرائمه التي ذُكرَ بها اسم سليم العقبي.

و لدي شهد فقد تركها فارس منذ أكثر من أسبوعين و يمكث لدي صاحبه جنيدي و هذا تجنباً لها و بسبب لسانها السليط الذي يثير غضبه و يحدث ما لا تحمد عقباه.
رنين جرس المتواصل و كانت تبكي حينها كلما اشتاقت إليه، و عند سماعها للجرس أنتفضت و قامت علي أمل أن الزائر هو و هذا لأنه قبل ان يتركها ألقي المفتاح الخاص به لها.
فتحت فوجدت والدها مبتسماً:
- قومي ألبسي بسرعة و تعالي نروح لجوزك.

- عايزني أروح له أبوس ايده عشان يجي يعيش معايا هو للدرجدي معنديش دم و لا ذرة كرامة!

نظر إليها بإمتعاض و قال:
- ما هو عشان راجل و عنده كرامة مكنش هيستحمل كلامك اللي زي الطوب و الرصاص،  فكان لازم يسيب لك البيت و يمشي، أنا جاي أصلاً عشان اقولك إنه خلاص كلها ايام و براءة جوزك هتظهر، عم جابر لازم قافل معايا و قالي  إن رافع ابن عم فارس راح و اعترف علي نفسه و إنه هو اللي لبسه تهمة المخدرات، كلمني عشان مش عارف يوصل لفارس موبايله مقفول.

رددت بسأم:
- قافله عشان كل شويه اتصل عليه.

- طيب خلاص قومي غيري هدومك و روحي بلغيه الخبر بنفسك.

فكرت في الأمر قليلاً ثم أتسع فمها بسعادة و ذهبت لتفعل كما أمرها والدها.
1

و لدي فارس كان يقف خلف السور و يراقب سرب الطيور المحلق في كبد السماء،  يذكره بالذي رآه عندما كان في شاحنة الترحيلات.
- رايد مني حاچة يا صاحبي جبل ما أمشي؟
كان صوت جنيدي فأجاب الأخر:
- شكراً.

ربت الأخر علي كتفه و قال:
- مش هتأخر النهاردة و هاچيب لنا عشوة حلوة جوي بدل البيض و الچبنة.

سأله فارس:
- هاتچيب أي؟

رد الأخر بجدية بالغة:
- چبنة و بيض.

لكزه في كتفه و قال له:
- أمشي يا چنيدي بدل ما احدفك من فوج السطوح.

- دي اخرتها بعد ما انقذتك من مارتك، طيب يارب و أنت نازل تلاجيها في خلقتك.

و كاد يلتفت فأنتبه إلي التي تنادي:
- فارس.

غر جنيدي فمه ثم أخذ يضحك فرمقه الأخر بحنق فذهب مسرعاً.
أقتربت شهد منه بخطي هادئة:
- أنا علي فكرة جاية لك عشان أقول لك مبروك البراءة مقدماً.
1

رمقها بعدم فهم فأردفت:
- عم جابر كلم بابا و قاله ان رافع ابن عمك راح اعترف علي نفسه إنه اللي ورا تلفيق قضية المخدرات و كده المفروض تروح تسلم نفسك عشان يتحكم لك بالبراءة.

و لأول مرة يبتسم لها من قلبه بل و عانقها من السعادة التي يشعر بها الآن، لم تصدق ما فعله،  تركها و جثي علي الأرض في وضع السجود و ظل يشكر ربه ثم نهض و ذهب ليحضر متعلقاته و حقيبة ثيابه:
- يلا بينا من أهنه.

غادرا البناء و في طريقهما إلي ركوب سيارة اجرة توقفت و سألته:
- فارس لو طلعت براءة هاتروح لها و تطلقني.
توقف و ألتفت إليها قائلاً:
- شهـ...

لم يلحق إكمال جملته حيث داهمتهما سيارة سوداء كبيرة خرج منها رجال ذوي أجساد ضخمة قاما أحدهم بضربه علي رأسه و أخر قام بحمله إلي داخل السيارة و هي أخذت تصرخ بإستغاثة لكن إحدي الرجال قام بنثر مخدر لدي أنفها ففقدت وعيها في الحال.

ــــــــــــــــــــ
و في مكان آخر لدي سليم لم يترك زينب بل كان حنوناً عليها و جعلها لم تشعر بأنها تمكث في المشفي طوال شهرين حتي تماثلت للشفاء و قرر الطبيب إزالة الجص و إعطائها بعض التعليمات حول تناول الأدوية و الأكل الصحي.
و ها هي ترتدي وشاحها أمام المرآه، آتي من خلفها يمسك بخصرها و ينظر لها من خلال المرآه:
- أخيراً يا بيبي قومتي بالسلامة، حاسة بأي دلوقتي؟

ألتفتت إليه و بسعادة أخبرته:
- الحمدلله بجيت زينة جوي، بالله عليك يا سليم أول حاچة نفسي فيها أروح أزور ريهام أتوحشتها جوي.

قام بتقبيل وجنتها و سألها بعتاب:
- و بالنسبة لجوزك حبيبك ما وحشكيش، و لا عندك ريهام أحسن مني!

رمقته بشبه إبتسامة و قالت:
- لاء طبعاً أتوحشتك، يمكن جولت إكده لأن معرفاش حاچة عنها و النادلة ما فكرتش تتصل عليك و تطمن عليا.

عانقها بقوة و أخبرها بنبرة غامضة:
- بكرة الأيام تثبت لك يا بيبي إن مفيش حد حبك قدي.

شعرت بوخز في قلبها فأنسحبت رويداً من بين ذراعيه و قالت:
- طب يلا نمشو من أهنه أني زهجت جوي.

أثني ذراعه و قال لها:
- يلا بينا و علي فكرة أنا محضرلك مفاجاءة هاتعجبك أوي أوي.

غادرا المشفي و ولجت إلي داخل السيارة و تبعها من الباب الأخر و أمر السائق بالإنطلاق،  و بعد مسافة قليلة أنتابها شعور بالخوف و التوجس من أمر تجهله، ربما وجوده بجوارها أو في حضرته يثير خوفها دائماً.
تشاهد الطريق عبر النافذة و رغم ضوء الأعمدة المتراصة علي طول الطريق فأن الظلام يسيطر علي بصرها، ألتفتت إليه و سألته:
- هو إحنا راچعين علي الڤيلا؟

نظر إليها بإبتسامته التي ذكرتها بذات الإبتسامة عندما لاذت بالفرار منه و وجدته ينتظرها في المطار.
- تحبي نروح فين؟

رفعت كتفيها و قالت:
- نرچعو علي الڤيلا.

أومأ لها و سألها بتهكم يخفي خلفه طامة كبري:
- مش نفسك أوديكِ لحبيبك.

قطبت حاجبيها و رددت بتعجب:
- حبيبي!

أمسك باللوح الألكتروني و لمس ملف لبث مباشر و وضعه أمامها و يخبرها:
- أي يا زوزو حبيبك أبو الفوارس، أي مش وحشك و نفسك تشوفيه و أنا هحقق لك مطلبك.

تستمع إلي وعيده و تنظر إلي شاشة اللوح، تري فارس مجرد من قميصه و مقيد من يديه  بسلاسل حديدية متدلية من السقف و يبدو من هيئته إنه فاقد للوعي.
هزت رأسها يميناً و يساراً بعدم تصديق لما تراه:
- لا، لا، لاء.

قبض علي خلف وشاحها  بعنف و بالتالي خصلات شعرها التي أسفله، و بأكثر وجه مرعب يحدق بها و بنبرة فاقت ملامحه رعباً:
- أنتِ دخل عليكِ وش الملاك اللي رسمتهولك بقالي شهرين!، الظاهر نسيتِ جوزك يبقي مين يا بيبي، فاكرة لما أقسمت لك إن حياة إبني في كفة و حياتك أنتِ و كل اللي تعرفيهم في كفة، بس أنا مالقتش حد هيهمك أوي و تتحسري عليه قد حبيب القلب اللي هاتموتي و تقابلي ريهام همزة الوصل اللي ما بينكم  عشان تطمنك عليه.

أردف بصوت هادر و نبرة أجفلت كل حواسها:
- و زي ما حرقتي قلبي علي إبني هحرق قلبك علي أعز الناس عندك.
2

أجهشت في البكاء بل نوبة تقترب إلي البكاء الهيستري:
- لا يا سليم، فارس مالهوش ذنب، أبوس يدك همله...

- أخرصي.
صاح بها و بجانب يده هبط علي عنقها جانباً ففقدت الوعي فوراً،  ثم أمر السائق:
- أطلع علي الهنجر!

🌷يتبع🌷

ظلام دامس و سكون رهيب يعم أرجاء هذا المكان الموحش ذو الرائحة العطنة، أصوات أنين و زمجرة تأتي من خلف شريط لاصق يكمم فاه شهد التي منذ أن أستيقظت و وجدت أنها و فارس كلاهما مُكبل بالسلاسل الحديدية.
و في ذلك المكان المخيف و المرعب أصابها حالة ذعر و هلع فأخذت تصرخ تارة و تسب هؤلاء الرجال الذين قاموا بخطفهما و أتوا بهما إلي هنا؛ فمازالت تجهل السبب حتي قام أحدهم بوضع شريط لاصق علي فمها و بعد قليل حدث الذي كان يتوقعه فارس المُقيد بضم يديه إلي أعلي رأسه بسلسلة حديدية تلتف حول رسغيه معاً و أخري متصلة بالتي حول يديه و بعمود معدني مقيد به سائر جسده، و قدميه مُقيدة داخل دلو ملئ بالماء، مُجرد من قميصه حتي يلفح جذعه العاري ذلك البرد المحيط به .

و إذا توجهنا ببصرنا أمام فارس بمسافة قليلة، سنري ضوء أصفر باهت يتسلط علي ذلك الجالس فوق كرسي من الجلد المُبطن ذو مسند للظهر كبير و مساند جانبية في مقدمتها تمثالين لأسدين، يجلس بكل شموخ و هيبة، يكشف الضوء عن عينين شديدة الحدة، تُرهب كل من ينظر إليهما، و ما زاد هيئة صاحبها رعباً تلك الإبتسامة المرسومة علي ثغره، كوحش رابض أمام فريسته يستلذ بمشاهدتها و هي تموت من إنتظار مصيرها نحو الهلاك.
قاطع ذلك المشهد حركة تأتي من جوار الكرسي، لم يكلف عناء نفسه سوي النظر بطرف عينيه مما جعل فارس حاول بكل جهده بسبب العتمة التي تخيم علي المكان التمعن و التحقق من التي تحاول النهوض حتي صعقه صوتها عندما صرخت بأسمه و ليس هذا فقط بل ما أسبر دواخله تلك الوضعية التي هي بها، حيث يلف حول رقبتها طوق متصلة به سلسلة نهايتها في قبضة هذا الرجل الذي أستيقظ شيطانه مرة أخري و أقسم أن يريهم الجحيم بجميع ألوانه لكي يعلم كليهما من هو سليم العقبي !

- أحب علي يدك يا سليم، همله لحاله، فار....

و قبل أن تكمل لفظها لأسمه جذب السلسلة فجاءة مما سبب لها ألم شديد في عنقها و شعرت بالإختناق الشديد، كلا يديها مُقيدة خلف ظهرها مما زاد شعورها بالعجز، أطلق ضحكة ساخرة و يليها قوله لها:
- مفاجأة حلوة يا بيبي.

نظر إلي الطوق حول عنقها و أردف:
- ده مقامك و دورك اللي أختارتيه، نقدر نقول اللي كنتِ بتمثليه، مجرد كلبة مطيعة، صح يا زوزو؟

أخذ يربت علي رأسها و كأنها حيوانه الأليف، بينما هي تحاول أن تلتقط أنفاسها بلهاث و ترمقه من طرف عينيها فباغته صوت فارس:
- هملها يا سليم و حسابك معايا أني.

نظر إليه الأخر و مازال محتفظاً بتلك الإبتسامة الشيطانية قائلاً:
- مستعجل علي رزقك ليه يا أبو الفوارس، ده أنت مشرف هنا لحد ما نشوف هاتستحمل اللي هاعمله فيك لحد أمتي و هخلي زوزو حبيبتي مراتي تشوفك و أنت بتخرج في الروح واحدة واحدة.
أخذت شهد تزوم و تتحرك كثيراً، تهز رأسها بالنفي دلالة أنها ترفض ما سمعته للتو، أشار سليم إلي إحدي رجاله المنتظرين  علي بُعد مسافة قليلة، فتقدم الرجل نحو شهد و جذب اللاصق الذي سبب لها بعض الألم، أخذت تلتقط أنفاسها ثم صاحت بدفاع عن زوجها:
- بدل ما جاي تتشطر علي جوزي و مكلف نفسك و خاطفنا روح اتشطر علي الوسـ....  مراتك اللي كانت بتلف ورا جوزي.
2

صاح بها فارس بغضب:
- أكتمِ يا شهد.

و في غضون لحظات و قبل أن ترد علي صياح زوجها، بإشارة من سليم إلي الرجل، شقت حنجرتها صرخة إثر لطمة قوية جعلتها تشعر بـ نار حارقة في منتصف وجهها، أهتز فارس بغضب عارم و بزئير أسد جامح:
- بعد عنها يا إبن الـ....

نهض سليم بهدوء و كأن لم يحدث شىء، علق طرف السلسلة بحلقة في الكرسي ثم أتجه إلي فارس حتي وقف أمامه مباشرة، أخرج من جيبه هاتفه و قام بتشغيل إحدي التسجيلات

" -زينب، كيفك يا جلبي؟

لحظات من السكون و الهدوء التام حتي ظن أنها ربما أنهت المكالمة

- زينب،رايد تسمعيني زين و تعرفي إن اللي شوفتيه ده كله مش حجيجي.

-كيف و أني شايفة يدها في يدك!، كيف و أني شايفة الفرحة مالية عينيها و هي بتجول أعرفكم بچوزي!، كيف لما چت لك فرصة تهُرب بدل ما تيچي لي تروح لواحدة غيري و تستخبي في حضنها!

-قسماً بالله بحب و لا هاحب غيرك أنتِ، أني أتچوزتها كرد چميل مش أكتر، أني بحبك جوي يا زينب، أنا ما بشوفهاش غيرك أنتِ، صوتك في وداني و صورتك بشوفها في كل واحدة عيني بتيچي عليها.

-أني معاها بچتتي لكن روحي و جلبي وياكي أنتِ، كل نفس بتنفسه أنتِ السبب فيه، عايش علي حبك اللي بيچري في عروقي، زينب أني كل يوم بموت و لما شوفتك وياه جلبي أندبح و عمال ينزف من وجتها، الموت عندي أهون  من إنك تكوني مع غيري.

أخبرته من بين أنينها:
-و أني مُت خلاص يا فارس، من وجت ما أخوي هددني بحياتك يا إما أهملك، من وجت ما چبرني أتچوز واحد الشيطان چاره ملاك، من وجت ما خدني الشيطان ده بالغصب و كل ما يجرب مني و أني جلبي ينادم عليك و بفوج و أني بندبح في كل مرة، خابر اللي كان بيصبرني أنت، عمرك ما فارجتني لحظة، عمري ما نسيت حضنك ليا لما چيت لك القسم.

-و أيه اللي چابرك عليه لدلوق أتطلجي منه.

صدر من شفتيها ضحكة باكية بل و ساخرة من حالها البائس فأخبرته:
-تمن الكلمة دي دفعته غالي جوي، و بجي استحالة بعد.....

-بعد أي؟، كملي وجفتي ليه؟

-فارس أني لازم أشوفك ضروري، أول ما هظبط أموري هابلغك عن طريج ريهام، و لحد ما أشوفك بالله عليك خلي بالك من حالك و إياك تسوي حاچة و لا تتهور حياتي و حياتك و حياة أهلي كلها في خطر لو حوصل حاچة و سليم شم خبر.

رد بغيظ و غضب من بين أسنانه:
-واه، رايدني أتفرچ علي اللي بيحوصل وياكي و أسكت إياك!

- لو ليا خاطر عندك بالله عليك أسمع كلامي، أني خابرة بسوي أي زين، و أطمن عن جريب هخلص منه و أخلص الدنيا من شره. "

كان الأربعة يتبادلون الأنظار، فنظرات فارس ينظر بقلق و خوف علي معشوقة فؤاده الجاثية علي الأرض في وضع مُزري، بينما شهد أقل ما يقال عن ما يرتسم علي ملامحها ألا و هو الشعور بالصدمة، و زينب لا تقل عن حال فارس، لكن سليم يكفي تلك النظرة الحالكة التي تنذر بالشر الضاري لا محالة.

لمس علامة إيقاف التشغيل و أخذ يترقب ردود الأفعال فوجد شهد تنظر بصدمة بعد ما قد سمعته من لسان فارس حيالها، بينما زينب ظلت تهز رأسها بجنون و تردد كلمة لا، و أخيراً فارس يرمقه بعداء و كراهية و لولا قيوده لكان أنقض عليه و فتك به في الحال.

ألتفت سليم إلي زينب و سألها بسخرية:
- ألا قولي لي يا بيبي، لحقتي تنسي اللي عملته فيكِ هنا المرة اللي فاتت!، لاء و العجيب و الغريب إنك بكل سذاجة و عبط دخل عليكِ حكاية إن صدقت لعبة الخاضعة المطيعة لحد ما زي ما قولتِ له هخلص منه و أخلص الناس من شره!

خطي نحوها حتي أصبح علي مقربة شديدة منها، نظر إليها و هي تجلس أسفل قدميه، هبط و جلس علي إحدي ركبتيه، وضع كفه علي خدها يربت بخفة:
- واضح جداً أنك لسه معرفتيش مين هو سليم العقبي، و واضح كمان مكنتيش عارفة أن كل نفس و حرف منك بيكون عندي علم بيه و سايبك تتصرفي براحتك و تبلعي الطعم زي ما أنا عايز بالظبط.

لم تتوقف عيناها عن ذرف الدموع لكنها رفعت وجهها إليه بشموخ و رمقته بقوة ربما تستمدها من وجود فارس غرار الخوف الذي ينهش داخلها من المجهول و تنفيذ سليم لوعيده:
- و أني خابرة زين مع مين بتعامل، و خابرة أنك مراقب كل خطواتي و كنت بتخيل منظرك و أنت سامع كيف بكرهك و بتمني أتخلص منك في كل لحظة، و كيف أدفعك كل لحظة ألم و قهر عيشتهالي و أنتقم منك أشر الإنتقام.

رفع زواية فمه جانباً بتهكم و قال:
- و ده اللي خلاكي تنسخي الملفات اللي علي اللاب بتاعي و تحطيها علي فلاشة و اللي بالتأكيد خليتي صاحبتك ريهام توصلها للبوليس، بالتحديد وصلتها لأكرم عمران.

كادت عيناها تخرج من محجريهما فرط دهاءه و مكره، تركها في حالة ذهول و نهض و ألتفت إلي فارس و أردف:
- أكرم اللي سبحان الله يطلع أبوك كان صاحب أبوه اللواء، صدق اللي قال مصر كلها اوضة و صالة.
إبتسم فارس بتهكم مماثل و عقب علي حديث الأخر بقصف مفاجئ:
- أيوه كان صاحبه و اللي أبوك راح قتله لأچل ما يقبضش عليه و يوديه في ستين داهية، و يا عالم إبنه يمكن يحقق اللي مالحقش أبوه يسويه و يخليك تشرف السچن أنت و أمثالك.

و كالمعتاد كان لسليم رد فعل يفاجئ به الجميع، أطلق ضحكة و كأنه سمع تُرفة فكاهية، و عندما توقف عن الضحك قال:
- ياه الواحد زهق من كتر الشعارات اللي ما بتتغيرش و الخير بينتصر و جو الأفلام الأبيض و أسود اللي ضاحكين عليكم بيه.

عقد حاجبيه و أردف بجدية:
- أظن كفاية كدة كلام بقي، أنا مش مستضيفكم هنا عشان نرغي، حتي اسأل زوزو و هي تقولك.
و أشار إلي رجاله فأتي أثنان منهم بإجترار منضدة معدنية يعلوها جهاز و أدوات يكفي أن تنظر إلي كل أداة منها و ستدرك ماذا سيحل بك من عذاب.

صرخت زينب في محاولة بائسة:
- لاء يا سليم، لو لسه ليا خاطر حداك، هاسوي اللي أنت رايده، و لا أجولك لو رايد تنتقم، أنتقم مني، فارس مالوش صالح باللي حوصل، مكنش خابر أني رايحه له، و اللي چري لولدك كان قضاء و قدر.

و لأول مرة منذ أن بدأ العرض هجم عليها قابضاً علي السلسلة و جذبها بحدة حتي شعرت بطقطقة فقرات عُنقها،و  بصوت كالرعد صاح في وجهها:
- مش عايز أسمع صوتك لحد ما يجي دورك، أنا لسه علي تهديدي ليكِ بحق إبني اللي راح بسببك حياته قصاد حياة أعز الناس ليكِ، هخليكِ تشوفيه بعينك و هو بيترجاني عشان أرحمه برصاصة في دماغه و أخلصه من اللي هاعمله فيه دلوقت.

أشار إلي إحدي رجاله فقام بإمساك سلكين متصلين بصندوق أسود يتوسطه مؤشر و به زر تشغيل و زر أخر مسئول عن تغير شدة التيار،قام الرجل بإلقاء طرفي الأسلاك في الدلو الملئ بالماء ثم تنحي جانباً و أومأ لسيده بأن الأمر علي أهبة الإستعداد، رمق سليم فارس بنظرة شديدة القتامة و ضع يده علي زر التشغيل قائلاً:
- بصراحة أنا كنت محتار في إختيار وسيلة تعذيب تليق بمقامك فأفتكرت إنك مهندس و كنت دارس التيار الكهربي و عارف أن أحسن موصل جيد للكهربا الميه.

ضغط علي زر التشغيل و سرعان سري التيار الكهربي ليضرب قدمين فارس و بالتالي سائر جسده، حينها شعر و كأن آلاف من الخناجر تخترق كل خلية في جسده الذي أخذ يرتجف و يهتز بقوة ، لم تتحمل شهد ما تراه و رغم من صدمتها من سمعها إلي إعتراف زوجها إلي حبيبته نحوها لكن ما زال قلبها يتغلب عليها، أطلقت صرخة مختلطة بصراخ زينب :
- سيبوا يا حيوان، أنت فاكر نفسك إيه، أنت لو كنت راجل و مالي عين مراتك مكنتش هتجري ورا جوزي و بدل ما تحسابها جاي تحاسبه هو، هي اللي شمال و....
4

قاطعها كفه تلك المرة و يرمقها بنظرة من الجحيم مُحذراً إياها:
- كلمة كمان عليها و هوريكي إن أنا راجل أوي و قدام اللي بتقولي عليه جوزك.

و ألتفت إلي فارس الذي يحاول إستعادة قوي جسده المرتجف،فبرغم من توقف تشغيل الكهرباء لكن ما زالت المياه تحمل بعض الشحنات التي تصيبه بشعور كاللسعات، ثم عاد بالنظر إليها و أردف بسخرية :
- يا تري كان راجل معاكِ و لا!

رمقته بغضب و ألقت عليه سبة بذيئة:
- أنت و....
ثم بصقت في وجهه و هدر فارس إليه من بين أسنانه:
- بعد عنها و لو كنت راچل بچد فكني و أني هخليك تعرف معني الرچولة.

أخرج سليم محرمة من جيب بنطاله و قام بمسح لعابها من علي خده و ألقي به في وجهها، أخذ يضحك ثم قال:
- تصدق عجبتني، بس يا تري هل دي غيرة شهامة و لا غيرة واحد علي مراته!

أجاب الأخر من بين أسنانه:
- و اللي كيفك إكده يعرف إيه عن الرچولة، تتچوز واحدة مش ريداك غصب عنها، و لو مكنتش خابر إن أول ما هاخد براءة أول حاچة هعملها إن هاچي أخلصها منك مكنتش چيبتني علي أهنه و ربطني و خايف تواچهني راچل لراچل عاد.

رمقه بإبتسامة تثير الغضب و أخبره:
- أنا جايبك هنا عشان أخلص عليك زي ما بنت عمك خلصت علي إبني، إما بالنسبة للرجولة فأنا أرجل منك و من ألف واحد من عينتك، تقدر تقولي كنت هربان طول الفترة اللي فاتت و مستخبي زي النسوان و ما روحتش تدور علي اللي آذاك و أخدت حقك منه!، عارف ليه.

أقترب منه حتي أصبح أمامه مباشرة و أردف:
- عشان جبان و مش راجل.
و باغته بللكمة في وجهه، صرخت شهد و زينب التي صاحت بتوسل:
- كفاية، أحب علي يدك كفاية، همله و سوي اللي رايده فيا أني.

ألتفت إليها و يا ليته ما ألتفت، فذاك الوجه المخيف الذي كان يرمقها سابقاً في هذا المكان ها قد عاد من جديد بل و أسوأ من ذي قبل، أقترب منها و قام بفك تكبيل يديها، أخذت تدلك رسغيها و علي وشك أن تنهض فأجبرها علي الركوع و وضع حذائه أعلي ظهرها، يمسك بسلسلة الطوق:
- أظن كان كلامي واضح من الأول، أنتِ هنا كلبتي المطيعة يا زوزو، و الكلبة المطيعة لما سيدها بيؤمرها تقول إيه؟

رمقت فارس بعينين يملؤها الدموع و قلة حيلة فأطلق زمجرة و صاح:
- هملها يا ابن الـ....

أكتفي الأخر بإشارة إلي إحدي رجاله فذهب و ضغط علي زر تشغيل الكهرباء فبدأ جسد فارس بالإهتزاز، صرخت زينب و تمسك بساق سليم الأخري و تردد:
- حاضر، حاضر.

رفع يده فأغلق الرجل الجهاز، بينما شهد بدأت صرخاتها تخبو من فرط ما رأت، أشار سليم مرة أخري للرجل نحو شهد و أمره:
- فكها من السلاسل و سيب إيديها مربوطة و هاتها هنا.

و أشار أسفل قدمه، أومأ له الأخر و فعل كما أمر و ترك شهد التي أخذت تقاوم و تصرخ بصوت مبحوح، و قبل أن يقترب سليم و يدنو إليها نظر إلي فارس بإبتسامة تشفي و قام بسؤاله :
- إحساسك إيه و أنا بين إيديا مراتك.
أشار له بعينيه نحو شهد
- و حبك القديم!.
و أشار له نحو زينب، و أردف:
- أنا كنت ممكن أخلي رجالتي يتسلو علي مدام شهد قدام عينيك، بس حرام بعد اللي قولته في حقها و أنك متجوزها إكراماً لحماك مش هابقي أنا و أنت عليها.

كافحت شهد الألم الذي يحرق حنجرتها و قالت بصوت ذو بحة بنبرة ساخرة:
- و يا تري ده صوت ضميرك و لا بتداوي جرح كرامتك اللي مراتك داست عليها و هي بتكلمه!

ترك ما بيده و فجأة قبض علي وشاح شهد و قام بخلعه و إلقاءه علي الأرض، ليتمكن من إقتلاع بعض خصلاتها في قبضته:
- أنا مش عادتي أضرب واحدة ست، بس لسانك هيخليني أكسرك.

تدخلت زينب بعدما نهضت بصعوبة تمسك بيده:
- هملهم لو ليا خاطر حداك، أني اللي سويت كل حاچة،  أني اللي مسئولة عن ولدك اللي راح، أنتقم مني أني.

و ها قد نفذ صبره قبض علي خصلاتها أيضاً، حينها صاح فارس بصوت يخرج بصعوبة،فصعقه بالكهرباء أنهك قواه بالكامل:
- هملهم يا حيوان.

كاد الرجل يضغط علي زر التشغيل فأوقفه سليم بنظرة ثم رمق فارس بتحدي:
- ها يا باشمهندس قولي أبدأ بمين فيهم، أو هاقولك علي عرض أحلي أنا هاكتفي بواحدة بس و أنت اللي هتختارها، بس خد بالك أنا ما بضربش ستات و زوزو حبيبتي أكتر واحدة تشهد بكدة.

ترك خصلاتها ليحاوط خصرها و يجذبها بقوة حتي أصبحت ملتصقة به و يقترب بأنفه و شفتيه و بدأ يهذي لها و أنفاسه تضرب خدها :
- فاكرة يا بيبي ليالينا الجميلة.

ترك شهد ليتمكن من عناق زوجته و يُقبلها بقوة و عنف و بطرف عينيه يراقب فارس الذي يحاول كسر قيوده بوهن و حالة يرثي لها لينقض عليه و يسحقه، ضحك سليم بخبث و سأله :
- طب لو اللي مكان زوزو شهد؟
و جذب شهد من خصلاتها و وضع يده علي تلابيب ثوبها و كأنه ينوي تمزيقه، و هنا صاح فارس بكل ما تبقي من قوته الواهية:
- جرب تقرب منها و شوف هاسوي فيك إيه؟

أطلق الأخر ضحكته الهيسترية ثم قال:
- و لما أنت دمك حامي كده بتقرب من اللي مش من حقك ليه!

حاول التظاهر بالقوة علي غرار ما يشعر به من عجز و آلام جسدية و أخري معنوية قاتلة، فشعوره بالعجز و عدم إستطاعته الدفاع عن زوجته و ابنة عمه مهجة فؤاده، هذا يكفي لتدميره إلي الأبد.
- لأنها عمرها ما كانت حقك، زينب كانت خطيبتي و من يوم ما جلبي دق لها و بعتبرها مارتي قدام ربنا، و كنت راچع من السفر لأچل نتچوزو، و حصل اللي حصل و چيت أنت أتچوزتها بإجبار من أخوها و منك و خابر أنها مش ملكك.

لم يمتلك الأخر نفسه فترك زينب و أنقض علي فارس بكل حقد و كراهية أخذ يكيل له اللكمات بقوة و ضغينة،يخبره من بين أسنانه بزمجرة وحش كاسر:
- زينب ملك سليم العقبي و بس، أنت سامع يا....  !

حاولت زينب أن تبعده عنه قبل أن يقضي عليه، دفع يدها و أشار بسبابته أمام وجه فارس قائلاً بإصرار و حسم:
-أنت مجرد حشرة و كلها مسألة وقت و هخلص عليك و هاخدها و هنسافر برة، و هنخلف بدل الطفل عشرة، لأنها مراتي أنا، ملكي أنا.

أبتعدت زينب خطوة خوفاً منه، فهو في حالة نفسية غير طبيعية، كادت تخطو خطوة أخري فكانت قبضته أسرع منها و جذبها لينقض علي عنقها و وجهها و شفتيها بقبلات ضارية و كأنه أطلق سراح وحش ساديته، هذا أمام فارس الذي أخذ يصرخ بكل قوته ليبتعد الأخر عنها، بينما شهد من هول ما تري أخذت تحتضن نفسها في حالة ذعر و تبكي، فسبب بكائها ليس ما يفعله سليم في زينب لكن صراخ فارس و كل ما يصدر منه نحو زينب أمام عينيها جعلها تدرك الحقيقة جيداً، كم كانت في غفلة العشق الذي جعلها تغمض عينيها و لم تصدق سوي نفسها فقط و لم تستمع إلي صوت عقلها الذي نهاها عن الإقتراب من عاشق لم يمتلك قلبه يوماً و يعشق محبوبته حتي الثمالة،هيهات و قد فقدت وعيها في الحال.

و لنعود إلي زينب، تحاول بيدين ضعيفتين أن تدفع سليم لكنه أطرحها أرضاً ثم أعتلاها، و أمسك بيديها يضم كليهما معاً في قبضة واحدة منه أعلي رأسها، يردد بجنون جملة واحدة:
- أنتِ ملكي أنا، أنتِ ملكي أنا، كل حاجة فيكِ ملك سليم العقبي.

أستطاعت فلت إحدي يديها بصعوبة و قامت بصفعه ثم دفعه، أطلق زمجرة أرتعدت لها فرائصها ثم نظر إلي رجاله بصوت هادر:
- أطلعوا بره.

خرج رجاله علي الفور، و هذا حتي لا يروا ما سيحدث، فبدأ في ممارسته الوحشية، سحب الحزام الجلدي من بنطاله و قام بتقيد معصميها خلف ظهرها ثم أطرحها علي المنضدة حيث تتمدد بجذعها، غير مبالي لصراخ فارس كالليث الجريح الذي تمكن منه عدوه و أطاح بقلبه ليدعس عليه بلا رحمة عندما أخذ منه لبوءته و جعلها ملكاً له غصباً و إقتداراً، و ها هو الآن يريه ما يفوق الإحتمال و يقتل روحه و يلقنه شر الهزيمة.

و قبل أن يبدأ العرض رمق غريمه بتحدي و إبتسامة إنتصار ثم عاد ببصره إلي التي تحاول أن تنهض،تريد الفرار قبل أن يفعل بها ما سيقترفه الآن ،أوقفها عن التحرك بالضغط علي رأسها من الخلف و دنا منها و حدقها بنظرة سوداء قاتلة قائلاً بسخرية:
- خايفة من إيه، ده أنا هافكرك بس أنك ملكي، لكن بطريقة تليق بيكِ، هعرفك طريقة التعامل مع الكلاب.
جذبها من السلسلة المتصلة بالطوق المحاوط بعنقها و أقترب من وجهها ينظر في عينيها التي تنعكس عليهما صورته و هو في أقوي حالاته شراً، أردف و يربت علي خدها بحدة:
- بطلي حركة و خليكِ كلبة مطيعة يا بيبي.

لم تلحق أن تدرك كلماته و جنونه حتي شعرت به و هو يقف خلفها،يلف سلسلة الطوق علي قبضته فقامت برفع رأسها إلي الخلف رغماً عنها، و قد قصد ذلك عن عمد لكي يري فارس ملامح الذل و القهر علي ملامحها و عينيها تذرف أنهار من العبرات المتساقطة فوق المنضدة.
و في تلك اللحظة فارس كان في عالم آخر يكفي ما تلقاه من الكهرباء و الضرب المُبرح علي يد هذا الطاغية، كل ذلك جعله في حالة ما بين اليقظة و فقدان الوعي، ترتجف جفونه و تتحرك شفتيه بهمس، همس لم تلتقطه أُذنك إلا إذا أقتربت من موطن كلماته و هو يتمتم بحروف إسمها، و كان آخر ما يراه و تلتقطه أذنه صرختها التي شقت جدران الهنجر بل وصلت إلي مزرعة كلابه فأطلقوا نباحهم المُزعج و المُخيف كزئير الأسود.

تلك الصرخة نتيجة إعتداء سليم عليها في وضع مُشين و كأنها عاهرة قد أستقطبها من الحانة، عُنقها مُقيد بالطوق و يديها مُكبلة خلف ظهرها، كلما صرخت كلما زاد في ما يفعله بها و لم يكتفِ بذلك فألقي عليها كلمات من بين أسنانه أقسي من الفعل ذاته:
- رايحة تقابليه ليه ها؟، عشان أنتِ خاينة و و....، ده حتي الخاضعات اللي قابلتهم مفيش واحدة فيهم أتجرأت تكلم راجل طول ما أنا معاها، لأنهم عارفين جزاء الخيانة عند سليم العقبي، يعني أنتِ ما حصلتيش حتي العاهرة، و جزاءك الموت.

توقف فقام برفع جذعها حتي أصبح ظهرها ملاصق لصدره فأخبرها بالقرب من أُذنها:
- أنا هاموتك بس بالحيا، هخليكي تعيشي مجرد جسم من غير روح، نفسك قبل ما يخرج منك هيكون بأمري، هيبقي الظاهر للناس حرم سليم العقبي و لما يتقفل علينا الباب هاتبقي عاهرته، كلبتي اللي هاتسمع الكلمة قبل ما أنطقها، مش كنتِ بتمثلي عليا طول الوقت دور الخاضعة، أنا هخليكِ تعيشيه واقع لحد آخر نفس ليكِ.

و عند إنتهاءه من كلمته الأخيرة، أعتدي عليها من جديد غير مكترث لصراخاتها و توسلاتها، و ما زاد من ألمها هيئة فارس التي اصبحت بشرته شاحبة، و ما زال يهذي بكلمات غير مفهومة.
❀ــــــــــــــــــــــــــــ❀
و كان علي مسافة قريبة من الهنجر سيارات تابعة للشرطة في مقدمتهم سيارة بها أكرم يتحدث في ميكروفون صغير يتصل بسماعة لاسلكية:
- إحنا قربنا جداً علي الهدف يا فندم.
1

تلقي رد قائده:
- تمام،ياريت يا أكرم تفصل ما بين مهمتك و ما بين تارك الشخصي معاه، و زي ما قولت لك إحنا عايزينه حي، كل اللي وقعناهم ما يجوش و لا حاجة جمب اللي ورا سليم، ده تنظيم عصابي خطير جداً و ربنا يستر ما يوصلوش ليه قبل ما نقبض عليه.

جز الأخر علي أسنانه قبل أن يتفوه قائلاً:
- تمام يا فندم، أطمن أنا مش عايزه يموت بس هخليه يعيش كل لحظة في السجن و هو يتمني الموت.

و نعود إلي سليم الذي أنتهي منها لتوه ، تركها آسيرة المرار و الألم، و كأنه قام بذبحها بسكين و تخرج روحها رويداً رويداً، باتت في حالة سكون رهيب، من يراها يحسب إنها قد ماتت، هي بالفعل قد ماتت روحاً كالجسد الخاوي.

بينما هو أتجه نحو الكرسي الوثير و يغلق سحاب بنطاله ثم ألقي جسده و جلس بأريحية، قام بإشعال سيجاره و أخذ ينفث دخانها ينظر إلي زوجته التي لم تكن قادرة حتي أن تحرك أُنملة من أنامل يدها، و تحركت عيناه نحو فارس يري رجفة واضحة تضرب جسده من حين لأخر، جفونه شبه مغلقة و شفتيه ما زالت تتحرك دون إصدار صوت مسموع لكن بداخل عقله و قلبه صوت واحد، صوت ينبع من أعماقه يُنادي عليها من عمق لا نهاية له.

تجلت إبتسامة علي ثغر هذا الشيطان الجالس، يشعر بلذة الإنتصار، سرعان تبدلت الإبتسامة إلي حزن يُهيمن علي ملامحه و بدأ يلقي عليها عتاب نابع من قلبه الذي يحاول أن يتحرر من قيود عقله الشيطاني:
- ليه خلتيني اعمل كده!، أنا..  أنا فعلاً حبيتك، لاء ما حبتكيش، سليم العقبي عمره ما يحب حد، لاء حبيتك، يمكن حبيتك و أنتِ مقدرتيش الحب ده، مفيش حاجة اسمها حب أصلاً، لاء فيه.

أطلق ضحكة هيسترية ثم أردف:
- داغر العقبي ديماً كان بيقولها عشان تمتلك السلطة و القوة لازم تتخلي عن أي مشاعر تضعفك و خصوصاً الحب، و للأسف طلع عنده حق، ما أنكرش أول ما شوفتك كنتِ تحدي و لازم أكسبه، عمري ما توقعت هاتكوني لعنة اللي هاتقضي عليا.

سحب دخان سيجاره ثم نفثه بقوة و أكمل حديثه:
- و رغم إن عارف نهايتي ممكن تبقي علي إيدك غصب عني حبيتك، من أول ما قلبي أعلن إنتصاره علي الشيطان اللي جوايا أقسمت تكوني ملكي سواء بمزاجكك أو غصب عنك، يمكن مع الوقت كان قلبك أتعلق بيا.

أرتفعت زواية فمه جانباً بتهكم و عقب:
- فيه مثل بيقول مراية الحب عامية، بتخليك ما تشوفش الأمور من كل الزوايا، و المصيبة أنا عارف كل حاجة و رغم كده كملت أختارت أكون أعمي بإرادتي.

أنهي حديثه بإلقاء ما تبقي من السيجارة علي الأرض ثم دعس بحذائه عليها و نهض، أقترب منها فوجدها ترمقه بكل نظرة كره و توعد بالإنتقام لما أقترفه بها و ما فعله بفارس.

سألها بتعجب و كأنه لم يفعل شيء:
- للدرجدي بتكرهيني زي ما أنا شايف في عينيكِ!، لسه الـ show  ما بدأش يا بيبي.

قام بفك الطوق من حول رقبتها و ألقاه علي الأرض، حاوطها من خصرها ليحملها، أخذت تبكي و تصرخ بشق الأنفس في محاولة بائسة:
- بعد عني، أنا بكرهك، بكرهك يا سليم.

وضعها علي الكرسي و كانت إجابته قهقهة ساخرة، دنا منها و حاوط وجهها بين كفيه:
- عايزك تجمدي و تقوي قلبك، عشان هافرجك علي أحلي عرض هاتشوفيه في حياتك.

اعتدل و صاح مُنادياً :
- شاهين.

في برهة كان شاهين أمامه و في يده حقيبة سوداء وضعها فوق المنضدة، قام بفتحها فظهر بداخلها بريق أدوات الجراحة و أهمهم مبضع الجراح!

تناول سليم إبرة من الحقيبة و قام بغرزها في زجاجة صغيرة مليئة بمحلول و زجاجة أخري أخذ منها القليل، و بعدما ملىء الإبرة بهذا الخليط ذهب إلي فارس و غرز الإبرة في عرقه النابض لدي عنقه.

كانت الرؤية لديها مشوشة من كثرة البكاء و ضعف الإضاءة لكن عندما تمعنت بكل جهدها أن تري ما يحدث توقف الهواء في مجري التنفس لديها و هذا بعد صرخة رجولية اطلقها فارس من فاه بألم، فأخبره سليم بهدوء و إبتسامة:
- معلش يا باشمهندس دي حاجة كدة تخليك تفوق و تصحصح عشان تحس بكل اللي هيحصلك دلوقت.

كان حديثه صادقاً فالأخر يشعر بالفعل عندما سري مفعول المحلول في عروقه و كأنه حقنه بماء مغلي، جعله هذا السائل اللعين يشعر بكل ألم كان علي وشك أن يخمد فعادت مجدداً الآلام تنهش في جسده بضراوة، يصرخ كالليث الذي تكالبت عليه الضباع و أخذ كل منهم يغرز أنيابه بقوة في لحمه و ينتزعها بقوة.

و بعد أن أدركت زينب ما يحدث و المشهد الذي رأته سابقاً عندما كانت معه في ولاية لاس فيجاس و كيف كان يسلخ جلد ضحيته و هو حي، جمعت قواها و حاولت فك يديها المُقيدة خلف ظهرها، نهضت و ركضت بهجوم ضاري علي سليم، فكاد يمنعها حارسه لكن الأخر رمقه بتحذير فتراجع، كان سليم يقف كالجدار أمامها و هي تصرخ و تضرب بكل ما لديها من قوة:
- علي چتتي لو ده حوصل يا سليم، و قبل ما تفكر أني هقتلك.

و استطاعت أن تلتقط يدها مبضع من الحقيبة شالمفتوحة و قبل أن تغرزه في عنقه كان قابضاً علي ذراعها و قام بثنيه خلف ظهرها بيد و الأخري يجذب بها خصلاتها، يحدقها بتلك الإبتسامة الآتية من الجحيم،صاح بصوت أهتزت له الجدران:
- عايزة تقتليني عشانه يا و.....، لولا قلبي إبن الكلب لسه بيحبك كان زمانك متعلقة جمبه و هاسلخ جلدك قبل منه، بس زي ما وعدتك أنا مش هقتلك، الموت ليكِ رحمة، أنا هخليكي تعيشي كل ثانية في عذاب و ذل و إهانة.

جذبها من خصلاتها و سار بها و أمسك بحزامه و قام بتقيد يديها مرة أخري، رفعها إلي أعلي و علق الحزام بسلسلة مُتدلية من السقف فأصبحت نفس وضع فارس و هبط علي عقبيه ليتمكن من تقيد قدميها، تحاول الإفلات لكنه أكثر قوة منها استطاع السيطرة عليها.

- نفس مكانك زي المرة اللي فاتت و ياريتك أتعظتي.
ما كان بيدها سوي الصراخ:
- همله لحاله يا ابن الـ....

نهض و صاح في وجهها و أخذ يصفعها:
- ابن الـ....  هو اللي عايزة تتخلصي مني عشانه، أنا هاخلصلك عليه قدام عينك، هاسمعك صوته و هو بيصرخ زي النسوان و أنا بقطع جلده نساير و أرميها للكلاب اللي فوق.

أبتعد عنها قبل أن ينقض علي عنقها و ألتفت ليذهب إلي فارس، يفك زر كمه و قام برفعه لأعلي و فعل كذلك في كمه الأخر، أخرج هاتفه من جيبه و قام بتشغيل سيمفونية أوبرا ثم تركه علي المنضدة و أخذ المبضع.
❀ــــــــــــــــــــــــــ❀

كان بالأعلي منذ دقائق أنتشرت قوات الشرطة في الأرجاء حيث قام أكرم بتوزيعهم و أعطاهم إشارة البدء في الإقتحام، تعالي نُباح الكلاب بشكل جنوني و شرس، بدأت المعركة و الإشتباك بين رجال سليم المُسلحين بأسلحة و عتاد كأنهم جنود جيش عسكري و ليسوا مجرد حراس أمن، و هذا كان يتوقعه أكرم لذا أختار القوات التي لديه من أكفأ الرجال، رجال المهمات الخاصة و الصعبة لمكافحة عصابات مافيا المخدرات و السلاح.

صوت تبادل إطلاق الرصاص لم يصل إلي سليم و رجاله، فأسفل الهنجر معزول تماماً عن الأعلي، ظل يتقدم أكرم إلي البناء و علي جانبيه مساعدين، ظل ثلاثتهم يقاتلون رجال العقبي حتي وصلوا إلي بوابة دخول الهنجر، تصدي لهم رجلان ذو بنية ضخمة يحمل كليهما أسلحة متعددة الذخيرة، باغتهما مساعدين أكرم بإطلاق الرصاص في منتصف جبهتهما في التو و الحال.

صاح أكرم في رجاله و هم يفتحون البوابة:
- أقلبوا كل شبر في المكان و لو لاقيتو سليم محدش يتعرض له بأذي.

رد رجاله بصوت أجش:
- عُلم يا فندم.

تنفس الصعداء لعله يهدأ قبل أن يتحرك و يواجه سليم الذي طالما تمني هذه اللحظة و القبض عليه، تحقيق حلم والده و الثأر لموته علي يد داغر العقبي، هذا الإبليس اللعين الذي أنجب لهم إبنه الداهية الأكثر لعنة، الشيطان ذاته يجثو علي ركبتيه و يتعلم منه قواعد الشر.

- بسم الله توكلنا علي الله و لا حول و لا قوة إلا بالله.
رددها أكرم و ظل بعدها يبحث عن سليم، تعجب لعدم وجوده، أدرك أن هناك مخبئ في هذا الصرح العظيم، قبض علي إحدي رجال الأخر الذين مازالو أحياء و صاح فيه:
- سليم فين؟

أجاب الرجل بتوتر فالأسلحة جميعها متوجهة نحو رأسه:
- معرفش.

لم يعد لأكرم وقت المحايلة، رفع سلاحه و أطلق رصاصة إلي ساق الرجل ثم و ضعه علي جبهته:
- الرصاصة التانية هاتبقي في دماغك، قول سليم فين.

أبتلع الرجل ريقه بخوف، تلفت من حوله وجد أغلب زملائه صرعي و منهم من يصارع الموت و يتلوي من ألم الرصاصات المستقرة في أنحاء متفرقة في أجسادهم.

- سليم باشا تحت.

و بالأسفل بعدما أخذ المبضع أقترب من فارس و يطلق من فاه صفيراً، هذا الصفير يخترق مسامع زينب و يضرب في ذاكرتها المشهد السابق و المماثل الذي سيحدث الآن، تصرخ تارة و تتوسله بجنون لعله يتراجع:
- لا يا سليم، لا، أحب علي يدك، هاسوي أي حاچة هاتطلبها مني، هاكون خدامتك كيف ما أنت رايد، همله و ما تأذيهوش بالله عليك،و لا أجولك قطع لحمي أني، بالله عليك بعد عنه.

ألتفت إليها الأخر و رمقها بتلك النظرة السوداء و لم يكلف عناء نفسه بأن يقول لها كلمة لكن صدح صوت فارس و هو يتحمل آلام جسده بصعوبة :
- همليه يسوي اللي رايده، ما هو لو كان راچل كيف ما بيجول كان واچهني من غير ما يربطني و يعذب فيا.
أجفله سليم بللكمة قوية و هدر به:
- ما أنا لو كنت بعتبرك راجل كنت واجهتك زي ما بتقول، لكن أنا بربط و بعذب النسوان بس.

و غمز بعينه ثم أردف:
- خليك راجل أنت و أستحمل.
قام فارس بلفظ الشهادتين، فـ غرز الأخر سن المبضع في صدره مع صرخة أطلقتها زينب ممزوجة بصرخة ألم من فارس، فقاطعهم صوت تبادل إطلاق الرصاص بعدما هبط أكرم و رجاله إلي الأسفل، ركض إحدي رجال سليم يلهث بقوة:
- ألحق يا باشا البوليس خلص علي الرجالة اللي فوق و اقتحموا المكان هنا.

طلقة رصاص في الهواء و يليها صوت أكرم كالرعد:
- سيب اللي في إيدك يا سليم أنت و رجالتك و سلم نفسك بالذوق.

إبتسم الأخر كالعادة و قام برمي مبضعه نحو أكرم، بينما الأخر تفادي الضربة، فكان هذا مجرد تمويه ليستطيع الفرار بعدما أخذ سلاح إحدي رجاله و ركض إلي الرواق، فهو صاحب هذا الصرح المُخيف و يعلم بكل غرفة و بهو به.

قام رجال الشرطة بفك قيود فارس و زينب التي بمجرد أن تحررت ركضت نحو عاشق فؤادها، ألتقطت وشاحها الذي سقط منها و وضعته فوق الجرح العميق الذي ينزف في صدره.
و علي بُعد خطوات يبحث أكرم عن سليم:
- سلم نفسك يا سليم، ملهوش لزمه الجري و الهروب، و لو هربت مني مش هاتعرف تهرب من القوة اللي فوق.
1

كان الأخر ولج إلي داخل إحدي الغرف المتفرعة من الرواق المظلم، فما كان أمام أكرم بأن يدخل كل غرفة و يبحث عنه، و في كل مرة يتفاجئ لنقل بالأحري ينصدم في ما يراه، فكل غرفة بها أدوات غريبة و مُرعبة لم يراها سوي في تقرير عن أدوات التعذيب التابعة لمحاكم التفتيش الأسبانية في العصور المظلمة و ما أقترفته من أبشع أنواع العذاب،هذا إكتشاف أخر له عن عدوه اللدود فهو يتعامل مع شخصية سادية متوحشة، يجب عليه أن يأخذ حذره عند المواجهة!

ظل ينتقل من غرفة إلي أخري حتي وصل أمام أخر غرفة و كان الباب مُغلق، حاول فتح الباب و دفعه بجسده، فكان كالجدار الحديدي، تراجع و أخرج من محفظة أسلحته قنبلة يدوية، خلع منها المكبس و ألقاها علي الباب و ركض بعيداً فأنفجرت و نجحت في فتح الباب، لم يري سوي الدخان لكن صوت اقدام سليم و هو يهرب وصل إلي مسامعه، ركض خلف يصيح به:
- وقف عندك يا سليم.

و في طريقه للهروب قابل عدد من قوات الأمن  و تبادل معهم إطلاق النار بإحترافية حتي تمكن من الصعود إلي أعلي، و كان يعقبه أكرم و أخبره رجاله:
- هرب علي فوق يا فندم.

ألتقط أنفاسه قبل أن يصعد و قال:
- سبيوه ليا يا أنا يا هو النهاردة.

و صعد إلي أعلي، بينما سليم لم تنفذ حيله للهروب، يريد الوصول إلي طائرته الخاصة، ذهب إلي أقفاص كلابه الشرسة و قام بفتح كل قفص و أطلق سراحهم و ذلك لتشتيت قوات الشرطة، يلهيهم عن مطاردته حتي يصل إلي الطائرة خلف الهنجر.
و بالفعل كان رجال الشرطة في معركة ضارية، يطلقون رصاص أسلحتهم عليهم بدلاً من أن يصبحوا وليمة دسمة لتلك الكلاب المفترسة.

أكرم كان أكثر ذكاء فالمعلومات التي وصلت إليه عن المكان و المرافق قبل أن يأتي هنا، يعلم أن هناك خلف البناء طائرة مروحية تكاد تكفي لأربع أفراد، أسرع راكضاً حتي وصل فوجد سليم يصعد إلي الطائرة، أطلق رصاصة في الهواء:
- مش هاتقدر تهرب مني المرة دي، و إن كان أبوك قدر يعملها زمان و بعدها قتل أبويا، فأنا هنا هاخد حقه و حق كل واحد ظلمته و جنيت عليه أنت و أبوك.

ألتفت سليم إليه و يمسك سلاحه إستعداداً لإطلاق الرصاص:
- عشان أنت و أبوك شوية أغبية مفكرين نفسهم حراس المجرة و الوطن، و أفترضنا و قبضت عليا، أنا ورايا جيش لو أتجمعتوا أنت و كل قوات الشرطة و الأمن اللي في مصر كلهم مش هاتقدروا عليهم.

- دول أخرهم يخلو اللي زيك خدام لمصالحهم حتي لو بتضر ولاد بلدك، و متأكد إنهم زمانهم بعتوا اللي يخلص عليك قبل ما توصل لباب النيابة و يتحقق معاك، عارف لولا إن واجبي أسلمك حي كان زماني مخلص عليك و أريح الكل منك.

ضحك سليم بسخرية و قال:
- لا أنت و لا أكبر راس فيكم يقدر يسجن سليم العقبي.
و أطلق رصاصة أجفل بها الأخر لكنها خدشت ذراعه و استقرت في الجدار الذي خلفه، وجد أكرم يكفي حديثاً و عليه بالفعل ركض في وضع الهجوم علي سليم و تشابكا معاً بالأيدي، لكمات و ركلات لم يسلم كليهما منها.
أطرحه سليم علي الأرض الرملية و بكل قوة سدد له لكمة في وجهه جعلت الرؤية تكاد منعدمة لدي أكرم، فأستغل هذا و ركض إلي الطائرة، و بمجرد أن ولج إليها في غضون دقيقة قام بتشغيل المروحية.
نهض أكرم بصعوبة و حاول بكل عزيمة الصعود إلي داخل المروحية قبل أن يرتفع لها الأخر الذي أخذ يطلق عليه الرصاص و يتفاداه الأول، نهض سليم من فوق كرسي القيادة يوجه سلاحه صوب رأس أكرم، بينما الأخير وثب و ركل السلاح من يده و عاد الإشتباك مرة أخري، مد الأول يده إلي بنطاله و قام برفعه فتناول خنجر و رفعه لأعلي حتي يغرزه في قلب أكرم الذي كان أسرع منه و أطلق رصاصة أصابت كتفه و أردته إلي الخلف،  برغم ذلك كافح و جلس علي مقعد القيادة و قام بتشغيل المحرك المسئول عن إقلاع الطائرة.

حاول أكرم جذبه حتي يخرجه من المروحية، لكن الأخر أخذ يقاوم بل و ركله بقوة جعلت الأول يسقط من الباب، فتشبث بحافة الباب المعدنية و هذا و المروحية تعلو و ترتفع.

لم يستطع سليم ترك القيادة و ضرب أكرم في آن واحد، مما جعل الأخر أستطاع الإفلات من السقوط و عندما ولج إلي الداخل مرة أخري هبط بسلاحه فوق رأس سليم الصلبة، تأثر رأسه قليلاً و بدأ يشعر بالدوار، ما زال في محاولته لصد هجوم أكرم الذي لم يجد حل سوي أن يطلق رصاصة أخري علي ساقه و أجفله بإستيعاب الألم ثم جذبه إلي خارج المروحية و قفز به من علي إرتفاع خمس أمتار فوق الرمال.
❀ــــــــــــــــــــــــ❀
في المخفر تنتظر أمام باب المكتب تنظر إلي ساعة هاتفها، جاء إليها أمين الشرطة و أخبرها برجاء:
- يا مدام حضرتك واقفة بقي لك  أكتر من ساعة و زي ما حضرتك شايفة أكرم باشا مش موجود في مكتبه، ما ينفعش توقفي كده.

زفرت بتأفف و قالت:
- و أنت مالك!، هو أنا يعني كنت واقفة علي دماغك أنا هستناه لحد ما يجي.

كاد الأمين يجيب بنفاذ صبر لكن قاطعه المقدم طارق زميل أكرم عندما رأي طليقة صاحبه:
- في إيه يا أمين حمدي؟، خير يا مدام ندي؟

رد الأخر:
- المدام جـ...

قاطعته الأخري بضيق و حنق:
- أنا جاية عشان أشوف أبو بنتي و واقفة مستنياه لحد ما يجي، كل شوية يجي لي الأفندي ده و يقولي ما ينفعش توقفي، أروح يعني أستناه في الحجز جوه!

رمق طارق الأمين بنظرة ما تفهمها الأخر ثم أخبر الأخري:
- تعالي أتفضلي معايا علي مكتبي و أنا تحت أمرك.

و بعدما ولجت إلي داخل المكتب و جلست ثم أخبرها بإنه لم يأت إلي المخفر منذ أكثر من يومين.

- يعني إيه ما بيجيش!، و واخد أجازة، و قبل ما أجي علي هنا روحت له شقتنا مالقتهوش و لا لاقيت البواب عشان أسأله هيرجع أمتي.
كانت تتفوه بتلك الكلمات بتوتر و هي علي وشك أن تصاب بالجنون، تريد رؤيته و تجعله يعود إليها بأي ثمن، حتي ألقي عليها صديقه مفاجئة لم تتوقعها، يظن لديها العلم:
- ما هو حضرتك باع الشقة من حوالي أسبوع و حط فلوسها في البنك بإسم لارا بنتكم، و والدك كان معاه.

نهضت و الصدمة تعتلي ملامحها من ما سمعته للتو، سألته بكل هدوء:
- ممكن تقولي علي أكرم فين دلوقت؟

أطلق تنهيدة ثم أخبرها:
- هو في مهمة أدعي له.

تركته دون أن تستأذن بالرحيل و غادرت المكان، أستقلت سيارة والدها التي أخذتها دون علمه، فكم من مرة منعها أن تذهب إلي طليقها فيكفي ما أقترفته في حق أكرم و حق نفسها.

ظلت تقود السيارة و في رأسها آلاف الأفكار، يوسوس إليها الشيطان أهمها يجب عليها أن لا تترك من حولها يعيشون في سعادة و هناء لاسيما مروة و هذا بسبب ظنها الكاذب حيث تظن بأنها هي من أرسلت إلي أكرم صور من المحادثة التي دارت بينهما و بها إعتراف جلي لندي و هي تُقر بحبها لـ علي،  و كذلك عندما جاءت إلي منزل عائلتها و قامت بفضحها أمام والدتها، كل تلك الأمور زادت من كرهها و مقتها نحو مروة التي تبدلت في يوم و ليلة من صديقتها إلي عدوتها، في تلك اللحظة أقسمت أن تنتقم منها و تخرب عليها حياتها كما حدث معها حتي إذا وصل بها الأمر أختطاف زوجها منها!

توقفت أمام الشركة التي كانت تعمل بها من قبل، ترجلت و ولجت إلي الداخل بعدما أستقبلها حارس الأمن:
- حمدالله علي السلامة يا أستاذة ندي.

أكتفت بإبتسامة متصنعة و ذهبت إلي موظفة الإستقبال فسألتها عن مدير الشركة، فقالت لها الأخري:
- مستر علي في مكتبه فوق و...

لم تنتظر لسماع باقي الإجابة و سرعان صعدت إليه و في طريقها كانت تسير في الرواق خلف إحدي الموظفين، و لمحت مروة آتية في الرواق المقابل، أختبأت علي الفور في زواية حتي لا تراها الأخري و تقوم بفضحها أمام كل من في الشركة و تصبح (الترند) في المجموعة الخاصة بالشركة علي موقع التواصل الإجتماعي الشهير.

خرجت السكرتيرة من مكتب علي و قابلت مروة:
- الشركة نورت يا مدام مروة.

إبتسمت لها الأخري و قالت:
- ميرسي يا حبيبتي.

ولجت إلي داخل الغرفة، رأت زوجها يقف خلف الحائط الزجاجي يرتشف قهوته و يراقب المنظر بالخارج في حالة شرود.
وضعت يديها علي عينيه، فقال مُبتسماً:
- يعني هيكون مين غير اللي مزهقني بالحركة دي علي طول!

وقفت أمامه بوجه عابس و تضم شفتيها بحزن مصتنع:
- أخص عليك، بقي أنا بزهقك بحركاتي!

ترك القدح علي المنضدة و أقترب منها ثم أختطف قبلة من شفتيها و كأنه يلتقم ثمرة توت أحمر يتذوقها بمتعة حالمة و قال:
- عمري ما أزهق منك أبداً، ده أنتِ النور اللي جه ملي عليا حياتي بعد ما كانت مضلمة بالوهم و الخداع، أنتِ بقيتِ كل حاجة ليا يا مروة.

ارتمت علي صدره و عانقته بقوة:
- أنت لو قولت لي إيه أكتر حاجة تتمنيها في حياتك هقولك إن مفارقش حضنك و لا لحظة.

رفع وجهها عن صدره ليتمكن من التحديق في عينيها بهيام قائلاً:
- أنا اللي بقولك أوعي أنتِ اللي تبعدي عني مهما حصل.

إبتسمت إليه و أجابت بنبرة فكاهية:
- أطمن أنا كده كده قاعدة علي قلبك مش لوحدي، أنا و....

أمسكت بيده و وضعتها فوق بطنها و أردفت:
- و اللول الصغير.

تجلت الدهشة علي ملامح وجهه فسألها بتردد و قلب يخفق بقوة:
- هو أنتِ...

أومأت له بسعادة تغمر قلبها:
- ايوه أنا حامل.

غمرها بحضن دافئ ليعبر لها عن مدي ما يشعر به الآن:
- ألف مبروك علينا يا روح قلبي، عرفتي أمتي؟

- لسه عارفة قبل ما أجي علي هنا، عملت إختبار في معمل التحاليل و طلعت النتيجة
Positive
الحمد و الشكر لله.

عانقها مرة أخري و أخبرها:
- بمناسبة الخبر الجامد ده، تعالي هانتغدي علي زوقك و أطلبِ كل اللي نفسك فيه،  بس أديني عشر دقايق هابعت ملفات لفرع الشركة ضروري و هانمشي.
+

همت بالذهاب و قالت:
- بص أنا هانزل أستناك في العربية تحت و هاعمل تليفون لماما أفرحها، أصل لسه ما قولتلهاش، أنت أول واحد يعرف بالخبر.

لا تعلم أن هناك طرف ثالث إستمع و رأي كل ما قيل و حدث من فتحة الباب الشبه مُغلق، و قبل أن تغادر مروة الغرفة أسرعت الأخري و رحلت لتذهب إلي السيارة و داخلها يشتعل من الغيرة و الحقد، مراجل تتأجج في قلبها.
و إذا بها تراها تخرج من الباب متجهة إلي الجهة الأخري، أستسلمت إلي شيطان أفكارها الذي سيقذف بها إلي اليم، و دون أن تسيطر أو تكبح قوي الشر بداخلها، أنطلقت بالسيارة و أطاحت بمن كانت تدعوها صديقتها يوماً ما!

يتجول في  الرواق ذهاباً و إياباً و قلبه يحترق من الخوف عليها، فهي الآن بين إيدي الأطباء.
لم ينس ذلك المشهد عندما هاتفه إحدي موظفين الإستقبال و أبلغه بما حدث أمام الشركة، غادر مكتبه علي الفور و ذهب ليري ما حدث إلي من أستطاعت إختراق قلبه و تحويل مسار حياته من اليأس إلي الأمل، من القنوط إلي الصبر، من الأسود إلي الأبيض، و علي يدها عادت إليه إبتسامته النابعة عن سعادة لم يشعر بها قط من قبل سوي معها فقط.

حين خرج من بوابة الشركة اصتدم بذاك المشهد المروع، وجد زوجته مسجاه علي الأسفلت في سكون و عدم حركة و دماء تنسدل من جانب شفاها، حملها علي الفور و أدخلها إلي سيارته و رغم محاولته للتظاهرة بالثبات و القوة، فكان داخله غرار ذلك.

و ها هو الآن ينتظرها أمام غرفة العمليات، و عندما إستمع إلي صرير فتح الباب المعدني توقف عن السير و ألتفت إلي الطبيب الذي خرج للتو، ركض إليه و سأله بتوجس:
- هي عامله إيه؟

خلع الطبيب القناع الطبي عن فمه و أنفه ثم أجاب:
- أطمن حضرتك، مدام مروة بخير الحمدلله، شوية رضوض و كدمات و شرخ في في الساعد الأيمن و رجلها اليمين برضو، بس للأسف مقدرناش ننقذ الجنين.

جحظت عيناه من الصدمة، لم تكمل سعادته بخبر حمل زوجته و الآن يستمع إلي خبر وفاة إبنه قبل أن ينبض قلبه.
شعر الطبيب بحالته فأردف:
- ربنا يعوضك، و الحمدلله أهم حاجة إن المدام بخير و ربنا يرزقكم بالأحسن.

أومأ له الأخر في صمت، تابع الطبيب حديثه:
- حضرتك لازم تعمل محضر ضد صاحب العربية و أنا هاكتب لك التقرير الطبي دلوقت.

كان كالمُغيب و شارد في ملكوت آخر، يردد كما يلي:
- قدر الله ماشاء فعل.
و في تلك اللحظة تدخل موظف الأمن الشاهد علي ما حدث قائلاً:
- علي بيه، أنا عايز أقول لحضرتك علي حاجة.

نظر إليه الأخر بعدم فه،  فأردف الرجل:
- اللي حصل لمدام مروة كان مقصود و أنا شوفت اللي عمل فيها كده!
※ـــــــــــــــــــــــــ※
يقف هؤلاء الرجال في صفوف، يمسك كل منهم صينية معدنية مقسمة لأربع أطباق، يرتدون جميعهم الزي الأزرق الخاص بالسجن، و كان زكريا يقف في إنتظار دوره فـ جاء إحدهم و دفعه و وقف أمامه بل و رمقه بشرٍ و سأله بتهكم:
- عندك مانع؟

نظر إليه الأخر بإمتعاض:
- أظن فيه حاچة إسمها طابور و ليك دور تجف فيه بدل قلة الذوق اللي سوتها دلوق.

قهقه الرجل الذي يبدو علي ملامحه الشر و يقصد ما يفعله من أجل إستفزاز الأخر و الدخول في معركة معه.
لكزه في كتفه و سأله بتهكم:
- و لا ما وقفتش في دوري هاتعملي إيه يعني، مش ناقصنا غير جوز العالمة هو اللي يتكلم، السجن ده للجدعان الرجالة مش للرافعين إريل.
ألقي زكريا الصينية علي الأرض و كاد يرفع يده ليضرب الأخر لكن تدخل هذا الذي صاح بصوته الغليظ:
- الإريل ده يبجي أبوك يا ولد الغازية.
و قام بتوجيه لكمة قوية إلي هذا الرجل و وقع علي بعد مسافة من قوة اللكمة، فألتفت الأخر إلي زكريا الذي تفاجئ بوجوده:
- رافع! ، إيه اللي چابك أهنه.

إبتسم الأخر و أجاب بسخرية:
- مهنش عليا أهملك في السچن لوحدك، جولت لما أچي أونسك.

كاد زكريا يتفوه، فباغت الرجل بعدما نهض رافع بدفعه و الهجوم عليه، نهض رافع و الشر يتطاير من سوداويتيه، رمقه زكريا بإيماءه ثم قال:
- چيت في الوجت المناسب يا ولد خالي.

و بدأ العراك الذي تدخل فيه أصحاب الرجل الذي بدأ في الهجوم و بين زكريا و رافع.
تدخل عساكر الأمن لفض هذا الشجار و الذي أنتهي بعقاب جميعهم الحرمان من وجبة الغداء و سجن كلا من رافع و زكريا داخل زنزانة منفردة و كذلك الرجل الأخر سُجن بمفرده.

بعدما ولج كلا من رافع و زكريا الذي دفعه العسكري قائلاً:
- أدخل يا حيلتها منك ليه، فاكرينها سايبة و بتتخانقوا ده سيادة المأمور هينفخكم.

أغلق الباب الحديدي ثم أوصده بالأقفال من الخارج، جلس رافع علي الأرض و يستند علي الحائط بظهره قائلاً:
- مهما سوي فينا مش هيچي ربع اللي حصلي.

هبط زكريا علي عقبيه، جالساً أمامه و سأله:
- مالك يا ولد خالي، و إيه اللي چابك أهنه؟

لاح شبح إبتسامة بائسة علي شفتيه التي يعلوها شارب كث:
- اللي چابني أهنه شيطاني، اللي خلاني أسوي أي حاچة مهما كانت حرام، عماني عن الحق و دلني علي سكة الباطل، سرجت و نهبت، جتلت و زنيت و چيت علي ناس كتير و ظلمتهم جوي.

غر زكريا فاه، فالأول مرة يري صديق دربه و إبن خاله في تلك الحالة:
- واه، ليكونوا عرفوا بحكاية فارس و اللي سويته أنت فيه إياك!

إبتسم الأخر بتهكم و أخبره بكل أريحية:
- أنا اللي بلغت عن حالي.

عقد زكريا حاجبيه بدهشة و تعجب:
- كيف يعني؟

بدأ رافع بسرد كل ما حدث معه و في الأيام الأخيرة من وفاة زوجته التي كانت تجهض و أنتهت المحاولة بموتها، أخبره بعقاب ربه بالحكم عليه بقطع نسله مما جعل زكريا يدرك أن حمل نوارة ليس من نجل خاله.
و سرد إليه أيضاً عندم أنتهي المطاف به إلي خسارة أكثر إنسانة أحبها كثيراً و تزوجت من آخر، فكل هذا جعله يكره ذاته بل و يعاقب نفسه بالعقاب الذي يستحقه منذ زمن، فـ ربما هذا يزيح عن قلبه لو القليل من الهم و الحزن أو ربما بداية توبة عاصي.

و بعدما أستمع الأخر أطلق تنهيدة و يليها يعقب علي ما أنصت إليه:
- دين تدان يا صاحبي، و الدنيا دوارة يوم تبجي في يدك و يوم تاني تشيل و تحط عليك.

- و ساعات الدنيا بتحكم عليك و تفرض عليك سكة وعرة جوي.

تقدم زكريا جوار رافع و جلس بجانبه:
- ده وهم الشيطان بيضحك عليك بيه، إحنا اللي بنختار بيدنا السكة اللي عنمشوا فيها، و إحنا چرينا ورا الحرام و كنا فاكرينه فيه المتعة كلها، أتاري كان كيف الحفرة اللي مليانة دهب و كنوز رميت حالك چواها لأچل تكبش و تاخد لكن أكتشفت إنها مچرد لامعة كذابة و إنه فخ كبير لازم تتحمل و تضحي لأچل تطلع منه.

أعتدل في جلسته و ألتفت إلي جواره، نظر إلي رافع بسخرية من حاله قائلاً:
- خابر أنت، البت سمر بعد ما تابت و ربنا هداها صاحب الكباريه علم إنها أتچوزت و لأچل يرچعها خلي رچالة تبعه أهنه يضايجوني و يرازوا فيا، إنهم يعايروني بزوچ الغازية، كل ده لأچل أطلجها فتجوم راچعة تاني للرجص.

ربت الاخر علي كتفه و أخبره:
- سمارة بتحبك جوي إياك تهملها في يوم من الأيام، يمكن توبتها علي يدك فرصة ليك تبدأ حياة چديدة و نضيفة.

أطلق الأخر زفرة من أعماقه لعله تخفف عما يحمله داخله من سر لا يريد البوح به لإبن خاله:
- عمر ما كانت جلوبنا طوع يدنا، و يا سلام لما جلبك يوم ما يدق، يدق لحد إستحالة يكون ليك و ما ينفعش تفكر فيه كمان، و يوم ما فكرت خسرت أعز الناس ليا و بجي ما بيني و بينه شرخ عمره ما يداوي.

قطب رافع ما بين حاجبيه و سأله:
- قصدك علي مين؟

إنتبه الأخر لما هو أوشك علي الإفصاح به، ضحك و أبدل مسار الحديث إلي جهة أخري قائلاً:
- إلا جولي، اللي خلي فاطمة تتچوز الدكتور، دي كان حداها إنها تجعد چار أمي علي أمل أنك أنت تتغير و تتجوزوا.

تجهم وجهه لاسيما عندما تذكر المواجهة الأخيرة التي دارت بينه و بين فاطمة، و سرعان تحول ذلك التجهم إلي إبتسامة هادئة تحمل في طياتها حزن دفين:
- أني جطعت لها الأمل اللي كانت عايشة عشانه.
※ــــــــــــــــــــــــــ※
في مدينة روسكوف الفرنسية و داخل فندق ريچينا، تجلس خلف النافذة و تحتسي القهوة، تراقب قطرات الندي الكثيفة علي لوح الزجاج، تستنشق عبق رائحة الأشجار و النباتات المنتشرة في الشارع، تذكرها برائحة النجع صباحاً، عندما كان تفتح نافذة غرفتها المُطلة علي الزرع، و إذا بصورته تداهم ذاكرتها مجدداً و هو يقف في وسط فروع ثمار الذرة يُناديها:
«تعالي يا بطتي،أتوحشتك جوي جوي»

أغمضت عينيها و هزت رأسها بنفي، تريد أن تبدد تلك الذكريات بشتي الطرق، فهي الآن قد بدأت حياة جديدة و لا تريد أن تظلم الإنسان الذي أحبها بصدق و جعلها شريكة حياته و دربه.
خاصة بعد ما حدث بينهما بالأمس....

«حدث بالأمس»
أستيقظت عندما شعرت بقربه منها، يدنو نحو خدها و يقبله:
- صباح الجمال.

إبتسامة طفيفة تجلت علي شفتيها:
- صباح النور.

كان قد خرج من المرحاض للتو، يلقي المنشفة حول عنقه، يرتدي قميص و بنطال قطني، نهضت فوقفت أمامه كعادتها بتوتر:
- أني هملتك نايم، مارضتش أصحيك لأنك كنت راچع متأخر و فضلت مستنياك لحد ما نعست.

كان يمشط شعره إلي الوراء، نظر إليها عبر المرآة و قال:
- معلش يا حبيبتي، بعد ما المؤتمر ما خلص قابلت جماعة أصحابي من مصر لما عرفوا إن أتجوزت قرروا يعملوا لي حفلة بسيطة عشان عريس جديد و كده يعني.

كانت كلماته الأخيرة يصاحبها نظرة تحمل اللوم و العتاب، تهربت من النظر إليه و قالت:
- هاروح أچهز حالي.

- فاطمة.
توقفت و ألتفت إليه، تقدم نحوها حتي وقف أمامها مباشرة و باغتها بسؤال تراه في عينيه منذ أن أصبحت زوجته قانوناً!

- أنتِ لسه بتحبي رافع؟
ما كان لديها شىء تقوله سوي إنها أثرت الصمت، تبع الآخر سؤاله لها بسؤال آخر:
- ياريت عايز إجابة واضحة عشان أفعالك بتثبت لي فكرة واحدة.

يا لك من أحمق، كيف تسأل و أنت قد قرأت كل ما قومت بتدوينه في مذكراتي و تعلم جيداً ماذا كان هو يعني لي!
تلك الكلمات التي دارت في خلدها للتو، بينما يحيي كأنه يسمع أفكارها، هز رأسه بسأم:
- خلاص وصلت الإجابة، عموماً أنا زي ما وعدتك عمري ما هاضغط عليكِ في حاجة و لو عايزنا ننفصل أنـ...

بترت حديثه و أمسكت يده:
- و أني مش رايده إننا ننفصل، أني أختارتك بإرادتي و بعدت عنه هو كمان برغبتي، و لو مكنتش رايداك من الأول مكنتش هابقي واجفة جدامك دلوق.

أطلق زفرة علها تخفف ما بداخله من غضب و ضيق و صراع، رمقها بنظرة مليئة بالشوق و الغرام فأخبرها عما يحمله قلبه لها:
- و أنا يا فاطمة بحبك و عندي إستعداد أعمل أي حاجة عشانك و أشوفك فرحانة، لكن نظرة الحزن اللي ما بتفارقش عينيكِ بتقطع قلبي و ببقي عامل زي اللي و لا طايل سما و لا أرض.

حاوط خديها بين راحتي كفيه و أردف:
- أنا من أول لحظة شوفتك فيها، حسيت بشعور عمري ما جربته و لا حسيته قبل كدة، و لما قريت دفتر مذكراتك لو أي واحد مكاني كان تراجع و يبعد عن مجرد التفكير فيكِ، بس اللي حصلي عكس كده، لاقيت كل حاجة فيا بتتشد لك، أنا بحبك، و متأكد إنك في يوم من الأيام هاتحبيني زي ما بحبك.
1

ظل يحدقها بتحدي عاشق، رأي في عينيها نظرة غريق يطلب النجاة، لم يدري بنفسه حينما أقترب بشفتيه نحو خاصتها لكي يثبت لها مشاعره لكن أنهار كل شىء عندما أنتفضت و أبتعدت فجأة و ركضت إلي داخل المرحاض، أغلقت الباب و استندت بظهرها عليه، تضع يدها علي فمها و أخذت تبكي.
و بعد دقائق سمعت صوت صفق الباب بقوة، خرجت و علمت إنه قد غادر الغرفة و يحمل بين طيات فؤاده حزن عميق.

«عودة إلي الزمن الحالي»

أنتبهت إلي صوت فتح الباب، تركت القدح علي المنضدة و نهضت فرأته يدلف دون أن ينظر إليها مُتجهاً إلي الخزانة، فتح الضلفة بحدة ثم اخرج الحقيبة، أمسكت يده و سألته:
- بتسوي إيه؟

رمقها بنظرة ساخرة قائلاً:
- بلم هدومي و ياريت تحضري شنطتك أنتِ كمان عشان راجعين علي مصر، و هناك هريحك مني و أهي فرصة عشان ترجعي لحبك القديم.

تفاجئت بقراره الصادم و آخر ما كانت تتوقعه منه،أمسكت بيده و أوقفته عما يفعله :
- أني رايده أفضل وياك.

رفع جانب فمه بإبتسامة و بتهكم قال لها:
- شكراً علي جبر الخاطر.

- ده مش چبر خاطر، أني بجول الحقيقة، يمكن ما أملكش جلبي لكن عقلي هو اللي أختارك، ليه مستعچل علي حبي ليك، أعطِ لجلبي فرصة إنه يبجي ملكك.

صمت لثوان و هو يراقب ملامحها و يشعر بصدق كلماتها، و سرعان تحولت نظرة التوسل داخل عيناها إلي الغضب و هي تنظر إلي صدره، جال ببصره نحو ما تنظر إليه، فـ رأي شعرة شقراء عالقة بقميصه الرمادي و أثر حُمرة شفاه، أبتلع لعابه بتوتر.

أشارت نحو صدره بسبابتها و سألته:
- إيه اللي علي جميصك ده يا حضرة الدكتور المحترم؟

لم يصدق ما يسمعه فهل هي تغار حقاً، خبأ إبتسامته خلف قناع الجمود و أخبرها ببرود:
- زي ما أنتِ شايفة، شعرة صفره و أحمر شفايف.

صاحت بحدة مبالغة:
- لاء و الله!، ما أني خابرة إنه زفت و جطران أني بسألك إيه اللي چابهم علي صدرك، عتخوني يا يحيي!

ضحك بتهكم و أجاب بأريحية و كأنه يخبرها بأمر عادي:
- و فيها إيه لما أعرف واحدة تانية، أنا إسمي متجوز بس مجرد كلمة مش فعل.

شهقت من تصريحه و إثباته لخيانته:
- يا بچاحتك يا أخي،  و بتعترف عيني عينك.
دفعته من أمامها مُردفة:
- أني بقي اللي هلم خلچاتي و....

جذبها من يدها و دفعها إلي الخزانة، أقترب منها و كاد يلتصق بها:
- مالك أتضايقتي ليه أوي كده!، بتغيري عليا؟

أبتلعت لعابها بتوتر من قربه الشديد و تضارب المشاعر الضاري داخلها:
- أني، أني...

- أنتِ إيه، هقولك أنا.
أزاح خصلاتها جانباً ليتمكن من تقبيل عنقها ثم قال:
- أنتِ حبيبتي.

و قام بتقبيل خدها:
- و روحي.

- و إستحالة أبعد عنك بعد ما بقيتِ ليا.
و ألتقم شفتيها في قبلة جعلت ساقيها كالهُلام، فأحاطت عنقه بذراعيها، و عندما فعلت ذلك حاوطها أيضاً من خصرها و حملها إلي الفراش، ينحني بها رويداً دون أن يقطع قُبلته.

جعلها تتمدد علي ظهرها ثم أبتعد بشفتيه لكي يعطيها المجال للتنفس.
- عايزة تسبيني؟

هزت رأسها بالنفي و همست:
- لاء، و أنت؟

أجاب بنبرة عاشق مُتيم غارقاً في بحر لؤلؤتيها السوداء :
- أنا أسيب الدنيا بحالها عشانك أنتِ.

تنحنح ثم أردف بصوت عذب و كأنه طير يغرد علي غصن الآيكة:
أحبيني بلا عقد و ضيعي في خطوط يدي
أحبيني بلا عقد و ضيعي في خطوط يدي
أحبيني لأسبوع لأيام لساعات
فلستُ أنا الذي يهتم بالأبدِ
تعالي، تعالي
تعالي واسقطِ مطراً على عطشي و صحرائي
و ذوبي في فمي كالشمع و انعجنِ بأجزائي
أحبيني بلا عقد و ضيعي في خطوط يدي
أحبيني بطهري أو بأخطائي
و غطيني أيا سقفاً من الأزهار يا غابات حنائي
أنا رجل بلا قدراً فكوني أنتِ لي قدري
آه أحبيني
أحبيني بلا عقد و ضيعي في خطوط يدي
أحبيني، أحبيني
أحبيني و لا تتساءلي كيف و لا تتلعثمي خجلاً
و لا تتساقطي خوفاً
أحبيني، أحبيني
كوني البحر و الميناء كوني الأرض و المنفى
كوني الصحوة و الإعصار كوني اللين و العنف
أحبيني معذبتي و ذوبي في الهواء مثلي كما شئتي
أحبيني بعيداً عن بلاد القهر و الكبت
بعيداً عن مدينتنا التي شبعت من الموت
أحبيني معذبتي و ذوبي في الهواء مثلي كما شئتي
أحبيني بلا عقد وضيعي في خطوط يدي
آه آه أحبيني.

كانت تستمع إلي غنائه لها بتعجب و دهشة، و عندما أنتهي صاحت و دفعته و جلست بركبتيها فوق الفراش:
- واه، كيف عرفت أني بحب كاظم و الأغنية دي كمان جوي.

غمره الشعور بالسعادة عندما رأي لمعة الفرح تنير عينيها فأخبرها :
- البركة في دفتر مذكراتك، تاني أحلي حاجة حصلت لي في حياتي، و أنتِ الحاجة الأولي.

ضربت حُمرة الخجل وجنتيها من كلماته و غزله لها، أقتربت منه و سألته:
- ممكن تغنيها لي تاني؟

جذبها من يدها لتسقط علي صدره و قال:
- من عيوني، هغني لك زي ما أنتِ عايزة بس بعد ما هغني لك أغنية تانية هاتعجبك أوي.

رمقته بعدم فهم:
- أغنية إيه دي؟

- دي ما بتتغناش، دي بتتحس.
عانقها و بشفتيه يعزف لها علي خاصتها أجمل ألحان الحب في سيمفونية من القبلات الحميمية، و أنامله تتجول علي منحنياتها كإصابع عازف بيانو ماهر.
أنغمر كليهما علي أجمل ألحان العشق لتبدأ معزوفة جديدة، فكان هو الموسيقار و العازف.

و بعد مرور وقت...
كانت تتمدد علي ظهرها و تدثر كامل جسدها بالغطاء، تنظر إلي السقف في سكون، أقترب منها ليُقبلها علي أنحاء وجهها و كأنه لم يصدق إنها أصبحت زوجته شرعاً و قانوناً.
و من بين القبلات، عبست و رمقته بإمتعاض لكزته بحنق:
- بعد عني أنت خاين.

كاد ينفجر من الضحك علي هيئتها الطفولية، فأخبرها حتي لا يثير غضبها:
- هتصدقيني لو قولت لك دي كانت حالة إنسانية و أنا داخل الفندق لاقيت واحدة بتصرخ و بتستغيث عشان بنتها مُغمي عليها، عرفتها إن أنا دكتور أضطريت أشيل البنت لأوضتها عشان أقدر أفحصها، كانت داخلة في غيبوبة سكر و الحمدلله فاقت و علقت لها محاليل، كتبت لها علي شوية أدوية و بعدها طلعت علي هنا.

هزت رأسها كمحاولة بأن تقتنع بحديثه:
- ماشي، ربنا يكتر من خيرك يا دكتور و يخليك للشقره و البيضا و السمرا.

رفع إحدي حاجبيه و كاد يتحدث فقاطعه رنين هاتفها:
- دي مكالمة علي الماسنجر، شكله بكر أخوي و قمر، رايدين يطمنوا علينا.
※ـــــــــــــــــــــ※

تقف داخل المطبخ و تقوم بصب الشاي في الكوب ثم حركت المعلقة لتقليب و ذوبان السكر، تناولت صينية صغيرة وضعت فوقها كوب الشاي و ذهبت إلي غرفة المعيشة، و قبل أن تولج إلي الداخل سمعت صوته علي ما يبدو يرسل رسالة صوتية

- أتوحشتك جوي جوي يا حبيبتي، لما تكوني فاضية أبقي أتصلي عليا، رايد أطمن عليكِ.

و ضغط علي علامة إرسال، و إذا به ينتفض عندما صاحت بغضب:
-و دي مين اللي أتوحشتك يا حضرة الشيخ يا محترم يا للي حافظ كتاب الله و خابر الحلال و الحرام!

ألتفت إليها قائلاً:
- أباه، عتشكِ فيا يا قمر!

تركت الصينية أعلي المنضدة و عقدت ساعديها أمام صدرها:
- ده يقين مش شك يا جلب قمر، و أنا تو سمعاك بتبعت رسالة بصوتك لحبيبة الجلب اللي بتخوني معاها.

رفع هاتفه و أشار إليها نحو إسم المرسل إليه:
- أقرأي الإسم زين.

أقتربت لتقرأ فوجدت الإسم (فاطمة)، ضربت حمرة الحرج خديها فنظرت لأسفل و تمتمت بصوت منخفض:
- حقك عليا.

ترك الهاتف علي المنضدة و أقترب منها قائلاً:
- عيبك يا قمر متسرعة، و بعدين المفروض تكوني خابراني زين، مش أني اللي يتجاله أنت خاين!

رفعت يديها لتحاوط عنقه و أخبرته بصوتها العذب و بدلال:
- أعذرني يا حبيبي، بحبك جوي و بغير عليك،أصلك أنت ما خابرش الوليه اللي ساكنة في الشقة اللي جدامنا في الطالعة و النازله ليك تسوي حالها بتخرج چردل الزبالة و تفضل تبص عليك، و بيني و بينك أني عمري ما أرتحت لها خصوصاً لما عرفت إنها مطلقة و....

أشار لها بالصمت بوضع سبابته علي شفتيها و أخبرها بعتاب:
- عيب يا قمر، مش من أخلاقنا و لا ديننا نظن السوء و كمان قذف محصنات، و لنفرض ما أنتِ خابرة إن بغُض بصري من أول ما بخرچ من باب الشقة و ربنا شاهد عليا، و لا أنتِ حداكِ شك في إكده!

هزت رأسها بالنفي و قالت:
- لاء طبعاً، كل الحكاية إني بغير عليك جوي حتي إسأل ولدك و هو هيجولك.

عقد حاجبيه يحاول إدراك ما تفوهت به للتو:
- إنتِ....

وضعت يدها علي بطنها و أخبرته:
- أيوه حبلي.

تقفز السعادة من عينيه، جذبها إلي صدره و عانقها ثم أخذ يردد دعاء الحمد و الشكر:
- الحمد و الشكر ليك يارب، الحمدلله حمداً كثيراً.

رفعت وجهها و وضعت كفها علي خده:
- بتمني من ربنا لو چه ولد يبجي نسخة منك في كل حاچة الشكل و الطبع و الأخلاق.

- ولد، بنت، المهم تجومي بالسلامة و المولود يچي سليم مُعافي يارب، و إن كان علي النوع كل اللي يچيبه ربنا زين، كفاية إنه هيبجي حتة من القمر.

و قام بتقبيل وجنتها، بينما هي فعلت المثل ثم عانقته قائلة:
- أني بحبك جوي يا بكر، ربنا يخليك ليا و ما يحرمني منك أبداً.

أمسك هاتفه و أخبرها:
- جومي ألبسي نقابك عقبال ما أتصل بفاطمة و يحيي.

نهضت و سارت تتغنج بخصرها، قائلة بدلال:
- أمرك يا سي بكر.

أطلق تنهيدة حارة و قال:
- أنتِ قد اللي عتسويه ده؟

و غمز لها بإحدي عينيه، و قبل أن تولج إلي غرفة النوم، جذبت مشبك الشعر فأنسدلت خصلاتها الشقراء ثم ألتفتت إليه لتجيب بصوتها الناعم الذي يخترق القلب قبل الأذن :
- ما أنت خابر أني قدها جوي، جوي يا شيخ بكر.

عض بأسنانه علي شفته السفلي و قال بتوعد:
- أنتِ اللي چبتيه لحالك يا روح جلب الشيخ بكر.
و بعد أن لمس علامة الإتصال سرعان ما قام بالضغط علي الرفض و ترك الهاتف علي الأريكة  و هم بالذهاب إليها، فسألته:
- جفلت ليه؟

أقترب منها و حاوطها من خصرها ثم دفعها برفق داخل الغرفة قائلاً:
- رايد أطمن علي ولدي، حداكِ مانع إياك!

كان جوابها أطلقت ضحكة سلبت لبه و فؤاده
، عقب بنبرة تنبأ علي ما هو مُقبل عليه:
- اللهم چنبنا الشيطان و چنب الشيطان ما رزقتنا.

أغلق الباب بقدمه لينفرد بقمره التي ظفر بها بعدما مرت عليهم العديد من الظروف العصيبة، لكن كليهما تحمل و تحلي بالصبر حتي جمعهما الرحمن معاً لتكون هي مسكنه و هو سكنها.
※ــــــــــــــــــــــــ※
أنتهي الطبيب من فحص زينب التي منذ أن جاءت إلي المشفي و هي في حالة سكون كالجماد، تنظر إلي السقف و عبراتها تنسدل من حين لآخر من ذهبتيها ذات الجفون المنتفخة و شديدة الإحمرار من فرط البكاء و ما تعرضت إليه من عذاب نفسي و جسدي علي يد هذا الطاغية.
تجلس بجوارها سُمية التي بمجرد أن علمت ما حدث من زوجها أرتدت ثيابها دون تردد و ذهبت إلي المشفي، و ها هي تمسك بيدها و تمسح علي جبينها، سألت الطبيب:
- كيفها دلوق يا دكتور؟

كان يدون بعض الكلمات في التقرير مُجيباً عن سؤال سمية:
- ما أكذبش عليكِ، الواضح جداً إنها أتعرضت لصدمة شديدة و ده باين من آثار العنف علي جسمها، و تهتك في أنسجة المهبل نتيجة إعتداء جنسي عنيف.

شهقت الأخري و وضعت كفها علي فمها، فعقبت بصوت خافت:
- يخربيتك يا سليم الكلب، اللهي ما تجوم من رقدتك و يچي اللي يشيل و يحط عليك و يخلصنا منك.

أنتهي الطبيب من ما كان يكتبه و قال:
- هي دلوقتي محتاجة لراحة و بعد ساعتين هابعت الممرضة تديها حقنة مسكن، و تقيس الحرارة.

فأخبرته الأخري:
- أني هاعطيها لها بنفسي يا دكتور و هاتابع حرارتها، أني كنت بشتغل ممرضة في مستشفي قنا العام.

أومأ لها بالموافقة:
- تمام، خلاص خليكِ جمبها و لو فيه أي حاجة أضغطِ علي الزرار اللي وراكي، عن إذنك.

- أتفضل يا دكتور.
أطلقت زفرة ثم ألتفتت إلي صديقتها و قالت:
- كان مستخبي لك كل ده فين يا جلب خايتك، منه لله أخوكي رماكي لواحد ما يعرفش ربنا، اللهي يا سليم يا ولد أم سليم تتحدف في چهنم و تتحط أنت و أبو لهب في سيخ واحد قادر يا كريم.

صدح رنين هاتفها من داخل حقيبتها، جذبت السحاب و أمسكت بالهاتف فرأت المتصل زوجها، رمقت إسمه بإمتعاض و لم تجب علي الإتصال بل قامت بتفعيل الوضع الصامت ثم ألقت الهاتف داخل الحقيبة.

أنتبهت إلي زينب التي كانت تحاول أن تنهض و تردد بصوت خافت:
- فارس، يا فارس.

أمسكت صديقتها بيدها:
- جايمة رايحة فين!

كانت الأخري تنظر بشكل عشوائي كالتي فقدت عقلها:
- أني رايده أشوف فارس، سليم جتله إياك!، سوي فيه حاچة؟

ربتت سمية علي ظهرها و أخبرتها:
- أجعدي بس، و أطمني أني قبل ما أچي لك عديت عليه في الأوضة اللي چارك، هو بخير بس الدكتور قال إنه لازم يرتاح و تحت المتابعة.

و كأنها لم تستمع إلي كلمات صديقتها، أنتابتها حالة هياج هيستري و أخذت تصرخ:
- همليني، رايده أطمن عليه لحالي، سليم سوي فيه إيه.

سمية في محاولة منعها من النهوض:
- و الله العظيم فارس زين، أهدي و أرتاحي و لما يصحي هاخدك و نروح له نطمنوا عليه.

- يا فارس، فارس.
رددت النداء بصياح، مما جعل سمية تضغط علي الزر فجاء الطبيب بنفسه و معه الممرضة التي تمسك بحقنة المسكن، فساعدتها الأخري بإمساك ذراع زينب لكي تتمكن الأولي من غرز الإبرة به.
ما زالت تردد إسمه في حالة يرثي لها، لم تبالي إلي حالتها و الوهن المتمكن من جسدها، أهم ما لديها أن تطمئن علي من تعشقه إلي حد الثمالة.

- فا ر س، يا فا....
إنسدل جفنيها و دلفت في سُبات حيث سكن جسدها تماماً و ما يتحرك بها سوي تلك العبرات التي تنزلق من جانبي عينيها.
3

※ــــــــــــــــــــــــــــ※
داخل غرفة يسودها الظلام الدامس، تجلس في زواية علي الأرض تضم ركبتيها إلي صدرها و تتلفت يميناً و يساراً بخوف، يرتجف جسدها و يردد لسانها بنفي و إنكار لما أقترفته قبل مجيئها إلي هنا:
- ما أقتلتهاش، ما أقتلتهاش، أنا معملتش حاجة.

ها هي أصبحت كما قيل لها سابقاً من زوجها و من ما كانت في يوم صديقتها عندما أخبرتها بأن سيأتي الوقت الذي ستصبح فيه خاسرة لكل شئ، و بالفعل هي الآن أصبحت وحيدة بل و أصابها خلل و إضطراب نفسي، و ما زاد الطين بلة الجريمة التي أرتكبتها و هكذا خطت نهايتها بيديها، و كما تقول الحكمة الجزاء من جنس العمل، ربما خُيل إليها أن طليقها لن يتركها في تلك المحنة، حمقاء لا تعلم ما الذي ينتظرها من مصير محتوم!

أنتفضت بذعر عندما سمعت طرق علي باب غرفتها الموصد:
- تعالي يا ندي يلا أنا حطيت الغدا.

نظرت نحو الباب بأعين جاحظة و ما زالت تردد تلك الجُمل السابقة، و عندما لم تجد والدتها رداً قامت بإدارة مقبض الباب، وجدته موصد من الداخل:
- هي لحقت تنام، خلاص لما تقوم هابقي أحضر لها الأكل.

تركتها و ذهبت إلي مائدة الطعام، تنهدت ثم جلست علي الكرسي،أمسكت بالملعقة:
- بسم الله الرحمن الرحيم.

و قبل أن تبتلع الطعام توقفت عندما قال زوجها بحدة:
- مش أنا قولت و نبهت عليكِ إنها ما تخرجش!

أزدردت الأخري لعابها، فكان زوجها نائماً و هي كانت تُعد الطعام و أكتشفت خروج إبنتها خلسه دون علمها و خشيت أن تتحدث إليها في الهاتف حتي لا توقظ إبيها الذي منع إبنته من الخروج.

تركت والدتها الملعقة و قالت بتوتر:
- هي كانت محتاجة شوية حاجات كانت قايلة لي عليهم و نسيت، فـ نزلت تجيبهم و طلعت.

ضرب زوجها بقبضته علي المائدة:
- بطلي كذب و تداري عليها، ما حرمتيش من عمايل بنتك، و لا مستنيه لما تجيب لنا مصيبة، أحمدي ربنا إن أكرم إبن ناس و متربي، أقسم بالله لو كان واحد تاني كان زمان بنتك متبهدلة و يا عالم كان عمل فيها إيه، بنتك رفصت النعمة اللي كانت في إيديها و مشيت ورا شيطانها اللي خلاها خسرت راجل بعتبره في مقام إبني اللي ما خلفتهوش، عقلي بنتك أحسن لك.

هزت رأسها بطاعة، لم تتجرأ علي المجادلة فلديه كامل الحق لما ذكره للتو.

سألها باحثاً بعينيه عن شىء ما:
- أومال فين لارا؟

- راحت تلعب مع بنت أم رامي في الشقة اللي قدامنا.
كاد زوجها يتفوه لكنه قاطعه رنين جرس الباب و يتبعه طرقات شديدة متتالية، نهضت بفزع:
- ده مين اللي بيرزع علي الباب كده، استر يارب.

نهض زوجها و قال لها بأمر:
- خليكِ أنا هافتح و أشوف مين.
ذهب و فتح الباب، فظهر إليه رجل يرتدي ثياب عادية و خلفه تقف قوة من الشرطة، قال الرجل:
- دي شقة ندي محمود العربي؟

أجاب الأخر بصدمة:
- أنا والدها، فيه حاجة؟

أخبره الضابط بصوت أجش:
- معانا أمر من النيابة، مطلوب القبض علي بنتك بتهمة محاولة قتل مروة عبدالكريم حرم رجل الأعمال علي الحسيني

صاحت والدتها التي تقف خلف زوجها:
- قتل!، يالهوي.

- أدخلوا جيبوها.
كان أمر الضابط للعساكر، و قبل أن يدلفوا إلي الداخل قال والدها بتوسل:
- أنا بستسمحك يا بيه، ممكن أدخل أجيبها لك بنفسي، أصلها شكلها نايمة و حضرتك فاهم البيت ليه حُرمة و....

زفر الضابط بنفاذ صبر و قال بحدة :
- إحنا جايين نقبض عليها، أدخل يا بني أنت و هو خلصوا.

سبقتهم والدتها و أخذت تطرق الباب:
- إفتحي يا ندي، عملتي إيه يا بنتي تاني، إفتحي.

كانت الأخري بالداخل ترتجف من الخوف:
- معملتش حاجة، ما قتلتهاش، معملتش حاجة.

و عندما وجد الضابط عدم إستجابة الأخري في فتح الباب الذي أدرك إنه موصود من الداخل، أعطي الأمر إلي إحدي العساكر:
- أكسر الباب ده.

تقدم الأخر و أخذ يدفع الباب بجسده و والدتها تصرخ بتوسل أن يتوقفوا عما يفعلوه، لكن لا محالة خاصة بعدما أستطاع العسكري أن يفتح الباب فأوقفه رجاء والد ندي إلي الضابط لاسيما عندما رأي حالة إبنته التي تنظر إليهم بخوف و ذعر و ترتجف كالطفلة التي رأت أشباحاً.
- أرجوك لو سمحت ممكن أنا هاجيبها لك، حضرتك شايف حالتها عاملة إزاي.

زفر الأخر بغضب فقال مشيراً للداخل:
- أتفضل، خلينا نخلص.

ذهبت والدتها تبحث عن هاتفها :
- أنا لازم أبلغ أكرم قبل ما بنتي تضيع، جيب العواقب سليمة يارب.

و في داخل الغرفة، تقدم والدها منها يمد يده إليها:
- قومي يا ندي، قومي يا بنتي، الله يسامحك شوفتي وصلتينا لإيه!

رفعت يديها في وضع الحماية و أخذت تصرخ:
- معملتش حاجة، معملتش حاجة، ما أقتلتهاش.

حاول والدها أن يجعلها تنهض لكن جسدها كان في حالة تشنج و خشي أن يجذبها عنوة فيقوم بإيذائها، و عندما دلف الضابط و كأنها رأت ملاك الموت، أتسعت عيناها و نهضت تحاول أن تختبىء خلف والدها و تردد ما قالته سابقاً.
أشار الضابط إلي رجاله بنفاذ صبر:
- هاتوها.

أمسكها الرجال و كانت ترتجف و تتلوي بين قبضتهم لذراعيها، و حينما و صلت إلي باب الشقة، كانت جارتهم قد فتحت باب شقتها لتري سبب تلك الضجة و الصراخ، شهقت السيدة عندما رأت منظر ندي بين يدي رجال الشرطة، بينما لارا ألقت الدمية التي بيدها و صرخت:
- مامي.
ركضت إلي والدتها، فأسرع جدها و منعها و عانقها يربت علي ظهرها و يقول:
- لله الأمر من قبل و من بعد، أسترها يارب.

و بالداخل كانت زوجته تلحق ما يمكن إلحاقه، تضع هاتفها علي أذنها تنتظر إجابة طليق إبنتها.
و في مكان آخر داخل المشفي المحتجز به سليم بعد إصابته بالرصاص و جعلته يقع مُغشياً عليه بسبب كثرة الدماء التي نزفها آنذاك.
يقف أكرم في بهو الإستقبال،و بالرغم من هيئته المُزرية بعد نجاحه في القبض علي سليم العقبي أكبر رجال الأعمال و الذي لم يستطع أحد من قبله الإيقاع به أو بوالده داغر العقبي.
يقف كالصقر المتربص لأعداءه،و هذا بناء علي طلبه بأن يكون قائد الحراس بنفسه في المشفي لعلمه بخطورة سليم و ما يمكن أن يفعله رجاله بالخارج من محاولة تهريبه.
كان يقف و  يؤكد علي رجاله:
- ممنوع أي حد يدخل و لا يخرج من المستشفي، أنا طالع فوق و لو فيه أي جديد بلغوني.
أومأ رجاله و في صوت واحد:
- تمام يا فندم.

و قبل أن يولج إلي المصعد أوقفه رنين هاتفه، فرأي المتصل جدة إبنته، زفر بتأفف و أعاد الهاتف داخل جيبه، ظناً منه إنها ندي التي لم تكف عن محاولاتها البائسة بالإتصال عليه و ترجوه بالعودة.
عاد الإتصال مرة ثانية بل و ثالثة، داهمه شعور بأن هناك خطب ما و ربما أمر يتعلق بإبنته، أجاب علي الفور:
- نعم؟

جاءه صوت والدة ندي تبكي و تخبره:
- ألحقني يا أكرم، البوليس جه خد ندي بيتهموها في محاولة قتل مروة صاحبتها، بالله عليك روح و أقف جمبها إحنا ملناش غير ربنا و أنت يا بني.

تسمر مكانه، فهذا أخر ما كان ينقصه، محاولة قتل صديقتها!، إلي هذه الدرجة ساءت حالتها!، كيف لم يكتشف هذا من قبل!، يبدو غيابه المستمر عنها بسبب عمله قبل و بعد الزواج جعله لم يتعرف علي خصالها جيداً، فما أكثر الأزواج الذين يعيشون تحت سقف واحد و لم يفهم كليهما الأخر و يكتشفون كوارث بعدما يمرون في محن تُعري وجه كل منهما من الأقنعة الزائفة ليري كليهما الحقيقة الصادمة.

أنتبه إلي ندائها المتكرر :
- أكرم، يا أكرم.

أجاب عليها بهدوء قاتل:
- نعم مع حضرتك، ما تقلقيش أنا هاتصرف، سلام.

أنهي المكالمة و ظل في مكانه يحاول إدراك ما يحدث، مسح علي خصلاته و يزفر بقوة لقد أكتفي من المصائب هذا اليوم، قام بإجراء مكالمة هاتفية مع إحدي معارفه لدي النيابة و علم بأنه بالفعل قد تم صدور أمر بالقبض علي طليقته و قسم الشرطة التي أُخذت إليه للتحقيق معها.

أتجه إلي بوابة الخروج للمشفي و قبل أن يغادر قال لمساعده من الحراسة:
- ساعة زمن و راجع عايز كأني أنا موجود فاهم، أنت المسئول قدامي عن أي حاجة لو حصلت.

رد الأخر بحزم:
- أطمن يا فندم كله تحت السيطرة.

ذهب أكرم و عبر الرواق فـ أصتدم بإحدهم يرتدي مأزر الطبي الأبيض و قناع الفم يخفي نصف وجهه، و نظارة طبية، حاول هذا الشخص تلاشي النظر إلي أكرم مباشرة و مضي في طريقه إلي المصعد.

※ـــــــــــــــــــــ※
في إحدي بلاد شرق أوروبا يجتمع هؤلاء الرجال ذوي الهيئات المُهيبة و المُخيفة في آن واحد حول الطاولة المستديرة، ينتظرون رئيسهم الذي دلف للتو يرتدي حُلة سوداء خلفه حارسين ضخام الجسد.
وقف كل من يجلسون حول الطاولة ينتظرون تلك الإشارة التي صُدرت من رئيسهم للتو بعدما جلس علي مقعده الوثير.

تنحنح و أخبرهم بصوته الرخيم:
- جميعكم ينتظر أن يعلم سبب هذا الإجتماع الطارئ، علمت الآونة الأخيرة بما يحدث في مصر من وقوع رجالنا هناك، لكن هذا ليس الأمر الذي يعنيني، فاليوم علمت بأن الذي وقع بين يدي الشرطة هو من أهم رجالي.

رفع إحدهم يده و قال بتهكم:
- إذا كنت تقصد سليم العقبي سيدي، فهو من فعل ذلك بنفسه، منذ أن تزوج و لم يهتم بتأمين عملنا من عيون رجال الأمن لديه في مصر.

فقال آخر و يبتسم بسخرية دون أن يستأذن رئيسهم :
- و لما لم تقُل بأن زوجته هي من وراء ذلك، رأيتها منذ شهور برفقته في لاس فيجاس، لم أشعر بالإرتياح لها بتاً و أؤكد لكم إنها خلف ما حدث لا سيما بعدما علمت من إحدي مصادري إنها قد هربت منه حينها و سرقت الحاسوب الخاص به، ألم يثير هذا الأمر الشك لديكم!

عقبت إحداهن علي حديثه:
- بالطبع لم تشعر بالإرتياح نحوها ديفيد، لأنها عربية مسلمة أليس كذلك!

رمقها الأخر بنظرة نارية، مما جعل رئيسهم يضرب بيده علي الطاولة و هذا الخاتم المصنوع من الذهب الأبيض يصدر بريقاً لامعاً، فذلك الشعار المحفور به أكثر ما يميزه، الفرجار المفتوح و المتقابل مع المسطرة المنفرجة يتوسطهما حرف الـ G.

- حديث مرة أخري دون إذن مني سيكون له عقاب رادع، أعلم كل ما لديكم قبل أن يصل إليكم.
عاد بظهره إلي الوراء و أنتصب في جلسته ليردف:
- سليم قد أصبح الحصان الخاسر لدينا، و جاء لي صباح اليوم عدة أوامر صارمة من المحفل، علي رأسها تصفية سليم العقبي.

غرت المرأة فاها و بدي عليها الصدمة، أبتلعت لعابها بتوجس حينما نظر إليها رئيسهم، فسألته بجدية زائفة لتخفي توترها:
- هل تم الأمر؟

ظهرت علي ثغر الأخر إبتسامة مُرعبة قائلاً:
- إنه يُنفذ الآن ريبيكا.

و بالعودة إلي أحضان الوطن، داخل المشفي و صعوداً إلي الطابق التي توجد به غرفة سليم، يسير هذا الغريب و المُريب في الرواق وجد أمام الغرفة رجلين من الحراسة التابعة للشرطة، أخرج بطاقة تعريف زائفة و أرتدي الشريط المتصل بها حول رقبته ثم مضي إلي الغرفة بثقة بالغة، أوقفه الحارس و قبل أن يسأله فرفع له البطاقة:
- أنا الدكتور النبطشي المسئول عن حالة سليم العقبي.

أشار إليه الحارس:
- معلش يا دكتور أصلها أوامر شديدة، لأنه اللي جوه مجرم خطير.

أخبره الأخر بإبتسامة ذئب من أسفل القناع:
- ما تقلقش أنا هاخد بالي كويس.

فتح الباب و ولج إلي الداخل ليجد سليم تتصل أجهزته الحيوية بأجهزة طبية و يده بها إبرة متصله بمحلول مُعلق علي حامل عمودي.
أخرج من جيبه إبرة و داخل عبوتها سائل مجهول المصدر، أقترب من الكيس المُعلق و كاد يغرز به الإبرة فتوقف فجأة بفزع!

قبل قليل... وصل صلاح بالأسفل فأوقفه رجال الأمن، فأخرج لهم البطاقة الخاصة بهويته، فكان رد الرجل عليه بحدة:
- ما قولت لك ممنوع و دي أوامر أكرم بيه، يلا بقي أتكل علي الله.

رمقه صلاح بإزدراء و أبتعد بعدة خطوات قائلاً بصوت خافت:
- لازم أتصرف.

قام بإجراء إتصالاً هاتفياً بإحدي الشخصيات الهامة و الذي أستطاع بنفوذه الوصول لإدارة المشفي و التحدث مع المدير المسئول، فـ خرج بنفسه لإستقباله:
- أهلاً و سهلاً يا صلاح بيه، المستشفي نورت.

تزحزح رحل الأمن إلي المدير الذي أمره:
- وسع كده لصلاح بيه منك له.

صافحه صلاح بإبتسامة دبلوماسية:
- متشكر لحضرتك، أنا بس عايز أطمن بنفسي علي سليم باشا.

- و الله يا فندم لو كان عليا كنت طلعتك و خليتك تقعد معاه، بس جاي لنا أوامر مشددة إنه ممنوع حد يدخله و لولا تليفون الباشا الكبير مكنش حد من العساكر رضي يدخلك.

رمقه الأخر بإمتعاض قائلاً بـ دهاء :
- طيب تمام متشكر، و هابلغ الباشا بتحياتك ليه.

توترت ملامح الرجل ثم قال :
- ليه بتقول كده، أنا....

- أنت هاتدخلني أطمن علي سليم باشا، قولت إيه؟
قالها بنبرة أمر و تهديد جلية إذا لم ينفذ الأمر، أومأ له الأخر بالموافقة و علي مضض:
- تحت أمرك.

و بالعودة إلي هذا الغريب، فتح الباب و ولج إلي الداخل ليجد سليم تتصل أجهزته الحيوية بأجهزة طبية و يده بها إبرة متصله بمحلول مُعلق علي حامل عمودي.

و بالفعل تحرك و دلف كليهما داخل المصعد، و بعد أن خرج صلاح من المصعد تقدمه مدير المشفي بخطوات ليرشده إلي الغرفة و حين وصل، انهاه إحدي الحارسين عن الولوج إلي الداخل :
- ممنوع يا باشا.

رمقه الرجل بإمتعاض و أخبره:
- أنا الدكتور و مدير المستشفي يا غبي، ابعد عن الباب.

فعقب الأخر:
- و لما أنت الدكتور أومال اللي لسه داخل حالاً يبقي مين؟

و حين إستمع صلاح إلي كلمات الحارس التي ضرب الشك في دواخله لا سيما عندما صدح صوت إستلام رسالة ألكترونية عبر البريد الألكتروني الخاص بهاتفه، ألقي نظرة سريعة عليها فوجد فحواها بالإنجليزية و ترجمتها كما يلي:
« تحرك أيها الوزير لقد تم صدور الحُكم بالتخلص من الملك»

و بالداخل أخرج هذا الملثم من جيبه إبرة و داخل عبوتها سائل مجهول المصدر، أقترب من الكيس المُعلق و كاد يغرز به الإبرة فتوقف فجأة بفزع!
حيث دفع صلاح ما بيده بقبضة قوية أطاحت الإبرة ثم أمسك بتلابيبه و أخذ يكيل له لكمات شديدة القوة غرار طبيعته الهادئة، و لما التعجب فهو يعمل داخل عالم لا يحكمه سوي قانون الغابة، البقاء للأقوي و لا مكان للضعفاء.
لم يستسلم الأخر بل أخذ يقاومه و دلف الحارسين و خلفهم مدير المشفي علي إثر تلك المعركة التي صدح صوتها إلي الخارج.
رفع الحارسين أسلحتهم صوب الرجل الغريب، رفع المدير يده و قال:
- أوعي تضرب نار.

أستغل الغريب ذلك الموقف فألتفت إلي النافذة لكن لم يمهله صلاح الهرب فأخرج سلاحه الذي يخبئه خلف ظهره و أخذ يضرب بمقبضه علي رأس الرجل حتي وقع فاقداً للوعي.

نظر صلاح إلي الحارس:
- خدوه و أحبسوه عقبال القوة ما تيجي تاخده.

عاد بظهره و ألتفت ليطمئن علي سليم الممدد لا حول و لا قوة له، من يراه يغر فاه بتعجب من وضعه الضعيف في تلك الحالة، كم من ظالم عتي نشر في الأرض فساداً و أرتكب أفظع الجرائم، ما كانت نهايته سوي الهلاك و الدمار، يحصد ثمار شره بيده و التي تؤدي به إلي الهاوية، يسقط في قاع الجحيم.

أمسك بيد صديقه و دنا بالقرب من أذنه ليهمس إليه:
- لازم تفوق بسرعة، حياتك في خطر.
※ـــــــــــــــــــــــــــ※
- أنا معملتش حاجة، ما أقتلتهاش، هي اللي خربت لي حياتي.
ظلت تردد تلك الكلمات و تجلس داخل مكتب الضابط الذي زفر بضجر:
- هاتفضلي تكلمي نفسك كده كتير!، ما تخلصي و ردي علي سؤالي، إيه اللي خلاكي تخبطيها بالعربية و إياكِ تنكري لأن الكاميرات جايباكي و أنتِ بتتحركي ناحيتها بالعربية و بعد ما خبطيها دوستي بنزين و هربتي صح!

رفعت رأسها و رمقته بعيون يملأها الإحمرار من فرط البكاء المستمر، يرتجف جسدها كلما تذكرت جريمتها التي باءت بالفشل و ألقت بها بين يدي رجال الشرطة!

طرق إحدي رجال الشرطة الباب ثم ولج قائلاً:
- رائد باشا، النقيب أكرم عمران بره و عايز يدخل.

أعتدل في جلسته و أخبره:
- أنت جاي تستأذن، دخله فوراً.

نهض ليستقبله، دلف أكرم فصاح الأخر بترحيب و سرور:
- أهلاً أهلاً، نورت القسم يا باشا.
حينها ألتفتت إليه و تلاقت عيناها بخاصته، خفق قلبها بخوف و فاضت عيناها بنظرة توسل إلي مساعدتها و إنتشالها من ذلك الوحل الذي أسقطت بها نفسها.

جال ببصره إلي الضابط و بادله المصافحة و بشبه إبتسامة قال:
- تسلم يا رائد بيه.

صاح الضابط مُنادياً:
- تعالي يا بني خد المتهمة و حطها في الحجـ....

قاطعه أكرم ناهياً إياه:
- سيبها، أنا جاي عشانها.

رمقه الأخر بتعجب فأبتلع أكرم لعابه قبل ما يردف:
- مدام ندي تبقي أم بنتي.

أومأ له الأخر و قال:
- أنا و الله ما أعرف إنها زوجة حضرتك، و مخبيش عليك وضعها سيئ جداً لأن اللي عملته متسجل في كاميرات الشركة، ده غير إنه لسه جاي لي أخبار من المستشفي إن المجني عليها الحمدلله لسه عايشة بس الخبر المؤسف إنها كانت حامل و الجنين نزل بسبب الخبطة اللي خدتها.

كانت تستمع و تنظر إلي أكرم باكية، تهز رأسها برفض و تردد:
- ما قتلتهاش، معملتلهاش حاجة.

بينما أكرم رغم ما يشعر به بشفقة و حزن علي هيئتها و حالتها التي وصلت إليها و قلبه الذي يذرف دموع الألم علي من عشقها يوماً، لكنه تحكم في تلك المشاعر التي تريد إضعافه و هو لن يريد الخنوع، يكفي ما حدث معه سابقاً و ما يحدث حالياً.

أرتسم ملامح الجمود و القسوة ليهدم داخلها أي آمال للعودة إليه، أو ربما يريد أن يخبرها أنها أصبحت بالنسبة إليه ماضي قد ولي بكل ذكرياته.

- معلش يا رائد باشا، ممكن أقعد مع المدام علي إنفراد شوية؟

أومأ الأخر بالموافقة و قال له:
- يا خبر، سعادتك بتستأذن!، المكتب مكتبك و علي راحتك طبعاً.
هم بالمغادرة:
- عن إذنك.

تركهما بعدما أشار إلي كاتب المُحضر و غادر كليهما، و هنا ساد الصمت الذي قاطعه شهقاتها المعلنة عن نوبة بكاء.

- أكرم، أنا مكنش قصدي أعملها حاجة، أنا بس كنت عايزة أنتقم منها عشان خلتك تبعد عني، هي اللي بعتت لك اسكرينات الشات اللي ما بيني و بينها.

رطفع زواية فمه جانباً و ألقي عليها الصاعقة:
- محدش بعت لي إسكرينات، أنا شوفت بنفسي، و لا ناسية إن جوزك بيشتغل إيه!، أنا أديتك الأمان مرة و أتنين، بس أنتِ مصونتيش الأمانة و قابلتيها بالخيانة.

صاحت ببكاء و إنكار:
- أقسم بالله ما خنتك.

رفع يده كإشارة بأن تصمت:
- الخيانة مش لازم تكون خيانة جسدية، الخيانة هي إنك تكوني علي ذمة راجل يتمني لك الرضا و شايلك جوه قلبه، و بسبب ظرف خلاه يبعد عنك شوية بدل ما تواسيه و تقفي جمبه روحتِ أترميتِ في حضن واحد تاني عشان ترضي غرورك، الطمع سيطر عليكِ و خلاكِ عايزة كل حاجة حتي لو غلط.

أزاحت عبراتها بطرف أناملها و قالت:
- أنا بعترف بغلطي و ندمانة عليه، بس أرجع لي و أديني فرصة أخيرة، أنا مش قادرة أعيش و أنت بعيد عني.

أغمض عينيه و جز علي أسنانه، ما زالت تراوغ و تكذب لا تعلم إنه و هو في طريقه إلي القسم أُرسل إليه كل ما حدث اليوم منذ أن غادرت منزل عائلتها.

عاد بظهره إلي الوراء و وضع ساق فوق الأخري، يرمقها بنظرة إزدراء ، ردد بسخرية:
- أيوه فعلاً عندك حق، مش قادرة تعيشي بعيد عني بأمارة لما روحتي الشركة لعلي الحسيني و تيجي مراته في نفس التوقيت، تقومي نازلة لأنك خايفة لتفضحك في وسط الشركة و الموظفين اللي كانوا زمايلك في يوم من الأيام، يقوم الغل و الحقد اللي مالي قلبك خلاكِ تنزلي تستنيها في العربية و أول ما تنزل لوحدها تروحي خبطاها و تخلصي منها، تقوم الساحة تفضي لك و ترجعي لحبيب القلب، صح يا مدام ندي!

هزت رأسها بالرفض، تردد بإنكار:
- لاء محصلش، محصلش.

أنزل ساقه و أقترب منها يرمقها بنظرة شديدة الإزدراء:
- زي ما أنتِ، لسه كدابة و عمرك ما هاتتغيري، و أحب أقولك إن كاميرات الشركة جوه و بره جايباكِ من أول ما وقفتي بالعربية قدام الشركة و لما دخلتي عشان رايحة مخصوص لعلي، و مجية مروة قطعت لك الأمل الوحيد، تحبي أقولك إن عارف تحركاتك من أول ما بتتحركي من باب شقتكم!، و أوعي تفتكري إن مراقبتي ليكِ عشان لسه عاشق سواد عيونك، إطلاقاً عشان فيه أمانة سايبها معاكِ و هي بنتنا اللي للأسف تبقي أنتِ أمها.

أخذت تمسح عبراتها بعشوائية و بتحدي و إصرار تخبره لما تظن إنه ينكره:
- أنت اللي بطل تنكر، أنا عارفه و متأكدة أنك بتحبني، بدليل وجودك هنا قدامي، جاي عشان تخليهم يخرجوني.

- تصدقي أنتِ صعبانة عليا أوي، غرورك وصل لمرحلة الهلوسة يا خسارة يا ندي، هريحك و أقولك أنا جيت ليه.
خالج الحزن ملامحه و هو يخبرها بعدما أنحني بجذعه قليلاً إلي الأمام:
- أنا جيت عشان خاطر ما أكسرش قلب والدك اللي بعتبره في مقام والدي الله يرحمه، عشان خاطر بنتي اللي ملهاش ذنب تتعاير بإن أمها رد سجون بتهمة محاولة قتل، عشان أقفل أي مجال للصحافة و أي حد يدور ورا دوافعك للجريمة و يعرف السبب الحقيقي و هاتبقي وصمة عار تانية لبنتنا و أهلك، برغم اللي عملتيه فيا لكن أنا إبن أصول و ما بتهنش عليا العِشرة.

صمت و ينتظر ردها و الذي كان مفاجأة إليه، بدأت تضحك ثم تعالت ضحكاتها رويداً رويداً، تقول من بينها:
- أنت بتحبني يا أكرم، و هو كمان بيحبني، هو هيتنازل عن المحضر بالتأكيد، أيوه أنا عارفة.

توقفت عن الضحك و بدأت تهذي:
- أنت هتخليهم يطلعوني و نرجع لبعض و ننسي كل حاجة و نعيش في تبات و نبات.

تمزق فؤاده علي الحالة التي وصلت إليها، لم يكن يريد يوماً أن يصل الأمر بينهما هكذا و كان يتمني تغييرها إلي الأفضل لعله يعطيها فرصة أخيرة، لكن ما أقترفته في الصباح جعله بدلاً من أن يتقدم خطوة للأمام يتراجع أميال إلي الوراء.

- ندي أنتبهِ و إسمعيني كويس، أنا كل اللي أقدر أعمله هاخليهم يحولوكي علي مستشفي لعلاج الأمراض النفسية.

نهضت و وقفت ترمقه بصدمة تحولت إلي نظرة نارية ضارية و صاحت بغضب :
- للدرجدي عايز تنتقم مني!، عايز تطلعني مجنونة!، أنت كمان طلعت زيك زي مروة.
- وطي صوتك و إهدي و إسمعيني، أنا عايز مصلحتك...

أجفلته بالقبض علي تلابيبه و أخذت تعنفه بجنون:
- ده أنا قبل ما تعملها هاخلص منك، كلكم ما تستحقوش تعيشوا، كلكم لازم تموتوا و أنت أولهم، سامع أنت أولهم.

وجهت له عدة ضربات في صدره و تصرخ:
- أنا مش مجنونة، أنا مش مجنونة.

جذب رأسها إلي صدره و عانقها بقوة، يربت علي ظهرها و يغمض عينيه كمحاولة لعدم الإستسلام إلي البكاء، فهو آلامه أضعافاً عن ما تشعر به هي، لكن لا مفر من النهاية التي خطت كلماتها بيدها!
※ــــــــــــــــــــــــــــــــــ※
صف سيارته أمام البناء ثم أطلق زفرة يخرج بها عناء يوم شاق، منذ أن أبلغه إحدي رجال صديقه ما حدث في الهنجر و ترتب عليه إصابة سليم بطلق ناري، و تم القبض عليه و إيداعه في المشفي تحت حراسة مشددة، و بعد ما حدث من محاولة الإغتيال و الرسالة الواردة إليه جعلته في حالة قلق و خوف من ما هو قادم.

ولج إلي داخل البناء و أستقل المصعد، و بعدما وصل إلي شقته و دلف إليها لم يقابله سوي السكون.
- سمية، سمية.

نادي و لم يلق رد، أخذ يبحث عنها في الغرف و كذلك في المطبخ، قام علي الفور بالإتصال بها، ظل ينتظر حتي أنتهي الرنين، زفر بضيق لأنه قبل أن يغادر أمرها بأن تلتزم المكوث في المنزل ريثما يعود، لكنها لم تكترث لأمره و ذهبت لتطمئن علي صديقتها.

جلس علي الأريكة و يحاول تكرار الإتصال عدة مرات و لا إجابة، زمجر و ألقي بالهاتف علي الطاولة أمامه ثم عاد بظهره إلي الوراء، إنتبهت مسامعه إلي صوت فتح باب الشقة فكانت هي من فتحت و دخلت، رمقته بلا مبالاه و كأنه لا وجود له و تابعت سيرها إلي الغرفة.

تركت حقيبتها أعلي طاولة الزينة و جلست علي الكرسي تخلع حجابها، شعرت به يقف خلفها، سألها بنبرة لأول مرة يحدثها بها:
- كنتِ فين و ما بترديش علي التليفون ليه؟

تخلع حذائها و نظرت إليه بزاوية، ترفع حاجبها بإمتعاض:
- كنت بطمن علي صاحبتي، كيف ما روحت تطمن علي صاحبك.

عقد حاجبيه و الغضب ينضح من زرقاويتيه:
- و ما بلغتنيش ليه قبلما تنزلي؟

أجابت ببرود قاتل:
- مليش مزاچ.

أقترب منها و قبض علي ساعدها، و من بين أسنانه يعنفها:
- هو إيه اللي ملكيش مزاج، ردي عليا عدل أحسن لك.

كانت نظراتها لم تقل عن ردودها الباردة:
- عتهددني إياك، و لا ما تكونش ناوي تسوي فيا كيف ما سوي سليم في زينب!

ترك ذراعها و أبتعد قليلاً يحاول أن يهدأ من روعه، ألتفت إليها و قال:
- سمية، أنا ربنا يعلم اللي أنا فيه من الصبح و كم الضغط النفسي، فياريت تراعي ظروفي و تبطلي كلامك و أسلوبك المستفز ده معايا، زينب صاحبتك علي عيني و راسي، و هو كمان صاحبي و من واجبي أقف جمبه في محنته أي أن كان اللي عمله.

أطلقت ضحكة ساخرة ثارت دهشته:
- لتكون ناوي إياك تقف چاره و تدافع عنه بعد اللي سواه في زينب و فارس و أي حد ظلمه و چار عليه من غير شفقة و لا رحمة!، تخيل لو كنت أني اللي أتأذيت علي يده كيف ما سوي فيا قبل إكده كنت هدافع عنه برضك!

زفر ما بين كفيه، لا يعلم كيف يخبرها فأردفت حديثها:
- بص يا ولد الناس، أنا أخر مرة عطيتك فرصة و جولت لك بَعد عن الشيطان دي قبل ما ناره تطولك، و الحال كيف هو الحال و لا بعدت و لا حداك نية حتي تبعد، و چاي دلوق بعد كل البلاوي اللي سواها تقولي هتقف چاره و تدافع عنه، إكده ما تفرقش عنه حاچة واصل.

أجاب بدفاع واهي:
- لاء طبعاً أنا مش زيه، أنا كل شغلي معاه ماسك له الشئون القانونية و أي قضية بخلصها له.

إبتسمت و تخبره بتهكم:
- أيوه ما أني خابره، يسوي المصيبة من أهنه و تقوم أنت مطلعه منها كيف الشعره من العچين، يعني عتدافع عن الظلم و واحد ظالم، يبقي ما تفارقش حاچة عنه، عموماً أنت واعي و خابر زين عتسوي إيه، علي راحتك جوي.

توجهت إلي الخزانة و فتحت الضلفة لتأخذ حقيبة كبيرة و ألقتها علي الفراش، و قبل أن تمد يدها إلي ثيابها أوقفها:
- أعقلي يا سمية، ما تبقيش أنتِ و الدنيا عليا، أنا محتاج لوجود جمبي.

رمقته بإمتعاض فوجدت يحدقها بتوسل، فقالت:
- و مين قالك أني مش محتاچة و چود چاري!، أني لما بقولك تبعد لأچل خايفة عليك من الطريق الواعر اللي ماشي فيه، و لو مكنش لأچل خاطري يبقي لخاطر ولدك.

كانت تشير إلي بطنها حتي يدرك تلك المفاجأة، فسألها ليتأكد:
- هو اللي فهمته ده صح و لا إنا فاهم غلط؟

أجابت لتؤكد له:
- أيوه أني حبلي، يعني دلوق اللي ما بيني و بينك مش مچرد عقد چواز لاء، اللي ما بينا بقي روح بتكبر چوايا لحد ما يچي بالسلامة، هيبقي محتاچ لوچودك وياه، تعطيه حبك و حنانك، تعلمه الصوح من الغلط، و لا رايده يطلع يكمل مشوارك!
نزل الخبر عليه كقطرة ماء تسقط من السماء في عز الظهيرة وسط صحراء قاحلة، شق الفرح ثغره و أقترب منها و عانقها و قبل مفترق خصلات شعرها، أغمض عينيه و أخذ يستنشق عطره، يخبرها بـ رجاء عاشق:
- خليكِ جمبي أوعي تبعدي عني، و أوعدك هاعمل اللي يريحك.

رفعت وجهها من صدره لتجد الحزن يتخلل ملامحه و في حالة ضعف لم تراه سوي معها هي فقط،جلست علي طرف الفراش لتخبره:
- اللي يريحني هي راحتك، و أني مش أشوفك ترمي حالك في النار و أني واقفة أتفرچ عليك، ده أني أرمي حالي في النار و أشيلك من چواها، أني مش بحبك يا صلاح، الحب كلمة قليلة جوي علي اللي چوايا، أني بعشقك.

في تلك اللحظة داهمه الشعور بالعجز تحت وطأة تلك الكلمات التي تخترق خلايا قلبه النابض بعشقها، جثي أمامها علي عقبيه و لم يشعر بعبراته التي تجمعت كالغيوم وسط السماء الزرقاء و هبطت كالمطر علي وجنتيه.

وضعت يدها علي خده تتلمس دمعته لتتأكد من ما تراه، شهقت بصدمة و شجن:
- عتبكي ليه؟

أجاب بكلمات تخرج من صميم قلبه لتخترق قلبها:
- الموت أهون عليا من أنك تبعدي عني، أنا من غيرك يا سمية ممكن أموت.

جذبت رأسه إلي صدرها و عانقته بقوة، تمسد رأسه و بدأت أيضاً تبكي:
- بعد الشر عنك يا حبيبي، ربنا يبارك في عمرك و يبارك لي فيك، بالله عليك ما تقولش إكده تاني.

لم يكف عن البكاء فـ لجأت إلي أسلوبها الفكاهي، أردفت:
- ألا جولي يا صلاح هي أم أربعة و أربعين مفيش أخبار عنها؟

توقف عن البكاء و أبتعد برأسه و نظر إليها بعدم فهم، فأردفت:
- أنا جصدي علي الست صوفيا.

- مش متابع، بس أخر حاجة أعرفها إنها اتجوزت من رجل أعمال أسباني عايش في فرنسا.

عقبت بتهكم:
-أحسن ريحت و أستريحت، ملهاش نصيب تشرب المُغات و فاتها طاچن العكاوي اللي سويته لها يوم ما سافرت.

ضحك رغماً عنه و يعلم إنها تريده يبتسم، رمقها بنظرة حب و فرح قائلاً:
- أنا بحبك أوي يا سمية.

- حاف إكده؟

رمقها بإستفهام:
- حاف إزاي؟

أنحنت للأمام قليلاً لتصبح عيناها صوب زرقاويتيه قائلة بالفرنسية:
je veux un bisou
4

غر فاه فأردفت:
- ما تستغربش أني أتعلمتها من فيلم فرنساوي.

رمقها بإبتسامة حالمة فهي حقاً الوحيدة التي تثير دهشته و تغمره بسعادة لم يتذوقها سوي معها،تغدق عليه بحنانها الفياض و تحتضنه في أصعب اللحظات و تكون اليد الحانية التي تربت عليه،و السعادة التي تمليء قلبه في عز أحزانه، نهض و أنحني عليها فتراجعت بظهرها و تمددت علي الفراش، أقترب بشفتيه من خاصتها و قال:
et moi je te veux.
1

※ـــــــــــــــــــــــــــ※
قد مضي يومان علي وجود كلا من فارس و زينب داخل المشفي و ذلك تحت حراسة من الشرطة.

- ها يا مدام زينب، حاسة بإيه دلوقت؟
كان سؤال الطبيب و يدون بعض الملاحظات في الدفتر، أومأت إليه و قالت:
- الحمدلله.

- يعني مش حاسة بصداع، تنميل في الأطراف؟

هزت رأسها بالنفي و أجابت بإقتضاب:
- لاء.

عقب مبتسماً:
- حلو جداً، كده يا ستي أقدر أقولك حمدالله علي السلامة و تقدري تروحي في أي وقت، بس نصيحة لازم تتابعي مع دكتور للأمراض النفسية، عشان ما يحصلكيش إنتكاسة في أي وقت.

- ممكن أدخل و لا أعاود مطرح ما چيت!
ألتفت زينب إليها و أبتسمت، من دونها التي تستطع رسم البسمة و السعادة علي ثغرها، قال الطبيب:
- أتفضلي يا مدام سمية، صاحبتك بقت بخير الحمدلله و هاكتب لها تصريح علي الخروج.

جلست سمية جوارها و ربتت علي يدها:
- حمدالله علي السلامة يا بت القناوي.

إبتسمت لها زينب و أجابت:
- شكراً علي وقفتك معاي طول اليومين اللي فاتو.

رمقتها الأخري بعتاب و قالت:
- أني إكدة أزعل منك جوي، مفيش بنتنا الحاچات دي، يا بت ده أنتِ خايتي اللي ما خلفتهاش أمي الله يرحمها.

نهض الطبيب و أخبرهما:
- عن أذنكم أنا بقي، هاروح أكتب التصريح و أبعته لكم.

- أتفضل يا دكتور.
قالتها زينب ثم غادر الطبيب، رمقتها سمية بتوتر فقالت الأخري:
- مالك يا سمية، فيه حاچة و لا إيه؟

- بصراحة أنا خچلانة جوي، بس و الله صلاح طيب و إبن حلال عكس سخام البرك اللي اللهي ما يقوم من رقدته يارب.

تنهدت زينب و أشارت إليها بيدها:
- رايد مني إيه، لا يكون رايد مني أتنازل عن اللي سواه فيا الباشا بتاعه إياك!

- أبداً و الله، بالعكس هو چاي و واقف بره رايد يطمن عليكِ و قالي كمان هيسوي لك اللي أنتِ ريداه.

رفعت زواية فمه جانباً بسخرية و قالت:
- خليه يدخل يا سمية.

أبتسمت الأخري رغماً أنها تعلم بأن صديقتها وافقت علي مضض، لكن ربما هناك بصيص من الأمل بأن تسامحه بعدما يقف بجوارها كما أخبرها من قبل.

فتحت الباب و أشارت إلي زوجها بالدخول، طرق الأخر الباب قبل أن يدخل ثم دلف، يحمل باقة زهور، و حينما رأته زينب شعرت بـ رجفة خوف يكفي إنه يذكرها به، أنتبهت إليه و هو يضع علي الكومود باقة الأزهار و قال :
- حمدالله علي سلامتك.

- الله يسلمك.
ردت بإقتضاب و كانت تتحاشي النظر إليه مباشرة، بينما هو نظر إلي سمية و أشارت إليه بحركة من عينيها أن يبدأ بالحديث الذي جاء أن يخبر به زينب.

تنحنح ثم قال:
- أرجو أن حضرتك ما تكونيش شايلة مني أو وجودي ما يكونش مرغوب فيه، أقسم لك إن مكنتش أعرف علي اللي سليم بيه عمله معاكِ سواء أنتِ أو فارس، بس أوعدك هقف جمبك و أي طلب هاتطلبيه أنا تحت أمرك.

هزت سمية رأسها بنعم كدلالة علي صدق ما قاله زوجها، فقالت زينب:
- أني كل اللي طلباه أهم من أي حاچة، تطلقني منه، تاني حاچة ياريت و أني خابره صعب عليك لأنك محامي سليم، رايده منك تقف چار فارس لحد ما ياخد براءة، و طلبي الأخير ياريت تهمل العدالة تاخد مچراها ويا الظالم.

كانت إجابته غرار توقعها، إبتسم و قال موافقاً:
- أعتبري كل اللي طلبتيه حصل، بس بالمناسبة أستاذ فارس يعتبر خد براءة، أخوكِ سلم نفسه بعد ما أعترف إنه اللي عمل فيه كده، كل الحكاية أول ما فارس يخرج من المستشفي هيسلم نفسه و مجرد إجراءات روتينية هايعملوها معاه و إحتمال كبير هياخد حكم بكام شهر عشان كان هربان.

ضرب الحزن قسمات وجهها فأردف:
- ما تقلقيش الأحكام دي بتبقي مع وقف التنفيذ، أنا هخلي واحد من أكفأ المحامين اللي عندي في المكتب هو اللي يمسك له القضية، أي خدمة تانية؟

- شكراً.
صدح رنين هاتفه الوارد من مدير المشفي الأخر، نهض قائلاً:
- عن إذنكم، معايا مكالمة و راجع.

خرج من الغرفة و أجاب علي الإتصال:
- ألو يا دكتور.

أجاب الأخر بصوت يبدو عليه التعب و الإرهاق:
- أنا سليم مش الدكتور.

- سليم!، حمدالله علي السلامة.

حاول الأخر أن يعتدل في جلسته بصعوبة و قال من بين أسنانه بألم:
- زينب عامله إيه؟

صمت الأخر، يتردد أن يخبره بأي شىء فقال:
- أنساها يا سليم، أنت دلوقت في خطر كبير لو ما سلمتش من الحكومه مش هاتسلم من الجماعة إياها.

- لو قصدك علي محاولة قتلي اللي لسه حكي لي عليها الدكتور، شكله تبع نشأت عزام، خايف لأجيب سيرته بعد ما قبضوا عليا.

تلفت صلاح من حوله ليتأكد بخلو الرواق من حوله ليخبر الأخر بصوت خافت:
- أنا قبل ما أدخلك بلحظات قبل ما الواد يحط لك السم في المحلول جات لي رساله علي الجيميل غالباً من ريبيكا آدم لأنها الوحيدة اللي مخلصة ليك باعته فيها بتقول، تحرك أيها الوزير لقد تم صدور الحُكم بالتخلص من الملك.

ساد الصمت و الأخر في صدمة يحاول أن يستوعبها فقال:
- صدروا الأمر بتصفيتي عشان بقيت بالنسبة لهم كارت محروق.

إبتسم بتهكم و أردف:
- خايفين أفضحهم بعد كل اللي قدمتوا ليهم علي طبق من دهب.

تنهد صلاح و عقب علي حديثه:
- ياما قولت لك بلاش يا سليم تحط إيدك في إيد الجماعة دول، ملهمش أمان و سكتهم مش سكتك.

- أنا ما روحتش لحد، هم اللي أختاروني و قدمت لهم كتير في مقابل إن يفضل إسم العقبي محدش يتجرأ يجي جمبه.

- و أديهم أستغنوا عن خدماتك و بقيت علي القايمة السودة عندهم، تقدر تقولي دلوقت إيه اللي نقدر نعمله!
أجاب الأخر بأمر محسوم:
- مفيش غير حل واحد، الهروب!
※ـــــــــــــــــــــــ※
توقف الحاج نعمان بسيارته أمام المشفي، أوقف المحرك و نظر إلي إبنته يسألها بسأم:
- لسه مُصرة تطلعي معايا و تشوفيه؟

رمقت والدها بـ بسمة زائفة، تظهرها علي وجهها تخبىء خلفها حزن مرير إذا رآه والدها سوف يعود بها من حيث جاء يكفيه ما قد عاشه معها من آلام نفسية منذ أيام، كان لأول مرة يراها في تلك الحالة، تصرخ و تبكي كالطفلة التي فقدت والديها، إنه ألم الشعور بالخذلان من كانت تدعوه يوماً بالحبيب و هذا بعدما أنقشعت من أمام بصرها غيمة الوهم الكاذب و جعلتها تصل لنهاية واحدة فقط!

- أطمن يا بابا أنا أقوي و أكبر من أن أضعف تاني قدام واحد زي ده، مجرد صفحة و قطعتها و رمتها ورا ضهري، أنا جيت مخصوص عشان أعرفه مين هي شهد بنت الحاج نعمان!
1

و داخل إحدي غرف المشفي، كانت هناك إضاءة من مصباح صغير مُسلطة علي حدقته اليمني ثم أنتقلت صوب حدقته اليسري، ترك الطبيب المصباح و قال له:
- مد دراعك لقدام و التاني جمبه، و أقفل و أفتح صوابعك.

فعل فارس ما أمره به الطبيب و رأي سهولة تحريك أنامله بـ حرية فقال:
- تمام، أرفع رجليك علي السرير و حطهم جمب بعض.

أمتثل لأمره، فقام الطبيب بمسك القلم و أخذ يحركه علي باطن قدمه و بين أنامله، أنتفض الأخر دون إرادة بسبب شعور الدغدغة الذي يسري في قدمه.

- كده تمام أوي، الحمدلله الأعصاب مفيش أي حاجة، ممكن بس من وقت للتاني تصيبك زي لسعه خفيفة من أثر الصدمة الكهربية اللي أتعرضت لها، و بالنسبة للجرح اللي في صدرك الممرضة هتغير لك عليه دلوقت، و مواظبتك علي الأكل الكويس و العلاج الغرز هتقفل بسرعة.

كان لم يشغل ذهنه سوي هي فقط يريد أن يذهب إليها ليطمئن عليها، رغماً من إنه في ذات الوقت لا يريد أن تراه و هذا بسبب عجزه و ضعفه عندما كان مُقيد و لم يستطع الدفاع عنها من بطش سليم.

- هو أنا ينفع أخرچ النهاردة؟

أجاب الطبيب:
- الحمدلله حالتك أتحسنت، و هكتب لك علي تصريح الخروج بس طبعاً بعد ما أكرم بيه ما يجي.

تذكر أمر تسليم نفسه إلي الشرطة، لكن ما يُطمئِن قلبه هو الخبر الذي علمه قبل إختطافه من رجال سليم و هو إعتراف رافع الذي أدي إلي إظهار براءته للعدالة.

دلفت الممرضة تحمل صينية بها أدوات طبية قائلة:
- دكتور، في راجل واقف بره بيقول إنه حماه أستاذ فارس.

أنتبه فارس إلي أمر شهد و والدها و اللذان لم يأتيا في ذهنه علي الإطلاق، فهكذا العشق يجعلك تنسي مَنْ أنت و مَنْ حولك.

رد الطبيب:
- ما ينفعـ...
قاطعه فارس و هو ينهض بجذعه و أعتدل قائلاً:
- لو سمحت يا دكتور ممكن تخليه يدخل.

وافق الأخر علي مضض:
- طيب بس ياريت بسرعة عشان أنت عارف وضعك ما يسمحش.

أومأ له فارس:
- خابر يا دكتور، مُتشكر.

- طيب هاغير لك علي الجرح دلوقت و لا أجي لك في وقت تاني؟
سألته الممرضة، فأجاب:
- خليها وجت تاني.

غادر كلا من الطبيب و الممرضة، ملئ الأخر رئتيه بالهواء ثم أخرج أنفاسه بإنتظام لعله يهدأ قليلاً، فالمواجهة التي ستحدث ليست بالأمر الهين.

طرق علي الباب، فقال:
- أتفضل يا حاچ.

فتح الأخر الباب و دخل:
- السلام عليكم.

حاول فارس أن ينهض ليقف فأشار له الحاج نعمان:
- خليك مستريح مكانك، أنا مش هطول عليك.

و جلس علي أقرب مقعد ثم أردف:
- ألف سلامة عليك.

- الله يسلمك يا حاچ.

تنحنح نعمان و يقبض علي رأس عصاه الأبنوسية بكلتا يديه:
- أنا جيت أطمن عليك بحكم العِشرة اللي كانت بيني و بين ولدك الله يرحمه.

تأكد فارس من حدسه، فقد علم سبب مجيئه و هو الأمر الذي يخص إبنته:
- اسمعني بس يا....

قاطعه الأخر بإشارة من يده قائلاً:
- مش عايز أسمع أي حاجة، وقت الكلام خلص خلاص، أنا مش هقولك و لا هعايرك بوقفتي جمبك في عز محنتك لأن الحمدلله عمري ما ندمت علي أي عمل خير لأن كله لله، أنا اللي كنت غلطان، و أكبر غلط يوم ما إديتلك بنتي و أمنتك عليها، الخلاصة زي ما دخلنا بالمعروف نخرج بالمعروف.

وجد فارس إنه لا فائدة من الدفاع عن نفسه أو تقديم أي مبررات، فـ يكفي ما أستمعت إليه شهد من تسجيل مكالمته مع زينب، و كلماته عنها التي كانت كالخناجر المسمومة، أخترقت قلبها فجعلته إشلاء يصعب تجميعها مرة أخري، عليه تحمل كم الإهانات الموجهة إليه من والدها.

تنفس فارس الصعداء بعدما أدرك قرار الأخر و الذي كان يريده منذ زمن:
- حاضر يا حاچ، أنا تحت أمرك.

رمقه نعمان بإمتعاض و أخبره:
- هي هاتدخلك دلوقتي، كل اللي هاتعمله هاتقولها كلمة واحدة، و يكون في علمك دي رغبتها هي، أصلها عرفت قيمة نفسها و قدرتها كويس.
3

أخرج هاتفه من جيب جلبابه و قام بالإتصال علي إبنته المنتظرة في الخارج.

و علي مسافة قريبة حيث تقف شهد أنتفضت عندما رن هاتفها، فعلمت إنه قد حان الوقت كما أتفق معها والدها.
خفق قلبها بشدة، فبرغم جراح قلبها النازفة لكن ما زال بداخلها جزء يعشقه، و المسيطر الآن هو العقل بعدما أفاق من سباته و صدمتها الحقيقة و التي كانت غافلة عنها طوال الأيام المنصرمة.

وضعت هاتفها داخل الحقيبة و سارت بخطي وئيدة بتردد، تخشي عندما تراه فتستسلم و تنثر بقايا كرامتها أسفل قدميه، فأسعفتها ذاكرة أذنيها حديثه مع زينب و كيف كانت بالنسبة إليه مجرد (رد جميل)، تذكرت أيضاً هي من أخطأت في حق نفسها منذ البداية عندما وافقت علي الزواج منه رغم إعترافه لها إنه لا يملك قلبه و لا يهوي سوي إمرأة واحدة.

وصلت أمام الغرفة فوجدت حارسين علي جانبيها، طرقت الباب ثم دخلت و تنظر لأسفل، التنفس لديها شبه متوقف في تلك اللحظة العصيبة.
بينما فارس لن يقل حاله عنها، يتحاشي النظر إليها، يخشي أن يواجهها بعد الذي حدث داخل الهنجر!

قطع والدها تلك اللحظات:
- أتفضلي يا بنتي قولي له طلبك خلينا نمشي.

أسدلت نظارتها الشمسية من فوق رأسها علي عيناها، لا تريد أن يري الإنكسار و الهزيمة داخل عيناها، وقفت بشموخ و زهو، أبتلعت غصتها المُرة و أطلقت لسانها:
- أولاً أنا مش جاية عشان أقولك ألف سلامة و لا الكلام ده كله لأنك خلاص ما بقتش تفرق بالنسبة ليا، لأن أنا كنت كتير عليك أوي.
3

- شهد، أنجزي و قولي طلبك.
أمرها والدها بذلك، و بدون أن تلتفت إليه و عيناها ما زالت صوب فارس الذي أثر الصمت و تركها تقول ما تريد:
- لو سمحت يا بابا سيبني أكمل كلامي، و أعرفه إنه لو عاش قد اللي عاشه مرتين عمره ما هيلاقي زيي أبداً، هو تمامه واحدة من عينته،و أحب أعرفه إنه مش هيرتاح أبداً حتي لما يرجع لبنت عمه.
2

هنا نظر إليها و عقد ما بين حاجبيه بضيق، فأردفت الأخري:
- أنت فكرك إنها هاترجع لك زينب اللي تعرفها.

أطلقت ضحكة ساخرة:
- بالعكس هاترجع لك واحدة مكسورة و مهما لميت اللي مكسور منها هاتنجرح معاها و عمرك ما هتتهني علي لحظة حلوة مع بعض، و ده هيبقي ذنبي، لأني عمري ما هسامحك لحد ما أموت.
1

لاحظت قبضة كلتا يديه علي الفراش، يبدو إنه يكافح في كظم غضبه، فـ كلماتها أصابت هدفها تماماً.
و نظرته القاتمة التي يرمقها بها تواً جعلتها تكتفي بما أخبرته به، لاسيما عندما تحدثت عن زينب، و هذا يزيدها حزناً.
1

أستعادت رباطة جأشها قبل أن تلقي عليه طلبها الأخير:
- طلقني.

أزدردت ريقها و في إنتظار إجابته، لم يتردد في تلبية طلبها و التفوه بأصعب كلمة تلقي علي مسامع حواء:
- أنتِ طالق.

و علي غير المتوقع أطلقت زغرودة، نهض والدها و أقترب منها يمسك بيدها فهو يدرك حالتها النفسية الآن، يعلم إن خلف تلك الزغرودة صرخة و كأنه يسمعها، و خلف إبتسامتها ألف دمعة تريد التحرر و الإنسدال علي خديها.

تأهب لمغادرة المكان و قبل أن يفعل ذلك برفقة إبنته وجدا الباب يُفتح و دخلت كلا من زينب و سمية التي تلقي تحية السلام بتهليل:
- السلام عليـ....

صمتت و تنظر إلي نعمان و إبنته التي أخذت تتمعن النظر في ملامح زينب من خلف نظارتها الشمسية ثم جالت ببصرها إلي فارس و الذي كان كالميت و عادت الروح إليه بمجرد رؤية حبيبته.

- يلا يا بنتي.
قالها والدها و يربت عليها بحنان، ذهبت و ذهب كل شئ، سارت في صمت يخفي آهات من ألم روحها، و ما أن وصلت إلي السيارة ألتفت إلي والدها و أرتمت علي صدره، أخذت تبكي بقوة و قهرة قلب قد أحترق.

ربت نعمان عليها:
- ربنا يريح قلبك و يرزقك باللي يستاهلك يا بنتي.

ردت من بين شهقات بكائها:
- عمري ما حبيت و لا هاحب غيره.

عانقها والدها و يتماسك بقوة من أجلها:
- شهد بنتي اللي أعرفها أقوي من كده،أنتِ فعلاً زي ما قولتي له كتير عليه، أنتِ غالية أوي و اللي زيه ما يعرفش قيمتك، هو اللي خسران، و بكرة هتقابلي اللي يناسيكِ كل ده و تعيشي معاه أجمل سنين عمرك.
※ــــــــــــــــــــــــ※
9

لنعود إلي فارس و زينب، حيث تنظر إليه غير مصدقة و هذا بسبب ما مر كليهما به طوال الشهور التي مضت.

- حمدالله علي سلامتك يا باشمهندس، كيفك دلوق؟
سألته سمية، فأجاب مبتسماً ليواري توتره الذي يشعر به حيال زينب:
- الله يسلمك، أني مليح الحمدلله.

- شكلك ما خابرش أني مين، إسمي سمية چارتك من النچع أبوي يبقي الحاچ عبدالحق كان بيشتغل حداكم في أراضي العمدة والدك الحاچ قاسم القناوي الله يرحمه.
عقب بترحيب:
- أهلاً و سهلاً.

نظرت إلي صديقتها وجدتها تلتزم الصمت، فـ قالت:
- بجولك يا زينب أني هخرچ أشوف صلاح راح فين أحسن ليكون بيتشقط و أني جاعدة وياكم كيف العزول و لا ليا عزا، هابجي أستناكِ في الأوضة اللي كنا فيها.

لم تجد رداً أو نظرة من صديقتها الشاردة، أبتسمت و قالت:
- بقي إكده!، ماشي يا ستي مين لقي أحبابه نسي و باع أصحابه، بالإذن.

و بعد أن غادرت، ظلت زينب تقف في مكانها تنظر إلي فارس الذي يتجنب النظر إليها،تخلت عن صمتها و سألته:
- ما رايدش تشوفني و لا إيه يا ولد عمي؟

نظر إليها دون تمعن و أجاب:
- لاء طبعاً، كل الحكاية أني ما جدرش أبص في عينك.

- بسبب اللي حوصل و لا بسبب حاچة تانية؟

- أني مستحي من حالي، المفروض أول ما چت لي الفرصة و هربت كنت أول حاچة أعملها أروح لك أو أدور عليكِ، خوفت من اللحظة اللي كيف ما قابلتك في النادي، بس لو كنت خابر بالشيطان اللي متچوزك، كنت خلصتك منه بأي طريقة.

أطبقت شفتيها لتكبت عبراتها عندما تذكرت اللحظات السوداء الماضية فقالت:
- كل واحد فينا مشي في طريق أتفرض عليه، سواء أني و لا أنت،يعلم ربنا رغم كل اللي مريت بيه مهما كان صعب كنت أنت الأمل بالنسبة ليا، ما أنكرش أوجات كتير چت عليا يأست فيها و أستسلمت لكن روحك اللي مكنتش بتفارقني و لا لحظة كانت بتشچعني و تجولي أتحملي يا زينب، خلاص هانت عشان توصلي للچنة لازم تعافري بكل قوتك، مفيش حاچة ملهاش تمن، و التمن دفعته غالي جوي، لكن كله يهون لأچل اللحظة دي.

أبتسمت و أردفت تخبره بسعادة يتخللها عبرات الفرح:
- خابر أني خلاص خليت المحامي هيرفع لي دعوة طلاق، و هابجي حرة.

رفع عينيه أخيراً لينظر إلي خاصتها عن كثب، ظل يرمقها بتأمل و عشق يفيض من رماديتيه كالسماء الملبدة بالغيوم تحجب خلفها نور الشمس ذات البريق الساطع:
- كان نفسي تكوني حرة في اللحظة دي، كنت أترميت في حضنك دلوق، بس أوعدك أول ما تخلص شهور العدة هاكتب كتابي عليكِ، و قبل ما ده يوحصل هاخد لك حقك عن كل لحظة ألم عيشتيها.

- أني ماريداش حاچة في الدنيا غيرك، بالله عليك لأچل خاطري، إياك تسوي حاچة تودي روحك في داهية.
1

أمسك بيدها و ربت عليها بيده الأخري قائلاً:
- ما تقلقيش، أني خابر اللي هسويه زين، كل اللي بطلبه منك تاخدي بالك من حالك، خليكِ مع سمية شكلها بت حلال جوي، لحد ما اخلص شوية إچراءات و هاخدك و نرچعو علي البلد.

رمقته بفرحة لم تعهدها منذ زمن، تغمرها سعادة لقاء حبيبها بعد فراق مستحيل، لعل هذا سوف يبدد مخاوفها التي ما زالت تلزمها من حين لآخر، لا تعلم أن ما تنكره يُخزن داخل عقلها الباطن و يكون كالبركان الذي يحسبه الجميع خامد و هو غرار ذلك.
※ــــــــــــــــــــــــــــــــــ※
تتمدد علي أريكة جلدية داخل غرفة خاصة بمفردها بعدما أوصي أكرم الضابط عليها ريثما يتم ترحيلها إلي النيابة.
كانت في حالة عزلة عن الواقع تبكي تارة و تضحك تارة، تتخيل من حين لأخر أن أكرم عاد إليها فـ تكتشف إنه مجرد حلم يقظة ليس أكثر.

طرق علي الباب يليه صوت الضابط:
- مدام ندي،في زيارة لحضرتك؟

نهضت من علي الأريكة و وقفت قلبها يخفق، تظن إنه أكرم و سوف يتراجع في قرار إيداعها في مشفي لعلاج الأمراض النفسية و ربما سيجعلهم يطلقون سراحها.

- خليه يتفضل.

فُتح الباب و دخل أخر شخص تود رؤيته في تلك اللحظة، شهقت بخوف و تراجعت عدة خطوات إلي الوراء.

- إيه خايفة لأكون جاي أخلص منك زي ما حاولتي تخلصي من مراتي و إبني اللي لسه ملحقش يشوف النور يتقتل بسببك!

وضعت كفها علي فمها و أجهشت في البكاء، تهز رأسها برفض:
- ما أقتلتهاش، ما أقتلتهاش.

رمقها بإزدراء و قال بتهكم:
- أنتِ فعلاً ما قتلتهاش و لا ضحكتي علي حد و أستغليتيه أسوأ إستغلال و لا خنتي، ده أنتِ إبليس يتعلم منك.

ظلت تقرر ما تقوله سابقاً فضرب بقبضته علي الحائط و صاح بها:
- أسكتِ مش عايز أسمع صوتك، فاكرة حبة الجنان اللي عماله تعمليهم دول هيدخلوا عليا و أصدقك!

إبتسم بتهكم و قال:
-ده كان زمان يا مدام ندي، علي الحسيني بتاع زمان مات و أندفن و أندفنت كل ذكرياته معاه، اللي واقف قدامك ده واحد تاني، واحد لقي واحدة غيرت له حياته ٣٦٠ درجة للأحسن، و مش هاسمح لك تيجي بعد كل ده تدمري لي حياتي زي زمان!
أنا مش هارحمك، و لو مروة سامحت في حقها أنا مش هاسامح و لا هتنازل عن القضية، خليكِ دوقي طعم الوحدة و الخسارة، إنسانة طماعة و مغرورة و كدابة و خاينة زيك لازم تاخد جزائها و تخسر كل حاجة.

أقتربت منه بـ حذر و توجس قائلة:
- أنا مكنش قصدي أأذيها، بس لما جيت لك الشركة عشان أشوفك و أقولك إن أنا خلاص أتطلقت و ممكن نرجع لبعض، لاقيتها جت و دخلت لك و سمعتكم و شوفتك و أنت حاضنها و بتحبها و نسيتني أنا، قادت جوايا نار الغيرة مقدرتش أستحمل، ما حستش بنفسي غير و أنا بخبطها بالعربية، عشان خرب بيتي و خدتك مني.

حدقها بصدمة جلية تنضح من عينيه، و هنا قام عقله بتحذيره و أعاد علي ذاكرته ما فعلته به و جعلته آسير لهوسه بها لسنوات حتي جاءت زوجته و أنقذته من براثن عشقٍ وهمي.

و بنظرة نارية قاتلة رمقها و أقترب منها ليخبرها بوعيد:
- ده أنتِ لو أخر ست في العالم عمري ما هابقي ليكِ تاني، و أقسم بالله زي ما خليتك تعيشي أجمل أيام حياتك زمان، لأخليكِ تعيشي في كابوس مش هاتصحي منه أبداً، و علي حسب ما سمعت جوزك أتوسط لك و هيخليهم يرحلوكِ علي مستشفي للأمراض النفسية.

أتسعت إبتسامته و أردف:
- بالمناسبة أنا قعدت فيها أتعالج لمدة سنتين، شوفي بقي يا سبحان الله هاتدوقي من نفس الكاس و علي إيد جوزك اللي فضلتيه عليا، أتمني ليكِ إقامة تعيسة.

قالها مبتسماً مما أثار جنونها، فقامت بمهاجمته و تصرخ بكلمات غير مفهومة، دلف الضابط و العساكر، استطاعوا إبعادها عنه بصعوبة.
بينما علي وخز قلبه شعور بالندم و الشفقة عليها، و قبل أن يستسلم لشعور خامد ربما ينشط، رحل علي الفور من الغرفة بل و القسم كله، و مجرد أن ولج إلي داخل سيارته أخذ يضرب المقود بيده و بقوة، فـ نيران الإنتقام قبل أن تحرق من أسائوا إليك تصيبك أنت مثلهم ربما أكثر.

جاء اليوم المنشود داخل قاعة المحكمة تجلس كلا من زينب و سمية علي مقاعد جلوس الحاضرين، و في المقاعد الموازية يجلس أكرم و العم جابر و جواره الخالة هنادي حيث جاءت برفقة زوجها لحضور جلسة الحكم و رؤية فارس الذي تربي و كبر علي يديها، فهي في مثابة والدته.

يقف فارس خلف القضبان في إنتظار حكم القاضي و جواره جنيدي الذي قرر تسليم نفسه، و كان القاضي و المستشارين يطلعون علي المذكرة من خلال الملف المقدم إليهم، بينما  المحامي الذي كلفه صلاح بتلك القضية يقف أمام المنصة.

صدح صوت القاضي الرخيم:
- بعد الإطلاع و المداولة في القضية رقم ٩٨١ جنايات، لقد حكمت المحكمة علي كلا من جنيدي عبدالجليل محسب بالسجن لمدة عامين مع التنفيذ،  و فارس قاسم القناوي بالسجن لمدة ٦ شهور مع إيقاف التنفيذ رُفعت الجلسة.

عانق جنيدي فارس مُهللاً:
- ألف مبروك يا صاحبي، فرحان لك جوي جوي، كأني أني اللي خارچ.

ربت الأخر علي كتفه و قال:
- أتچدعن أنت و خلص مدة عقوبتك علي خير، و أني مش ههملك واصل.

- تسلم يا أبو الفوارس.

صاح بهما الحارس:
- يلا منك ليه أنتم هاترغوا.

أقتربت زينب من القضبان تنادي و السعادة تنضح من ذهبيتيها :
- ألف مبروك يا فارس.

و قبل أن يذهب مع الحارس ألتفت إليها و قال:
- مبروك علينا أنا و أنتِ، عقبال لما تبجي حرة.

ظل كليهما ينظر إلي الأخر بسعادة تغمر أفئدتهم النابضة بالغرام و العشق الذي تحدي كل الظروف حتي يحدث هذا اللقاء.

- يلا يا عم الحبيب مش وقتك.
صاح بها الحارس و جذب فارس من ذراعه، ذهبت زينب إلي المحامي و سألته بخوف و قلق:
- هم واخدينه علي فين إكده؟

أجاب الأخر:
- ما تقلقيش يا مدام زينب، دي مجرد إجراءات روتينية و هايروح علي طول.

عقبت سمية لتطمئنها:
- ما تخافيش يا زوزو،كلها مسألة وجت و هتلاجيه قدامك، يا سلام علي الحب و سنينه بكرة تتچوزوا و هاتقعدوا في خلقة بعض لحد ما تزهجوا.

أجابت الأخري بنبرة مليئة بالشوق و التيم:
- عمري ما أزهق طول و أني وياه.

و بالخارج بعد مرور وقت ليس بكثير، خرج فارس ليجد في إستقباله العم جابر الذي فتح له ذراعيه:
- حمدالله على السلامة يا ولد الغاليين.

أرتمي الأخر علي صدره و عانقه بقوة:
- أتوحشتك جوي يا عم چابر.

- أخص عليك يا فارس يا ولدي، كل دي ما تسألش علي خالتك هنادي!
قالتها الخالة فذهب إليها و بسعادة و لهفة عانقها كالطفل الذي عاد إلي والدته بعدما ضل طريقه.
- حقك عليا يا خالة، ربنا يعلم كنت ديماً علي بالي، لكن كيف ما أنتِ خابرة ظروفي كانت واعرة جوي، و الحمدلله دلوق بقت زينة بوچودكم چاري، أنتم أهلي و ناسي اللي ربنا عوضني بيهم بعد موت أمي و أبوي الله يرحمهم.

ربت عليه جابر قائلاً:
- ربنا يرحمهم، البركة فيك يا ولدي، حكم و أنت واجف قدامي حاسس كإني شايف قاسم بيه الله يرحمه.

- أتوحشته جوي و نفسي أزوره، مالحجتش أحزن عليه، منه لله اللي كان السبب.

ربتت الخالة علي كتفه:
- ده كان إبتلاء يا ولدي و الحمدلله عدي علي خير.

تدخل صوت آخر جاء صاحبه للتو:
- المرة دي عدي علي خير بفضل ربنا، لو أتكررت مرة تانية مش هارحمك وقتها.

ألتفت فارس إليه و انفرجت شفتيه بإبتسامة عارمة قائلاً بمزاح:
- حرمت يا حضرة النقيب، أول و أخر مرة.

ضحك الجميع، صافحه أكرم و عانقه:
- كفارة يا باشمهندس.

- الله يسلمك و يبارك لك، أني متشكر جوي علي إنقاذك لينا، لولاك كان زمانكم عتقرأوا عليا الفاتحة.
أبتسم أكرم و أخبره:
- ده أنا اللي بشكرك و بشكر بالذات مدام زينب اللي بسببها قدرت أوقع سليم العقبي و كل اللي معاه، إنجاز كبير كنا شاغلين عليه بقاله سنين و بالخدمة اللي قدمتها مدام زينب قدرنا نوصل لتشكيل عصابي كبير من رجال الأعمال بيتاجروا في كل البلاوي اللي تتخيلوها.

أجابت زينب بإمتنان:
- العفو يا حضرة النقيب، أنا و الله لو كان بيدي حاچة أكتر كنت قدمتها ليكم، اللي زي سليم و غيره كيف مرض السرطان لازم تحاربه بكل قوة و عزيمة لحد ما تقضي عليه، أني اللي بشكرك جوي إنك چيت في اللحظة المناسبة، لولا تدخلك مكنتش خابر هيحصل إي في فارس، أني شوفت حاچات علي يد ولد العقبي الموت أهون منها بكتير.

قالت تلك الكلمات و الحزن ينبلج من عينيها ليخيم علي الجميع، ربتت عليها الخالة هنادي لتخفف عنها هذا و لأنها رأت نظرة ألم في عيون فارس،فأرادت أن تبدل حالتهما من الحزن إلي الفرح:
- إنسي يا بتي و بإذن الله ربنا هايعوضك عن كل اللي فات بالأحسن، و الأحسن چارك أهو شاب أسمر و حليوة و عيونه ملونة، مستعد يچيب لك نچمة من السما، بيعشقك و يموت فيكِ حتي دفاتر الرسم اللي حداه و مخبيها في السندرة تشهد علي إكده.

تنحنح فارس و رمق الخالة بأن تصمت عن هذا الأمر، عقبت سمية التي لم تسمح لهذا الموقف أن يمر أمامها كمرور الكرام فقالت:
- كأنك مكسوف يا باشمهندس، لاء إكده وحشه في حقك، و علي رأي المثل اللي يتكسف من بت عمه ما يچيبش منها عيال.

ضحك جميعهم، و قال العم جابر مشيراً إليهم نحو ساعة يده:
- خدنا الحديت و ضحكنا و ربنا يكتر من أفراحنا، بس الساعة خمسة المغرب و أخر قطر هيعدي علي قنا هيطلع بعد نص ساعة.

تبادل الجميع مصافحة ما قبل الوداع، عانقت سمية زينب قائلة:
- خدي بالك من حالك.

فتحت حقيبتها و أخرجت منها علبة هاتف جديد و أعطتها لها:
- خدي المحمول دي خليه معاكِ، فيه خط خليت صلاح يسچله بإسمك، هابقي أطمن عليكِ كل شوية.

عانقتها الأخري بقوة:
- ربنا يخليكِ ليا يا صاحبتي، معرفاش أودي چمايلك فين.

رمقتها سمية بإمتعاض و بتحذير أخبرتها:
- إياكِ تجولي إكده تاني، مش أنتِ بتعتبريني كيف خايتك؟

أومأت لها زينب و عقبت :
- و أكتر كمان ربنا يعلم.

- و مفيش چمايل ما بين الأخوات.

و لدي فارس و اكرم الذي ربت عليه بقوة:
- خد بالك من نفسك و أبقي طمني عليك، و بإذن الله أول أجازة ليا هاجي لك.

- ده النچع حدانا هينور بيك، أني علي أي حال معاود علي أهنه بعد يومين، چاي لك في خدمة بس هجولك عليها لما أچي لك بإذن الله.

أومأ له الأخر و أخبره بترحاب:
- أنا تحت أمرك في أي وقت، مع السلامة يا باشمهندس.
※ــــــــــــــــــــــــــــ※
صدح رنين التنبيه داخل محطة مصر للسكك الحديدية و يليه صوت الموظف يقول:
- علي جميع المسافرين التوجه إلي القطار المتجه لمدينة أسوان المنتظر علي الرصيف رقم ٤.

و بداخل القطار يجلس العم جابر و الخالة هنادي جوار بعضهما و في المقابل يجلس كلا من فارس و زينب حيث الأخري، تجلس جوار النافذة، مال برأسه بالقرب من أذنها:
- خابرة ميتي أخر مرة ركبت فيها القطر؟

أخذت تتذكر حتي أعادت عليها الذاكرة بمشهد من الماضي فقالت له:
- لما چيت معاي نستلمو شهادة التخرج، و بعدها طلبت منك نروحو الملاهي.

إبتسم بمكر و أكمل حديثها:
- أيوه و دخلنا بيت الرعب و كنتِ خايفة جوي، و جعدتِ مكلبشة في حضني كيف العيلة الصغيرة، أهو خابرة الحضن ده رايده منك أول ما نكتبو كتابنا، و لا أجولك هخليه كتب كتاب و فرح.

و عند ذكره لكلمة فرح داهمتها الذاكرة بذكري ليلة زفافها أو كما تسميها ليلة ذبحها، لاحظ فارس رجفة جسدها و كأنها تنتفض، سألها بخوف و قلق:
- مالك يا زينب، بتترعشي ليه إكده؟

ضمت ذراعيها و كأنها تحتضن جسدها، أجابت:
- مفيش حاچة.

أنتبهت إليها الخالة و سألتها لتطمئن علي حالها:
- بردانة إياك!، أجفلك الشباك؟

لم تنتبه زينب إلي حديث الخالة و ربما لم تسمعها و هذا بسبب ما تراه داخل عقلها، أصبحت آسيرة في براثن الذكريات السوداء،
تحرك لسانها بصوت خافت:
- مفيش،مفيش.

نهضت و مالت نحوها تسألها:
- الحمام منين؟

نهضت الخالة و أمسكت يدها قائلة:
- تعالي يا بتي أنا هوديكِ.

ذهبت مع الخالة إلي المرحاض، انتظرتها الخالة في الخارج ريثما تنتهي، بينما الأخري بعد أن دلفت فتحت صنبور المياه و أخذت تغترف المياه المنهمرة بكفيها و تلقيها علي وجهها و تهمس داخل عقلها:
- إهدي يا زينب، مفيش حاچة.

رفعت وجهها لتنظر إلي صورتها في المرآة و رأت الرعب في حد ذاته يقف خلفها، يحاوط عنقها بساعده و يرمقها بنظرة سوداء قاتلة:
- مش قولت لك مفيش قوة في الدنيا تقدر تبعدك عني،أنتِ ملكي أنا و بس!

يرتجف جسدها و قطرات العرق تزداد علي جبينها، يبدو علي ملامحها الخوف و الفزع الشديد، تردد كلمات تكاد تصل إلي مسمع فارس الذي داهمته حالة من القلق و الخوف عليها:
- لاء، هملني، بعد عني، أني بكرهك.

أخذ يربت علي يدها لعلها تستيقظ:
- زينب، زينب فوقي.

أخرجت الخالة من حقيبتها محرمة ورقية و نهضت قائلة:
- يا جلب أمها شكلها عتحلم بكابوس.

قامت بتجفيف جبينها، ثم أمسكت بزجاجة مياة معدنية و سكبت منها القليل في يدها و قامت بنثرها علي وجهها.

شهقت كالعائد من الموت، بوجه شاحب تتلفت يميناً و يساراً و من حولها لتتأكد إنه مجرد كابوس عابر أو ربما قد تكون هلاوس!

- خدي يا بتي أشربي و أستعيذي بالله من الشيطان الرچيم.
أخذت الزجاجة و تجرعت الماء بنهم، حيث كانت تشعر بالظمآ الشديد و رددت ما قالته لها الخالة ثم نظرت بجوارها فوجدت فارس يرمقها بقلق و يمسك بكفها بين يديه:
- ما تخافيش أني چارك، أنتِ مليحة؟

أومأت له و سرعان تجمعت الدموع داخل ذهبيتيها لذا لم تنظر إليه مباشرة و تصنعت تجفيف وجهها من الماء، أجابت بإقتضاب:
- الحمدلله.

مال إليها و همس بسؤال و قلبه غير مطمئن بتاتاً بسبب ما تراه عيناه من حالة يرثي لها:
- زينب، لو مجدراش تسافري ممكن ننزل المحطة الچاية و نرچعوا، شكلك تعبان جوي، اللي مرينا بيه مش هين و لازم نتابع مع دكتور نفسي، خصوصاً أنتِ.

لم يكن لديها رغبة للتحدث في أي أمر و ربما تريد الهرب من تذكر ذلك الكابوس، و آخر ما ينقصها تردد صوت سليم عندما كان يتوعدها إنها لم تستطع التخلص منه علي الإطلاق، سوف يكون مثل ظلها حتي عندما تنام، سيأتي لها في أحلك كوابيس قد رأتها منذ ولادتها!

- بزيداك بجي معوزاش حاچة.
صرخت بتلك الكلمات مما جعلت كلا من فارس و الخالة هنادي و العم جابر يرمقونها بحزن و شفقة علي حالها البائس.
أخرج العم جابر من جيب سترته مصحف صغير:
- خدي يا بتي أمسكي المصحف و أقرأي فيه، ده حديت ربنا كله شفاء بيريح النفس و يبث فيها السكينة و إلا بذكر الله تطمئن القلوب.

أقتربت منها الخالة و قالت بصوت خافت:
- تعالي أوصلك للحمام تغسلي وشك و تفوقي.

و عندما تذكرت أحداث الكابوس الذي راودها عند نومها أثناء حديثها مع فارس، هزت رأسها بالرفض التام:
- لاء، قصدي ما ريداش، تسلمي يا خالة.

أراد فارس أن يعانقها و يربت عليها لعلها تهدأ لكن مبادئه و أخلاقه لم يسمحا بذلك، فنهض من جوارها و أشار للخالة:
- تعالي يا خالة أقعدي چارها.

نهضت الخالة و جلست بجوارها ثم حاوطت ظهر زينب التي مالت برأسها علي صدر الخالة التي أخذت تمسد فوق وشاحها و تتلو بعض الآيات و الأذكار، بينما أحتضنت زينب المصحف بين يديها و قامت بضمه إلي صدرها و بدأت تتلو أيضاً ما تحفظه من آيات الله تعالي.

و ذلك تحت بصر فارس الذي لا تحيد عيناه عنها بل كان يتأمل ملامحها التي أصبحت كالزهرة في موسم الخريف حينما تجف أوراقها و تذبل، يتخيل كم المعاناة و العذاب التي تعرضت إليه علي يد هذا الشيطان، مما يجعله أكثر إصراراً علي ما ينوي فعله، مجرد أيام تفصله عن إنتقامه المحسوم.
※ــــــــــــــــــــــــ※
عاد فارس إلي مسقط رأسه بعد رحلة عذاب دامت لشهور، عاد و قلبه ينبض من جديد، يدرك ما هو مُقبل عليه الأيام القادمة و عليه أن يتحلي بالصبر حتي يظفر بالفوز العظيم، فوز فؤاده الذي عاد إليه عشقه و فوز ظهور براءته و ذلك بعد أن أخبره العم جابر بعلم أهل النجع بهذا الخبر الذي جعلهم سعداء من أجله، فهم يحبونه كما أحبوا والده، فالنبات الطيب لا يطرح سوي الثمار الطيبة و العكس صحيح.
و بمجرد أن وطأت قدمه أرض النجع بعدما ترجل من السيارة التي أخذتهم من أمام محطة القطار حتي منزل عائلة القناوي، أُطلقت زغاريد النساء يصاحبها تهليل و ترحاب و سرور من أهل البلدة، أقترب كل منهم يصافحه و يعانقه بحفاوة و الجملة الشائعة التي تكررت إليه من الجميع
« حمدالله علي سلامتك يا غالي يا ولد الغالي»

بدأت فرقة القرع علي الطبول و المزمار يعزفون من موسيقي الفلكلور الصعيدي، أقترب العم جابر من فارس و أخبره:
- أهل البلد أول ما خابروا أنك معاود بقت الفرحة ما سعياهمش عاد، الكل بيحبك كيف ما بيحبوا أبوك الله يرحمه.

ربت فارس علي كتف الأخر و قال بنظرة مليئة بسعادة تنبع من القلب:
- الله يرحمه، أهو اللي أنا شايفه دلوق خلاني أتأكد أبوي مامتش، ده عايش في كل واحد من أهل البلد، و أنت يا عم چابر فيك حنية أبوي و طيبة قلبه، ربنا ما يحرمني منك و لا من الخالة هنادي.

- و ربنا يسعدك يا ولدي و ينصرك ديماً علي من يعاديك.

تقدمت منهم الخالة هنادي و قالت:
- يلا يافارس يا ولدي، تعالي أحضر الدبيحة، دي فرحة رچوعك بالسلامة و من خير قاسم بيه الله يرحمه.

كانت زينب منذ أن وصلت ألتزمت الصمت، أنتبه فارس إليها فسألها:
- سرحانة في إيه إكده؟، أنا كنت فاكر إنك هاتكوني فرحانة أول ما نرچعو علي أهنه.

رمقته بنظرة ضائعة كالشريدة تجوب داخل أرض التيه:
- لو قاصدك لأچل أهلي، أني لحد دلوق ما خابرش هاشوفهم كيف بعد اللي حوصل و اللي چرالي و هم السبب في كل ده.

- ألف حمدالله علي السلامة يا ولد أخوي.
ألتفت كليهما إلي صاحب الصوت، فقال كل منهما:
- أبوي!
- عمي!

لم تشعر زينب بحالها و تقفز نحو والدها ترتمي بين ذراعيه، تدفن وجهها في صدره، تخبره بصوت يختبئ خلفه شجن دفين:
- أتوحشتك جوي جوي يا أبوي.

عانقها بشوق و حزن و هذا بعد ما علمه من العم جابر عبر الهاتف، شعرت بقطرات دافئة تتساقط من عينيي والدها الذي يبكي قائلاً:
- حقك علي يا بتي، ياريتني ما وفقت و لا فرطت فيكي و لا سمعت حديت أخوكِ منه لله.

ثم رفع بصره إلي فارس و أردف:
- حقك علي يا ولدي، مكنتش خابر اللي سوي فيك المغرس ده ولدي، عمري ما فكرت أنه يوصل بيه سواد قلبه و يسوي فيك إكده.

- الحقد  يا عمي لما بيدخل للقلب  بيخلي صاحبه كيف الكفيف ما بيشوفش غير السواد، و بيبجي أعمي البصر و البصيرة.

تدخل العم جابر قائلاً:
- بزيداكم حديت عاد، الچزار واقف مستنيك يا ولدي.

ذهب جميعهم ليشاهدوا العجل و الجزار يسمي الله ثم بدأ الذبح، في تلك اللحظة داهم زينب مشهد دموي رأته من قبل و هو ما حدث للرجل الذي وقع ضحية في يد سليم و قام بسلخه حياً، لم تتحمل أكثر من ذلك، يكفي تلك ما نالته اليوم من ضغوط نفسية ناتجة عن الهلاوس التي يبدو إنها سوف تلاحقها الأيام القادمة، أستسلمت إلي فقدان الوعي لعلها تهرب من ذلك الكابوس المظلم.

أنتبه الجميع إلي صياح خميس والد زينب:
- بتي.
هرع إليه فارس ليحملها  علي ذراعيه و أتجه بها إلي منزل عمه كما طلب منه الأخر.
※ــــــــــــــــــــــ※
تسمع تكرار صوت نداء والدتها، خيل لها إنها في حلم، لكن لمسات والدتها الحانية و هي تمسد يدها بين كفيها و صوتها الدافئ يقول لها بحنان غادق:
- قومي يا بتي، طمني جلب أمك عليكي، الله يسامحه اللي كان السبب.

فتحت عينيها فوجدت والدتها تجلس بجانبها و الخالة هنادي تقف بجوارها:
- قومي يازينب، قلوبنا أنخلعت عليكي تو ما وقعتي من طولك.

وضعت الأخري يدها علي رأسها و الإمتعاض يختلج ملامحها، فقالت و الوهن يداهم جسدها الذي أصبح هزيلاً:
- أني فين؟

أجابت والدتها و الحزن جلي في صوتها:
- أنتِ في دار أهلك و علي سريرك يا ضنايا، تو ما أبوكِ جالي أنك چاية، وضبت لك أوضتك و خليتها كيف لما كانت وقت فرحك.

يا ليت ما تفوهت والدتها بتلك الذكري السوداء، مجرد رؤيتها لكل ما في الغرفة من أثاث و فراش و جميع الأركان، كل ذلك كافياً بإستعادة أسوأ مشهد لها علي الإطلاق:

«مشهد سابق»
" روحي يا بتي ويا چوزك أرتاحوا،  لساتكم وراكم سفر و طريج طويل،  و أنتي بجي لك يومين ما نعستيش عاد.

قلبها يخفق من شدة الخوف لاسيما بعد تلك الإبتسامة التي ما زالت في أعين شقيقها، أنتبهت إلي ضغطة قبضة سليم القوية علي أناملها: 
- يلا يا زينب.

و في ثوان كانت داخل الغرفة و دلف خلفها،  أغلق الباب بقوة مما جعلها أهتزت بوجل و أعتصرت عينيها تردد بداخلها بعض الأذكار.

خلع العباءة و يليها سترته و ألقاها علي أقرب كرسي ثم جلس فوقه، لم تبرحها نظراته: 
- واقفه عندك ليه كده؟

و بدون أن تنظر إليه حيث تتجنب النظر في عينيه ذات النظرات المرعبة، قالت: 
_ أني مرتاحة إكده،  رايد أنت ترتاح لك شوي، عندك السرير أهو أرتاح كيف ما أنت رايد.

خلع ربطة عنقه ثم  ساعة يده و وضعهما علي المنضدة التي أمامه في صمت رهيب زاد من خوفها لكنها تظاهرت بالثبات.

قطع صوته بهدوء الذي لا يقل رعباً عن نظرات عينيه: 
_ ما إحنا مش داخلين الأوضة عشان نرتاح.

رفعت عينيها لترمقه بصدمة و إستفهام، فهذا الصوت الذي بداخلها ينذرها بالخطر،  نهض متقدماً نحوها بخطي في ظاهرها هادئ لكنها عكس ذلك: 
_ شكلك فهمتي سبب وجودنا هنا،  و لا أي يا عروسة؟

أزدردت لعابها و بمجرد وقوفه أمامها مباشرة أبتعدت إلي الخلف متجهة نحو الباب لكنه سبقها إليه و أوصده بالمفتاح الموجود به.

ركضت إلي إحدي الأركان تمسك بثوب زفافها في وضع الدفاع: 
_ لو اللي في دماغي ده صوح،  أحب أفكرك بوعدك ليا،  أن چوازنا علي الورج.

يبتسم و بداخله مُنتشي من السعادة، فتلك نظرة الرعب بداخل عينيها تغذي وحش ساديته و ترضيه.
و في لحظة غافله منها وجدته أمامها يمسك برسغيها: 
_ أنا ما وعدتكيش يا زينب،  أنتِ وقتها كنتِ بتملي شروطك و ناسية إنك هاتتجوزي مين،  تحبي أعرفك مين هو جوزك،  مين اللي المفروض ما تنطقيش غير إسمه علي لسانك!،  مين اللي عينيكِ مش هاتشوف غيره!،  مين اللي نسيتي إنه جوزك و روحتي القسم عشان تشوفي إبن عمك و ما خوفتيش لما يعرف هيعمل فيكي أي!

و مع كل جملة يتفوه بها كانت قبضتيه تزداد ضغطاً حتي ظنت عظام أناملها سُحقت،  تأوهت من الألم الغير محتمل،  فقال بفحيح يلفح شفتيها: 
_ صرخي، محدش من أهلك بره يقدر يدخل ينقذك من أيدي،  عارفة ليه.

أردف و يدفعها علي الحائط بجسده ملتصقاً بها: 
_ تحبي أجاوبك عملي زي ما أخوكي طالب مني و مستني إثبات شرفك؟

جحظت عينيها مُتناسية ألم أناملها،  أستعادت رباطة جأشها و قوتها برغم دموعها التي أنسدلت للتو: 
_ بعد عني،  علي چتتي اللي عتجوله دي، و روح جول للحيوان أخوي خايتك أشرف منك و من أمثالك كيفك إكده.

ضغط بجسده عليها بقوة قائلاً: 
_ و لما أخوكِ من لحمك و دمك يشكك فيكِ و يطلب مني دخلة بلدي،  منتظرة مني أي عشان أتأكد، ها؟

رأت بداخل ظلام عينيه شيطان مارد لم يهدأ إلا عندما يكسر كبريائها و يجعلها ذليلة أمامه،  فهي الآن تلعن شقيقها بكل اللعنات علي منح هذا الوحش الذي يسحق جسدها حق سلب عذريتها قهراً و رغماً عنها، فلا تجد سوي تلك الفكرة التي أتتها للتو فقالت بتأوه من بين أسنانها: 
_ لو رايد إثبات خدني عند الحكيمة في الوحدة الصبح و هي تكشف عليا و تجولك إني.

أغلقت عينيها بخجل و أردفت: 
_ إني بت بنوت و لا لاء.

قهقه و تعالت ضحكاته المخيفة، حتي توقف و عادت ملامحه الوحشية مرة أخري: 
_ عايزاني أخدك عندك الدكتورة يا زوزو،  أومال أنا لزمتي أي يا حبيبتي.

ترك يديها حتي عادت روحها لها فأخذت تفركهما من فرط الألم، و لم يمهلها أن تلتقط أنفاسها فجذبها من خصرها و برغم ثوبها المتسع و ذو عدة طبقات شعرت بأنامله و هو يغرزها بقسوة لتطلق تأوهاً نابعاً من أعماقها.

- أهدي كده ده لسه بنقول يا هادي، يقولوا عليكِ أي و أنتِ كل شوية تصوتي.

أجابت من بين دموعها و ألمها: 
_ أجتلني يا سليم و ريحني،  أني ما عايزاش أعيش وياك واصل.

أبعد يديه من خصرها،  ليعود صوت ضحكاته،  يحاوط وجهها بكفيه يقول بسخرية: 
_ ليه كده يا زوزو،  ده أنا حبيتك من أول ما شوفتك و أقسمت إنك هاتكوني ملكي مهما حصل و بأي طريقة.

جذبها فجاءة و دفعها إلي الفراش ثم أعتلاها: 
_ أنتِ بتاعتي أنا،  ملكي أنا،  هاتعيشي معايا لحد ما يفرقنا الموت،  فاهمة يا زينب.

كانت ملامحه تخيفها أكثر من كلماته،  أقسمت إنه ليس شخصاً طبيعياً بل مريضاً.
باغتها بنزع حجابها بعنف حتي تشعثت خصلاتها من أثر ذلك،  أخذت تقاومه و تدفعه لينهض من فوقها،  فكيف لعصفورة صغيرة بأن تدفع بوحش ضخم يريد إلتهامها!  

أردف من بين أسنانه لاهثاً:
_ ما تقاوميش يا زينب،  عمرك ما تقدري تبعديني عنك،  أستسلمي لمصيرك.

لم تجد رد علي هذيانه من وجهة نظرها سوي تلك الكلمات و يديها تدفعه في صدره:
_ ده في أحلامك يا سليم، و أني لساتني كيف ما جولت لك علي چتتي لو لمست مني شعره،  و چوازي منك مجابل حياة فارس،  غير إكده ملكش حاچة عندي واصل.

من الحماقة أن تكون عاجزاً و في وضع ضعيف للغاية و تتصنع القوة دون إستخدام عقلك و ذكائك بحكمة، فالتفوه بنبرة التحدي و العند لن تأتِ لك سوي بعواقب وخيمة،  و هكذا ما حدث.
ليتها ما تفوهت بحديثها الأحمق هذا، فهي للتو أيقظت جانبه الآخر المظلم و الذي كان يحاول كبحه و عدم إظهاره له حتي الآن.

نهض عنها و هو يجذبها من خصلاتها و حتي لا تصرخ و يسمعها من بالخارج،  كمم فاهها بقبلة وحشية،  ليست قبلة حميمية بين زوجين بل كانت تعذيب و منعها من الصراخ، و لم يكتف بذلك،  أمسك بساعديها و قام بثنيهما خلف ظهرها و بجزء من لفافات حجابها الأبيض قام بتقيد معصميها.

ما زال يُقبلها متذوقاً دماء شفتيها بللذة، توقف عن تقبيلها ليتركها تلتقط أنفاسها اللاهثة، ليباغتها بجزء آخر من لفافات حجابها يكمم فاها ثم ألقي بها مرة أخري علي الفراش و الظلام يسود عينيه و شيطانه المسيطر عليه، خلع ثيابه تحت نظراتها التي تتوسله ليتراجع عن ما سيفعله،  تتلوي في الفراش مستخدمة ساقيها في النهوض لكن هيهات، أصبحت مثبتتان بقبضتيه القويتين،  و أرتمي فوقها و شرع فيما عزم عليه، لم يرحم صرخاتها المكتومة و دموعها التي أنفجرت كالأنهار المتدفقة،  أنتزع روحها قبل نزع عذريتها بكل وحشية، أبتعد عنها و بنظرة إنتصار حدجها، دنا برأسه نحو وجهها و هي ملقاه كالجسد بدون روح ليقول لها بتهكم: 
_ ألف مبروك يا حبيبتي.

و قبلها من وجنتها ثم نهض، أرتدي ثيابه تاركاً قميصه مفتوحة أزراره،أقترب منها فرفعت ساقيها لتكور جسدها في وضع الجنين لتبتعد عنه، جذب الشرشف الملطخ بدمائها بقوة من أسفل جسدها و أتجه به نحو الباب، قام بفتحه منادياً علي شقيقها الذي لبي نداءه و جاء نحوه فقام الآخر بإلقاء الشرشف في وجهه،  ألتقطه رافع بسعادة عارمة،  و لم يتمهل فخرج و وقف أمام المنزل يخرج سلاحه و أطلق عدة أعيرة نارية متتالية و تبعه رجاله في الإطلاق كرسالة إلي أهل النجع.

«عودة إلي الوقت الحالي»
أخذت تصرخ و داهمها حالة بكاء هيستري تردد:
- بعدوه عني، بعدوه.

دوي صراخها التي تتمزق إليه القلوب جعل فارس الذي كان يجلس مع عمه، يذهب إليها و الخوف و القلق ينهش كليهما صدره

قالت والدتها بحزن و بكاء:
- إيه اللي صابك يا بتي، ألحقني يا فارس بتي بضيع.
و بمجرد رؤيته لها في تلك الحالة المزرية أقترب منها و عانقها و أخذ يربت عليها و يتلو بعض الآيات و الأذكار  و يمسد علي وشاحها الغير مُهندم حتي هدأت قليلاً، أشار إلي والدتها التي كانت تبكي حزناً علي حال إبنتها بأن تكف عن البكاء.
رفعت زينب رأسها عن صدره و أخبرته بتوسل:
- أني ما ريداش أجعد أهنه، الأوضة دي اللي دبحني فيها سليم بأمر من أخوي، خدني من أهنه يا فارس بالله عليك.

كان يستمع إليها و قلبه ينفطر كلما تخيل كم ما تعرضت إليه من تعذيب نفسي و جسدي، ربت عليها و أخبرها:
- أهدي يا حبيبتي، ما تخافيش هخلي الخالة هنادي تاخدك أنتِ و مرات عمي و تجعدوا هناك في دارنا.
※ــــــــــــــــــــــــــــــ※
في بقعة متطرفة من البلدة حيث المقابر الخاصة بأهل النجع، يجلس فارس أمام قبر والده و يحمل في يده جريدة خضراء.

- أتوحشتك جوي يابا، أني من غيرك ما سواش حاچة، تو ما هملتني تو ما تغدر بيا، و الغدر ما يچيش غير من أقرب الأقربين، ضعت وجتها و ضاعت الإنسانة الوحيدة اللي عشقها قلبي قبل عينيا.

تجمعت عبراته علي رماديتيه فأصبحت كالغيوم الملبدة التي أوشكت أن تهطل زخات من المطر:
- مرينا بظروف صعبة جوي ما يتحملهاش بشر، و يوم ما تچمعنا بعد فراق...

أثر الصمت رغماً عنه بسبب حالة البكاء التي أنتابته، فأطلق لعبراته العنان:
- بقينا أنا و هي كيف الزجاج المكسور اللي كل ما تيچي تلمه و تچمعه ينكسر و يچرحك، جولي يا أبوي كيف نقدروا نرچعوا أني و هي كيف الأول!

أخذ يمسح عبراته بباطن كفه و يردف قائلاً:
- خابر لما أمي ماتت و أنت عوضتني عن غيابها عمري ما حسيت باليُتم، لكن دلوق أني من غيرك يتيم، أني محتاچك جوي يا أبوي.

نهض و جثي علي ركبتيه و كأنه يحتضن قبر والده المدفون فوق الأرض داخل قبر علي هيئة قبة.

أمتدت إليه يد العم جابر يربت عليه بـ مواساة:
- بزيداك بُكا يا ولدي، الحاچ قاسم الله يرحمه مخلف راچل و البركة فيك، شد حيلك عاد، و خليك كيف أبوك كانت الحاچة اللي تكسره بتقويه و كل كبوة يبقي أقوي من المرة اللي قبلها، قوم يا ولدي، قوم يا فارس، خلينا نلحق ندلي علي مصر(القاهرة) بدري قبل ما الليل يليل علينا و أنت خابر ما بعرفش أسوق بالليل.

نهض فارس و ترك الجريدة أمام القبة و ألقي نظرة و إيماءة من عينيه و كأنه يخبر والده بأن يطمئن عليه، سوف يكون بخير عن قريب بإذن الله.
※ـــــــــــــــــــــــــ※
و في اليوم التالي، ينظر في ساعة الهاتف ثم تركه و أتجه نحو المرآة و قام بتمشيط خصلاته بعناية، جاء من خلفه صوت العم جابر:
- لساتك مُصر يا ولدي علي اللي ناوي تسويه؟

رمقه فارس من خلال المرآة بجدية و إصرار قائلاً:
- ما أني لو ما سويتش إكدة يبقي مش هقدر أرفع عيني قدامها، لازم أرچع حقها و أكسره كيف ما كسرها.

و بعدما غادر الفندق الذي مكث فيه منذ أمس، قام العم جابر بتوصيله أمام المخفر حيث أنتظره أكرم الذي رحب به و صافحه بحفاوة،  أطلعه علي مطلبه و كان يخشي رفضه، لكن وجده متعجب من هذا الأمر، و قبل أن ينفذ إليه أي شئ سأله أكرم :
- طب ممكن أعرف سبب مقابلتك ليه، أنا خايف عليك، سليم مش سهل، و عمرك ما تتوقع أي ردة فعل ليه، من يوم ما أتحبس و هو في زنزانة لوحده و عليه حراسة مُشددة.

أطلق فارس زفرة من أعماقه فأجاب دون تردد و عيناه يملؤها توعد ثائر:
- خابر، أني ما همنيش اللي سواه فيا و لا اللي كان هايسويه عاد، أني رايد أعيشه اللي باقي من عمره في قهر و ذل.

عقد أكرم ما بين حاجبيه بعدم فهم، فسأله بتوجس:
- أوعي تكون ناوي تقتله!
1

رمقه الأخر بشبه إبتسامة ثم ربت علي كتفه قائلاً:
- ما تقلقش يا سيادة النقيب، ما أضعيش حريتي مرة تانية في واحد كلب كيف سليم، أني هاخد حق بت عمي من غير دم.

و ما لبث الاثنان سوي دقائق حتي توقف كليهما أمام باب حديدي يقف أمامه حراسة من ذوي المهام الخاصة و هذا بناء علي طلب أكرم الذي يعلم جيداً حدوث أي محاولة لتهريب سليم من قِبل رجاله في الخارج.

أشار إلي إحدي الحراس بأمر:
- أفتح الباب.

نفذ الحارس أمره علي الفور، و قبل ولوج فارس إلي الداخل وضع أكرم يده علي كتفه و قال:
- خد بالك من نفسك.

بعد أن دخل جال ببصره أرجاء الزنزانة حيث الإضاءة خافتة، وقعت عيناه عليه و يجلس علي الكرسي مولياً ظهره إليه، يتصاعد دخان السيجارة الذي ينفثه من فمه و أنفه.

- يا تري جاي عشان تاخد حقك مني و لا عشان أطلقها!

نظر فارس نحوه بإمتعاض و قال:
- أني مش چاي لأي حاچة من اللي قولتها دلوق، لأن في كل الأحوال زينب بقت حرة سواء لو كنت لساتك عايش أو ميت.

نهض بهدوء مع إطلاق ضحكة دوي صداها بين الجدران الأربعة، أستشف منها الأخر بسخرية أو تهكم من ما تلفظ به للتو.

تقدم سليم نحوه بخطي و ئيدة قائلاً بتهكم جلي:
- شكلك طموح أوي يا أبو الفوارس و بتحب تحلم بأوهام عايشة في خيالك.

وضع السيجارة بين شفتيه و سحب نفساً عميقاً ثم أطلق دخاناً كثيفاً في وجه فارس الذي أغمض عينيه و أخذ يلوح بيده لإبعاد الدخان عن محيط أنفاسه.

تبدلت نظرة الإمتعاض إلي أخري يشوبها إبتسامة ظافر بمعركة سوف تنتهي الآن، و قال له بتهكم مثل الذي أخبره به:
- الأوهام دي حداك أنت لو مجرد أن تفكر تُهرب من أهنه.

نظر من حوله و أردف بإستهزاء:
- واضح جوي إن أكرم موصيهم عليك، ما يفرجش المكان أهنه عن القبر اللي بإذن الله هايتوك فيه بعد ما يعدموك.

ألقي سليم باقي السيجارة ثم دعس عليها بحذائه:
- ما تفرحش أوي كده، كلها أيام و خارج أي إن كان الطريقة،  بس أوعدك أول حاجة هاعملها أكمل اللي بدأته.
و أشار له بعينه نحو أثر الجرح الذي صنعه أعلي صدر الأخر، و أردف:
- و بالنسبة لزينب أديك شوفت بعينيك لما كنا في الهنجر.

تذكر فارس علي الفور مشهد الإعتداء الوحشي الذي أقترفه هذا الشيطان في زينب أمامه، برغم الحالة التي كان بها آنذاك لكن ذاكرة عينيه لم تنس ذلك المشهد الذي حرق و جرح قلبه بقوة و ما زال كلما يندمل ذاك الجرح ينفتح من جديد.

وضع سليم يده علي كتف فارس الذي قد وصل إلي ذروة غضبه رغم السكون الذي يبدو عليه، أقترب من أذنه ليخبره بفخر و تحدي:
- زينب ملكي أنا و بس.

و إذا بفارس يصيح فجأة كالوحش الذي خرج من الكهف لتوه لمهاجمة أعداءه:
- كانت ملكك يا إبن الـ...

دفع يده من فوق كتفه بقوة و باغته بلكمة جعلت سليم تراجع إلي الخلف دون أن يختل توازنه، وضع يده علي فكه أثر اللكمة، لكنه نظر إلي الأخر بإبتسامة و قال بسخرية أراد بها إستفزازه:
- تصدق معرفش إنك طلعت زي الرجالة و بتضرب، و لما أنت شبح أوي كده ما روحتش أتشطرت علي إبن عمك اللي أدالك علي قفاك و سجنك ليه!، و لا شاطر تهرب زي العاهرة اللي هربانة من بوليس الآداب!

لم يجب فارس عليه سوي أن هجم عليه بلكمات متتالية، يزمجر كاللليث، بادله الأخر مثلها حيث كان سليم يرجع إلي الخلف و يحاول تفادي الضربات و الدفاع في آن واحد و لم ينتبه إلي الكرسي الذي نجح في إيقاعه علي ظهره، فأستغل فارس هذا و جثي فوقه علي ركبتيه و أخذ يكيل إليه اللكمات:
- العاهرة دي تبقي أنت يا ولد الحرام.

حاول الآخر صد الهجوم و بخفة أستطاع إزاحة فارس من فوقه و نهض يمسك بالكرسي و رفعه لأعلي و ينهال به علي فارس، بينما الأخر تمكن من إمساك إحدي أرجل الكرسي و ركل سليم في قدمه مما جعله يقع إلي الوراء و لم يمهله أن يلتقط أنفاسه، أنقض فوقه و أخذ يضربه بكل ما أوتي من قوة،  و كان العجيب في الأمر هي إبتسامة سليم التي تحولت إلي ضحكات ساخرة حتي لو كان في موضع ضعف و الأخر في مركز قوة في تلك المعركة الضارية.

- أنت فاكر لو رجعت لك، هتبقي زينب اللي كنت تعرفها زمان!، حتي لو أتعدمت زي ما بتقول و أنت أتجوزتها هفضل عايش ما بينكم.

كان يتلفظ بالكلمات و يلتقط أنفاسه بصعوبة، أردف:
- اللي معاك دلوقت واحدة شكلتها بإيديا، عمرها ما هاترجع إنسانة طبيعية و بكرة الأيام تثبت لك.

نهض من فوقه و يلهث من فرط ما فعله للتو، أخبره:
- هخليها تتعالچ و تعود كيف الأول و أحسن، علي الأقل إنها أتخلصت منك، و رچولتك اللي كنت عتتباهي بيها و تتشطر عليها و إحنا في الهنچر هحرمك منها واصل.

و عندما أدرك سليم مقصده، أطلق صرخة قوية لأول مرة و هذا بعدما ركله فارس بين ساقيه بلا رحمة.
ضم ساقيه و وضع يديه معاً و يتلوي من الألم، بينما فارس يخبره:
- دي لأچل اللي سويته فيها غصب عنها من أول ما أتچوزتها.

لم يمهله تحمل ألم الركلة الأولي، فأمسكه من تلابيب قميصه و سدد له لكمة في وجهه و باغته بركلة أخري بين ساقيه جعلت عينيه كادت تخرج من محجريهما.

في تلك اللحظة فتح الحارس الباب و دخل أكرم، أمسك و أوقفه قائلاً:
- كفاية كده يا فارس ليموت و تودي نفسك في داهية عشان واحد زي ده.

و قبل أن يذعن فارس لأمر أكرم ألقي كلماته علي سليم الذي أصبح في حالة لا يرثي لها، فالكل ظالم نهاية مهما طال ظلمه، و ما أكثر الظالمين علي مر العصور لكل منهم نهاية عادلة علي ما أقترفت إياديهم من جور و طغيان.

- أظن دلوق يا سليم أنك اللي عتتوهم إن زينب تكون وياك تاني.
أقترب منه و دنا منه و أردف بسخرية:
- بعد اللي سويته فيك لا هتنفعها و لا تنفع غيرها، هتبقي مجرد ذكر في البطاقة، و كيف ما بيقولوا حداهم في أمريكا
go to hell.

قالها ثم بصق في وجهه و أعتدل واقفاً ليغادر المكان و بداخله يشعر بالفرح و النصر، و هكذا لم يبق سوي خطوة العلاج، عليه أن يتواصل مع أمهر الأطباء للعلاج النفسي من أجلها و من أجله أيضاً.
※ـــــــــــــــــــــــــــ※
قد مرت الأيام بل ثلاثة أشهر ربما أكثر حدث خلالها الكثير...
لنبدأ لدي علي و مروة قد أصبحت حياتهما مستقرة و هذا بعد إيداع ندي داخل المصحة النفسية لتلقي العلاج المناسب لحالتها،  و ها هما علي متن اليخت في رحلة بحرية علي شواطئ اليونان، يعانقها من ظهرها بعشق و يريح رأسه علي كتفها يتأمل الأمواج الصغيرة الناتجة من شق اليخت للبحر من خلف نظارته الشمسية السوداء، أنتبه إلي صوتها الناعم و هي تنطق إسمه:
- علي؟

- عيونه.

ألتفت بين ذراعيه لتصبح في مواجهته و ضعت يدها علي بطنها و الأخري تلمس بها لحيته المُشذبة، ترمقه بسعادة تقفز من عينيها و هي تخبره:
- أنا حامل.
1

خلع نظارته الشمسية و سألها بجدية:
- بتتكلمي بجد؟
أجابت بدلال و تحاوط عنقه بيديها:
- و الحاجات دي فيه هزار.

و إذا به يحملها علي ذراعيه قائلاً:
- يعني حامل و عماله تجري و تلعبي من الصبح، أنتِ لازم ترتاحي.
1

- يعني هفضل مرتاحة لمدة تسع شهور!

- اه،  و إياكِ أشوفك بتتحركِ و لا بتعملي حاجة،  و يلا هدخلك ترتاحي في الأوضة و هاروح أقول للكابتن يرجع للمرسي.

سألته غير مصدقة ما تراه في عينيه من خوف و لهفة:
- خايف عليا و لا علي البيبي؟

أجاب و يدلف إلي داخل اليخت:
- خايف عليكم أنتم الأتنين طبعاً، و خصوصاً أنتِ.

صاحت بصوت جهوري من السعادة التي غمرتها للتو:
- بحبك يا لول.
5

و لدي أكرم كان يتابع سير القضية التي لم يؤخذ فيها حتي هذا الوقت حكماً نهائياً و هذا يعود إلي حالة سليم الصحية حيث تلقي علاج و متابعة و بسبب نفوذ صلاح بعد أن أتفق مع الطبيب بإطالة فترة علاجه داخل المشفي و كتابة تقرير طبي سوف يمليه عليه حتي يأتِ موعد جلسة المحكمة، و بالطبع كل ذلك بمقابل مادي ليس بالهين.
و اليوم موعد حفل التكريم يحضره وزير الداخلية ليقدم إلي كل العاملين علي قضية إيقاع رجال الأعمال الفاسدين، فقام اللواء بإعلان ترقية أكرم من رتبة نقيب إلي رتبة رائد و أهدائه وساماً تذكارياً و مكافأة مالية علي مجهوده المتفاني.

بينما لدي صلاح و سمية التي تدعم صديقتها منذ ثلاثة أشهر، حيث كانت تذهب برفقتها إلي عيادة الطبيب النفسي و تنتظرها ريثما تنتهي الجلسة ثم تعود إلي المنزل لتجد صلاح في إنتظارها علي أحر من الجمر، و رغم انشغاله في قضية صديقه لكنه لم يجعلها تشعر بذلك بتاً و نفذ بعض من وعوده لها،  علي رأسها تمكن المحامي الذي وكله في رفع دعوة الطلاق من كسب القضية و هذا بعد أن قدم له كل ما يساعده في إسراع النطق بالحكم الذي كان في صالح زينب و تم قبول الدعوة بالفعل و هذا منذ ثلاثة أشهر.

و في ليلة كان يتقلب علي جانبه ليعانقها فوجد مكانها شاغراً، نظر في ساعة هاتفه وجدها الثالثة صباحاً، نهض منادياً:
- سمية،  يا سمية.

لم يجد إجابة منها، شعر بقبضة في قلبه، يخشي أن تكون قد تركته إذا علمت بما يخفيه عنها من قضية سليم الذي يدافع عنه أو ربما حدث لها مكروه، فتح باب المرحاض أولاً لم يجدها، ذهب إلي الخارج أنتبه إلي إضاءة المطبخ و صوت يصدر منه، علم هي لا محالة، تنفس الصعداء و حمد ربه ثم ذهب إليها.

و إن وطأت قدمه المطبخ وصل إلي أنفه رائحة غير مستساغة بل رائحة مقيتة بالنسبة إليه، و حين وقعت عيناه عليها تسمر مكانه و الصدمة تغزو ملامحه.

بينما هي كانت تفرش الأرض بغطاء قطني تجلس أعلاه و أمامها صينية الطعام فوقها صحون مليئة بنوعين من الأسماك و أنصاف ثمرة الليمون الحامضة و خبز، رفعت وجهها عندما رأت قدميه، أبتسمت إليه و قالت:
- واقف حداك ليه إكده يا صلوحتي!، أصلي و أني بوصل زينب و فارس لمحطة القطر ، و أني راچعة جولت للسواق يعدي علي فسخاني و چيبت من عنده رنچا و فسيخ، أصلي وحمي چاي عليهم جوي.

- فسيخ و رنجا الساعة ٣ بالليل، ليه بتعملي في نفسك كده!، إيه ذنبه إبني المسكين اللي في بطنك تأكليه العك ده و الريحة صعبة أوي.

أخذت تضحك و تراه يضع أصبعيه علي أنفه فقالت:
- أباه عليك يا صلوحتي، ما تبقاش فرفور إكده تعالي بس هو ريحته صعبة بس طعمه كيف الزبدة، تعالي أدوقك و مش راح تندم واصل.

نهضت و في يدها قطعة خبز محشوة بقطعة لحم من الفسيخ و يدها الأخري تحمل عود من البصل الأخضر، أقتربت منه:
- عشان خاطري دوق اللقمة دي، راح تحبه جوي أني كنت كيفك إكدة و أني صغيرة و لما دوقت منه بقيت أعشقه، أفتح خشمك يلا، أهو ده أرحم من السوشي النتن اللي چيبته أول إمبارح.

رمقها بإمتعاض و بتردد قال:
- هو أنا عملت لك حاجة و أنتِ بتنتقمي مني!

ألتصقت به و بدلال أجابت:
- ليه بتجول إكده يا نن عيوني، أني رايدة منك تشاركني أچمل لحظات حياتي، الحق عليا!

زمت شفتيه بإزدراء و يرمق القطعة التي بيدها:
- الحق عليا أنا.

و فتح فمه فقامت بوضع القطعة داخل فمه:
- أيوه هم يا جمل، أسم الله عليك يا حبيب جلبي،  خد دي بقي بلع بيها بصلة خضرة شرانية.

رمقها بعدم فهم و ذلك لأخر كلمة تفوهت بها فأردفت:
- بصلة شرانية كيف كلمة شريرة حداكم في البندر بالبلدي بصلة حراقة.

أخذ يلوك الطعام بفمه علي مضض، و بعد قليل...
- كفاية يا صلاح أنت ماشاءالله خلصت لك علي فسيخة بحالها و رنچتين، هتفيص مني و ما أقدرش أشيلك عاد.

كان يمضغ بإستمتاع و رفع يده بإشارة إعجاب:
- طعمهم حلو أوي، إزاي مكنتش باكل الحاجات دي.

أنتهي من تناول الطعام و أخذ ينفض يديه ثم نهض ليغسل يديه و قال لها:
- مج شاي بقي من إيديكِ الحلوين أو لو عندك في التلاجة كانز هات لي واحدة عقبال ما أخد shower عشان ريحتي كلها فسيخ.

و لدي قمر و بكر، حياتهما علي وتيرة الإستقرار لا تخلو من بعض الخلافات أحياناً مثل حياة أي زوجين لكن أجمل ما في الأمر تنتهي المشكلة بموقف رومانسي حالم، يحتويها بحبه و حنانه، يغمرها بعشقه و يسكنها قلبه كما يسكن فؤادها.

و في صباح يوم ما، يستعد للذهاب إلي عمله الجديد حيث يعمل في الحسابات لدي محل داخل مركز تجاري في وسط مدينة مجاورة للبلدة التي يقطن بها.
- أني ماشي يا قمري، ماعوزاش حاچة مني قبل ما أمشي؟

خرجت من المطبخ تمسك بعلبة بلاستيكية:
- أستني خد علبة الواكل دي معاك.

أمسك بالعلبة و قال:
- Lunch box!
شايفاني عيل صغير إياك!

فتحة حقيبته التي يأخذها معه، جذبت السحاب لتضع العلبة داخلها قائلة:
- دي فيه الواكل اللي عتتغدي بيه بدل ما تاكل من بره و بطنك توچعك، كيف قبل إكده، الواد عمر إبن خالي كان چايب أتنين واحدة ليه و واحدة ليك.

أقترب منها و عانقها بحنان:
- ربنا ما يحرمني منك يا قمري، علي طول مدلعاني و كأني ولدك.

حاوطت وجهه بين كفيها و أخبرته:
- ما أنت ولدي برضك، و ولدي الكبير كمان.

أخبرها بأنفاس يملؤها الشوق:
- ولدك زعلان منك.

سألته بدلال و تحاوط عنقه بساعديها:
-  و ولدي زعلان ليه؟

رمقها بمكر و بحزن زائف:
- شوفي أنتِ نسيتي إيه!

تذكرت و أبتسمت:
- خلاص ما تزعلش، أني فعلاً بقي لي يومين ناسية.

- و أني بقي رايد حق اليومين اللي فاتوا بالنهاردة كمان.
لم يعط لها فرصة للتحدث، ألتقط شفتيها علي الفور و يعانقها برفق و حذر بسبب بطنها التي كبرت قليلاً.

لم يقل حال فاطمة و زوجها عن شقيقها، حيث كلما أتيح له الوقت و أخذ أجازة، فيأخذها في نزهة ترفيهية و ها هما الآن يقف كليهما أسفل برج إيفل و يلتقط يحيي لهما العديد من الصور، نجح في جعلها تحبه حتي لو بنسبة خمسون في المائة، و مع مرور الوقت سوف تعشقه مائة بالمائة و لما لا، فهو يوفر لها كل ما تتمناه أي إمرأة من الحب و الأمان و الحنان، و حضن يحتويها في لحظات حزنها و يد حنونة تربت عليها في لحظات ضعفها، فكل ما كانت ترجوه أن تجده لدي رافع في الماضي ها هي لم تجده سوي لدي يحيي الزوج و الحبيب و الأخ و الأب، لم تشعر بالغربة بتاتاً و هي معه، فهذا مكافأة و جائزة صبرها طوال السنوات المنصرمة، تخيلت لوهلة إذا كانت علي ذمة إبن عمتها، لكانت الآن تنعي حظها العثر كلما ذعب لزيارته في السجن، فكل منهما أختار دربه، و كل منهما ظفر بنهاية عادلة.

و كذلك الأمر لدي زكريا الذي سيظل ينفذ عقوبة السجن و يظل مسجوناً لمدة خمس عشر عاماً، يفقد حريته ضريبة لما اقترفه من ذنوب أتمها بالقتل بعد تهربه من نسب طفل الفراش من الخادمة، و الشئ الوحيد الذي فعله علي مضض رغماً عنه هو زواجه من سمارة التي وضعت مولودتها بعد حمل تسعة أشهر، و كم من المضايقات التي تعرضت لها خلال تلك الفترة و خاصة بعد أن أعتزلت الرقص و أرتدت الحجاب و تابت إلي ربها، تذهب كل فترة من حين إلي أخر لزيارة زوجها و رؤيته.

- أزيك يا سي زكريا، شوفت بنتنا طالعة زي القمر كلها أنت.

خفق قلبه من الفرحة و يحمل طفلته بين يديه:
- ماشاء الله، اللهم بارك، فعلاً هي كيف القمر، سمتيها إيه؟

إبتسمت إليه و ببراءة أخبرته:
- سميتها قمر علي إسم مرات الشيخ بكر الله يكرمه.

خفق قلبه و تسمر مكانه، أردفت:
- أصل من وقت ما أتقبض عليك و ربنا يبارك له علي طول بيسأل عليا و بيبعت لي فلوس، بيقولي أنتِ مرات أخويا و مسئولة مننا و أي حاجة محتاجها ماتتكسفيش و أطلبي و أنا زي أخوكِ، و لما ربنا قومني بالسلامة جاب لي كل لوازم النونو و البت نواعم كمان ما سبتنيش و لا لحظة.

كانت السعادة تنضح من عينيه، لم يصدق نفسه بعد الذي حدث بينه و بين شقيقه من جرح صعب مداواته، فهو يساعده و يقف بجوار زوجته و إبنته، أتسع ثغره أكثر عندما وصل إلي مسامعه صوت شقيقه:
- مبروك ما چالك يا ولد أبوي.

أخذت سمر رضيعتها من يديه، قفز إليه بكر و عانقه بقوة و ربت علي ظهره قائلاً:
- أتوحشتك جوي يا ولد أبوي.

هكذا عاد الصفاء إلي النفوس و مهما ضرب الخلاف ما بين الأخوة، فالتسامح يُزيل أي شائبة بينهما.

و لنذهب إلي القاهرة حيث متجر الحاج نعمان،  لم ننكر الحزن الذي لازم شهد طوال الأيام الماضية لاسيما بعد أن قام فارس بطلاقها، و لأن تم الزواج ببطاقة فارس الزائفة، جعل المحامي يستخرج له وثيقة طلاق بها نفس البيانات التي دونت في وثيقة الزواج و هذا مجرد روتين أوراق رسمية لتحصل علي لقب مطلقة وسط المجتمع.
ظلت تمكث داخل غرفتها لأكثر من شهرين حتي تمكن والدها من جعلها تخرج من تلك الحالة بعد أن بث بها الثقة من جديد و أخبرها بعد تأكده إنها أصبحت أفضل من ذي قبل فقال:
- هقولك كلمتين و ياريت قبل ما تردي تعقليهم في دماغك، أنا السبب في كل اللي حصلك، الغلط غلطي من الأول يوم ما عرضتك للجواز عليه، كان المفروض لما عرفت إن قلبه مش ملكه مكنتش حطيتك سد خانة ليه و النتيجة اللي حصل، أنتِ يا شهد جميلة و أي راجل يتمناكِ، الغلط كله كان من عندي و أنتِ غلطي برضو يوم ما مشيتِ ورا قلبك و لا غيتِ عقلك، إحنا بشر و وارد نغلط حتي في إختيارتنا، و الصح إننا نتعلم من تجاربنا و نتفادي الأخطاء دي و مانبصش تحت رجلنا و نفضل واقفين، حبي نفسك و قدريها خلي عندك إيمان و إرادة ما تخليش قلبك يتحكم فيكِ و لا عقلكِ يتحكم فيكِ لوحده، لازم دمج ما بين الأتنين عشان نختار صح و تبقي رضيتِ عقلك و قلبك و تعيشي مرتاحة و مبسوطة.
4

عانقت والدها و قالت بصوت خافت يخبيء في طياته الكثير من الألم و الحزن:
- أنا مش عايزة حاجة من الدنيا دي غيرك يا بابا.

ربت عليها بحنانه الغادق قائلاً:
- و أنا كمان يا حبيبتي، مليش غيرك في الدنيا و نفسي أشوفك مبسوطة و أطمن عليكِ ديماً.

- ما تقلقش يا حبيبي، أنا بخير طول ما أنت بخير.

رفع يديه في وضع الدعاء داعياً ربه:
- يارب يا شهد يا بنتي ربنا يرزقك باللي يريح قلبك و يعوضك عن كل لحظة حزن عشتيها، آمين يارب.

كانت شاردة في كلمات والدها و تتردد في ذهنها حتي أنتبهت إلي المدعو حمودة و هو يناديها:
- يا مدام شهد، أنا خلاص قفلت كل حاجة.

نهضت من خلف المكتب و تناولت متعلقاتها و قالت:
- أنا هامشي و أبقي أقفل المحل كويس، سلام.

و كادت أن تخرج من المحل وجدت ما يسد الطريق عليها سيارة تقف أمام المتجر مباشرة، صاحت بغضب كالعادة:
- مين صاحب العربية دي، و إزاي يركنها هنا، دي إسمها قلة ذوق.

- و ضيفي عليهم قلة أدب.
ألتفتت إلي صاحب الصوت الرجولي، كان شاباً يبدو من ملامحه الرجولية إنه في نهاية عقده الثالث، ذو بشرة حنطية و عينان رمادية يا لصدفة!

- مين اللي سمح لك توقف عربيتك هنا؟

رفع حاجبيه بتعجب من أسلوبها الذي أعجبه لكن لم يبد ذلك فقال:
- و الله دي عربيتي و الشارع ملك للجميع و أوقفها في المطرح اللي يعجبني، يعني ملكيش فيه.

- بقي كده!، طيب.
كانت ترمقه بتوعد و إنتقام، أتجهت نحو سيارته و أخرجت مبرد الأظافر و قامت بخدش سيارته، ركض نحوها و أمسك بيدها ليوقفها عما تفعله:
- أنتِ مجنونة يا بت، ده أنتِ لعبتي في عداد عمرك.

و رفع يده الأخري، أتسعت عيناها تظن إنه سوف يصفعها، أوقفه صوت أخر:
- واد يا قاسم، بتعمل إيه عندك؟

أنتبهت إلي الإسم جيداً، بينما ذلك القاسم أجاب بصوت جهوري:
- مفيش يا حاج، ده موضوع هيتحل دلوقت و جاي لك.

جذبت يدها من قبضته و قالت له بتهديد:
- أقسم بالله إيدك دي لو أتمدت تاني كنت....

قاطعها و يقترب منها:
- كنتِ هاتعملي إيه وريني.

أشارت له بسبابتها:
- أرجوك يا أستاذ قاسم بطل اللي بتعمله ده و أقف مكانك.

ضحك و غمز لها بعينه قائلاً:
- إيه ده لحقتي تلقطي الإسم من الحاج، عموماً ما تخافيش أنا مكنتش هضربك،  أنا كنت هابوسك.

أتسعت عيناها:
- أحترم نفسك.

ضحك مرة أخري و قال:
- في إيه ما تفكِ شوية بهزر معاكِ.

جاء والده و سأله:
- أنت سايب المحل يضرب يقلب و بتعمل عندك إيه؟

و أنتبه إلي شهد و أخذ يتأمل في ملامحها عن كثب و صاح بتهليل:
- إيه ده شهد بنت الحاج نعمان!

عقب إبنه بمزاح:
- إيه ده يا حاج أنت بتعط من ورايا و لا إيه.

عقدت ما بين حاجبيها بعدم فهم، فأردف الرجل:
- أنا عمك نصر صاحب أبوكِ من أيام الجيش و كان لينا واحد صاحبنا تالت بس لسه عارف إن الله يرحمه توفي من شهور، ابوكِ هو اللي أتوسط لي عند صاحب المحل اللي جمبكم عشان أشتريه منه و أفتح محل موبايلات، و ده يبقي إبني قاسم.

هزت رأسها في صمت، يكفيها حديثاً اليوم. ربما ستبدأ حكاية جديدة لها، و هل هذه بشائر دعوات والدها أم ما كتبه لها القدر!

※ــــــــــــــــــــــــــــ※
يخرج صلاح من مكتب وكيل النيابة بعدما قدم إليه جميع الأوراق و التقرير الطبي الزائف الذي يفيد بإحالة سليم إلي مشفي لعلاج الأمراض النفسية و إذا أثبت الأطباء هناك إنه مريض نفسي فهذا سوف يجعله يقع تحت بند فاقد للأهلية و لم تتم محاسبته سوي بعدما تتم فترة العلاج النفسي، مجرد حجة واهية لتأمين سلامته من رجال المافيا و خاصة بعدما أرسل له إحدي رجاله من الخارج رابط قام بفتحه ليجد صورة ريبيكا أسفل عنوان
«إنتحار سيدة أعمال في ظروف غامضة»
يبدو إنهم علي علم بكل ما يحدث لذا حاول بكل نفوذه بالتكتم علي كل ما يحدث بأن لن يصل إلي الصحافة و إذا علم إحدي الصحفيين بالإجراءات التي تمت مع سليم فسرعان ما يذهب إليه صلاح و إعطاء له مبلغ مالي لجعله يصمت تماماً، و هنا القوة للمال و لا عزاء للضمير!

و ها قد جاء اليوم الموعود، طلب فارس من جميع أفراد العائلة التجمع في منزل عمه خميس،  حضرت عمته جليلة و زوجها الشيخ واصف و بكر و قمر، بينما فاطمة ما زالت في الخارج مع زوجها، و زينب تجلس في زواية تراقبه في صمت و لأول مرة منذ شهور يري الفرح و السرور يتطاير كليهما من ذهبيتيها، و عادت نظرة العشق من جديد، يتذكر أول مرة عندما اخبرها بحبه عندما كانا صغاراً.

جاء فارس إليهم للتو يرتدي الجلباب الصعيدي و فوقه العباءة، وقف في منتصف الردهة أمامهم و قال:
- السلام عليكم يا آل قناوي.

ردد الجميع عليه التحية فأردف:
- أنا طلبت منكم تتچمعوا أهنه عند عمي رغم كنت رايد أچمعكم في دار أخوكم الله يرحمه، و سبب طلبي هو رايد تكونوا أهلي و عزوتي كيف ما كان أبوي عايش.

نظر إلي عمه و قال:
- حضرتك يا عمي في مقام أبوي و مرات عمي الحاچة رسمية في مقام أمي الله يرحمها.

و نظر إلي عمته و أردف:
- و حضرتك يا عمتي ليه البعد و الجفا!، المفروض تكوني كيف أمي التانية، مش أني كيف زكريا و فاطمة و بكر و لا إيه؟

أبتلعت الأخري ريقها، فهو لديه حق، لم تسأل عليه يوماً بل كانت كلما تراه منذ صغره تتجاهله و أحياناً تقسو عليه.

- طبعاً يا ولدي كيفك كيف ولادي، سامحني علي أي حاچة سويتها وياك زمان.

عقب الشيخ واصف:
- حداك حق يا ولدي، و ياما قولت لها إكده لكن لما الحقد يملي القلوب، الواحد ما بيشوفش قدامه و لا بيفرق ما بين صغير و لا كبير.

أجاب فارس:
- و أني مش چاي أقلب في الماضي يا چوز عمتي، كل اللي رايده منكم إنكم تودوني و أودكم، بيت قاسم القناوي مش ليا لوحدي ليكم أنتم كمان، بيت عمدة أهل النچع هيفضل عامر بحسكم و بحس ولادكم و أحفادكم، أنا رايد نفتحوا صفحة چديدة وياكم و لو حد شايل مني أو زعلته في يوم من الأيام يجولي.

قال بكر:
- الشهادة لله يا ولد خالي عمري ما زعلت منك و لا أنت زعلت حد واصل.

و عقب عمه خميس:
- يا فارس يا ولدي، أنا كنت طول عمري بتمني من ربنا إنه يرزقني بولد كيفك إكده في اخلاقك و ادبك و علامك و تربيتك، لكن الحقد و الغل اللي أتزرع چواتي من ناحية أخوي خلوني قسيت علي ولدي و بجي كيف ما أنتم خابرين  و أديه بيتلجي عقوبته في الدنيا و لساته عقابه في الآخرة.

ربت فارس علي كتف عمه و قال:
- أني مسامحه يا عمي.

عقب الشيخ واصف قائلاً:
- ربنا يبارك فيك و يبارك لك يا ولدي، قاسم الله يرحمه عرف يربي صوح راچل من ضهر راچل.

تنحنح فارس ثم أخبرهم:
- الأمر التاني اللي چيت عشانه، هو إن بطلب يد زينب من عمي خميس،  إيه جولك يا عمي.

أجاب عمه بسعادة:
- من غير ما أجول يا ولدي، من يوم ما بتي وعيت علي الدنيا و هي ليك.

تدخل بكر بـ روح الدعابة قائلاً:
- إكدة كلنا نقرأ الفاتحة،  و لا إيه يا عروسة.

نظرت زينب بخجل و قالت:
- كيف ما قال أبوي.

فقالت رسمية والدة زينب:
- يبجي إكدة نرقعوا أحلي زغروطة.

أطلقت زغرودة وصلت إلي أهل النجع، عقبت العمة جليلة:
- و إني روحت فين، أحلي زغروطة لأجمل عرسان.
هكذا كانت الأجواء تعم بالفرحة و الحب، و عادت الحياة إلي فارس من جديد، فها هم الجميع يعانقونه بالمباركات و التهنئة و كذلك زينب التي لم تصدق تلك اللحظة.

أختتم الفرحة قول والدها:
- و بإذن الله كتاب الكتاب و الدخلة أخر السبوع.
※ـــــــــــــــــــــــــ※
و قبل ميعاد الفرح بيومين، أخذ فارس زينب و ذهب كليهما إلي زيارة الطبيب، التي أستمرت زينب لديه علي العلاج في الشهور الفائتة...
1

- ها يا مدام زينب، عامله إيه دلوقت؟

أجابت بطيف إبتسامة:
- الحمدلله بقيت أحسن بكتير يا دكتور.

هز رأسه بـ رضا، بعدما تأمل ملامحها و قرأ لغتها الجسدية:
- تمام، أولاً ألف مبروك ليكِ و للباشمهندس فارس، ربنا يتمم لكم علي خير، ثانياً و أهم زي ما قولت لك قبل كده الراحة النفسية التامة، نبعد عن أي ضغط نفسي، يوم ما تحسي بخنقة أو ضيقة عليكِ بأهم حاجة المداومة علي الصلاة و علاقتك بربنا، قراءة القرآن بصوتك أنتِ هايبعد عنك أي طاقة سلبية، إقرأي و أخرجي و أتفسحي، جددي من حياتك علي طول، أبعدي عن أي حاجة تفكرك بالماضي و ياريت تبدأوا حياتكم في مكان بعيد عن بيت أهلك و كذلك بيت والده، ابدأوا حياة جديدة مليانة فرح و فكاهة، حاولوا تكتشفوا نفسكم من أول و جديد كأنكم بتتعرفوا لأول مرة علي بعض، فضفضوا لبعض كأنكم أصحاب، ده بيفيد جداً و بيقوي علاقة الطرفين، الحالة اللي كانت بتيجي لحضرتك مجرد هلاوس بتحاول السيطرة عليك لكن مع هزيمتها بالتعليمات اللي مشيتي عليها بقيتِ أحسن من الأول.
هزت رأسها بالإيجاب و قالت:
- الحمدلله.

إبتسم الطبيب و أخبرهما:
- كده خلاص ما لكوش عندي غير ألف مبروك.
※ـــــــــــــــــــــــــــــــ※
بدأ العزف بالمزمار البلدي و يتبعه قرع الطبول و دوي صوت إطلاق الأعيرة النارية في السماء تعبيراً عن الفرح، فاليوم هو اللقاء الأسطوري، تجمعت قلوب العشاق بعد عذاب و ألم و فراق.

أمر فارس بمراسم زفاف من التراث القديم، حيث خرجت العروس من منزل والدها و صعدت إلي هودج مُحاط من جميع الجوانب بأجمل الأقمشة الملونة و المزركشة، و كان الهودج أعلي الجمل.

بينما فارس كان في إنتظارها يمتطي الحصان و يتراقص علي المزمار، فهو رفض أن يرتدي حُلة سوداء بل أرتدي جلباب أبيض تعلوه عباءة فاخرة و علي رأسه عمة  ملفوفة حول رأسه بشكل مهندم.

نزل من فوق الحصان عندما رأي قدوم موكب العروس و أصوات أبواق السيارات التي تسير بمحاذاة الجمل و تهليل أهل النجع اللذين حضروا جميعاً.

توقف الموكب أمام دار القناوي المزين بالسرداق الخاصة بالأفراح و الورود، تقدم فارس من الجمل و انتظر عندما هبط علي الأرض ثم أقترب و أزاح الستار  مد يديه إليها فأستندت بيديها علي كتفيه ليحملها علي ذراعيه، تعالت الزغاريد و صفير الشباب و تهليلهم.
أخذ يتأملها بـ وله و عشق، فكانت ترتدي ثوب الزفاف مرة أخري لكن تلك المرة ينضح من عينيها الفرح و السعادة كالفراشة التي تحلق بين الزهور، ثوبها يجعلها كالأميرات في أبهي زينتهن.

و في تلك اللحظة وصل المأذون و بدأت مراسم عقد القران أمام أهل البلدة، كان المأذون يجلس خلف الطاولة و علي جانبيه فارس و عمه خميس و بجواره تجلس زينب.

أخذ الشيخ يُملي عليهما ما يرددونه و كان كلا من فارس و زينب يرددون بسعادة تغمر قلوبهما، حتي جاءت لحظة التوقيع و قال المأذون:
- بطايق الشهود يا سادة.

مد بكر بطاقتان هوية قائلاً:
- أتفضل يا شيخنا، بطاقتي و بطاقة أبوي.

تدخلت يد عنوة تضع بطاقة هوية أمام المأذون يقول صاحبها:
- عليا الطلاج من مارتي اللي لسه ما أتچوزتهاش لأكون أول شاهد علي چوازة صاحبي و لا إيه يا أبو عمو.

نهض فارس و بسعادة ردد:
- چنيدي، يخرب عقلك.

عانقه الأخر و ربت عليه بقوة:
- ألف مبروك يا عريس.

ثم أخبره بصوت خافت:
- أوعي تجول لحد إن إحنا كنا أصحاب في زنزانة واحدة، الحمدلله ربنا رزقني بظابط إبن حلال لما دليته علي تاچر المخدرات اللي كنت بشتغل حداه، قوم لي محامي شاطر جوي و قدر يخرچني و بقيت حداه مخبر.

ربت فارس علي كتفه قائلاً:
- كفارة يا صاحبي، بطلوعك من السچن و النهاردة فرحي علي اللي بيعشقها جلبي، بجي إكده ما عوزش حاچة تاني من الدنيا كل حبايبي و أهلي و ناسي حواليا.

و بعد الإنتهاء صدح صوت الشيخ بالجملة الذي يرددها في نهاية المراسم:
- بارك الله لكما و بارك عليكما و جمع بينكما علي خير إن شاء الله.

أعطي أحدهم عصا خشبية إلي فارس و قال:
- يلا يا عريس.

و أمسك بكر عصا أخري و قال:
- ده واچب عليا يا ولد خالي.

أختطفت زينب منه العصا و رمقت فارس بتحدي و إبتسامة قائلة:
- ده واچب عليا أني.

أخذ الأثنان في مشهد جعل الجميع يتابعونهم بسعادة و حماس يمارسان التحطيب، و عندما أمسكت زينب طرفي العصا لأعلي باغتها فارس و ألقي بعصاها بعيداً فأقترب منها و حاوطها بين ذراعيه و يمسك بعصاه بالعرض خلف ظهرها حيث أصبحت محاصرة بين العصا و صدره فقال لها بأعين تنضح بالحب:
- أهو ده اليوم اللي كنت بحلم من زمان.

بادلته نظراته و التي لا تقل عنه عشقاً:
- أني حاسة و كأني عايشة في الچنة، اللي بيحصل ده حقيقي و لا هلاوس!

ضحك و أخبرها:
- لو دخلنا دلوق الدار هقولك حقيقي و لا هلاوس.

رفع يده بتحية إلي الجميع، فألقوا عليه عبارات التهنئة، صافحه عمه و زوجته التي قامت بتوصيته علي إبنتها و أخبرها بأن زينب ليست مجرد زوجته فهي روحه التي يحيا بها،
صافحته و قامت بتهنئته العمة جليلة و ربتت عليه لأول مرة بحنان قائلة:
- ربنا يتمم لك علي خير يا ولدي.

- تسلمي لي يا عمتي.
قالها و قام بتوديع  الجميع ثم حمل زينب علي ذراعيه و دلف إلي داخل الدار.
※ــــــــــــــــــــــــ※
بعد ولوج كليهما إلي داخل الدار، تفاجئت زينب من تغير كل شئ حيث دهانات الجدران و الأثاث تبدل بأخر جديد و عصري للغاية.
أنزلها و هي تتأمل المكان بإنبهار:
- الله، أي الچمال ده، الدار كأنها كيف البيوت اللي في المسلسلات.

عقب مبتسماً و يحاوط خصرها بذراعه:
- كل ده سويته في أسبوع، لأن حبيبتي تستاهل كل غالي، و فيه مفاچأة تانية، أتواصلت مع الشركة اللي كنت بشتغل حداهم في أمريكا أتاري كانوا بعتوا لي علي الـ gmail
من ست شهور، كنت مقدم لهم مشروع قبل ما أرچع من هناك علي أهنه و بعد ما درسوه و عملوا تجربة الحمدلله نجح و بعتوا لي أسافر عشان رايدين مني أكون شريك وياهم، و حولوا لي أول دفعة من الفلوس علي الفيزا من يومين، خليك مكانك و راچع لك.

تركها و دلف إلي إحدي الغرف و بعد ثواني خرج إليها يحمل علبة مغلفة بالمخمل الأسود، قام بفتحها و ظهر خاتم يبدو من الماسة التي به إنه باهظ الثمن.

أتسعت عينيها بصدمة و قالت بدهشة:
- واه يا فارس، ده شكله غالي جوي.

أخذه ثم أمسك يدها ليضعه في بنصرها بيدها اليسري و قام بتقبيل ظهر يدها قائلاً:
- الغالي يرخص لك يا غالية.

إبتسمت و نظرت إلي أسفل بخجل، لاحظ ذلك كما تذكر حديث الطبيب النفسي إليه عندما طلب التحدث إليه علي إنفراد ليخبره بأنه يتحلي بالصبر معها و أن يكون حذر خاصة في  الوقت الخاص بهما، إنها ما زالت تعاني من إضطرابات و ضغوط نفسية رغماً من الهدوء و السلام النفسي الذي تعيش فيه الآن.

- ما تيچي ناكل، الخالة هنادي طبخ لنا شوية طواچن من اللي جلبك يحبهم، ده غير الحلو و مانستش طاچن الرز باللبن أبو مكسرات اللي عتحبيه.

- أني مش چعانة، لو چعان ممكن أجعد وياك عقبال ماتاكل.

أمسك يدها و خلل أنامله بين أناملها و أخبرها:
- بصراحة أني مش چعان، تعالي غيري فستانك و أني أغير خلچاتي و نتوضو و نصلوا ركعتين شكر لله إنه چمعنا ببعض بعد قصة عذاب تتعمل أفلام و مسلسلات.

أومأت له و قالت:
- حاضر.

و بعد قليل خرج من المرحاض بعدما أبدل ثيابه بأخري رياضية حيث يرتدي قميص و بنطال قطني و خصلات شعره مصفوفة بعناية، بينما هي كانت في الغرفة تحاول جذب سحاب ثوبها من الخلف و لم تستطع فك حجابها أيضاً لكثرة الإبر المثبته به.

طرق الباب يسألها:
- زينب، چهزتي و لا لسه؟

زفرت بنفاذ صبر و سأم، فذهبت لفتح الباب و رمقته بـ يأس و أخبرته:
- معرفاش أجلع الحچاب و لا الفستان.

أمسك يدها و ولج إلي داخل الغرفة:
- تعالي أني هخلعهم عنك.

و بمجرد أن لمست يده حجابها أنتفضت رغماً عنها، سألها بقلق:
- مكسوفة و لا خايفة مني؟

حدقت إليه بنظرة لا يعلم منها شئ سوي إنها فاقدة للأمان، ضمها إلي صدره و أخذ يمسد علي رأسها قائلاً:
- ما تخافيش طول ما أني وياكِ، أني خابر سبب قلقك، أحب أطمنك مش هاسوي معاكِ أي حاچة غير لما تكوني مستعدة،  أني يهمني راحتك يا روح جلبي.

و ما أن أدخل السكينة إلي قلبها بكلماته، بادلته العناق.
أخذ يخلع لها طبقات الحجاب فأنسدلت خصلاتها الغجرية علي ظهرها، رمقها لثوان بنظرة هيام، قام بتقبيل جبهتها و في نفس الوقت يجذب سحاب ثوبها.

- دلوق كده المشكلة أتحلت، أني هستناكِ بره لحد ما تخلصي و نادمي عليا.

ها هي تقف أمام المرآة بعدما توضأت و أرتدت إسدال الصلاة، أنتابها شعور مخيف تجهل مصدره، فأسرعت تتلو بعض السور القرآنية التي تحفظها بصوت مسموع لها، شعرت بالطمأنينة علي الفور.

خرجت لتجده يتلو آيات سورة الرحمن بصوت عذب، ظلت واقفة تستمع إليه ريثما أنتهي و قال:
- صدق الله العظيم.

- صوتك حلو جوي في القرآن، أول مرة أسمعك و أنت بتقرأ.

أغلق المصحف و قام بتقبيله ثم وضعه في المكتبة و نهض قائلاً:
- أنتِ ناسية إن حافظ القرآن كله علي يد الشيخ واصف!

- أيوه فاكره زين، أومال أني حبيتك من شوية.

جز علي شفته السفلي و رمقها بنظرة ما:
- طب يلا قدامي نصلوا قبل ما أسوي حاچة تنقض الوضوء.

ضحكت و قالت بسخرية و مزاح:
- يلا يا شيخ فارس.

وقف إتجاه القبلة و هي خلفه بخطوة، بدأ يصلي في خشوع و يتلو الآيات بصوت عذب.

- السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله.
رددت خلفه و أنتهيا من أداء صلاة الشكر، تقدم منها و وضع يده علي رأسها و أخذ يردد بعض الأدعية.

و بعد أن أنتهي، حاوط وجهها بين كفيه قام بتقبيل جبهتها و أطال قليلاً في قبلته ثم رمقها بنظرات مليئة بالشوق و الغرام و قال:
- أني بعشقك جوي يا زينب.

- و أني ما عرفتش معني العشق غير علي يدك أنت.
و أمسكت بيده و كفه الملامس لخدها و قامت بطبع قبلة في باطن كفه، فقبلتها هذه جعلته لم يتحمل أكثر من ذلك و هَّم بتقبيل شفتيها في قبلة بث إليها من خلال كل مشاعره نحوها، مدت ذراعيها لتعانقه و كأنها تتشبث به، فهي لم تشعر بالأمان يوماً سوي و هي بين ذراعيه.
و دون أن تدرك كيف و متي حدث ذلك، اصبحت أعلي الفراش و مازال يُقبلها و يغمرها بين يديه بعناق حميمي، يردد علي مسامعها كلمات تذوب لها الأفئدة من فرط العشق الذي جعلها تخفق بشدة.

نتشعر و كأنها تحلق فوق غيوم وردية ناعمة تأخذها إلي مملكة الحب الآسر لقلوب العشاق.

أطلقت مشاعرها نحوه و هو أيضاً، فكل منهما يكمل ما ينقص الآخر، تغمض عينيها و تشعر بلمساته التي كانت كالسحر، و كأنها المرة الأولي كذلك هو أيضاً برغم زواجه السابق لكنه يشعر لأول مرة بلذة يشوبها العديد من المشاعر الرومانسية الحميمية.
كان تلاحم روحي أكثر من كونه تلاحم جسدي، ظل كليهما هكذا حتي بلغ كل منهما قمة المتعة، متعة لم تقتصر علي الجسد فقط، بل علي الروح أيضاً.

و هكذا بدأت حكاية فارس و زينب بعد أن جمعهما القدر من جديد و أستقرت قلوبهما كإستقرار الروح في الجسد.
※ـــــــــــــــــــــــــــ※
في مستشفي العباسية، و تحديداً قسم ٨ غرب حيث يمكث القتلي و المجرمين الذين يعانون من أمراض تجعلهم خطر علي من حولهم.

و إذا أنقطع التيار فجأة و صراخ إحدي الممرضات بإستغاثة، ركض رجال الأمن نحو مصدر الصوت فقابلهم دخان كثيف ينبعث من الغرفة التي نهاية الرواق و رائحة شئ يحترق.

حاول رجال الأمن كسر الباب و صاح إحدهم:
- حاولوا أكسروا الباب بسرعة الحالة اللي جوه ده لو جري له حاجة هانروح كلنا في داهية.

و بعدما تمكنوا من كسر الباب لفحهم دخان أسود و رائحة إحتراق تكتم كل من يستنشقها.

- يا ساتر يارب إيه الريحة دي، هات يا بني الكشاف أنا مش شايف حاجة.

رد الأخر:
- ده شكله كان ماس كهربا، خد بالك.

أخذ يوجه ضوء الكشاف حتي وقعت بقعة الضوء علي جثة قد تفحمت بالكامل، صاح الرجل بذعر:
- يا نهار أزرق روحنا في داهية، الراجل أتكهرب لحد ما أتحرق.

- طب إزاي و إحنا مأمنين كل حاجة في الأوضة.

فقال ثالثهم:
- ماس الكهربا ده بفعل فاعل، لازم نبلغ مدير المستشفي و هو يتصرف، روح بلغه بسرعة.

صاح الأخر بإعتراض قائلاً:
- و لما يسألني مين اللي أتحرق أقوله إيه!

أجاب بجدية:
- بطل غباء و قوله سليم العقبي.
14

༺تمت بحمد الله༻
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-