رواية فارس بلا مأوي فارس وزينب الجزء الاول 1 بقلم ولاء رفعت

رواية فارس بلا مأوي فارس وزينب الجزء الاول 1 بقلم ولاء رفعت

رواية فارس بلا مأوي فارس وزينب الجزء الاول 1 هى رواية من تأليف المؤلفة المميزة ولاء رفعت في رواية بين فارس بلا مأوي فارس وزينب حيث تختبئ أسرار الحنين وتتشابك الأحلام تبدأ حكاية حب لا تعرف للزمن حدودًا. قصة لقاء قد يبدو عابرًا، لكنه يحمل في طياته وعدا بمشاعر عميقة وتحديات تفيض بالعواطف إنها رحلة تجمع بين الفرح والألم الأمل والخيبة حيث تتأرجح القلوب بين شوق اللقاء وصعوبة الفراق هنا تتداخل أرواح تبحث عن النصف الآخر في صراع بين الحلم والواقع ويظل السؤال هل يكفي الحب وحده ليصمد أمام رياح القدر
رواية فارس بلا مأوي فارس وزينب الجزء الاول 1 بقلم ولاء رفعت

رواية فارس بلا مأوي فارس وزينب الجزء الاول 1


تُحلق الطيور في كبد السماء متجهة إلي أعشاشها الواهنة ، فالشمس أنذرتهم بالمغادرة وهي تلملم أشعاتها الذهبية، فتنعكس حُمرة الشفق علي عيون بللون الغيوم المُلبدة، تراقب السرب المُحلق من بين قضبان نافذة شاحنة الترحيلات، بداخلها الظالم والمظلوم ولكل منهم حكاية، ومن بينهم هذا الذي ما يزال يحدج في الخارج من النافذة، يستمع لإحدهم وهو يغني بكلمات قد زادت علي جرح فؤاده أكثر ليزداد النزيف ويذرف القلب دماء الحزن والشجن.

_ آه يابا... آه يابا
ليه سبتني يابا في وسط الدنيا الغابة
تفتكر الي من دمك حبايب ويطلعو ضباع وديابة
عاشق بس الزمن رماني بكل قسوته في النار
إكمن قلبي الطيب مديله الأمان ونسيت إنه غدار
آه يابا... آه يابا

يبدو إحدهم قد مل وتملك منه الإنزعاج المنبلج علي ملامحه الإجرامية، فصاح فيمن يُغني:
_ ما كفايه إكده يا أبو عمو، مش ناجصين ولوله وعويل عاد.

صمت الذي يغني وقال له بتهكم:
_ لو مش عايز تسمع يا بلدينا عندك صوابع يدك حطها في ودانك.

حدجه الآخر بشرٍ وبتهديد قال:
_ ما أنا بدل ما أحط صوابعي في وداني أرشجها في خشمك وأطلع حنچرتك في يدي! .

أندفع نحوه في وضع الهجوم لكن دفعه العسكري يصيح فيهما:
_ چري أي منك ليه؟ ، جسماً بالله لو ما أتلميتو لأفرغ رصاص البندجية ده فيكم چتكم البلا.

أجاب الشخص الأول:
_ دماغنا مصدعه والباشا مفِكر إننا في رحلة مش رايحين نتعرضو علي النيابة.

_ واه! ، ما خُلصنا يا جنيدي، وخليك في حالك.

عاد هذا الجنيدي بجوار المُكبل معه يتأفف من الضجر، فوقف بجواره وقال:
_ أنت يا أبو عمو، شايفك عتبحلج من الشُباك و واجف أكتر من ساعة، شكل حكايتك واعرة جوي.

ألتفت له و نظر إليه بصمت ثم عاد ببصره نحو النافذة بدون أن ينبس بحرف واحد، فأردف الآخر بضيق:
_ بس أني خابرك زين، شكلك واد ناس مش وش إچرام عاد.

تنهد وأستدار له قائلاً بسخرية:
_ وعتفرج أي، واد ناس ولا ولد غلابة، أني في نظر الجانون تاچر مخدرات، دليل وشهود وأديني مترحل علي النيابة.

تعجب الآخر وقال:
_ واه يا أبوي! ، تاچر مخدرات مرة واحدة! ، طب لافيني سوجارة وحياة أبوك، صاحبك خرمان و ولد الصرمة الي كان بيغني هناك ده چابلي صداع في نفوخي .

أرتفعت شفتيه بسأم وقال:
_ مليش في الدخان.

رمقه عاقداً حاجبيه بسخط فقال:
_ عچيبة، ملكش في الدخان وتاچر مخدرات ده حتي عيبة في حجك يا چدع، ولا كيف ما بيجول المثل باب النچار مخلع.

أجاب بأقتضاب وبدأ ينبلج علي ملامحه الملل:
_ مبحبش السچاير.

لم يكُف عن طرح أسألته المزعجة:
_ مجولتليش إسمك أي؟.

زفر وأخذ يستغفر ربه في نفسه، فأجاب:
_ فارس، في أي أسئلة تاني يا أخ.....

قاطعه قائلاً بإبتسامة سمجة:
_ چنيدي، محسوبك چنيدي الدوكش.

جلس فارس بعد أن شعر بالتعب من الوقوف، فتبعه چنيدي وجلس بجواره ليكمل ثرثرته:
_ أني خابر إنك مش طايجني، بس أني أستريحتلك لله في لله، أصل صاحبك خبرة وبعرف الواحد كيف هو من نظرة واحدة، عندك مثلاً الي جاعد هناك.
أشار نحو الجالس مقابلهما وأردف:
_ ده تهمته الجتل، أني عارفه أصله من عيلة أبو حطب كان حداهم تار من عيلة چبلاوي، و ولد البومة وهو بياخد بتاره، كان معدي مأمور القسم بتاع بلدهم چت الرصاصة فيه و ملحجش التاني يهروب والعساكر جبصته من جفاه.

_ و الي هناك ده تجدر تجول عليه خُط الصعيد، كان عايش في الچبل ويا المطاريد ولما الحكومة طاردتهم هو والي معاه، أتدلي علي بلد و دخل بيت عيلة وجتل كل الي فيه رچالة وحريم حتي معتجش الأطفال، وأجطع دراعي لو كان الواد ده بيشرب أو مچذوب.

رد فارس بسخرية معقباً علي حديثه:
_ وليه متجولش إنه شيطان والإچرام بيچري في دمه.

ضحك الآخر قائلاً:
_ الشيطان جاعد هناك علي شمالك، خابر ده تهمته أي؟.

نظر له منتظراً فأردف:
_ الله يحرجه كان عاشج مرات أخوه الكبير، وهي طلعت مره خاينة وخسيسة إتفجت وياه يجتل أخوه ويمثلو إنه مات في حادثة قضاء وقدر، يجوم ربك كاشف سترهم والواد الصغير إبنها كان سامعهم وفتن عليهم للبوليس لما راحو يحججو، دنيا غداره ومتچيكش الضربه غير من الأجرب ليك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
4

توقفت الشاحنة فجاءة بعد أن أعطي الضابط أمر صارم للسائق بأن يتوقف حيث توقفت سيارة نقل أمامهم و علي مقربة، وبداخل الشاحنة كثرت الثرثرة بين السجناء وأرتفعت الأصوات متسائلين عن سبب الوقوف فصاح بهم الأمين بأن يلزموا الصمت.

وبالعودة إلي مقدمة الشاحنة، ترجل الضابط وبرفقته المساعد، فقال:
_ أنت يا سطا الي موقفك بعرض الطريق؟.

لم يجيب عليه سائق السيارة الأخري، فكرر سؤاله ولا رد، فأثار ضيق الضابط وقرر الذهاب إليه ويريه كيف يتجاهل سؤاله، و عند إقترابه كانت الصاعقة، أرتمي الغطاء الذي كان بصندوق السيارة وظهر من أسفله رجال ملثمون ذوي بنية جسدية قوية، يحملون أسلحة قامو بإطلاق ذخيرتها للتو، لم يمهلو الضابط ومن معه فرصة الدفاع.

صاح بهم قائدهم بصوته الغليظ:
_ يلا بينا يارجالة عشان نطلع المعلم من المخروبة دي.

قتلو أي فرد من الشرطة وقامو بكسر وخلع الباب الحديدي عبر إطلاق الرصاصات وبعد أن حذرو من بالداخل، صرخ السجناء ورفعو أيديهم إلي أعلي بإستسلام سوي سجين واحد ذو ملامح صارمة و نظرات أعين مخيفة، أرتسمت إبتسامة إنتصار علي ثغره حينما رأي رجاله.
قام إحدهم بفك أصفاده وقال له بثناء مبجل:
_ حمدالله علي سلامتك يا معلم.

أجاب الآخر و هو يحمل منه سلاحاً نارياً:
_ عفارم عليكم يا رچالة.

ورحل جميعهم علي الفور، و أستغل السجناء تلك الفرصة الذهبية وهرب كل منهم بعد أن تخلصو من أصفادهم.
بينما كان فارس يتجادل مع جنيدي:
_ أنت أتچننت عايزني أهروب وأثبت عليا التهمة؟.
قال الآخر ساخراً:
_ ما تفتح مخك الي كيف الحچر الصوان، التهمة كيف الخلچات أنت لابسها وماهتجدر تخرچ منها لأن هو ده الجانون، روح أتاوي لك في مُطرح لأن الحكومة عتطلج دبابيرها علينا في كل مكان وما عيهدلهومش بال غير بعد ما يجبضو علينا كلاتنا.

كان يفكر في كلماته، ورأي أن لديه حق فذهابه إلي النيابة لإستكمال التحقيق ومنها إلي المحكمة والقاضي لم يرأف به و سيحكم عليه بالقضاء في السجن لمدة قد تصل لخمس وعشرون عاماً يفقد فيها شبابه و آماله، فعليه بالهروب والبحث عن دليل براءته لاسيما الذي حدث معه في الزنزانة أكد له من وراء دخوله إلي السجن.

وأخيراً وافق علي الهروب فقال:
_ والكلابشات كيف نخلصو منيها؟ .

أشار له جنيدي نحو الأمين المسجي علي الأرض وغارقاً في دمائه، فهو من يحمل مفاتيح الأصفاد، ألتقط فارس المفاتيح و حاول إدخال إحدهم ونجح في فتح الأصفاد.
أبتسم جنيدي وهو يزفر بحرية قائلاً :
_ يلا بينا علي أجرب مزلجان للجطر، هنتسطحو علي الي رايح نواحي بلاد بحري ونتدلي علي مصر، وهناك أرض الله واسعه.

ذهب كليهما بعد ركض مسافة ميل وأكثر حتي وجدوا مزلقان يبدو مهجوراً، وظلا ينتظران قدوم القطار المتجه إلي محافظات الدلتا، ونجحا بالقفز إليه والصعود إلي سطحه وتمدد كل منهما فوقه، ولأنهما علي معرفة أن الرحلة ستستغرق أكثر من ثماني ساعات، فأستسلم جنيدي للنوم بينما فارس ظل يحدق في السماء، يتأمل النجوم التي تذكره بمعشوقته وتمني لو يراها لو لدقيقة واحدة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_( قبل مرور أسبوعان )

في مطار القاهرة الدولي يخرج من البوابة يسحب حقبيتيه خلفه، ينتظره سائق والده الحاج قاسم القناوي عمدة نجع الشيخ نور الدين الذي يتميز أهله بالطيبة والسماحة ، ولقد كانو يحبون عمدتهم الذي يتصف بالعدل و يجلب للمظلوم حقه ويعاقب الظالم علي جرائمه بلا هواده، فشعاره الكل سواسية.

_ حمدالله على السلامة يا فارس بيه.
قالها السائق بإبتسامة مرحبة وهو يري من كان صغيراً وتربي أمام عينيه أصبح رجلاً في الثلاثين ورث عن والده الطيبة والدماثة وبعض ملامحه كالبشرة المائلة للسمرة قليلاً والبنية الجسدية القوية ، و من والدته قد ورث منها لون عينيها الرمادية وخصلات شعرها مثل لون خشب الماهوجني.

بادله بإبتسامة من ثغره المحاط بشارب ولحية مشذبة وقال:
_ الله يسلمك يا عم چابر، كيف حالك يا راچل يا طيب؟ .

أجابه الآخر ويأخذ من يده الحقائب ويضعها خلف السيارة:
_ الحمدلله زين، وكيفك أنت يا ولدي؟ .

_ كيف ما أنت شايف، بخير الحمدلله، ياه يا عم چابر مصر عتوحشتني جوي، چوها وناسها والنچع و الأكتر من كل ده أبوي الحاچ قاسم وأنت والخالة هنادي.

_ وإحنا كمان يا ولدي، عتوحشتنا جوي، والي صبرنا علي غربتك وفراجكك لما كنت بتحدت ويانا صوت وصورة في المحمول.

_ وأني كمان، كنت بصبر نفسي، لحد ما الحمدلله ما صدجت أخد أچازة كبيرة لأجل أجعد وياكو، ولأجل أتچوز بنت عمي.

_ واه، أحلي خبر عاد، الحاچ قاسم أول ما عيعرف هيطير من الفرحة، كان مستني اليوم ده علي أحر من الچمر.

_ ما أني كنت عاملها مفاچاءة جولت أخبركو لما أنزل.

_ طب يلا يا ولدي خالتك هنادي موصياني أرچعك جبل المغرب، بتحضرلك كل الواكل الي بتحبه.

_ والله وفكرتني بواكل الخالة عمري ما دوجت ولا هادوج زيه، يلا بينا يا راچل يا طيب.

دخل كليهما السيارة وأنطلق جابر في طريقه إلي محافظة قنا، أخرج فارس هاتفه الذي ترك شاشته علي صورتها التي لا تفارقه إينما ذهب، فهي حب طفولته ومراهقته وشبابه، وقبل أن يسافر منذ ثلاث سنوات قام بخطبتها وأراد أن يعقد قرانه بها لكن رفض شقيقها و لم يبوح بالسبب، يعلم فارس أن رافع يحمل بداخله ضغينة وحقد وكراهية هذا لربما بسبب والده طالما وضعه مقارنة به في التعليم والعمل.

ففارس قد تخرج من كلية الهندسة بتقدير إمتياز وبسبب تفوقه أراد أن يكمل تعليمه بالخارج والحصول علي الماچيستير في مجال الإتصالات والبرمجة وبالفعل حصل عليه ولكن توقف بعد ذلك بسبب حصوله علي وظيفة مرموقة في إحدي فروع شركات ميكروسوفت العالمية في الولايات المتحدة، وحاز علي إعجاب رؤساءه بسبب ذكاءه وسرعة بديهته في العمل، بينما آنذاك كانت زينب إبنة عمه وزوجته المستقبلية مازالت تدرس نظم وحاسبات، أرادت أن تدخل كلية هندسة مثله وكان يحثها علي ذلك لكنها لم تحصل علي المجموع المناسب الذي يؤهلها للدخول حيث في وقت الإمتحانات توفت جدتها أم والدتها وكانت متعلقة بها بشدة وبكت وحزنت كثيراً علي فراقها مما أثر علي أدائها في الإمتحانات.

وبعد تخرجها قرأت إعلان يقدمه مركز تكنولوچيا المعلومات التابع للمحافظة عن حاجتهم عدة تخصصات في البرمجة والحاسبات، وبرغم وقوف شقيقها أمامها وعارض هذا بأن الفتاة لا عمل ولا خروج لها سوي الذهاب إلي بيت زوجها، تفكيره الذكوري المتسلط و ربما غيرته البغيضة بأن شقيقته الفتاه أعلي منه تعليماً وشأنناً برغم تصغره عدة سنوات، لكنها لجأت إلي عمها الحاج قاسم وقام بإقناع والدها الذي وافق بصعوبة.

وبالعودة في السيارة، قرر الإتصال بها فهو لم يخبرها بعودته وأراد أن يفاجئها، فلم يتحمل أكثر من ذلك يريد أن يسمع صوتها الذي يطرب فؤاده بأجمل الألحان، ضغط علي علامة الإتصال.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ في غرفتها تتمدد علي مضجعها تغط في النوم كعادتها بعد العودة من عملها، خصلاتها الفحمية كالحرير المنسدل علي الوسادة، يبدو من إبتسامتها الخافتة تري حلماً جميلاً فقاطعها رنين هاتفها بالنغمة المخصصة له فقط، كادت تتجاهل الرنين لكن عندما أنتبهت إلي نغمة الرنين دقات قلبها تسارعت وأستيقظت،أمسكت بالهاتف ونظرت إلي الشاشة لم تصدق عينيها، رقمه المحلي وليس الدولي الذي كان يهاتفه منه في أمريكا، بلي إنه هذا الرقم الذي يمتلكه منذ سنوات وهي تحفظه عن ظهر قلب.

أجابت بللهفة وشوق وحنين:
_ الو يا فارس جلبي.

_ مهجة الفؤاد أتوحشتك.

أبتسمت بخجل، فأردف لها وكأنه يراها:
_ أني خابر خدودك دلوق بجو زي التفاح الأمريكاني، لساتك عتستحي مني يا جلبي؟ .

_ ما أنت خابر بجي عادتي يا إبن عمي.

_ إبن عمك!، رايد تنادمي عليا بالأسم الي بعشجه من شفايفك.

صمتت لكن صوت أنفاسها يتعالي وقد وصل لأذنيه، فقالت بصوت خافت:
_ فارس جلبي.

_ الله الله، كل يوم بعشج إسمي، عشان إكده لما نتچوز هخليكي تجوليه وأنتي في حضني.

أزدادت خجلاً مما جعلها تبدل الحديث فقالت:
_ مجولتليش أنت وصلت ميتي وليه مخابرتنيش من جبلها؟.

_ كنت عاملهالك مفاچاءة، وأطمني لستنا أنا وعم چابر متحركين من قدام المطار يعني كلها ست لسبع ساعات ونوصل بإذن الرحمن.

_ توصل بالسلامة يا حبيبي، عتلاجيني مستنياك، خد بالك علي روحك زين.

_ حاضر، وأنتي كمان.

وقبل أن تجيب لاحظت ظل أسفل الباب فعلمت من صاحبته التي دائماً تسترق السمع عادتها السيئة.
فقالت بصوت منخفض:
_ في حفظ الله يا جلبي، مع السلامة.

وأغلقت المكالمة وبدون أن تشعر الأخري، تسحبت علي أطراف قدميها وفتحت الباب لتتفاجئ الأخري بفزع:
_ واه، في أي يا زينب؟.

حدجتها بإزدراء وقالت:
_ أني برضك الي في أي!، واجفه قدام أوضتي وعتتصنتي عليا وأني بتحدت في التلفون.

قالت بتوتر وبإستنكار:
_ مين جالك أني بتصنت عليكي!،أني كنت معديه من أهنه رايحة أچيب خلچات لأخوكي الي بيتسبح چوه.
وأشارت نحو المرحاض الموجود في آخر الممر

رمقتها بعدم تصديق فقالت:
_ هعمل حالي مصدجاكي يا نواره، لكن وربي لو جبصتك مرة تانية، ما هجولك هعمل فيكي أي،فهماني يا مرات أخوي!.

_ مالك منك ليها واجفين إكده كيف الضراير!
قد أتاهم صوت شقيقها الأكبر وقد خرج لتوه من المرحاض يرتدي جلبابه ويجفف وجهه بالمنشفة، ألتفتت له زوجته وأبتسمت بتصنع:
_ ممفيش ياخوي، زينب كانت بتسألني عن حاچة.

ألقي عليها المنشفة وقال:
_ ياريت تسيبكم من حديت النسوان واللت والعچين وروحي حضري لي لجمة عشان خارچ.

سارت خلفه وتساءلت:
_ علي فين رايح؟.

أجابها بضيق:
_ ملكيش صالح، مين متي بجولك رايح فين ولا معاود منين!.

قالت بحزن وإستياء من أسلوب حديثه الغليظ:
_ إكده يا رافع!،حجك علي معدش أسألك تاني واصل.

_ يبجي أريح.

بينما زينب تركتهما وذهبت تبحث عن والدتها فوجدت والدها يشاهد التلفاز، فقالت:
_ أمي فينها يا أبوي؟.

أشار لها بيده قائلاً:
_ راحت تشجر علي خالتك سعاد، الظاهر إنها عيانه.

عادت إلي غرفتها لتعد الثياب التي سوف ترتديها عند إستقباله، فتحت الخزانة وأخذت تمسك بثوب وآخر حتي وقع الأختيار علي ثوبٍ بللون الزمرد وحجاب بللون الرمال، فهو من أهداها إياه.

وفي غرفة شقيقها دخلت نوارة تحمل صينية الطعام و تفكر كيف تتودد إلي زوجها الذي دائماً يعاملها بجفاء، ولأن الحماقة من شيمها السيئة قررت تخبره بأمر تعلم إنه سيثور بعدها وظنت سيقربها له، فقالت:
_ سي رافع؟.
كان يرتدي عمامته البيضاء أمام مرآة الزينة، أجاب:
_ أي؟.

وضعت الصينية فوق الطاولة وأقتربت منه تساعده في إرتداء عباءته التي يرتديها فوق جلبابه:
_ كنت عايزة أجولك علي حاچة.
ترددت فقال:
_ قصري وجولي يا نوارة.

أبتلعت لعابها بتوتر وقالت بصوت منخفض:
_ عجولك...

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ و في دار القناوي تقف الخالة هنادي مع الخادمة يعدان عدة أصناف من الطعام من أجل هذا القادم.
وفي إحدي الغرف يقف الحاج قاسم أمام صورة زوجته المتوفية يتأملها بشوق وحنين قائلاً :
_ عتوحشتيني يا غالية يا أم الغالي، كان نفسي تكوني عايشة وتشوفي ولدك بعد ما بجي مهندس أد الدنيا في بلاد الخواچات، و كمان عيبجي عريس، ومارته عتكون كيف ما وصيتيني يتچوز زينب بت عمه وكأن جلبك كان حاسس إنه ولدك عيعشجها.

زفر بأريحية وتمدد علي تخته وهو يشعر بالدوار فجاءة، مد يده نحو الكمود وتناول علبة دواءه ليأخذ قرص صغير الخاص بعلاج القلب، كانت يديه ترتجف ولم يستطع بإمساك العلبة فوقعت من يديه.

رن جرس الباب ويتبعه طرقات متتالية، فقالت الخالة هنادي:
_ عتلاجيه الواد حسنين چاب اللحمة المفرومة للرجاج.

قالت لها الفتاة:
_ عروح أخدها منيه أني يا خالة؟.

أجابت الخالة:
_ لع، عاروح أني وأنتي روحي طُلي علي الحاچ.

و قامت بمسح يديها في المنشفة وذهبت لتفتح الباب، وجدت الغفير حسنين ذو الضحكة البلهاء:
_ أتفضلي يا خالة المفروم كيف ما طلبتيه.

أخذت الكيس من يده وقالت:
_ تسلم يدك يا حسنين.

_ أي خدمات يا ست الكل؟ .

_ متشكرين، لو أحتاچت حاچة عنادم عليك.

_ ألحجيني يا خالة، دخلت علي سيدي قاسم لاجيته واجع علي الأرض ومبينطجش .
صاحت بها الفتاة بملامح مذعورة خائفة، شهقت الخالة بخوف قائلة:
_ ياستير يارب.

وذهبت مسرعة إلي الغرفة فوجدت الحاج قاسم متمدد علي الأرض في حالة إغماء، صاحت في الفتاة:
_ بت يا ورد، أخرچي بسرعة جولي للغفير حسنين يتدلي علي الحكيم بسرعة.

أجابت ورد:
_ أمرك يا خالة.

وذهبت مسرعة لتخبر الغفير الذي أنتفض خوفاً علي رب عمله، وذهب إلي الطبيب وجلبه علي الفور.
دلف الطبيب فوجد الخالة هنادي تجلس بقلق و خوف، بعد محاولات عديدة لإفاقة الحاج قاسم.
فقال:
_ السلام عليكم يا خالة.

أجابت و الخوف يعتري ملامحها:
_ وعليكم السلام، ألحجنا يا دكتور، كنا مهملينه الصبح زين ويا دوب ساعتين وجولت للبت ورد تطمن عليه، دخلت لاجته واجع علي الأرض وعلبة دوا الجلب جاره واجعه، شكلها وجعت منيه وملحجش ياخدها.

أخرج الطبيب أدواته الطبية من الحقيبة وقال:
_ إن شاء الله خير يا خالة.

قام بفحصه لمدة دقائق، ثم غرز في ظهر كفه إبرة الكانيولا وقال:
_ أنا هعلقله محاليل، عشان واضح عنده هبوط فلازم يفوء الأول وبعد كده ناخده علي المستشفي.

قالت الخالة وهي تنظر للحاج بحزن:
_ مشتشفي! ، چيب العواجب سليمة يارب.

- و بخارج الدار، تحديداً في الخلف تتلفت الخادمة ورد يميناً ويساراً حتي تأكدت من خلو المكان من أي شخص ما، فأخرجت هاتفها من طيات جلبابها لتهاتف إحدهم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ وفي منزل آخر، فوق السطح تحمل تلك الفتاة وعاء مليئ ببواقي الطعام وتلقيه إلي الدجاج والبط، و ملأت لهما أوعية الفخار بالماء، وبعدما أنتهت من عملها كادت تلتفت لتهبط الدرج فتفاجأت به واقفاً خلفها، شهقت بخوف:
_ بسم الله الرحمن الرحيم.

حدجها بنظرة سخط تحولت إلي أخري ماكرة:
_ شوفتي عفريت إياك؟ .

قالت وهي تتراجع إلي الخلف:
_ مجصدش ياسيدي، أني بس معرفاش إنك أهنه، فأتخضيت.

أقترب منها ونظراته تتجول علي جسدها قائلاً :
_ معلش، المرة الچاية عبجي نكح لأجل متتخضيشي.
انهي كلماته واضعاً يديه علي خصرها يجذبها إليه وهم بتقبيلها فأوقفه صوت والدته التي صاحت:
_ زكريا؟ .

أبتعد عن الفتاة التي قامت بصفع وجنتها وبخوف قالت:
_ يا مُري ستي چليلة.

رمقتهما جليلة وبغضب قالت:
_ واجفه عندك بتهببي أي؟.

أبتلعت لعابها وأجابت بتوتر:
_ والله ياستي كنت بواكل الطير كيف ما جولتيلي و.....

قاطعتها الأخري بصرامة:
_ خلاص يلا أتدلي من أهنه وچهزي الواكل.

أومأت لها متجنبة نظراتها الحادة:
_ أمرك ياستي.
و ذهبت مسرعة، فألتفتت جليلة إليه فوجدته يقف ينظر لأسفل، فقالت بحده:
_ كم مرة نبهتك وحذرتك عن عمايلك العفشه دي؟.

أجاب بإستنكار:
_ معملتش حاچة.

_ واه!، والي حوصل دلوق كان أي يا ولد بطني؟.

تحمحم وحك ذقنه قائلاً:
_ كنت بجولها حاچة.

قالت بسخرية:
_ أوعي تكون يا واد فاكرني داجة زرازير إياك!، أني خابرة زين الي بتعملو سواء مع البت عبير ولا ورد الي بتجابلها في السر، وبجول بكره يعجل وربنا يهديه ويتچوز لكن لساتك كيف ما أنت و..... وعتفضل إكده، ولأخر مرة بحذرك يا زكريا لأن المرة الچاية عيكون ليا تصرف معيچبكش واصل.

وقف أمامها بتحدي وقال:
_ الحديت ده تجوليه لبكر أخوي الصغير، لكن أني راچل وحر أعمل كيف ما أني رايد و مفيش مخلوج في الدنيا يجولي تعمل ولا ما تعملش.

هوت بكفها الغليظ علي وجهه:
_ بتعلي صوتك علي أمك! .

تابعت بللهجة حادة:
_ياريتك كنت كيف أخوك في أخلاجه، لكن أنت كيف الشيطان ڤاچر ولا تعرف عيبة ولا حرام.

حدجها بنظرات نارية فهم بالذهاب قائلاً:
_ و الڤاچر عيهمهلهالك وما عتشوفي خلجتي واصل.
1

وتركها ورحل، بينما يهبط الدرج جاءه إتصالاً هاتفياً، أنتظر حتي أصبح خارج المنزل، فأجاب:
_ عايزة إيه أنتي كمان؟.

_ أتصلت عليك كتير جوي، كنت عايزة أجولك فارس بيه راچع من السفر وچاي في الطريج، وسيدي قاسم تعب فچاءة وعنده الحكيم.

وقبل أن يجيب لمح المقبل عليه فقال:
_طيب أجفلي دلوق وهبجي أتصل عليكي، سلام.

_ أي الي موجفك إكده في عز القياله؟.
قالها رافع، فأجاب الآخر:
_ أني رايح علي المطُرح بتاعي نواحي المعبد الجديم.

قهقه رافع وقال:
_ عمتي عملتها معاك وطردتك إياك؟.

زفر بحنق وقال:
_ أني الي مهمل الدار.

أقترب رافع و ولكزه في كتفه وسأله بخبث:
_ ليكون جبصتك مع البت عبير الخدامة؟.
أشاح بيده و بضيق قال:
_ وهي أول مرة عاد!، شكلها حاطني في دماغها لأچل تچوزني لبت عمتي الي لساتها عيله صغيره.

_ وماله يا أخوي، ماتتچوز وأعمل الي أنت رايده، كيفي إكده.

_ أني كيف الطير بيحب يحلج ويعيش حر، بلا چواز بلا هم.

زفر رافع بتأفف:
_ علي جولك، لسه مهمل نوارة و زينب ماسكين في خناج بعض، والأولي كيف تنتجم مين خايتي چاية تخبرني إنها سمعتها بتتحدت ويا فارس واد عمك وبتجول راچع و خيتي عتروح تجابله.

أبتسم زكريا واضعاً كفه علي كتف الآخر، فقال:
_ ما أني كنت عخابرك نفس الحديت، لساني عارف من البت ورد، وكمان عمك قاسم تعبان جوي والحكيم عنده شكله والله أعلم بيودع.

ضيق رافع عينيه وقال:
_ ياريت الي في بالي يوحصل، وجتها هيكون الوجت مناسب جوي.

رمقه الآخر بعدم فهم وسأله:
_ تجصد أي؟.

صوب بصره نحو الفراغ وقال بنبرة ذات مغذي:
_ عتعرف كل شئ في أوانه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ وبعد مرور عدة ساعات، مازال الحاج قاسم ممدد علي فراشه بعدما أستيقظ من إغماءه، حاول الطبيب إقناعه بالذهاب إلي المشفي لكن الآخر أصر علي بقائه في الدار ولم يغادر فراشه سوي علي قبره.

توقفت السيارة بالخارج، ترجل منها فارس بللهفة يطرق الباب، فتحت له ورد:
_ حمدالله علي السلامة يا سيدي.

نظر لها مبتسماً:
_ الله يسلمك يا ورد، فينها خالة هنادي والحاچ.

أجابت:
_ الخالة عند سيدي قاسم چوه.
وطأطأت رأسها بحزن، مما دفعته قائلاً :
_ ماله أبوي؟ .

وركض إلي غرفة والده بقلق وخوف، فوقعت عينيه عليه راقد علي مضجعه في حالة يرثي لها من التعب والوهن، يتصل بيده أنبوب المحلول.
أبتسم والده حينما رآه مقبلاً عليه:
_ حمدالله على السلامة يا ولدي.

أنحني فارس علي يد والده وقبلها:
_ مالك يابا؟.

تحدثت الخالة هنادي:
_ تعب فچاءة والحكيم جال لازم يتنجل علي المشتشفي، وهو معاند ومش رايد يتحرك من السرير.

رمقه فارس بعتاب:
_ ليه إكده يا أبوي؟ .

تفوه بصعوبة قائلاً:
_ خلاص يا ولدي، شكلها هي دي نهاية رحلتي في الدنيا، كنت بدعي ربنا إن عشوفك جبل ما أروح له.

أزدرد الآخر ريقه ويمنع عبراته فقال:
_ بعد الشر عليك يابا، متجولش إكده، أني هاخدك علي المستشفي الدكتور يطمن عليك ونعاود علي الدار، أني خابر كرهك للمستشفيات.

رفع يده المرتجفة علي وجه نجله يلمس ذقنه بحنان وكأنه يتأمل ملامحه:
_ ريح جلبي يا فارس، وأسمعيني زين.

ألتفت برأسه نحو الخالة وتابع قائلاً :
_ جربي يا هنادي.

أقتربت ووقفت بجوار فارس:
_ أمرك يا حاچ؟ .

أشار بيده إلي الدورق:
_ لافيني بوج ميه.

أسرعت بسكب الماء في الكوب، فحاول فارس مساعدته في نهوض جذعه قليلاً ليتمكن من إرتشاف الماء حتي أنتهي وعاد إلي التمدد مرة أخري، تابع وقال:
_ الي هجوله دلوق وصيتي ليك يا ولدي، أولاً الخالة هنادي وكل الي بيخدمو في الدار أمانة في رجبتك.

أندفعت الخالة وبدأت تبكي:
_ متجولش كده يا حاچ، بعد الشر عل...

رفع يده وقاطعها:
_ متجاطعنيش جلبي مش حمل مناهده عاد، خليني أكمل وصيتي لأجل أكون مرتاح.
1

عاد بالنظر إلي فارس وأردف:
_ عمك خميس وعمتك چليلة، أني خابر كرههم وحقدهم ليا وليك وعذرهم الله يسامح چدك معاملته الجاسيه ليهم والتفرجه بيني وبينهم ، خلت جلوبهم مليانة سواد ومع إكده عمري ما أتخليت عنيهم لأنهم أخواتي مهما سو، متجطعش الود وياهم يا ولدي و أتچوز زينب وأعملها فرح يتحاكي بيه النچع كلاته، وحطها چوه عينيك، ثاني هام وهي وصيتي ليك في أهل البلد أحكم بينتهم بالعدل ولو چالك مظلوم أنصفه وچيبلو حجه، وإياك والظلم يا ولدي.

أنسدلت من عينه عبرة فقام بإزاحتها وقال:
_ كفياك حديت يا أبوي، وغلاوتي عندك تعالي نروحو المستشفي.

أعتدل في نومه وينظر إلي شئ ما لايراه سواه قائلاً :
_ أني شايفها كيف البدر، عتستناني، وأنا رايح لها.

أغمض عينيه في سلام وطمأنينة، أنتفض فارس وأتسعت حدقتيه بشدة غير مصدق، وضع يده علي عنق والده:
_ أبا؟، أبا؟ .

أخذت الخالة تبكي وتعالي صوت بكاءها بنحيب:
_ سيدي قاسم.

صاح فارس بصراخ:
_ أبا! .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ في مشهد تدمع له العيون وتدمي له القلوب، يقف أهل النجع جميعاً في المقابر، الرجال في المقدمة يشاهدون مراسم الدفن والنساء خلفهم بين صراخ وعويل علي موت هذا الرجل الذي كان محبوباً من أكبرهم لأصغرهم.
بينما كان حال نجله المسكين تنتفض له خلايا الجسد، يحمل مع الرجال كفن والده ليضعوه بداخل المقبرة التي تعلو التربة، فالمقابر لديهم أعلي سطح الأرض ويعلوها قباب أو شواهد.

وهناك يقف رافع وبجواره زكريا يتصنعان الحزن علي عمهما، لكن في صدورهم كانت تتراقص السعادة، فأخيراً ستكون العُمدية من نصيب خميس القناوي لكن كيف وهناك فارس! .

تقدم رجل ضخم البنية ذو ملامح مخيفة، أقترب من رافع وأنحني نحو أذنه وأخبره شيئاً ما، فربت الآخر علي كتفه وقال:
_ عفارم عليك يا ديبكي، روح أنت وحضر للعزا مع الرچالة.

رحل ديبكي، فأقترب زكريا من رافع هامساً:
_ سويت أي يا واد خالي، أنا خابرك لما بيظهر دبيكي بيكون وراه مصيبة واعرة.

أجاب الآخر بنبرة إنتصار مليئة بالسعادة:
_ كلها ساعتين وعاتيعرف، ولو الفضول جاتلك جوي أبجي أسأل عشيجتك ورد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ وفي منزل القناوي، تلملم أشياءها بداخل تلك الحقيبة المتهالكة، وقبل أن تغلقها أمسكت بظرف أبيض وقامت بفتحه لتطمأن علي المال وتحدق فيه بفرح، سمعت بأصوات في الخارج يبدو أنهم قد أنتهو من مراسم الدفن، أسرعت بدفس الظرف بين ثيابها وأغلقت الحقيبه مسرعة.
ألقت وشاحها الأسود علي رأسها وركضت إلي الخارج ثم غادرت من الباب الخلفي قبل أن يراها أحد، فكما أمرها هذا الديبكي بأن ترحل من النجع بأكمله وإلا سوف يقتلها ويرمي جثتها في الصحراء إلي الذئاب الجائعة.

دلفت الخالة هنادي تبحث عنها تنادي بصوتها الباكي الحزين:
_ ورد؟، بت يا ورد.
لا إجابة، جففت ماتبقي علي وجنتيها من عبرات وقالت:
_ راحت فين البت دي؟ .

وذهبت نحو غرفتها لعلها تكن بالداخل، فأوقفها صوت الغفير حسنين قائلاً :
_ خالة هنادي، سي فارس بيجولك أفتحي الدار لأچل الحريم الي چايين يعزو.

_ و في دار خميس القناوي، تصرخ وتبكي:
_ آه يا عمي، كنت ليا الأب والسند ياعمي.

في ذلك الحين ولج رافع يخلع عباءته قائلاً :
_ كفاياكي عويل و ولوله، أبوكي وأخوكي لسه عايشين، عتبكي علي مين إياك.

رفعت وجهها وحدجته بنظرات كراهية:
_ ملكش حديت معايا واصل، تجفل عليا باب الأوضة بالجفل لأجل ما أروحش الدفنه.

قال بتهكم:
_ عتروحي الدفنه ولا عتشوفي حبيب الجلب وتواسيه!، حطي الكلمتين دول حلجة في ودانك فارس ده صفحة وأتجفلت أو نجول أتجطعت.

نهضت وباغتته بهجوم صارخه في وجهه:
_ ليه بتكرهه جوي إكده! ، إكمنيه أحسن منك، چدع ومهندس والناس كلاتها بتحبه وأنت كيف الشيطان لو حد شافك يستعيذ بالله منك ومن شرك.
لم يتحمل كلماتها القاتلة، فلم يشعر بحاله وهو يهوي علي وجهها بكفيه، فكانت تتهاوي يميناً ويساراً من قوة صفعاته، وفي تلك الأثناء عاد والديهما ونوارة، صاحت السيدة رسمية وهي تمسك به تمنعه عن صفع شقيقته:
_ عتعمل أي يا واكل ناسك.

توقف عن صفعها ويلتقط أنفاسه يرمقها بشر ولم يحيد بعينيه عنها قال:
_ بترفع صوتها وتجل أدبها علي أخوها الكبير، وجسماً بالله ما أنتي عتعتبي باب الدار واصل.

_ والله عال يا ولدي، بتضروب خيتك وتجمر وتنهي وأني لساتي عايش.
صاح بها خميس، ألتفت له رافع وبخجل تطأطأ رأسه قائلاً :
_ حجك علي يا أبوي، مجصديش، كل الحكاية الهانم خرچتني عن شعوري لما غلطت فيا.

نظر نحوها والدها ليجدها ترتجف وتبكي بين زراعي نوارة التي تربت عليها، فبرغم خلافتها معها لكنها شعرت بالشفقة فهي تعلم قسوة زوجها عندما يفقد أعصابه وتثور أغواره.
قال خميس:
_ صوح الي جاله أخوكي يا زينب؟.

أجابت ببكاء و ترمق شقيقها بكراهية شديدة:
_ أيوه، جولت له إن فارس برجبته و الكل شايفه شيطان رچيم.

زجرها رافع بنظرة مرعبة قائلاً :
_ سامع يا ابوي! .

رمقتها والدتها بإمتعاض وقالت:
_ كيف بتجولي علي أخوكي الكبير شيطان! .

صاح خميس بأمر:
_ إعتذري لأخوكي يا زينب.

صاحت برفض تام:
_ لع يا أبوي.

زفر خميس بغضب وقال:
_ إكده عتكسري كلامي؟، يبجي منك ليه والي عيجولك عليه أخوكي عتنفذيه بالحرف الواحد، أني رايح العزا، أبجي حصيلني يا رافع.

فقالت رسمية:
_ وأني رايحة ويا چليلة خيتك دار القناوي.

_ خديني وياكي يا خالتي.
قالتها نوارة، فقال رافع بأمر حازم:
_ مفيش مرواح، عتقعدي ويا المحروسة عجبال ما نيچي، ولو خطت خطوة برة الدار عتكوني أنتي المسئولة قدامي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ بعد أن عاد من المقابر ولج إلي غرفة والده يتأمل كل ركن وكل أثاث تحتويه، فهنا علي الكرسي المقابل للتخت كان والده يجلس ويتلو آيات القرآن الكريم و في ركنٍ آخر كان يؤدي فريضته، وأسفل التخت كان ملاذه عندما يخطأ ووالدته تركض خلفه وتريد معاقبته فيختبئ بالأسفل ويأتي والده يقول له:
_ ما تخافش يا فارس، أطلع من عندك.

يخرج وينظر ببراءه إلي والده ويقول:
_ أني معملتش حاچة يا أبوي، رافع واد عمي هو الي جص حبل الخلچات الي أمي لساتها غسلاهم وراح جالها فارس الي عملها.

جذبه والده بين زراعيه وأحتضنه بحنانه الذي يغمره به دائماً وقال:
_ مصدجك يا ولدي، هو طالع كيف أبوه يعملو المصيبة ويلزجوها لغيرهم، ربنا يهديهم.

أشتد الصغير من عناق والده وقال:
_ أنا بحبك جوي يا أبوي.

أجاب عليه بعناق أقوي:
_ وأنا كمان يا غالي يا ولد الغالية.

_ تذكر ذلك المشهد وكأنه حدث للتو، لم يشعر بالعبرة التي أنسدلت منه رغماً عنه، أتجه إلي الخزانة ففتحها وأخذ جلباب والده الذي ما زال متعلق به رائحة عطره المكون من المسك والعود، أستنشقه بشده وأجهش بالبكاء كطفل صغير و أخذ يردد:
_ ليه سبتني لوحدي يابا! ، ملحجتش أترمي في حضنك وأتحدت وياك، أحكي لك عن أيامي في الغربة، آه يابا، آه يابا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ تخطو غرفتها ذهاباً وأياباً تريد أن تذهب وتلقاه، تعلم كم يحتاج إليها في هذا الوقت، لابد إنه يحتاج إلي عناقها ويفيض ما بداخله من حزن وآسي علي فقدان والده.

خرجت من غرفتها بدون أن تصدر أي صوت تبحث بعينيها عن نوارة فوجدتها تجلس علي الكرسي أمام التلفاز وتغفو رغماً عنها، فها هي فرصتها في الهروب لدقائق فقط، أرتدت الحجاب علي عجلة من أمرها وذهبت لكي تفتح باب المنزل فوجدته موصداً من الخارج بالمفتاح، زفرت بتأفف، حتي توصلت إلي فكرة الهرب من نافذة غرفتها التي تطل علي حديقة فلم تكن بالإرتفاع الذي ستتأذي إذا قفذت منها.

وبالفعل نجحت في القفز، وتسللت إلي الخارج عبر بوابة الحديقة التي يبدو أنهم قد نسو إغلاقها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

- ظل هكذا لدقائق حتي بدأ يهدأ، طرقات علي باب الغرفة فقال:
_ أتفضلي يا خالة هنادي.

دلفت هنادي تحدجه بحزن علي حالته، فقالت بصوتها الحنون الهادئ:
_ لساتك عتبكي يا ولدي؟ .

أجاب وهو يواري وجهه عن عينيها:
_ لاء مفيش حاچة يا خالة.

أقتربت منه وربتت عليه بحنانها المعتاد وقالت:
_ طب يلا أخرچ فيه ناس رايدين يجبلوك.

قال برفض تام:
_ وأنا ما رايدش أجابل حد عاد.

فجاء صوت أنثوي رقيق يقف لدي باب الغرفة:
_ حتي أني يا فارس! .

ألتفت لصاحبة الصوت فها قد جاءت في أشد الأوقات إحتياجاً لها، رمقها بنظرات حزن وألم وهي كذلك بل كانت نظراتها مليئة بالشوق الجارف، خرجت الخالة هنادي لتتركهما في هذا اللقاء القوي، وبالفعل لم يشعر بساقيه وهو يركض نحوها ليرتمي بين زراعيها وقال ببكاء مرير:
_ أبوي مات يا زينب، الحب والحنية وكل حاچة حلوة راحت ومش راچعة.
1

ربتت عليه وقالت:
_ متجولش إكده يا واد عمي، أني وياك.

نظر في وجهها وملامحها التي يحفظها عن ظهر قلب ويعشق كل تفاصيلها الدقيقة، كم أغرقت ذهبيتيها لُب فؤاده عند التحديق بداخلهما، رفع يده وأخذت أنامله تلامس وجنتها المياس، تلاقي إبهامه عبره تنحدر ببطئ، فقام بإزالتها وقال:
_ المفاچاءة الي كنت عجولك عليها، هي إن عنتچوز في خلال أسبوعين، وبعد الفرح اخدك وياي ونسافرو علي أمريكا، لكن كيف ما أنتي خابره وشايفه.

بداخلها يتراقص من السعادة لكن لم تظهر ذلك مراعاة لمشاعره، فقالت:
_ ولا يهمك يا حبيبي، عمي قاسم الله يرحمه كان عمي وأبوي ما في حد في حنيته وطيبته، و مفيش مشكلة لو أچلنا جوازنا لحد الأربعين، بعدها نكتبو الكتاب و نسافرو وياك، معوزاش فرح، فرحتي هي أكون حدك وچمبك ولا حاچة تفرجنا.

ومن شيمه التي تعلمها لم يستطع الرد علي كلماتها التي تأسر حواسه بل كان يجيب عليها بأفعاله، فجذبها إلي صدره وعانقها بقوة لايعلم ما ذلك الشعور وتلك الإنقباضة التي تسري بداخله، يخبره حدسه بأن هذا العناق ربما لم يتكرر، وكلما زاد إحساسه بالخوف كلما يشتد من إحتضانه لها وتفوه بكل ما يُكن إليها من مشاعر عشق و تيم:
_ بعشجك جوي يا زينب.

دفنت وجهها في عنقه، تشعر بالخجل وتختبأ بين زراعيه، وما لبثت تلك المشاعر الجامحة إلا دقائق معدودة ليقاطعها طرقات قوية علي باب المنزل، أنتفضت مُبتعده عنه وبخوف فقال لها:
_ مالك خايفه إكده؟ .

تمسكت في زراعه كالطفلة وقالت بملامح مرتجفة:
_ عتلاجيه رافع أخوي، لو خابر أني إهنه ممكن يجطعني.

قطب حاجبيه بضيق فقال وهو يربت عليها:
_ متخافيش وخليكي أهنه، محدش يجدر يجربلك وأنا وياكي.

خرج من الغرفة وأغلق الباب وذهب ليري من الطارق، فوجد الخالة أقبلت عليه بتوتر قالت:
_ ده، ده.

_ في أي يا خاله ماتنطجي؟ .

أتاه صوتاً غليظ من خلفها قائلاً :
_ حمدالله علي السلامة يا باشمهندس فارس.

كان ضابط المخفر التابع للنجع، أجاب فارس:
_ الله يسلمك يا حضرة الظابط، أتفضل.
تحمحم الضابط بإحراج وقال:
_ أنا عارف الظرف الي عندك، والحاج قاسم الله يرحمه كان عزيز علينا كلنا، بس للأسف ده شغلي، جايلي أوامر بتفتيش البيت.

رمقه فارس بإمتعاض وقال:
_ كيف يعني تفتشوه، چري أي يا مچدي بيه! .

أخرج الضابط من سترته ورقة و أعطاها له:
_ ده أمر من النيابة يا باشمهندس.

ألقي فارس نظرة علي محتواها، زفر بضيق وأعطاها له قائلاً :
_ أتفضلو.

أشار الضابط إلي العساكر ليدلفو إلي الداخل وأنتشروا في أرجاء المنزل، كاد إحدهم يفتح باب غرفة والده، صاح به فارس:
_ وجف عندك.

فأنفتح الباب وخرجت زينب تنظر لهم بقلق، ركضت نحو فارس وتشبثت به كطفلة صغيرة وقالت :
_ الي بيُحصل يا فارس؟ .

حاوطها بزراعه ليطمأنها وينظر إلي الضابط في آن واحد، قال:
_ مفيش، الظاهر إكده حد مجدم بلاغ كيدي.

خرج عسكري من غرفة فارس يحمل حقيبة جلدية:
_ تمام يا مچدي باشا، أني لاجيت الشنطة دي تحت سرير الباشمهندس.
وضعها أعلي المنضده وقام بفتحها فظهرت أكياس تحتوي علي المخدرات، شهقت زينب و ضربت كفها علي صدرها بصدمة:
_ يا مُري.

وكانت الصدمة تلجم لسان فارس الذي يحدق في محتوي الحقيبة غير مصدق، فقال الضابط بتهكم:
_ أي ده يا باشمهندس؟، واضح الي قدم فيك البلاغ كان متأكد.

هز رأسه بالنفي وقال:
_ مليش صالح بالي قدامك ده، ولا أعرف كيف وصلت لأوضتي.

فقالت الخالة بدفاع:
_ يا حضرة الظابط، جسما بالله فارس ما خطاش أوضته عاد، كان راچع من السفر وأتدلي علي أوضة الحاج قاسم الله يرحمه وملحجش حتي يغير خلجاته و يا دوب لساته راچع من دفنة أبوه.

رد الضابط بحزم:
_ الكلام ده يبقي يقوله في المحضر.

صاحت زينب بتوسل:
_ فارس عمره ما يعمل إكده، ده بالتأكيد حد دسله الشنطه تحت سريرو.

لم يكترث الضابط لكلماتها بل أعطي أمره إلي العساكر:
_ هاتو معاكو الحرز وهاتوه علي البوكس.

أمسكو به وأتجهو إلي الخارج في ظل صرخات الخالة وزينب التي تركض خلفهم، صعدوا إلي داخل صندوق السيارة، وقبل أن تذهب صاح فارس:
_ خدي زينب يا خالة هنادي و روحيها علي بيت عمي.

أجابت وهي تبكي علي إبنها التي لم تنجبه:
_ أطمن يا ولدي، عاتصل بعبدالمچيد المحامي وعجوله يحصلك علي القسم.

_ فارس برئ يا حضرة الظابط، فارس برئ.
أخذت زينب ترددها وتتلوي بين يدي الخالة التي منعتها من الركض خلف السيارة وهي تنطلق.
لم تتحمل ما حدث وفاة عمها الذي كان بمثابة والدها وأكثر أم ما حدث للتو، تلفتت من حولها وجدت أهل النجع يتجمعون مرددين بعض عبارات الأسف والحزن علي ما يحدث.
ما زالت تبكي وتنادي بأسمه:
_ يا فارس، يا فارس.

وقعت جاثيه علي ركبتيها وعبراتها تتساقط علي الأرض، فتوقفت عن البكاء عندما وجدت حذاء صاحبه يقف أمامها بطوله الفارع، رفعت رأسها لتري آخر وجهه تتمني رؤيته الآن.
جذبها من زراعها بعنف وقال من بين أسنانه:
_ أي الي خرچك من الدار يا فاچرة؟.

حاولت التملص من قبضته وهي تضربه بكفيها:
_ بعد عني.

_ حجك علي أني يا رافع بيه، هي چت تسألني علي حاچه وكانت راچعه لكو تاني.
قالتها الخالة فأجاب الآخر بحديه:
_ أخرسي أنتي يا وليه، محدش جالك تدافعي عنها، وأنا خابر أعلمها كيف متسمعش كلامي وتكسرو لأجل عيون حبيب الجلب الي هيشرف السچن.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ و بداخل مكان يسوده الظلام سوي بقعة ضوء خافته مسلطة علي هذا المقيد من معصميه لأعلي بسلاسل من حديد صدأ، يذرف دماء من أنفه وفمه، يردد بصوت خافت:
_ عطشان، عطشان.

توقف عندما سمع صوت الباب الحديدي يصدر صريره المزعج وخطوات أقدام تدلف المكان، لم يتمكن من رؤية أصحابها، لكن هناك ما دب في أوصاله الرعب وتمني الموت قبل أن يري صاحب ذلك الصفير الذي يدوي صداه في الأرجاء، من سواه له تلك العادة عند لقاء ضحيته!.

دقات قلبه تكاد تصم أذنيه من الخفق بقوة خوفاً قاتلاً، يا ألهي فلقد أقترب و وقف أمامه، وقعت عينيه علي حذاءه الأسود يخشي أن يرفع بصره، لكن صاحب الحذاء قال بهدوءه المرعب موجهاً حديثه إلي إحدي رجاله:
_ ها، لسه ما قالكوش مين الي سرق البضاعة؟.

أجاب الرجل بصوته الغليظ:
_ لاء ياباشا، برغم إننا جربنا معاه كل حاجة.

لاحت إبتسامة علي شفتيه فقط، فقال:
_ خلاص كفايه الي عملتوه، هزرنا معاه كتير.

أشار للرجل، فأسرع الآخر بإحضار حقيبة كبيرة سوداء و وضعها فوق المنضدة:
_ أتفضل يا باشا.
+

وما أن فتح الحقيبة ظهر بريق أدوات الجحيم التي بداخلها، ألتقط منها قفازاً مطاطياً وأمسك بهاتفه وأخذ يضغط حتي صدح صوت موسيقي هادئة، وضعه جانباً ثم ألتقط سكين ذو حافة مُدببة وشفرة حادة، وبدون أن ينظر للرجل المقيد المسكين قال:
_ زمان في أوروبا لما كانو عايزين يعرفو معلومة صاحبها مُصر علي الكدب زيك كده، فبيلجأو معاه لكذا طريقه يالحرق يا يحطوه علي أي آلة تعذيب يا.
أقترب من أذنه وقال بنبرة جعلته يتبول رغماً عنه:
_ بيسلخو جلده ولحمه عن عضمه.

وما إن رأي الآخر يده ترتفع وبها السكين نحو صدره ، أخذ يصرخ و يقفز برعب في مكانه:
_ هقول علي كل حاجة، هقول علي كل حاجة.

وقبل أن تخترق سن السكين جلده المتعرق من الخوف، توقف الآخر مستمعاً لأعترافه:
_ رافع القناوي هو الي أمر رجالته بسرقة البضاعة من مخازن المينا.

تراجع إلي الخلف وترك السكين في الحقيبة، أخرج من جيب سترته سيجاره الخاص وقداحة ليشعلها وقام بوضعها بين شفتيه ثم زفر دخاناً كثيفاً، وبنظرات شيطان قد جاء من قاع الجحيم ردد بتوعد:
_ رافع القناوي!.
_ يجلس مغمض العينين في محاولة إستيعاب ما يحدث له من مصائب تتوالي فوق رأسه، و عليه بالصبر علي تلك الإبتلاءات.

نهض إحدي المساجين بعد أن تأمل ملامحه وعلم بهويته، جلس بجواره قائلاً :
_ فارس ولد الحاچ قاسم؟.

فتح عينيه وأستدار له بجسده، مجيباً:
_ أيوه أنا.

أنبلجت إبتسامة علي وجه هذا الشاب وقال:
_ أني منصور ولد عمك عبدالفتاح صاحب أبوك، مش فاكرني إياك؟ .

صمت لثوان يتذكره، فقال:
_ أيوه أفتكرتك، كيفك وكيف عمي؟ .

أطلق تنهيده ثم قال:
_ أبوي تعيش أنت بجي له سنتين، وأني كيف ما أنت شايف مسچون بجي لي أسبوع وأكتر وباينهم عيعرضوني علي النيابة.
_ تهمتك أي؟.

أجاب منصور:
_ خايف أجولك تزعل مني.

_ وهزعل ليه؟.

حدجه بتوتر وقال:
_ أصل سبب دخولي السچن زكريا واد عمتك الله يحرجه، كنا شاغلين في مخازن الخشب الي نواحي المعبد الجديم، وكنت مزنوج في جرشين لأجل عملية القلب لأمي، وهو كيف الشيطان جومها في دماغي وخلاني أخد من فلوس العهدة وأرچعها لما نجبض علي آخر الشهر ويدبر لي باجي المبلغ، و حظي المهبب عملو چرد تاني يوم ولاجو الفلوس ناجصة عشرة آلاف جنيه، كنت وجتها مع أمي في المستشفي ودخلت العمليات، أتصلو علي جاله لي تعالي المخازن ضروري، روحت لاجيت الدنيا مجلوبة، وما حستش بحالي غير وأني أهنيه، وخالي وعمي أتخلو عني كالعادة.

ربت فارس عليه بمواساة:
_ ربك كريم وعيفرچها من عنده، بس أنت غلطت لما مديت يدك علي الأمانة، وبعدين من ميتي وبتسمع كلام زكريا!،ما حرمتش من أيام المدرسة لما كان بيعمل مصايب ويوجعك أنت فيها وكانو عيرفدوك لولا أبوي أتوسطلك عند المدير!.

زفر بسأم وقال:
_ ياما دجت علي الراس طبول يا واد عمي، سيبك مني دلوق جولي بتُعمل أي أهنيه؟.

أجاب بنبرة مليئة بالشجن:
_ لساتني راچع من أمريكا كنت چاي نتچوز بنت عمي، مجرد دخلت الدار لاجيت أبوي تعبان جالي وصيته ومات.

_ واه، حاچ قاسم مات!، لا حول ولاقوةالابالله، البقاء لله.

تجمعت عبراته بداخل رماديتيه وأكمل حديثه:
_ مش مصدج لحد دلوق إنه مات، مش عتصدجني لو جولتلك أني محتاچ لحضنه جوي.

ربت منصور عليه وقال:
_ وحد الله يا فارس، ما يتعزش علي الي خلجه، ربنا يرحمه هو وأبوي وچميع موتانا.

_ أنا بدعي ربنا يلحجني بيه.

_ تف من خشمك يا چدع، ربنا يديك العمر والصحة، أنشف إكده، أني خابر هو كان ليك كل حاچة لكن ده أمر الله يا أخوي وكلنا هنموت.
_يارب.
أخذ يجفف عبراته ويستعيد رباطة جأشه، فأردف:
_ ملحجتش أفوج من موته، لاجيت البوليس چاي لنا الدار ولاجو شنطة مخدرات في أوضتي.

صاح الآخر بصدمة:
_ مخدرات!، كيف دي؟.

_ كيف ما سمعت، وإحساسي بيجولي إن فيه الي ماصدج أبوي مات وجال يتخلص مني.

نظر له منصور يفكر في أمر ما:
_ عجولك وتصدجني؟.

رفع وجهه ونظر إليه بترقب:
_ أنت عارف حاچة؟.

أبتلع لعابه ثم قال:
_ عجولك، بس بالله عليك ما تچيب سيرتي واصل.

أومأ له فارس وقال:
_ ما تخافش أوعدك ما هاچيب سيرتك.

_ في ليلة كنا سهرانين قدام المخازن أنا وزكريا، وچه رافع واد عمك وجعد ويانا وشربو سچاير حشيش لحد ما تسطلو، زكريا كان بيتحدت وياه عنك أنت وأبوك، فجاله رافع أنه محضرلك مصيبة واعرة عتوديك ورا عين الشمس، ومستني إنك ترچع من بره، ولما حسو بيا وأنا جاعد وياهم هددني رافع وجالي لو چيبت سيرة لحد ما عيطلع عليا نهار أنا وأمي، وأنت خابر إحنا غلابة ومالينا غير ربنا، ورافع واد عمك الشر بيچري في دمه.

عاد بظهره إلي الحائط في صمت يعلم ما قيل له ليس كذباً أو إفتراءً، طالما رافع يكرهه ويكيد له المصائب منذ الصغر، وعندما سأله في مرة لما هذا كل الحقد والكراهية، أجابه الآخر لأنه إبن قاسم، لم يفهم مغذي إجابته إلا عندما كبر وعلم من الخالة هنادي بأن عمه وعمته أشقاء والده من الأب فقط حيث والدتهما الزوجة الأولي و والده من الزوجة الثانية التي تزوجها جده الحاج قناوي عندما سافر إلي المنصورة ورآها هناك في حفل زفاف إحدي معارفه، كانت شديدة الجمال والصبا، لم تتجاوز الخامسة عشر آنذاك ، وبعدما تزوجها أنجبت قاسم الذي ورث معظم صفات والده وملامحه، فكان قناوي ظالماً لزوجته الأولي تركها بمفردها تربي نجلهما وأكتفي بإرسال المال فقط لهم وحرمهم من حنانه وعطفه الذي كرسه لقاسم فقط و والدته، وعندما كبر قاسم كان والده يريد تزويجه من بنات العائلة لكنه أحب إبنة خالته التي تشبه والدته كثيراً، تزوجها بعدما أنتهي من قضاء خدمته العسكرية في الجيش وأنجبت له فارس، كان الحفيد المفضل كوالده لدي جده الذي أوصي بأن العُمدية سيتوارثها فارس من بعد والده مما أثار ضغينة خميس وولده وكذلك أيضاً جليلة التي حُرمت من حنان والدها ولم تتلق سوي قساوة وحقد أمها من ما فعله والدها معها من ظلم وأنانية.
فلم يتعجب فارس عندما يعلم بأن من زج به إلي السجن رافع الذي ورث الكراهية والضغينة من والده وجدته.

_ فارس قاسم القناوي.
نادي بها العسكري الذي دلف للتو، لكزه منصور عندما لم يجب:
_ كلم يا فارس، بينادم عليك.

أنتبه فارس وصاح:
_ أيوه.

أشار له الآخر:
_ جوم يا ولدي، عبد المچيد المحامي مستنيك في مكتب المأمور.

نهض فارس وذهب معه، داعياً ربه بأن يظهر براءته.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ تجلس خلف القضبان الحديدية التي قام بوضعها شقيقها علي نافذة غرفتها بعدما علم كيفية هروبها، تنظر إلي السماء و الكروان يحلق مُغرداً وكأنه يطمأن قلبها علي من يتلوع ألماً من القلق عليه، رفعت كفيها لأعلي وقالت:
_ يارب نچيه كما نچيت سيدنا يونس من بطن الحوت، فارس غلبان وملهوش غيرك وأنا، وأني ما رايدشي غيره يكون زوچي وأبو عيالي.

طرقات علي الباب يتبعه صوت زوجة أخيها:
_ زينب أنتي صاحية؟.

_ ما واكلشي يا نوارة، رچعي الصينية المطبخ.

فتحت نوارة الباب ودلفت تحمل صينية الطعام وضعتها علي المنضدة القريبة من التخت، ثم ذهبت وجلست بجوارها قائلة:
_ أني حاسه بيكي وبالنار الي في جلبك وجلجك علي فارس، أصلي زيك إكده عاشجة لكن الفرج الي بينتنا إن الي بتحبيه بيحبك ويمكن أكتر كمان، لكن أني الي بحبه جلبه كيف الحچر جاسي، يمكن الحچر حنين عنيه.

تنهدت زينب وقالت:
_ رافع أبوي ملي جلبه جسوه ومن إحنا لسه عيال صغيرين، غرس چواه إن الحب ده للنسواين والي جلبهم ضعيف لكن الراچل لازم يكون جلبه جوي وميهزوش حاچة واصل.

_ إكده كيف الي معندوش جلب عاد.

_ وطالما أني معنديش جلب، أتچوزتيني ليه؟.
أنتفضت نوارة تنظر إلي صاحب الصوت، فوجدته واقفاً يرمقها بنظرة توعد، أزدردت ريقها بخوف، وقالت بتوتر:
_ أني، أني كنت بحط الواكل لزينب.

لم تجد مبرر لجملتها التي سمعها، فغادرت الغرفة تحت نظراته، زفر بملل وهو ينظر إلي الطعام الذي لايمس فقال:
_ إحمدي ربك إني كنت ماسك نفسي عنيكي، لولا أمك حلفتني أني ما أچيش چمبك كان زمانك مرميه في المشتشفي بين الحياه والموت.

رمقته بإبتسامة ساخره وقالت:
_ الي عيسمعك ميشوفش وأنت حابسني في أوضتي وحاطط حديد علي الشُباك وموجف رچالتك بره كمان.

تقدم عدة خطوات حتي وقف أمامها وبكل قسوة وجبروت ينظر لعينيها التي تتجمع بها عبراتها، فتحدث بفحيح :
_ عتبكي عليه!، وفري دموعك لأن عخليكي تجري الفاتحة علي روحه وتبكي بدل الدموع دم.
1

جزت علي فكها تحاول أن تتماسك، تشد علي قبضتها حتي أبيضت مفاصل أناملها:
_ ياه، للدرچدي!، حارجك جوي وعايز تجتله!، سوي فيك أي عشان تكرهه إكده؟، ده أنت حتي ماشوفتش منيه غير كل خير، ياما وجف وياك لما كان أبوي بيجسي عليك ويطردك بره الدار من غير خلچات، كان بياخدك علي دارهم ويعطيك خلچاته وينيمك في فرشته، نسيت كل ده يا ولد أبوي؟.

لم تلمس كلماتها قلبه بل زادته حقداً ، كشر عن أنيابه بملامح مخيفة، قبض علي عضدها بقوة ومن بين أسنانه زمجر قائلاً:
_ بكرهه لأنه السبب في كل الي چرالي علي يد أبوي، أيوه مانسيتش وجفته چمبي لكن مانسيتش أني كنت بتضرب وبتطرد بسببه، عشان أكون كيف فارس ولد زهرة متعلم و بجي مهندس وأني الچاهل الفاشل، عرفتي بكرهه ليه!.

حاولت جذب عضدها من قبضته لكنها فشلت بسبب قوته، فلاحظ علي ملامحها الألم، ترك زراعها.
_ ما أنت بجيت تاچر حديد كبير في السوج وعنديك مصنع ماشاء الله من أكبر المصانع في جنا كليتها.
5

صاح بإمتعاض:
_ خردة، جصدك تاچر خردة، الحاچة الوحيدة الي فلحت فيها بعد ما كل البيبان أتجفلت في وشي، حتي البنت الوحيدة الي كنت رايدها ما أتچوزتهاش.

_ ومالها الخردة، مش عيب ولا حرام، وبالنسبة لحبك الجديم فاطمة، أنت الي خسرتها لما مشيت ورا أخوها الفلتان زكريا وتروحو تسهرو ويا الغوازي وبنات الليل، فاكر بعد ما تعيش دنيتك في الحرام عتوافج تتچوزك !، أني لو منيها كنت عاعمل زيها وأكتر، لأن دي إسمها خيانة.

شعر بغليان دماءه في عروقه عندما واجهته بالحقيقة التي ينكرها دائماً، فأراد أن يقلب دفة الحديث عليها، قال:
_ ومين جالك إن حبيب الجلب ماكنش عايش حياته ويا الخواچات هناك في البلد الي كان فيها!، معجول عيشوف حريم من غير خلچات وخمر كيف الرز و ما عيغلطش!، ملاك نازل من السما إياك .

نظرت له بتحدي وقالت بثقة تُحسد عليها:
_ فارس ما عيملش إكده واصل، خابر ليه؟، لأنه راچل و چدع وما يجبلش الحرام ولا يجرب له، وعارف ربنا وبيخافه، مش كيف واحد كان عايش وغرجان في الحرام.
أمسك برسغها يعنفها قائلاً:
_ أسمعي يابت أنتي، لو سمعتك تچيبي سيرته تاني علي لسانك، عخليكي تحصليه ولا يهمني حد واصل.

أستشفت من كلماته إنه بالفعل ينوي التخلص منه، أتسعت عينيها بخوف، كاد يذهب من الغرفة فأوقفته:
_ رافع؟.

ألتفت إليها قائلاً:
_ أي؟.
أقتربت منه وتنظر له بتوسل ورجاء تثنيه عن ما ينوي عليه من شر نحو فارس، أمسكت يده وبترجي قالت :
_ لو ليا عنديك خاطر أبوس يدك هملو لحاله، ماتچيش چمبه، كفايه المصيبة الي واجع فيها، غير موت عمي الي ملحجش ياخد عزاه.

ظل صامتاً يحدق في داخل عينيها ويري صورة ألد أعدائه، ومدي خوفها وحبها له، قال لها:
_ موافج.

تنفست الصعداء ولكنه أكمل قائلاً:
_ بشرط تنسيه واصل.
1

رمقته بصدمة وقالت:
_ كيف أنساه؟.

بسمة دهاء أعتلت شفتيه ولم تصل لعينيه، أجاب:
_ تنسي خطوبتك منيه.

أرادت أن تساير طلبه المجنون هذا، فهو أكثر الأشخاص يعلم بمدي حبها إلي فارس قلبها، فكيف يطالبها بنسيانه!.

_ أني موافجة.

_ وعتثبيتي لي موافجتك دي بالفعل مش بالجول، أني مش عيل صغير تتضحكي عليه.

خفق قلبها بخوف، فتساءلت:
_ وعايزني أثبتلك كيف يعني؟.

أمسك طرف ذقنها يرمقها بنظرة زادت من خوفها أكثر:
_ عاتعرفي لما تبدلي خلچاتك وتيچي وياي.
2

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ كيف يا عبد المچيد الي عتجوله ديه؟ .
قالها فارس بغضبٍ، فأجاب عليه محاميه قائلاً :
_ إهدي بس يا فارس بيه وأسمعني، دلوقتي أطلعت علي المحضر بالكامل مكتوب فيه ضبط شنطة المخدرات من أوضتك ومن تحت سريرك وكمية مش هينه، ده حوالي عشر كيلو كوكايين بودرة، يعني أقلها تأبيدة والمصيبة إن فيه تلاته من المساجين الي تهمتهم حيازة مخدرات شهدوا إنك بتاجر فيها وبيتعاملو معاك بقالهم أكتر من سنة، وعشان أقدر أطلعك من كل البلاوي دي أقلها شهر، ده غير المفروض إعلان الوراثة بتاع الحاج قاسم الله يرحمه وكونك وريثه.

زفر فارس وقال بصوت مختنق :
_ خد كل الفلوس بس خرچني من إهنه، ده أني ملحجتش أخد عزا أبوي، ملحجتش أبكي عليه.

حدجه بنظرة شفقة لايدري ماذا يفعل، قال:
_ وحد الله يا فارس يابني، دي إبتلاءات من ربك إستغفره وأدعي يفك كربك ونلاقي مخرج من القضية الصعبة دي.

ردد الإستغفار بصوت منخفض، و جلس علي أقرب كرسي له يزفر مابين كفيه.

_ عايز أعرف الي عيحوصل دلوق؟ .

أجاب الآخر بقلة حيلة:
_ دلوقت هاتفضل محبوس لحد ما تترحل علي النيابة، يعني حوالي عشرة ل 15 يوم.

_ نيابة!.
ردد الكلمة غير مصدق و زم شفتيه يشعر بالألم، ليس ألم جسدي بل نفسي معنوي، وكأن روحه تزهق من الشعور بالظلم وحزنه علي والده، الآن أصبح وحيداً شريداً، فماذا تخبئ له الأيام من مصائب جماً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ عاد من عمله بعد غياب يومين، فتوقف بسيارته أسفل بناء مسكنه الذي يقع في حي المعادي، نزل من السيارة يحمل أكياس مليئة بالطعام الجاهز والفاكهة، أستقبله حارس العقار بترحاب يحيه:
_ حمدالله علي السلامة يا أكرم باشا، هات عنك.
وحمل منه الأكياس، فأجاب الآخر:
_ تسلم يا عم خضر.

و ولج إلي داخل الفناء، سبقه الحارس وفتح له باب المصعد ليدلف بداخله وتبعه بالدخول معه قائلاً:
_ الحاجة كوثر عاملة أي، أمانة عليك سلملي عليها كتير.

أبتسم أكرم وقال:
_ الحمدلله بخير وبتسألني عليك ديماً.

_ الله يبارك لها ويديها الصحة والعافية يارب.

ربت أكرم عليه وقال:
_ الله يخليك، هات الحاجه بقي خلاص وصلت.

توقف المصعد فخرج كليهما، قال خضر:
_ عيب ياباشا. والله لهوصلهم لك لحد الشقه.

ضغط زر جرس منزله ثم وضع المفتاح وقام بفتح الباب، فقال له الحارس:
_ أي خدمات يا باشا؟ .

هم بأخذ الأكياس منه وقال:
_شكراً ياعم خضر.
وأخرج من جيب بنطاله مبلغ من المال و وضعه في جيب قميص الآخر:
_ حاجة بسيطة كده للأولاد.

أرتسمت سعادة عارمه علي ملامح الرجل البسيط، فهلل بفرح:
_ الله يباركلك ويعمر بيتك يارب، وأشوفك لواء أد الدنيا.

رحل الرجل، و دلف أكرم إلي الداخل، وضع الأكياس علي الطاولة الرخامية المطلة علي الردهة الشاسعة، يبحث عن زوجته وإبنته الصغيرة، فأخذ ينادي علي صغيرته:
_ لارا ، لارا.

ذهب إلي غرفتها و دخل فوجدها تغط في النوم ويبدو من ثيابها كانت مع والدتها بالخارج في مناسبة أو حفل زفاف، دثرها جيداً وقام بتقبيل وجنتها، ثم غادر الغرفة وذهب نحو غرفة النوم فوجدها تخرج من باب المرحاض المجاور للغرفة ترتدي معطف قطني، أنتفضت حين رأته ولكن تجاهلته وتابعت سيرها نحو غرفتهما، دلفت و وقفت أمام مرآة الزينة، أمسكت بفرشاة الشعر لتصفف خصلاتها الكستنائية.
تبعها و وقف خلفها محاوطاً خصرها ويضمها إلي صدره، ذقنه فوق كتفها، ينظر إليها عبر المرآة قائلاً بنبرة إشتياق ولهفة:
_ وحشاني أوي.

تركت الفرشاة علي الطاولة وأبعدت يديه بتأفف قائلة:
_ لو سمحت يا أكرم إبعد عني.

جز علي أسنانه يحاول أن لايغضب كعادته معها ويفسد محاولة إعتذاره لها، فقال:
_ والله كان غصب عني يا حبيبتي، كانت مهمة صعبة أوي ومينفعش نأجلها عشان دي تعليمات من الوزارة نفسها.

رمقته بإمتعاض وقالت:
_ وأيه الجديد! ، من ساعة ما أتجوزنا هو يا دوب أسبوع أجازة وقضيناه نستقبل فيه الي جاي يبارك و كنا لسه هنسافر نقضي الهني مون زي أي أتنين عرسان يجيلك تليفون من الشغل تقوم فاصل أجازتك وترميني باليومين والتلاته لوحدي من غير ما تتصل حتي تطمن عليا.

يبدو أن كلماتها لم ترق إليه فزفر بملل كالمعتاد، جلس علي طرف التخت وقال:
_ والله يابنت الناس أنا قبل ما أتجوزك وحكي لك ظروف شغلي وإن وقتي مش ملكي وأنتي عارفه ده من أيام الخطوبة، فملهاش لازمة أسطوانة كل مرة أرجع فيها من مهمة ولا مأمورية بدل ما تخففي عني تعب الشغل وأرفه، تزودي عليا هم أكتر، الواحد فيه الي مكفيه ومش ناقص أرف.

ألتفتت له وبصدمة صاحت:
_ أنا أرف يا أكرم! .

_ أستغفر الله العظيم، مش هنخلص.
قالها بصوت منخفض، ثم أردف بآخر مسموع:
_ ممكن أفهم دلوقتي أي سبب زعلك ولاويه بوزك عليا كأن قتلت لك قتيل؟.

أجابت بحدية:
_ فيه إن يا حضرة الرائد قايله لك ومأكده عليك علي خطوبة نرمين بنت عمتي من قبلها بشهر، وأتصل عليك من الصبح وقافل موبايلك والكل عمال يسألني فين جوزك.

_ والله أهلك عارفين طبيعة شغلي، مش جديد عليهم، و لعلمك أنا كلمت باباكي الصبح وباركت له وأعتذرت ليه إن مش جاي بسبب ظروفي والراجل أحترم وقدر ده.

_ أوك براحتك.
وأستدارت لتكمل تمشيط شعرها، فنهض وأقترب منها، أمسك من يدها الفرشاة وتركها علي طاولة الزينة، فعانقها بحنين وعشق يهمس علي عنقها ويقبله بشغف:
_ مش عايزك تزعلي مني أبداً ، أنا بعشقك أوي يا ندا.

رفع وجهه ليحدق بزرقاوتيه في عينيها ذات لون حبات القهوة، ثم أنزل بصره ليهم بإرتشاف قطرات العسل من شفتيها الوردية، لكن غضبها منه كان مسيطراً علي مشاعرها، قامت بدفعه في صدره وقالت بتأفف:
_ هو أنت مفيش عندك غير الموضوع ده تصالحني بيه كل ما تيجي تزعلني! .

تعالت أنفاسه بغضب، فصاح بصوت مرعب:
_ أنا أبقي إبن.... لو عبرتك تاني، و من هنا ورايح مش هاتشوفي مني غير معاملة زي الزفت.

أخذ دثار و وسادة وترك الغرفة، وهي جلست علي الكرسي أمام المرآة وأجهشت في البكاء.
4

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ وصل بسيارته الفارهة أمام مقر الشركة التي يعمل محامياً لدي صاحبها وليس هذا فقط بل هو صديقه وشاهد علي كل ما يقترفه، ترجل من سيارته ودلف إلي الداخل، يبتسم لكل الموظفين والموظفات كعادته، ولج إلي المصعد و ضغط علي الزر، وصل بعد عدة طوابق، وسار في رواق طويل ثم دلف غرفة كبيرة فأستقبلته تلك الحسناء ذات الشعر الأحمر الناري وعدسات لاصقة باللون السماء:
_ أهلاً وسهلاً يا صلاح بيه، عاش من شافك.
بادلها بإبتسامة ماكرة و أنحني إليها يتفوه بنبرة لعوب:
_ أي؟ ، وحشتك يا ماجي؟.

ضحكت بدلال سافر وقالت:
_ الي يسمعك وأنت بتقولي أنك وحشتني، يفتكرني واحدة من عشيقاتك.

مد يده بخفة ممسكاً بإحدي خصلاتها وقال:
_ وافقي بس وأنا هعيشك معايا أجمل أيام حياتك.

_ ما لسه بدري يا متر!.
صاح بها صديقه بعد أن فتح باب مكتبه الداخلي، أبتعد صلاح عنها وأبتسم له قائلاً :
_ ديماً بتيجي في الوقت الغلط.

رمقه الآخر بنظرة تحذيرية بدون أن يتفوه، فقال صلاح قبل أن يذهب إليه:
_ عن إذنك يا My Love.
وغمز بعينه إليها و دلف إلي الداخل، فوجده ينتظره بملامج متجهمة قائلاً :
_ لآخر مرة بحذرك ياصلاح، حركاتك السخيفة دي أنت حر تعملها برة الشركه لكن جوه الشركة لاء.

جلس في الكرسي المقابل له وأجاب بتهكم :
_ أوامرك دي تروح تقولها لواحدة من خاضعاتك يا سليم باشا.

ضرب سليم سطح المكتب بقبضته:
_ أنا مش بهزر ياصلاح.

أجاب الآخر بصياح أيضاً :
_ ولا أنا كمان بهزر ياسليم.

تمالك سليم أعصابه وتظاهر بالبرود فهو يعلم صديقه جيداً ، يستمتع بإثارة غضب الآخرين خاصة هو.
فقال بهدوء مضاد ما بداخله:
_ عملت الي قولتلك عليه؟ .

وقبل أن يجيب عليه، تناول علبة السيجار المصنوعة من خشب الأبنوس ومرصعة بالأحجار الكريمة، قام بفتحها وألتقط منها واحدة وأشعلها، يسحب نفساً عميقاً ثم زفره لأعلي في الهواء:
_ عايزك بس طول ما أنت قاعد تشكر ربنا إنه رزقك بصاحب ومحامي زيي، يقدر يجبلك أي معلومة عن أي مخلوق حتي لو كان عايش في قلب المحيط.

زفر بنفاذ صبر وقال:
_ إنجز ياصلاح.

أخرج من جيب سترته علبة مخملية وقدمها إليه، رمقه الآخر بإستفهام، فأخبره:
_ أفتحها وهاتعرف.

قام بأخذها من يدها وفتحها فنظر لما تحتوي قائلاً :
_ للدرجدي الجربوع ده عامل لي فلاشه! .

قهقه صلاح وهو يزفر دخان السيجار:
_ الجربوع ده صاحب مصنع أكبر مخازن خردة في الصعيد وده الظاهر، إنما الي في الخفاء وعرفته بمصادري السرية، عنده مصنع في الجبل لإنتاج السلاح بس ده غير يملك حوالي فدان بيحول يزرعو كوكايين لكن الحكومة كل مرة تيحي تعمل كبسة علي الأرض وتحرقها ويخلي واحد من رجالته يقول إنه صاحبها ويشيل الليلة، يعني من الآخر أدامك خصم مش سهل.

_ ولما هو طلع شبح وجامد أوي كده، أي الي خلاه يسرق شحنة الكوكايين من المينا؟ .

رفع كتفيه دليلاً علي عدم معرفته:
_ السؤال ده بقي تسأله ليه، بس بعد ما تعزيه في عمه العمدة الي مات.
زفر بأريحية ثم دفس السيجار في المنفضة، نهض وقال:
_ دلوقتي مهمتي أنتهت، أسيبك أنا عشان عندي ميعاد مهم مع عميلة أهم.
و أنهي جملته بغمزة من عينه، عادة ملازمة له.

وبعد مغادرته، فتح سليم حاسوبه الخاص وأدخل الجهاز الألكتروني في الفتحة الخاصة به، أرتدي نظارة طبية وبدأ في تصفح المعلومات ليجد في أول صفحة صورة لرجل ذو ملامح صارمة برغم وسامته، بشرته تميل إلي قليل من السمرة وعينين حادتين يعلوها حاجبان كثيفان، وأنف مستقيم حاد كصحابه، يمتلك شارب ولحية مشذبان وخصلات شعرها سوداء كثيفه.
بجوار الصورة مدون:
_ رافع خميس القناوي.
_ ٣٣سنة.
_ حاصل علي شهادة الإعدادية.
_ متزوج من إبنة خالته وليس لديه أبناء.
_ مقيم في محافظة قنا بنجع الشيخ نور الدين.
أخذ يقرأ بقية المعلومات و وجدها كما أخبره صديقه، وظل يكمل قراءة باقي الصفحات حتي توقف لدي صورة فتاة محجبة ذات بشرة حنطية و وجه ملائكي مستدير وعينيها بللون الذهب، ملامحها المنمقة تجعل كل من يراها يقع أسير سحر جمالها برغم بساطته، وما زادها جاذبية ذلك الحجاب الذي يخفي خصلاتها، مما أثار فضوله علي معرفة كيف يكون شكلها بدون هذا الوشاح.

ذهب ببصره نحو المعلومات المدونة بجوار الصورة.
_ زينب خميس القناوي.
_ ٢٦ سنة.
_ خريجة نظم وحاسبات.
_ تعمل في مركز تكنولوجيا المعلومات التابع لمحافظة قنا.
_ مخطوبة لإبن عمها فارس قاسم القناوي.
6

ظل يقرأ تلك الجملة ويرددها مراراً وتكراراً، ونظرات عينيه الحادة مليئة بالغموض.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ كيفك يا ست الحسن رچعتي في إتفاجك إياك؟ .
قالها رافع بسخرية، فألقت نظرة علي واجهة المخفر ثم نظرت إلي شقيقها بتوسل قائلة:
_ أنا أفديه بعمري كله، لكن الي عتطلبه مني وكأنك بتعطيني سكينة وتجولي أدبحي نفسك.

رفع زواية فمه بسخرية وقال:
_ ما أنتي لو ما نفذتيشي الي جولتلك عليه بالحرف الواحد، عيكون هو الدبيحة يا جلب أخوكي.

_ حسبي الله ونعم الوكيل.

قالتها بقهر وألم وهي تكتم عبراتها، أخرج من جيب جلبابه سلاحاً نارياً وأشهره في وجهها قائلاً:
_ كلمة كمان وعفرغ رصاص الفيرفر ده في دماغك، جومي فزي وأنزلي، خلينا نُخلصو بدل ما عخلصلك عليه.

أذعنت لأمره القاتل، فترجلت من السيارة و ولجت إلي داخل المخفر برفقة هذا الشيطان.

وبعد أن أخبرو مأمور المخفر بمقابلة فارس لأمر هام، ذهب العسكري لجلبه من الزنزانة، بينما هي تجلس أمام المكتب تنظر إلي خاتم الخطبة المحاوط بنصرها في يدها اليمني، تتأمله لآخر مرة قبل أن تقترف ما أمرها به شقيقها بتهديد.

دلف العسكري أولاً وقدم التحية إلي المأمور وقال:
_ تمام يافندم.
ثم ذهب بعد إشارة من الآخر، و دخل فارس ليتفاجئ بمن ينتظرانه، فكان رافع يرمقه بإبتسامة نصر وكأنه يخبره بكل وقاحة إنه المسئول الأول عن ما يحدث معه، لكنه توقف فجاءة في مكانه عندما رآها ورفعت وجهها لتنظر له بعينيها الذابلتين من كثرة البكاء، وكأنها شمس أصابها خسوف كلي جعلها معتمة فقدت بريقها الذهبي فأصبحت كظلام الليل الحالك.

_ طيب أستأذنكو ربع ساعة مش أكتر و ده عشان خاطرك يا رافع بيه.
قالها المأمور وهم بالذهاب، فأجاب رافع بإمتنان:
_ الله يباركلك يا حضرة المأمور، چميلك علي دماغي من فوج.

وبمجرد مغادرة المأمور أنحني نحو شقيقته يهمس إليها بصوت لايسمعه سواها:
_ أچمدي إكده وأعملي كيف ما جولتلك إلا وقسماً بالله ما عخليه يطلع عليه صبح واصل.

وبعدما أنتهي من همسه نظر إلي فارس الذي مازال واقفاً في مكانه يبدو علي مظهره التعب، ولحيته كبرت قليلاً مما جعلت ملامحه أكثر بؤساً.

_ كيفك يا باشمهندس؟.
قالها رافع بسخرية، فرمقه الآخر بإمتعاض وقليل من الإزدراء قائلاً بتهكم:
_ كيف ما أنت شايف بعينيك، ولد حرام حب يتخلص مني راح لفج لي تهمة إن بتاچر في المخدرات، لكن جريب جوي عظهر براءتي و عخرچ لأچل أطلع روحه في يدي.

قهقه رافع بإستهزاء وقال:
_ وأني أوعدك أول ما عتلاجيه عطخوهولك عيارين، واحد في جلبه والتاني في راسه.

رمقه فارس بسخط بعدما تفهم مغذي كلماته فقال له:
_ متشكرين يا واد عمي، خلي سلاحك يمكن ينفعك وجت زنجة.

وقف الآخر أمامه يحدجه بتحدي وبنبرة أقرب إلي تهديد:
_ ماتخافش يا أبو الفوارس، عيندي سلاح وذخيرة يجضو علي بلد بحالها.

زفر فارس في وجهه وقال:
_ مش ناوي تجولي أي سبب زيارتك؟.

نظر رافع نحو شقيقته ثم إلي فارس وقال:
_ زينب الي چايه لك، رايده تتحدت وياك في موضوع مهم جوي، صوح يا بت أبوي؟.

لم ترد بل كانت عينيها معلقة بمن تهواه، فصاح بها أخيها:
_ زينب؟.

ألتفتت له بذعر فأردف وهو ينظر إليها بتحذير:
_ أني خارچ برة عستناكي، ما تتأخريش.
نهض وظل ينظر إلي فارس لثوان ثم قال:
_ مع السلامة يا ولد قاسم القناوي.

غادر ولم يأبه فارس إلي كلماته قدر ما بداخله من مئات الأسئلة، يريد أن يلقيها علي التي تنظر له بصمت، ألقي بكل هذا خلف ظهره ولم يتمني سوي شئ واحد، أقترب منها فنهضت تتمني الهروب من تلك اللحظة المقبلة، لكنه أوقفها بإمساكها من ساعديها وسألها بصوته الحاني كعادته عندما يتحدث معها:
_ علي فين يا جلب فارس؟.

وفي تلك اللحظة لم تستطع التمسك أكثر من ذلك فأرتمت علي صدره وتشبثت في جذعه وأخذت تبكي، رفع وجهها وحاوطه بين كفيه، ينظر لعينيها الباكيتين:
_ كفياكي بُكي أبوس يدك، السچن عيندي أهون مليون مرة عن أني أشوف دموعك.

تفوهت بصوت مبحوح من البكاء:
_ مجدراشي، لو كان بيدي كنت خطفتك من إهنيه وهروبت أني وأنت علي أي مطرح.

أحتضنها بقوة وقال:
_ خابر يا جلبي، وخابر كمان الي عايزه تجوليه وما جدراشي تنطجيه.
1

أبتعدت عن صدره و خدجته بصدمة، فأردف وهو يمسح عبراتها بإبهاميه:
_ إسمعي كلام أخوكي هو رايد مصلحتك، دلوق كيف ما أنتي خابره الله أعلم عيُحصل أي معاي، المحامي جالي الجضية واعرة وكلها كام يوم ويرحلوني علي النيابة، ومن هناك علي المحكمه، وحكم بالسچن لسنين ربي الي عالم كيف عتمر عليا لحد ما أظهر براءتي، فأني الي بجولهالك يا زينب، شوفي حالك يا بت عمي بعيد عني.
1

أتسعت عينيها لم تصدق ما يقوله:
_ أنت خابر بتجول أي؟.

أومأ لها وأعتصر عينيه بألم وقلبه ينزف بحور من الدماء، يشعر بروحه وهي معلقه في حلقه عندما قال لها ذلك.

_ خابر ومش بيدي، ملكيش ذنب تبجي علي ذمة واحد في نظر الجانون والناس مچرم و يا عالم هجضي كم سنة في السچن.

صاحت به:
_ وأني راضية وعستناك حتي لو عيحكمو عليك العمر كله في السچن، أني ماريداشي غيرك يا واد عمي، أنا عيوني فتحت عليك، ما عرفتش يعني أي حب غير علي يدك، كيف بتطلب مني أباعد عنيك!.

كلماتها كانت كالسياط الذي يهوي علي قلبه، يشعر وكأنه وقع بين شقي الرحي، الأول السجن الذي لايعلم إلي متي سيستمر وكيف يظهر براءته، والآخر هو لايريد أن ينال الأذي محبوبته، فهو يعلم جيداً ماذا يفعل معها شقيقها من المؤكد يضغط عليها بكل السبل لتركه، فمنذ البداية غير راضياً عن خطبتهما وطالما قرأ هذا في عينيه التي تمقته وتكرهه بشدة.

أخذ يربت عليها بحنان لتهدأ وتكف عن البكاء، فقال لها بنبرة عاشق متيم الموت له هين عن البعد عن التي تسكن قلبه وروحه:
_ وأني كمان ما عرفتش الحب غير علي يدك، جلبي مدجش غير ليكي، لما ببص في عيونك ببجي رايد أخبيكي چوه حضني عن عيون الناس، بعشجك يا زينب وعاشج كل حاچة فيكي ومنِكي، حتي النفس الي عتتنفسيه بعشجه، خابره أنا نفسي في أي دلوق يا جلبي؟.

أزدرد ريقه وهو يحدق في شفتيها التي ترتجف من البكاء، رفع عينيه لينظر بداخل ذهبيتيها، فأدركت مايريده، أمسكت بيده و وضعتها علي وجنتها تمسدها في كفه وأخذت تقبل باطنه، ترمقه بدعوة إلي تحقيق أمنيته حتي لو كانت تخالف مبدأها فطالما كانت تقول له دائماً إنها ليست خطيبته فقط بل زوجته أمام الله.
تعالت أنفاسه وهو يميل بوجهه وشفاه تقترب نحو خاصتها، وأخذهما في قبلة عميقة كانت الأولي لهما فأخبره قلبه ربما تكون الأخيرة، فأحتضنها بقوة وكأنه يريد أن يدخلها بين ضلوعه، وما زال يقبلها بنهم وكأنها قُبلة المحياه التي ستجعله قادراً علي مواجهة الصعاب والشدائد.
بينما هي كانت غارقة في محيط عشقه، توقف الزمان لديها في تلك اللحظة، وحين تذكرت إتفاق شقيقها وهو البعد عنه أم قتله، أنتفضت وأبتعدت تلتقط أنفاسها.
3

رمقها بإعتذار وصدره يعلو ويهبط:
_ آسف يا زينب، غصب عني ماجدرتش أ....

قاطعته بوضع سبابتها علي شفتيه:
_ ما تعتذرش يا فارس، أني الي آسفه.

نظرت نحو خاتم الخطبة في بنصرها، فأنسدلت من عينها دمعة سقطت فوق الخاتم، تقوم بخلعه ببطئ وكأنها تنزع قلبها.
قالت بصوت مختنق:
_ عمري ما خلعته من وجت خطوبتنا، عمري ما تخيلت يچي الوجت الي عخلعه غصب عني.

_ اللي بينتنا يا زينب مش مچرد خاتم، الي بيني وبينك أكبر من إكده، الي كيف أخوكي ما عيفهمه ولا خابرو، و عايزك تعرفي عمري ما عنساكي واصل مهما حوصل لأنك أهنيه.
أشار نحو قلبه وأردف مشيراً مرة أخري نحو رأسه:
_ وإهنه.

قاطعهم طرق علي الباب يليه دخول المأمور ومعه رافع، فكان ينظر إليهما بتفحص حتي زفر بأريحية عندما رأي إصبعها خالي من الخاتم، و عينيها المنتفخة من البكاء أكبر دليل إنها نفذت مطلبه.

قاطع أفكاره المأمور قائلاً:
_ أي خدمات يا رافع بيه؟.

أجاب الآخر وهو ينظر إلي فارس بتشفي:
_ مُتشكر ياحضرة المأمور ما نچيلكش في حاچة عفشه واصل، يلا يا زينب.

هم بالمغادرة وتتبعه وعينيها لاتبرح عيون فارسها الذي كان يرمقها بنظرات بل بآلاف الكلمات لايفهمها سواهما.

صاح المأمور منادياً:
_ يا عسكري طُلبه.

دلف وقال:
_ أمرك يا باشا.

_ خد فارس ورجعه الزنزانه.

خرج فارس مع العسكري وكان إتجاه سيره عكس إتجاه سير زينب الممسك بزراعها رافع ويدفعها بعنف عندما رأي تنظر خلفها، قائلاً:
_ بُصي قدامك.
وقبل أن تنعطف ألقت نظرة أخيرة عليه وهو يختفي في نهاية الرواق، فجذبها رافع بقوة من رسغها إلي الخارج.
_ يجلس الأطفال في حلقة بداخل المسجد يستمعون إلي صوته العذب، يلقي عليهم إحدي الدروس الدينية وتفسير بعض الآيات:
_ و في سورة المسد عنعرف كيف كان أبو لهب راچل ظالم لنفسه وغيره، كان بيأذي الرسول صل الله عليه وسلم بالجول والفعل برغم إنه كان من سادات جوم قريش وعنديه ماله وتچارته لكن جلبه مليان سواد وغل حتي مارته كانت بتروح في كل مكان بيمشي فيه سيدنا محمد وترمي شوك لأچل يأذيه....

توقف عن الحديث عندما رأي تلك المُنتقبة تقف أمام باب المسجد وتشير إليه، فأغلق كتاب التفسير الذي يحمله و وضعه جانباً:
_ دجيجة وراچع، ما تتحركوش.

وذهب ليري ماذا تريد، وقف أمامها يتحاشي النظر لعينيها ذات اللون الرمادي المختلط باللون السماء ليصنع خليطاً جعل عينيها ساحرتين، وهو كعادته يغض بصره حتي لو كانت التي أمامه منتقبة، فهو يخشي ربه ويسير علي منهج والده الشيخ واصف إمام المسجد، يشبهه كثيراً في أخلاقه الحسنة التي تربي عليها منذ الصغر.

_ آسفة يا سيدنا الشيخ جطعت عليك الحديت.
قالتها الفتاة بصوتها الفاتن، تحمحم وأجاب:
_ أولاً أني ولا سيدنا ولاشيخ عاد، إسمي بكر، وأني أهنيه كيف ما شوفتي بحفظ قرآن للولاد وبعطيهم تفسير وفقه علي قد سنهم، تؤمريني بأي حاچة؟ .

كانت تتأمل ملامحه التي جذبتها، كثيراً ما سمعت من بنات خالها عن أخلاقه وعن ملامحه الرجولية الوسيمة، يمتلك بشرة تميل إلي السُمرة قليلاً وعينيه بني قاتم يعلوها حاجبان كثيفان، لديه لحية وشارب خفيفان، وخصلات شعره سوداء كما هو سائد ومتوارث في رجال عائلته.
قاطع شرودها الذي لاحظه:
_ يا آنسه؟.

أجابت بتوتر:
_ معلش.
_ ولا يهمك، مجولتيش حضرتك عايزة أي؟ .

ردت بصوتها الذي تخلل أذنه وكأنه سيمفونية حالمة:
_ كنت چاية أخد عمر عبد الحق.

_ تجربي له أي؟، ماتضيجيش مني يعني أصل أبوه هو الي بيچي ياخده، وأني أول مره أشوفك.

أجابت بخفوت:
_ أبجي له بنت خاله.

أستدار بكر وقام بمناداة الصغير:
_ عمر؟، تعالي أهنيه.

نهض الصغير وركض إليه، وحين رآي إبنة عمته تهللت أساريره قائلاً :
_ شوفتي يا قمر، عمي بكر عطاني ملبس عشان سمعت سورة البينة الي جعدتي تحفظهالي.

ربتت عليه وقالت:
_ شاطر يا عمر.

نظرت إلي بكر الذي مازال ينظر إلي أسفل:
_ شكراً يا أستاذ بكر.

_ الشكر لله، دي حاچة بسيطه يكفي الثواب الي عكسبه لما يحفظو حرف من القرآن.

_ چزاك الله كل خير، عن إذنك ممكن يروح معاي.
_ طبعاً أتفضلو.

أمسكت بيد الصغير:
_ يلا يا عمر.

ذهبت تاركة إياه في حالة لم يشعر بها من قبل، لايعلم ما هذه الهالة الغريبة التي تحاوطها، وكأنه سحر يجذبه نحوها، توقف عن التفكير بها وأخذ يستغفر ربه، وعاد إلي إلقاء الدرس علي الصغار.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ وجف إهنه.
قالتها زينب إلي شقيقها فأوقف السيارة.
_ رايحه فين؟ .

أجابت وهي تشير من النافذة:
_ عاروح لفاطمة بت عمتك چليلة.
أنتبهت حواسه جميعا حينما سمع إسمها فقال:
_ كيفها فاطمة؟ .

أجابته بإقتضاب:
_ زينه.

أنتبه إلي لهفته المبالغ فيها فقال:
_ جصدي عيزاكي في أي؟ .

أجابت متحاشية النظر إليه:
_ ما عرفاش.

زفر بحنق يعلم إنها ترواغه فقال:
_ طويب أنزلي وأني عستناكي أهنيه.

_ ليه يعني، عيله صغيره إياك! .

أجاب بحده:
_ من أهنيه ورايح رچلي علي رچلك فين ما تروحي، وبعدين ملكيش صالح همي يلا وأبجي سلميلي عليهم.

ترجلت من السيارة، و وصلت أمام منزل عمتها، ضغطت علي الجرس وبعد ثوان أنفتح الباب، فظهرت لها صديقة دربها والأقرب لها في تلك العائلة بعد عمها وفارس، بسمة أعتلت محياها ذو البشرة الخمرية، تُزين وجنتها اليمني شامة صغيرة، تفوهت بشفتيها الممتلئة:
_ عاش من شافك يا بت خالي.

أخذتها زينب بالعناق وقالت:
_ أتوحشتك جوي يا فاطمة.

بادلتها الأخري العناق بتعجب فهي تعلم زينب عندما يملأ قلبها الحزن والهم ويبدو من نبرة صوتها كانت تبكي كثيراً.
_ كيفك يا زينب عتبكي ليه؟ .

_ ماجدراشي يا فاطمة، أني بموت.

ربتت عليها وقالت:
_ أدخلي چوة أوضتي.
تركتها الأخري و ولجت إلي الداخل، فكادت فاطمه تغلق بوابة الدار، توقفت عندما تلاقت سواديتيها بخاصته الحادة، يرمقها بدون تعابير تدل علي مايشعر به من شوق ولهفة، بادلته بنظرة إزدراء و صفقت البوابة في وجهه.

أراد أن يذهب إليها ويحطم رأسها لكنه يعلم إذا وقف أمامها لايضمن نفسه ماذا سيفعل، لذا يتجنب رؤيتها أو اللقاء بها، حتي زيارته إلي عمته توقف عنها منذ أكثر من عامين.

_ و في غرفة فاطمة، تجلس زينب علي الأريكة الخشبية ويعلوها وسائد من القطن، دلفت فاطمة إليها تحمل كأس عصير.
_ خدي عصير الليمون دي، عيخليكي تروجي إكده وتبجي مليحة.

_ بالله عليكي يا فاطمة ما جدراش أشرب حاچة واصل.

رمقتها بقلق وقالت:
_ حوصل وياكي أي عاد؟.

أجابت الأخري وهي تجفف عبراتها:
_ مخابرشي الي حوصل بعد وفاة خالك قاسم الله يرحمه؟.

نظرت بعدم فهم وسألت:
_ ما أنتي خابراني أنا في حالي أهنيه ومليش صالح بحاچة.

هدأت قليلاً وقالت:
_ فارس في السچن.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ تنظر بشرود في شاشة الحاسوب بعد أن أرسلت له إعتذاراً وتخشي إنه يقابله بالرفض فهي تعلم طباعه جيداً، العند سيد خصاله التي تعاني منها، فبرغم حبه وعشقه لها منذ الطفولة، لم تكن زوجته فقط بل كانت إبنة الجيران التي تربت أمام عينيه، كان شاهداً علي كل لحظة سواء كانت سعيدة أو حزينة مرت بها ما عدا أمرٍ واحد فقط لايعلمه إحداً سواها.

_ ندا؟ ، يا ندا؟ .
كان صوت صديقتها في العمل، أنتبهت لها فأجابت:
_ نعم يا مروة، معلش كنت سرحانة شوية.

_ سرحانة ومش دريانه بالدنيا المقلوبه في الشركة.

أستدارت إليها بإنتباه وقالت:
_ أي الي حصل؟ .

نهضت الأخري وجذبت مقعدها بجوارها، وتلفتت يميناً ويساراً حتي تتأكد من عدم سماع إحدهم لها، فقالت بصوت خافت:
_ جه قرار فوري بنقل مستر ناجي و جه واحد بداله بيقولو عليه ألعن منه، كلامه كله أوامر وإنف ومغرور كده في نفسه، و كل الحاجات دي بس مز إبن اللذينه آه لو طلع سنجل ده يبقي من حظي.

ضحكت ندا وقالت:
_ عندك ست وعشرين سنه بس عقلك وتفكيرك مخرجوش من مرحلة المراهقة.

تنهدت مروة و هي تسند وجنتها علي يدها:
_ هو فيه أجمل من المراهقة والجنان، قوليلي ياختي عملك أي العقل والنضوج، أتجوزتي الي بتحبيه وكل يومين في خناق، الله يكون في عون لارا بنتكو البت زمانها جالها عقدة نفسية من جنانك أنتي وسيادة الرائد جوزك.

صاحت بتحذير:
_ مروة، يلا خدي الكرسي بتاعك وعلي مكتبك وسبيني أخلص من الهم الي المفروض أسلمه بكره ولسه مخلصتش، وأهو مستر ناجي مشي والله أعلم بالي جه جديد ده هيعمل فيا أي.

دلف زميلهم وهو يلتقط أنفاسه:
_ الله عليكو عملين ترغو ولا علي بالكو.

قالت مروة:
_ عارفين يا أخويا بالبعبع الجديد الي جه مكان مستر ناجي.

_ طيب جهزو نفسكو بقي عشان لسه باعت إيميلات لينا كلنا بإن فيه إجتماع بعد نص ساعة، يعني الي عنده حسابات وتقفيل وأي حاجه مخلصتش ياريت يخلصها عشان هيقدمها له علي الملأ.

تأففت ندا وقالت:
_ هي كانت نقصاه هي كمان، ده أي الأرف ده.

وبعد قليل، بداخل قاعة إجتماع الموظفين، يقف الجميع وكل منهم يمسك بملفات ورقية، ينتظرون هذا الذي يتحدثون عنه منذ الصباح، والكل يترقب كيف سيكون معهم.

ها هو قد وصل وخلفه سكرتيرته الخاصة علي يمينه وعلي يساره المدير التنفيذي للشركة، ساد الصمت القاعة، وقف يحدق في وجوههم وكأنه يبحث عن شخص ما، وبدون أن يبدأ بتعريف نفسه إليهم سألهم:
_ أنا مش بعت للكل إن عندنا إجتماع؟.
3

قالت مروة بهمس:
_ يخرب عقلك يا ندا شكله هينفوخك من أولها.

تحدثت إحداهن:
_ أستاذة ندا في مكتبها وزمانها جاية يافندم.

تنهد بأريحية و ينظر نحو الباب بتوعد قائلاً:
_ خمس دقايق وهنبدأ الميتينج ولو ماجتش قو......

قاطعه دخولها وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة تقول وهي تمسك بالملفات التي بيدها وترتبهم:
_ معلش يافندم حصل عطل في الأسانسير وأتضريت أطلع السلم.

رفعت عينيها لتقابل عينيه، يحدجها بإبتسامة تخبرها بكل ما هو قادم وستواجهه الأيام المقبلة، تقف كالصنم لا تتحرك إنشاً و وقع كل ما في يديها عندما تحدث قائلاً:
_ أحب أعرفكو بنفسي أنا علي عبدالعزيز الحُسيني.
4

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ يعلو مكتبه لافتة من الخشب محفور عليها بالخط الذهبي « الرائد/ أكرم محمد عمران»
، يجلس شارداً يمسك بالقلم ويرسم دوائر مفرغة بداخل بعضها البعض و دون بداخلها (سليم العقبي).

دوي صوت تنبيه رسالة واردة في هاتفه، أمسك به وضغط علي الزر الجانبي فوجد محتوي الرسالة يتوسط الشاشة
( أكرم حبيبي أنا آسفة... كنت تعبانة إمبارح و محستش بنفسي وأنا منفعله عليك... أنا بحبك أوي ومقدرش علي زعلك... هستناك علي العشا بالليل هعملك الكوردن بلو والسيزر سلاد الي بتحبهم والحلو تشيز كيك بالكريز... بحبك أوي)
وأسفل الرسالة صورة مرفقة لها وهي ترسل له قبلة في الهواء.

أبتسم بسخرية وقال في نفسه :
_ لاء يا ندا، مش أنا العبيط الي يتضحك عليه بالأكل، لازم أعلمك قبل ما تنطقي أي كلمة تفكري فيها ألف مرة.

طرق علي الباب، فقال:
_ أتفضل.

دلف العامل يحمل صينية مستديرة يعلوها فنجان قهوة وكوب ماء، وضعها فوق المكتب قائلاً:
_ أتفضل يا أكرم باشا.
_ تسلم يا عم جادالله.

_ العفو يا باشا، آه صح قبل ما أنسي طارق باشا عايز حضرتك تعدي عليه قبل ما تمشي، أي أوامر يا باشا.

_ شكراً يا عم جادالله، أتفضل أنت.

_ وبعدما أنتهي من إرتشاف قهوته، ترك القدح علي المكتب ونهض، يمسك بسلاحه يضعه في جراب جلدي متعلق بحزام يلتف علي زراعه أسفل سترته.
غادر الغرفة متجهاً إلي غرفة معلق علي بابها « المقدم /طارق المنسي»، طرق الباب ثم ولج إلي الداخل، فوجده بإنتظاره:
_ أتفضل يا سيادة الرائد.

جلس أمام مكتبه بجدية وقال:
_ بلغني إن حضرتك كنت عايزني.

أمسك بملف ورقي قائلاً :
_ عايزك في موضوع مش عارف يمكن ليه علاقة بسليم العقبي.

أعتدل في جلسته ينظر إلي الملف الذي قام المقدم طارق بفتحه علي صور فوتوغرافية لجثة مجهولة مشوهة بشكل لا تتحمل النظر إليه، حدق أكرم في الصور ب ردة فعل طبيعية فهو معتاد علي تلك الجرائم البشعة.
فقال ويتفحص تشوهات الجثة بالصورة:
_ واضح جداً إن القاتل مستخدم أدوات جراحية لسلخ الضحية ومن شكل وش الجثة برغم التشوهات الفظيعة فيها كأنه بيصرخ ده دليل إنه كان بيتسلخ وهو حي، هي الجثة متحفظ عليها في أنهي مشرحة؟.

أجاب الآخر بنظرات إستفهام وقال:
_ مش هينفع تروح.

_ ليه يعني؟ .

_ عشان التحقيق في القضية دي إختصاص ياسر مدكور.

تجهم وجه أكرم، فزفر بضيق وقال بتهكم:
_ وطبعاً هيأيد القضية ضد مجهول زي الخمس قضايا الي فاتو وكلهم كانو بنفس النمط جثة يا صاحبها مسلوخ وهو هي يا إما محروق يا إما بقايا جثة متحلله في حمض وكلهم سبحان الله الي قتلهم مجهول.

_ أهدي يا أكرم ومتخلنيش أندم إني قولتلك علي حاجة، و عايزك تاخد بالك ومتخبطش في ياسر علي الأقل عشان تلحق الترقية الجديده ومتلاقيش الي يقف لك فيها.

تنهد وأخذ يستغفر ربه، وقال:
_ يعني عاجبك الي بيحصل؟.

_ لاء مش عاجبني أومال أنا ببلغك بأي جديد ليه، أنا عايزك تهدي وتفكر بالعقل وبلاش التهور الي يودي في داهية، أنا وأنت عارفين كويس إن ياسر ليه ناس تقال أوي في وسط رجال الأعمال والسياسة ليهم كلمة في الداخلية، وياما جرايم حصلت وهو كان مكلف بالقبض علي الجاني فيها وفجاءة نلاقيها يا أتقفل ملفها يا إما قيدت ضد مجهول ولا ناسي قضية الرحاب الي من تلات سنين بتاعت العيلة الي لاقوهم كلهم مقتولين وجثثهم متحلله وتم التعتيم عليها في الإعلام والصحف والمجلات، وأتقفل ملف التحقيق فيها.

_ و دي قضية تتنسي، لولا إنك حذرتني إن متكلمش وقتها كان زماني محطوط في الليسته السوده ويا عالم كنت زماني عايش ولا ميت.

مال طارق للأمام نحوه وقال:
_ الله ينور بصيرتك، فكل الي بطلبه منك أشتغل في سرية تامة و قبل كل ده قبل ما تمسك حاجة علي ياسر أحذر من الي حواليه وأولهم سليم العقبي.

ألتمعت عينيه بنظرات توعد وإنتقام قائلاً :
_ سليم العقبي ده بالذات ليه تخطيط تاني بس الصبر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ معجوله كل دي يوحصل لفارس واد خالي.
صاحت بها فاطمة بتعجب

أجابت زينب بحزن بالغ:
_ الدنيا كلتها چاية عليه يا فاطمة، حتي أني مارحمتهوش.

جلست بجوارها وربتت عليها:
_ ما تعمليش في نفسك إكده، هو خابر أنك مچبورة من أخوكي الله ينتجم منيه، من زمان وهو كاره فارس وكاره الدنيا حتي نفسه.

رمقتها زينب بتردد وقالت:
_ أخوي بجي جاسي جوي بعد ما رفضتيه قدامنا وجولتي له أني مش هاتچوز واحد مأمنشي علي نفسي وأني وياه.

نهضت فاطمة و وقفت بالقرب من النافذة تنظر إلي ثمار الذرة المتفرعة من الأعواد الخضراء:
_ أنتي معرفاش حاچة واصل يا زينب، أني أكتر واحدة فيكو خابره رافع زين يمكن أكتر من نفسه، جبل ما يجول خابره عبيفكر في أي.

وقفت زينب لتقف جوارها تنظر إليها بدهشة:
_ واه يا فاطمة، لما أنتي كيف ما بتجولي إكده ليه رفضتيه لما أتجدملك وليه لما بعدتي عنيه رافضة أي واحد غيره يطلب يدك.

ألتفتت لها وقالت:
_ برفض الي بيطلب يدي أحسن ما يچري له حاچة ولا ما يطلعش عليه نهار، وأني مش ناجصة أشيل ذنب حد واصل.

نظرت بإستفهام وحيرة:
_ تجصدي الي عيجتله يكون...

أومأت لها فاطمة وزواية فمها مرتفعه بشبه إبتسامة ساخرة:
_ أديكي عرفتي لما هددك بفارس لو مانفذتيش الي جالك عليه.

زفرت والقلق يساورها تخشي ما تفكر به فقالت:
_ الله يهديك يا أخوي ويعمي بصرك عن فارس.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ حل المساء علي نجع نور الدين، فعم السكون الذي يقاطعه أصوات الطبيعة كصوت صرصور الحقل المُزعج وبعض الضفادع التي تعيش بداخل الترع والمصارف.
وهنا في تلك المنطقة المتطرفة علي حدود النجع يوجد منزل قديم مبني من الطوب اللبن، يبدو من الخارج كبيوت الأشباح وهذا ما يريح صاحبه بأن ذلك لايجعله عرضه للصوص، بل البعض كان يطلق القصص الخرافية عنه ويقول إن هناك جن يمكث به ويقتل كل من يتجرأ الدخول إليه، لايعلم أحداً من أطلق هذه الإشاعة ومن يكون سواه! .

وصل بدراجته النارية أمام منزله الذي يشاهد كل لياليه الماجنة وسهراته المليئة بالفجور، كم من فتاه وامرأة جاءت برفقته هنا ليكن اللقاء المحرم يطلق فيه غريزته الحيوانية بدون رقيب أو رادع، لايعلم مهما تخفي بأفعاله عن أعين الخلق فأن هناك الخالق الذي لايغفل ولا ينام.

ركن الدراجة خلف شجرة عتيقة بجوار المنزل، أخرج مفتاحه الخاص وقام بفتح الباب و دخل فوجد الظلام يسود الأرجاء، بحث بيده عن زر الإضاءة ليكتشف إن التيار قد أنقطع، زفر بتأفف:
_ جطعو النور الله يحرجهم.

أخرج هاتفه وضغط علي علامة برنامج الإضاءة الموجودة به، فأضاءت له الردهة، ذهب إلي البراد ليأخذ زجاجة مياه باردة يروي بها ظمآه.
وبعد أن أرتشف أنقطع ضوء هاتفه ليعلن عن إتصال هاتفي وارد، أمسك به وأجاب بسعادة:
_ كيفك يا جمر الليالي؟ .
_ فينك يا زكريا مختفي ليه كل ده؟ .
_ حبة ظروف إكده، عبجي أجولك لما أشوفك.
_ أنا عندي حفلة في الأقصر بكره أي رأيك تقابلني هناك وأهو نقضي الهني مون الي نفضتلي عليه.
أبعد الهاتف قليلاً ليتمتم بتهكم:
_ هني مون الله يرحم أبوكي.
_ ألو؟ .
عاد ليتحدث:
_أيوه يا جلبي وياكي، كنا بنجول أي؟ .
_ بنقول نعوض شهر العسل يا عينيا ولا عامل نفسك من بنها؟ .

أجاب بسخرية:
_ لع وأنتي الصادجه عامل نفسي من قنا، وبطلي شغل الغوازي دي عاد، أحسن عجلب عليكي يا سمر وربنا لا يوريكي شر جلبتي.

أطلقت ضحكة رقيعة وقالت بتهديد و وعيد:
_ نعم يا روحي! ، الظاهر نسيت أنا مين يا زكريا، لاء فوء يا حبيبي وأتكلم معايا عِدل، ده أنا سمر والدلع سماره الي تجيبك من آخر الدنيا بإشارة، وربنا لايوريك أنت كيد العوالم يا عينيا.

تراجع في حديثه معاها فأصبح ليناً، يتجنب لسانها الحاد:
_ أباه عليكي يا سمورتي، هو الواحد ما عيعرف يهزر حداكي واصل؟ .

_ أيوه كده إتعدل، وأرجع زيكو حبيبي الي بموت فيه وفي كلامه الي دوبني في هواه من أول نظرة.

_ صبرك علي لما عچيلك، عخليكي تدوبي كيف الآيس كريم.

أطلقت ضحكة مغناج وبدلال مبالغ قالت:
_ تعالي أنت بس وأنا هخليك تعيش ليالي شهريار ولا هارون الرشيد في زمانه، يلا أسيبك دلوقت عشان يا دوب ألحق أوضب شنطتي، مع السلامة يا روحي أنا.

_ سلام يا أم عود كيف الكامنچا.

أغلق المكالمة، وعاد التيار الكهربي وكاد يهلل بفرح لكن أنتفض بفزع عندما رأي التي تخرج أمامه من الغرفة.
_ ورد! ، كيف دخلتي أهنيه؟.

أجابت وهي تخرج المفتاح من طيات ثيابها:
_ بده يا سي زيكو، مش ده برضك دلعك الي بتنادم عليك بيه الغازيّة!.
1

أجاب عليها بضيق يرمقها بنظرة حادة:
_ ملكيش صالح، وما تچيبيش سيرتها علي لسانك.

أقتربت منه و وضعت يديها في خصرها، بتهكم قالت:
_ مانشبهاش إياك!، ولا عشان هي بترجص من غير خلچات قدام الرچالة!.

أثارت كلماتها غضبه، فأمسكها من عضدها وصاح بها:
_ إسمعي يا بت أنتي، كلمة كمان وعكلم دبيكي يچي يخلص عليكي.

أنبلج علي ملامحها الخوف فقالت بتوسل:
_ لا والنبي ياسي زكريا، حجك علي.

إبتسم بمكر وقال:
_ أيوه إكده، صنف يخاف ما يختشيش، وبعدين تعالي أهنه، مش رافع جالك بعد الموضوع إياه تاخدي خلچاتك وتختفي من النچع؟.
حدجته بتوتر ثم نظرت إلي يديها وقالت بتردد:
_ كنت ناوية أدلي علي البلد لكن حوصلت حاچة لو رچعت وأهلي عرفو بيها عيجتلوني.

رمقها بترقب و قلق حيث أدرك الإجابة، لكنه أراد أن يتأكد من حدسه:
_ حاچة أي أُنطجي؟.

أبتلعت لعابها وبخوف وتوتر قالت:
_ أني، أني.

صاح بغضب أفزعها:
_ جصري حرج أبو الي چابك.

أجابت بإقتضاب:
_ أني حامل.
3

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ خرج من الشركة للتو وسط موكب من رجال الحراسة الخاصة به ، له كثير من الأعداء.
ركض السائق مسرعاً يفتح له باب السيارة، فقام الآخر بفك زر سترته و دلف إلي الداخل.
أنطلقت السيارة ويتبعها سيارتين من طراز الدفع الرباعي.

وفي السيارة الأولي ينظر إلي ساعة يده ذات الماركة العالمية، فقال إلي رجل الحراسه الذي يجلس بجوار السائق:
_ إتصلي بصلاح أيوب.

قام الحارس بما أمره به:
_ أتفضل ياسليم باشا.

أخذ الهاتف وأجاب وهو ينظر من زجاج السيارة المعتم:
_ أنا هعدي عليك دلوقت، تكون جهزت حالك بسرعة عشان عندنا مشوار سفر.

_ أجلها لبكره أكون خلصت الشغل الي معايا.

قال بأمر وجدية:
_ نص ساعة وهاكون عندك، وهاخدك زي ما أنت حتي لو كنت نايم حضن الي جمبك .

زفر بتأفف وقال:
_ طيب ممكن تقولي هنسافر فين؟ .

أجاب بإقتضاب:
_ قنا، سلام.
وأغلق المكالمه، تعجب الآخر وقال:
_ قنا! ، الو، الو.

نظر في شاشة الهاتف ليجده قد أغلق المكالمة، فسألته تلك التي تداعب صدره بأناملها:
_ ده سليم العقبي ؟ .

نهض بجذعه وأنحني ليلتقط سرواله من الأرض بجوار التخت ليرتديه أسفل الدثار:
_ أيوه هو، أومي أنتي ألبسي هدومك وأنزلي علي المكتب، مش عايزك تروحي غير لما تخلصي أوراق قضية كامل عرفة.

_ أوك، هترجع أمتي؟ .
قالتها و لفت جسدها بالدثار ونهضت تلتقط ثيابها المبعثرة علي الأرض.

أجاب و هو يدلف إلي المرحاض:
_ مش عارف، هابقي أكلمك عشان أتابع معاكي الشغل.

_ وبالعودة إلي سليم في السيارة، كان يتأمل شاشة الهاتف بإبتسامة مُردداً:
_ زينب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2

_ بت يا نوارة روحي شوفي مين بيرن الچرس.
قالها خميس، فأجابت وهي ترتدي وشاحها:
_ حاضر ياعمي أنا چاية أهه.

فتحت الباب فوجدت والدتها، صاحت بفرح:
_ أماه، أتوحشتك جوي.

عانقتها بسعادة، أبتعدت الأخري عنها ورمقتها بإمتعاض:
_ واضح إني أتوحشتك جوي، بأمارة لما كنت راجدة أفتكرتي ليكي أم تجولي لما عاروح أشجر عليها ولا أشوفها محتاچة حاچة، أخص عليكي.

نظرت بخجل وقالت:
_ حجك عليا ياماه والله أتلهيت ويا خالتي في العزا وكنت ناوية أچيلك.

دفعتها سعاد ودلفت إلي الداخل:
_ طول ما أنتي دايره كيف الرحا ورا چوزك عاتيچي لي ميتي!.

_ ما أنتي خابره ياماه، خايفه ليتچوز عليا، بجي لنا سنتين بلف علي الحكماه وكلاتهم يجولولي معنديش أي حاچة، وبتحايل علي رافع يروح يكشف أو يحلل يتنرفز ويمد يده.
4

تلفتت يميناً ويساراً وقالت:
_ ما أنا چايه لك عشان إكده، بس جولي لي خالتك وبنتها أهنه؟.

أجابت:
_ خالتي عند چارتها في الدار الي چارنا، وزينب حابسه حالها في أوضتها، و عمي خميس بيشرب دخان في المضيفة، ورافع چاله تليفون شغل وجالي إنه عيتأخر.

_ تعالي.
وأمسكتها من يدها ودلفت بها إلي غرفة إبنتها ، وأغلقت الباب خلفهما
تعجبت نوارة وقالت:
_ في أي ياماه؟.

_ وطي حسك وإسمعيني زين، الوليه أم علوان الي چاري بتها محبلتش أول ست شهور لما أتچوزت وحماتها كانت بتسم بدنها بكلام يحرج الدم، فولاد الحلال دلوها علي شيخ سره باتع في البر التاني بيجولو عليه واصل جوي مع اللهم أحفظنا الأسياد، العاقر بتحبل علي يده والعانس بتتچوز والي معمولو عمل بيفكو في وجتها.

صاحت نوارة بإعتراض:
_ واه ياماه!، عايزني أروح لدچال تاني ناويه علي طلاجي إياك.

_ أجفلي خشمك الله يحرجك عتفضحينا.

_ يعني ناسيتي لما روحنا للشيخ بركات ورافع خد خبر يوميها ولما رچعت فضل يدوج فيا لولا خالتي وزينب حاشوني من يده كان زمانك بتجري عليا الفاتحة دلوق.

_ ومين بس الي عيعرفه.

_ يا مُري وكمان عايزاني أخرچ من غير ما يعريف، عشان يموتني، أبوس يدك بعديني عن حديتك المخبل دي.

_ أخس عليكي يابتي، أنا بجول حديت مخبل!، خليكي جاعده كيف الأرض البور لما عيچي يوم وتلاجي چوزك داخل عليكي بضرة وعلي يدها عيل ولا أتنين.
3

_ ده أني كنت أروح فيها عاد.

أقتربت منها وربتت عليها بحنان:
_ يبجي تسمعي الي بجولك عليه، أنتي بس جولي لچوزك أنا رايحة أجعد ويا أمي يوم أطمن عليها و راچعة، وأول ما تچيني عاخدك ونروح للشيخ ولا من شاف ولا من دري، ياعالم يابتي يمكن تحبلي المره دي وربنا يفرح جلبك بحتة عيل.
1

_ يسمع منك ربنا ياماه.

طرقات قوية متتالية علي الباب يتبعها رنين الجرس.

قالت سعاد:
_ مين الي عيخبط إكده كيف المصروع.
أجابت نوارة بتعجب:
_ معرفاش، لما نروح نشوفو مين.

خرج خميس من الغرفة علي صوت تلك الطرقات التي أفزعتهم، فتحت نوارة الباب وهي تمسك بطرفي حجابها، وجدت أمامها مجموعة من الرجال متشحين بالسواد، تقدم من بينهم صلاح بإبتسامة رسمية:
_ رافع بيه موجود؟.

أجابت نوارة وهي تخفي نصف وجهها بطرف الحجاب بخجل:
_ نجولو مين؟، وعايزين منيه أي؟.

خرجت زينب من غرفتها ترتدي الحجاب لتري ما هذه الجلبة، فتساءلت:
_ مين يا نواره؟.

رفع صلاح عينيه نحو صاحبة الصوت العذب وقبل أن يجيب دفعه صديقه جانباً وتقدم بهيبة وشموخ قائلاً:
_ سليم داغر العقبي.
- وبعد إنتهاء الإجتماع وإلقاء التعليمات الجديدة علي موظفيه، وقيام كل منهم بعرض عملهم المكلفون به حتي جاء دورها وكانت الأخيرة، تنظر إلي الأوراق التي بين يديها وساقها تهتز منذ بدء الإجتماع أسفل الطاولة تتجنب النظر إليه طوال الوقت بينما هو كان يحدق بها حتي لفت إنتباه البعض ومن بينهم صديقتها مروة التي همست إليها:
_ ندي، مستر علي من ساعة ما دخلتي وعينيه منزلتش من عليكي، هي أيه الحكايه؟.

أجابت الأخري بإستنكار بعدما رمقته بطرف عينيها فوجدته ما زال يحدق بها:
_ ده بتهيألك، ممكن عشان دخلت بعده.

_ يا خوفي يا ندوش ليكون حطك في دماغه، ده شكله مش سهل وهنقول فينك يا مستر ناجي وفين أيامك.

نهض من كرسيه وأتجه نحوهما فقالت ندي:
_ طيب أخرسي بقي عشان ده شكله جاي علينا.

وقف خلفها وأنحني نحوها وقال:
_ يعني آنسة ندي، أصدي مدام ندي مقدمتش شغلها، ممكن أعرف السبب؟.

شحب وجهها من كلماته المصاحبه بأنفاسه التي شعرت بها، كما تخللت أنفها رائحة عطره المحفورة بداخل ذاكرتها منذ سنوات، قالت بدون تلتفت إليه:
_ ما أنا كنت لسه هقول لحضرتك إن هقدم الفايل الصبح عشان ملحقتش أخلص، كان سيستم الجهاز بتاعي واقع وأستنيت مهندس البرمجة وصلحو الصبح.

رفع زواية فمه بتهكم ألتمسته من كلماته برغم إنها لاتنظر إليه:
_ و ليه مكملتيش علي أي جهاز تاني، ولا مش لاقيه أي حجه تقوليها! .

وهنا لم تتحمل سخريته وكل زملائها ينظرون ويستمعون إليهما، نهضت وأستدارت و رفعت وجهها له حيث فارق الطول بينهما فقمة رأسها تصل إلي منتصف عضده فهي كالعصفور أمامه.

_ مكملتش علي كمبيوتر تاني، عشان كل شغلي مسيڤاه علي جهازي الي بشتغل عليه، وكمان دي أول مرة تحصل معايا يعني مبتحججش زي مابتقول.

تراجع إلي الوراء ويصفق بيديه قائلاً :
_ براڤو عليكي.
فقام بمناداة السكرتيرة:
_ آنسه مايسه؟.

وقفت قائلة:
_ نعم مستر علي.

حدج ندي بتوعد فقال:
_ يومين جزا لمدام ندي عشان تتعلم تتكلم بعد كده مع مديرها بإحترام.

_ أمرك يا فندم.

أشار بيده للموظفين قائلاً :
_ الإجتماع خلص، إنصراف.

غادر الجميع وما زالت تقف تنظر له بذهول فقالت بصوت مرتفع وحاد :
_ علي فكرة ده يبقي ظلم وإفترا وأنا مش هقبل بيه.

أشار علي للسكرتيرة بأن تغادر:
_ روحي أنتي يا مايسه علي مكتبك وأقفلي الباب وراكي.

وبعد أن غادرت الأخري، أقترب من ندي و بنبرة فحيح قال:
_ أول وأخر مرة صوتك يعلي عليا لأن لو أتكررت مضمنش ردة فعلي وقتها عليكي، وبعدين أنا عمري ما كنت ظالم ولا مفتري يا مدام وأنتي أكتر واحدة عارفة كده ولا نسيتي؟.
أبتلعت لعابها وأرتسمت القوة علي ملامحها و وقفت بشموخ:
_ لو فاكر إنك جاي الشركة عشان تنتقم مني يا علي يا حسيني يبقي أنت غبي أوي.

أمسكها من زراعها ودفعها نحو الحائط ليحاوطها بجسده، تفوه من بين أسنانه بحنق:
_ أتكلمي بإحترام أحسن لك يا ندي، ولا لسه فكراني علي الأهبل بتاع زمان، ها؟، وأيوه أنا جاي مخصوص بس عشان مش أنتقم منك وبس، ده أنا زي ما عيشتك أجمل أيام حياتك زي ما كنتي بتقوليلي وقتها، هخليكي تعيشي أسود أيام حياتك، هخليكي تبوسي إيدي عشان أرحمك.

_ أنت شكلك أتجننت ونسيت أني متجوزة، وجوزي يبقي مين.

أمسك كتفيها ليعنفها قائلاً بغضب كالنيران:
_ لاء مش ناسي يا مدام أكرم عمران، الي كان بيديلك علي دماغك وسابك تتعذبي وجيتي أترميتي في حضني تعيطي وأول ما حن عليكي روحتي بعيتي الي كان بيحبك أكتر من نفسه، عارفة ليه، عشان أنتي واحدة معندكيش كرامة.

صاحت وهي ترفع كفها لتصفعه:
_ أخرس.

أمسك يدها بقبضة قوية كادت تسحق أناملها:
_ أقسم بالله لو كان أيدك جت علي وشي كنت هادفعك تمن القلم ده غالي.

تبدلت ملامح وجهها من القوة المصتنعة إلي علامات الإمتعاض والألم فقالت بصوت مختنق علي وشك البكاء:
_ سيب إيدي يا علي وأبعد عني، و عشان ترتاح مني بكرة الصبح هتكون ورقة إستقالتي علي مكتبك.

نفض يدها في الهواء بإزدراء وأبتعد قليلاً، يقهقه من ما تفوهت به للتو، أقترب مرة أخري وأستند علي الحائط بيديه، وبنبرة تهديد ووعيد قال:
_ عارفة لو ده حصل، في نفس الوقت الي هاشوف فيه إستقالتك ، هيكون سيادة النقيب بيتفرج علي صوري أنا وأنتي ده غير ريكوردز مكالمتنا الغرامية وأد أي كنتي مخدوعة فيه ولاقيتي الدفا والحب في حضني أنا، وياسلام بقي لو عرف إنك جيتي ليا برجلك الشقة وأنا لولا كنت بحبك وبخاف عليكي كان زماني أستغليت حالتك وقتها وعملت الي أي واحد كان عمله لو مكاني ساعتها، علي الأقل مكنتيش تفكري تسبيني وترجعيلو.

أجهشت في البكاء بعد تهديده الصريح لها، أعتراه شعور بداخله لايتمني العودة إليه، ود لو يأخذها بين زراعيه ويربت عليها لتكف عن البكاء، وبالفعل كاد يقترب منها ويعانقها لكن صاحت به وهي تجفف عبراتها بقوة:
_ أنت حيوان وجبان وأضعف إنك تقدر تواجه أكرم بالحاجات الي معاك، لأن هقوله إنك كداب والصور متفبركة والريكوردز الي بتتكلم فيها دي مش أنا.

لعن نفسه بأشد اللعنات علي شعوره بالذنب نحوها، فأخذ يقهقه ساخراً وقال:
_ بذمتك مصدقة الهبل الي بتقوليه ده! ، طيب يا ندا إحنا فيها، أتصلي بيه وقوليله دلوقت.

تسمرت مكانها ماذا ستقول لزوجها حقاً ، لقد وضعها الآخر في موقف ضعيف للغاية، أراد أن يثبت لها كم هي جبانة.

_ شوفتي بقي إنك بوء علي الفاضي، كان نفسي تشوفي شكلك ولا نظرة الخوف والرعب في عينيكي لما جبتلك سيرة جوزك.

زفرت وهي تشعر بالإختناق، تريد الصراخ لكن هناك غصة تقف في حلقها، فأخرجت كلماتها بصعوبة:
_ والمطلوب مني أي دلوقت؟ .

دنا نحوها قائلاً :
_ عايز حقي.

تحاول فهم وإدراك ما يرمي إليه:
_ حقك الي هو إزاي؟.

أنبلجت علي محياه إبتسامة إنتصار، فأجاب بكل ثقة:
_ تتطلقي منه.

صاحت بإعتراض جلي:
_ نعم! .

_ زي ما سمعتي كده بالظبط، تطلقي منه بمزاجك أحسن ما هخليه يطلقك هو، و مضمنلكيش وقتها هيعمل فيكي أي، أقل حاجة هيحرمك من لارا بنتكو .

أبتعدت من أمامه وأستعادت رباطة جأشها، فصاحت:
_ أعلي ما في خيلك أركبه يا علي، وأنا بحب أكرم وعمري ما أطلق منه عشان واحد زيك مجنون ومريض، عايز يرضي غروره وينتقم لكرامته.

وفي لحظة كان أمامها يقبض علي جيدها بقوة حتي كادت تشعر بالإختناق، ينفث في وجهها كلماته كألسنة اللهب:
_ وربنا لأندمك علي كل كلمة قولتيها، وهخليكي تعيشي في كابوس أسود ، النوم حتي مش هاتشوفيه، عايزك تجمدي قلبك علي أد ماتقدري عشان تقابلي كل الي جاي.

فك قبضته وتركها تلتقط أنفاسها مولياً ظهره إليها، تتحسس موضع عنقها فوق وشاحها، دلفت السكرتيرة بدون أن تطرق الباب:
_ مستر علي جالنا إيميل من.......

قاطعها بصراخ مدوي:
_ مش قولت متجيش غير لما أقولك!.

ركضت السكرتيرة بخوف علي مكتبها وقامت ندي بإستغلال الموقف وهربت من الباب الآخر الذي كان خلفه، تركض بكل قوتها حتي وصلت إلي غرفة مكتبها وأخذت كل متعلقاتها وحقيبتها، سألتها مروة بقلق:
_ ندي، حبيبتي متضايقيش ولا يهمك هو هتلاقيه عمل كده عشان ميبقاش شكله وحش أدامنا عشان كسفتيه .

همت ندي بالمغادرة، فأمسكت بها الأخري:
_ أستني بس.

صاحت بها وهي تبكي:
_ سبيني مروة لو سمحت.

غادرت الغرفة بل الشركة أيضاً وأستقلت سيارة الأجرة، أخرجت هاتفها للإتصال بأكرم وكالعادة لم يرد عليها، زفرت بغضب وألقت بالهاتف داخل حقيبتها.
4
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ وفي غرفة إستقبال الضيوف يجتمع كل من رافع والحاج خميس والده مع سليم وصديقه صلاح، فبعد أن هاتفت نوارة زوجها عن هذا الزائر الغريب وأعطت الهاتف له ليخبره بهويته فما كان لرافع سوي أن يأتي بسرعة الريح فهو يعلم من هو سليم العقبي ويدعو بداخله أن لا يكون سبب زيارته الإنتقام منه لما أقترفه من سرقة جزء من شحنة المخدرات خاصته في الميناء.

_ خير يا سليم بيه؟.
قالها رافع، فرمقه الآخر بعكس ماتوقع كان مبتسماً وأجاب:
_ كل خير يا رافع بيه، طبعاً أحب أقدم إعتذاري عن زيارتي الي من غير ميعاد سابق، حاولت أتصل عليك كنت بلاقي تليفونك غير متاح.

قال رافع:
_ كنت في مكان مفيهوش شبكة.

فقال سليم ويحدجه بمكر:
_ عارف، الأماكن الصحراوية وخصوصاً الجبل نادراً لما يبقي فيه إرسال.

أدرك رافع إنه يخبره بعلمه عن مصنع السلاح، فقال بتهكم:
_ ما أني ناوي نبلغو الحكومة تدعملنا المنطجة بكل شبكات المحمول، أهو حتي العمال يطمنو علي أهاليهم.

_ واضح إن روحك حلوة يا رافع بيه.
1

أجاب الآخر:
_ تسلم ياباشا، دي من زوقك.

وقفت نوارة علي الباب تخفي نصف وجهها بالوشاح، تحمل صينية يعلوها فناجين القهوة وكؤس مياه:
_ الجهوة ياسي رافع.

نهض وذهب ليحمل منها الصينية وقال لها بصوت منخفض لأنه يعلم عادتها السيئة في التصنت وإستراق السمع :
_ خشي چوه أوضتك وما تخرچيش غير لما أنادم عليكي، فاهمة؟.

أومأت له بطاعة:
_ أمرك ياسي رافع.
وركضت إلي غرفتها بسرعة البرق.

وبالعودة إلي الداخل، قدم رافع الصينيه إليهم فبدأ بسليم:
_ أتفضل يا سليم بيه.

تناول الفنجان وقال:
_ شكراً .

_ العفو، أتفضل يا صلاح بيه.

رفض بلطف قائلاً :
_ شكراً بشربها إسبريسو.

فقال رافع متعثراً في الكلمة :
_ واه، كيف السبريزو دي، وأني أخلي الچماعة يسوهولك دلوق.

ضحك صلاح رغماً وقال:
_ تسلم يا رافع بيه، أنا مبشربهوش غير في مكتبي، لأن ليه ماكينة شاريها مخصوص من أمريكا.
2

_ أيوه عارفها البتاعه دي، مفيش أحلي من السبرتايه ولا كنكة الجهوة الي تتسوي علي نار هاديه، تُظبط الدماغ صوح، ولا تجولي سبريزو ولا مسبريزوش.

كتم كل من صلاح وسليم ضحكاتهما حتي لايسيئ الآخر الظن بهما بأنهما يسخران منه، وضع سليم القدح بعدما أنتهي من إرتشافه علي الطاولة وقال:
_ سيبك من القهوة دلوقت وخلينا في المهم والي أنا جاي لك فيه مخصوص.
فأشار إلي صلاح ليتحدث، أعتدل صلاح وقال:
_ حضرتك يا رافع بيه راجل شغال في سوق الأعمال وبالتأكيد سمعت عن سليم بيه العقبي.

_ أشهر من النار علي علم.

_ مجالات شركاته كتير مابين المعمار والعقارات والحديد والسيارات ده غير الفنادق والمطاعم، وكل ده في مصر وبره مصر كمان في أمريكا وفرنسا وإيطاليا وسويسرا.

أبتسم رافع ومن داخله يشعر بالغبطة، كل هذا الكم من الشركات والعقارات يمتلكها رجلاً واحد وفي هذا السن الصغير، فيبدو من ملامحه إنه لم يتجاوز الخمس والثلاثون عاماً.

فقال بتصنع يجز علي أسنانه:
_ ربنا يزيد ويبارك.

قال صلاح بعدما لاحظ نظرات الحقد التي لم يستطع الآخر إخفاؤها :
_ ما هو أساس الكيان ده والده داغر بيه العقبي الله يرحمه، وبعد وفاته سليم بيه كمل مسيرته وكبر كل المؤسسات دي، بس عشان توصل بالشكل ده ويبقي ليها فروع كان لازم يحط أيدو في أيد المافيا ويشاركهم أعمالهم عشان يحمو له كل ممتلكاته وتجارته ويضمن إنهم ميغدروش بيه.

زفر رافع عندما أنكشف أمامهما، فقال:
_ وأي المطلوب مني دلوق؟ .

أجاب سليم:
_ نتشارك.

فقال رافع:
_ وأنا كل الي أملكه يچي أي في بحر الي حداك يا بيه؟.

إبتسم سليم وقال:
_ إنتاج مصنعك من أسلحة وذخيرة هسوقهولك كله بره وعندي ألف من يشتري وبالعملة الصعبة زي ماتحب، وبالنسبه للفدان الي مش عارف تزرعه كوك (كوكايين)، هخليك تزرعه بدل الفدان خمسه ومفيش عسكري واحد يقدر يهاوب ناحية الأرض.

_ ماشاء الله وكمان ليك يد في الحكومة عاد.

قال سليم بفخر وثقه:
_ أنا ليا عيون ورجالة في كل حتة يا رافع بيه، لازم تكون في مركز القوة ديماً وتصاحب أعداءك عشان ميجيش عليك وقت وتلاقي كل الي بنيته بينهار أو بيضيع.

رمقه رافع بتساؤل:
_ ومجابل كل الخدمات الي عتجدمهالي أي عاد؟ .
أجاب الآخر:
_ مش عندكم التجار لما بيشاركو بعض أوقات كتير بيحصل نسب مابينهم.

فقال خميس الذي كان صامتاً طوال الوقت:
_ مفيش حدانا غير زينب بتي، وسلو عيلتنا البت ماتتچوز غير من العيلة.

مال رافع نحو والده وقال بصوت لايسمعه سليم وصلاح:
_ ناوي تچوزها من زكريا الفلاتي بتاع النسوان وماشي يستلف من ده ودي ولا الشيخ بكر الي محليتوشي غير سبح وسچاچيد صلاه!.

_ وكيف عايزني أجبل بالغريب يا ولدي؟ .

_ لساك سامع حداه أي، شركات وفلوس يعيش بتك وعيعيشنا في الچنة ونعيمها.
2

فقال خميس بإستسلام كالعادة في نهاية كل نقاش مع نجله:
_ الي تشوفه يا ولدي.

_ قولت أي يا حاج خميس؟.

قالها سليم، فأجاب رافع:
_ نجول مبروك ياسليم بيه.

فقال صلاح بتعجب:
_ طيب مش هتاخدو رأي العروسة.

حدقه سليم بنظرة تحذيرية ليصمت، فقال رافع:
_ ومن ميتي البت بتجول رأيها، إحنا أدري بمصلحتها عاد.

إبتسم سليم بسعادة عارمه، فها هي تُقدم له علي طبق من ذهب، فقال:
_ مش ناويين نقرأ الفاتحة، فاتحة الشراكة وفاتحتي أنا والآنسة زينب؟ .
1

فقال خميس:
_ طبعاً يا ولدي هنقرو الفاتحة.
رفع جميعهم أيديهم لأعلي يقرأون آيات سورة الفاتحة.

_صدق الله العظيم.
قالها رافع، ثم نهض وقام بمناداة زوجته:
_ يا رافع، رافع.

جاءت راكضة إليه:
_ أمرك يا سي رافع.

_ حضري الشربات للضيوف.

فقالت بفضول ولهفة:
_ ليه؟.

صاح بها:
_ من غير ليه، همي بسرعة

_ أمرك.
وركضت إلي المطبخ.
وبعد مرور وقت من تبادل الأحاديث، نهض سليم وهو ينظر في ساعة يده:
_ أنا يا دوب كده أستأذن وبكرة هاجي أنا والجواهرجي عشان العروسة تنقي الشبكة.

قال خميس:
_ ما تخليكو يا ولدي، الدار واسعه، كيف عتسافرو والچو ليل إكده؟ .

أبتسم سليم وقال:
_ تسلم يا حاج، إحنا نازلين هنا في فندق قريب من النجع.

_ علي راحتك يا ولدي.

أشار إلي صديقه:
_ يلا ياصلاح نسيب الجماعة ينامو، تصبحو علي خير.

قال رافع:
_ وأنت من أهله.
وذهب لإيصالهم إلي خارج المنزل، وقبل أن يدلف سليم إلي داخل سيارته قال:
_ بالمناسبة صح يا رافع، أسمحلي أقولك إسمك من غير ألقاب، كنت بتسألني عن المقابل، وقولتلك أول مقابل هو جوازي من زينب.

عقد حاجبيه وقال:
_ هو فيه حاچة تاني ولا أي؟ .

أومأ له بإبتسامة شيطانية ونيران تتراقص ألسنتها بداخل ظلام عينيه قائلاً :
_ أنا عارف إنك الي ورا سجن فارس إبن عمك بعد ما حتطلو المخدرات في أوضته، وده عشان يبعد عن أختك ولسبب تاني غالباً شكلك بتكرهه أوي.

_ و دي كمان مفوتهاشي! .
قالها رافع بتعجب، فأجاب سليم بزهو:
_ أنا قبل ما أخطي أي خطوة يا رافع بعمل مليون حساب ليها، والي فهمته إن مصلحتنا واحدة، ومش صعب عليك إنك تنفذ المقابل التاني الي هطلبه منك.

حجه بإستفهام:
_ وأي هو؟ .

أجاب بأمر حاسم:
_ تقتله.
2

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ ولج لتوه من باب المنزل، أنتبه إلي صوت التلفاز فوجدها تجلس شاردة ولم تنتبه لوجوده، ظن إنها تتجاهله، ألقي السلام ولم ترد عليه، أمسك بجهاز التحكم وأغلق التلفاز وحينها لفت إنتباهها، نهضت وقالت:
_ أنت جيت أمتي؟.

سار إلي غرفة إبنته قائلاً :
_ لسه جاي.
فتح الباب لم يجدها فقال:
_ فين لارا؟.

أجابت:
_ بايته عند ماما.

أستدار لها وقال بضيق:
_ مش كذا مرة أقولك البنت متبتش غير في حضنك.

_ بقولك عند ماما مش عند حد غريب، وهي أول مرة تبات هناك يعني، الله يرحم لما كنت بتخليني أسيبها باليومين عندها عشان نبقي علي راحتنا.

خلع سترته وحزام سلاحه ثم قميصه، وقال:
_ ده كان زمان، أيام ما الواحد كان عايش سعيد، مش في حياه كلها نكد وهم ده غير الأرف الي بشوفه في الشغل وأقول أستحمل لحد ما أرجع ألاقي الي يهون عليا، بلاقي العكس، الي يزيد همي ويخليني عايز أطفش من البيت.

كلماته كانت كالرياح التي أشعلت النيران في الجمار الخامدة، يكفي ما تعرضت له اليوم والقلق والخوف التي ستواجهه طوال الأيام القادمة، فلم تجد سوي البكاء لتخفف ولو قليلاً عن ما تشعر به من ضغطٍ نفسي.

ترك قميصه القطني الذي كان سيرتديه وأقترب منها عندما رآها تبكي كالطفلة التي ضلت دربها، أمسكها من يدها و حدق في وجهها.
_ مالك يا ندا بتعيطي كده ليه؟ ، مش أنتي الي وصلتينا للنقطة دي!، بتقعدي كل ما أرجع بدل ما تقوليلي حمدالله علي السلامة يا حبيبي وتاخديني في حضنك تقومي منكده عليا وأنتي أكتر واحدة عارفه ظروف شغلي!.

تفوهت من بين بكاءها:
_ أنا، أنا محتاجه لك أوي يا أكرم، محتاجة لحضنك، أنا عارفه أني بقيت نكدية و.....

قاطعها واضعاً أطراف أنامله علي شفتيها:
_ هوس، تعالي.
وأخذها بين زراعيه يحتضنها ويحتويها بحبه ، يمسد علي ظهرها بحنان:
_ أهدي خلاص، مفيش حاجه تستاهل للعياط ده كله.

أبتعدت عن صدره وحاوطت وجهه بيديها قائلة:
_ عايزاك تعرف مهما حصل ومهما هيحصل أنا بحبك، بحبك أوي، أنت الراجل الوحيد الي ملي قلبي قبل عيني و مكنتش بشوفك غير جوزي وأبو بنتي وعيالنا الي ربنا هيرزقنا بيهم.

تنهد بحزن وهو يري عبراتها تلك ولام نفسه، فقال لها وهو يمسح دموعها من وجنتيها الملساء:
_ طب ما أنا كمان بحبك أوي ومن زمان، من ساعة ما كنتي لسه عيلة بضفاير بتلعبي أدام العمارة، ولما كان حد بس بيفكر يضايقك كنت بخليه يحرم يبص لك حتي، ولا نسيتي الواد بيبو إبن عم منعم بتاع السوبر ماركت؟ .

ضحكت رغماً عنها وقالت وهي تتذكر:
_ أيوه لما ربطه من رجله وإيديه وقعدت تمده بالعصايه لحد ما رجله ورمت، خليته لما يشوفني يلف من الشارع التاني، ده غير الولاد التانين والي كنت بتعملو فيهم، من يومك بتغير عليا بجنون.

_ و مازالت بغير عليكي ولو أي حد بس فكر يكلمك متعرفيش ممكن أعملك فيه أي.

تذكرت ما حدث معها في الشركة، أبتلعت لعابها بتوتر وقالت:
_ هاتعمل فيه أي؟ .

إبتسم وأجاب بهدوء لكن عينيه تدل عن غيرته الشديدة:
_ هخليه ولا يشوف ولا يسمع ولا يتكلم، ده غير الذل والعذاب الي هيشوفه علي أيدي عشان بس فكر في مدام أكرم عمران.
أرتسمت إبتسامة طفيفة وقالت:
_ ياه للدرجدي؟ .

حدجها بنظرات تفحص كما يفعل في التحقيق مع المجرمين:
_ هو فيه حد بيضايقك؟.

أنتفض داخلها من سؤاله وملامح وجهه التي زادت من توترها أكثر، نهضت لتواري وجهها عنه خوفاً من أن يكتشف كذبتها فهو قارئ لايستهان به في لغة الجسد، فأجابت:
_ لاء مفيش، ولو فيه هقولك.

أمسك يدها وجعلها تلتفت وتنظر له، وبنظرات ذات مغذي قال:
_ ياريت يا ندا، عشان لو عرفت من بره وأنتي مقولتليش هتزعلي مني وقتها، و مش بعيد تكرهني.

سرت قشعريرة خوف في أنحاء جسدها، جلست بجواره وقالت:
_ ليه بتقول كده يا حبيبي؟ ، ما أنت عارف أنا عمري ما خبيت حاجة عليك وكل حاجة بقولهالك.

خلل أنامله في خصلاتها وقال:
_ عارف يا حبيبتي، وعارف عمرك ما كدبتي ولا خبيتي عني حاجة، و ده من أكتر الحاجات الي بحبها فيكي.

ضحكت لتغير تلك أجواء التوتر هذه، فقالت:
_ بس وأنتي بتحكي عن الي هاتعمله في الي يفكر يجي جمبي، بصراحه خوفت منك أوي، مكنتش أعرف إنك شرير أوي يا أكرومتي.

وضع يديه حول خصرها ليقربها منه وأجلسها علي فخذيه قائلاً:
_ ده أنا شرير أوي وهعجبك تحبي تشوفي؟.

ضحكت بدلال وقالت:
_ لاء ياعم الطيب أحسن، أنا مش أدك.

داعب طرف أنفها بخاصته وقال:
_ ليه ده أنا حتي هابقي شرير حنين معاكي، ولا نسيتي؟ .

إبتسمت بخجل وجزت بأسنانها علي شفتها السفلي، فأردف بنظرات جنون عاشق:
_ أنتي أد الحركه دي؟.

أجابت بنبرة أكثر دلالاً، ويدها تتداعب شعيرات صدره:
_ بس بقي يا أكرومتي، يلا تعالي عشان محضره لك الأكلة الي قولتلك عليها، زمانك جعان أوي.

كادت تنهض فقام بمنعها وقال:
_ أنا فعلا جعان وهموت من الجوع، ونفسي أكل حلاوة بالقشطة.
دفعها علي التخت وأنقض عليها كالجائع عندما وقع أمامه طبق من الــفاكهة فينقض عليه ويلتهم كل مابه بنهم وشراهة، يهيم بعشقها و يغرقها في بحوره، كلما يُخيل إليه إن هناك إحدهم يتعرض لها أو ينظر إليها برغبة فتتحول قبلاته الحنونة إلي أخري عنيفة ولمساته إلي قبضات قوية حتي يسمع آناتها من الألم فيهدأ رويداً رويداً ويعود إلي لمساته الحانية مرة أخري.
بينما هي كان جسدها معه لكن عقلها في مكان آخر تخشي ما ينتظرها خلف باب الماضي التي ظنت إنه أوصد ولم تتوقع يوماً إنه سينفتح علي مصراعيه وتندلع منه نيراناً لا تنال سواها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ كيف إكده ياناس، شايفني أي، بهيمة عتبيعوها للي يدفع ويشيل!.
صاحت بها زينب وتكاد تفقد عقلها من صدمة الخبر التي علمت به للتو، نهضت والدتها منها تهمس برجاء:
_ إكتمي يابتي، أخوكي وأبوكي جاعدين بره.

فتحت باب غرفتها و وقفت أمامها وبصوت جهوري صاحت:
_ أني عايزاهم يسمعو ويعرفو المصيبة الي سواها في حجي، ولدك الظالم ده.

_ أي الي طلع البت دي من أوضتها؟.
2
قالها رافع، أستدارت له وبقوة قالت:
_ علي چتتي يا رافع إنك تچوزني لواحد ما أعريفهوش وفوج إكده مچرم، وكمان بتقرأ وياه فاتحتي ولا كأني ليا رأي واصل!.
1

وقف أمامها يرمقها بنظراته الحادة المخيفة وقال:
_ حدانا البت ملهاش رأي عاد، والي يجول عليه أبوها وأخوها هو الي عيمشي.
1

_ لاء ومليون لاء يا رافع، مش عاتچوز الراچل ده ولا غيره.

فقال بسخرية:
_ ناوية تترهبني إياك!.

_ أترهبن، أبجي عانس، عندي أحسن من چوازي من راچل لايعرفيني ولا أعرفه ولو حتي جتلتوني.

لم يكترث لكلماتها بل أثار من نيران غضبها قائلاً ببرود:
_ كفياكي عويل وچهزي لك خلچات زينة، الراچل عيچي لنا بكرة و وياه الچواهرچي لأچل تنجي شبكتك يا عروسة ونحددو ميعاد الخطوبة.

صاحت بتحدي:
_ علي چتتي يا رافع.

رد بتهكم ويرجع خصلة شعرها خلف أذنها بطريقة إستفزازية:
_ لع، علي سليم بيه يا جلب أخوكي.

أخذت تصرخ وتصيح:
_ والله لعموت نفسي وعريحكو مني.

صاح رافع بغضب من صراخها:
_ خديها ياماه من قدامي بدل ما أنا الي عجتلها وأخلصكو منيها.

أمسكت والدتها من زراعها وتدفعها إلي داخل غرفتها:
_ أدخلي أوضتك و بعدي عنيه.

فقالت نوارة التي كانت تتابع في صمت:
_ أستهدي بالله يازينب وتعالي معاي.

_ عاچبك الي عيعملو چوزك يا نوارة!، وربي وما أعبد ما أني ساكته علي الي بيحوصل معاي، ولو غراب البين الي أسمه سليم أچه بكره عطردو كيف الكلب برة الدار.

أندفع نحوها كالعاصفة وجذبها من زراعها:
_ الظاهر أتوحشك الضرب من يدي.

وكاد يصفعها فأوقفه صوت والده:
_ رافع، بعد عن خيتك وإياك تمد يدك عليها تاني واصل.

_ ما أنت مش سامع عويلها وصوتها الي وصل لأهل النچع كلاتهم، يجولو علينا أي عاد!.

أجاب والده:
_ يجولو الي يجولوه، وملكش صالح بيها لحد ما نسلمها لچوزها، أني عاحدد وياه، الخطوبة السبوع الچاي والفرح السبوع الي بعديه، وچزرة وجطمها چحش.
1

ألتفتو جميعاً نحوها فلم يجدوها وكأنها أختفت في الهواء، ركضت نوارة نحو المطبخ بعد أن سمعت صوت يأتي من الداخل، صاحت بخوف وصراخ مدوي:
_ ألحجيني يا خالتي.

ركض جميعهم ليروا ما حدث، فوجدو زينب بيدها سكين حاد ملطخ بالدماء ويدها الأخري تذرف دماءً غزيرة من جرح قاطع لدي رسغها.
صرخت رسمية علي إبنتها:
_ بتي، ليه عملتي في حالك إكده يا ضنايا؟.

قال خميس الذي لم يتحمل رؤية إبنته في تلك الحالة:
_ خدها يا ولدي بسرعة علي المشتشفي.

فكانت نوارة وخالتها يصرخان، صاح بهما رافع وهو يحمل شقيقته التي فقدت وعيها من صدمة ما فعلته للتو:
_ إكتمي منك ليها، مش ناجصين چرس وفضايح عاد.

صمتت كلتاهما، فهم بالمغادرة فقالت نوارة وهي تركض خلفه:
_ أستني أنا چايه معاك.

ألتفت إليها وبنظرة تحذيرية:
_ خليكي أهنه أحسن ما عخليكي تحصليها.
1

تراجعت إلي الخلف بدون أن تتفوه، وقالت:
_ چيب العواجب سليمة يارب.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ يشعر بشئ ما يسير علي وجهه، ففتح رماديتيه فوجدها تتمدد بجواره وتمسك بزهرة بيضاء مثل روحها النقية، تقول له:
_ كفاياك نوم يا حبيبي، ويلا جوم محضرالك فطور عتاكل صوابعك وراه.

نهض بجذعه قليلاً يحدجها بنظرات حب حالمة، طبع قبلة حانية علي وجنتها قائلاً :
_ صباح الخير الأول يا مهجة الفؤاد.

وضعت كفها تتلمس لحيته المشذبة قائلة :
_ صباح أي عاد، الشمس جربت تغيب.

إبتسم ويحاوطها بزراعه ليضمها إلي صدره فقال:
_ كيف عتغرب الشمس وهي منوره قدامي ونورها مالي عليا حياتي.

توهجت وجنتيها من الخجل:
_ واه يافارس، حديتك عبيدوخني.

دفعها فوقه وقال بنبرة مليئة بالعشق:
_ ما تيچي ندوخو سوا.

ضغطت علي وجنتيه بأناملها وقالت بضحك:
_ جوم بجي وكفياك كسل.

ونهضت من فوقه فأوقفها وجذبها من يدها لتقع علي صدره وأبدل موضعهما، فأصبح هو من بالأعلي وهي أسفله، دنا بوجهه وقال أمام شفاها:
_ بتهوربي مني ليه يا جلبي، أني ما صدجت نتچوز.

حاوطت عنقه بزراعيها وقالت بهمس ودلال:
_ أني الي ما صدجت أكون وياك يا روح جلبي، ضمني يا فارس وما تبعدنيش عنك واصل.

عانقها حتي أصبح جسديهما كالجسد الواحد قائلاً :
_ عمري ما باعِد عنيكي يا جلب فارس.

نهضت من فوقه وأمسكت بيديه لتساعده في النهوض:
_ قوم بجي، يلا أدخل غسِل وشك وأني عاسبجك أحضر الصحون.

تركته و ذهب إلي المرحاض يغترف من مياه الصنبور ويغسل وجهه، لكن مهلاً ينظر إلي المرآة بدهشة لم يوجد إنعكاس له عليها، أغمض عينيه وفتحهما لكن جذبه صوت صرخات، ركض إلي الخارج، أهتز المكان من حوله وتحول ضوء النهار إلي ظلام دامس، ما زالت الصرخات مستمرة وتبعها نداء بصوتها الذي يحفظه جيداً:
_ فارس؟، ألحجني يافارس.

ركض نحو مصدر الصوت في تلك الظلمة الموحشة، حتي وجد ضوء بعيد، ظل يركض بكل مالديه من قوة حتي أقترب من الضوء فوجدها تقف بين رجلين إحدهما كظل أسود والآخر ملامحه مألوفة لديه، وخاصة بعدما تحدث له:
_ كيفك يا ولد زهرة؟.

كان يمسك شقيقته من زراعها بقوة وهي تتلوي وتستنجد به:
_ ماتسبينيش يا فارس، خليه يبعد عني.

وجاء يتحرك فوجد قدميه لا تتحرك وكأن شئ مجهول يقيد حركته، أشار لها وقال:
_ أني چمبك ما تخافيش يا زينب.

أقترب منه رافع وهو يقول:
_ لساك بتعافر يا واد عمي!، ما جولنا أنساها ما بجتش مكتوبة لك عاد.

وأخرج من طيات جلبابه سلاح ناري ووجهه أمام صدره وأطلق رصاصة أخترقت قلبه، بدأت الرؤية تتلاشي وآخر ما يراه هذا الرجل الذي يبدو كالظل الأسود يمسك بها عنوة ويبتعد حتي أختفي.

_ زينب؟.
صرخ بها مستيقظاً من ذلك الكابوس المزعج، يعلو صدره ويهبط بقوة والعرق يتصبب علي جبهته، أقترب منه منصور الذي أستيقظ أيضاً علي صراخه قائلاً:
_ كيفك يا فارس، أنت بخير؟.

نظر من حوله ليدرك إنه ما زال بداخل الزنزانة، حمد ربه في نفسه، ثم قال:
_ الحمدلله كان كابوس وراح لحاله.

أنفتح الباب الحديدي و دلف العسكري منادياً:
_ فارس قاسم القناوي.

أجاب فارس:
_ نعم.

_ عندك زيارة.

وقبل أن يذهب شعر بإنقباضة في قلبه، أخبره حدسه بأن هناك أمر سيئ قد حدث، أخذ يردد بعض الأذكار في نفسه حتي وصل إلي المكتب، فوجد الخالة هنادي وزوجها عم جابر ينتظرانه.

_ فارس يا ولدي، كيف يا ضنايا؟.
قالتها الخالة وهي تأخذه بين زراعيها بحنان أمومتها التي طالما تغدقه به.

_ كيفكم أنتي يا خالة والعم چابر.

أجاب جابر:
_ الحمدلله علي كل حال يا ولدي، لكن من يوم فراج الحاچ قاسم الله يرحمه والحكومه چت خدتك والدار كيف الكهف المهچور.
قالت الخالة وهي تتفحص وجهه:
_ أني متوكده إن شاء الله ربنا عيظهر براءتك والظالم الي سوي فيك إكده عياخد چزاته.

أمسك بيدها وربت عليها قائلاً برجاء:
_ أدعيلي بالله عليكي ياخالة أنا محتاچ لكل دعوة دلوق، أني حاسس كأني عبحلم، كل شئ حوصل ورا بعضيه كيف حب العقد الي فرط، مبجتش ملاحج ولا خابر أعمل أي، حاسس بالعچز.

ربت عليه جابر لمواساته:
_ وحد الله ياولدي وأستغفره، ده إبتلاء وأختبار من ربك، وبإذنه هينچيك منيه، خلي عندك ثقة وإيمان بالله.

_ ونعم بالله يا عم چابر.

قالت الخالة:
_ بيچبولك الواكل الي ببعتهولك كل يوم يا ولدي؟.

_ أه يا خالة تسلم يدك، المساچين الي معاي بيدعولك.

_ واه، أنت مبتاكلهوش إياك؟.

رمقها بحزن دفين وقال:
_ سامحيني يا خالة، ماعنديش نفس للواكل واصل.

قال جابر بإمتعاض:
_ لاء يا ولدي، لازم تاكل وتصلب طولك إكده عاد.

لم يهتم فارس للنصيحة بقدر لهفته علي معشوقته قائلاً:
_ جوليلي يا خالة بتشوفي زينب ولا هي بتتحدت وياكي؟.

نظرت الخالة إلي زوجها الذي رمقها بحذر، فأجابت بدون أن تنظر في عينين فارس الذي سيكتشف كذبتها:
_ زينة يا ولدي وبتسلم عليك.

رمقهما بشك وقال:
_ جولي الحجيجة يا خالة، أني خابرك لما بتداري حاچة عليا.

حدقها زوجها بنظرة إستسلام بأن تخبره ويحدث ما يحدث، زفرت الخالة بسأم وقالت:
_ زينب نجلها أخوها علي المشتشفي عشية إمبارح.

صاح بخوف عليها ويشعر بأنفاسه تختنق في صدره:
_ كيف حوصل، هو رافع سوي فيها أي عاد؟.

أجاب جابر:
_ كل الي نعرفو يا ولدي، إنها تعبت فچاءة وأغمي عليها ونجلوها علي المشتشفي ومانعين أي حد يروح يطمن عليها.

كاد يجن جنونه، يغدو الغرفة ذهاباً وإياباً، ظن أن شقيقها الظالم من المؤكد قد أذاها أو فعل به مكروه ما، زفر بقوة و أراد تحطيم تلك الجدران ويذهب إليها ويطمأن عليها، لكن كيف وهناك الكثير من العوائق.

_ أبوس يدك يا خالة حاولي بأي طريجة تروحيلها وتطمني عليها وطمنيني عليها لما تخرچي.

ربتت عليه وقالت:
_ عحاول يا ولدي، إهدي أنت ومتخلنيش أندم إني جولتلك.

_ الزيارة أنتهت يا چماعة.
قالها العسكري الذي دلف للتو.

ودعهما فارس وقلبه يتآكل من القلق والخوف علي مهجة فؤاده، وقبل أن يرحلا أكد علي الخالة لأكثر من مرة بأن تذهب للأطمئنان علي زينب وتأتي له لتخبره عن حالها.
2

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ فتحت عينيها رويداً بسبب ضوء الشمس النافذ من الزجاج، وجدت إنها تتمدد فوق سرير معدني تذكرت أحداث الأمس، أنتفضت وكادت تنهض وهي تنظر إلي معصمها الملفوف بالضماد، فأوقفها صوت الممرضة التي ولجت:
_ واه، عتعملي أي، خليكي كيف ما أنتي علي السرير.

نهضت زينب بجذعها وقالت:
_ أني عايزة أمشي من أهنه.

أقتربت منها الممرضة وهي تتفحص كيس المحلول المعلق والموصول إلي يد الأخري عبر أنبوب رفيع ينتهي بإبره تتخلل ظهر كفها.
_ لساتك تعبانه وما تجدريش تجومي علي حيلك عاد، وما تجلجيش أهلك زمانهم چايين.

نظرت لها زينب وشعرت بأنها قد رأتها سابقاً، فتذكرت وقالت:
_ هو أنتي...

قاطعتها الأخري:
_ كيف ما أتوجعت إنك عاتعرفيني، طول عمري بجول عليكي ذكية ماشاء الله، أيوه أني سمية الي كنت وياكي في المدرسة لحد الإعدادي وأنتي دخلتي ثانوية عامة وأني دخلت تمريض، دخلت بعد ما حبيت علي يد أبوي ولولا مارته الي ماصدجت تتخلص مني أقنعته يوافج لأنه كان معارض بيجول محدناش بنات تدخل تمريض وكأنه عار.

أمسكت بوسادة صغيرة ووضعتها خلف ظهر زينب لتستند عليها بأريحية، وأردفت حديثها:
_ و لما الحرباية أقنعته إنه تعليم ومستقبل وعيعطوني فلوس وأني بدرس وبتعلم في نفس الوجت وأهو منيه يستريح من مصاريفي وافج، وأني بصراحه ماصدجت أبعد عن خلجتها، مرة كيف الحية، ده الحية تتعلم منيها كمان.

أبتسمت زينب رغماً عنها وعندما وقعت عينيها مرة أخري علي معصمها فقالت:
_ أني كيف چيت أهنه؟.

جلست أمامها وأجابت بثرثرة كعادتها:
_ أخوكي الي بخاف منيه كل مابشوفه، كنت جاعدة ويا أصحابي في الطوارئ وفچاءة لاجينا أخوكي داخل بيصرخ علينا وشايلك علي يده ويدك غرجانه وبتنزف دم كتير، دخلناكي علي العمليات والدكتور لحجك علي آخر لحظة الحمدلله ولولا أنه يعرف أخوكي وعيلتكو زين كان جدم بلاغ للحكومة فيكي، ليه عملتي في حالك إكده يا زينب، ده أنتي كنتي مثلي الأعلي في العقل، وياما دجت علي الراس طبول بس عمري ما فكرت في الإنتحار، ده كفر ولأعوذب بالله.

تنهدت زينب و نظرت نحو الفراغ وقالت بيأس وقلة حيلة:
_ ربنا يسامحني، ما كنتش جاصده أجتل نفسي.

_ كيف يعني؟.

سردت زينب لها حكايتها، وكانت الأخري تستمع لها بحزن تارة وتعجب ودهشة تارة أخري، فتعاطفت معاها وقالت:
_ الله يكون في عونك يا خيتي، ومنه لله أخوكي طول عمره إكده ميحبش الخير ولا الخير يحبه عاد، طيب وناويه تعملي أي ويا الراچل الي عايز يتچوزك ده؟.

كادت تجيب فأوقفها طرقات علي الباب وتبعها حمحمه بصوت رجولي غليظ:
_ يارب ياساتر.

نظرت نحو الباب فوجدت شقيقها يدلف برفقة زوجته و والدتها.
فقال رافع:
_ سلامو عليكو.

رددت سمية السلام لكن زينب لم تتفوه بحرف واحد، بل كانت ترمقه بكراهية وغضب.
جلس علي أقرب كرسي قائلاً:
_ السلام لله يا خيتي.

فقالت والدتها وهي تجلس بجوارها:
_ إكده يابتي خلعتي جلبي عليكي لما لاجيتك سايحة في دمك، ده أبوكي من وجتها السكر علي عليه ومش جادر يتحرك من السرير.

فقالت نوارة:
_ بالتأكيد زينب ماتجصدش يا خالتي، دي كانت لحظة شيطان والحمدلله بجت بخير.

فقال رافع بغلظة ويرمقها بإزدراء:
_ ياريتها ماتت وأرتحت من همها بدل الفضايح الي سواتها فينا.

صاحت والداته به توبخه:
_ تف من خشمك يا واكل ناسك، كيف بتجول علي خيتك إكده؟، سبت أي للغريب عاد!.

فقالت سمية لمقاطعة تلك الأجواء المشحونة:
_ الحمدلله يا خالة الدكتور لحجها وبجت زينة كيف ما قدامك، وشوية وهنچيب لها الواكل عشان العلاچ.

قالت الحاجة رسمية:
_ أني چايبلها واكل معاي، شوربة خضار وفروچ مسلوجة، ناوليني يا نوارة الشنطة لأچل زينب تاكل.

قالت زينب والوهن يبدو في نبرة صوتها:
_ مطلعيش حاچة، مليش نفس.

قالت والدتها:
_ كيف دي يابتي، ما أنتي لساتك سامعه الممرضة بتجولك أي.

فقالت سمية:
_ خلاص يا خالتي، سيبي الواكل دلوق، وأني عبجي أواكلها بيدي.

صدح رنين هاتف رافع بموسيقي تتر مسلسل الضوء الشارد فأجاب:
_ ألو أيوه أني.
........
_ أهلاً وسهلاً يا سليم بيه.
........
_ أيوه إحنا في المشتشفي وجاعدين وياها.
.........
_أبوي الي بلغك إياك؟.
..........
_ تعالي، وأحنا عنستناك، تيچي بالسلامة، سلام.

أغلق المكالمة و وضع هاتفه في طيات جلبابه وقال:
_ قومي يا زينب وإعدلي خلچاتك و ألبسي حچابك، سليم بيه عرف من أبوي إنك تعبتي وچيبناكي أهنه، ياريت تداري الهباب الي في يدك دي، ولو سألك جوليلو كنتي تعبانة وأغمي عليكي.

زفرت بضيق وقالت:
_ وأني معوزاش أجابل حد، جولو أني نايمة وممنوعة الزيارة.

_ مايصوحش، الراچل بجي في حكم خطيبك دلوق ومن حجه يطمن عليكي.

صاحت بغضب:
_ أني مش خطيبة حد.

طرق الباب، فقال رافع وهو يرمقها بتوعد:
_ أتفضل يا سليم بيه.

دلف ويحمل في يده باقة زهور، ألقي السلام عليهم، رد الجميع ما عدا زينب التي أعتدلت في جلستها وتأكدت من وضع حجابها لكن هناك خصلة أنسدلت علي جبهتها.
قام رافع وجذب كرسي له قريباً من السرير وقال له:
_ أتفضل أجعد ياسليم بيه.

وقبل أن يجلس ذهب نحوها وهي تنظر إلي أسفل لا تريد رؤيته، ظن بأن يعتريها الخجل، وضع باقة الزهور علي الكمود بجوارها وقال:
_ حمدالله علي سلامتك يا آنسة زينب.
1

لم تجيب عليه، فقال رافع بتصنع:
_ معلش، أصلها بتتكسف، يلا يا أمي نجعدو برة شوي.
فقالت سمية:
_ عن أذنكو، عبجي أچيلك وجت تاني يا زينب.

وذهبت وغادر معها رسمية ونوارة ورافع الذي ألقي نظرة تحذيرية لشقيقته وترك الباب مفتوحاً وذهب.

نهض سليم وهو يفك زر سترته وجذب الكرسي فوضعه بجوار التخت وجلس قائلاً:
_ لو وجودي مضايقك أنا ممكن أقوم أمشي.

رفعت وجهها لتقول:
_ أن.....

توقفت الكلمات علي لسانها، لاتعلم ما يحدث لها، فهناك هالة غامضة ومخيفة حول هذا الرجل، عينيه شديدة السواد وذات نظرات حادة مرعبة، بمجرد أن حدقت بداخلهما شعرت بالخوف والرهبة، كما يمتلك جسداً رياضياً ذو لياقة بدنية وطولاً فارعاً ، يبدو من لون ثيابه عاشقاً إلي اللون الأسود.

أنتشلها من شرودها ذاك قائلاً:
_ أنتي أي؟.

أشاحت وجهها عنه وأجابت:
_ مفيش، كنت عجولك كتر خيرك، الحمدلله أني بخير.

تنهد وأخرج من جيب سترته علبة يكسوها مخمل أسود، فقال:
_ وبمناسبة إنك بخير الحمدلله، حبيت أقدملك هدية بسيطة، يارب تعجبك.

وقام بفتح العلبة فظهر محتواها وعبارة عن سوار من البلاتين المرصع بالألماس، أخرجه ومد يده لتعطيه يدها قائلاً:
_ تسمحيلي؟.

رمقته بنظرة حادة بعكس قلبها الذي يرتجف من الخوف، قالت بنبرة قوية:
_ خلي هديتك معاك يا سليم بيه، وياريت تنسي إتفاجك مع أخوي وأبوي بخصوص قراية الفاتحة.

أقسمت بداخلها أنها تري الآن الجحيم بداخل عينيه، لكن ردة فعله تخبرها بعكس ذلك، فحدثها بهدوء يُحسد عليه:
_ مش أنا الي أتجوز واحدة غصب عنها يا آنسه زينب.

أبتلعت ريقها وتحاول إخفاء توترها:
_ أومال تسمي الي حوصل ده أي عاد؟.

_ أجاب بنفس الهدوء الذي يخفيها بقدر ما يطمأنها:
_ أنا دخلت بيتكم زي أي واحد بيجي يطلب أيد البنت الي عاجبته ويتمناها زوجة ليه.

_ طب مش البنت دي المفروض بياخدو رأيها إن كانت موافجة ولا لاء!، ولا هي چارية بتتباع للي يدفع أكتر! .

نجح في إدراك تفكيرها والذي يبدو إنها علي قدر كبير من الوعي وفوق هذا لديها شخصية قوية لا تنحني أبداً وهذا ما أثاره وجعله ينجذب إليها أكثر.

أجاب عليها:
_ ومين قالك جاي أشتريكي، أنا جيت طلبت إيديكي علي سنة الله ورسوله، و والدك وأخوكي قالو موافقين وقرينا فاتحة.

فقالت بإعتراض:
_ بس أني موافجتش، ولا أعرفك ولا تعرفيني، كيف عايزني أتچوز من واحد أخري أعرف إسمه.
أرادت أن تخبره إنها لم ولن تتزوج غير فارس عشقها الأول والأخير، لكن تخشي أن يخبر شقيقها ويقوم بإيذاءه كما هددها سابقاً.

قال لها وهو يرتسم الهدوء بعكس ما بداخله:
_ أنا رجل أعمال يعني لفيت كتير في كل بلد وعرفت ناس أكتر بكتير، وفاهم وحافظ عادات وتقاليد كل بلد خاصة محافظات الصعيد، ولو كان ينفع عندكو إننا نعمل فترة تعارف ده غير الخطوبة كنت طلبت ده من أهلك، لكن حبيت أمشيها رسمي، وفي كل الحالات هيبقي فيه وقت نعرف فيه بعض، ولو أنتي عايزة تسألي عني وعن أي حاجة أنا تحت أمرك، المهم تكوني مرتاحة.

_ والأسبوع ده وجت كفايه!، كيف يعني؟.

_ أصدك أي مش فاهم؟.

قالت:
_ أبوي جال لرافع أخوي إن الخطوبة الأسبوع الچاي والي بعده الفرح، مش ده كان إتفاجك وياهم؟.

ضحك من براءتها الساذجة، ألتمس بداخلها نقاء برغم قوتها التي تتظاهر بها، أجاب قائلاً:
_ هو أنتي أي كلام يتقالك هتصدقيه!، أنا ما أتفقتش معاهم علي كده، أنا قولت هعدي عليكو ومعايا الجواهرجي عشان تنقي شبكتك وفي نفس الوقت كنت هاحدد ميعاد للخطوبة وده بعد ما كنت هسألك أنتي شخصياً عن الميعاد الي يناسبك.

_ خلاص يبجي تسيبني أفكِر.

أبتسم وقال:
_ من حقك طبعاً تاخدي وقت تفكري فيه براحتك حتي تكوني قومتي بالسلامة.

شعرت بالراحة بعدما ألتمست من حديثه بأنه يبدو عكس شقيقها ذو العقل والتفكير المحدود، و هذا سيعطيها وقت كافي تفكر كيف تتخلص من تلك الورطة قبل أن تقع في براثنها.
فقالت له بتصنع:
_ متشكرة جوي.

_ علي أي؟.

_ إنك فهمتني ومعملتش معاي كيف أخوي وأبوي.

شعر بالسعادة من داخله ظن إنه نجح في كسب ودها ولو قليلاً، فكان كالثعبان يزحف حول ضحيته ويوهمها بالأمان حتي يوقعها في شراكه وتدخل جحره بملأ إرادتها فلا تستطيع الفرار، لكن لايعلم إنها هي من أوهمته بالإستسلام حتي تعطي لحالها هدنة من التفكير لتتخلص من شرور شقيقها وهذا الرجل الذي يبدو لها إنه أخطر بكثير من أخيها.
5

أعتدل في جلسته وقال:
_ لو حابه تشكريني فعلاً أقبلي هديتي.
وأخرج السوار مرة أخري ومد يده ليمسك بيدها فأنتفضت وهي تجذبها، وقعت عينيه علي الضماد حول رسغها، تبدلت ملامحه إلي التجهم وأشتدت ظلمة عينيه، فسألها:
_ كنتي بتنتحري؟.

توترت وهي تخبأ معصمها بطرف كوم ثوبها:
_ ده، ده....

باغتها بحدة حيث نهض من مكانه و وقف أمامها مباشرة وأنحني نحوها، أمسكها من كتفيها وحدجها بنظرة دبت الرعب في خلايا جسدها قائلاً بفحيح:
_ أول وآخر مرة تعملي حاجه زي دي في نفسك ولا تفكري حتي تأذيها، فاهمة يا زينب؟.
2

وقبل أن تجيب دخل شقيقها فأبتعد سليم عنها علي الفور.
قال رافع:
_ ها يا سليم بيه أطمنت علي عروستك؟.

وفي ثوان كانت ملامحه عكس ما كانت منذ قليل، فالآن أبتسم وألقي نظرة علي زينب التي ترمقه بصدمة ثم نظر إلي رافع وقال:
_ آه أطمنت، ده حتي أتفقت معاها لما تقوم بالسلامة هاجي لكو نحدد ميعاد الخطوبة.

أتسعت عينيها وهي ترمقه بعدم تصديق فهو قد خالف إتفاقه معها، فأردف ليزيد من صدمتها:
_ والفرح.

وقال رافع بتحدي لها كعقاب علي ما أقترفته من محاولة إنتحار:
_ يبجي شبكة وكتب كتاب والفرح كلاتهم في يوم واحد ويكون السبوع الچاي.

أجاب سليم عليه بسعادة:
_ الي تشوفه طبعا يارافع بيه، أنا عن نفسي جاهز ، ولو العروسة تحب تيجي تشوف القصر وتغير فيه حاجة أنا تحت أمرها.

فأجاب رافع غير مكترث لنظرات شقيقته التي تنظر إليهما بصراخ:
_ أختي ما عتخرجش من دار أبوي غير علي دارك وهي مارتك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3

🌷يتبع🌷
_ تركض هذه الفتاة خلف شقيقتها لتتشاجر معها،  تصرخ في وجهها: 
_ مش جولتلك ميت مرة إياكي تاخدي حاچة من خلچاتي تاني؟  .

قالت الأخري وهي تتفادي أن تمسك بها شقيقتها:
_ وليه متكونش قمر هي الي خدتها،  ولا كل حاچة أني.

رمقتها بحنق وقالت:
_ بكفياكي كدب عاد،  قمر منتقبة،  كيف عتلبس بنطلون چينز وتخرچ بيه،  مفكراني عيلة صغيرة إياك!  .

جاءت إليهما سيدة ذات ملامح حادة وغليظة،  تمسك في يدها دجاجة وبطة واليد الأخري سكين،  صاحت بتوبخيهما: 
_ إكتمي منك ليها بدل ما أخلع المركوب وأنزل بيه علي خشمكو.

فقالت الفتاة الأولي: 
_ عاچبك ياماه بتسرج البنطلون بتاعي وتخرچ بيه من غير ما تستأذن؟.

_ وماله لما تلبسو وتخرچ بيه،  كانت أكلته إياك!  ،  كفياكو دلع ماسخ وتعالو نضفو معايا الطيور دي،  خليني ألحج أخلص الواكل.

نظرت الفتاة الأخري إلي الدجاج والبطة: 
_ وعتعملي كل الواكل ده لمين،  چايلنا ضيوف؟  .
أجابت والدتها: 
_ أيوه يا أخرة صبري،  خالكو راچع من السفر و چاي يجعدو له حدانا يومين،  يلا همي منك ليها،  و واحدة منيكم تروح تصحي البرنسيسة الي متكوعة لحد دلوق تجوم تنضف الدار وتغير الفرش وتسيق الأرض.

_ قمر تعبانة ياماه،  كانت عماله تبكي إمبارح وماسكة في بطنها،  لولا خيتي عتطها برشامة مسكن مكنتش عرفت تنام عاد.

فقالت السيدة بدون شفقة: 
_ إياكو تجولو لأبوكو أبو جلب حنين،  لو عرف عياخدها عند الحكيم ويصرف الجرشين الي حداه،  كنا ناجصين بت خيته الي طلعت لنا في المجدر دي كمان.

كانت تقف خلف باب الغرفة من الداخل تستمع إلي حديث زوجة خالها غليظة القلب،  أنسدلت من عينها عبرة،  وقف بجوارها إبن خالها الصغير يمسك بطرف ثوبها: 
_ قمر،  قمر.
3

أنتبهت له وأنحنت إليه تبتسم له: 
_ نعم يا عموري.

وضع كفه الصغير علي وجنتها يلمس عبرتها:
_ أنتي بتبكي؟  .

هزت رأسها بالنفي وجففت عبرتها: 
_ لاء يا حبيبي،  عينيا بتوچعني هبابة.

عقد حاجبيه بضيق وقال: 
_ لع،  أنتي بتبكي بسبب الي جالته أمي،  وأنا عجول لأبوي عليها كيف متبكيش تاني.

قالت له بتوسل: 
_ إياك يا عمر والله عزعل منك وما أتحدت وياك تاني.

_ طيب تعالي معاي وصليني للمسچد وماتعمليش حاچة من الي جالت عليها.

_ مينفعش يا عمر،  خالي لو عرف عيزعل مني،  أني مابساعدش أمك كيف أخواتك.

قال الصغير بتلقائية: 
_ لو خابر أصلاً إن أمي عتخليكي تنضفي كل يوم الدار كلاتها لوحدك عيزعلها هي.
 _ كفياك حديت،  وروح حضر شنطتك عشان تلحج سيدنا الشيخ جبل ما يبدأ الدرس.

_ ماشي،  بس كنت عايز أجولك علي حاچة.

تنهدت وقالت: 
_ ها،  سمعاك.

أقترب من أذنها وهمس: 
_ الشيخ بكر سألني عليكي.

ضربته بخفة خلف رأسه وقالت: 
_ طب يلا يا أبو نص لسان روح أعمل الي جولتلك عليه.

ركض الصغير من أمامها،  وقفت أمام النافذة تبتسم وتقول في داخل نفسها: 
_ سألت عليك العافية يا روحي،  واه أي الي بجوله ده،  عيب يا قمر خالك لو عرف يجطعك حتت،  و هو عيعرف منين يعني.
1
قاطع أفكارها تلك الحيزبون: 
_ الله،  الله يا ست قمر،  واجفة قدام الشُباك وسايبة الدار تتضرب تجلب،  مستنيه الخادمين الي عينضفوها إياك؟.

ألتفتت لها وقالت: 
_ حجك علي يا مرات خال.

ألقت لها دلو وقطعة ثياب قديمة من الصوف وقالت: 
_ يلا همي،  عندينا شغل كتير.

_ حاضر يا مرات خال.
وذهبت لتنفذ ما أمرتها به،  لكن كان يهون عليها الأمر كلما تتذكر وجه هذا الشيخ الوسيم ومدي إحترامه عندما يتحدث إليها وهو يغض بصره برغم إرتداءها غطاء الوجه،  فهذا الذي طالما حلمت به وتتمناه زوجاً لها.
4

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ وبالعودة إلي المشفي،  نهضت بعدما غادر الجميع وعزمت علي أمر لا محالة منه، فما حدث منذ قليل من قرارات شقيقها وهذا المخيف جعلها وصلت لذلك التفكير مهما كلفها الأمر ،  عليها بالفرار إذن، لكن عندما علمت أن أخيها ترك أثنين من رجاله علي باب الغرفة من الخارج أصابها الإحباط.
قاطع حبل أفكارها طرق علي الباب فأسرعت إلي السرير لتتمدد عليه لكن تنفست الصعداء عندما وجدتها الممرضة سمية.
_ كيفك دلوق يا زوزو؟  .

رمقتها وهي تفكر في أمر ما،  فقالت: 
_ سمية،  جصداكي في خدمة.

أقتربت منها الأخري وقالت: 
_ جولي يا حبيبتي،  وأني تحت أمرك.

نظرت نحو الباب فخفضت من صوتها: 
_ عايزه أهروب من أهنه.

حدجتها سمية بصدمة: 
_ تهوربي!  .

جذبتها من يدها بتوسل قالت:
_ وطي حسك عتفضحيني، لو معرفاش تساعديني خلاص.

_ مجصديش يا زينب،  لكن كيف و چوز الأسود الي برة دول واجفين؟.

أقتربت منها وقالت بهمس: 
_ أني عجولك تعملي أي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
5

وبعد قليل...
خرجت سمية من الغرفة و عادت تحمل صينية بها كوبين من الشاي وشطائر فول وطعميه
_ أتفضل منك ليه، حاچة كده بسيطة هتلاجيكو علي لحم بطنكو من إمبارح.

نظر دبيكي إلي الشطائر ولعابه يسيل بإشتهاء، فقال ببلاهة:
_ تسلم يدك يا دكتورة، كنا عنموتو من الچوع جوي.

ضحكت وقالت بدلال مصتنع:
_ دكتورة مرة واحدة !، الله يكرمك يا إسمك أي...

تشدق وهو يمضغ الطعام:
_  إسمي دبيكي يا قمر، والي چمبي ده ما بيتكلمش إسمه چعيدي.

ضحكت رغماً عنها قائلة:
_ دبيكي وچعيدي، عاشت الأسامي.

أشار لها بتحية:
_ الله يخليكي.

_ أي خدمات تاني، أنا عاروح أفوت علي العيانين ومعاوده أهنه تاني لأچل نطمنو علي زينب.

_ متشكرين يا قشطة.

ذهبت وأنتظرت أكثر من عشر دقائق ثم عادت لتجدهما يجلسان علي الأرض نائمين وبجوارهما كأسين الشاي شاغرين، نظرت من حولها لتتأكد من خلو الممر من أي مارة، وأنحنت نحو هذان النائمين لكزتهما بعنف حتي تطمأن، فقالت بتهكم لهما:
_ دبيكي وچعيدي، جبر يلمك منك ليه، دي أسامي تجابلو بيها ربنا.
3

دلفت الغرفة فوجدت زينب تنهض باللهفة:
_ جوليلي عملتي أي وياهم؟.

إبتسمت بزهو وإنتصار:
_ عيب عليكي، لايچيبها إلا حريمها، نيمتهوملك كيف الخرفان، نجطت لهم في الشاي بنچ من الي بنستخدموه في عمليات الچراحة، يعني قدامهم لبكرة لأچل يفوجو.

تنهدت زينب بفرحة وقالت:
_ عفارم عليكي يا سمية معرفاش أشكرك كيف ، أنتي چدعة جوي ربنا مايحرمني منِكي.

ربتت عليها وقالت:
_ متجوليش إكده ياما وجفتي چمبي وكنت بتقسمي معايا مصروفك والواكل بتاعك، كنتي أحن علي من أبوي ومارته العقربة.

_ ربنا يعلم كنت بعاملك كيف خيتي وأنتي بنت حلال وتستاهلي كل خير، أهي دارت الأيام و چه الوقت الي بتوجفي فيه چاري.

أمسكت يدها لتجذب منها إبرة المحلول قائلة:
_ كفياكي حديت كتير عاد،وهمي جبل ما يچي حد وماتعرفيش تهوربي، وخلي معاكي دول.

نظرت زينب إلي ما تعطيها إياه، فوجدت هاتف من الطراز القديم ومبلغ من المال، فقالت بإستفهام:
_ أي دول؟.

أجابت الأخري:
_ ده محمول كنت بخليه معاي للطوارئ لو التاني فصل ولا حاچة، وده مبلغ بسيط لأچل السفر، ولو جولتي لاء وربنا لأزعل منك وعاروح أصحيلك چوز الغربان الي قدام الباب.
5

تجمعت عبراتها بين أهدابها، فقالت سمية: 

_ واه،  عبتبكي ليه دلوق؟  .

عانقتها زينب بقوة قائلة:
_ لو كان ليا أخت ما كانت وجفت چاري كيفك عاد، ربنا ما يحرمني منك.

مسدت الأخري علي ظهرها وقالت بنبرة حزينة علي وشك البكاء:
_ كفياكي بجي لأبكي أني كمان، عتخليني نروح نجتلو الدبيكي والچعيدي وزعيم العصابة رافع الضغط والسكر دي.
2

جعلتها ضحكت رغماً عنها، وبعدها بدأت الأخري في مساعدتها لإرتداء ثياب قد أحضرتها لها من إحدي زميلاتها وكانت منتقبة، حيث أخذت منها عباءة سوداء فضفاضة وغطاء وجه أسود حتي لايتعرف عليها أحد من أهل النجع ويذهب ليخبر شقيقها.

خرجت من الغرفة بخطي هادئة تتسحب، حتي تمكنت من مغادرة المشفي، و وقفت تشير إلي سيارة أجرة، أستقلتها وهي تقول للسائق:
_ موقف ميكروباصات بحري يا سطا الله يخليك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ كان يستمع إلي الأطفال وكل منهم يتلو من آيات الله التي جعلهم يحفظونها عن ظهر قلب مع تفسير معانيها في شرح مبسط يسهل عليهم إدراكها.
جاء دور الصغير عمر،  فوقف أمام شيخه الذي قال له: 
_ سمع يا عمر سورة العلق.
2

عقد ساعديه أمام صدره وقال: 
_ بسم الله الرحمن الرحيم،  إقرأ.....
صمت و نظر لأسفل يحاول أن يتذكر،  فقال بكر: 
_ مش حافظها ولا أي عاد؟.

أومأ له الصغير بأسف وإعتذار: 
_ معلش يا شيخ،  أصل قمر  تعبانة جوي وهي الي كانت بتحفظني وتسمعلي القرآن،  والنهاردة أمي خلتها تنضف الدار كلها لأچل خالي الي معاود من السفر.
4

عقد حاجبيه بضيق وقال: 
_ خلاص روح أقعد ويا أصحابك وراچع السورة وحاول تحفظها لأچل إسمعهالك آخر الدرس.

ذهب الصغير،  وتركه يفكر فيما أخبره به،  لما عندما سمع إنها مريضة شعر بغصة في قلبه،  وأستشف من حديثه أن زوجة خالها لم ترحم حالتها وتجعلها تقوم بمهام التنضيف بلا شفقة،  ومن نبرة الصغير يبدو إنها تعيش في بؤس وشقاء.
قال في نفسه: 
_ چري أي يا بكر مالك شاغل بالك بيها ليه عاد!  ،  كانت تجربلك إياك!؛،  ماتخليش الشيطان يچرك للمعصية،  وخليك في شغلك وحالك.
1

_ شيخ بكر،  ياشيخ بكر.
نادي بها إحدي تلاميذه،  فأنتبه إليه وقال:
_ نعم يا زين.

أشار له نحو باب المسجد وقال: 
_ عم زكريا أخوك بيجولك عايزك دقيقة.
1
تنهد بكر وأغلق المصحف الذي بين يديه و وضعه علي المنضدة،  نهض ليذهب إلي شقيقه المنتظر خارج المسجد.
_ خير يا أخوي،  چاي تستأذني لأچل تصلي ولا أي عاد.

قالها بكر بسخرية مازحاً، فأجاب  شقيقه بلكزه في كتفه: 
_ دمك خفيف من يومك يا سيدنا الشيخ،  لاء چاي لك في طلب.

_ وأني الي كنت مفكر إنك چاي تتوب عن ذنوبك وتقرب من ربنا وتصلي في المسچد.

رمقه الآخر بجدية وحذر قائلاً  : 
_ كفياك حديت ماسخ ومتنساش إنك بتتحدت مع أخوك الكبير.

رفع جانب فمه بسأم من حال شقيقه دائم المعصية والغارق في ملذاته،  كم من مرات قام بنصحه بالحسني حتي ضاق به زرعاً،  و أحضر له كتب عن عقاب من يستحل الذنوب والكبائر في الدنيا والآخرة ليتعظ ويكف عن ما يفعله لكن لافائدة،  فكان الآخر يلق الكتب في وجهه ويسخر منه ويوبخه أحياناً  .
2

فقال له بإحترام وجدية:
_ لاء مش ناسي إنك أخويا الكبير، بس بفكرك إن الكبير بيبجي بأخلاقه و كلنا كيف ما أتخلقنا من تراب عنعاود تراب تاني والي عيبجي لنا العمل الصالح يا أخوي، وأني عشان بحبك وخايف عليك كل ما أشوفك عانصحك لحد ما تمشي في الطريج الصوح.

صاح زكريا بتهكم ونفاذ صبر من حديث شقيقه الذي يضيق عليه ويجعله يشعر كم هو ضئيل أمام نفسه وضعيف لشيطانه المستسلم إليه:
_ ما خلاص يا سيدنا الشيخ، مش كل ما تشوف خلجتي تدي في مواعظ ولا كأني كافر، عجولك علي حاچة، وأنت بتصلي أبجي أدعيلي أحسن.

هز رأسه بسأم وقال:
_ ربنا يهديك يا أخوي.

_ اللهم أمين يا ولد أبوي، شوفت ناستني الي كنت چايلك عشانه، صوح أفتكرت، بجولك محتاچ لقرشين سلف وعبجي أردهملك لما أجبض.

إبتسم بكر وقال بسخرية:
_ عتردهم كيف الي قبلهم إكده؟.

زفر بتأفف وقال:
_ بتعايرني يا شيخ الله يسامحك.

وضع بكر يده في جيب جلبابه وأخرج محفظته الجلدية:
_ كفياك تمثيل أني خابرك زين، أتفضل يكش تصدج المرة دي وترچعهم.

أعطاه جزء من نقوده فباغته الآخر بجذب ما تبقي قائلاً:
_ وأعطيني دول كماني.

صاح بكر بإعتراض:
_ واه، رچعهم يا زكريا، دي فلوس البضاعة الي عستلمها بكرة.

رد الآخر بسخرية وهم بالذهاب:
_ بضاعة أي عتضحك علي نفسك إياك، لما تبيع الي حداك الأول، ده نچع أهله فقر ما بيشتروش حاچة غير بالتقسيط.

صاح بكر قبل أن يدلف إلي المسجد:
_ ماشي يا زكريا، آخر مرة عسلفك فيها وأبجي خلي واد خالك مثلك الأعلي يسلفك.
2

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ أنتهي من تناول الطعام ونفض يديه، نهض إلي المرحاض فوجدها تسبقه وتحمل بيدها منشفة قطنية، وقفت بجواره أمام الحوض وهو يغسل يديه، فقال ويرمقها بمكر:
_ خير يا نوارة، عايزة أي؟.

أعطته المنشفة ليجفف يديه فقالت:
_ عادي يعني، طول عمري بناولك الفوطة بعد ما بتغسل يدك، فرجت أي المرة دي؟.

حدجها بنصف عين قائلاً:
_ علي أني يابت، ده أني خابرك وعاچنك بيدي، و بعرف الي رايده تجوليه قبل ما تُنطجي.

خرج فتتبعته كظله قائلة:
_ بصراحة إكده، عايزه أروح لأمي أطمن عليها ومنها أقعد معاها أشوفها محتاچة حاچة.

وقف أمام مرآة الزينة يمشط خصلات شعره ثم شعيرات شاربه بمشط صغير:
_ ما كانت عندينا ليلة إمبارح، لحجت تتوحشك جوي إكده!.

تصنعت الحزن وأجابت:
_ چت عاتبتني لأچل وجت ما تعبت وأني ما روحتش ليها يوميها مع خالتي رسمية.

سألها بتهكم:
_ وأي الي مانعك؟.

_ كان عندي شغل كتير في الدار وچه خبر موت عمك قاسم الله يرحمه، وأتلهيت بجي.

قام بلف عمامته البيضاء حول رأسه وقال:
_ روحي ومتغبيش، جبل المغرب تعاودي علي أهنه، أديكي شايفة أبوي تعبان بسبب مجصوفة الرجبة خايتي، وأمي صحتها علي قدها يدوب بتقضي طلبات أبوي بالعافية.

تهللت أساريرها بفرح وقالت:
_ من غير ما تجول يا سيد الناس، ععاود جبل المغربية إن شاء الله.

ضحك من ردة فعلها، جلس علي طرف التخت حتي يرتدي حذاءه فسبقته وتناولت الحذاء لتضعه بقدميه:
_ عنك يا جلبي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
9

_ وقف الطبيب قبل أن يولج إلي داخل الغرفة ليطمأن علي مريضته،  فأنتبه لهما يتمددان علي الأرض ويصدران من فاهما  شخيراً مزعجاً،  لكز إحدهما وكان دبيكي: 
_ أنت يا بلدينا،  أنتو فاكرين نفسكو في لوكاندة ولا أي،  الله يخربيتكو صوت شخيركو مسمع المستشفي كلها.

لم يستيقظ هذا الدبيكي،  فقالت الممرضة التي معه: 
_ عن إذنك يا دكتور،  دول ما بيصحوش إكده.
و ذهبت مسرعة لتحضر زجاجة مياه وقامت بفتح الغطاء قائلة  : 
_ بيصحو كيف إكده.

دفعت المياه علي وجوههما،  فأستيقظا بفزع ويتمتم كل منهما بكلمات غير مرتبة : 
_ أباه،  في أي،  كيف،  ميتي،  إحنا فين.

أجاب الطبيب بتهكم عليهما: 
_ أنتو في فندق خمس نجوم تحبو نجيبلكو الغدا هنا ولا علي السرير يا حضرات!  .

تلفت دبيكي من حوله وقال وهو يحك رأسه أسفل عمامته: 
_  مش دي مشتشفي برضك ولا أي عاد؟.

فقال الطبيب:
_ بيقولو كده، يلا أتفضل منك ليه وأستنو المريضة برة المستشفي، وشوية كده وهكتبلها علي خروج وهابقي أبلغكم.

قال دبيكي بحزم:
_ معلش يا دكتور، إحنا مش هنتنجل من أهنه غير بأوامر من رافع بيه أخو الآنسة زينب الي چوه.

همست الممرضة إلي الطبيب:
_ماتتعبش روحك وياهم يا دكتور، دول مش عيتحركو عواصل من أهنه غير بأوامر من كبيرهم بلدياتي وخابراهم زين.

زفر بتأفف وضجر فقال:
_ طيب ممكن توسعو من أدامي عشان أدخل.

أبتعد كليهما من أمام الباب:
_ أتفضل يا دكتور.

دلف الطبيب والممرضة فصاح من الداخل عليهما:
_ أنت يابتاع منك ليه يالي واقفين برة.

ركض دبيكي وتبعه چعيدي إلي الداخل، فقال الأول بتساؤل:
_ في أي يا دكتور؟.

أشار لهما نحو التخت الشاغر مجيباً:
_ فين الآنسه الي المفروض بتحرسوها؟.

أمسكت الممرضة الأنبوب المعلق بالمحلول فتركته، ثم ذهبت إلي المرحاض لتجده فارغاً ولم يوجد أحد، عادت إليهم وقالت:
_ آنسة زينب مش موچودة يا دكتور.

صاح دبيكي بصوته الغليظ:
_ كيف الي عتجوليه دي يا وليه!.

رمقته بإزدراء وصاحت به:
_ وليه في عينك يا بغل أنت.

قال الطبيب:
_ روحي شوفي مين من الممرضات الي كانت بتابعها وأسأليها يمكن تكون خرجت.

صاح دبيكي بعويل:
_ خرچت!، يا واجعة مربربه.
وركض كليهما يبحثان عنها في أرجاء المشفي ولم يجدها إحدا منهما، فقرر دبيكي الإتصال علي رافع وإخباره بهروب شقيقته برغم إنه يعلم عن سيلحقهم بعقاب شديد علي إهمالهما.

وهنا لدي موقف سيارات الأجرة المتجهة إلي محافظة القاهرة ومحافظات الدلتا، كانت تتلفت من حولها، تنظر بذهبيتيها من فتحة غطاء الوجه التي ترتديه، كادت تصطدم بإحدهم الذي قال لها:
_ رايحة علي فين يا مدام؟.

حاولت تغير نبرة صوتها لطبقة صوتية غليظة:
_ أني رايحة مصر (القاهرة).

قال لها متجهاً نحو السيارة:
_ تعالي ورايا.

نظر بداخل السيارة باحثاً عن كرسي شاغر لها، فقال:
_ أتفضلي الكرسي الي عند الشُباك الي چوه.

صعدت درج السيارة ودلفت ثم جلست علي الكرسي، شعرت بوخزة في قلبها فأنتفضت عندما رأت رجال شقيقها، يبدو إنهم يبحثون عنها في المكان، أغلقت النافذة وتصنعت النظر في الهاتف التي أعطته لها سمية، وظلت تراقب بطرف عينها الأوضاع بالخارج عبر النافذة.
صعد السائق قائلاً:
_ كله تمام إكده يا چماعه؟.

أجاب عليه الجميع:
_ أطلع ياسطا، طريج السلامة إن شاءالله.

أدار مشغل السيارة قائلاً:
_ يارب يا مسهل، توكلنا علي الله.

وأنطلقت السيارة بينما ما زال رجال رافع يبحثون ويسألون المارة عن رؤيتهم لزينب هنا أم لا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
7

_ نزل من سيارته أمام مبني وزارة الداخلية،  فوجد صديقه المقدم طارق المنسي ينتظره قائلاً  بقلق: 
_ أي الي أخرك كده يابني مش مأكد عليك الميعاد ولا عايز سيادة اللواء يسمعك محاضرة زي المرة الي فاتت؟  .

وقبل أن يجيب أنتابته حالة عطاس قوية،  وجفف أنفه بالمحرمة،  وقال: 
_ الحمدلله، معلش يا طارق باشا،  الدائري كان واقف بقاله ساعة.

قال طارق:
_ يرحمك الله، شكلك داخل علي دور برد جامد.
لكزه في كتفه وأردف بمزاح:
_ أرحم نفسك شوية يا سيادة النقيب.

ضحك أكرم فقال:
_ هو أنا أجي فيك أي يا باشا، ده أنت ماشاء الله وحش الداخلية.

قهقه الآخر قائلاً:
_ يانهار قر، يابني ده أنا بقالي شهر مشوفتش المدام بسبب اللجان الي كنا بننزلها والنبطشيات، ولما جيت أقدم علي طلب أجازة مؤقتة جاتلنا مأمورية وكان علي يدك كل حاجة.

_ متفكرنيش، ده أغلب مشاكلي كلها مع مراتي بسبب موضوع المأموريات والنبطشيات ده.

رد الآخر:
_ يجو يشوفو المرار والأرف الي بنشوفه من حرقة دم وأعصاب وأشكال لايعلم بيها إلا ربنا لازم نتعامل معاهم.

وقبل أن يتفوه أكرم صمت وهو ينظر نحو سيارة قد توقفت للتو بالقرب من المبني، فقال:
_ ألحق شوف مين الي جاي.

لكزه طارق بدون أن يلفت نظر ذلك القادم، وهمس:
_ أياك تتكلم معاه في حاجه، أنا عارفك مبتسكتش.

وقف أمامها بتكبر وزهو قائلاً:
_ أزيك يا طارق بيه.

أجاب طارق:
_ تمام، بس أي الشياكة دي كلها.

فقال أكرم بتهكم وبكلمات ذات مغذي :
_طبعاً ما هو ياسر باشا ما بيقبضش قليل.

أبتسم له ياسر إبتسامة صفراء وقال:
_ أنا واحد شايف شغلي صح، الباقي والدور علي مش عارف يقفل قضايا بقالها سنين.

قهقه أكرم وأجاب بسخرية:
_ أصدك شايف مصلحتك صح مع المجرمين والقتالين وبتقفلهم قضاياهم من غير حتي حرف من أسماءهم يجي في المحضر.

صفع طارق جبهته وهز رأسه بقلة حيلة، فأستشاط ياسر غضباً وقال  :
_ عايز أي يا أكرم يا عمران،  شكلك ما أتعلمتش من أخطاء سيادة اللواء والدك الله يرحمه، وأديك شوفت لما تدخل فلي ملهوش فيه الحيتان عملو فيه أي.

أقترب أكرم منه بوضع الهجوم، فأمسك به طارق:
_ إهدي يا أكرم وتعالي نطلع ملكش دعوة بيه.

أبعد أكرم يد طارق عنه وقال إلي الآخر:
_ سيادة اللواء كان أشرف منك ومن الحثالي الي بتشتغل معاهم، علي الأقل أستشهد بشرف وهو بينفذ القسم زي ما قاله، وقريب أوي يا ياسر يا مدكور لتقع في شر أعمالك أنت والي معاك ودخولكو أبو زعبل هيكون علي أيدي إن شاءالله.

إبتسم ياسر بسخرية وقال:
_ شكل الوالد وحشك أوي وعايز روحك توانس روحه، متقلقش طلبك هتنوله و هيكون علي أيدي برضو.

أقترب من أذنه واردف ليسبر أغواره:
_ أو علي أيد سليم باشا.

قالها و ولج إلي داخل المبني، فقال طارق:
_ مش قولتلك ملكش دعوة بيه يا أكرم، أديك خليتو يحطك في دماغه وربنا يستر.

نظر أكرم بعينيه كالصقر نحو ياسر قائلاً:
_ يبقي يوريني هو والباشا بتاعه، ساعتها هاعرفهم مين هو أكرم عمران علي حق.
3

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ وكنتو فين يا چلوس الطين منك ليه لما هربت.
صاح بها رافع إلي دبيكي وچعيدي

نظر دبيكي إلي أسفل وأجاب بخزي: 
_ والله يا رافع بيه ما أتحركنا واصل من قدام الأوضة،  كل الي فاكرينو قبل ما ننام چت البت الممرضة الله يحرجها عطاتنا واكل وشاي وما دراتشي بحالي بعد إكده.

حدجه رافع بنظرات كالنيران المتأججة وقام بصفعهما: 
_ البت غفلتكو بالواكل ودستلكو منوم فيه يا خروف منك ليه.

وضع كليهما يديهما علي وجههما يتحسسان مكان صفعته لهما،  فقال دبيكي: 
_ ما أني سألت عليها وحلفت ما أني سايبها غير وأنا جابصها وعچبهالك لحد عندك،  بس...

_ بس أي، أُنطج.
صاح بها رافع
نظر نحو رافع بخوف، فقال: 
_ مشيت من المشتشفي وخدت أچازة،  وما نعرفلهاش طريج واصل.

_ عشان مشغل معاي شوية نسوان.

_ حجك علينا يا رافع بيه.

أحتدت عينيه ب شر مستطير وقال بتهديد صريح: 
_ تغورو من أهنه ومتعاودوش غير والبت الممرضة دي وياكو،  قدامكو لحد بكره وإلا أرميكو للمطاريد في الچبل وأجولهم علي الي كان بيبلغ عنيهم الحكومة، ولا أي يا چعيدي.

نظر جعيدي لأسفل صامتاً،  فقال دبيكي:
_ أمرك يا كبيرنا.

أشار لهما بإزدراء: 
_ يلا غورو من قدامي،  جبر يتاويكو ويولع فيكو.

غادر الأثنان مسرعين من أجل إتمام مهمة البحث عن سمية التي كانت تعلم ما سيحدث،  فقامت بتقديم أجازة من عملها وأبتعدت عن النجع لدي إحدي معارفها.

رن هاتفه في جلبابه،  أخرجه ونظر إلي الشاشة ليجد المتصل به سليم العقبي،  فقال قبل أن يجيب عليه: 
_ و أهو ده الي كان ناجص،  لو چاله خبر بالي حوصل عيجلب الدنيا فوج روسنا، عتچيبلنا العار يا بت ال.....

أجاب علي الإتصال:
_ كيفك يا سليم باشا؟.
............
_ لسه عانروح آخر النهار نطمنو عليها ونشوفو الدكتور يكتبلها خروچ ولا لع.
.........
_ طبعاً عخليها تتحدت وياك علي المحمول أول ما نروحلها.
.........
_ أي خدمات تاني يا باشا؟.
... ......
_ مع السلامة.

أغلق المكالمة وقال:
_ واه يابت ال....  تو ما أشوفك لعطلع روحك في يدي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ تسير بخطي سريعة تتلفت يميناً ويساراً ومن حولها،  فأوقفتها والدتها التي تنتظرها قائلة  : 
_ بصي قدامك لتجعي علي وشك يا أخر همي.

أنتفضت بفزع: 
_ أباه عليكي ياماه،  خلعتيني.

لكزتها في كتفها وقالت: 
_ ما أنتي مش شايفة روحك وأنتي بتتلفتي كيف الحرامية.

أقتربت منها وقالت بصوت منخفض: 
_ أصلي خايفة ليكون رافع ولا حد من رچالته بيراجبني.

ضيقت سعاد عينيها وقالت: 
_ ليه؟، جولتي لچوزك أي عاد؟. 

أجابت ومازالت تشعر بالتوتر والقلق:
_ جولتلو إن هاقعد وياكي وأشوف طلباتك وععاود جبل ما الشمس تُغرب.

ربتت عليها وقالت:
_ طب همي لنلحج دورنا جبل ما يقفلو، أنا حاچزة لك من إمبارح، أصلو بالحچز الناس عنديه ياما قد إكده.

_ يارب ياماه تصيب المرة دي ويطلع الشيخ ده بركة وأحبل بجي.

_ اللهم آمين يابتي، ألا جوليلي صوح، أنتي...
أقتربت من أذنها وهمست لها بشئ ما، إبتسمت بخجل وأومأت:
_ أيوه ياماه لسه خلصانة من كام يوم الحمدلله، ودلوق أيام التبويض كيف ما جالتلي الدكتورة جبل إكده.

_ زين جوي.

أوقفت سعاد سيارة أجرة وأخبرت السائق بعنوان الدجال التي أخبرتها به جارتها، كان في قرية نائية يسودها الجهل والفقر، يسيطر فيها هذا الدجال علي سكانها بالخرافات والشعوذة مستخدم السحر والنصب غالباً.

وبعد مرور وقت وصلت السيارة أمام منزل ينقبض منه صدرك بمجرد النظر إليه من أول وهلة، ترجلت سعاد وإبنتها التي تشبثت بخوف بها:
_ أنا خايفة ياماه ومش مطمنه واصل.

قالت سعاد وهي تجذبها من يدها:
_ أچمدي يابت وماتبجيش كيف العيل الصغير، وأهه علي يدك روحنا لكذا حكيم وحكيمة وكلاتهم جالو لك مافيكيش حاچة تمنع أنك تحبلي، يبجي العيب منين بجي!.

_ جصدك سي رافع؟.

_ هو ليكي چوز غيره!، أموت وأعرف ماله رافض يحلل ليه إلا وإذا فيه حاچة ومخبي عليكي، و خالتك وچوزها ملهمش كلمة عليه.

صاحت نوارة:
_ تفي من خشمك ياماه، سي رافع راچل ولا سيد الرچالة، لسه ربنا مش رايد أحبل دلوق.
6

دفعتها والدتها بحنق وقالت:
_ يلا يا حيلة أمك قدامي بدل ما أولع فيكي وأرتاح منك.

وبالداخل توجد ردهة كبيرة لإستقبال زوار هذا الدجال، أغلبهم من النساء، كل منهن تنتظر دورها لايعلمن أن مايفعلونه من اللجوء لهذا الساحر المشعوذ هو من أكبر الذنوب والخطايا، التي تُعد شركاً بالمولي عز وجل.

وقفت سعاد أمام مكتب صغير تجلس خلفه سيدة ترتدي عباءة و حجاب لونهما أسود، قالت لها:
_ أؤمري يا حاجة.

أجابت سعاد:
_ الأمر لله يابتي، أنا الي أتحدت وياكي في المحمول إمبارح وحچزت بإسم نوارة بتي.

قالت السيدة:
_ أيوه حضرتك الحاجة سعاد، أتفضلي أستريحي أنتي وبنتك، أدامكو حالتين وأنتو بعديهم، بس تدفعو قبل ما تتدخلو.

_ كام يابتي؟.

رمقت السيدة نوارة بتفحص فوجدت مظهرها مهندماً وتبدو ميسورة الحال، فقالت بمكر:
_ ألف جنيه.

أخرجت نوارة من حقيبتها المبلغ و وضعته أمامه قائلة:
_ علي الله يچي بفايدة والشيخ بتاعك دي يحقق لي الي ريداه.

أخذت السيدة المال و وضعته في درج المكتب وقالت:
_ ده سيدنا الشيخ برهوم بركة وبكرة هاتشوفي لما يتحقق مرادك ياشابة.

قالت سعاد:
_ يسمع من خشمك ربنا يابتي.

وبعد إنتظار نصف ساعة، خرجت السيدة من غرفة الشيخ الدجال منادية عليها:
_ مدام نوارة.

أنتفضت الأخري وتشبثت بيد والدتها، ربتت سعاد عليها تطمأنها:
_ أهدي يابتي وماتبجيش چبانة عاد.

ردت بخوف جلي:
_ جلبي مش مطمن ياماه، وحاچة چوايا بتجولي أمشي من أهنه.

دفعتها سعاد أمامها بضجر:
_ همي قدامي بكفياكي دلع ماسخ.

طرقت السيدة الباب وقامت بفتحه قائلة:
_ أتفضلو.

دلفت سعاد وإبنتها تتعلق بزراعها مثل الطفلة الخائفة، تتأمل محتوي الغرفة ذات الإضاءة الخافتة ويملؤها دخان البخور الكثيف ممتزج به روائح أعشاب، ينبعث من صحن كبير يتوسط مجلس من الكراسي الخشبية العريضة وأوسطهم يجلس عليه رجل أربعيني يبدو علي ملامح وجهه المريبة المكر والدهاء، منذ دخولهما وعينيه تتفحص نوارة من قمة رأسها إلي قدميها.
أخذ يتمتم في سره ببعض الكلمات فأزدادت الجمار توهجاً وألقي عليها القليل من البخور فتصاعد الدخان.

قالت سعاد بإجلال وإحترام:
_ السلام عليكم ياسيدنا الشيخ.

أشار إليهما بالجلوس قائلاً:
_ أقعدي يا سعاد يابنت حسنات.

قالت بتعجب وهي تنظر لإبنتها:
_ ماشاء الله، خابر كيف إسم أمي الله يرحمها، مش جولتلك يابتي ده شيخ بركة.

فقال الدجال لها وهو ينظر إلي الصحن:
_ علتك يا نوارة بنت سعاد هي إنك متجوزة من سنتين ولسه مخلفتيش.

أجابت نوارة بتردد:
_ أ، أيوه يا سيدنا الشيخ.

صاح وهو يلق بالبخور مرة أخري:
_ كله بأمر الله، كله بأمر الله.
1

وأخذ يتمتم مرة أخري في سره، ثم أردف بصوت مسموع ويرمقها بنظرة دهاء كالذئب:
_ أطمني كلها أيام لحد ما يجي الميعاد وتنولي المراد، وكله بأمره، كله بأمره.

فأشار إلي سعاد قائلاً:
_ معلش يا حاجة هتستنيها بره، لحد ما نخلص الجلسة وهابقي أنده عليكي.

نهضت قائلة:
_ أمرك يا سيدناالشيخ.
أمسكت نوارة بيدها وهي تنظر نحوه بخوف:
_ خليها معاي يا سيدنا الشيخ.

رمقها بتحذير وقال:
_ الأسياد طالبينك أنتي ياصاحبة العلة، وإلا مش هيحققولك مرادك.

قالت والدتها لها:
_ إسمعي كلام الشيخ هو خابر شغله وبينفذ طلبات الأسياد، ماتخافيش أنا عستناكي بره ولو فيه حاچة أبجي نادمي عليا وأني أچيلك.

تركتها وغادرت الغرفة، فأصبحت الأخري بمفردها أمام هذا الماكر، أخذ من جواره محرمة قطنية بيضاء يقدمها إليها:
_ خدي المنديل ده وقربيه من شفايفك وأنتي بتدعي في سرك باللي نفسك فيه كذا مرة.

تناولت منه المحرمة بتردد، فوضعتها أمام شفتيها وأخذت تدعو بما تريد، كانت دعواتها مابين أن يرزقها الله بالذرية ومابين أن يهدي لها قلب زوجها ويصبح حنون وعاشق لها.
ظلت هكذا لدقيقة، حتي بدأت تشعر بالدوار، تركت المحرمة من يدها وتقول بصوت كالمغيبة:
_ أي ده، أنا، أنا....

وبمجرد أن غابت عن الوعي، أبتسم الآخر وينظر لها بإشتهاء، نهض مسرعاً ليحملها علي زراعيه ودلف بها إلي غرفة داخلية متفرعة من غرفته.
11

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ أستيقظت علي رنين هاتفها المزعج الذي لم يكف عن الإتصالات الواردة إليها منذ الصباح ،  فقامت برفض المكالمة لاتريد أن تتحدث مع أحد،  كما لم تذهب إلي عملها اليوم.
وقبل أن تترك هاتفها لاحظت بوجود رسالة واردة علي تطبيق الرسائل الشهير من رقم غير مسجل،  أنتفضت من فراشها عند قراءة محتواها وكان كما يلي: 
( فاكرة إنك لو بعدتي عني هاسيبك في حالك، هابعتلك تذكار صغير يفكرك  بطلبي الي لو منفذتهوش يبقي متزعليش من الي هيحصل )

قامت بفتح محتوي الرسالة من داخل التطبيق لتشاهد الصورة المرسلة إليها، شهقت بصدمة:
_ يا نهار أسود، يانهار أسود.
ظلت ترددها وهي تضع كفها علي فمها،
  فكانت الصورة تجمع بينها وبين علي،  تجلس علي فخذيه وزراعه ملتفه حول خصرها، يحتويها بحميمية، وكانت تبتسم إلي عدسة التصوير،بينما هو عينيه تنظر نحوها بعشق وهيام.

لم يمهلها رؤية الرسالة والصورة حيث ظهرت له علامة رؤيتها لها، فقام بالإتصال عليها،  وعندما أتاها الإتصال ألقت بالهاتف أمامها علي الفراش بذعر وخوف،  حتي أنتهي الرنين فعاد مرة أخري ولم تجد سوي مواجهته حتي لايظن إنها تخشاه وتخاف من تهديداته،  أعتدلت وتصنعت القوة في نبرة صوتها: 
_ عايز أي يا علي.

_ الناس تقول ألو،  أزيك،  عامل أي،  وحشتني.

أزدردت ريقها ثم صاحت به:
_ بلاش الأسلوب ده معايا أحسن ل....

قاطعها قائلاً  : 
_ ما تهدي علي نفسك وبلاش تهور،  وقبل ما تهددي بكلام عبيط،  خليكي أده الأول،  عشان عارف ومتأكد إنك أول ما شوفتي رسالتي وصورتنا قلبك زمانه وقف من الخضة،  و وشك جاب ألوان من الرعب،  تخيلي معايا كده لو صورة زي دي أتبعتت لسيادة النقيب،  الفضول هيموتني وأشوف وشه وقتها.

نبرته الإستفزازية الساخرة أثارت غضبها:
_ أنت و....  وقذر وحيوان،  روح ربنا ياخدك.

وأغلقت المكالمة بل والهاتف أيضاً  حتي لا يحاول الإتصال بها مرة أخري.

نهضت من فراشها وذهبت إلي المرحاض، فتحت الصنبور وأخذت تغترف المياه بكفيها وتلقي بها علي وجهها المحتقن بالدماء،  نظرت إلي صورتها المنعكسة علي المرآه ثم أجهشت بالبكاء،  لم تتحمل ذلك الضغط النفسي الذي يهدد حياتها مع زوجها،  أخذت تفكر كثيراً حتي توصلت إلي قرار  وهو عليها بالمواجهة وأن تخبر زوجها عند عودته من العمل.
6

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ وفي غرفة الزيارات بالمخفر التابع للنجع،  دلف فارس باللهفة عندما علم بزيارة العم جابر له ليطمأنه عن معشوقته حيث جفاه النوم منذ البارحة عندما علم بدخولها المشفي.
_ طمني  ياعم چابر،  زينب بخير؟  .

نظر لأسفل بحزن ما أثار الخوف لدي الآخر، فقال بذعر: 
_ زينب چارلها حاچة؟.

أجاب العم جابر: 
_ النچع كله محدهوش خبر غير سيرة زينب هربت من المشتشفي،  ورچالة واد عمك جالبين الدنيا عليها،  وحديت الناس كيف الرصاص خصوصاً لما عرفو سبب دخولها.

كان فارس مستمعاً له بإهتمام بالغ،  فقال: 
_ كمل ياعم چابر.

فقال الآخر وعينيه يملؤها الحزن: 
_ جطعت شرايين يدها.

أتسعت عينيه بصدمة: 
_ واه،  كيف حوصل دي!  ، أني خابرها عاد عمرها ما تفكر إكده واصل.

أجاب بتردد فكان لا يريد أن يخبره حتي لايزيد من همه وحزنه: 
_ أصل يا ولدي....

صمت،  فقال فارس بتوسل ممسكاً بيده: 
_ أبوس يدك ياعم چابر ريح جلبي و جولي علي كل حاچة.

زفر بسأم وقال: 
_ أمري لله،  ليلة إمبارح الچيران شافو راچل هيبة جوي و كانو وياه رچالة كتير  وجفو برة دار عمك والراچل و واحد تاني معاه دخلو بيسألو عن رافع،  وبعد ما چالهم واد عمك وخلصو جعدتهم بعديها سمعو عويل وصريخ زينب والي فهموه من حديتها إن الراچل دي چاي طالب يدها وهي مش موافجة و عمك و ولده باينهم وافجو وعبيغصبوها توافج هي كمان.

أنتابته رجفة تسري في عروقه يليها شعور بالقهر والذل،  يريد الصراخ بكل ما لديه من طاقة،  لما يحدث معه كل هذا،  ما الذي أرتكبه حتي تتوالي عليه المصائب هكذا بلا هوادة!.

أطلق زفرة خرجت من أعماقه قائلاً  وهو ينظر لأعلي: 
_ يارب،  أنت الي عالم بالي چوايا،  ألطف بحالي وأرفع عني البلاء.
4

قام العم جابر بمواساته حتي أنتهي وقت الزيارة وعاد إلي خلف القضبان،  منهك القوي والتفكير فيما قيل له،  ذهب لقضاء حاجته في مكان مخصص بإحدي أركان الزنزانة وعاد ليجلس في مكانه لكن خانه جسده ولم يتحمل فسقط مغشياً عليه.
4

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ علي أرض طيبة تشتعل الأضواء الملونة فوق خشبة المسرح،  والذي أنشئ تحت رعاية كبار رجال الأعمال لإفتتاح هذا الفندق المبني علي الطراز الفرعوني القديم،  بدأ الأحتفال وبدأت الموسيقي ليعلن هذا الشاب قائلاً: 
_ والآن لنفتتح الحفل بفقرة من الفلكلور المصري ومعكم الراقصة اللولبية سمارة.

ظهرت من بين الأضواء إمرأة  ترتدي ثوب الرقص الشرقي مثلما الذي كان يرتدونه الراقصات في حقبة الخمسينات في القرن الماضي،  تتمايل علي أنغام الموسيقي بخصرها المنحني مثل آلة الكمان وخصلات شعرها الكستنائية تتطاير من حولها،  ترقص بإحترافية جعلت كل من يشاهدها يصفق لها بحرارة بعدما أنتهت.

عادت إلي الداخل فأستقبلتها مساعدتها تضع عليها رداء حريري: 
_ كنتي هايلة يا أبلتي ومولعة المسرح.

_ أسكتي يابت يا نواعم أنا أول ما طلعت علي خشبة المسرح وشوفت البهوات أم بدل وأنا قلبي أنقبض،  كان عنده حق الولاه زيزو لما قالي هتحسي بفرق رهيب وأنتي بترقصي مابين الكباريه ومابين حفلة معمولة لكبار رجال الأعمال.

_ عقبال ما يجيلك حفلات برة مصر بقي يا أبلتي ونسافر ونلف الدنيا وتبقي أشهر من الرقصات الكسر الي طالعينلنا اليومين دول إيشي جوهرة ولا لوردينا ولا بتنجانه دي،  البلدي مفيش أحسن منه.

دلفت كلتاهما إلي داخل الغرفة لتبدل ثيابها،  تفاجاءت بمن يجلس أمامها علي الكرسي ويزفر دخان سيجارته في الهواء.
_ بسم الله الرحمن الرحيم،  خضتني يا سي زيكو.
ألتفت إلي مساعدتها وأردفت: 
_ أطلعي أنتي يا نواعم أستنيني بره.

فقالت الأخري: 
_ حاضر يا أبلتي.
ورمقت زكريا بإزدراء قبل أن تغادر الغرفة.
ركضت نحوه بللهفة وشوق لتعانقه: 
_ واحشني أوي يا ولاه،  كل ده غياب.

أبعدها عنه ممسكاً بعضديها قائلاً بمكر  : 
_ أتوحشتك كيف وأنتي فضلتي شغلك عني لما خيرتك مابيني وبينه.

نهضت وقالت بإعتراض: 
_ كله إلا شغلي يا روحي أنا،  وقولتلك قبل كده أنا ممكن أبطل رقص في حالة واحدة.
أقتربت منه وجلست أمامه علي ركبتيها ثم وضعت كفيها علي لحيته المشذبة تتلمسها بأناملها : 
_ لو كتبت عليا رسمي،  وقتها هاعيش خدامتك العمر كله،  ومفيش راجل هيشوف مني شعرايه واحده غيرك.

عاد بظهره إلي الوراء يزفر دخاناً كثيفاً من فمه ولم ينظر إليها،  قائلاً: 
_ جولتلك جبل إكده مليش في الرسمي يا بت الناس.

نهضت من أمامه وقالت بصدمة: 
_ ملكش في الرسمي ولا بتستعر مني!،  خايف لأهلك يسألوك مين دي تقولهم دي سمارة الرقاصة!  .

زفر بتأفف وقال: 
_ ولما أنتي خابره الحكاية زين جوي إكده،  ليه كل ما نتجابل تعيدي وتزيدي في حديت ملهوش عزا،  أنا ما بصدج أچي أجعد وياكي ونتبسط يبجي لازمته أي العكننه دي عاد.

أستدارت نحو طاولة الزينة وجلست أمامها تبكي: 
_ الحق عليا أنا الي أتشك في قلبي الي سلمتهولك،  قولت يابت ده غير كل الرجالة الي طمعانين فيكي وشايفينك جسم وبس،  لاقيتك الوحيد الي شايفني من جوايا حاسس بيا وحبيت سمر مش سمارة الرقاصة.

شعر بالذنب من حديثه الفذ معاها،  نهض وذهب نحوها،  دنا منها واضعاً يديه علي كتفيها: 
_ خلاص كفياكي عويل،  أديكي جولتي أني بحبك،  خابره ليه؟،  لأنك شبهي تمام،  چواتك إنسان ضعيف جلبه كيف العصفور والناس عبتشوفك من بره واحد عايز الحرج.

أبعدت يديه عنها وقالت بإمتعاض: 
_ مبقتش أكل من كلامك ده،  خلاص حفظتك،  ما أنا الحضن الحنين الي بتيجي له عشان تفضفض له بالي جواك،  وأنا الهبلة الي بطبطب وتهون عليك،  متعرفش أنا الي محتاجة الطبطبه دي.

وضع يديه علي خصرها وجعلها تنهض وتلتفت إليه قائلاً  بنبرة تعزف علي أوتار قلبها: 
_ ما أني چايلك أهو لأچل أطبطب وأدلع فيكي يا كيف القشطة والمهلبية،  ولا أي يا عروسة.

نظرت له من بين عبراتها بخجل،  إحساس لا ينتابها سوي معه فقط،  أقترب منها  ليعانقها وقام بإسدال الرداء من عليها وأحتضنها بقوة قائلاً  : 
_ بموت فيكي ياسمارة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ أنتهي لتوه من عمله علي الحاسوب،  حيث يباشر أعماله من خلاله، خرج إلي الشرفة ليستنشق الهواء ورائحة الزهور العطرة التي تملئ حديقة قصره، عاد إلي داخل غرفته بعدما سمع طرقات علي الباب،  أرتدي معطفه علي جذعه العاري،  ليفتح ويجد الخادمة تخبره بدون أن تنظر له مباشرة: 
_ سليم بيه،  صلاح بيه جه ومستني حضرتك تحت.

قال لها بأمر: 
_ أعملي واحد قهوة سادة و واحد إسبريسو وهاتيهم علي المكتب.

أومأت له بطاعة قائلة  : 
_ أمرك يا بيه.

عاد إلي الداخل وهو يقول: 
_ غريبة جاي من غير إتصال وكمان الوقت متأخر مش عادة صلاح.

وذهب ليبدل ثيابه بقميص وبنطال من القطن الأسود،  لونه المفضل كما في الفراش والأثاث وألوان الجدران المطليه بالأسود والرمادي.

يقف صلاح منتظراً إياه أمام الدرج بالأسفل،  يزفر بضيق لايعلم كيف يخبره بما لديه،  فهو يخشي ردة فعله وغضبه الذي سيحرقهم جميعاً،  أنتبه إليه يهبط الدرج ويقول بمزاح ليس من شيمه : 
_ للدرجدري لحقت أوحشك كده!  .

أجاب الآخر يحاول أن يمهد له الخبر رويداً: 
_ أنا كنت هاكلمك فون بس الي جايلك فيه مينفعش مكالمة،  ولازم نفكر بهدوء وعقل ومن غير أي تهور ممكن تندم عليه.

تجهم وجه سليم فقال: 
_ أي الي حصل؟.

أجاب: 
_ أوعدني إنك هاتتصرف بعقل.

صاح بزمجرة:
_ أنجز يا صلاح وهات الي عندك.

رد قائلاً  : 
_ الرجالة الي بتبلغني بأخبار رافع أول بأول،  لسه مكلمني وبلغوني الدنيا كلها مقلوبة في النجع عن الآنسة زينب بعد ما أكتشفو إنها هربت من المستشفي.

يستمع لكلماته وبداخله بركان تدفق حممه شيئا فشيئاً حتي أخترق سمعه كلمة هروبها فأنفجرت وتقاذفت تلك الحمم التي ستحرق كل ما يقابلها،  صاح بصوت مرعب في أرجاء القصر: 
_ فوزي.

جاء له رئيس الحرس خاصته قائلاً  : 
_ أمرك يا سليم بيه.

_ حضر العربيات والرجالة حالاً،  هنرجع علي قنا.
قال فوزي: 
_ أمرك يا باشا أعتبره حصل.

قال صلاح: 
_ سليم،  أستني بس أنا بقولك أخوها مخلي رجالته قالبين عليها الدنيا،  ومينفعش إحنا نتدخل كل الي يربطك بيها قراية فاتحة م...

قاطعه سليم بصوت مخيف وملامح تدب الرجفة في قلوب من يراه: 
_ صلاح،  مش عايز كلام كتير،  أنا عارف أنا بعمل أي،  ومحدش هيلاقيها غيري.

ظهر بريق في ظلمة عينيه وبداخله يتمتم قائلاً  : 
_ أهربي علي أد ما تقدري،  شكلك ماتعرفيش لسه مين هو سليم العقبي يا زينب.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ قاربت الساعة علي الواحدة بعد منتصف الليل،  لكن ما زالت شوارع القاهرة مزدحمة بالسائرين فمنهم العائد من عمله،  ومنهم من يتجول بلا هدف،  وكان الحال في المنازل،  هناك من يحب السهر أمام التلفاز أو الحاسوب.
وفي هذا المنزل البسيط بحي مصر القديمة حيث المباني ذات الطراز المعماري الإسلامي المنتشرة هناك.

تنتهي تلك الفتاة من جلي الصحون للتو،  وتناولت خاتم الخطبة خاصتها من فوق الطاولة الرخامية لترتديه،  ثم ذهبت لتطمأن علي والدتها فوجدتها تمسك بالمصحف الشريف وتتلو بعض السور كما تفعل كل يوم.
تركتها في خلوتها مغلقة الباب،  وذهبت لتري ماذا يفعل شقيقها الذي يصغرها بثلاث سنوات، وقبل أن تطرق الباب أنتبهت إلي أصوات يبدو إنها صادرة من حاسوبه،  مهلاً تلك الأصوات تعلمها جيداً أستشاطت غضباً وفتحت الباب علي مصرعه لتجده كما ظنت.
فصل التيار عن الحاسوب،  صاحت به: 
_ مش هتبطل تتفرج علي الأرف ده؟،  هتكبر وتعقل أمتي يا أخي.
1

نهض وأشاح بيده في وجهها: 
_ وأنتي أي الي يدخلك أوضتي وتحشري نفسك في الي ملكيش فيه.

_ دخلت عشان أقفشك و أعرفك إنك عمرك ما هاتتغير طول ما أنت بعيد عن ربنا،، لابتصلي ولا بتصوم و عايشها زي ما أنت عايز،  فاكر الدنيا دايمة لك.

نهض ليدفعها إلي الخارج قائلاً  : 
_ خليكي في حالك يا ست الداعية  ،  أنا الي هتحاسب مش أنتي.

وأوصد الباب في وجهها،  صاحت بحنق: 
_ لولا بابا الله يرحمه وصاني عليك مكنتش عبرتك وسبتك تولع بجاز،  كتك الأرف عيل فاشل وصايع زي الشلة الفاسدة الي ملموم عليهم.

أنتبهت لصوت والدتها تناديها: 
_ ريهام،  يا ريهام.

قالت وهي تذهب: 
_ حاضر يا ماما جاية.

ذهبت إليها فقالت لها والدتها: 
_ ينفع كده صوتكو جايب آخر الدنيا والجيران زمانهم سمعو بينا!.

زفرت بضيق وقالت: 
_ يا ماما غلبت مع إبنك ده،  كليته ومش عارفه يخلصها وعمال يدبلر كل سنة والي أده بيشتغل وبيبني مستقبله وده مورهوش غير إنه ينزل طول النهار مع أصحابه الصايعين ويجي بالليل يترزع أدام الكمبيوتر والبلاوي الي بيتفرج عليها.
_واحدة واحده وهيتغير،  أنصحيه براحه وبلاش أسلوب الزعيئ والسخرية منه،  ما أنتي عارفاه عنيد ودماغه ناشفه ولو ناوي يتغير هيعند ويسوء في الغلط.

_ يا أمي أنا والله خايفة عليه عايزه أشوفه أحسن واحد في الدنيا وأتباهي بيه،  يعني عاجبك لما أحمد خطيبي شافه في النادي عنده قاعد مع بنات شكلهم مش تمام وفي أوضاع زي الزفت وبتوع الأمن مسكوهم وكانو هيطلبولهم البوليس،  لولا أحمد تدخل ليهم كان زمان المحروس مشرف في القسم،  خلاني في نص هدومي أدامه وهو بيحكيلي.
تنهدت والدتها بحزن وقالت بقلة حيلة من هذا الأبن العاق والفاسد: 
_ حقك عليا يابنتي،  أنا هاقعد معاه وهافهمه،  وأحمد أبقي خليه يكلمني عشان أعتذر له.

كادت تتحدث فقاطعها رنين جرس المنزل،  فقالت: 
_ ده مين ده الي جاي في نص الليل.

أرتدت إسدال الصلاة وذهبت: 
_ حاضر،  ثواني.
نظرت من العدسة فوجدت سيدة منتقبة،  شعرت بالقلق وقالت: 
_ مين حضرتك؟  .
+

أجابت السيدة المجهولة وهي ترفع غطاء وجهها: 
_ أني زينب القناوي يا ريهام.
_ تحت حراسة رجال الشرطة تم نقله إلي مشفي حكومي عام، وذلك بعدما وقع مغشياً عليه ولم يستطع أحد إفاقته أو إيقاظه، فقام المأمور بإستدعاء الطبيب علي وجه السرعة وبعد فحصه أخبرهم يجب نقله إلي المشفي توا فقد أصابه إنخفاض في ضغط الدم وضعف نبضات قلبه وذلك بسبب عدم تناوله الطعام، لذا لابد من تعليق محلول له و وضعه تحت ملاحظة الطبيب حتي يتحسن وضعه الصحي ثم يعود إلي المخفر مرة أخري.

علم العم جابر والخالة هنادي بالأمر وذهبا إلي المشفي للإطمئنان عليه، لكن عندما أراد العم جابر الدخول أوقفه العسكري قائلاً :
_ ممنوع يا عم چابر، أوامر سيادة المأمور.

قالت الخالة بتوسل:
_ بالله عليك يابني إحنا چايين نطمنو عليه وچايب له واكل ولو مش مطمن خد فتش الشنط.

أجاب الآخر:
_ مصدجك يا خالة، ب...

قاطعه جابر برجاء أخير:
_ هم خمس دقايق بس يا ولدي وأوعدك ما نخبر حدا واصل.

تنهد العسكري بإستسلام فقال:
_ أمري لله، بس بالله عليك أنتو هم خمس دقايق جبل ما حد يچي من الي أهنه ولا من القسم ويبلغ سيادة المأمور ويحصل معاي مشكلة عاد.

ربت عليه جابر وبإمتنان قال:
_ أطمن يا ولدي، كيف ما جولتلك مش عنطول چوه.

ولج مع زوجته إلي داخل الغرفة، فوجدا فارس يرقد علي السرير في حالة يرثي لها من الضعف والوهن، معلق في يده إبرة متصلة بأنبوب، وجهه شاحب وبعض قطرات العرق علي جبهته.
أمسكت الخالة بيده الأخري وقالت بحزن وآسي علي حالته:
_ إكده يا فارس يا ولدي! ، تخلع جلبي عليك.

فتح عينيه عند سماع صوتها، وحرك أنامله بصعوبة في يدها، تفوه بوهن:
_ خالة هنادي، چيتي ميتي؟.

أجابت وهي تمسح بيدها الأخري قطرات عرقه بحنان:
_ تو ما عرفنا أنا وعمك چابر باللي چري لك چينا علي طول وچبت لك واكل معاي، عشان خاطري ورحمة الحاج قاسم لتاخد بالك من صحتك وتاكل زين.

أجاب والحزن واليأس ينبلج علي وجهه الشاحب:
_ بأي نفس يا خالة أكل وأشرب و مخابرش حاچة عن زينب...

صمت وألتقط أنفاسه ليردف:
_ عتتعذب بسببي و عمي وإبنه عيغصبوها تتچوز غصب، حاولت تنتحر وآخرتها هربت وياعالم هي فين دلوق ولا بيچري معاها أي.

ربت عليه عم جابر قائلاً له:
_ وحد الله ياولدي، زينب بميت راچل، چدعة وقوية وميتخافش عليها واصل، ربنا يبعد عنيها رافع ويوجف لها ولاد الحلال.

فقالت هنادي أيضاً :
_ عجولك مين الي جالي كل أخبارها، سر بيني وبينك وعمك چابر، البت سمية الممرضة جبل ما تتدلي علي قرايبها، چاتلي وطمنتني علي زينب إنها بخير وزينة وهربت من النچع لأچل ما يچوزهاش لراچل غيرك، وحاچة كمان، عتتصل عليا أول ما توصل مكان ما عتروح وتطمني عليها وتتفج معاي أچيلك زيارة وتتحدت وياك علي المحمول بتاعي وعطتني رقمها الچديد.
_ أطلبيها بالله عليكي يا خالة، رايد أسمع صوتها وأطمن عليها دلوق.

ردت الخالة:
_ عينيا يا ولدي.
وأخرجت هاتفها وقامت بالإتصال لم تجد سوي الرسالة المسجلة، كررت الإتصال مرة أخري لتأتيها نفس الرسالة الصوتية، تنهدت وقالت:
_ الظاهر يا ولدي المحمول الي معاها موصلوش شبكه، أو فاصل شحن.

_ خلاص أكتبيلي الرقم في ورجة وأني عاتصرف.

طُرق الباب ثم دلف العسكري قائلاً:
_ أي يا چماعة الخمس دقايق خلصو وسيبتكم خمسة زيهم كمان.

رد جابر:
_ حاضر يا ولدي، أحنا خارچين أهه.

وقبل أن تغادر الخالة قالت لفارس وهي تدس الورقة في يده بدون أن يلاحظ العسكري:
_ خلي بالك من صحتك يا فارس، وأول ما يرچعوك القسم، عنيچي نطمنو عليك يا حبيبي، في رعاية الله يا ولدي.

_ تسلمولي وربنا ما يحرمني منِكو واصل.

فقال جابر:
_ ويطمنا عليك يا ولدي وينصفك وترچع الدار وتنورها كيف ما كانت.

غادرت الخالة والعم جابر، فكانت زيارتهم القصيرة بمثابة إعادة الحياة إليه بعد أن كان كالموتي الأحياء، فالأمل دب فيه الروح مجدداً وأعطاه دافعاً قوياً وعزيمة لكي يثبت براءته وينتشل مهجة فؤاده من براثن جحيم شقيقها ذو القلب الأسود وروح شيطان رچيم.
2

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ دلفت ريهام تحمل صينية مليئة بأطباق الطعام و ضعتها أعلي المنضدة وجذبتها حتي تصبح بالقرب من صديقتها.
_ أنا عملالك بقي عشا ملوكي زي الي كنت بعملهولكو أيام سكن الجامعه، فاكرة؟.

قالت زينب:
_ تسلم يدك ياريهام، تعباكي معاي والله ما خابرة أجولك أي، آسفة أني چيت لكو في وجت متأخر ومن غير ميعاد و....

قاطعتها ريهام بعتاب:
_ والله أزعل منك، يابنتي أنتي مكنتيش صاحبتي إحنا كنا وما زالنا أخوات، و بيتي هو بيتك، يعني عايزاكي تاخدي راحتك علي الآخر، تامر أخويا كده كده بيفضل بره طول النهار وبيرجع بالليل علي الكمبيوتر ومبيخرجش من أوضته، ويلا بقي كولي قبل ما الأكل يبرد عقبال ما أجبلك حاجة تلبسيها.
1

أوقفتها زينب وقالت:
_ معلش ياريهام ممكن تچيبلي شاحن موبايل وياريت لوكان من القديم الرفيع ده.

_ حاضر يا حبيبتي، هجبلك الشاحن بتاع ماما هي الي معاها النوع ده، بس أرجع ألاقيكي مخلصة الأكل ده كله.

قالتها وذهبت، بينما زينب أخذت تتأمل الغرفة، تشعر ببرودة تسري في أطرافها لم تصدق يوماً أن يحدث معها ذلك أو أن تترك بلدتها وتهرب إلي مصير مجهول، فهي لا تعرف أحداً هنا في القاهرة سوي ريهام فقط، تعرفت عليها في السنة الأولي لها في الجامعة وأصبحا صديقتين مقربتين وخاصة كانتا معاً في السكن الجامعي، وفي مرة تغيبت ريهام عن العودة للسكن في بداية السنة الدراسية فعلمت زينب بإنها مريضة فهاتفتها وعلمت منها أين تمكث، وذهبت لزيارتها والأطمئنان عليها و تأتي لها بالمذكرات ونسخة ورقية من المحاضرات التي كانت تدونها في دفترها وتقوم بتصويرها من أجلها حتي لايفوتها شيئاً.

عادت ريهام إليها وبيدها ثياب مطوية والشاحن، وجدت الطعام لم تمس منه لقمة، فقالت بإمتعاض:
_ واضح إن الأكل مش عاجبك.

أنتبهت الأخري لها وقالت:
_ ليه بتجولي إكده، أبداً والله، أني بس تعبانه و عايزة أنام.

فقالت لها بإصرار:
_ ماهو مفيش نوم غير لما تاكلي، أنتي مش شايفه وشك عامل إزاي.

_ معلش يا ريهام عشان خاطري، أنا كل الي محتچاه دلوق مكان أنام في.....
صمتت عندما باغتها دوار مفاجئ، تركت ريهام ما بيدها وجلست أمامها بقلق وخوف عليها:
_ زينب أنتي كويسه؟، ردي عليا سمعاني؟.

أستندت بظهرها إلي الوراء وقالت بصوت يكاد مسموعاً:
_ أني بخير.

رفعت يدها لتسندها علي جبهتها فأرتفع كوم العباءة عن رسغها، أنكشف الضماد و رأته ريهام فشهقت بذعر:
_ أي الي في إيدك ده يا زينب؟.
أنتفضت الأخري وأمسكت بالكم لتواري رسغها قائلة بتوتر:
_ دي، دي جرح، كنت بجطع لحمة والسكينة فلتت في يدي.

نهضت ريهام وحدجتها بعدم تصديق وقالت:
_ أنا مرضتش أسألك من أول ما جيتي أي الي حصل معاكي و أي سبب هروبك، قولت أسيبك ترتاحي وتاكلي لك لقمه وتنامي وبكره هابقي أقعد معاكي وأعرف حكايتك أي، بس شكله موضوع كبير أوي.
2

حاولت النهوض علي مضض ولم تستطع الرد بسبب ما تشعر به من تعب، فكادت تذهب أوقفتها ريهام وقالت:
_ رايحة فين؟.

_ سبيني يا ريهام، أني عاروح أدور لي علي أي مطرح أتاوي فيه، مبحبش أكون تجيلة علي حد.

جذبتها ريهام وجعلتها تجلس، فقامت بمعاتبتها وتوبيخها :
_ وربنا لولا التعب الي أنتي فيه كنت أدتلك كلام يزعلك بجد، يعني بعد ما لجأتيلي جايه تقوليلي تقيله وماشيه، أنا لو بغصبك تاكلي فده من خوفي عليكي وواضح جداً إنك قايمه من عمليه من ريحة البنج الي فيكي وأثر حقنة الكانيولا الي في إيدك ، كنت بكدب نفسي وقولت سبيها يابت و لما ترتاح هتقولك كل حاجه، وأنتي عارفه كويس أنتي عندي أي وبعتبرك زي أختي وأكتر، ومهما عملتي ولا حصل أي أنا معاكي وفي ضهرك، وفي الآخر بتطلعني وحشه!.
2

وكأنها وجدت ما يدفعها للبكاء، فأنهارت تبكي واضعه كفيها علي وجهها، زفرت صديقتها بضيق، جلست بجوارها وربتت عليها:
_ متزعليش مني، أنا والله بحبك وصعبانه عليا أشوفك كده، عايزه أساعدك بأي طريقه وقلقانه عليكي.

رفعت وجهها وقالت من بين عبراتها:
_ أني في مصيبة واعرة جوي، ومعرفاش أسوي أي ولا كيف؟، كل الي بيدي أني معوزاش حد من أهلي يعرفلي طريج.

ربتت عليها وقالت:
_ أهدي يا حبيبتي وأستغفري ربنا ومتخافيش من حاجه، محدش هيعرف مكانك وبيتي زي ما قولتلك هو بيتك وهقف جمبك مهما حصل، أنا هاسيبك تغيري هدومك وتنامي براحتك، ولو محتاجه حاجة نادي عليا أنا هنام في أوضة ماما الي جمبك.

نهضت فأمسكت زينب بيدها وبتوسل قالت:
_ خليكي معاي، نامي چاري.

عانقتها ريهام بحنان وقالت:
_ لسه زي ما أنتي لما بتضايقي وبتعيطي مبتعرفيش تنامي لوحدك، وأنا برضو الي كنت باخدك في حضني وأطبطب عليكي لحد ما تنامي، فاكرة؟.

ردت:
_ فاكرة يا صاحبتي وأختي، ربنا ما يحرمني منكي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ ياتري يابتي روحتي فين ولا چرالك أي، منه لله الي كان السبب.
قالتها رسمية جالسة في وضع القرفصاء علي الأرض، وكان نجلها يزفر دخان النرجيلة، فتركها بغضب من يده وقال:
_ بكفياكي عويل ياماه.

نهضت والدته وصاحت به:
_ بدل ما تصرخ علي روح دور عليها، أنت السبب أنت وأبوك، خلتوها تجطع شراينها وبعديها تهورب، كل دي عشان تچوزها لولد غراب البين الي من ساعة دخل الدار والمصايب بتروخ فوج روسنا.
5

زفر بنفاذ صبر ونهض قائلاً:
_ الي بتتمسخري عليه دي لولا أني وافجت علي چوازو من بتك كان زمانك بتترحمي عليا دلوق.
1

_ و ذنبها أي الغلبانة تشيل ليلتك السودة، طول عمرك جلبك أسود وما بتحبش غير نفسك وبس، الكره والحجد خلوك تلبس واد عمك داهية كبيرة لأچل تتخلص منيه وكسرت بجلب خيتك المسكينة.

_ بتجولي أي، أني مالي ومال إبن زهرة.

أقتربت منه و قالت:
_ أوعاك تكون فاكرني معرفاش حاچة،ده أنت ولدي وخابره كيف بتفكر من غير ما تجول.

حدجها بتحدي وقال:
_ ولما أنتي خابره كل حاچة ساكته ليه؟.

أجابت بقلة حيلة:
_ عايزني أتحدت أجول أي عاد، الي في راسك بتعملو ولو مين وجف قدامك، جلبي تعبني من الحديت ورميت توبتك.

ولي إليه ظهره ونظر نحو فحم النرجيلة المتوهج، فلونه توهجه ينعكس علي حدقتيه وكأنه شيطان ينظر إلي الجحيم قائلاً:
_ من يوم ما وعيت علي الدنيا وراميه توبتي، هملتيني لأبوي يضربني طول الوجت بسبب ومن دون سبب ويولع في حتة الحديدة ويحرجني بيها لما شوه ضهري الي مليان علامات الحرج لحد دلوق، و كل ما أسوي حاچة غلط يجوم مجلعني خلچاتي ويطردني بره الدار عريان، يا إما يحبسني في الزريبة ويا البهايم من غير واكل ولا ميه والبرد يهري في چتتي، كرهني في العلام وخرچني من المدرسة، كنتي عايزاني بعد كل دي أبجي كيف يعني!،ملاك بچناحين إياك.
5

_ أنت الي أخترت طريجك بيدك، أبوك كان عايز يشوفك راچل يتباهي بيه، الي كان بيسويه غلط وياما مانعته،لكن مصايبك المطينة بطين الي كنت بتسويها هي الي اضطرته يعمل فيك إكده.

أرتسمت إبتسامة سخرية علي فمه فقط وقال:
_ فعلاً أني الي غلطان، معدش الحديت منه فايده عاد، أني داخل أنام أحسن.
1

ولج إلي الغرفة، فوجد زوجته ما زالت نائمة منذ أن عادت من الخارج، تمدد بجوارها ثم قام بوخزها بإصبعه في زراعها:
_ نوارة، أنتي يا بت.

أنتفضت بفزع ونهضت بجذعها:
_ سي رافع، أنت چيت ميتي؟.

أجاب وهو ينظر أمامه:
_ چيت من بدري ولاجيتك نايمه، خرچت أتصرف في المصيبة الي حوصلت ورچعت لاجيت لساتك نايمه.

تثائبت وقامت بحك فروة رأسها بنعاس:
_ لما أجوم أحضرلك الواكل.

أمسكها من زراعها قائلاً:
_ خليكي مكانك، مليش نفس للواكل.

رمقته بإستفهام:
_ حوصل حاچة لزينب ولا أي؟.

تنهد وقال بحنق:
_ حرج أبو الي چابها، لما أشوف خلجتها عخليها تحب علي يدي لأچل أرحمها من الي عسويه فيها.
1

_ واه، هببت أي تاني عاد؟.

أجاب بإقتضاب:
_ هربت من المشتشفي.

شهقت ولطمت علي صدرها:
_ هربت!، يا مُرك يا زينب.

زفر بتأفف وقال:
_ ده مرار وعيطفح علينا كلاتنا لما التاني ياخد خبر.

_ تجصد....

قاطعها رنين هاتفه، أمسك به ليري إسم المتصل، فقال:
_ أهو چه علي السيرة.

فقالت نوارة:
_ عتجولو أي لو سألك عنيها؟.

تأفف وقال:
_ مادام متصل في وجت متأخر إكده يبجي عرف بالي حوصل.

_ چيب العواجب سليمة.

أجاب علي المكالمة وتصنع إنه كان نائماً:
_ سليم بيه، في حاچة؟.

رد الآخر بنبرة لاتنبأ بالخير بتاتاً:
_ وليك نفس تنام، قوم أجمع رجالتك عقبال ما أجيلك أنا ورجالتي.
1

أبعد الهاتف عن فمه وأطلق سبة ثم قال بصوت مسموع:
_ ما تتعبش نفسك يا سليم بيه، دي خايتي وأني خابر ألاجيها كيف، وكل حاچة في ميعادها أطمن.
صاح الآخر بأمر حازم:
_ ساعتين وهاكون عندك يا رافع، سلام.
وأغلق المكالمة في وجهه، فقال رافع بحنق:
_ جبر يلم العفش.
2

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ غطت في النوم وهي تنتظره منذ البارحة والشمس علي وشك الشروق، تخلل أذنيها صوت الباب الذي أنفتح للتو، أستيقظت وقالت:
_ حمدالله علي السلامة يا حبيبي، أي الي أخرك كده؟.

أقترب منها وعانقها وأنحني نحو وجنتها ليعطيها قبلة قائلاً:
_ وحشتيني أوي.

بادلته العناق والقبلة علي ذقنه ثم أمسكت وجنتيه بأصابعها:
_ مقولتليش أتأخرت لحد دلوقت ليه، مش كنت آخر مرة مكلمني قولتلي أدامك ساعتين وجاي، ودلوقتي بقينا بعد الفجر.

حملها من خصرها وجلس علي الأريكة و وضعها علي فخذيه وقال:
_ جالنا، أمر، مفاجئ، بالقبض، علي، تاجر، مخدرات، في دار السلام.
كان بين كل كلمة يطبع قبلة علي أنحاء وجهها، وضعت يدها خلف رأسه تداعب خصلات شعره الذهبية:
_ هاقوم أنا بقي أحضرلك الحمام تاخد شاور عقبال ما أحضرلك فطار ملوكي يليق بسيادة النقيب أكرم عمران.

أمسك يدها وقام بتقبيل باطن كفها، وقال:
_ متعمليش حاجة، كل الي عايزك تعمليه تحضري شنطة ليا وشنطة ليكي وللارا عشان طالعين علي الساحل.

رفرفت أهدابها في محاولة إستيعاب ما قاله، تحدجه بتعجب، فأردف يضحك:
_ أي يا ندوش، مالك عماله تبربشي وفاتحه بوءك، مش مصدقاني ولا أي؟.

ردت بإبتسامة:
_ بحاول أصدق الي سمعته، أنت خدت أجازة؟.

تنهد وأجاب:
_ اه خدت أسبوع أجازة عشان أقضيه معاكو أنتي ولارا فسح وخروج وبلبطه في البحر، وبالنسبة لشغلك أنا ممكن أكلم مستر ناجي مديرك وأقوله يقدملك علي أسبوع أجازة.
4

أنتفضت ونهضت قائلة:
_ لاء مينفعش تكلمه، أصدي،أصدي مستر ناجي ساب الشركة وجه بداله مدير جديد.

_ خلاص نكلمه ونبلغه.

قالت بإندفاع مبالغ فيه:
_ لاء متكلمهوش.

أنتبهت إلي دهشته من إجابتها الحادة فأردفت بهدوء:
_ أصله راجل معقد ورخم، شادد علينا في الشغل بقاله يومين حتي بفكر إن أسيب الفرع ده وأتنقل فرع التجمع أحسن.

أمسك يدها بين كفيه وقال:
_ هو المدير الجديد ضايقك ولا حاجة؟.

جذبت يدها بتوتر وأجابت:
_ لاء، هو كلامه بيبقي للكل وكده، يعني أنت عارف بقي التحكمات والأرف الي بيحصل في أي شغل.

تغيرت ملامح وجهه للجدية وقال بتهديد:
_ أرف علي نفسه هو، لو فكر بس يضايقك ديته معايا أجرجره من قفاه علي القسم وهخليه لو سمع إسمك بس يترعب.

قالت بداخل عقلها:
_ يترعب مين بس، ده هو الي مربيلي الرعب.
2

أنتبهت وهو يقول إليها:
_ مالك سرحتي في أي؟.

إبتسمت بتصنع وقالت:
_ بفكر في الحاجات الي هحضرها دلوقت، أخيراً هلبس البوركيني الي أشتريته ليا من سنتين ولسه في شنطته وكمان لارا هاخد لها المايوهات الي جبتهلها أنا وماما.

_ خلصي علي مهلك وصحي لارا وألبسو وأول ما تجهزو قوليلي، أكون خلصت شاور وجهزت حالي وأعمل كام تليفون كده لحد ما تبقو جاهزين.

كادت تذهب لكن أقتربت منه ودنت منه وقالت:
_ ربنا يخليك لينا يا أحلي بابا كرمله.
وأختطفت قبلة من شفتيه وركضت إلي الغرفة، عاد آخر كلمة لها قائلاً:
_ كرملة!، هي حصلت من أكرومتي لكرملة، لاء الموضوع ده ميتسكتش عليه.

نهض منادياً عليها وبمزاح قال :
_ أنتي يا ندا هانم.

أجابت من داخل الغرفة:
_ نعم يا أكرومتي.

_ لاء ده أنا كده لازم أجيلك.
ذهب إليها وقام بمشاكستها وهي تعد الحقائب، يداعبها بمرح يحملها ويلقي بها تارة علي التخت، وهي تقفز كالطفلة فوق ظهره وتتشبث به، فيقوم بقلبها مرة أخري علي الفراش وينقض عليها ليدغدها.

وبعد مرور وقت من التجهيزات، تأكدت ندا من إغلاق كل صنبور في المطبخ والحمام و خلع أي سلك كهرباء من المقبس، غادروا ثلاثتهم المنزل وأستقلو سيارتهم بعد أن وضع أكرم الحقائب خلف السيارة بمساعدة حارس العقار، وأوصاه علي شقته ولو حدث أمر ما يبلغه علي الفور.
أنطلق أكرم وكان في المقعد الخلفي لارا التي تكمل نومها، وندي تجلس بجواره شاردة، تنظر من خلال النافذة وهي تفكر في أمر واحد وهو، كيف ستخبره بعلاقتها السابقة بهذا العلي الذي يهددها دائماً، وما الذي ستقوله له بأنه عندما تشاجر معها وأبتعد عنها لفترة من الوقت فلجأت لآخر ليعوضها عن حبه وحنانه التي أفتقدتهما، حدث الكثير من الأحداث والتقارب بينهما وبعض التجاوزات الغير مقبولة ولم يكن في حسبانها أن هذا الآخر سيتعلق بها ويعشقها بجنون، وعندما عاد أكرم إليها تخلت عن من أصبح مهوساً بها وقامت بطعنه في قلبه طعنة قاتلة وهي تخبره وتدعوه إلي حفل زفافها معللة له أن كل ما مرت به معه كانت علاقة صداقة تجاوزت حدها قليلاً، فهو بالنسبة إليها ليس سوي أخ وصديق فقط.

تنظر له كل حين والأخري وهو يقود السيارة وينظر إلي الطريق أمامه، فقالت بداخل نفسها:
_ ياتري لما أحكيلك هتسامحني؟، ولا كرامتك وغيرتك الشديدة مش هيخلوك تغفري لي؟.
7

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ يتجمعن حول مائدة الإفطار، تضع ريهام طبق الخبز أمام زينب:
_ يلا سمي الله وكولي، الفطار ده من إيد ماما قولي بقي مش قادرة أكل خليها تزعل منك.

أبتسمت وقالت:
_ وأني مايرضينيش زعل الحاچة عاد.

فقالت والدة ريهام:
_ تسلمي يابنتي، بس لو عيزاني مزعلش كولي كويس وأشربي كوباية اللبن دي عشان تغذيكي.

رمقت زينب كوب اللبن بإمتعاض، فقالت ريهام وهي تضحك:
_ أنتي أطلبي منها ترمي نفسها من الشباك ولاتقوليلها تشرب اللبن.

_ خلاص هاقوم أعملها عصير عقبال ما تفطر.

أمسكت زينب بيدها وقالت:
_ خليكي يا أمي أرتاحي، أني عخلص واكل وأعملكو شاي نشربو في البلكونة.

قالت ريهام:
_ زوزه يا ماما عليها كوبايه شاي ولا أجدعها قهوجي.

نفضت السيدة الوقور يديها من الخبز وقالت:
_ الحمدلله اللهم ديمها نعمة واحفظها من الزوال.

وأردفت:
_ خلاص أسيبكو تفطرو وتعملو الشاي عقبال ما أدخل أصلي الضحي وأقرأ الورد وهحصلكو علي البلكونة.

وبعد قليل...
أرتشفت القليل من الشاي تتذوقه باللذة وقالت:
_ بجد تسلم إيدك يابنتي، شكلي مش هشرب الشاي غير من إيدك بعد كده.

أجابت زينب:
_ العفو يا أمي، دي حاچة بسيطة وياسلام لو حداكم منقد الي بيبجي فيه فحم مولع بنعملو عليه أحلي كوباية شاي، تظبط الدماغ زين.

أنتهت السيدة من إحتساء الشاي وتركت القدح فوق المنضده الصغيرة، رمقت إبنتها فتفهمت الأخري نظرات والدتها فقالت :
_ ها يا زوزه، بقيتي أحسن دلوقت؟.

أخفت ما تشعر به من شجن وألم نفسي فقالت:
_ الحمدلله، طبعاً عايزين تعرفو سبب هروبي من بلدي وكمان أي الي خلاني حاولت أنتحر؟.

أجابت السيدة:
_ لو مش عايزة تحكي يابنتي براحتك، بس كل الي أقولهولك كأم بتحب بنتها وتخاف عليها وربنا يعلم محبتك في قلبي من وقت ما كنتي بتيجي لريهام ووقفتك جمبها وقت تعبها، ساعتها فضلت أشكر ربنا إن ربنا أنعم عليها بأخت وصديقة في زمن قليل لما تلاقي فيه صديق حقيقي.

إبتسمت زينب وقالت بإمتنان:
_ ربنا بخليكي يا أمي.

_ وأنا بعتبرك زي ريهام بنتي عشان كده عايزه أقولك علي نصيحة، مهما الزمن قسي عليكي أو أُصيبتي بإبتلاءات ومحن صعبة إياكِ ثم إياكِ تستسلمي لليأس هو طريق الشيطان الي هيمهدلك واحدة واحدة إن الإنتحار هو الحل الوحيد، وبيعمي بصيرتك تماماً، فلو الواحد فينا فكر بالعقل وقت المشكلة هيلاقي الحل بسيط جداً وقاله المولي عز وجل في كتابه العزيز
" وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ " صدق الله العظيم

تدخلت ريهام وقالت:
_ أعذريها يا ماما هي الي ماشفتهوش قليل برضو، في يوم وليلة حب عمرها الي كانو هيتجوزو أتحبس بسبب أخوها الي لفق له تهمه صعب إنه يخرج منها، و وفاة عمها الي كان أقرب ليها من أهلها، وأخوها جه يكمل عليها وعايز يجوزها غصب عنها لواحد ألعن من الشيطان.
2

_ برضو يابنتي متوصلش إنها تموت نفسها، وأفترضنا بعد الشر كان جرالها حاجة، هل إنتحارها كان هيغير حاجه!، ولا كان هينفع خطيبك الي أتسجن ظلم ولا هيخلي أخوكي يتراجع عن ظلمه وجبروته، ومش هينوبك غير خسارة دنيتك وأخرتك ونهاية ربنا يبعدنا عنها ويرزقنا بالفردوس يارب.

تنهدت زينب وقالت:
_ ربنا يسامحني عن اللحظة الي ضعفت فيها دي.

ربتت عليها السيدة بحنان وقالت:
_ ربنا غفور رحيم، وطول ما بتلجأي له في كل محنة وتقولي يارب، هيقف معاكي ويبعد عنك كل شر، بس خلي عندك ثقة وإيمان بيه.

ردت زينب وهي تنظر نحو السماء:
_ يارب أغفرلي وأعفو عني.

_ لما أروح بقي ألحق أنزل السوق هشتري شوية حاجات وراجعة لكو علي طول.

قالتها ربهام فقالت زينب وهي تنهض:
_ خديني معاكي.
1

_ طيب تعالي هجبلك طقم خروج من عندي أحسن من العبايه وجو التنكر الي جيتي فيه ده.

_ واه، عايزني أخرچ من غير النقاب كيف، لو أي حد يعرف أخوي عيبلغو.

ضحكت ريهام وقالت:
_ يابنتي أنتي هنا في القاهرة وكمان مصر القديمه محدش هيعرفك هنا خالص، مش قولتيلي ملكوش قرايب هنا؟.
3

_ أيوه، كل أهلنا ومعارفنا في النچع.

_ خلاص أنزلي وأنتي مطمنة، ويلا عشان نلحق عم عطية الجزار قبل ما يخلص الكوارع والممبار.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1

_ بت يا قمر هاتي العيش من فوج الفرن.
قالتها زوجة خالها، ردت الأخري:
_ حاضر يا مرات خال.

جلبت الخبز و وضعته فوق المائدة تحت نظرات هذا الضيف الذي لم يكف عن التحديق بها، فغطاء وجهها زاده فضولاً ليري وجهها، وما جعله بهذا الإصرار عندما أمعن النظر في عينيها الساحرتين التي تشبه لقاء السماء الزرقاء مع المرج الأخضر ويتخللها القليل من الرمادي.
2

عندما وجدها تقف ولم تجلس لتتناول الغداء معهم، قال:
_ واجفة عندك ليه ياقمر، أجعدي أتغدي ويانا.

كادت تجيب فقاطعتها زوجة خالها بسخرية:
_ بتتكسف تاكل قدام حد و ماتعرفيش تاكل من البتاعه الي علي وشها دي.

رمقها زوجها بحذر وقال:
_ نفيسة، خليكي في حالك.

_ وأني غُلطت فيها إياك.

فقال شقيق تلك العقربة:
_ وأنتي لابسه النقاب قدامي ليه، أني في مقام خيك الكبير، أجلعيه وخدي راحتك.
5

ردت بجديه وحسم:
_ لاء مش أخوي، وغير إكده أنت غريب ومينفعش وشي ينكشف عليك واصل.

رمقتها زوجة خالها شزراً ثم قالت لزوجها:
_ عاچبك حديت بت خيتك يا عبد الحق؟.

زفر بضيق وقال:
_ هي مجالتش حاچة غلط، ولا أي عامر؟.

فقالت قمر قبل أن تندلع مشادة كلامية بطلتها زوجة خالها التي ستقيم عليها حرب شنعاء وتوبخها بكلام لاذع:
_ عن أذنك يا خال أني داخلة چوه، لو أحتاچت حاچة أبجي نادم عليا.

وتركتهم ودلفت إلي غرفتها، فقالت نفيسة لزوجها:
_ بتنصفها عليا يا عبد الحق، طب أي رأيك بجي ياني يابت أختك في الدار دي.

ترك الملعقة ونهض قائلاً:
_ بت خايتي ملهاش حد غيري بعد أمها الله يرحمها، لكن أنتي عندك أخوكي وأمك ربنا يخليهم لك.
1

أتسعت عينيها وقالت:
_ تجصد أي بحديتك دي؟.

مسح يديه في منشفة وقال:
_ أجصد الي مش عاچبه الباب يفوت چمل.
4

ذهب وتركها تستشيط غضباً، وإبنتيها كانتا تتابعان الموقف في صمت وكذلك الصغير عمر، الذي نهض أيضاً وقال:
_ الحمدلله.

صاحت به والدته بحنق:
_ روح يا دلوعة أبوك وراه، ما أنت طالع كيف زيه.

ضحكت الفتاتان، فحدجتهما بتوعد:
_ بتضحكي علي أي أنتي وهي، بجول نكت إياك؟.

ردت إحداهما:
_ هو حرام نضحك؟.

فقال شقيقها:
_ مالك يا نفيسه مطيجاش روحك ليه إكده، وحاطه بت أخت چوزك في دماغك ولا كأنها ضُرتك عاد.

أجابت بنبرة مليئة بالحقد:
_ كيف ما أنت شايف وسامع عمال يحابي لها وكل ما أتحدت وياها يهب فيا كيف الباچور كأني بعذب فيها.

مال نحو شقيقته وقال بصوت لايسمعه سواهما:
_ والي يريحك منيها؟.
1

أستدارت بجسدها نحوه وقالت بإستفهام:
_ ناوي علي أي ياعامر؟.

أجاب بإبتسامة ماكرة:
_ فاكرة الراچل الخليچي الي جولتلك عليه.

أتسعت حدقتيها وصاحت:
_ الي عنديه 65 سنة!.

لكزها قائلاً:
_ وطي حسك لچوزك يسمعنا، أبو 65 سنة دي يبجي ملياردير في بلده، وچاي مصر بعد يومين في شغل أهنه و عايز يتچوز صبيه كيف قمر إكده، وما إدراكي المهر الي عيتدفعه، يعني لو عبد الحق جاله عايزين مليون چنيه التاني عيوافج علي طول بشرط تكون صبية وبت بنوت وعياخدها تسافر وياه في بلده.

شردت في الفراغ وكلماته تدور في ذهنها، فقالت:
_ مليون چنيه!، نچهز البنات ونچدد الدار وأچيبلي حتتين صيغة بدل الي بعتهم.
3

وسوس إليها شقيقها كأبليس:
_ وطول ما هي علي ذمته ومهنياه، عيغرجكو فلوس ومش بعيد يشغل چوزك عنديه في أي شركة أحسن من مصنع الخردة الي بيعطوه ملاليم يدوب علي قد واكلكو وشربكو، كل الي رايدو منك دلوق تتحدتي وياها وتقنعيها ولما تتوكدي إنها موافجة، جولي لعبدالحق وهو لما عيعرف الخير الي عيچي له مش عيقول لع.

قالت نفيسة بفحيح حية مرقطة:
_ حقه لو ده حوصل يبجي طاجة الجدر أنفتحت لينا.

وفي داخل الغرفة لدي قمر، تجلس خلف النافذة تبكي، شعرت بدخول إحدهم، قامت بتجفيف عبراتها، فوجدت عمر الصغير يمد لها يديه بثمرات من الموز والتفاح:
_ خدي كولي جبل ما أمي تخفيهم وتأكلهم هي وأخواتي.

وضعت يدها علي رأسه وقالت:
_ كولهم أنت، أني الحمدلله أكلت وأني بعمل الواكل.

_ ما تكدبيش علي ياقمر، أنتي ماكلتيش حاچة من إمبارح لأنك مكنش عندك وجت من شغل الدار، بتضحكي علي أكمني لسه صغير!.

إبتسمت له وعانقته وقالت:
_ مين الي جال إكده، أنت راچل وكيف البدر كمان، وعشان متزعلش عاخد منك تفاحة وموزة وخلي لك الباجي.

إبتسم بمكر وقال:
_ عيب عليكي أني شايل نايبي في المكنة إياها، ما أنتي خابرة أمي وأخواتي كيف المنشار ميعتجوش حاچة واصل.
قهقهت من كلمات هذا الصغير المشاكس:
_ يخرب عقلك يا عمر، أموت وأعرف بتچيب الحديت ده منين.

أشار إلي الخارج وأجاب:
_ الي يعاشر أمي نفيسة يعرف أكتر من إكده، أسمعي كلامي وخدي الحاچة دي، بكرة خالي يهملنا ومش عتلاجي الواكل ولا الفاكهة الموچودة دي تاني عاد.

أحتضنته بحنان وقالت:
_ خابر يا عمر أني يوم ما أتچوز، عاتچوز واحد كيفك إكده، بيحبني ويخاف عليا.

قال لها بمكر:
_ ما هو الراچل دي موچود وأحسن مني كمان وكبير زيك ويمكن أكبر.

عقدت حاجبيها وقالت:
_ مين ده؟.

حرك حاجبيه لأعلي وأسفل قائلاً:
_ الشيخ بكر.
3

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ يقرع بقدميه في الغرفة ذهاباً وإياباً، فقال له رافع الذي ضاق به زرعاً:
_ ما تجعد ياسليم، رايح چاي خيلتني.

وقف وألتفت إليه قائلاً وهو يجز علي أسنانه:
_ يا برودك يا أخي، نفسي أفهم أنت إزاي قاعد كده وكمان عمال تشرب في سجاير وشيشه ولا علي بالك.

زفر بتأفف وقال:
_ علي يدك من ليلة إمبارح ومهملناش خرم في النچع ولا البلاد الي حواليه وما فتشناش فيه، حتي البت الممرضة الي يمكن تعرف راحت فين أختفت فص ملح وداب.

تدخل صلاح بذكاءه وفتنته قائلاً:
_ أنا خطر علي بالي حاجتين دلوقت.

رمقه سليم بإنصات وقال:
_ أي هما؟ .

أجاب بثقة كعادته:
_ الأولي، أي بنت بيبقي ليها صديقة سواء في محيط العيله بنت خالة بنت عمه أو خال أو عم وبتحكي لها كل حاجة.

قال رافع بتهكم:
_ هي و مارتي بنات خالة والحمدلله مابيطجوش بعض واصل، مفيش غير...

صمت قبل أن يتفوه پإسمها، فقال سليم والشر يتطاير من عينيه:
_ كمل يا رافع مخبي أي وخايف منه؟ .

ود لو نهض ويوجه له لكمة قوية، كظم غضبه وقال:
_ عابجي أجولك بعد ما أخلص المشوار دي.

قال الآخر بأمر:
_ مش هاتروح في حته غير لما تقولي مين الي مش عايز تقول إسمها وشكلك خايف عليها أوي.

رفع جانب فمه بإبتسامة ساخرة وبنبرة إستفزازية قال:
_ لتكون حبيبة القلب بنت عمتك، فاطمة.

نهض رافع كالعاصفة الهوجاء وقبض علي تلابيب سترته:
_ إياك تچيب سيرتها علي لسانك تاني واصل.

قام صلاح بالفض بينهما:
_ ماتهدي يا رافع بيه، سليم مايقصدش حاجة.

نفض يديه عنه قائلاً :
_ ولا يجصد، أني جولت الي عندي، خليكو أهنه وأني رايح.

قال صلاح:
_ روح أنت خلص مشوارك، وأنا وسليم بيه والرجالة هانروح مشوار تاني كده، ونبقي نتقابل هنا في الفندق.

سأله سليم بترقب:
_ مشوار أي أنت التاني؟.

أجاب بإبتسامة غامضة:
_ هاتعرف لما نوصل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1

_ فاطمة، بت يا فاطمة.
نادت بها جليلة، فخرجت إبنتها من الغرفة تمسك بقلم ومذكرة و دفتر ورقي:
_ نعم ياماه، بتنادمي عليا فيه حاچة؟ .

أجابت والدتها بسخرية:
_ في حاچات يا عين أمك، جاعدة في أوضتك وجافله عليكي ومدرياشي بالي حوصل والنچع المجلوب علي بت خالك زينب.

تساءلت بخوف وصدمة في آن واحد:
_ مالها زينب؟ .

أجابت:
_ تعبت وحچزوها في المشتشفي وتاني يوم هربت، وأخوها وراچل غريب معاه بيجولو إنه خطيبها جالبين عليها النچع ولا كأنها عيلة صغيرة وتاهت.

تركت ما في يديها وجلست علي أقرب كرسي قائلة بحزن:
_ مستشفي و خطيبها وهربت!، يا مُرك يا زينب، رافع عيسوي فيكي أي تاني، الله ينتجم منيه.

أمسكت بخمارها لترتديه قائلة:
_ جومي همي وغيري خلچاتك، عانروح لمرات خالك، الله يكون في عونها هي وخميس.

لم ترد علي والدتها وتفكر فيما أخبرتها به، صاحت جليلة بها:
_ بت يا فاطمة.

أنتفضت ونهضت:
_ ما أني قدامك أها.

دفعتها في كتفها:
_ چهزي حالك عانروحو لمرات خالك.

تسمرت في مكانها وقالت:
_ لع، روحي أنتي، مش ناجصة نتعارك ويا الحرباية الي إسمها نوارة، بتقعد تلجح علي بحديت ماسخ.
4
_ سيبك منيها وأطمني الي خايفه منيه مش هناك، مرات خالك جالتلي من إمبارح تارك الدار و بيدور علي خايته ولسه معاودش.

صاحت بحنق:
_ مين دي الي بخاف منيه، حاسبي علي حديتك ياماه، ولا هو ولا ألف زيه يجدر يهز شعره مني.

خرج بكر من غرفته يعتدل من جلبابه ويمسك بسبحة في يده:
_ عيب يا فاطمة تعلي حسك علي أمك، لا تقل لهما أفُ ولا تنهرهما.

رمقته بتهكم وحنق فقالت:
_ خليك في حالك يا سيدنا الشيخ وكفياك مواعظ.
1

هز رأسه بسأم وقال:
_ ربنا يهديكي أنتي وأخوكي الكبير.

صاحت في وجهه:
_ بعد عن خلجتي الساعة دي أحسن لك، شايفني مچنونة قدامك ولا أي عاد؟.

أرتدي القلنصوة البيضاء فوق رأسه قائلاً:
_ حجك علي ياخيتي بدعيلك بالهداية، عموماً أني رايح المسچد وعريحك مني.

_ يبجي أحسن.

أرتدت والدتهما حذاءها وقالت:
_ أستني يا ولدي خدني في طريجك، وأنتي لما أبوكي يعاود چهزي له الواكل، وأبجي طلعي للطير الميه والحبوب، البت الي كانت بتيچي تساعدني مشتها خوفت عليها من أخوكي الفلتان زكريا، ماناجصينش چورس عاد.

قالت فاطمة ساخره من كلمات والدتها:
_ سبحان الله ربنا رزجك بولدين واحد شيخ والتاني إبليس.
1

_ روحي وأعملي الي جولتلك عليه ياست العاجلين لما نشوف أخرتها، وأجفلي الباب عليكي زين.

غادرت جليلة مع نجلها، أمسكت فاطمة بالدفتر والقلم قائلة:
_ يا عيني عليكي يا زينب، يارب يهديلك نفسك وحالك يا رافع ويهديك علي خيتك الغلبانة.

طرقات عنيفة علي الباب، جعلتها أنتفضت بذعر وخوف، فقالت:
_ كيف غيره الي بيخبط بالغباء دي، چايه أهه يا زكريا.
فتحت الباب لتتفاجئ به يقف أمامها يحدق بملامحها فهي الآن بدون وشاحها وكم أشتاق لخصلاتها الفحمية المسترسلة، وكم من ليالي كان يحلم بتلك الخصلات وهي مبعثرة علي صدره ووجهه، صاحت به:
_ عتبحلج فيا ليه إكده؟.

تذكرت إنها لم تكن مرتدية حجابها، شهقت ودلفت للداخل تاركة إياه واقفاً، ذهبت إلي غرفتها وأخذت وشاحها وقامت بإرتداءه علي عجالة، وأستدارت لتعود إليه لكنها أصتدمت في صدره،ليفاجأها مرة أخري بوجوده داخل غرفتها.

صاحت في وجهه:
_ أي الي دخلك أوضتي يا چدع أنت، أخرچ برة لأنادم لك علي أمي.

شقت إبتسامة ثغره قائلاً:
_ نادمي عليها إكده؟.

صاحت لتوهمه بوجود والدتها :
_ أماه، يا ماه.

قال بتهكم منها ويقترب خطوة تلو الأخري:
_ عمتي لسه شايفها رايحة نواحينا وبكر زمانه بيحفظ قرآن للعيال، وزكريا في الأقصر من إمبارح، والحاچ واصف أبوكي عنده قاعدة صلح عيحكم فيها و قدامه لحد العشا.

تتراجع إلي الوراء وتتظاهر بالقوة لكن بداخلها يرتجف خوفاً:
_ طالما خابر إن محدش فيهم أهنه أي الي چابك؟.

أجاب وعينيه السوداوتين مليئة بالغموض الذي يزيدها رعباً:
_ هربت عند مين؟.

التوتر والخوف جعلاها لم تفهم مقصد سؤاله فأجابت:
_ هي مين؟.

دفعها بجسده فوقعت علي تختها، دنا نحوها وهي تبتعد بوجهها عنه، قائلاً:
_ زينب، جالتلك عتدلي عند مين جبل ما تهورب؟.

دفعته في صدره ليبتعد عنها فلم يتزحزح أنشاً واحداً، فصاحت:
_ لسه خابره بالي حوصل من عمتك جبل ما تمشي.

_ عبيط أني إياك لأچل أصدج الي بتجوليه، أنتي الوحيدة الي زينب بتجولك علي كل حاچة.

تتزحزح إلي الوراء علي الفراش قائلة:
_ تصدج ولا ماتصدجش، جولتلك ما عرفش حاچة عنيها.

أمسك بزراعيها وجذبها من فوق التخت وجعلها تلتصق بصدره قائلاً بتهديد و وعيد:
_ عارفة يا فاطمة لو طلعتي بتضحكي علي عسوي فيكي أي؟.

رمقته بإستهزاء ونفضت يديه عن زراعيها قائلة بتحدي:
_ إياك تكون فاكرني بخاف منك يا رافع!، وأي رأيك بجي لو كان عندي علم بمكانها لو دبحتني ما عجولك واصل، لأني مابخافش غير من الي خلقني وبس.

زفر بعمق ونيران غضبه المندلعة بداخل صدره تحولت إلي نيران أخري، ظل لهيبها مشتعل منذ سنوات لم ينطفأ بتاً، وقربه منها هكذا جعله يندلع أكثر كما تحديها له وقوة شخصيتها التي يعشقها لكن بداخله فقط فكبرياءه الذكوري لم يسمح له الإعتراف بذلك، بل دائماً يريد فرض سيطرته عليها، لم يتجرأ رجلاً في النجع بأكمله أن ينظر لها فالكل يعلم فاطمة خاصته ومن يريد الموت والهلاك هو من يذهب إلي والدها أو أشقائها ويطلب الزواج منها، فهذا الذي يختار نهايته بيده أو بالأحري علي يد رافع.

كانت نظراتهما المتبادلة أبلغ من آلاف الكلمات، أخفض بصره نحو شفتيها المرتجفة، أسبل جفونه يتذكر عندما كان يتذوقهما في أحلامه.
مازالت تنظر له بترقب عقلها يحسها علي دفعه أو الصراخ به ليذهب من أمامها، لكن قلبها الخائن يكاد يقفز من بين ضلوعها ليستقر بين يديه عاشقه.

تسارعت أنفاسه وهو يصارع رغبته في عانقها وتحقيق أحلامه الجامحة وتقبيلها، دنا نحوهما فأنتبهت لما سيقدم عليه، دفعته بكل قوتها:
_ بعد عني وأمشي من أهنه.

ولت ظهرها إليه تمنع دموعها من التحرر، أقترب منها حتي يكاد صدره يلمس ظهرها، تفوه بأنفاسه وأحست بحرارتها الصاعدة:
_ عتطرديني يا فاطمة؟.

يتعمد ذكر إسمها فهو يعلم كم تأثير هذا علي قلبها، فكانت دائماً تخبره كم تعشق إسمها من بين شفتيه وبنبرة صوته التي تحتويها.

عقدت ساعديها وبدون أن يراها مسحت دمعه منسدلة من فوق وجنتها، فأجابت بصوت مختنق وشيك علي البكاء :
_ كفياك لحد إكده يا واد خالي، هملني لحالي لو لسه باجي ليا خاطر عنديك.

زفر وجز علي شفتيه، رفع يديه لكي يضعهما علي كتفيها قائلاً:
_ أنا ماشي.
3

تراجع عن ملامستها، وأستدار ليغادر مسرعاً قبل أن يفعل شيئاً يندم عليه لاحقاً.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ و في فناء هذا المنزل القديم يللهو هؤلاء الصغار، فخرجت من الحجرة إليهم إمرأه تحمل وعاء مليئ بالمياه المتسخة، صاحت علي الصغار بغضب:
_ أمشي ياولاه منك ليه، ألعبو عند داركو ماناجصينش وچع دماغ.

أستيقظ من نومه هذا الراقد علي الأريكة الخشبية القديمة، فأنتابته نوبة من السعال، وقال بصوت متحشرج:
_ بت يا سكينة، أنتي يابت.

أجابت عليه تلك السيدة وهي تلقي بالماء أمام الدار، وعادت إلي الداخل:
_ بتك بتچيب لي حاچة من السوج وزمانها راچعة دلوق.

_ لما تيچي، شيعيها تچيب لي علبة دخان.

قالت بحنق وكأن فاض بها الأمر:
_ يا راچل أرحم صحتك وأرحمني معاك، بكفياك سچاير الي حرجتلك صدرك دي.

وكزها بالعصا التي يتكأ عليها:
_ ملكيش صالح يا وليه، وأعملي الي جولتلك عليه جبر يلمك.

وضعت يدها علي أثر الوكزه تمسدها و تتمتم بدون أن تجعله يسمع :
_ اللهي تنجطع يدك يا بعيد، كله من مجصوفة الرجبة سمية بتك من وجت ما هچت من النچع وأنت ماطيجش حد واصل، اللهي ماترچع تاني.
أنتبهت علي أصوات سيارات تتوقف أمام المنزل، فخرجت بدافع الفضول، شهقت بذعر عندما رأت هؤلاء الرجال ذو البدل السوداء والملامح المخيفة يترجلون من السيارات ويقفون أمام دارهم مباشرة، تقدم نحوها صلاح مرتدياً نظارة شمسية سوداء قاتمة، وقف يسألها:
_ ده بيت سمية عبد السميع النجعاوي؟.

وبخوف أجابت علي الفور:
_ لع، جصدي آه يا بيه دي دار عبدالسميع چوزي وأني مارته وسمية تبجي بت مارته الأولانية الي ماتت.

ألقي نظرة عليها من أسفل لأعلي فقال:
_ طيب جوزك موجود؟ .

أشارت له بإحترام وخوف:
_ چوه يا بيه تلاجيه متكوع علي الكنبة ما عيتحركش منيها.

ألتفت قبل أن يدلف إلي سليم الذي ينتظر بداخل السيارة، فأشار له صلاح بأن يتحلي بالصبر، ولج إلي الداخل فوجده منزلاً بسيطاً للغاية ذو أثاث مهترئ وقديم والأرض عبارة عن قشرة إسمنتية مغطاه بالطلاء البني الداكن.

رأي صلاح علي عبدالسميع أمامه فقال:
_ السلام عليكم يا حاج.

أعتدل الآخر في جلسته ممسكاً بعصاه الخشبية، أجاب:
_ وعليكم السلام، في حاچة يابيه؟.

خلع نظارته وقال:
_ مش هنطول عليك ياحاج، إحنا جايين نسأل بس عن مكان سمية بنتك.

أنتفض بغضب قائلاً :
_ هببت أي بت ال..... دي؟ .

تظاهر بالجدية البالغة وأجاب:
_ أطمن حضرتك إحنا هنسألها علي حاجة بس مش أكتر.

تدخلت زوجة والدها بخوف وقلق:
_ أنتو حكومة يا بيه ولا أي؟.

إبتسم من طيبتها الساذجة المعاكسة لهيئتها، فقام بإستغلال ذلك، رد قائلاً :
_ لاء مش حكومة، تقدري تقولي جهة سيادية.

ضرب بكفها علي صدرها بصدمة وقالت لزوجها:
_ شوفت عمايل بتك يا عبدالسميع، مكفهاش إنها تهمل النچع وتهچ منيه ورچالة رافع القناوي كانو جالبين عليها الدار، كمان عاملة مصيبة وچايبه لنا الحكومة لحد أهنه.

صاح بها زوجها:
_ أكتمي يا وليه وكفياكي عويل لأجوم أفتح دماغك بالنبوت دب وأرتاح منك.
1

فألتفت إلي صلاح وأردف:
_ ممكن أعرف بتي عملت أي يابيه؟.

تنهد صلاح بضيق فقرر إستخدام أسلوب التهديد، فقال:
_ أنا سألت سؤال محدد وعايز إجابته لإما هنضطر ناخدك معانا وهناك بطريقتنا نخليك تقولنا علي مكان بنتك.

صاحت السيدة بعويل:
_ يا مُري، حرام عليكم يابيه الراچل صحته علي قده وميستحملش بهدله، أني أجول.....

قاطعها زوجها:
_ كلمة كماني وأرمي عليكي اليمين وأرميكي برة الدار.

أدرك صلاح مراوغة هذا الكهل فألقي بآخر ما بجعبته:
_ واضح إنك هتتعبنا معاك، كده مقدمناش غير الحل الأخير.

وأشار إلي رجال سليم ليدخلو، وبمجرد دخولهم وهجومهم علي عبدالسميع يقبضون عليه بعنف، صاحت زوجته وأرتمت علي يد صلاح في توسل:
_ أني أجولك يابيه، أبوس يدك جولهم يسيبوه.

أبعد يده عنها قائلاً للرجال بأمر:
_ سيبوه.

ألتقطت أنفاسها وقالت:
_ سمية ليها جريبة تبجي خالة أمها عايشة لحالها في سوهاج.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ عاد إلي الدار فوجد عمته و خالته سعاد وزوجته يجلسن مع والدته التي رمقته بسخط، فقالت عمته جليلة:
_ داخل إكده من غير ماترمي السلام يا ولد أخوي!.

نظر إليها بإحراج وقال:
_ حجك عليا يا عمتي، كنت شارد شوي.

فقالت خالته:
_ ربنا يرچعهلوكو بالسلامة ويهدي النفوس بيناتكو.

حدجت رسمية إبنها بإزدراء:
_ طول ما فيه الي مسلم حاله للشيطان، عمرها ماهتهدي واصل.

أستشاط غضباً من كلمات والدته الموجهة إليه، أشار بعينيه لزوجته:
_ حصليني علي چوه.

وقبل أن تنهض مالت والدتها نحوها وهمست لها:
_ ها عملتي كيف ما الشيخ جالك؟.

أجابت عليها بهمس أيضاً :
_ لسه، أديكي شايفه الدنيا مجلوبة من وجت ما عاودت وهو ماطيجش روحه ولا بيجرب مني.

لكزتها سعاد في زراعها:
_ أتصرفي يا بت المركوب جبل ما مفعول الوصفة يروح ويبجي كل الي عملناه راح علي الأرض.

_ خلاص بجي ياماه.

_ نوارة.
صاح بها رافع من الداخل، فأجابت:
_ أني چاية أهه، شكله راچع والعفاريت بتنطط قدامه وخالتي عتزودها عليه، ربنا يستر.

ذهبت إليه لتجده يجلس علي الكرسي المقابل للتخت، وملامحه متجهمة ، فقالت بتوتر:
_ أمرك يا سي رافع.

لم يرد بل ظل يحدق بها وبعد ثوان أشار إليها بأمر:
_ أجفلي الباب وجربي أهنه.

أغلقت الباب وركضت نحوه ثم وقفت أمامه فأمسك يدها وجعلها تجلس علي المسند الجانبي للكرسي الجالس أعلاه، ليفاجأها قائلاً :
_ خديني چوه حضنك.

ومال برأسه علي صدرها، أذعنت له متعجبة من أمره، حيث كانت تتوقع منه إنه سوف يصب عليها حمم غضبه كما يفعل دائماً معاها، لكن مابه للتو أمر جديد جعلها تنفست الصعداء، وقامت بإحتضانه وتقبيل رأسه، تتوغل بأناملها خصلات شعره السوداء تمسد فروة رأسه مما جعلته يسترخي، لف زراعيه حول خصرها ودفن وجهه في عنقها، وفي تلك اللحظة خُيل إليه إنها هي من تعانقه بحنانها وحبها الذي يفتقده.
أستجابت حواسه لمخيلته، فوجهها أمام عينيه و عطرها الذي يشبه رائحة الريحان تخلل أنفه، وصوتها الذي مازال يسمعه في أذنيه تناديه وتبتسم بدلال يعشقه، أخذ يقبل عنق الآخري وكأنها هي متمتماً بكلمات حب وهيام.

بينما نوارة كانت كالغارقة بين يديه، تستمع لكلماته وقلبها يرفرف ويحلق، لأول مرة منذ أن تزوجها ويسمعها تلك الكلمات التي غمرتها، لاتعلم إنها ليست المقصودة ولو دلف الشك بداخلها لم تكترث بل كل ما يهمها الآن إنها تعيش هذه اللحظة التي طالما حلمت بها فعليها الإستمتاع بها.
لم تشعر بجسدها الذي حمله للتو وهو ينهض متجهاً نحو الفراش يحاوطها بجسده وكيانه ومشاعره، يردد بداخل عقله الثمل من عشقها:
_ بعشجك جوي يا فاطمة! .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ يابنتي والله كنت لسه هكلمك وهقولك أنا وأكرم سافرنا.
قالتها ندا لصديقتها مروة في الهاتف، فأجابت الأخري:
_ بس يا ندلة، برضو زعلانة منك، يومين قافلة تليفونك وهاموت من القلق عليكي، قولت مبدهاش بقي هاروح لها البيت لاقيت البواب بيقولي أنكو مش موجودين وأدامكو أسبوع وترجعو.
_ غصب عني، لما هارجع إن شاء الله هجيلك أنا ولارا ونقضي معاكي يوم وهحكيلك علي كل حاجة، بس كل الي بطلبه منك أنك تدعيلي بالله عليكي.
_ أنتو سافرتو عشان تتخانقو؟.
_ لاء الموضوع مش زي ما أنتي فاهمة، ده موضوع تاني كبير أوي.
_ لاء أنتي كده هتخليني مانمش من الفضول.
ضحكت ندا وقالت:
_ لاء نامي ياختي عشان مينفعش أحكي في التليفون خالص، أنا بكلمك من فون أكرم لو خدتي بالك يعني.
_ خلاص بعد أذنك هسجله عشان لو حبيت أطمن عليكي.
_ أوك يا حبيبتي بس بالله عليكي متنسيش تدعيلي زي ماقولتلك.
_ من عيوني وقلبي الصغير الي خلاص مش قادر يتحمل أكتر من كده وهيموت علي المز الجديد الي هيشلني تقله في نفسه ده.
_ مز مين؟.
_ هو فيه غيره، اللول الي مدوخ الكل وأولهم صاحبتك، علي الحسيني، كان غايب النهاردة .
_ ندا، ندوش.
قالها أكرم وهو يدلف من باب الشالية ويحمل أكياس ويده الأخري تمسك به صغيرته لارا وتأكل شيكولاتة.

أجابت ندا:
_ أنا في المطبخ.
ثم أردفت لصديقتها:
_ هقفل معاكي دلوقت ياقلبي وهابقي أكلمك بكرة، يلا سلام.

أغلقت المكالمة، وذهبت إلي الردهة، ركضت عليها الصغيرة:
_ مامي شوفي بابي أشترالي شيكولاتة كتير وسناكس.

أنحنت نحوها وقبلتها من وجنتها المنتفخة الصغيرة وقالت:
_ طيب روحي شيليهم دلوقت عقبال ما أجهز العشا وناكل وبعدين كولي منهم زي ما أنتي عايزة.

أجابت ببراءة:
_ حاضر يا مامي.

وكادت تذهبت فقالت:
_ تعالي هنا فين بوسة مامي.

أعطتها الصغيرة قبلة وركضت للداخل، أقترب منها أكرم و وضع الأكياس جانباً علي الطاولة، أخرج علبة تحتوي علي قطع شيكولاتة علي شكل كورات المغطاه بجوز الهند، يعطيها إياها وهو يطبع علي وجنتها قبلة:
_ ومش ناسي مراتي حبيبتي الي عارف هي بتعشق أي.

أخذتها من يده كالطفلة الصغيرة تغمرها الفرحة فعانقته قائلة بتهليل وسعادة:
_ حبيبي يا كرملة ربنا ما يحرمني منك أبداً.

ألقي نظره وراءه ليطمأن بأن إبنته لاتسمعه، فقال لزوجته:
_ طيب مفيش بوسة لكرملتك حبيبك؟.

_ دي مش بوسه واحده دول هيبقو بوسات كتير.
و وقفت علي أطراف قدميها لتقبله من وجنتيه فأبعد رأسه قائلاً:
_ توء توء، من خدودي برضو؟.

جزت علي شفتيها بإبتسامة وقالت:
_ بس بقي البنت صاحية وممكن تطلع تشوفنا، أستني بس هحضرلكو العشا ناكل وأنيمها ونروح أوضتنا نبقي علي راحتنا.
1

_ ألتقط حقيبة ويعطيها إليها:
_ أنتي خدي ألبسي الطقم ده عشان معزومين علي العشا برة.

فتحت الحقيبه لتجد ثوبً ذو تصميم رائع لونه أزرق قاتم ويشغل أطرافه خيوط ذهبية بأشكال فنية من وحي الطبيعة و حجاب باللون رمال الصحراء اللامعة.
_ واو، تحفة أوي الدريس يا كرملتي، طول عمرك زوقك يجنن.

حاوط خصرها وقربها منه قائلاً:
_ من يومي وأنا زوقي يجنن عشان كده أتجوزت أجمل نساء العالم.

عانقته مرة أخري بحب وشغف:
_ أنا بموت فيك أوي يا حبيبي.

شد من معانقتها وقال بجوار أذنها:
_ وأنا مجنون بيكي يا ندا يا حبيبتي، وبنتي، ومراتي، وأم بنتي، وأمي، وكل دنيتي.

كان يتفوه بكل كلمة ويعقبها بقبلة علي عنقها و وجنتها، أبعدها عنه وقال:
_ أمشي بقي من أدامي لتخليني أنفض للراجل الي زمانه مستنينا ده، وأخدك أحبسك في الأوضة وأخد منك حق علبة الشيكولاتة والفستان.

غمز لها بعينه، ضحكت وقالت:
_ نرجع من بره وأنا هاعترف بكل حاجة يا باشا، إلا قولي صح مين ده الي عازمنا.

_ يبقي صاحب المقدم طارق، أتعرفت عليه من قريب ولما قولت لطارق إن عايز أطلع أجازة مع الجماعة رشحلي القرية دي وقالي إن صاحبه شريك فيها وأدالي رقمه والراجل فرح لما كلمته حجزلنا الشاليه ده والإقامة بالفطار والغدا وأي وسائل ترفيه كل ده كادوه وحلف عليا ما هدفع ولا جنيه، وأول ما جينا هنا كلمني إنه عازمنا علي العشا.
رن هاتفه فأمسك به وقال لها:
_ ده شكله هو كل مرة أنسي أسجل رقمه، يلا روحي أجهزي أنتي ولارا.
1

ذهبت وأرتدت الثوب والحجاب وكانت كالأميرة في بهائها وجمالها الآسر، وضعت لمسات خفيفة من مستحضرات التجميل، وبعدما أنتهت من تجهيز صغيرتها، ذهبوا ثلاثتهم إلي المطعم، أثني أكرم ساعده لتضع زوجته يدها ويده الأخري يمسك صغيرته، ولجوا إلي الداخل ليجدوا الرجل ينتظرهم، كانت ندا تتأمل ديكور المطعم ذو الطراز اليوناني الأنيق، فأنتشلها أكرم من سعادتها وهو يقدمه إليها:
_ أقدملك ياستي البيزنس مان علي الحسيني.
_ أثني أكرم ساعده لتضع زوجته يدها ويده الأخري يمسك صغيرته، ولجوا إلي الداخل ليجدوا الرجل ينتظرهم، كانت ندا تتأمل ديكور المطعم ذو الطراز اليوناني الأنيق، فأنتشلها أكرم من سعادتها وهو يقدمه إليها:
_ أقدملك ياستي البيزنس مان علي الحسيني.

وهنا كانت صدمتها غير المتوقعة، ماذا يحدث علي وأكرم!، يبدو إنه لم يمزح عندما كان يلقي بتهديداته، فها هو الآن يقف أمامها وإبتسامة عريضة تصل لأذنيه ونظرة لذة وإنتصار، يختلجها الآن برودة تملكت من أطرافها يصاحبها شعور بالظمأ الشديد، وقشعريرة جعلتها تنتفض حينما تفوه قائلاً :
_ أهلاً وسهلاً.

ومد يده للمصافحة، أرتسمت إبتسامة مصتنعة بدون أن تمد يدها :
_ أهلاً بحضرتك.

حدق في صغيرتهما فوجدها تحمل من ملامح والديها الكثير خاصة والدتها أنحني نحوها:
_ مش هتسلمي عليا يا لارا؟.

نظر أكرم إلي ندا بتعجب كيف له يعلم بإسمها، لاحظ علي هذا فقال:
_ طارق كان بيحكيلي عنها وعن شقاوتها.

ضحك أكرم وقال:
_ دي بتعمل فيه عمايل لما بتشوفه.

أقتربت الصغيرة وقبل أن تمد يدها قالت:
_ وطي شويه أنت طويل أوي.

ضحك علي وأكرم الذي داعب خصلاتها الحريرية:
_ شوفت أي أبتدتها معاك.

دنا منها علي وقام بتقبيل رأسها:
_ ربنا يخليهالك.

أشار لهم نحو مقاعد الطاولة:
_ واقفين ليه أتفضلو.

كاد يلتف علي ليجذب كرسي لندا لكن سبقه أكرم وقام بجذبه لها، فجلست وهي تتحاشي النظر إلي علي الذي جلس بالتزامن مع الآخر ويحاول إخفاء ما يشعر به من غيرة قاتله، أشار إلي النادل فأتي إليهم فقال علي:
_ ها تحبو تاكلو أي؟.

قالت الصغيرة:
_ أنا عايزة تشوكيلت.

رد علي ويربت علي رأسها:
_ دي بعد ما هناكل.

فقال أكرم لصغيرته:
_ مش لسه جايبلك قبل ما نيجي.

ضحكت بمكر وقالت:
_ ما أنا خلصتها.

تدخل علي وبطرف عينيه مراقباً لندي التي تلتزم الصمت:
_ أنا هخلي الويتر يجبلك تشوكيلت كتير.

هللت بفرحه:
_ هياي، ميرسي يا أونكل.

فقال أكرم:
_ أنت جيت لنقطة ضعفها.

أبتسم وقال بمغذي مختطفاً بعض النظرات نحو ندي:
_ ومين فينا مبيحبش الشيكولاتة.

أمسك أكرم بيد ندا من أسفل الطاولة وقال:
_ أنت بتقول فيها، عندي بجيب للمدام قبل ما أجيب للارا.

قال علي:
_ أنا موصي علي شيكولاتة سويسري هتعجبكم أوي، ونرجع لموضوعنا تحبو تاكلو أي، أنا عن نفسي هطلب كوردن بلو وسيزر سلاد.
حدجه أكرم بإندهاش وقال:
_ غريبة، أنا كنت لسه هطلب نفس الطلب، شكل ذوقنا قريب من بعض.
أختطف نظرة للمرة المائه نحو ندي وعاد بالنظر إلي أكرم وقال:
_ دي وجبتي المفضلة وخاصة في العشا، بنزل أكلها في مطعم في المهندسين بيعمل كوردن بلو حكاية.

قال أكرم وهو ينظر نحو زوجته بفخر وحب:
_ لاء دي ندي بتعمله طعمه رهيب ولا أجدعها شيف يعملو زيها، إن شاء الله لما نرجع القاهرة تعمل حسابك تيجي عندنا وهنأكلك أكل هتحلف بيه طول عمرك.

أتسعت عينيها وتأففت بضجر من ما يتفوه به زوجها، كيف يدعوه إلي منزلهما، فأثار الآخر خوفها وتوترها أكثر:
_ طبعاً إن شاء هابقي أجي لكو.

قاطع النادل حديثهم:
_ خلاص كده يا فندم؟.
رد علي:
_ لسه المدام مقالتش ولا أقولك خلي الأوردرات كلها زي بعض.

قالت بإندفاع ورفض بأسلوب حاد:
_كولو أنتو، انا مش هاكل.

مال أكرم نحوها وقال بصوت منخفض:
_مالك في أي، من ساعة ما دخلنا وساكته ومش طايقه الراجل وعلي فكرة بدأ يلاحظ.

زفرت بتأفف وقالت:
_ ما أنت عارف مباخدش راحتي أدام حد غريب وبيختر لي علي مزاجه كمان.

_ وأنا بقولك عدي الليلة و حسني من أسلوبك، الراجل كتر خيره عازمنا علي العشا وقولتلك عامل معانا واجب فأقل حاجة نقدمهاله إننا نشكره ونرد له الواجب ولو بعزومة.

كادت تتحدث فقاطعتها صغيرتها:
_ مامي عايزة أروح التويليت.

نهضت وأمسكت بيدها:
_ تعالي يا حبيبتي، عن أذنكو.

رن هاتف أكرم فأخرجه من جيب سترته قائلاً:
_ الواحد شكله مش هيتهني علي الأجازة.

ضحك علي وقال:
_ الشغل طبعاً.

_ إحنا ورانا غيره، هابقي أرد بعدين.
وقام بالضغط علي عدم الرد، فقال علي:
_ رد براحتك عقبال ما الأكل يجي، أنا كمان من الصبح إتصالات من الشركة الي لسه ماسكها جديد.

_ آه لسه عارف من طارق ألف مبروك.

أجاب ليلقي آلاف علامات الإستفهام لدي الآخر:
_ ليه هي مدام حضرتك مقلتلكش إن مسكت إدارة الفرع الي بتشتغل فيه.

أجاب:
_ معقو.....
قاطعه رنين هاتفه مرة أخري، فقال:
_ معلش عن إذنك كده مضطر أرد، شكل فيه حاجة ضروري.

ونهض مبتعداً، أستغل علي إنشغال أكرم فنهض مسرعاً نحو المرحاض.
كانت ندا تقف أمام المرآه بعدما ألقت القليل من الماء علي وجهها لتهدأ من روعها، وتنتظر صغيرتها:
_ خلصتي يا لارا؟.

أجابت لارا من الداخل:
_ لسه، بطني وجعاني أوي.

زفرت بضيق فهذا ماينقصها فقالت بغضب:
_ ده من كتر أكل الشوكيلت وفي الآخر بطنك توجعك ومبتحرميش.

ردت الصغيرة:
_ خلاص يا مامي مش هاكل تاني.

تأففت ثم قالت :
_ لما نشوف أخرتها معاكي أنتي وباباكي الي عايز يجيب لي المصيبة لحد البيت، أنا هستناكي بره لما تخلصي أندهيلي عشان أغسلك إيديك.

غادرت المرحاض لتنتظرها أمامه وليتها مافعلت، بمجرد أن أغلقت الباب وأستدارت وجدته يقف أمام المرحاض المخصص للرجال يمسك بسيجاره ويزفر منه الدخان، رمقته بغضب وإزدراء:
_ يا بجاحتك يا أخي، كمان جاي ورايا، عايز مني أي أرحمني بقي أنا أرفت منك لدرجة ببقي عايزة أجيب الي في بطني لما بشوفك أو أسمع صوتك.

أرتفعت زواية فمه بإبتسامة مرعبة أثارت خوفها، فاجاءها بالقبض علي زراعها وجذبها بقوة ليدخلها مرحاض الرجال الذي كان خالياً، وأوصد الباب من الداخل.
صاحت كالعاصفة:
_ أنت أتجننت أي الي بتعملو ده، أفتح الزفت ده.

قالتها وتحاول إدارة المقبض، أمسك بيديها و وضعهما معاً خلف ظهرها، فهمس كالفحيح :
_ أهدي لحد يسمعك وسيادة النقيب يعرف إنك معايا جوه الحمام.

زمتت شفتيها بحنق وبصقت في وجهه:
_ مش قولتلك قبل كده إنك حيوان وحقير.

ترك يديها وأخرج من جيبه محرمة ليمسح بصقتها من وجهه، وهي ألتفتت تحاول فتح الباب الموصد.

_ مامي أنتي فين.
كان صوت إبنتها في الخارج، تراجعت خطوة إلي الخلف بخوف، فوقف الآخر خلفها وكاد يلتصق بها قائلاً بنبرة صوته الإستفزازي:
_ تحبي أفتحلك الباب وبنتك تشوفك؟.

_ مامي، يامامي.
قالتها الصغيرة ومن صوتها الذي بدأ يبتعد يبدو إنها ذهبت تبحث عنها في ردهة المطعم.
إستدارت ندي ووقفت في مواجهته فأخرجت كل ما تشعر به من غضب وخوف في صفعة قوية علي وجهه، فما أقترفته للتو كان من الحماقة، تتسع عينيه ولهيب مستعر يندلع منها، صدره يعلو ويهبط من البركان الذي أنفجر بداخله.
تراجعت في محاولة بائسة لتفتح الباب بخوف ورعب، جذبها من حجابها حتي شعرت بالإختناق:
_ سبق وحذرتك لو إيدك أتمدت عليا مش هارحمك.

أخذت تتلوي لتحرر حجابها من قبضته:
_ سيبني، أوعي .
أنتابها السعال من الإختناق
فكان لا يبالي لتوسلها و وجهها المحتقن بالدماء يرمقها بإنتقام متذكراً ما فعلته به، لم يتركها سوي عندما تلفظت بإسمه وكأن آخر كلماتها :
_ أرجوك، سيبني، يا علي.

تركها حتي تلتقط أنفاسها بصعوبه واضعه يدها علي صدرها، لو كان تأخر ثانية أخري لكانت ميتة لا محالة.

فتح عينيه يحاول إستيعاب ما فعله به ليعود إلي طبيعته وقلبه الخائن له أنهال عليه بالسباب واللوم علي ما أقترفه.
أقترب منها يتفحصها:
_ ندا أنتي كويسة؟.
أشارت له بالإبتعاد وقالت بصوت ألتقطه بصعوبة:
_ أبعد عني.
لم يهتم وأمسك وجهها يتفحص عينيها الممتلئة بالدموع وآثار الإختناق.
_ أنتي الي أستفذتيني، أنا آسف.

دفعته بكل طاقتها وتصرخ بصوت متحشرج مختنق:
_ بقولك أبعد عني بقي، جاي عايز تخرب لي حياتي وبيتي، هتستفاد أي حرام عليك.

أمسك ذقنها ورفع وجهها لتنظر له وتري تلك النظرة العاشقة التي طالما يخفيها ويظهر لها عكسها.
_ وأنتي أستفدتي أي لما خلتيني أتعلقت بيكي لدرجة مبتفارقنيش لحظه، كنت بنام وأصحي علي صوتك، لما تعبت ومكنش حد معايا أنتي الي جيتي لحقتيني وأهتميتي بيا علاج وأكل لحد ما خفيت وقومت علي رجليا، لما كنت بشوف دموعك باخدك في حضني وأنا مكنتش بحس براحة غير في حضنك، الي حسيته معاكي مش مجرد حب وبس، بالنسبة لي كل حاجة الهوا الي بتنفسه، روحي الي عايش بيها، تخيلي بقي لما روحك فجاءة تبعد عنك هاتحسي بأي؟ .

صمت لثوان ينظر بألم ومرار كالعلقم، فأردف:
_ هاتحسي بالموت، يعني الي أدامك ده واحد ميت، عايش من غير قلب، حلفت إن أول ما هفوق من الطعنة الي خدتها غدر منك، هاقف علي رجلي وأوصل للي بقيت فيه دلوقت، وبرغم الي وصلتله النار لسه جوايا بتنهش فيا كل يوم، حاولت أنساكي، عرفت بنات وستات كتير ولما بقرب من واحدة فيهم بشوفها أنتي، حتي نسيانك عذاب.

أزدردت ريقها وهي تحاول مقاومة هذا الدوار التي تشعر به حالياً، فقالت بصوت متقطع:
_ والي.... طلبته.... مني.... مستحيل... أعمله.

عاد شيطانه الغاضب مرة أخري، أمسك بكتفيها يهزها بعنف:
_ مش مستحيل، أنتي لازم تطلقي منه، لأنك بتاعتي أنا يا ندي، أنتي فاهمة بتاعتي أنا.
باغتها بقبلة محرمة ولم يرحم حالتها المزرية، دفعها علي الحائط ومازال يقبلها بنهم، قبلة مليئة بالحب والإنتقام الذي لايهدأ ولا تخمد نيرانه حتي تحرقه وتحرقها معه.

وجد جسدها يتراخي بين يديه لا حركة، لا شهيق ولا زفير، أبتعد برأسه ليجدها مغشي عليها، وضع أذنه لدي موضع قلبها فوجد نبضها ضعيف، تملكه الخوف عليها، حاول أن يسندها علي زراعه ويده الأخري قام بفتح الباب الذي كانت له طريقة فتح خاصة، ثم حملها علي زراعيه وغادر إلي الخارج ليجد أكرم وأبنته في وجهه.
كان يبحث عن زوجته ليجد الآخر يحملها علي زراعيه ويصيح:
_ دكتور بسرعة.

ــــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،ـــــــــــــــــــــــــــــ

_ عاد من المشفي إلي السجن، أستقبله كل من بالمخفر بداية من المأمور والضباط والعساكر حتي زملائه في الزنزانة بحفاوة وترحاب، فالكل يُكن له الإحترام والحب من أخلاقه الحسنة وسمعته وسمعة والده الطيبة.

_ حمدالله علي سلامتك يابطل، السچن من غيرك كيف القبر يا صاحبي.
قالها منصور وهو يعانقه، بادله فارس العناق ورتب علي ظهره قائلاً:
_ الله يسلمك.

_ أظن بجي دلوق تاكل وإلا أنت عارف الي عيحوصلك عاد.
قالها ثم أشار إلي إحدي المساجين فأتي له بعمود أواني متراصة، فأردف:
_ عايزك تدوق واكل خالتك أم منصور الي عتحلف بيه طول عمرك.

فقال فارس:
_ كيفها الحاچة؟.

أجاب وهو يرص الأواني أمامه:
_ الحمدلله صحتها بجت كويسه بعد العملية وأول ما قامت وشدت حيلها عملتلي واكل كيف ما أنت شايف إكده، طواچن لحمة وفروچ من الي جلبك يحبه، ولما عرفت إنك خارچ من المشتشفي حلفت ما أني حاطط حاچة في خشمي من غيرك.
ربت فارس مبتسماً علي كتف منصور:
_ تسلم يا صاحبي، وتسلم يد الحاچة، بس جبل الواكل قاصدك في خدمة.

أومأ له منصور:
_ أؤمر يا ولد الغالي وأني رجبتي سداده.

وربت عدة مرات علي عنقه، أجاب الآخر:
_ لله الأمر، كنت رايد أعمل مكالمة ضروري، ماتعرفش حد يكون مكمر موبايل من ورا العسكر أهنه؟.

أشار له نحو مسجون ممدد أعلي مصطبة أسمنتية وقال:
_ عتلاجيه مع الچدع الي متكوع علي البورش هناك دي، ثواني عاروح أجوله.

ذهب منصور لهذا النائم و لكزه:
_ أنت يا أخينا، عايزين نعملو مكالمة من المحمول الي حداك.

نهض الآخر وقال:
_ لافيني علبة سچاير وخد أتحدت كيف ما أنت رايد.

رفع منصور بنطاله من إحدي ساقيه وأخرج علبة سجائر:
_ خد العلبة أهه.

أمسكها الرجل ينظر لها بإمتعاض:
_ دي مفتوحة ومتاخد منها سيچارة.

صاح منصور بتهكم:
_ هو واكل ولا بحلجه عاد، لو معچبكش هاتها.

تراجع الآخر قائلاً:
_ خلاص يا عمنا، خد المحمول أهه، بس حرص ليسمعك الشويش الي واجف بره وأنت بتتحدت.

_ ماتخافش.

عاد بجوار فارس الذي قال له:
_ شكراً ياصاحبي والله ماخابر أجولك أي.

_ متجولش حاچة مهما عملت ميچيش ربع الي كان بيعملو الحاچ قاسم ويانا أني وأبوي، وبعدين مفيش شكر بين الأصحاب، ويلا بجي ألحج أتحدت جبل ما يطب حد من بره.

أخذ فارس الهاتف ويضغط علي الرقم الذي حفظه مثل إسمه تماماً.

ــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ تقف ريهام بداخل المطبخ وتعد بعض الحلوي الشهية وتتحدث مع أحمد خطيبها في الهاتف ، بينما والدتها كانت تغط في النوم بعدما أدت فرضها، خرج تامر من غرفته متوجهاً إلي المرحاض لقضاء حاجته وفي طريقه توقف أمام غرفة شقيقته وأنحني لينظر من فتحة المفتاح الشاغرة، ليري زينب وهي تبدل ثيابها إستعداداً للنوم، ظل يحدق حتي أتاه صوت شقيقته وجعله أنتفض بذعر:
_ واقف يا زفت عندك بتعمل أي؟ .

أعتدل و وقف وبصوت منخفض قال بسخرية:
_ عايزة مني أي، واحد رايح الحمام، أستأذن الأول يعني؟ .

رمقته بتحذير وقالت:
_ أنت فاهم سؤالي كويس وإياك تتكرر وإلا هيبقي ليا معاك تصرف تاني.
1

رد بحنق مصتنع ليواري فعلته:
_ هو الواحد مش هيعرف ياخد راحته في بيته ولا أي، إحنا كنا ناقصين الي جوه دي.

وضعت يدها علي فمه:
_ أخرس بقي، ولو مش عاجبك روح أقعد عند واحد من المقاطيع أصحابك.

فُتح الباب و خرجت زينب فنظر كليهما نحوها.
_ في حاچة ولا أي؟.

أجابت ريهام بتوتر وإحراج:
_ لاء ياحبيبتي، ده تامر أخويا كان بيسألني عن حاجة.

رمقها شقيقها بسخط وذهب إلي المرحاض، فأردفت ريهام لإلهاءها:
_ أنتي هتنامي ولا أي؟ .

أومأت لها وأجابت:
_ الدوا المسكن الي باخده عينيمني .

ردت الأخري:
_ طيب خليكي صاحيه ربع ساعة حتي، ده أنا لسه عامله صينية كنافة بالقشطة هتاكلي صوابعك وراها، لسه مدخلاها الفرن.

_ تسلم يدك يا حبيبتي، أعذريني ما أجدرش أكل حاچة جبل ما أنعس، عتجلب معاي كوابيس بكرة بجي.

_ علي راحتك يا زوزو، خلاص أدخلي أرتاحي ونامي ولو محتاجة حاجة أندهي عليا، أنا هقف في المطبخ لأنسي الصينية وتتحرق، ومتنسيش تقفلي الباب عليكي.

عادت زينب إلي الغرفة وأوصدت الباب من الداخل، تمددت فوق الفراش، وقبل أن تمسك بالدثار رن هاتفها برقم غير مسجل، ترددت قبل أن تجيب وأنتظرت حتي أنتهي الرنين، فعاود الرنين مجدداً، فتحت و وضعت الهاتف علي أذنها في صمت، أتاها أكثر صوت تعشقه:
_ أني فارس يا مهچة جلبي.

يكاد قلبها يرقص من الفرح، نهضت وجلست غير مصدقة، قال لها:
_ زينب، سامعاني؟.

تنهدت وأجابت بعشق وشوق:
_ عسمعك يا جلب زينب.

_ أني الي رايد أسمع صوتك وأطمن عليكي، ينفع إكده يا زينب الي سويتيه في حالك؟.

أجابت والألم يعتلي صوتها الدافئ:
_ غصب عني، لو خابر عيچرالي أي هتعذرني.

تنهد بقلة حيلة وسأم:
_ عرفت الي حوصل، الراچل الي رافع رايد يچوزهولك، صوح؟.

جزت علي شفتيها بقهر ثم أجابت:
_ مين جالك، خالة هنادي؟.

_ومين غيرها عيجولي أخبارك، المهم فينك دلوق أدليتي عند مين؟.

_ أني عند ريهام صاحبتي فاكرها؟.

_ أيوه فاكرها، دي بنت چدعة وزينة.
_ جوي و والدتها كمان، بصراحة أحن عليا من أهلي الي من لحمي ودمي.

_ معلش يا جلبي، الواحد مياخدش كل حاچة.

_ وأني ماريداشي غيرك يا فارس، هروبت عشانك، مقدرش أتخيل أكون ويا راچل غيرك أنت.

أعتصر عينيه بألم ويستمع إلي كلماتها، فهو بين أمرين كنصال السيف، الأول دخوله السجن ظلماً ولايعلم كيف سيظهر براءته فمستقبله مجهول لديه حالياً، والأمر الآخر هو مايحدث مع زينب من قهر وذل، فشقيقها قام بالزج به داخل السجن بتهمة باطلة وهي يريد سجنها علي ذمة رجل آخر لاتريده، فكلاهما يقع في ظلمة حالكة لم ينجو منهما أحداً سوي بمعجزة أو ظهور نور الحق الذي سينبلج لاحقاً.

_ ساكت ليه يا واد عمي، معاچبكش أني هربت ولا أي عاد؟.

زفر بعمق وبحزن دفين أجاب:
_ والله ما خابر أجولك أي، منه لله أخوكي والي عيسويه فينا، لو بيدي كنت خرچت وخدتك معاي وهربنا علي أي مطرح وأتچوزك، وجبل كل دي أتخلص من رافع ومن شره.

_ عشان إكده أني هربت، ومعاودش النچع واصل غير وأني وياك يا حبيبي.

_ بإذن الله يا جلبي، أدعي لي ربنا يظهر براءتي في أجرب وجت، وأول ما أخرچ هچيلك.

_ ربنا يظهر براءتك يا فارس يا إبن زهرة، ويبعد عنيك أخويا وشره ويوجف لك ولاد الحلال منين ماتروح.

_ أحلي دعوة، رچعتيلي روحي من تاني، وعطتني أمل بعد ما كنت يائس.

_ ما تخلص يا أخينا وكفياك حديت الكارت عيخلص.
كان صوت صاحب الهاتف، رمقه فارس بسخط وإمتعاض فقال لها:
_ معلش يا جلبي مضطر أجفل وياكي دلوق، أهم حاچة خلي بالك من نفسك زين وخليكي علي تواصل ويا الخالة ولو محتاچة أي شئ جوليلها أو جولي لعم چابر دول أهلي بعد أبوي الله يرحمه، وبالله عليكي مهما حوصل ليكي إياكي تفكري في الإنتحار، ولا رايده تقهري جلبي عليكي؟.

_ بعد الشر عليك يا عمري، أطمن وزة شيطان وراحت لحالها، طول ما اني بعيد عن أخوي أني في أمان.

_ الله يكملك بعقلك، ويحفظك يا حبيبتي، لا إله إلا الله.

_ محمد رسول الله، فارس؟.

_ نعم يا جلبي.

_ بحبك جوي.

_ وأني بعشجك لحد آخر نفس ليا.

ــــــــــــــــــــــــ،،،،،،،،ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ تمسك بدورق المياه وتسكب في الكوب وتعطيه مرفقاً بكبسولة وحبة دواء لتلك السيدة الراقدة فوق الفراش.

_ بالشفا إن شاء الله يا خالة.

فأرتشفت السيدة حتي أرتوت وقالت:
_ تسلم يدك يابتي ويباركلك.

ردت سمية قائلة:
_ ويباركلنا فيكي يا خالة، أسيبك دلوق تنعسي لك هبابة، وأني هدلي علي السوق أشتري شوية حاچات إكده وراچعة طوالي.
أمسكت بوشاحها لترتديه فأوقفتها الخالة وتعطيها ورقات من المال:
_ خدي يابتي.

أبعدت يدها وقالت:
_ خليهم حداكي يا خالة، أني معاي والحمدلله ولو محتاچة حاچة عجولك.

وقفت أمام المرآة بجوار باب المنزل تهندم ثيابها، أخذت محفظة نقودها وغادرت.
وبالأسفل تصطف سيارتان سوداء علي بُعد أمتار قليلة، وقبل أن تتجه إلي السوق وقفت لدي كشك.صغير وأخرجت من محفظتها ورقة بقيمة خمسون جنيهاً:
_ لو سمحت عايزة كارت إتصالات من أبو تلاتين چنيه.

أعطاها البائع طلبها:
_ أتفضلي يا آنسة.

أخذت البطاقة وقامت بخدشها وقامت بنقر الأرقام المدونة بالبطاقة، وأنتظرت حتي جاءت لها رسالة بتجديد الباقة،فقالت:
_ لما أطمن الأول علي البت زينب.

قامت بالإتصال فأعطاها الهاتف تنبيه بإنخفاض البطارية ثم أنطفأ تلقائياً:
_ أوف، أي الحظ المهبب دي، لما أعاود أبجي أشحنه.

وضعت هاتفها بداخل المحفظة وأكملت سيرها، وفي السيارة يترقبها بعينيه كالصقر وقال لقائد حرسه:
_ أنزل هاتها يا فوزي.

فأوقفه صلاح قائلاً:
_ خليك يا فوزي لو شافت وشك هتصوت وهتلم علينا الناس، أنا هاعرف أجيبها بطريقتي.

قال سليم بسخرية:
_ لما نشوف طريقتك يا حنين.

ترجل من السيارة وتصنع إنشغاله بالنظر في هاتفه، فأصتطدم بها عن عمد و وقعت محفظتها في الأرض.
_ اه، ما تحاسب ياچدع أ......

لم تكمل صياحها في وجهه، تلجم لسانها من مظهره و وسامته، خاصة بعدما خلع نظارته الشمسية وبإبتسامة لبقة قال:
_ بعتذر من حضرتك.

وأنحني ليلتقط محفظتها من الأرض وأخرج محرمة ورقية من جيبه ومسح الغبار المتعلق بها.
_ أتفضلي، وبعتذر مرة تانية.

لم تمد يدها بل ظلت متسمرة تحدق في وجهه وتقول بداخل نفسها:
_ يالهو بالي، أي الچدع الي يجول للبدر جوم وأني أجعد وياك.
3

أنتبهت علي صوته ويلوح بيده أمام عينيها:
_ يا آنسة، سرحتي فين؟.

أبتسمت بإحراج وخجل:
_ معلش، أثر الخبطة بجي حصل خير.

ومسدت جبهتها، فقال بقلق مصتنع وعينيه تشير إلي السيارتين بالتقدم نحوهما :
_ أنتي كويسة، تحبي أوصلك في طريقي.

_ أني بخير الحمدلله، مفيش داعي، أني هدلي علي مكان جريب، بس واضح إنك غريب عن أهنه.

ألقي نظرة علي الرجلين وهما ينزلا من السيارة ويحمل إحدهم محرمة بيده.

_ أه أنا مش هنا فعلاً، وجيت عشانك.

أنبلجت علي ملامحها صدمة:
_ عشاني، كيف يعني؟.

أقترب منها ومد يده من فوق كتفها ليتناول المحرمة من الرجل.

_ هاتعرفي لما تيجي معانا ياسمية.
وقبل أن تصرخ وضع المحرمة علي فمها وأنفها، أتسعت عينيها بخوف ثم تراخي جسدها فحملها الرجلان وأخذاها بداخل السيارة، بينما صلاح دخل السيارة الأخري وبتباهي قال:
_ يلا بينا يا بوص.

إبتسم سليم وقال:
_ فعلاً صدق المثل الي قال أدي العيش لخبازه.

ضحك وقال:
_ تلميذك يا باشا.

قال السائق:
_ هنطلع علي فين ياسليم باشا.

أجاب:
_ علي مخزن الخردة بتاع رافع.

تدخل صلاح بإعتراض:
_ بس ده طريقه بعيد ده غير إنه في الجبل وحتة مليانة مطاريد ممكن يطلعو علينا.

_ أي يا أبو صلاح، هتخليني أغير فكرتي عن ذكاءك ليه، أولاً المخزن أنسب مكان عشان محدش يسمع بينا خاصة لو البت صرخت، ثانياً المطاريد تبع رافع وزمانه أدالهم خبر وأوصاف عربياتنا عشان ميتعرضوش لينا.

_ بروفيسور في التخطيط والتنفيذ.
قالها صلاح فرفع الآخر زواية فمه جانباً وبزهو قال:
_ سبق وقولتلك قبل ما أعمل حاجة بخطط لها من كل النواحي وبحط كذا بديل وفرضيات حتي لو كان الهدف تافه.

قال الآخر:
_ فعلاً مغلطش الي طلع عليك لقب القناص.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،،،ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ يجلس أمام التخت منذ الأمس وآلاف الأسئلة تدور في فلك ذهنه، كيف وجدها الآخر وهي مغشي عليها وأين هذا حدث، وما الذي حدث معها أصابها بصدمة عصبية كما اخبره الطبيب بعدما تفحصها، وفوق كل ذلك والأهم لهفة وخوف هذا الآخر عليها وكأنها زوجته ولم يهدأ من إنفعاله المثير للشك سوي عندما أخبره بأن ندي بخير وليس بها شيئ، وفي الصباح جاء إليه ليطمأن مرة أخري ومعه باقة زهور الچوري المفضلة لزوجته ومعها علبة من الشيكولاتة الاي تفضلها أيضاً، فهل كل ذلك مجرد مصادفة!، ولما لم تخبره إنه المدير الجديد وتظاهرت بعدم معرفته عندما رأته في المطعم! .

فتحت عينيها للتو، وحاولت النهوض بجذعها، فوجدته أمام التخت شارداً، قامت بمناداته والوهن ينبلج في نبرة صوتها:
_ أكرم، أكرم.

أنتبه لها فنهض وتقدم نحوها، أخذ يحدج ملامحها وعينيها بتفحص، وقال:
_ حمدلله علي سلامتك.

حاولت أن تتذكر ما حدث بالأمس، فشعرت بألم في رأسها:
_ هو حصل أي إمبارح؟ .

أجاب وعينيه تنتظر ردة فعلها:
_ كنت رايحة التويليت مع لارا وبعدها لاقيت البنت جاية لي تعيط وبتدور عليكي، قومت أشوفك فين أتفاجأت بعلي وهو شايلك ومغمي عليكي.

وحين ذكر إسم هذا العلي أرتجف قلبها بخوف وبدي التوتر عليها، أبتلعت لعابها لاسيما رأت نظرات الشك في عينيه.

_ عايز أعرف كنتي فين؟، وأي الي حصل معاكي؟ .
قالها بنبرة جادة وكأنه يحقق مع متهم، أرتبكت وأجابت بتوتر:
_ كك كنت مع لارا، هاروح فين يعني.

_ ولما كنتي معها، البنت ملقتكيش ليه بعد ما خرجت من التويليت؟.

شحب وجهها وقبضت علي الدثار بيديها تحاول أن تجد له إجابة يقتنع بها، لاتعلم أنه يراقب كل إنفعالتها تلك والتي تثير شكوكه أكثر، وأخيراً تفوهت:
_ أنا خرجت أستنيت لارا برة وحسيت مرة واحدة بدوخة دورت علي أي كرسي قريب وفجاءه لاقيت الدنيا مضلمة ومحستش بنفسي، ده كل الي حصل.

سألها مرة أخري ويبدو عدم إقتناعه بإجابتها:
_ متأكدة؟.

عقدت حاجبيها وتصنعت عدم الفهم:
_ أصدك أي؟.

نهض وهو يزفر قائلاً:
_ مفيش، هاروح أحضرلك حاجة تاكليها.

صاحت به قبل أن يذهب:
_ تعالي هنا وجاوب علي سؤالي، أصدك أي بتلميحاتك وكلامك ده؟.

سار نحو طاولة الزينة وحمل باقة الزهور وعلبة الشيكولاتة، ألقاهم أمامها بإزدراء:
_ أتفضلي، مستر علي مديرك جه الصبح أطمن عليكي وجابلك الورد و الشيكولاتة الي بتحبيهم.
قالها وذهب تاركاً إياها تردد كلماته في عقلها:
مستر علي مديري! .

نظرت إلي الزهور والعلبة، شهقت عندما أدركت ما يرمي إليه زوجها فقالت:
_ الله يحرقك يا علي الكلب، ربنا يستر وأكرم ميكونش شك في حاجة، شك أي قولي أتأكد .

عاد إليها يحمل صينية فوقها كوب من العصير وصحن به شطائر محشوة وضعها أمامها:
_ أفطري عقبال ما أجهز الشنط.

_ ليه هو إحنا.....

قاطعها بصرامة:
_ ماشين، هوصلكو عند مامتك عشان عندي مأمورية ويمكن هاقعد فيها يومين.

قالت بإعتراض:
_ مأمورية إزاي وأنت واخد أجازة أسبوع؟.

حدقها بنظرة نارية جعلتها تندم علي مجادلته ، صاح بصوت مخيف:
_ مش عايز كلام.
هزت رأسها بخوف وألتزمت الصمت.

فك أزرار قميصه وخلعه وألقاه، فتح حقيبته وأخرج ثياباً أخري وهو يقول:
_ وأعملي حسابك مفيش مرواح لشغلك لحد ما أرجع، عشان لما أجي هاخدك ونروح الشركة هاتقدمي إستقالتك.

غرت فاها من الصدمة ولم تستطع أن تتفوه بحرف واحد.
ــــــــــــــــــــ،،،،،،،ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1

_ بتجولي أي يا مرات خال أنتي أتجننتي ولا أي إياك.
صاحت بها قمر بغضب، ردت الأخري بغضب مماثل:
_ جن لما يلهفك، بت جليلة الرباية، هو أني عشان رايده مصلحتك أبجي أتچننت؟.

_ مصلحتي كيف ويا راچل قد چدي الله يرحمه، ولا رايده تتخلصي مني بأي طريجة.

جذبتها تلك الحية من زراعها وصاحت بها:
_ لو كنت رايده أتخلص منك، مكنتش خليتك جاعده حدانا من شهور واكلة، شاربة، نايمة.

سحبت زراعها من قبضتها وقالت:
_ أولاً الدار دي ليا فيها كيف ماليكو لإنها كانت لچدي الله يرحمه، وباكل وبشرب من مالي الي أمي سابته لخالي أمانة وعستلمو أول ما أكمل ال 21 سنة، يعني أني مش عالة وفوج كل دي بنضف وبغسل وبطبخ وما عجولش لاء.
1

وضعت يديها في خصرها وتشدقت بتهكم وتوعد :
_ والله عال يابت نرچس، بجي ليكي لسان وعتردي كمان بجلة حياء، أني هاعرفك مقامك زين لما يرچع خالك.
1

تركتها وذهبت، فكان شقيقها الأجدب في إنتظارها، جذبها بعيداً عن غرفة قمر ليوبخها قائلاً:
_ طول عمرك غبية وكيف الحمار، ما عتفكريش واصل.
لكزته في زراعه:
_ لم لسانك يا عامر وماتنساش أن أني خيتك الكبيرة.
1

_ خيتي الكبيرة بمخ صغير، يعني أني أجولك سيسيها وأقنعيها توافج علي الچوازة تروحي هابه فيها كيف الوابور، أهي أديتهملك علي دماغك وجالتلك ليا في الدار وفلوسي ويا خالي، وأحنا الي كنا عنفكرها هبلة وعلي نياتها، طلعنا إحنا الي هبل.

جزت علي أسنانها بحنق وقالت بتوعد:
_ وفاكرني هاسكت إياك، مبجاش نفيسة لو مخليتش عبد الحق يچوزها للراچل الي تبعك غصب عنيها ورچلها فوج رجبتها.

قهقه وقال بتهكم:
_ عبدالحق!، يا خيبتك القوية ياعامر في خيتك.

نظرت نحو الفراغ بشر مستطير:
_ عيجول المثل الزن علي الودان أمر من السحر يا أخوي.

وفي ركن قريب كان يسترق السمع وقبل أن يراه إحدهما، تسحب في هدوء وأخذ حقيبته و غادر المنزل مطلقاً ساقيه للريح، وصل إلي المسجد خلع نعليه و وضعه تحت أبطه.
_ يا شيخ بكر، ياشيخ بكر.

الوقت مبكر عن ميعاد الدرس الديني، فكان بكر يتلو الآيات بصوته العذب وعندما سمع نداء عمر، أنتهي من التلاوة:
_ صدق الله العظيم.

نظر للصغير وقال:
_ مالك ياعمر چاي دلوق ليه، لسه بدري علي ميعاد الدرس.

جثي الصغير أمامه علي ركبتيه وقال بللهاث:
_ عايز أجولك علي حاچة ضروري.

أنتبه له بتركيز وقلبه يخبره بأن ما سيتفوه به الصغير متعلق بأمر من تشغل تفكيره، أردف عمر:
_ أمي وخالي عيقنعو أبوي يچوز قمر لواحد قد چدي عيجولو إنه من الخليچ وحداه فلوس كتير.

تساءل بكر بقلق:
_ و قمر خابره بالحديت دي؟.

أجاب عليه و بحزن مصتنع لسبر أغواره :
_ ياعيني عليها، أمي لساتها متخانقة وياها وجالتلها كلام يوچعها جوي، عتعايرها إنها يتيمة الأب والأم وجاعده ويانا عالة علي أبوي، ومش حجها ترفض الچوازة دي.
4

نجح عمر في غايته، حيث تبدلت ملامح بكر إلي الغضب وأحتقن وجهه بالدماء التي تغلي في عروقه، فصاح:
_ كيف الحديت دي وبأي حق يتحكمو فيها؟.
1

شعر الصغير بالسعادة من داخله فأكمل تمثيله البارع قائلاً:
_ أني تو ما عرفت چيتلك چري أجولك لأچل تحكي للشيخ واصف والدك وتجولو يساعدها ويقنع أبوي ما يوافجش إنه يبيع قمر لواحد حداه 65 سنة، أني ماعرفش كيف الشايب دي رايد يتچوز صبية وصغيرة قد أحفاده ليه كعاد، المفروض يروح يبني له جبر ويطلع صدقة ولا يعمل حاچة لأخرته السوده كيف الهباب.
2

ضحك بكر رغماً عنه وقال له:
_ أني الي عايز أعرف منين بتچيب الحديت دي وأنت يدوبك لسه صغير مكملتش العشر سنين.

أبتسم الصغير وأجاب بمكر:
_ نفس سؤال قمر ليا وبنفس الطريجة، سبحان الله.

بعثر بكر خصلات شعر عمر بمزاح قائلاً:
_ طب روح ياسوسة راچع السورة الي عطتيهالك تحفظها.

وقبل أن يفعل ما أمره به قال:
_ مجولتليش عاتتصرف كيف؟.

وكزه في ذقنه بمزاح:
_ ملكش صالح وخليك في الي جولتلك عليه.

_ ماشي ياشيخ.

قالها وغمز بعينه له وقبل أن يضربه الآخر خلف رأسه، ركض بعيداً.

تنهد بكر ليعود إلي ما سيؤرقه آناء لياليه القادمة، لايعلم لما أحترق قلبه عندما سمع ما يحدث لقمره ، وبمجرد أن سمع سيتزوجها رجل آخر شعر وكأن روحه تنتزع من جسده، قرر إنه سوف يخبر والده بالأمر علي وجه السرعة حتي ينقذ قمر لياليه وأيامه.

ــــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ يسير هذا الرجل نحوها يحمل دلو مملؤ بالمياه، وقف أمامها وألقي بالماء عليها، أستيقظت بذعر وأخذت تتمتم بكلمات غير مفهومة، صمتت فجاءة عند رؤيتها لهؤلاء الرجال بهيئتهم المرعبة لاسيما سليم الذي يرمقها بنظرات مُظلمة، تذكرت وجهه عندما أتي لزيارة زينب في المشفي ، فأدركت إنها قد وقعت في براثن الجحيم الذي لايرحم، فيديها مكبلة لأعلي بسلاسل من حديد صدأ وكذلك قدميها مكبلتين معاً ومثبته في الأرض وبدون حجابها أيضاً.

جذب كرسي وجلس فوقه وضع ساق فوق أخري، أخرج سيجاره من جيب سترته وتقدم نحوه إحدي رجاله ليشعلها له، زفر الدخان في الهواء، فعاد بسواديتيه الحالكة إليها يرمقها بإبتسامة مرعبة قائلاً :
_ أزيك يا سمية، ولا أقولك يا ملاك الرحمة! .

قلبها يخفق بقوة ويرتجف من الرعب الذي يسري في خلايا جسدها، أستطرد حديثه الساخر لها:
_ تعرفي ليه بيقولو علي الممرضة ملاك الرحمة.

نهض ليخطو نحوها وفي كل خطوة يقترب منها تبتلع لعابها وترتعد أوصالها، حاولت تشتيت ذهنها ولا تنظر له مباشرة.

وقف أمامها و زفر دخان سيجارته مما دفع رئتيها للسعال، فأردف:
_ عشان الممرضة بتخفف آلام المريض وبتساعده بالعلاج، لكن أنتي ياسمية الله عليكي بتساعدي المريض وكمان بتخليه يهرب، وشوفتي نتيجة عملتك يا ملاك الرحمة وقعتك في طريق الشيطان.

حاولت أن تتظاهر بالهدوء فقالت بإستنكار:
_ أني مخابرش عتتحدت عن أي عاد.

قهقه و دوي صدي ضحكاته المرعبة في أرجاء المكان، صمت ليحدجها بنظرة تمنت أن تزهق روحها ولا تري عينيه في تلك اللحظة، فكان حقاً كما لُقب ذاته بالشيطان.
_ أنا هديكي عذرك عشان لسه متعرفنيش كويس، لكن نصيحة لمصلحتك ولو خايفة علي نفسك تقوليلي هي راحت فين.

قالت بتردد:
_ هه هي مين يا باشا؟ .

أطبق علي شفتيه ثم حدق في سيجاره المشتعلة وقال:
_ يا خسارة مفيش طفاية سجاير.

وبدون سابق إنذار باغتها بإطفاء السيجارة في عنقها فأطلقت صرخة ألم تصم الآذان، لم يمهلها إحتمال آلام الحرق، جذبها من خصلاتها بقوة تكاد تقتلع فروة رأسها، وصاح بغضب هادر:
_ زينب فين يابت؟ .

أخذت تصرخ وتتلوي ومن بين كل هذا الألم أجابت:
_ معرفش، معرفش.
_ أومال تعرفي كويس إنك تهربيها! ، أنا معنديش طولة بال و جو الشهامة الي عايشة لي فيه ده، قسماً بالله لو مقولتيش علي مكانها، عارفة الأسود الي واقفين حواليكي دول، هيقلعوكي هدومك ويعملو عليكي أحلي حفلة هاتتصور صوت وصورة نبعتها لأبوكي ولأهل النجع عشان يشوفو بنت بلدهم الشجاعة، وبرضو في الآخر هتقوليلنا علي مكانها.

صاحت في وجهه:
_ بعد عنيها أنت وأخوها، أرحموها كفاية الي هي فيه.

جذب خصلاتها مرة أخري بقوة أكبر فصرخت حتي شعرت بتمزق حنجرتها، قال لها:
_ ماتفكك من جو الصعبنيات ده عشان مبياكلش معايا ولا بيأثر فيا، ولآخر مرة بقولك قبل ما أرميكي زي الكلبة ليهم دلوقت، هي فين؟.

ظلت تصرخ ولم تجب علي سؤاله فأشعلت غضبه الذي لايهدأ سوي بكارثة، فصاح في رجاله:
_ فكوها وخلوها زي ما ولدتها أمها، ومش عايز حد فيكو يرحمها حتي لو بطلع في الروح.
4

كاد يقترب منها إحدي رجاله فأوقفه صلاح الذي دلف للتو:
_ وقف عندك أنت وهو.

صاح به سليم:
_ جري أي ياصلاح.

قال الآخر محاولاً تهدأته:
_ قولهم الأول ميقربوش منها وتعالي عايزك في كلمتين.

زفر بنفاذ صبر وقال:
_ و هو ده وقته؟.

_ أعتبره رجاء مني يا سليم.

ألقي نظرة عليها ليجدها تغلق وتفتح عينيها بألم وصراخها يخبو بخفوت، ذهب إلي صديقه، فأخذه الآخر خارج المخزن وقال:
_ أي الي كنت هتهببو ده في البنت، هو ده الي إتفقنا عليه؟.

رمقه بحده وقال:
_ لآخر مرة يا صلاح بقولك ما تدخلش في الي بعمله، مش معني أنك صاحبي ده يسمحلك تتجاوز حدودك.

نظر له بعتاب وقال:
_ متشكر ياسيدي.

زفر سليم بحنق من ماتفوه به، فقال الآخر غير مهتم:
_ أنا مش خايف عليها أد ما أنا خايف عليك ومن الي هيحصل معاك، أحنا أتعرفنا في النجع كله وروحنا لأبوها نسأل عليها ولو خليت رجالتك يغتصبوها وممكن أو بالتأكيد مش هتستحمل وهتموت في أيديهم، الدنيا هتتقلب فوق دماغك وهاتبقي قضية إغتصاب وقتل عمد، و دي بقي ياباشا لو عملت أي ودفعت ثروتك كلها عمرك ما هتطلع منها، فمتخليش غضبك يعميك ويوديك في سكة تقضي عليك نهائي.

صمت يفكر في كلماته فوجد لديه كامل الحق، لكن شيطانه لم يهدأ بعد فقال:
_ عايزني أطبطب وأدلع فيها عشان تنطق!، البت دي شكلها لبط ومش هتقول حاجة.

زفر صلاح بضجر:
_ ممكن تسيبني زي ما ثبتهالك لحد ماخدناها، بطريقتي برضو هاعرفلك منها مكانها.

قال بتهكم:
_ أهي عندك يا حنين وريني هاتعمل أي، بس عارف لو بعد قعدتك معاها ومعرفتش تخليها تقولك حاجة، أنا بنفسي الي هتسلي عليها، هاسلخ جلدها وهاحرق جثتها لحد ماتبقي رماد وساعتها وريني القانون بتاعك هيثبت عليا الجريمة إزاي!.

جز علي أسنانه يكظم حنقه من هذا السادي المتهور، قال:
_ ماشي ياسليم، روح أقعد في العربية لحد ما أعرف منها وهجيلك بعد ما هخليها تروح.

صاح بإعتراض:
_ نعم يا أخويا!، تخليها تروح الي هو إزاي، ناقص تقولي هتوصلها بنفسك لحد القسم الي هاتروح تبلغ عننا فيه، ده غير إنها هاتتصل بصاحبتها عشان تبلغها تهرب من المكان الي هي فيه.

_ خلاص هاخدها هخليها عندي يومين لحد ما ترجع خطيبتك.

رمقه سليم بنظرات ذات مغذي قائلاً:
_ اه بقي هي الحكاية كده، مش تقول إن البت عاجبتك ودخلت دماغك.

أجاب بإستنكار:
_ أي الي بتقوله ده، دماغك راحت لبعيد.

_ ماشي يا أبو قلب رهيف، إنجز وأعرف لي منها وأبقي خدها أعمل فيها الي أنت عايزه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،،،،، ــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ ولج إلي داخل المخزن وأشار للرجال قائلاً:
_ أطلعو كلكو بره، وأنت هات مفتاح الأقفال.

أذعن جميعهم إليه وغادروا المكان، وأعطاه إحدهم المفتاح ولحق بهم.

أقترب منها وجدها تهمهم وجسدها يرتجف من ما تلقته من تعذيب علي يد سليم، قام بللعنه في سره، أنحني نحو الأرض وألتقط وشاحها، وقف أمامها ليجدها تصرخ بصوت متحشرج:
_ معرفش حاچة، معرفش حاچة.

ربت علي زراعها وقال:
_ متخافيش، خليتو يمشي هو والي معاه، محدش هيقرب منك ولا هيأذيكي.

نظرت له بعينيها الباكية وأنفها المحتقن وقطرات العرق تملأ وجهها وتنسدل علي حرق السيجار في عنقها، وبرغم ما رآه من قبل من ضحايا سليم لم يتأثر هكذا كما الآن.

أسرع بفك أقفال السلاسل ليحرر يديها وقدميها، فسقطت علي الأرض، جلس أمامها علي ركبتيه، وأخرج محرمة من جيبه وأقترب من وجهها ليجففه من العرق، فأمسكت بيده وتراجعت إلي الوراء:
_ بعد عني يا شيطان كيف البيه بتاعك.

_ أنا مش زيه ولو كنت زيه زماني سبته هو ورجالته يعملو فيكي زي ما هددك، ولولايا كان زمانك دلوقت.....
صمت لم يستطع مجرد التخيل ما كان سيحدث لها، زفر وقال:
_ أنا قاعد دلوقت معاكي عشان أساعدك وأنقذك منه.

قالت بسخرية:
_ كيف تنقذني وأنت الي مخدرني بيدك وچرچرتني علي أهنه!.

_ من حقك ماتصدقنيش بس أقسملك أني فعلاً نيتي أنقذك من شر سليم والي عايز يعملو فيكي لو مقلتلهوش علي مكان خطيبته.

جذبت وشاحها من يده بعنف و وضعته علي رأسها، وقالت:
_ مش جولتلك، أنتو الأتنين كيف بعض، هدفكو واحد وعتهددوني لأچل أغدر بالإنسانة الي أأتمنتني علي حياتها ونفسها، ماكفكوش محاولة إنتحارها!.

_ ياستي أنا شيطان وإبن..... ، بس مبحبش القتل ولا التعذيب الي نهايته موت برضو، أفهمي بقي يا بني آدمه أنا خايف عليكي والله، وفكرك يعني لو سليم قتلك مش هيقدر يوصلها!، هو بيكي أو من غيرك هيعرف مكانها، أنتي متعرفهوش خالص، وأنصحك أوعي تتحديه وتعاندي معاه لأنك هاتبقي الخسرانة.

تحملت آلام الحرق و وجع فروة رأسها أثر جذب قبضة سليم ومحاولة إنتزاع خصلاتها عنوة، فقالت بصعوبة:
_ أسمعني زين، أني واحدة أتربت وعاشت بعد موت أمها وأني في ذل وتحت رحمة مرات أبوي والوحيدة الي كانت جريبة مني و حنينة عليا هي زينب وهي الي وجفت لأبوي لما كان عايز يطلعني من المدرسة ، فِكرك بعد وجفتها معاي بدل ما أرد لها الچميل أغدر بيها عاد!.

تنهد بسأم لايعلم ماذا يفعل، لايريد لها أن تتأذي، قال:
_ أنا معاكي في كل الي قولتيه، بس أنتي لو قولتي علي مكانها سليم مش هيروح يموتها أو يأذيها، هو هيرجعها وهيتجوزو.

_ أنت عتضحك عليا ولا علي نفسك يابيه!، بعد الشر والعذاب الي شوفته علي يده خلاني خوفت أكتر علي صاحبتي، ماخابراش كيف يجبل علي نفسه إنه يتچوز واحدة مش ريداه وفضلت الهروب عن إنها تكون ليه، إلا إذا رايد ينتجم منيها ويوريها الويل.

رد بإستنكار وهو يعلم حقيقة خصال صديقه:
_ مش يمكن يكون بيحبها و عايزها تكون ليه بأي طريقة؟.

أبتسمت بسخرية وقالت:
_ وهو الشيطان عيعرف يحب ويتحب عاد!.

بدأ ينتابه الملل والضجر من هذا الجدال، لكن عليه بشتي الطرق أن يعلم ما يريده سليم إلا إذا سوف ينفذ تهديده التي تتوق إليه نزعته السادية وهو تعذيب وقتل تلك المسكينة بلا شفقة أو رحمة.
نهض وسار أمام عينيها التي تتبعه ذهاباً وإياباً، يفكر في حل ما، حتي لو كان مؤقتاً ويبعد الآخر عنها، توقف و جلس علي إحدي ركبتيه أمامها قائلاً:
_ أنا كده مش أدامي غير حل واحد هاخدك معايا لحد ما أتصرف وأفهمه إن عرفت منك مكانها وفي نفس الوقت أكون ضامن إنه مش هيأذيكي.
نظرت له في صمت، بداخلها تشعر بصدق كلماته فبرغم ما أقترفه معها عندما قام بتخديرها وجلبها إلي هنا، لكن مايفعله حالياً ويقوله لها يدل علي إنه عكس الآخر تماماً، قد أدركت هذا من تحليه بالصبر في مجادلتها وناقشها و ما طلبه منها للتو، لكن مهلاً يخبرها أن تأتي معه!.

فقالت له بترقب:
_ وعايزني أكون وياك كيف يعني؟.

رد بضيق:
_ كلامي واضح جداً، هاخدك معايا وماتخافيش هوديكي في حتة أمان سليم نفسه ميعرفش مكانها وكل الي هتحتاجيه هيكون عندك.

_ وأني بجولك لاء.

أدرك خوفها من كونها تكون برفقة رجل غريب لاتعرفه، فقال لها:
_ أنا فاهم الي بيدور في دماغك، وعشان تطمني أنا بوعدك أن عمري ما هأذيكي بالعكس أنا عايزك في أمان، وكل الي طلبه منك تنفذي الي هقولك عليه وإياكي تتهوري أدام سليم، لحد ما أوصلك بنفسي للمكان الي قولتلك عليه، إتفقنا؟.

أومأت له وأوهمته بإذعانها له وهي تفكر في كيفية التخلص من هؤلاء.
نهض وتناول من فوق منضدة خشبية قديمة إسطوانة شريط لاصق وأقترب منها:
_ معلش مضطر أكممك وأقيد إيديكي عشان سليم ميشكش في حاجة.

مدت له يديها بجوار بعض بدون أن تتفوه بكلمة مما أثار بداخله الشك إنها تخطط لأمر ما، فتصرف علي الفور، حيث حدق في عينيها ليشغلها ويديه تمتد نحو عنقها ليباغتها بضغطة قوية فوق العرق النابض، ففقدت وعيها في الحال.
_ آسف ده لمصلحتك.
وقام بحملها وغادر المكان، وذهب إلي السيارة، فقام إحدي الرجال بفتح الباب الخلفي ليدخلها وجلس بجوارها، أستدار له سليم برأسه يرمقه بتهكم قائلاً:
_ ها قالتلك أي يا كازنوفا؟.

رد بدون تفكير و حاول أن لايظهر كذبته:
_ أطلع علي القاهرة.

سأله الآخر:
_ فين في القاهرة؟.

تظاهر بالثبات حتي لايشك في إجابته:
_ هي كل الي تعرفه إنها هربت علي القاهرة ومقلتلهاش إنها رايحة لمين، يمكن عارفة إن أخوها هيوصلها ويخليها تقوله علي المكان الي راحت له.
+

حدجه سليم وبداخله لم يقتنع بما تفوه به فقال:
_ عارف ياصلاح لو طلعت بتشتغلني عشان تنقذ البنت دي مني، هانسي إنك صاحبي ودراعي اليمين ومتزعلش من الي هعمله فيك.
_ تمكث لدي والديها منذ الأمس، فعندما كانت معه في طريق العودة لم يتفوه معها بحرف واحد وأكتفي بنظرات الإتهام لها التي كانت بمثابة سهام نارية تخترق قلبها،  وكلما فتحت فاهها لتتحدث يسكتها بصيحة تجعلها تتراجع إلي الخلف آلاف الخطوات.
دلفت إليها والدتها داخل الشرفة تحمل طاجن صغير من الحلوي : 
_ ندوش حبيبة ماما، دوقي بقي طاجن أم علي هتاكلي صوابعك وراه.

وبدون أن تلتفت إليها قالت بحزن دفين:
_ بالله عليكي يا ماما مش قادرة أكل حاجة فمتضغطيش عليا.

تنهد والدتها بحيرة من إبنتها التي منذ أن جاءت وتلتزم الصمت ولاتريد أن تخبرها مابها:
_ أنتي عرفاني مبحبش أتدخل في حياتك أنتي وجوزك، بس لما ألاقيكي بالمنظر ده من إمبارح ولا بتاكلي ولا بتنامي يبقي حصلت مشكلة كبيرة مابينك وبين أكرم، خلته يقطع أجازتكو من الساحل.

لا تريد أن تخبر والدتها بشئ لأنها تعلم ما ستلقنها إياه من توبيخ وكلمات لاذعة ليست في حمل إليها، فقامت بتأليف كذبة مقنعة إليها:
_ يا ماما مفيش حاجة، كل الحكاية إننا لسه مكملناش أول يوم هناك وجاله تليفون من الشغل لازم يرجع ومكلفينه بمأمورية، ده الي مخليني متنكده ومرضتش أرجع علي شقتي وقولتله أنا هاروح لماما.

عقدت ساعديها أمام صدرها ورمقتها بنظرات أربكتها فأردفت:
_ مالك يا ماما بتبصي لي كده ليه؟  .

أجابت: 
_ عشان قلبي مش مطمن وحاسه فيه حاجه تانيه وأنتي مخبياها عشان عارفه هديكي علي دماغك كلام مش هايعجبك.

زفرت الأخري بتأفف وقالت: 
_ لاء أطمني مفيش،  دي مشكلتي الي مبتخلصش مع أكرم شغله.

_ هحاول أصدقك،  بس عايزه أقولك علي حاجه الراجل مش غلطان في حاجة ومن أول ما دخل الكلية وأنتي عارفة طبيعة شغله أي،  أومال لو تعملي أي لو جوزك بيسافر بره وبيجيلك مرة في السنة يقعد معاكي شهر ولا أتنين زي جوز إسراء بنت خالتك!  .

نهضت من أمام عينين والدتها وأستندت بظهرها لدي حافة السياج الحديدي الذي يعلو سور الشرفة : 
_  يا ماما والله عارفه ومقدره كل ده بس ساعات بيجي عليا وقت وأتخنق.

_ ألهي نفسك في الشغل، أومال لو مكنتيش بتشتغلي كنتي هتعملي أي في جوزك!.

أجابت بتوتر وترجع خصلات شعرها المتطايره خلف أذنها:
_ ما هو أنا يعتبر سبت الشغل.

ضيقت مابين حاجبيها وقالت بدهشة:
_ أي؟.

ولجت صغيرتها لارا إليهما تهلل بفرح:
_ مامي، مامي طنط مروة جت بره.

خرجت ندي إلي صديقتها التي تنتظر في غرفة الضيوف، نهضت مروة لتعانقها قائلة :
_ حمدالله علي السلامة ياقلبي.
بادلتها ندي العناق وقالت:
_ الله يسلمك يا حبيبتي.

صافحتها والدة ندي بترحاب وقالت:
_ يعني لو ندي مش هنا متجيش تسألي عليا؟.
1

ردت مروة بإستنكار مبتسمة:
_ لاء طبعاً يا طنط، هو بس والله الشغل الي واخد وقتي يا دوب برجع منه أتغدي وأترمي علي السرير، مفيش غير النهارده عشان المدير مشي بدري، فعرفت أزوغ وأجي أسلم عليكو وأشوف الحاجة بنتك وأطمن عليها.

_ طيب أروح أنا أجيب لكو تتغدي أنتي وندي.

أشارت لها: 
_ ميرسي يا طنط والله ما قادرة القولون عندي عامل عمايله.

قالت والدة ندي: 
_ يا دي القولون الي مش سايب ولا صغير ولا كبير،  خلاص هاجبلك طاجن أم علي لسه عملاها، انا عارفه إنك بتموتي فيها.

أبتسمت وقالت بمكر:
_ خلاص أشطا ماشي، ده أنا بموت فيها وفي إبنها.
1

رمقتها ندي تهز رأسها يميناً ويساراً بسأم، ضحكت والدة ندي وقد تفهمت إن لمروة حبيب بهذا الإسم، فذهبت لجلب الطواجن إليهما.

ألتفتت مروة إلي ندي وتساءلت:

_ قلقت عليكي لما أتصلت علي جوزك وقالي إنك ولارا عند مامتك، قولت يبقي حصلت مشكلة عشان كده رجعتو.

زفرت ندي بحزن وألم:
_ أنا في كارثة يا مروة ومش عارفة أتصرف إزاي.

أنتبهت إليها الأخري بكامل حواسها:
_ كارثة أي بعد الشر؟.

نهضت وقالت:
ثواني بس.
وذهبت تطمأن بأن لايوجد أحد أمام الغرفة، فوجدت والدتها فحملت منها الصينية التي تعلوها الطواجن، وتركتها مع صديقتها، دلفت وأغلقت الباب، وضعت الصينيه علي الطاولة وجلست بجوار صديقتها:
_ هحكيلك كل حاجة من البداية خالص بس أوعي ماما تعرف بحاجة.

بدأت تسرد لها علاقتها بعلي الحسيني عندما كانت تدرس في الجامعة ومدي تقاربهما التي أنجرفت إليه بدون وعي لتعوض ما تفقده في غياب أكرم الذي كان خطيبها آنذاك، وعندما وجدت علاقتهما تتطور يوماً بعد يوم وخاصة لدي علي الذي أصبح متعلقاً بل مهوساً بها أبتعدت فجاءة، وفي هذا الوقت عاد إليها أكرم فندمت كثيراً، وكانت العودة بتحديد موعد الزفاف، وبالطبع علم علي من إحدي صديقاتها بالموعد وتفاجاءت بإتصاله عليها بعدما علم رقم هاتفها الجديد، أخذ يتوسلها ويرجوها أن لا تتخلي عنه فهي له كل شئ، فكان جوابها بأن ما كانت تشعر به نحوه مجرد صداقة تجاوزت بعض الحدود قليلاً لذا أبتعدت عنه وإنها لم تحب يوماً سوي أكرم عشق طفولتها وصباها.
ومرت الأيام والسنين وها هو قد عاد إليها بثوبه الجديد، ثوب الإنتقام الذي سيدمر حياتها ويقلبها رأساً علي عقب ويبدو من وصوله إلي زوجها فهذا دليل أن لديه خطة محكمة هدفها هو أن تدفع الثمن باهظاً علي قلبه ومشاعره التي أستغلتها أسوء إستغلال من وجهة نظره.

كانت مروة تستمع إليها غير مصدقه فقالت عند إنتهاء الأخري من سردها:
_ غلطانة ومليون غلطانة كمان، والي بيحصلك ده نتيجة عمايلك وتهورك.
1

_ يعني أنا بحكيلك عشان تقوليلي كده!.

_ مش قصدي بس الي حكتيه أي حد هايسمعه هيقولك كده وأكتر، وكمان بتغلطي غلط أكبر لما خبيتي عن أكرم وسيباه في شكوكه، الله أعلم في دماغه أي، ده مش بعيد يفتكر إنك بتخونيه.
صاحت ندي بصدمة:
_ بخونه!.

_ الراجل يا ندي خاصة الشرقي أكتر حاجة بتوجعه لما بيكتشف إنه مخدوع أو مضحوك عليه، أو بتكدبي عليه ومخبيه عنه، والمفروض من قبل جوازكو كنتي تصارحيه وتقوليلو إنها كانت نزوة وراحت لحالها.

نهضت ندي وقالت بإستنكار وتهكم  :
_ مستحيل، أنتي بتهزري!،عيزاني كنت أقوله معلش يا أكرم لما بعدت عني روحت لغيرك الي بيحبني ويعوضني عن غيابك ولما فوءت وعرفت غلطي رجعتلك تاني، وهو بقي لما يسمع كده هياخدني بالحضن ويطبطب عليا!.

ردت مروة قائلة:
_ المفروض كنتي قولتيلو وقتها علي الأقل هيبقي ليكي عذر تداري غلطتك وراه، لكن دلوقت ممكن تجبيهاله واحده واحده وفهميه إنك كنتي لسه صغيره وقتها و طايشه ، بصي الحل إنك تاخديه في أي مكان هادي بره وتحكي له.

نظرت ندي نحو هاتفها الذي بين يديها:
_ ما أنا في نيتي أقوله بس يرد عليا الأول، من وقت ما جابنا علي هنا ومشي ما أتصلش حتي يطمن علي بنته.

ربتت مروة علي يدها لتطمأنها:
_ سبيه بس لحد ما يهدي وهو هيكلمك.

رن هاتفها بداخل حقيبتها، ألقت نظرة علي المتصل فضغطت علي الزر الجانبي للهاتف ونهضت قائلة:
_ معلش بقي يا ندوش مضطرة أمشي، ماما بترن عليا رايحين مشوار.

نهضت ندي وقالت:
_ ولا يهمك يا حبيبتي، أبقي سلميلي عليها كتير.

_ حاضر وأنا هابقي أكلمك وأطمن عليكي وهاشوفك عملتي أي مع أكرم .

قالتها ثم عانقتها فبادلتها الأخري العناق:
_ أدعي لي ربنا يهديهولي.

_ إن شاء الله.

وبعد أن غادرت المنزل،  هبطت عبر المصعد وقامت بالإتصال: 
_ أيوه أنا نزلت خلاص وجاية لك،  خليك في مكانك.
2

خرجت من الفناء وتلفتت يميناً ويساراً لتطمأن أن لا يراها أحد،  سارت حتي وصلت إلي سيارة فضية اللون،  فقامت بفتح الباب ودلفت وهي تلتقط أنفاسها ثم نظرت علي يسارها وقالت: 
_ زي ما توقعت،  أكرم سايبها هي والبنت عند مامتها وشكله ناوي لها علي نية سودة،  وزي ماقولتلي شجعتها تحكيلو.

تحدث بسعادة وفرح: 
_ حلو أوي أوي،  هي تحكيلو من هنا وأنا هثبت له كلامها بالأدلة بس مش زي ما هتقوله بالظبط.

_ ناوي تعمل أي بالظبط.

إبتسم بشرٍ وقال: 
_ هاتعرفي كل حاجة في وقتها،  وحياتك مبقاش علي الحسيني لو مخلتهوش يمرمط بكرامتها الأرض ويرميها في الشارع،  ساعتها مش هتلاقي أدامها غير إيدي الي تتمدلها و هرد لها الي عملته فيا أضعاف،  بس الصبر.
7

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،، ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

_ إنصراف يا ميس فاطمة.
قالتها العاملة المسئولة في دار الحضانة،  فبدأت الأخري بإلمام متعلقاتها و وضعها داخل حقيبتها، لتغادر من مقر عملها وهي تنظر إلي ساعة هاتفها،  تأففت من حرارة الشمس التي لم تتحمل الوقوف بها ولو دقيقة واحدة.
وقفت علي جانب الطريق تنتظر وسيلة مواصلات تقلها حتي أمام منزلها، لكن في هذا الوقت كان الطريق شاغراً،  لم تجد سوي أن تذهب سيراً علي الأقدام،  فأخرجت من حقيبتها دفترها الذي لم يفارقها لتتحامي به من قيظ الشمس الحارقة،  همت بالعبور إلي الجهة الأخري،  ظهرت فجاءة سيارة من تقاطع لإحدي الشوارع المتفرعة، ألتفتت يمينها لتراها قادمة بدون توقف،  قررت تفاديها بإلقاء جسدها علي الرصيف لكن تعثرت في حجر،  ألتوي كاحلها و وقعت علي الأرض تصرخ من الألم.
توقفت السيارة بصعوبة بعد أن ضغط صاحبها علي المكابح، ترجل منها والقلق والخوف يعتريان ملامحه الرجولية،  دنا نحوها قائلاً  : 
_ أي الي حصل،  أنا مجتش جمبك.

صاحت بألم مبرح:
_ بعد عني،  أنت السبب.

تنهد بضيق وقال: 
_ طب أنتي كويسه؟  .

تمسك بقدمها وتجز علي أسنانها: 
_ لو كنت زينة،  أي الي يخليني راقده في الأرض يا ذكي.

لم يهتم لفظاظة كلماتها، لكنه تفهم إنها تتألم بسبب كاحلها،  فقال لها: 
_ طب ثواني هاجيب حاجة من العربية وراجع لك.

لم ترد وزفرت بتأفف لتهم بالوقوف،  عاد إليها مسرعاً وصاح بها:
_ أوعي تقومي،  خليكي مكانك.

رمقته بحده ثم تبدلت نظرتها عندما رأته يحمل زجاجة مياه وحقيبة وضعها علي الأرض وقام بفتحها فظهرت محتواياتها من أدوات طبية وبعض الأدوية،  أقترب منها وجلس علي ركبتيه قائلاً  : 
_ ممكن تسيبي رجلك.

حدجته شزراً قائلة  : 
_ عتسوي أي يا چدع أنت؟  .

تنهد بضجر فأجاب: 
_ أطمني أنا دكتور،  ممكن بقي تسبيني أشوف الي في رجلك ده أي بالظبط.

أذعنت له مرغمة: 
_ طيب قصر لأحسن نتحرج من الشمس.

فتح زجاجة المياه وقام بغسل كاحلها من الغبار، تناول محرمة ورقية من جيبه وقام بتجفيفها ثم ألتقط أسطوانة معدنية مدون عليها بالإنجليزية، قال: 
_ ده رش منه مسكن ومعالج للإلتواءات.

فقام بالضغط علي المكبس نحو موضع الإصابه،  صرخت قائلة: 
_ دي بيحرق جوي.

_ معلش هو كده وبعد شويه مش هاتحسي بحاجة.

ألتقط من حقيبته شئ يشبه الجبيرة لكنه بحجم يكفي الكاحل وكعب القدم،  أمسك قدمها بحذر ليضع قدمها بداخله: 
_ دي حاجه مؤقته كده لحد ما تيجي الوحدة ونعملك أشعة علي رجلك ونطمن ده إلتواء ولا لاقدر الله شرخ.

_ متشكرة يا دكتور.

أغلق حقيبته ونهض قائلاً  : 
_ علي أي ده واجبي،  وبعدين أنا السبب زي ما قولتي من شوية.

وهنا رفعت وجهها لتنظر له وقالت: 
_ المفروض كنت دوست كلاكس لأجل أخد بالي عاد .

تسمر في مكانه يحدق في ملامحها،  حيث كان مشغولاً بإسعافها ولم ينظر إلي وجهها سوي للتو،  فقال بداخل عقله:
_ بسم الله ماشاء الله،  معقولة في جمال طبيعي كده.

أنتبه لها وهي تصيح به: 
_ أنت يا چدع،  مالك مابتردش وبتبحلج فيا ليه إكده؟  .

تحمحم بإعتذار وقال: 
_ آسف،  معلش.
مد يده إليها واردف: 
_ ممكن إيدك؟.

أتسعت عينيها وصاحت: 
_ عتجول أي؟  .

_ هاتي إيدك عشان أسندك وتقدري تقومي،  هوصلك بعربيتي لحد الوحدة عشان أطمن أصدي تطمني علي رجلك.

رمقته بحده وقالت: 
_ أنت أتچينت ولا أي إياك،  لو حد من أخواتي ولا أهلي شافوك واجف وياي دلوق ممكن يطخوك.

زفر بملل وقال: 
_ خلاص براحتك،  خليكي مكانك لحد ما حد يجيلك وأبقي إستحملي حر الشمس.

ذهب نحو سيارته،  تلفتت من حولها لم تجد أي أحد فهذا وقت القيلولة،  أخرجت هاتفها فوجدت بطاريته فارغة: 
_ أي الحظظ الهباب دي.

أنتبهت إلي سيارته وينطلق بها، فتأففت ومالبثت سوي ثوان لتجده يقترب منها وينظر لها من النافذة وقال بسخرية مازحاً: 
_ ها،  ناويه تستني حد يجي ينقذك من الفرن ده؟  .

ضيقت مابين حاجبيها وقالت علي مضض: 
_ طيب ساعدني وحياة والدك بسرعة جبل ما يشوفنا حد.

ضحك من ردة فعلها،  نزل لها وأمسك بيدها ليساعدها في النهوض.
كانت تظن إنه لايراهم أحد ولم تلاحظ هذا الذي يراقبها كظلها كما أمره رافع،  أخرج هاتفه وقال: 
_ واه،  واه،  لازماً الكبير يشوف الي بيحصل دي.

قام بإلتقاط عدة صور،  فاطمة تستند علي ساعد الطبيب وأخري يفتح لها باب السيارة وهي تدلف بجوار مقعد القيادة الذي ألتفت وجلس عليه،  وأنطلق.

أردف الرجل بعد إنتهاءه من التصوير: 
_ كفاية إكده،  لما ألحق أروح له وأفرچه علي التصاوير.
3
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،، ـــــــــــــــــــــــــــــــــ 
_ يجثو أمامه يرجوه قائلاً  : 
_ أحب علي يدك يا رافع بيه،  جولي بتي فين،  ولو غلطت أني هاعلمها لك الأدب.

رمقه الآخر بإزدراء: 
_ بَعد عن أهنه يا راچل يا مخبل أنت ،  أني ماعرفش طريج بتك واصل، وعلي يدك چيت سألتك عنيها جولتلي ماخابرش.

_ أني أجصد الچماعة الي تابعك،  الرچالة البهوات الي كانو جالبين النچع إمبارح،  چُم سألو عنيها ومارتي الله يحرجها دلتهم علي مكانها،  وچيت أطمن عليها من خالتها جالتلي خرچت من إمبارح ومرچعتش تاني.
كان يتفوه بها والد سمية بقلب أب مقهور علي إبنته،  فباغته الشيطان الآخر بضحكة تشفي قائلاً بفحيح : 
_ أحسن،  عشان لما چيتلك كدبت علي،  أهو لو كنت وصلتلها أني كانت زمانها حداك دلوق صاغ سليم ،  لكن بجي الموضوع مبجاش في يدي ومضمنلكش ياتري هيسو وياها أي، هتلاقيها دلوق بتتمني الموت ومطايلهوشى.
2

يستمع له والرعب والخوف يدب في خلاياه علي إبنته، نهض غير مصدق ماسمعه للتو،  فهل ستعود له وما يخبره حدسه به يكن كذباً أم عليه إنتظار خبر مقتلها علي يد هؤلاء الوحوش المفترسة التي لاتعرف الرحمة درباً لقلوبهم السوداء.

أخذ يتمتم ويردد كالمجذوب : 
_ عليه العوض ومنه العوض،  يارب،  يارب.

رحل تحت نظرات رافع يزفر بتأفف قائلاً: 
_ ربنا ياخدك أنت وبتك،  منك لله طيرت النفسين.
أمسك بالملقاط الحديدي ليحمل به الفحم المشتعل و وضعه فوق النرجيلة ثم أمسك بعصاها و وضع طرفها في فمه وسحب دخاناً كثيفاً ملأ رئتيه وزفره في الهواء: 
_ أيوه إكده.

_ ألحج يا رافع بيه.
يصيح بها هذا الضخم فأنتفض الآخر ملقياً مابيده: 
_ الله يحرجك يا جبيصي الكلب، عتصرخ عليه إكده ليه؟  .

أمسك هاتفه وأعطاه له قائلاً  : 
_ ست فاطمة لاجيتها واجفه ويا راچل وماسكه يده وركبت وياه العربية كيف ما في الصور إكده.
هب واقفاً ينتقل من صورة إلي أخري وعينيه كالفحم المتقد علي النرجيلة، سأله ونبرته توحي بعاصفة مدمرة علي وشك القيام: 
_ وراحت وياه فين إبن ال.....  دي؟  .
1

حك ذقنه وأجاب بتوتر: 
_ بصراحة يا كبير،  أني بعد ما صورتهم چيتلك طوالي.

فاجاءه رافع بلكمة قوية في وجهه وهو يصيح به: 
_ غبي وحمار،  تروح دلوق يا چلوص الطين تعرفلي مين الي حفر جبره بيده دي.

أومأ له في طاعة قائلاً:
_ أمرك يا بيه.
ذهب وتركه في ذروة غضبه العارم،  دلف إلي داخل المنزل،  فكاد يصتدم بزوجته التي تحمل وعاء كبير مليئ بالملابس،  دفعها من طريقه: 
_ بَعدي عن طريجي دلوق.

صاحت بسخط وإعتراض: 
_ واه وأني عملتلك أي، ما أنت الي داخل كيف الجطر.

دخل إلي غرفته تناول العباءة ليرتديها فوق جلبابه وأبدل نعله بحذاء أسود ويتمتم بتوعد: 
_ والله عال ياست فاطمة،  تركبي ويا راچل وعتخليه يمسك بيدك كماني،  مبجاش رافع القناوي لو معلمتكيش الأدب من أول وچديد.
1

غادر المنزل تحت نظرات نوارة بعد أن أستطاعت سماع بعض كلماته التي كانت كالخنجر في قلبها، فقالت بصوت لايسمعه أحداً سواها:
_ فاطمة تاني يا رافع! والله ما أني ساكتة واصل، ويا أني يا هي يا إبن رسمية.

ــــــــــــــــــــــــ،،،،،،،ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ ريحيني يا ريهام الله يريح جلبك وإسمعي الي بجولك عليه.
قالتها زينب، فرمقتها الأخري بعتاب وقالت:
_ يعني عايزاني أسيبك تنزلي وتشتغلي وتتبهدلي عشان معكيش بطاقة؟.

أجابت الأخري:
_ هو أني هافضل طول الوجت نايمة واكلة شاربة عندك وكمان بتچيب لي حاچات ومابترضيش تاخدي فلوسها عاد.

رمقتها بعتاب وقالت:
_ علي فكرة أنتي كده كأنك بتشتميني.

تنهدت الأخري بضيق وقالت:
_ ما أجصدش والله، ما أنتي خابراني زين، مابحبش أكون تجيلة علي حد واصل حتي لو كانو أهلي.

تعلم ريهام جيداً بأن صديقتها تملك كبرياء وعزة نفس بدرجة عالية ، فقالت:
_ أعتبريني يا ستي بردلك جميلك ووقفتك جمبي أيام الجامعة، و علي العموم سبيني أشوفلك حاجة مناسبه وفي نفس الوقت يكون عند حد موثوق فيه عشان الظروف الي أنتي فيها.

أبتسمت زينب بسعادة ونهضت لتعانقها:
_ ربنا مايحرمني منك واصل.

ربتت الأخري علي ظهرها وقالت:
_ تعرفي لو كان ليا أخت بتهيألي مكنتش هحبها أوي كده.

ردت بمزاح:
_ لكن علي الأقل متكونش هربانه كيفي أكده ولا هيكون ليها أخ إسمه رافع.

أنغمرت كلتيهما في الضحك، أمسكت ريهام بطنها:
_ يخرب عقلك يا زينب، في عز حزنك بتطلعي بكلام بيموتني من الضحك.

_ تدوم ضحكتك يا جلبي.

تذكرت الأخري شيئاً، فصفعت جبهتها  :
_ يادي الزهايمر الي هيوديني في داهية.

ضيقت مابين حاجبيها وتساءلت بإهتمام:
_ خير في أي؟.

أجابت:
_ أحمد المفروض هيعدي عليا دلوقت عشان رايحين نختار سيراميك المطبخ والحمام وأنا ناسيه خالص، لما أروح ألحق ألبس بسرعة.

حدجتها زينب بسعادة وحبور:
_ ربنا يتمملك علي خير ويسعدك أنتي و أحمد يارب.

_ أمين يارب، وعقبالك يا زوزه ربنا يلم شملك مع فارس وتتجوزو يارب.

نظرت بحزن نحو الفراغ ورددت :
_ يارب، يارب.
ــــــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،،،ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ يحتسي فنجان الإسبريسو المفضل لديه ويتصفح بعض ملفات قضايا عملائه علي حاسوبه ،  ينقر علي لوحة المفاتيح،  قاطعه إتصال مرئي عبر تطبيق شهير،  وكان المتصل صوفيا ويعلو الأسم صورة لأمرأه ذات شعر أسود  و وجه طويل وعينيها زرقاء اللون،  وملامحها حادة إلي حد ما،  زفر بتأفف وفتح الإتصال علي مضض،  لتظهر له صاحبة الصورة وتتحدث بالفرنسية:
(الحوار مترجم)

_ أعلم إنك لا تريد رؤيتي أو سماع صوتي،  لكن سبب الإتصال لأخبرك إن إبنتك تريد رؤيتك.
1

أجاب بتهكم: 
_ هناك إختراع يسمي طائرة،  أرسليها لتأتي إلي هنا.

_ صلاح،  لا أريد الدخول معك في جدال لا فائدة منه،  أبنتي لن تسافر إلي مصر أبداً.

_ هكذا إذن،  علي راحتكِ صوفيا،  إمنعيها قدر ما تشائين لكن أعلمِ عندما تكبر إبنتنا فلن تستطيعين منعها من السفر إلي والدها أو ربما الإقامة معه.

قهقهت بسخريه من حديثه الذي أدركت من خلاله تهديداً صريحاً: 
_ يبدو أن هناك من يحلم كثيراً.

بادلها بذات القهقه الساخره وقال: 
_ وكثيراً عزيزتي تتحقق الأحلام،  وكما تعلمين أنا رجل صبور للغاية وأصل إلي ما أريد وقتما أشاء.

تبدلت ملامحها من الضحك إلي الغضب،  تناولت من بجوارها علبة وسحبت منها سيجارة وقامت بإشعالها وزفرت كم هائل من الدخان،  تتفوه بحنق: 
_ أصبر كما تريد صلاح،  ولاتنسى من أكون أنا،  وكما جعلتك ترحل من فرنسا رغماً عنك،  أقدر أن أفعل أكثر من ذلك،  وأرني ما بإستطاعتك أيها المحامي الفاش...

ضغط علي زر إنهاء المحادثة حتي لا يعطيها فرصة إستفزازه كما تفعل معه في كل مرة تتصل به، أنتبه لصوت يأتي من غرفة مغلقة،  فتذكر تلك التي تركها منذ الأمس تغط في النوم من أثر المخدر،  ذهب إليها وأخرج من جيب بنطاله مفتاح لكي يفتح الباب الذي أوصده خشية من أن تستيقظ وهو نائم.
وعندما فتح وجدها علي الأرض بجوار التخت،  كانت مقيدة اليدين والقدمين ويكمم فاهها قطعة من الشريط اللاصق، تزوم وتحرك جسدها في محاولة التخلص من قيودها،  أقترب منها حتي أصبح في مجال رؤيتها،  فتوقفت عن الحركة.

دنا منها وقال:
_ متخافيش أنتي هنا بأمان ومحدش أبداً  هيأذيكي.
رمقته بعدم ثقة لكلماته،  تنهد وأردف: 
_ بصي أنا علشان أنقذك كذبت علي سليم إنك قولتيلي زينب موجودة في القاهرة وهو لو شك واحد في الميه إن بكذب عليه مش هقولك ممكن يعمل فيا أي وقبلها فيكي كمان،  فياريت وأعتبريه رجاء مش عايز أي تصرف متهور منك وثقي فيا زي ما هديكي الثقة دلوقت وهفكلك الأحبال دي وهخليكي علي حريتك،  أتفقنا؟  .

لم تومأ له بل كانت تفكر في كيفية الهروب،  وبعد أن فكرت لثوان في حديثه لم تجد سوي أن تظهر له الطاعة والثقة حتي تأتي لها الفرصة وتفر من قبضته وقبل كل ذلك يجب أن تخطط جيداً فهي في وكر الأفاعي وأي خطأ ما لن يكن في صالحها بتاً.
هزت رأسها بالإيجاب فأنبلجت إبتسامة علي ثغره إليها ولم يظهر لها إنه يعلم مايدور في عقلها، لا تعلم بعد من هو صلاح أيوب،  يطلق عليه البعض الثعلب نسبة لمكره ودهاءه الذي لايضاهيه أحداً فيهما،  وهناك من يلقبه بالعقرب حيث يعطي الأمان لخصمه ويجعله يظن إنه مسالم حتي ينصب شراكه ويباغته فجاءة بللدغة قوية تلقي به في قاع الجحيم وكثيراً يكون الموت نهايته الحتمية.

قال وهو يشرع في فك قيودها: 
_ عندك كل حاجة هتحتاجيها من أكل وشرب في التلاجة والمطبخ،  بالنسبه للهدوم فأنا شوية وهنزل أشتريلك كم طقم تغيري فيهم.

أخذت تمسد رسغيها من أثر الأحبال وكذلك كاحليها، وصاحت عندما جذب لها الشريط اللاصق من فاهها: 
_ سوري.

حدجته بسخط وقالت: 
_ متتعبش نفسك ولا تچيب لي حاچة.

نظر لها متعجباً: 
_ ناويه تفضلي بالهدوم الي عليكي؟.

ردت بحده وإمتعاض: 
_ ملكش صالح عاد.

ضحك من أسلوب حديثها وملامحها المنزعجة،  فقال بنفس لهجتها: 
_ كيف مليش صالح بيكي وأنتي هتفضلي معاي أهنه.

رفعت إحدي حاجبيها: 
_ بتتمسخر عليا إياك؟.

قهقه ورفع كفيه قائلاً  : 
_ أبداً  والله، بس رأيكشن وشك وردودك هي الي بتضحكني.

_ والي زيك بيعرف يضحك زينا؟.

توقف عن الضحك و رد بجديه عندما تفهم ماهية سؤالها: 
_ أنا إنسان طبيعي بيضحك وبيهزر يا سمية، وأديكي شايفة بعينيكي لو كنت ربع سليم كان زمانك جثة مرمية في الصحرا والديابة بتنهش في لحمك.

أبتلعت لعابها حين تذكرت ما حدث معها بالأمس وما كان علي وشك الحدوث لها لولا تدخله وإنقاذه من يد هذا المختل السادي.
رمقته بإعتذار وقالت: 
_ آسفة ما جصديش الي فهمته.

نهض و أجاب: 
_ أنا فاهم كويس أوي،  و مقدر خوفك والقلق الي أنتي فيه، وبقولهالك لأخر مرة أي حركة هتعمليها كده ولا كده مش هتكون في صالحك والي كان هيحصل معاكي إمبارح هيبقي أرحم من الي هيعملو فيكي سليم ورجالته، خليكي ذكية وأسمعي كلامي و أوعدك طول ما أنتي معايا هتكوني في أمان.

قالت بداخل عقلها: 
_ أمان برضك يا ولد المركوب!،  لما نشوف أخرتها أي وياك.

نهضت و وضعت يديها علي خصلاتها لتكتشف إنها بدون حجابها،  حدجته بضيق ثم اخذت تبحث عن شئ ما فوقعت عينيها علي مفرش مستطيل يكسو الطاولة، ذهبت نحو وجذبته وقامت بنفضه فوضعته فوق رأسها،  أبتسم وقال: 
_ هبقي أعمل حسابي في كام تحجيبه،  هاسيبك بقي أحضرلك حاجة تاكليها.

لم تهتم لما تفوه به،  فسألته: 
_ فين الحمام؟.

أجاب مشيراً لها نحو المرحاض: 
_ عندك واحد خاص بالأوضة هنا وفي واحد تاني بره في آخر الطرقه،  أستخدمي الي يعجبك.

تركته وذهبت إلي المرحاض الملحق بالغرفة وصفعت الباب بقوة،  أومأ بسأم ويبتسم من ردود أفعالها،  ذهب لإعداد لها الطعام،  بينما هي داخل المرحاض وقفت تنظر لإنعكاسها في المرآه وقعت عينيها علي حرق السيجار فمازالت تشعر بالألم،  وضعت أطراف أناملها عليه: 
_ اللهي تنجطع يدك يا سليم الكلب.

فتحت الصنبور وبدأت بغسل وجهها،  أخذت تستنشق رائحتها فزفرت بتأفف،  وجدت رداء قطني مطوي علي رف معلق علي الحائط،  أنحنت نحو صنبور حوض الإستحمام لتقوم بملأه،  فشرعت بخلع ثيابها لتستحم.
ــــــــــــــــــــــــ،،،،،،،،ـــــــــــــــــــــــــــــ
2

أنتهت جليلة من أداء فريضتها للتو وهناك طرقات عنيفة علي باب المنزل، فصاحت بالطارق:
_ أباه عليك يالي علي الباب، كتك خابط في نفوخك.

فتحت الباب لتجد إبن أخيها والشر يتطاير من سوادويتيه:
_ فين بتك يا عمتي؟.

تعجبت من زيارته المفاجاءة وسؤاله عن إبنتها وملامحه تنذر بالسوء:
_ رايد أي من بتي يا رافع؟.

و بدون أن يجيبها أندفع نحو غرفة فاطمة ليجدها تخرج من غرفتها وتستند علي مقبض الباب، زجرته بنظره حادة:
_ عايز مني أي يا ولد خالي؟.

جذبها من عضدها و بنبرة مرعبة قال:
_ مين الي كان ماسك يدك وركبتي وياه عربيته؟.

صاحت به:
_ وأنت باعت وراي رچالتك يرجبوني؟.

هزها بعنف قائلاً:
_ ماتچاوبيش السؤال بسؤال وردي عليا بدل وقسماً بالله لأكسر عضمك.

تدخلت جليلة تدفعه عن إبنتها:
_ بعد عن بتي يا رافع وملكش صالح بيها.

حدج عمته بنظرة نارية وقال:
_ يعني موافجة إن بتك تلف علي حل شعرها وعتدافعي عنيها كمان.

تركت المقبض وتحملت الوقوف علي كاحلها المصاب لتهبط بكفها علي وجهه، صفعته وصاحت به:
_ أخرس جطع لسانك.
1

ترك عضدها ورجع إلي الخلف عدة خطوات يحاول منع نفسه من التهور عليها، فقال بوعيد:
_ الجلم دي لهدفعك تمنه غالي يا فاطمة، وبالنسبة لل...... الي كنتي وياه هعرف هو مين، أبجي أدعيله ربنا يرحمه من الي هسويه فيه.

وقفت جليلة أمامه وقالت بتحذير:
_ إسمعني اني يا ولد أخوي بكفياك بجي الي عتسويه أنت، موجف حال بتي وكل ما حد يجرب منيها يا منسمعلهوش خبر عاد أو نلاجيه مجتول في حادثه ولولا أخوي الي مليش غيره كنت بلغت عنك الحكومة، هملنا وهمل بتي وخليك في دارك ومارتك،  رايد مننا أي؟  .

لم يستطع كتمان ما في صدره فثار كالوحش الهائج: 
_ بتك ملكي أني، ومفيش مخلوج هيجرب منيها واصل غير لما أكون مخلص عليه.

صاحت فاطمة بنفس وتيرة غضبه:
_ وأني لو أنطبجت السما علي الأرض أو لو كنت آخر راچل في العالم كله ما هكون ليك يا رافع، و سوي الي بدي لك وأحلم كيف ما أنت عايز، لكن حطها حلجه في ودنك عمري ما هكون ليك، عمري ما هكون مرات جاتل وبتاع سلاح وخمره ونسوان، عايزني كيف أرضي بيك وأنت فيك كل العبر والبلاوي دي كلاتها، هملني بجي لحالي وأنساني كيف ما نسيتك ودوست علي جلبي من زمان.
و في آخر كلمة تفوهت بها أجهشت بالبكاء، أقترب منها أوقفته بإشارة من يدها وقالت:
_ خليك مطرحك ومتجربش مني.

ذهبت نحوها والدتها لتسندها قائلة:
_ تعالي ريحي يابتي، غلط تجفي علي رچلك إكده.
هبط ببصره نحو قدمها ليجدها مضمدة وترفعها قليلاً عن الأرض، فتساءل بللهفة وقلق:
_ حوصل متي دي؟.

أجابت عمته:
_ وأني الي كنت بحسبك چاي تطمن عليها لما سمعت عن الحادثة الي حوصلت وياها.

_ حادثه؟.
صاحت فاطمه ببكاء:
_ أيوه حادثه وچاي تتهمني بالباطل وما تعرفش إن الراچل الي كانت هتخبطني عربيته، هو الي كان ماسك يدي لأچل يساعدني وياخدني علي الوحدة ويعالچ رچلي، لكن كيف رافع بيه يحسن النية لازماً ولابد إن تبجي فيه مصيبة.

جلست علي أقرب كرسي بمساعدة والدتها التي قالت له:
_ أرتاحت لما عرفت الحجيجة؟.

أعتراه الخجل والإحراج من نفسه كيف يتحدث معها بتلك الكلمات الفظه وكيف له أن يتهمها بالإنحلال!، خطي نحوها حتي توقف أمامها مباشرة وجثي علي إحدي ركبتيه، مد يده نحو كاحلها المصاب وكاد يلمسه لكنه تذكر عمته التي ترمقه بتحذير علي ماهو مُقبل عليه، نظر في عينيها الباكيتين وقال كالحمل الوديع:
_ حجك علي، أني آسف.

توقفت عن البكاء تحدجه بصدمة غير مصدقة أذنيها، رافع يتأسف ويعتذر عن خطأ أرتكبه!، ألهذا الحد مازال يعشقها ولن ينس حبها الذي يأسر قلبه!.

و في تلك اللحظة، أنفتح باب المنزل ودخل الشيخ واصف زوج عمته يلقي التحية:
_السلام عليكم يا اهل الدار.

نهض رافع منتفضاً عند سماع صوته فبرغم كل قوته وجبروته فإنه يكن كامل الإحترام والتقدير إلي الشيخ واصف وهو الحائل الوحيد الذي يمنعه عن زواج فاطمة عنوة عنها،حيث أخبره عند رفض إبنته له أن إبنته فتاة حرة تملك قرار زواجها ولن يرغمها يوماً علي شئ ضد رغبتها.

نظر واصف إلي ثلاثتهم بإستفهام، رحب برافع أولاً:
_ كيفك يا رافع يا ولدي؟.

أجاب الآخر بإحترام ووقار:
_ الحمدلله زين يا شيخ واصف.

فقال وهو يشير إلي زوجته:
_ واجفة حداكي ليه إكده يا چليلة؟، يلا همي وحطي الواكل لأچل يتغدا ويانا ولد أخوكي.

وقبل أن تنطق چليلة قال رافع:
_ متشكر يا عمي،  أنا كنت چاي نطمن عليكو وماشي دلوق.

_ إكده عتحرچني يا ولدي؟.

_ معلش خليها مرة تانية.

_ علي راحتك.

هندم عباءته فوق جلبابه وتحمحم قائلاً:
_ سلام عليكو.

رد ثلاثتهم السلام وذهب وقلبه مليئ بالندم والحزن، فكلماتها كانت كالمياه المثلجة التي أنسكبت فوق رأسه، فهو كما قالت قاتل وتاجر سلاح ويحل لنفسه ما حرمه الله فكيف كفتاة مثلها إبنة لشيخ قام بتربيتها علي الخُلق والدين تقبل أن تكون زوجة لهذا الأبليس اللعين!.
1

ـــــــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،، ــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ ده كل الي قدرت أوصله في القضية لحد دلوقت.
قالها عبد المجيد المحامي الخاص بفارس الذي يلقي نظرة علي الملف الورقي الموجود بين يديه.

قال فارس: 
_ ولا معلومة تجدر تفيدني ولا تكون حتي دليل علي براءتي عاد!.

رفع عبد المجيد كتفيه بقلة حيلة قائلاً  : 
_ كل الي في أيدي عملته،  مفيش غير حل وحيد.

بدي علي نظراته اللهفة قائلاً: 
_ أي هو؟.

رمقه الآخر بتوتر: 
_ هو أنك تطلب زيارة رافع إبن عمك وتطلب منه زي ما لبسك القضية يخرجكك منها.

قامت كلمات هذا المحامي بسبر أغواره فقال بغضب: 
_ مستحيل، عايزني كيف أتذلل ليه  وأجوله خرچني من المصيبة الي وجعتني فيها!، دي ماصدج دخلني السچن وأتخلص مني.

_ تمن الحرية غالي يا باشمهندس يا فارس، ومهما حصل أنتم في النهاية ولاد عم.

تعجب فارس من حديثه فقال:
_ أنت الي بتجول إكده يا متر؟، أنت أكتر واحد خابر رافع لولا صلة الدم وبعدت عن أخته كان ماترددش لحظة وجاتلني.

لاحظ عبد المجيد نظرة التعجب بداخل عينيه: 
_ أنا عرضت عليك الأمر وفكر براحتك، مش بجبرك علي حاجة ده مجرد إقتراح، وياريت متتأخرش في التفكير عشان هيصدر أمر بترحيلك علي النيابة.

صمت فارس يفكر، فأردف الآخر لتتوالي فوق رأسه صدمة ثانية :
_ بالنسبة للأمر التاني الي جايلك فيه هو إعلان الوراثة، إكتشفت إن والدك الله يرحمه أوصي بالبيت والأراضي الي يملكها يتقسمو ما بينك وبين عمتك وعمك.

_ و أبوي عمره ما جال حاچة إكده واصل.

رد الآخر وهو يضبط من وضع نظارته الطبية ويمسك بورقة يقدمها له:
_ أهي الوصية وتحتها إمضة الوالد رحمة الله عليه.

جلس علي الكرسي بوهن يقرأ وصية والده الذي لايعلم عنها شيئ وتعجب من أمرها، فذلك المنزل وتلك الأراضي جميعها تعود إلي ميراث والده عن جده، فكل من عمه وعمته أخذ حقه و والده قام بالحفاظ علي ورثه ولم يبدده مثل أشقاءه بل قام بتمنيته وزيادته، فلما أتخذ هذا القرار في وصيته!، شعر فارس بأن هناك أمر يحدث من وراءه، ربما يوجد خائن!.

نهض وألقي الورقة أمام عبد المجيد وقال:
_ أرجو متفهمنيش غلط يا متر، أني عايز منك تعرض الوصية علي خبير يتوكد من أن أبوي الي كاتبها بعد ما تفرچه علي خطه الي في المستندات الي حداك.

أزدرد الآخر ريقه، وبإمتعاض زائف قال:
_ أمرك يا باشمهندس الي تشوفه.
1

ألتمس فارس عتاب الآخر من كلماته:
_ أعذرني الي حوصل معاي خلاني أشك في صوابع يدي، ريحني وسوي الي جولتلك عليه.

لملم أوراقه وأدخلها حقيبته قائلاً:
_ ولايهمك يابني، حقك طبعاً ولو عايزني أقوم لك محامي تاني غيري لقضيتك أنا تحت أمرك.
1

زفر فارس بضيق من نفسه، ربت عليه وقال:
_ حجك علي يا متر، وسبج وجولتلك ماتفهمنيش غلط، و إن كان علي القضية مفيش محامي غيرك هو الي عيترافع عني وبإذن الله هطلع براءة.

_ بإذن الله يا باشمهندس، كله بأمر الله.

_ ونعم بالله.

أنفتح الباب وظهر العسكري قائلاً:
_ وجت الزيارة أنتهي يا باشمهندس.

مد عبد المجيد يده وبإبتسامة مصتنعة قال:
_ أشوفك علي خير إن شاءالله،  وتكون فكرت في الي عرضته عليك، وحاول تبص لقدام.

تنهد فارس وقال:
_ إن شاءالله.

وبعد مغادرته للمخفر أخرج هاتفه وقام بالإتصال قائلاً:
_ كله تمام يا رافع بيه، عملت زي ما قولتلي بالظبط.
1

تمتم الآخر بإبتسامة شيطانية:
_ وإكده مفاضلش غير حاچة واحدة.

_ بتقول حاجة؟.

رد رافع:
_ إكده دورك أنتهي، عايزك تختفي الأيام الچاية وماتعاودش غير لما أجولك، وماتخافش فلوسك كلها هتكون حداك لما توصل دلوق.

إبتسم الآخر بسعادة عارمة:
_ تسلم يا يارافع باشا، ومبروك مقدماً.
2

ــــــــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،،،ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

_ وفي قرية مجاورة لنجع الشيخ نور الدين، حيث ما زالت توجد المنازل القديمة وبداخل إحدهم، تمسك تلك المرأه بإناء تسكب منه الماء لزوجها ليغسل يديه، فيقول لها:
_ هي البت دي لساتها نايمه لحد دلوق؟.

أجابت عليه:
_ هملها دي يا حبة عيني طول الليل كانت بتبكي من بطنها لحد ما نعست.
جفف يديه بالمنشفة وقال بصوته الغليظ  :
_ لو لساتها تعبانة خديها علي الوحدة.

_ حاضر، أنت خارچ ولا أي؟.

رد وهو يسحب نعله من أسفل الأريكة الخشبية:
_ أيوه، فيه مصلحه إكده أدعيلي إنها تتم.

رفعت يديها في وضع الدعاء:
_ ربنا يرزجك من وسع ويفتحها في وشك قادر يا كريم.

أخرج محفظته من جيب جلبابه وأخذ منه بعض ورقات من المال، مد يده بها إلي زوجته قائلاً:
_ خلي الجرشين دول معاكي.

أخذتهم والسرور ينبلج علي وجهها:
_ خيرك سابج يا سي مچاهد.

تحمحم وقال:
_ فوتك بعافية، سلام.
وغادر المنزل، فذهبت هي لتطمأن علي تلك النائمة في الغرفة، جلست بجوارها علي التخت وربتت عليها:
_ بت يا ورد، أنتي يابت، كفاياكي نوم عاد إحنا بجينا العصر ، همي كوليلك لقمة، ده أنتي علي لحم بطنك من عشية إمبارح.

فتحت عينيها بصعوبة:
_ مچاهد أهنه؟.

ردت وهي تفتح النافذة لتهوية الغرفة:
_ أخوكي لساته رايح مشوار حدا چماعة أصحابه وكان بيسأل عليكي وجالي لو لساتك تعبانة كيف إمبارح، أخدك ونتدلي علي الوحدة نطمنو.

نهضت بجذعها والتوتر يعتري ملامحها قائلة:
_ لع، جصدي مفيش داعي، أني بجيت زينة.

_ طب يلا جومي وروحي أفطري الواكل عندك فوج البوتچاز، وأني هلم الخلچات وأشغل عليهم الغسالة.
قالتها وذهبت لتمسك بثياب ورد التي تذكرت شيئاً ما، نهضت بفزع لتمسك بثوبها قبل أن تمد الاخري عليه:
_ هملي ده، لساته نضيف ملحجش يتوسخ.

حملت الثياب لتهم بمغادرة الغرفة:
_ أبجي هاتيلي فرش سريرك أغسله بالمرة.

أجابت ورد تراقبها حتي أطمأنت إنها أبتعدت عن الغرفة:
_ حاضر، هشيلو أهه.

أسرعت خطاها نحو الباب وأغلقته، تنفست الصعداء كاد يُفتضح أمرها أمام زوجة أخيها، نظرت للثوب الذي تحمله علي ساعدها و دست يدها بإحدي جيوبه الجانبية وأخرجت تنظر له وهي تتذكر أحداث ليلة أمس عندما أنتابتها آلام شديدة أسفل بطنها وفي ظهرها، ظنت ربما هي عادتها الشهرية سبب ما تشعر به، فأمسكت بهاتفها لتري تاريخ اليوم فأنتفضت، قد مر أكثر من أسبوعين ونصف، أخبرها حدسها يجب عليها أن تتأكد من شئ ما، خرجت عبر نافذة غرفتها حتي لا يراها شقيقها وينهال عليها بالأسئلة، ذهبت إلي صيدلية تقع علي أطراف القرية وقامت بشراء إختبار حمل وعادت إدراجها سريعة الخطي.
وعندما دلفت أيضاً إلي غرفتها عبر النافذة، تسحبت إلي المرحاض بعد أن تأكدت شقيقها و زوجته وابناءهم الصغار يغطون جميعاً في النوم.
و ها هي تنتظر النتيجة بعد إتباع التعليمات، ظهر خطاً داكناً، فتعالت خفقات قلبها وتدعو في نفسها أن تخيب ظنونها، لكنها خابت وأنهارت كالطامة فوق رأسها حين ظهر الخط الثاني كدليل إثبات إيجابية الحمل.
كتمت شهقاتها بوضع كفها علي فمها وركضت إلي غرفتها، أغلقت الباب لتطلق العنان لدموعها تنعي حظها العثر:
_ يا مُرك يا ورد.
وأخذت ترددها، في تلك الأثناء أستيقظت زوجة أخيها لتجلب زجاجة مياه من البراد، فوصل إلي سمعها صوت أنين وعويل، وقفت أمام غرفة ورد وسمعتها تبكي وتتمتم بكلمات لم تفهم منها شيئاً، طرقت الباب وقالت:
_ بت يا ورد أنتي زينه؟.

أسرعت الأخري بتجفيف عبراتها وخبأت الإختبار في إحدي ثيابها و قامت بطيه:
_ تعبانه هبابة يا مرات أخوي.

فقالت الأخري:
_ أعملك حاچة سخنه تشربيها؟.

أجابت من خلف الباب:
_ ماتتعبيش نفسك، دول حبة مغص وهيروحو لحالهم لما أنعس دلوق.

_ طب لو محتاچة حاچة أبجي  نادمي علي.

قالت الأخري بإمتنان:
_ شكراً يا مرات أخوي.

أنتهت من تذكر ما حدث، حدقت لدقائق في الإختبار، تناولت هاتفها من أسفل الوسادة وأبدلت الشريحة بواحدة أخري حتي يجيب عليها ولا يتهرب منها كالعادة،  فقامت بالإتصال به لتطلب منه رؤيته، فلابد أن يعلم نتيجة علاقته معها.
ضغطت علي الأسم ثم علامة الإتصال.
1

وفي مكان آخر بداخل غرفة معتمة يصدر ضوء من شاشة هاتفه وصوت ذبذبات الإهتزاز بدون إصدار رنين، شعرت بها من تتمدد بين زراعيه وتتوسد صدره العاري، ربتت عليه لتوقظه قائلة:
_ زكريا، يا زكريا، موبايلك عمال يعمل ڤيبريشن وينور، شكل حد بيرن عليك.

رد عليها بصوت يغلب عليه النعاس:
_ خليه يرن براحته.
أنتهي الإتصال ليعاود مرة أخري، فلكزته:
_ أهو بيرن تاني، شوف ليكون حد من أهلك.

تأفف و أستدار ليأخذ هاتفه ويري المتصل، وجده رقم غير مسجل فأجاب:
_ الو من معاي؟.

أتاه صوتها وبتوسل قالت:
_ أني ورد ياسي زكريا، بالله عليك ماتجفل السكه، أني كنت عايزه أجابلك ضروري وأجولك علي حاچة مهمة جوي.

زفر بضيق وقال:
_ ما تخلصي وجوليها دلوق، أني مش فاضي للعب العيال بتاعك دي.

_ أني عارفة إنك مش بالنچع وكماني ويا الغازية، ميهمنيش كل الي ريداه منك تجابلني ضروري.

شعر من كلماتها بأن هناك أمر هام ربما يخص إتفاقها مع رافع، فقال:
_ خلاص نبجي نتجابلو في البيت إياه بعد العشا، يلا سلام.

أغلق المكالمة ونهض يزفر بضجر، فنهضت سمارة خلفه وقالت:
_ مين دي يا زيكو؟.

أجاب وهو يتناول المنشفة:
_ دي البت الخدامة الي كانت بتشتغل عند عمي، شكلها محتاچة جرشين.
5

رفعت جانب ثغرها بتهكم:
_ نعم يا روحي أنا!، أنت هاتصيع عليه، من أمتي معاك فلوس وبتساعد حد، وإشمعنا بتتصل بيك أنت؟.

ألتفت لها وحدجها بتحذير قائلاً:
_ حاسبي علي حديتك يا سمر، وبلاش شغل الغوازي دي معاي.

وضعت يدها في خصرها وقامت بهزه ساخره:
_ ومالهم الغوازي يا سي زكريا.

لا يريد أن يدخل معها في جدال فأقترب منها و وحاوط خصرها، أبتسم بتصنع وقال بنبرة جذابة خادعه يعلم مدي تأثيرها عليها:
_ دول خطفو جلبي من أول نظرة، بعشجهم وبموت فيهم.

تساءلت بدلال:
_ هم مين دول؟.

قام بتقبيل عنقها وأجاب:
_ الغوازي يا جلبي.
+

حاوطت عنقه وبنظرات جريئة نحو شفتيه قالت:
_ سيبك منهم وركز في غازية واحده يا روحي أنا.

رمقها بنفس نظراتها لكن عينيه تتجول علي أنحاء وجهها بشهوة:
_ و رايدني أركز كيف يعني؟.

أجابت وهي تدفعه علي التخت:
_ إكده يا عينيا.
أرتمت فوقه لتغمره بحبها وتغرقه بداخل ملذاتها المحرمة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،،،، ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ أني حبلي.
قالتها ورد إليه مما أثارت جنونه فصاح بها:
_ كيف يعني الي عتجولي دي؟.

أخرجت له الإختبار من حقيبتها وألقته أمامه علي الطاولة: 
_ أهو الإختبار الي سويته لتكون فاكرني بكدب عليك.

ألقي نظرة عليه ثم إليها: 
_ وأني إيش ضمني الي في بطنك ده مني؟.
نهضت بغضب: 
_ حاسب علي حديتك يا سي زكريا،  محدش لمسني غيرك عاد، والدار دي تشهد ولا نسيت؟.

صاح ويضرب كفيه ببعضهما البعض: 
_ كان يوم أسود لما أتهببت وسويت العمله المهببه دي معاكي ماعرفش كان عجلي فينه وجتها.

إبتسم بسخرية وقالت:
_ الله يرحم لما كنت كل شوي تنطلي في دار الحاچ قاسم وتتحايل عليا لأچل أحن عليك بكلمة، ولما أخدت غرضك مني بجي مليش عزا عندك واصل.

قهقه بتهكم مماثل قائلاً:
_ أومال كنتي فاكراني عاشج وولهان!.

تجمعت عبراتها في عينيها وقالت بصوت متحشرج:
_ ما أني بندم وبضرب نفسي بمليون صرمه.

حدجها بإزدراء وقال:
_ قصرو، المطلوب مني أي من ليلتك المطينة دي،  أني أخري وياكي أديلك جرشين لأچل تروحي تسجطي الي في بطنك، غير إكده مليش فيه.

مسحت عبراتها و رمقته بجدية:
_ المطلوب أنك تتچوزني.

صاح بإعتراض:
_ واه، أتچنيتي ولا أي عاد!، آه جولي بجي مسويه التمثليه دي لأچل أتچوزك، أحلمي علي قدك ياحلوة، أني ما بتچوز ويوم ما أتچوز هتكون واحده محترمة متربية بت أصول، مش حتة خدامة مع أول كلمتين سلمتلي نفسها.

صفعته بكل قوتها، أثارت غضبه فجذبها من حجابها وأنتزعه بقوة ليتمكن من إمساك خصلاتها بعنف:
_ أني لولا مليش في الدم كان زماني خلصت عليكي دلوق وتويتك مكانك، بصي يابت أخري وياكي الي جولتهولك، هعطيكي جرشين وتشوفيلك دكتور يخلصك من البلوه دي، ومن اللحظة دي ماشوفش خلجتك واصل لأن لو شوفتك هيكون آخر يوم في عمرك.

ترك خصلاتها ودفعها بقوة علي الأرض، نهضت متعثرة في طرف ثوبها، ألتقطت حقيبتها وهمت بالمغادرة وقالت له بتوعد قبل أن ترحل:
_ أفتكر أن چيتلك لحد عندك متلومنيش من الي هسويه بعد إكده يا بتاع الغازية.
5

قالتها وأسرعت بالرحيل قبل أن يلحق بها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،،ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ وفي صباح اليوم التالي،  دلف مكتبه الجديد فهذا ثاني يوم له في عمله المكلف به، خلع سترته وعلقها علي المشجب وتناول مأزره الأبيض الزي الرسمي.
جلس علي الكرسي يتنهد بأريحية، ضغط علي زر صغير أعلي المكتب لتأتيه الممرضة المساعدة له والإبتسامة لم تفارق محياها منذ مجيئه: 
_ صباح الخير يا دكتور يحيي.
_ صباح النور يا جهاد، خلي عم رجب يعملي فنجان قهوة سادة.

أومأت له بدلال: 
_ أمرك يا دكتور.

فخرجت مسرعة واضعة يدها نحو قلبها فقابلتها زميلتها: 
_ مالك يابت يا چهاد؟.

أجابت الأخري: 
_ ده مالي وحالي كله،  آه من جماله ولا حلاوته،  شكله إبن ناس ياخسارته في البهدلة عندنا في الوحدة الفقر دي.

_ اللهي الريسة تسمعك وتطين عيشتك عاد.

لوحت الأخري بكفها أمام وجهها قائلة بحنق: 
_ ياساتر عليكي يا شيخة،  علي طول بتقفلي الواحد.

ردت بجدية وحزم: 
_ لأني مليش في الحال المايل.

سخرت منها جهاد تتمايل بخصرها: 
_ وعملك أي الحال العدل وأنتي داخله علي التلاتين سنة أهو ولا حد عبرك بدبلة فضة حتي.

_ يكفيني أخلاجي الي الكل بيتحاكي بيها وبيضربو بيا المثل، مش كيف ناس تانيه.

حدجتها بإمتعاض قائلة: 
_ أصدك أي يا ست فاتن!.
2

تركتها وأشاحت لها  بيدها: 
_ الي علي راسه بطحه بجي.

زفرت جهاد بغضب تنظر في أثرها بتوعد،  أنتفضت فجاءة عندما ظهر أمامها رافع بنظراته الحادة وصوته الغليظ: 
_ فين مكتب الدكتور الچديد؟  .

رمقته بتفحص من أخمص قدميه لأعلي رأسه وقالت: 
_ أصدك علي الدكتور يحيي؟.

رد من بين أسنانه: 
_ أيوه الدكتور زفت، جصدي يحيي.

أشارت له نحو رواق طويل وقالت: 
_ آخر الطرقه دي،  الأوضة الي علي شمالك،  بس لسه مبدأناش كشوفات تعالي بعد ساعة كده.

حدجها بنظرة جعلتها تراجعت إلي الوراء خوفاً ولم يقل شيئاً وسار كما وصفت إليه.
وبالعودة إلي الطبيب يحيي،  كان يقرأ هذا الدفتر الذي وجده بسيارته عند عودته بالأمس،  فذاك أختصر عليه طريقاً طويلاً لمعرفة من تكون صاحبة العيون الساحرة والشامة التي تُزين وجنتها الخمرية وشفتيها التي تذكره بثمرة التفاح الأحمر.

قطع وصلة إستمتاعه بقراءة كلماتها المدونة هذا الواقف أمام مكتبه يرمقه بنظرات كالسهام النارية،  تعجب يحيي من إجتياح الآخر لمكتبه بدون إستئذان،  فقال له: 
_ نعم،  في حاجة يا بلدينا؟.

جلس الآخر واضعاً ساق فوق الأخري بتعنت وقال: 
_ إسمي رافع بيه القناوي،  والي هكون عن جريب عمدة النچع الي أنت بتشتغل فيه.

أنتبه إلي نبرة العنجهية في كلماته،  لكن توقف عند إسمه،  رافع!  ، هل يعقل إنه حبيبها المذكور في الدفتر!  .

هكذا إذن لابد أن هناك سبب متعلق بحادث الأمس جعل هذا الرافع يأتي له ومن ملامحه التي لاتبشر بخير،  مجيئه لهدف ما.
_ خير يارافع بيه،  حضرتك بتشتكي من أي؟.

قالها يحيي فأدرك الآخر سخريته،  فأجاب عليه بنبرة تهديد وتحذير: 
_ أني چايلك وبجولك ياريت تخليك في حالك أحسن لك،  شكلك من عيلة كبيره وملكش في السكك الواعرة، فبلاش تخليني أحطك في دماغي عاد،  ويا ويلو الي يجف في طريجي ولا يجرب من حاچة ملكي.

طرقت جهاد الباب المفتوح: 
_ القهوة يا دكتور.

كان ينظر إلي رافع بتحدي وبدون أن يحيد ببصره عنه،  أشار إليها قائلاً  : 
_ حطيها لرافع بيه.

ولجت تنظر لكليهما و وضعت فنجان القهوة أمام رافع وذهبت مسرعة.
عاد يحيي بظهره إلي الوراء وتصنع البرود قائلاً  : 
_ أتفضل أشرب القهوة يا رافع بيه ولا ملكش في الساده؟.

أجاب بإبتسامة لم تصل لعينيه: 
_مبشربهاش غير في العزا،  أو علي روح حد أعرفه زين.

تناول الفنجان وأحتساه دفعة واحدة،  وضع القدح بقوة أمام يحيي كإشارة تحذيرية،  ثم نهض قائلاً: 
_ عن إذنك يا دكتور.

نهض يحيي من مكانه وأوقفه قائلاً  : 
_ أستني عندك أنا لسه ما أتكلمتش.

وبدون أن يلتفت إليه قال: 
_ وأني ماچتش أسمعك،  چيت أتحدت وأنت الي تسمع،  وأظن رسالتي وصلت.

ألقي يحيي عليه بكلمات ذات مغذي قاصداً سبر أغوار الآخر: 
_ أنا ولا هزني جو ذئاب الجبل ده،  وأحب أعرفك إن الدكتور يحيي صديق لما بيحب يوصل لحاجة بيوصلها،  ويمكن الحاجة دي هي الي تجيلي لحد عندي مبرميش نفسي عليها وأنا عارف هي مش عايزاني ولا طيقاني،  تقدر تقول مسألة مبدأ وكرامة.
1

أستدار له وعينيه كظلام الليل الحالك يتوسطها ألسنة لهب نابعة من صدره،  و في أقل من ثانية كانت تلابيب يحيي في قبضتيه: 
_ وأني بجولهالك علي المكشوف أهه،  إياك تجرب من فاطمة لأخليك تحفر جبرك بيدك لأچل أتويك فيه وأنت حي،  عشان يبجي عذاب وموت في نفس الوجت.

أبعد الآخر قبضتيه عن تلابيبه ورمقه بتحدي وإزدراء قائلاً:
_ وأنا مابتهددش، ويلا من هنا وقتك أنتهي.

_ أبجي جول علي روحك يا رحمن يا رحيم.
قالها وغادر بداخله مراجل تتقاذف منها نيران حارقة، يُخيل له آلاف السيناريوهات التي من الممكن أن تحدث الأيام القادمة جعلته يقسم بداخله قتلها أهون بكثير عن رؤيتها مع رجل آخر سواه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،،،ـــــــــــــــــــــــــــــــ 
_ الناصية الجاية معاك ياسطا.
صاحت بها ريهام إلي سائق الأجرة الجماعية، فقالت لها زينب:
_ متوكده يا ريهام إن الراچل الي رايحين له وافج يشغلني عنده؟.
توقف السائق فقالت لها:
_ أنزلي الأول وأنا هقولك.

أوقفها السائق ويمد يده إليها بقطعونقود معدنية :
_ الباقي يا آنسة.

أخذتهم منه قائلة:
_ تسلم ياسطا.

ترجلت كلتاهما في شارع شهير في وسط البلد مليئ بمتاجر الجملة، كان الطريق مزدحم بالمارة والسيارات، أمسكت ريهام بيد صديقتها وقالت:
_ متسبيش إيدي لتوهي مني، أديكي شايفة الدنيا زحمة أوي النهاردة.

ضحكت زينب:
_ ساحبه وياكي عيلة صغيرة إياك، لعلمك بجي أني بحفظ أي مطرح بروح عليه من مرة واحدة.

_ أنا النهاردة واخدة أجازة من شغلي عشان أحفظك المكان وأكون معاكي وأنتي بتستلمي شغلك، ومن بكرة هاتروحي وتيجي لوحدك.

_ متجلجيش علي صاحبتك، أني أفوت في الحديد.
قالتها وتنهدت بحزن، فتساءلت الأخري:
_ مالك قلبتي مرة واحدة كده ليه؟.

أجابت بحزن وآسي:
_ واحشني شغلي جوي وأصحابي هناك، والأهم من ده كلاته فارس، كان نفسي أجوله.

_ أنتي مكلمتهوش تاني؟.

أجابت بنفي:
_ لاء، أخاف أتصل ممنوع الموبايلات حداهم في السچن ولو أتجبص وهو بيتحدت ممكن تحصل مشكلة.

ربتت ريهام علي يدها وقالت:
_ ربنا يطمنك عليه ويجمعكو سوا عن قريب.

_ يارب.

توقفت ريهام أمام متجر كبير يتكون من طابقين:
_ وصلنا.

أوقفتها زينب قائلة:
_ وجفي بس لما أجولك، أنتي جولتيلو أي بالظبط عشان لو سألني.

_ أنا حكيتله كل حاجة عنك وماتخافيش الحاج ماهر من أجدع وأطيب أصحاب بابا الله يرحمه، ولما عرف بظروفك قالي هاتيها وأنا هشيلها في عينيا الأتنين، يلا بقي زمانه مستنينا من بدري.

ولجت ريهام إلي الداخل وخلفها زينب، فقالت الأولي:
_ السلام عليكم يا حاج ماهر.

كان يجلس خلف المكتب رجل في العقد السادس يبدو علي ملامحه الهيبة والوقار، حين
رآهما نهض بترحاب:
_ وعليكم السلام ورحمةالله وبركاته، يا مرحب يا مرحب، المحل نور.

أشارت ريهام نحوه وقالت لصديقتها:
_ الحاج ماهر الي كنت بحكيلك عنه، يعتبر في مقام باباالله يرحمه.

ردد الحاج ماهر:
_ رحمة الله عليه.

أومات زينب وصافحته:
_ أهلاً حضرتك.

فأشارت إلي صديقتها وقالت له:
_ ودي بقي زوزو، زينب القناوي أشطر باشمهندشة وكانت ديماً الأولي علي الدفعة.

_ ماشاء الله، اللهم بارك.
قالها فأردف بصياح:
_ أتنين عصير و واحد شاي يا زينهم.

رد الآخر:
_ أمرك يا حج.

قالت ريهام:
_ ملهوش لزوم يا عمي، أنا جيت عشان أعرفها الطريق ومش هوصيك عليها.

_ ودي تيجي يابنتي، أنتو أصحاب المحل، وكفاية إنها من طرف الغالية بنت الغالي.

_ تسلم يا حاج.

تحمحمت زينب وقالت:
_ طبعاً ريهام حكتلك كل حاچة عني وجالتلي أن حضرتك وافجت تشغلني عندك أهنه.

أرتشف ماهر القليل من الماء و أعتدل في جلسته ممسكاً بالسبحة:
_ أنا يابنتي ليا نظرتي في البني آدم الي أدامي وزي ماتوقعت قبل ما أشوفك، شكلك بنت حلال وطيبة والي حصلك ده مش سهل، الجواز عمره ما كان بالغصب و مش هلوم أخوكي علي أد ماهلوم أهلك إنهم الي سمحو له بكده، يأمر وينهي ويتحكم وعايز كن فيكون، دي تربية غلط بتربي عداوة وكراهية مابين الأخوات، وبدل ما يكون الأخ مصدر الأمان والحنيه بيكون مصدر الخوف والقسوه، أنا لو كان عندي ولد عمري ما هسمح له حتي يبص لأخته بنظرة تجرحها ولا تهينها، ده النبي عليه أفضل الصلاةوالسلام.

رددت كلتيهما:
_ عليه أفضل الصلاةوالسلام.

فأردف:
_ شبه البنات بالمؤنسات الغاليات، فإزاي أقدر أأزي حاجة غالية وأجرحها!.

قالت ريهام:
_ الله عليك يا حاج ربنا يباركلك ويخليلك سهر وعاليه، هم عاملين أي؟.

رد عليها بإمتنان:
_ الله يكرمك يابنتي، الحمدلله بخير، سهر هتيجي هي وجوزها الشهر الجاي من السعودية وعالية فضلها سنه وتتخرج وهاتتجوز.

_ ربنا يتمملها علي خير ياعمي.

جاء المدعو زينهم و وضع المشروبات:
_ تؤمر بأي حاجة تاني يا حاج؟.

_ الأمر لله، روح أنت رص البضاعة الي جت الصبح لحد ما أبعت عشان تفرج الباشمهندسة علي المحل وتعرفها الدنيا ماشيه إزاي.

_ حاضر يا حاج.
ذهب الرجل، فأستدارت زينب بزاوية وقالت:
_ معلش في السؤال، كنت عايزة أعرف هاشتغل أي، يعني مچربتش البيع جبل إكده.

رد ماهر قائلاً:
_ من حقك طبعاً تعرفي، بصي يا ست البنات أنا كل الي عايزه منك تمسك لي حسابات المحل وتظبطيها علي الكمبيوتر وتسجلي الوارد والصادر والإيراد اليومي والشهري، كل ده موجود في دفاتر هتبصي عليها وأنا هافهمك كل حاجة، أنتي كل الي عليكي عشان الكمبيوتر ده تخصصك فعايزك تسجليلي عليه كل الي قولتهولك، ده غير فيه تجار من الصين وتركيا بتعامل معاهم ساعات بيبعتولي أبصر أي مش فاكر إسمه.

قالت زينب:
_ إيميل.
أشارلها بإصبعه مؤكداً علي كلمتها:
_ أيوه هو ده الإيميل، متأخذنيش يابنتي أصلي مليش في التكنولوچيا بتاعت اليومين دول، حتي الموبايل مليش غير في أبو زراير، كذا مرة بنتي تيجي تعلمني وأنا بيني وبينكو مليش خُلق للحاجات دي، كفاية عليا المحل ومشاكله.

أبتسمت زينب وقالت:
_ متجلجش يا حاچ أني بإذن الله هعلمك كل حاچة من غير ما تزهج ولا تمل.

أنتهت ريهام من إرتشاف كأس العصير وقالت:
_ يا دوب أستأذنكو بقي، عشان أحمد جاي لنا النهاردة وهاخدو نروح نختار ألوان دهانات الأوض ولما أخلص هارجع أعدي عليكو أخد زينب في طريقي.

قال ماهر:
_ سلميلي عليه كتير وقوليلو الحاج زعلان منك عشان مبقتش تيجي ولا تسأل.

_ معلش يا عمي أعذرو والله مشغول خالص عشان تجهيزات الشقة غير شغله نقلوه لمكان جديد والمدير رامي عليه حمل الشغل كله وهو عايز ينجز ويخلص قبل ميعاد الفرح.

_ ربنا معاه ويقويه و يتمملكو علي خير يابنتي.

_ يارب يا عمي، يلا سلام عليكم.
ذهبت ريهام، فنادي الحاج علي زينهم الذي رافق زينب في كل مكان بالمتجر في الطابقين ويشرح لها عملية البيع والشراء وكيفية الإستلام والفواتير وكل ذاك.
كانت تستمع له وهي تهبط الدرج حتي توقفت فجاءة عند رؤية رجل يدلف من باب المتجر ملامحه ليست غريبة، وجهه مألوف بالنسبة إليها لكنها لاتتذكره، وجدته قادم نحو يرمقها بتعجب قائلاً:
_ زينب بنت الحاچ خميس القناوي؟.
ــــــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،،ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2

_ الفايل ده يتراجع والريبورت يكون عندي بعد ساعتين.
قالها سليم وهو يدون إسمه في عدة أوراق أمامه،  أومأت له السكرتيرة: 
_ أمرك يافندم.
أخذت الملفات وكادت تغادر فأوقفها قائلاً: 
_ ياريت أي فايل هتجبيه بعد كده يتراجع قبل ما يدخل مكتبي وإلا هتبقي أنتي المسئولة أدامي.

أزدردت ريقها بتوتر وخوف،  أومأت له وقالت: 
_ حاضر ياسليم بيه.

ذهبت بخطي سريعة،  رجع بظهره إلي الخلف يمد زراعيه علي جانبيه ويأخذ شهيقاً قوياً ويخرجه في زفرة عميقة، أمسك هاتفه وكاد يتصل بصلاح،  ليجده يدلف من باب المكتب قائلاً: 
_ شكلك ماسك الفون وهتتصل بيا.

رفع حاجبيه بتعجب وقال: 
_ سبحان الله يا أخي كل ما أجي اتصل عليك أو أكون عايزك ألاقيك ظهرت أدامي.

ضحك صلاح وجلس أمام المكتب: 
_ القلوب عند بعضها يا بوص.

حدجه سليم بنظرة إستفهام فسأله: 
_ بمناسبة القلوب،  أي حكايتك مع البت الي خدتها عندك؟.

تبدلت ملامحه إلي الجدية مجيباً بإستنكار: 
_ هو عشان أنقذتها من الي كنت هتعملو فيها يبقي خلاص وقعت في غرامها!  .

أنحني إلي الأمام وضيق عينيه بمكر: 
_ أنا مقولتش كده،  بس إشمعنا دي ما ياما وقع تحت إيدي زيها وعارف هعمل فيهم أي ومكنتش بتقول حاجة.

_ عشان كانو كلهم رجالة ، ودي البنت الوحيدة الي وقعت تحت إيدك،  إما بقي لو قصدك علي البنات التانيه فدول جايين لك بمزاجهم وعارفين هتعمل معاهم أي.

رجع بظهره إلي الوراء وقال: 
_ متغيرش الموضوع يا صلاح،  وعموماً دي حياتك الشخصية وأنت حر فيها،  أنا الي ليا دلوقت تحاول تعرفلي منها صاحبتها نزلت فين في القاهرة.

أخفي صلاح توتره خشية أن يكتشف الآخر كذبته فأرتجل من وحي أفكاره: 
_ ما أنا جتلك عشان أقولك لما راجعت ملف الآنسه زينب لاقيت إنها أتخرجت من جامعة بني سويف وكانت مقيمة في المدينة الجامعية،  فكرت شويه قولت بالتأكيد زي أي بنت ليها صديقة قريبه منها ممكن تكون من القاهرة ومغتربة زيها برضو.

ضيق سليم مابين حاجبيه وهو يفكر في حديثه فقال: 
_ طيب ما تخلي حد من الرجالة يروح الكلية ويدخل شئون الطلبه ويطلب من الموظف ولا الموظفة الي هناك ملفات دفعتها ويشوف مين من الطلبات الي مقيمين في القاهرة.

ألتمعت عينيه بفكرة جالت في ذهنه للتو: 
_ طيب ليه منسألش أخوها، بالتأكيد عارف مين كانو أصحابها أو يسأل والدتها.

إبتسم سليم بسعادة وكأنه توصل إلي كنز ثمين: 
_ يا إبن الأيه ياصلاح، صدق الي سماك تعلب.

أمسك هاتفه ليجري الإتصال برافع علي الفور.
ـــــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،،، ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ خرجت من المرحاض بعد أن قامت بالإستحمام عقب إنتهاءها من أعمال المنزل، وعلي رأسها منشفة قطنية تلتف حول خصلاتها.
دخلت غرفتها فشهقت بذعر عند رؤيته يتمدد فوق التخت عاري الصدر يرتدي بنطالاً فقط ويزفر دخان سيجارته بكثافة: 
_ بسم الله الرحمن الرحيم،  چيت ميتي؟  .

رد رافع ساخراً: 
_ هو أنتي كل ماتشوفي خلجتي تتخلعي!،  شوفتي عفريت إياك؟.

جلست بجواره ومقابله: 
_ أبداً يا سيد الناس،  أني بس ما بسمعكش لما بتعاود من بره،  بكون مشغولة يا في المطبخ،  يا فوج في السطوح ويا الطيور والغسيل.

_ أومال فينهم أمي وأبوي،  من وجت ما رچعت ماسمعش صوت ليهم عاد.

جذبت المنشفة من فوق رأسها لتتدلي خصلاتها الغجرية المبتله: 
_ خالتي راحت تعزي چماعة محسب وعمي راح هو كمان.

أبتسمت بدلال وتقترب منه،  مدت أناملها إلي صدره العاري تداعب شعيراته، مردفه: 
_ يعني الدار دلوق مفيهاش غيري أني وأنت وبس.
ورمقته بنظرات جريئة تجز علي شفتها السفلي،  دفع يدها عن صدره قائلاً بأمر: 
_ جومي أعمليلي فنچان جهوة.

وبرغم ردة فعله العنيفه لها فكان عشقها له يغلب عليها ويجعلها تتحمل منه جفاه وقسوته معها،  حاولت مرة أخري،  فمدت زراعيها لتحاوط عنقه وتقترب بشفتيها نحو خاصته: 
_ هسويلك الجهوة بعدين،  بجولك الدار فاضية يا سبعي.
1

نهض جالساً وأمسك بزراعيها يبعدها عنه بقسوة،  يوبخها بحده: 
_ چري أي يا مره يا مخبله، جولتلك جومي أعمليلي جهوة، مليش نفس للي ريداه.

أبتعدت عنه ورمقته بخجل وإحراج شديد ودت لو الأرض أنشقت وأبتلعتها أهون من أن تصبح في ذاك الموقف المخجل.

أستعادت رباطة جأشها وقالت: 
_ أني مارتك ياسي رافع، ولو كنت بتدلل عليك لأنك چوزي وحبيبي وياما أتحملت قسوتك،  لكن توصل أنك تشوف حبي ليك خبل وبرمي نفسي عليك فبجولك حجك علي وما كررهاش تاني،  ولعلمك أني لما بقرب منك عشان محتاچة حنيتك وحديت كيف الي جولتهولي الليلة إياها،  الحنية الي بشحتها منك بالعافية...
غلبها البكاء قهراً من ذو القلب المتبلد نحوها، شعر بداخله الإحساس بالذنب نحوها فهو حقاً دائماً يقسو عليها وشحيح في مشاعره الذي يكنها لفاطمته فقط.

نهض ليرضيها ويكفر ولو بالقليل عن ما فعله معها وجرحه لمشاعرها، جذبها نحو صدره وضمها بحنان قائلاً : 
_ متضايقيش مني،  أعصابي تعبانه شوي،  مشاكل في المصنع،  وخايتي الي ما عارفلها طريج.

رفعت وجهها له ونظرت له بعتاب وحب: 
_ وأني كنت بحاول أهون عليك كل ده،  ببجي رايده أخدك في حضني وأنسيك كل هم شايلو فوج دماغك.

أنحني بشفتيه إلي جبهتها وطبع قبلة إعتذار: 
_ حجك علي، كل الي أني طالبه منك تتحمليني الفترة دي.

حدجته بحنانها المتدفق من عينيها: 
_ وأني مستعده أتحملك العمر كله، لكن بالله عليك بلاش تقسي عليه إكده.

أومأ لها بعينيه: 
_ ماشي.

_ هملني أسويلك فنچان الجهوة الي بتحبه.
قالتها وهمت بالإبتعاد أوقفها وسحبها نحو الفراش ليجلسها علي التخت وقال : 
_ كل الي رايده أتمدد وأحط دماغي علي حچرك.
تمدد و وضع رأسه علي فخذيها،  تنهد وأغمض عينيه، فظهرت له في مخيلته بإبتسامتها المشرقة،  تبددت صورتها عندما قاطعه رنين هاتفه،  زفر بتأفف،  قالت نوارة وتناوله الهاتف: 
_ ده سليم بيه.

تناوله منها ونهض يقول: 
_ كل ما يتصل عليا، چتتي تتلبش ببجي خايف ليكون حوصلت مصيبة.

ربتت علي يده وقالت: 
_ خير إن شاء الله.

أجاب: 
_ كيفك ياسليم بيه؟  .

_ بخير،  بقولك ماتعرفش أصحاب أو صديقة لأختك عايشه في القاهرة،  كانت معاها في الجامعه أو الشغل.

حك رأسه وهو يفكر: 
_ كل الي في الشغل عايشين في قنا،  والچامعة كنت بسمعها تتحدت علي طول في المحمول ويا واحدة إسمها...

أشارت له نوارة تسأله بصوت منخفض: 
_ جصدو علي زينب خايتك؟.

أومأ الآخر لها،  فقالت وهي تصفع جبهتها : 
_ كيف نسيت دي!  ، أيوه ليها صاحبة كانت معاها في الچامعة إسمها ريهام كنت أسمع من خالتي عنيها،  بتشكر فيها ديماً.

سألها بصوت منخفض أيضاً: 
_ متوكده إسمها ريهام؟.

_ أيوه،  وخايتك كانت بتزورها في الأچازه.

تحمحم ليتحدث: 
_ أيوه ياسليم بيه معاك،  هي كانت تعرف واحدة إسمها ريهام عايشة في القاهرة،  لكن ماعرفش عنها حاچة أكتر من إكده.

_ طيب يا رافع،  أعمل حسابك تيجي القاهرة وتكون بكره عندي، سلام.

وأغلق المكالمة، نهض رافع وقال:
_ حضرلي شنطة السفر وحطيلي فيها غيارين.

_ هتسافر إياك؟.

أجاب:
_ لازماً أسافر، ولا عايزاني أهمله يلاجيها ويسوي فيها حاچة.
2
_ ولما أنت خايف عليها منيه إكده، ليه وافجت تچوزها له؟.

حدجها بإمتعاض،يعلم أن لديها حق، فتهرب من نظراتها وقال بضيق:
_ ملكيش صالح يا نوارة، أعملي الي جولتلك عليه من غير لت كتير، أني أدري بمصلحة خايتي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،، ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 
1

_ تدلف المطبخ تحمل أطباق الطعام ويديها ترتجف من الخوف،  كادت الأطباق تسقط فلحقت بها ريهام: 
_ أي الي دخلك المطبخ،  روحي زي ماقولتلك إرتاحي وأنا هغسل الطبقين دول وهصب الشاي وجاي أقعد معاكي.

_ معلش ياريهام،  مجدراشي أتلم علي أعصابي،  خايفة للچدع بلدياتي الي شافني يروح يجول لرافع أخوي.

ربتت عليها لتبث الطمأنينة إلي قلبها قائلة: 
_ مش أنتي قولتيلي إن الحاج ماهر أول ماسمعه بيسألك إنك زينب القناوي التاني قاله إنك إسمك رشا وتبقي بنت أخته؟.

تنهدت بحيره وقالت: 
_ أيوه جاله إكده،  لكن الراچل وجف يبحلج فيا وفضل يحلف بالطلاج إني زينب،  فالحاچ الله يكرمه ويباركله جاله يخلق من الشبه أربعين.

_ يابنتي متقلقيش الحاج زمانه أقنعه،  عمي وأنا عرفاه يشاورلك علي البحر ويقولك إنه صحرا وتقتنعي فعلاً  إنه صحرا.

_ أني كل خوفي أخوي يچي للحاچ ويأذيه ولا الزفت التاني الي سليم كل ما أفتكر شكله چتتي تترعش.

ضحكت ريهام رغماً عنها فرمقتها زينب بإمتعاض،  فقالت الأخري: 
_ مش بضحك عليكي،  أصلي لما جبتي سيرة الي إسمه سليم ده أفتكرت حاجة شوفتها وأنا قاعدة علي الفيس النهاردة.

أخرجت هاتفها من جيب عباءتها القطنية وفتحت ملف الصور، كتمت ضحكاتها وهي تعطي زينب الهاتف: 
_ بصي كده.

أخذت منها الهاتف وبمجرد عينيها وقعت علي الصورة، صرخت وألقت بالهاتف عليها: 
_ يا مُري.

وقعت ريهام علي الأرض من الضحك ولم تستطع الكلام.
_ حرام عليكي خلعتي جلبي،  بجي إكده يا ريهام،  بجولك كل ما أفتكر شكله بخاف،  تجومي چيبالي صورته!.

هدأت قليلاً وقالت: 
_ متزعليش يا حبي،  أصل بصراحه لما قولتيلي كده كان عندي فضول جامد أشوف ريأكشن وشك لما تشوفي صورته، عمري ما توقعت هتصوتي وترمي الفون كأنك شوفتي بُعبع.

_ تصدجي بالله أني عندي أشوف وش أبليس أعوذ بالله منه لكن ما أشوفش وش العفش ده واصل.

ضحكت الأخري وقالت بمزاح: 
_ يا ظالمة مش للدرجدي،  ده الراجل طلع مز وقمر.

_ أمر بالستر ياختي،  ده عليه جلبة وش و نظرات عينيه لما أتحول عليا وهددني أعوذب بالله منيه،  وأني الي كنت فاكرة رافع الوحيد الي خلجته ترعب لما بيجلب.

مازالت ريهام تضحك و وجهها محتقن بالدماء،  تضع يدها علي بطنها: 
_ يابنتي كفايه أرحميني،  عندي القولون لما بضحك أو أعيط بيقوم عليا.

قاطعهما صوت صياح من غرفة شقيقها،  فركض كلتيهما،  فوجدت ريهام شقيقها يقف أمام والدتها  ويلوح بيديه: 
_ هو مفيش غيري في أم البيت ده، وكمان جاية تتهمني بحاجة معملتهاش.

قالت والدته:
_ طيب وطي صوتك بدل ما أنت عمال تفضحنا ربنا يهديك.

صرخت ريهام به: 
_ تامر،  مالك بتزعئ لماما كده ليه؟.

رمقها بغضب وأشاح بيده لها: 
_ عايزه أي أنتي كمان،  يلا خدي صاحبتك وغورو من هنا،  الواحد قاعد في حاله وكافي خيره وشره وجايين تتبلو عليه .

أندفعت ريهام نحوه فأمسكتها زينب.
_ ولاه،  لم نفسك أحسن لك وأتكلم بأسلوب عدل،  ولا أنت ماشي بمبدأ خدوهم بالصوت!  .

تدخلت زينب: 
_ مينفعش إكده يا چماعة،  زمان الحتة كلاتها سمعت حسكو العالي،  أستهدو بالله وأجعدو أتحدتو بالعقل.

أشار تامر إليها: 
_ خلي نصايحك لنفسك يا حجه ومتدخليش فالي ملكيش فيه.

تراجعت زينب بإحراج وخجل شديد،  تقدمت ريهام منه وصاحت به: 
_ أخرس يا حيوان،  أتأسفلها.

_ مبتأسفش ولو كرامتها نقحت عليها تخلي عندها دم وتمشي من هنا، 

هبطت علي وجهه بصفعة قوية،  حدجها الآخر بنظرة نارية: 
_ طب وديني لهمشي وما رجعلكو البيت تاني،  وأبقي خلي صاحبتك تنفعك.

غادر المنزل صافعاً خلفه، ذهبت زينب إلي الغرفة تاركة ريهام و والدتها بمفردهما، وقبل أن تذهب لتري صديقتها وتعتذر لها عن شقيقها سألت والدتها:
_ هو هبب أي وكنتي بتزعقيلو؟.

حدجتها بإحراج وقالت بصوت منخفض:
_ لما زينب رجعت من شغلها ودخلت تاخدلها دش وأنتي كنتي بتكلمي خطيبك في الأوضة، لاقيته جه بص عليا وأفتكرني نايمه حسيت بيه وقومت أتسحب أشوفه بيعمل أي، لاقيته واقف بيتفرج عليها وهي بتستحمي من خرم الباب.
2

شهقت و وضعت كفها علي فمها:
_ يا سافل يا قذر، عمره ما هيبطل، لسه قفشاه برضو بيبص عليها وهي بتغير هدومها، الله يحرق النت وسنينه و الأرف الي بيتفرج عليه لاحس دماغه.
1

_ربنا يهديك يابني ويبعد عنك الشيطان.

زفرت ريهام بغضب وقالت:
_ إبنك هو الشيطان نفسه، لما أروح أشوف زينب أطيب بخاطرها.

ولجت إليها فوجدتها تمسك بحقيبتها وتلملم أشيائها، أخذت منها الحقيبه وقالت بحسم:
_ أقسم بالله لو ما رجعتي عن الي بتعمليه ده ما لساني يخاطب لسانك.

ردت وهي تبكي:
_ بالله عليكي همليني أمشي، أني من وجت ما چيت أهنه وعملالكو مشاكل.

_ سيبك من كلام أخويا الأهبل ده، هو قاصدني أنا عارف أني هتضايقك عشان صاحبتي فضربلك كلمتين شبه وشه، متزعليش حقك عليا أنا.

_ هو مغلطش، عنده حق، مكنش ينفع أتدخل بيناتكو أنتو أخوات برضك.

_ عشان خاطري يا زينب أقعدي وشيلي أي حاجة من دماغك لأن إستحالة أسيبك تمشي.

_ يا ريهام أبوس يدك....

قاطعتها الأخري:
_ أبوس إيدك أنتي لو ليا خاطر عندك أنسي إنك تمشي، أنا مش هاسيبك غير لما فارس يجي ياخدك بنفسه.

وحين سمعت أسمه أجهشت بالبكاء، زفرت الأخري بسأم وجلست لتربت عليها:
_ هو أنا بجبلك سيرته عشان تعيطي!، خلاص بقي لأعيط أنا كمان، والله لو ما بطلتي عياط لأنزل أعملك صورة سليم بوستر بطول الحيطه وأعلقهالك أدام السرير.

توقفت عن البكاء فتحولت شهقاتها إلي قهقه، لطالما صديقتها تعلم كيف ترسم الضحكة علي ثغرها في عز محنتها وبكائها.

ضحكت ريهام ولكزتها:
_ أيوه كده ورينا غمازاتك يا قمر، أي هتقلبي عياط تاني، ها أنزل أعمل البوستر.

عانقتها زينب وتشبثت بيها قائلة:
_ ربنا مايحرمني منك يا صاحبتي وخايتي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،،،ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

_ أصوات صاخبة صادرة من الماكينات وأحاديث العمال الواقفين عليها، وهناك يقف عبدالحق شارداً بحزن من أجل إبنة شقيقته اليتيمة ومدي كراهية وضغينة زوجته لها، يدعو من الله أن يأتي لها زوج صالح ليسلمه إليها ويطمأن قلبه عليها وأن لا يتركها لبراثن زوجته الحاقدة.
قاطع شروده إحدي زملاءه:
_ واجف عندك ليه إكده يا عبد الحق؟.

أنتبه له وأجاب:
_ سرحت هبابة.

_ طب يلا تعالي عندنا حمولة لسه چاية والريس عمال يزعق بره وماطيجش نفسه.

_ يلا بينا، ناجصينو ده كماني.

ذهبا إلي الخارج، فحدجهما رئيسهما بغضب وقال:
_ ما لسه بدري يا بهوات، أتحايل عليكو لأچل تيچو تشتغلو ولا أي عاد!.

أجاب عبدالحق:
_ حجك علي ياريس.

أشار لهما نحو شاحنة عملاقة تحمل أطنان من خردة الحديد:
_ يلا هم منك ليه، عايز المقطورة تفضي في خلال ساعة.
1

ظل العمال يحملون الخردة علي ناقلات يدوية ويدخلوها إلي المخزن، وقف عبدالحق ينتظر دور حمولته، ويعبر من فوقه رافعه تحمل ماكينة صدأه، ويشاء القدر و أنقطع حبل الرافعه المتين لتقع الماكينه، وقبل أن تهبط علي هذا المسكين صرخ به أحدهم:
_ بعد يا عبد الحق.

أبتعد مسرعاً فوجد الماكينه وقعت مباشرة بعدما أصتدمت بقطع الحديد الضخمه الموجوده أعلي الشاحنة فسقطت إحداها ولم ينتبه أحدهم لتهبط فوق رأسه في لمح البصر.
عم المكان صيحات العمال،يحاولون إنتشاله من أسفل القطعة الحديدية لإسعافه، لم يتمكنوا من رفعها بسبب وزنها الثقيل للغاية، أستعانو بالرافعة لكن للأسف بعدما لفظ هذا المسكين  أنفاسه الأخيره، فقد تهشمت رأسه تماماً.
2

_ لا حول ولا قوةإلابالله، الله يرحمك يا عبدالحق.
رددها جميعهم، فجاء رئيسهم ذو القلب الغليظ صاح بهم:
_ يلا منك ليه علي شغلكو، وأنتو تعالو شيلو چتته ودخلوه المخزن لحد ما نبلغ الإسعاف والحكومة.

_ وفي منزل عبدالحق، كانت قمر تضع الطعام إلي الطيور والمياه، صاحت عليها زوجة خالها البغيضة:
_ كل ده بتوكلي الطيور يا هانم، يلا همي لمي الخلچات الي أتحرجت من الشمس.

زفرت قمر وردت بحنق:
_ بناتك عندك أهه مايلموها ولا يولعو فيها أني عملت الي عليا وهم كيف الهوانم جاعدين علي موبايلاتهم.

_ ليكي عين وتردي عليا يابت، نهارك أسود وهباب فوج دماغك.
قالتها نفيسة وتمسكها من زراعها بعنف، جذبت الأخري زراعها وقالت لها بتحذير:
_ بعدي يدك عني لأجطعهالك، أني كنت بعمل خاطر لخالي، لكن مش معني إكده أهملك تمدي يدك عليا فهمتي يا نفيسه.

نيران أندلعت في صدرها فكادت تنقض عليها فقاطعها دخول صغيرها عمر وهو يصرخ ويبكي ويتمتم بكلمات غير مفهومة، صاحت به والدته:
_ بتجول أي يا زفت الطين، مفهماش منك حاچة واصل.

عانقته قمر بحنان ليهدأ ويكف عن الصراخ والبكاء:
_ كفياك يا حبيبي، فيه راچل بيبكي؟.

تحدث من بين شهقاته:
_ أبوي، أبوي.

صاحت نفيسة بنفاذ صبر:
_ ما تنطج يا ولاه، ماله أبوك؟.

أجاب وهو يبكي:
_ أبوي وجع عليه الحديد ومات.

ألجمت الصدمة لسان قمر ما وجدت سوي أن تأخذ الصغير بين زراعيها، لم تصدق نفيسة ما سمعته وقالت:
_ بتجول أي ياض يا مخبل، أبوك مات كيف؟.

جاءت إبنتها تلتقط أنفاسها:
_أماه، اماه، في واحد صاحب أبوي واجف علي الباب.

_ وده عايز أي هو كمان.
ألقت وشاحها علي رأسها وذهبت إليه :
_ خير يا أبو حسين.

يقف أمامها والحزن يكسو ملامحه لايعلم كيف يخبرها:
_ چيت أخبركم إن عبدالحق تعيشي أنتي.
ـــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،،،،،ـــــــــــــــــــــــــــ 
_ ولج من باب شقته يحمل حقائب وأكياس عديدة،  جال ببصره في الأرجاء باحثاً عنها فلم يجدها،  ترك ما في يده وذهب إلي الغرفة التي توجد بها،  رأي الباب مفتوحاً تحمحم منادياً: 
_ آنسة سمية، أنتي صاحية؟.

لم يتلق أي رد مما أثار قلقه،  فأندفع إلي الداخل ليجد التخت مُرتب والمرحاض مُظلم،  خرج يبحث عنها والقلق يساوره،  حتي وجدها ممده فوق الأريكة أمام التلفاز وزراعها ملقاه في الهواء،  مهلاً إنها ترتدي المعطف القطني الخاص بالحمام وخصلاتها الغجرية متناثرة بعشوائية فوق الوسادة التي جلبتها من غرفة النوم،  أستدارت بأريحيه فوقع الدثار من فوقها،  أصبحت ساقيها عاريتين في مشهد جعله وقف محدقاً بها وكأنه يري أنثي لأول مرة،  أزدرد لعابه و فك رابطة عنقه ليتمكن من التنفس،  أغمض عينيه وقال بداخل عقله: 
_ مالك ياصلاح ماتجمد كده أول مرة تشوف واحده أدامك ولا أي!، ده أنت شوفت ستات عريانه بعدد شعر راسك.
_بس دي مش عارف، كل حاجه فيها بحس إنها غير كل الي شوفتهم،  يمكن عشان هي مختلفه عنهم!.
_ طب يا حلو لم نفسك بقي عشان هي فعلاً غيرهم،  دي ممكن تاكلك بسنانها لو بصتلها بصه كده أو كده.
أنبلجت علي محياه إبتسامة وقال بصوت لم ينتبه إنه مسموع: 
_ و ده الي شدني ليها.
1

أستيقظت ونهضت بفزع لتراه يقف أمامها مبتسماً، ضمت تلابيب المعطف وجذبت الدثار عليها،  صاحت به: 
_ واجف ليه إكده يا چدع أنت؟  .

وبعدما أنتبه إليها قال مازحاً : 
_ عيزاني أقعد،  أديني قعدت أهو.
وجلس فوق كرسي مقابل لها،  رفعت إحدي حاجبيها بتهكم قالت: 
_ بچد والله!.

نهضت وتلف الدثار عليها تغطي شعرها وجسدها بالكامل فلم يظهر منها سوي وجهها فأردفت: 
_ أجولك حاچة أني داخلة أكمل نومي في الأوضة أحسن وأضم...
لم تكملها حيث تعثرت قدميها بطرف الدثار فوقعت علي الأرض في مشهد كوميدي جعله يقهقه رغماً عنه،  وقف أمامها ليساعدها علي النهوض، فحدقته بحنق قائلة: 
_ معوزاش مساعدة،  بعرف أجوم لوحدي.

ضحك مرة أخري قائلاً: 
_ ماشي ياستي،  براحتك أنا لسه راجع علي فكره من بره وأشتريتلك كل حاجه هتحتاجيها هدوم وشوية حاجات أحسن من البورنص الي أنتي لبساه ده.

أشاحت وجهها عنه خجلاً:
_ أني لبساه لحد ما خلچاتي الي غسلتها تنشف.

سار نحو الحقائب وحملها جميعاً: 
_ أنا جبتلك خلجات أصدي هدوم أحسن منها هتعجبك،  ألبسيها أحسن ماتبردي.

وبدلاً من أن تقول كلمة شكر رمقته بإمتعاض وإندفاع قالت: 
_ جصدك خلچاتي عفشه ومش قد المجام؟.

رفع كفيه ويحاول أن يخفي ضحكة إنتابته تواً: 
_ والله ما أقصد كده خالص،  أنا أصدي أن الي جبتهم أجدد وكده شوفيهم هيعجبوكي.
تركته ودلفت إلي داخل الغرفة تبعها فكادت توبخه فقاطعها: 
_ أنا داخل أحطلك الشنط وطالع بره.

رمقته بنظرة نارية: 
_ معرفاش مش مطمنالك ليه عاد،  جلبي بيجولي ناوي لي علي الغدر.

تنهد وقال بهدوء: 
_ لو كنت عايز أغدر بيكي كنت رجعتك لسليم وهو هيعرف منك مكان زينب بطريقته إياها ولو أصدك حاجه تانيه خالص،  أحب أفهمك إن مش عيل مراهق أو شاب طايش أنا واحد عندي أربعين سنة عشت حياتي بالطول والعرض.
2

أدركت مايرمي إليها فقالت بإندفاع: 
_ وأني مليش صالح بالي بتجوله دي،  كل الي ريداه ميتي تهملني أرچع لأهلي؟.

_ لما الظروف تسمح،  ساعتها هوديكي أنا بنفسي، أسيبك أنا تجربي الحاجه وتغيري البورنص بتاعي.
قالها وحدجها بإبتسامة إستفزازية وتركها، ذهبت خلفه تغلق الباب بقوة وأوصدته من الداخل تزفر بغضب:
_ أبو برودك يا شيخ.

فتحت الحقائب لتجد العديد من الثياب الأنيقة فلديه ذوق رفيع ويفهم ما تفضله النساء، وبعد أن تفحصت بعض الحقائب، بمجرد أن فتحت الحقيبة ماقبل الأخيرة شهقت بقوة من الخجل لم ينس حتي شراء ثياب داخلية إليها وكيف علم مقاسها الخاص!،هل يعقل أن...
صفعت وجنتها من تخيل الأمر قائلة:
_ يا مُري أني إكده ما أجدرش أرفع خلجتي فيه واصل، الله يحرجك ياسليم الكلب أنت السبب في كل الي بيحصلي.
4

أمسكت بآخر حقيبه وهمت بفتحها فألقتها من شدة الخجل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،ــــــــــــــــــــــــــــــ 

_ في غرفة الزيارات الخاصة بالمخفر، يجلس العم جابر مع فارس الذي قام بمهاتفته سراً وأخبره أنه يريده في أسرع وقت، لبي الآخر طلبه وجاء ليري ما الأمر حتي قص عليه ما قيل له من هذا المحامي.
_ بتجول أي يا فارس يا ولدي، عمر ما الحاچ قاسم الله يرحمه ما وصي ولا جال إكده، و من وجت وفاة چدك وهو مقسم الميراث بالعدل حتي الأملاك الي چدك كان كاتبها له أكتر عن أخواته باعها و وزع فلوسها عليهم وكان ديماً يجول عمري ما أجبل مليم ظلم ولا حرام ولا أخسر أخواتي، علي الرغم كيف ما أنت خابر عمك وعمتك عمرهم ما حابوه ولا أتمنو له الخير واصل وخصوصاً عمك خميس الله يسامحه، ربي ولده رافع علي إكده، كان بيزرع چواه الحقد والكره لحد ما بجي شيطان في هيئة بني آدم، والحمدلله ربنا نچد زينب خايته وأبوك الي يعتبر رباها كيف مارباك علي الخير والحب.

رد فارس والحيرة تسيطر علي تفكيره المشتت:
_ أني برضك هاتچنن ياعم چابر، لحد ما چه في عقل بالي إن ممكن يكون عبد المچيد موالس ويا عمي ولا إبنه.
_ ليه لأ يا ولدي، أتوقع أي حاچة في الزمن ده، أنا عن نفسي عمري ما وثقت في عبد المچيد ده واصل ولمحت لأبوك قبل إكده وجالي كفياك سوء الظن يا چابر، الراچل زين وعمري ماشوفت منيه حاچة عفشة.

نهض فارس وبجدية بالغة قال:
_ إكده مفيش غير حل واحد، لازماً تدور لي علي محامي غيره بأي طريجة لأن لو الي في بالي طلع صوح، يبجي شكلي هجضي باجي حياتي بالسچن.

أجاب جابر ويربت عليه:
_ عين العقل يا ولدي، وأني وياك في أي حاچة والفلوس موچودة والخير كتير الحمدلله، في خلال 24 ساعة إن شاء الله هجوملك محامي قبل مايرحلوك علي النيابة

رمقه فارس بإمتنان وجزيل الشكر:
_ الله لايحرمني منك ولا من الخالة هنادي.

_ ويطمنا عليك ونفرحو ببراءتك عن جريب إن شاءالله.

ردد فارس:
_ يارب، يارب.
ونظراته نحو النافذة الحديدية حيث يولج منها نور الشمس الساطعة وشعاع الأمل الذي دب في قلبه يخبره أن لاييأس فغداً سيكون أفضل بإذن الرحمن.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،،ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 
_ يدوي صوت الشيخ واصف وهو يتلو آيات سورة ياسين من مكبرات الصوت المنتشرة أعلي أخشاب السرادق التي بداخلها يجلس رجال النجع والحزن يخيم علي وجوههم،  فكانت حادثة موت عبدالحق ليست بالأمر البسيط فكل من يعلم يحزن من أجله ويدعو له بالرحمة والمغفرة،  بينما في منزله تجمعت النساء للعزاء، وتعالت الأصوات من بكاء ونحيب وعويل لاسيما زوجته نفيسه تتوسط النسوه جالسة فوق الأريكة تردد بأسلوب مبالغ فيه: 
_ هملتني ومشيت يا عبدالحق،  هنعيش كيف من بعدك يا رچلي، بناتك وإبنك هيطلتمو من غيرك.
1

ربتت إحدي السيدات لتهدأها: 
_ وحدي الله يا أم عمر البركة في وچودك ويا عيالك وماشاء الله البنته بجو عرايس.

أكملت نحيبها وعويلها المزعج: 
_ عرايس!  ،  ماخلاص الي كان هيچوزهم  راح وهنشحت من بعده،  يالهوي،  يا خرابي.

كانت قمر تعد مع بنات خالها القهوة والشاي، تبكي في صمت علي فراق خالها سندها وما تبقي لها لكن ها هي أصبحت الآن وحيدة بدون من يحميها من ظلم زوجته.
قالت لها إبنة خالها: 
_ خدي يا قمر وزعي الفناچين دي وتعالي خودي غيرهم.

تناولت الصينية وخرجت إلي الردهة وبدأت بتقديم فناجين القهوة للنساء وكانت بدون نقاب،  أنجذبت لها الأعين فبعضهن لأول مرة يرونها،  تمتمت إحداهن للأخري: 
_ بسم الله ماشاء الله مين الصبية الي كيف البدر دي.

ردت الأخري: 
_ هتلاجيها بت خايت المرحوم،  أصلها منتقبة من وجت ما خالها چابها النچع لأچل يربيها ويا ولاده.

ظلت تحدق المرأه بها من أسفل لأعلي وتفكر في أمر ما.
مازالت نفيسة تصيح بصوتها الجهوري فتوقفت أمامها قمر لتربت عليها وتعطيها فنجان القهوة: 
_ كفياكي عويل يا مرات خالي وأدعيلو أحسن.

رفعت وجهها بنظرات آتيه من الجحيم وكأنها أستغلت هذا الموقف والظرف لتفجر ما بداخلها علي تلك المسكينة،  دفعت فنجان القهوة الساخنة فأنسكب علي يدها بل ودفعتها بغلظة لتقع علي الأرض وهي تصيح بها أمام الجميع: 
_ غوري من خلجتي يا بومة،  من يوم ما چابك حدانا والمصايب بتتحدف فوج روسنا،  خلاص أهو مات وراح الي كان ليكي،  جاعدة بتعملي أي.

رمقتها قمر بصدمة ولم تستطع الرد عليها أمام هذا الجمع من النساء،  ساعدتها إحداهن في النهوض بشفقة قائلة: 
_ لاحول ولاقوةإلا بالله، معلش يابتي أعذريها. 

وأخري كانت تقول لنفيسة: 
_ أهدي إكده يا أم عمر البت ملهاش ذنب،  ده جضاء وجدر ومكتوب عند الي خلقه.

نهضت قمر تهرب من العيون المشفقة عليها،  تمسك بيدها التي تؤلمها من الحرق لكن قلبها كان أكثر ألماً من كلمات تلك الأفعي المقيتة،  تتهمها ظلماً وإفتراء وكأنها السبب فيما حدث لخالها.
أطلقت ساقيها بدون وعي،  تركض بلا وجهه محددة،  وهناك عيون ألتقطتها وهي تركض مهرولة نحو الطريق المؤدي إلي المقابر.

ظلام الليل يسطو علي السماء و القمر يشقه من بين الغيوم لينير الدروب الحالكة، توقفت أمام إحدي الشواهد وجثت علي ركبتيها تبكي: 
_ ليه هملتيني ياماه،  مبجاش ليا حد واصل من بعدك يا غالية، خالي أهو چالك وهملني لوحدي،  دلوق بجيت يتيمة مليش غير ربنا.
1

أخذت تبكي بحرقة نابعة من داخلها ودموعها تتساقط علي الأرض كزخات المطر،  متلألأه أثر سقوط شعاع القمر عليها، ذلك الشعاع الذي ساعده علي الوصول إليها بعدما كان يبحث عنها في وسط المقابر،  حتي توقف بالقرب منها يستمع إلي كلماتها التي أخترقت صدره وقلبه بحزن،  تمني لو جذبها من يديها و يعانقها وينسيها أحزانها، ساقته قدميه بخطي وئيده نحوها،  لم يجد سوي أن يواسيها بكلمات تشرح صدرها وتخفف وجع قلبها: 
_ وربك أحن عليكي من أي مخلوق، فليه البكا والعويل عاد!  .
1

أنتبهت إلي هذا الصوت القادم من خلفها،  فحالتها المزرية جعلتها لم تستطع تميزه،  خفق قلبها خوفاً حينما أدركت وجودها في المقابر وفي ذلك الوقت والظلام الدامس يتخلله ضوء القمر الخافت،  أخذت تتمتم بأذكار التحصين وتدعو أن ما سمعته للتو مجرد هلاوس ليس إلا،  لكن هذا الظل الممتد بجوارها يؤكد لها إنها ليست بمفردها،  فجاء صوته مرة أخري: 
_ متخافيش أني چيت لأچل أطمن عليكي غير إكده وماهملكيش لحالك وسط المقابر.

أستدارت ببطأ وحين تلاقت العيون،  شهقت بذعر وتراجعت إلي الوراء،  بينما لديه الحال ليس هو علي الإطلاق، فكان متسمراً من ما رأي لذا أخفض بصره لأسفل متحاشياً التحديق في وجهها الفاتن، فهي عندما خرجت من المنزل تبكي لم تنتبه إلي عدم إرتدائها لغطاء وجهها.
1

_ شيخ بكر!  .
قالتها بتعجب وتوتر في آن واحد، تنظر لتجده يغض بصره، شهقت مرة أخري بعد إكتشافها لعدم إرتدائها غطاء الوجه،  فما بيديها سوي رفع طرف حجابها علي نصف وجهها فأصبحت كالملثمة وقالت بتوتر: 
_ أي الي چابك وراي؟.

تعجب من سؤالها بتلك النبرة التي يتخللها الإتهام،  فأجاب مدافعاً عن حاله: 
_ أني چيت وراكي لما لاجيتك بتچري علي أهنه،    وده كان من خوفي وقلقي عليكي.
أنهي كلماته الصريحة إليها وصدره يعلو ويهبط ،  وهي أستقبلت إجابته بزمردتيها المتسعة، فقالت بتهكم مقصود: 
_ و تخاف عليا بصفتك أي يا سيدنا الشيخ؟.

أبتلع ريقه بتوتر بعد أن أدرك سخريتها وهدفها من سؤالها الباغت له: 
_ لأنك بت بلدي وخوفت لحد يتعرضلك في مكان وساعة كيف دي،  تجدري تجولي من باب النخوه والمروءه.

لاتعلم لما إجابته أثارت حنقها،  فهذه ليست ما كانت تنتظره منه،  علي الرغم من حالة الحزن والهم التي بها لكنها أشد إحتياجاً لكلمة تثلج قلبها الملتاع.
_ وأني بجولك متشكرة علي شهامتك يا سيدنا الشيخ ويلا من أهنه لأحسن لو حد شافك واجف وياي في مكان وساعة كيف دي عيجول علينا كلام شين،  وأني منجصاشي.
1

تلاقي حاجبيه بإمتعاض وضيق،  كفاها تهكم منه، فأندفع بللهجة آمره وبحزم قال: 
_ وأني ما هتحركش من أهنه غير لما ترچعي داركو ودلوق حالاً.

أنتفضت من داخلها عند رؤية ملامحه الغاضبة ولهجته الحازمة إليها،  زفرت بضيق و ذهبت بدون أن تتفوه بكلمة، تبدلت ملامحه من الغضب المصتنع إلي إبتسامة مشرقة قائلاً: 
_ سمعت كلامي من غير ما تچادل،  زين جوي ياقمر.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،،،،، ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ 
_ أستيقظ من نومه علي صوت طرقات مزعجة علي باب الغرفة يتبعها صوت أنثوي رقيق يتحدث باللغة العربية : 
_ سيد رافع، أستيقظ سيد سليم ينتظرك في الحديقة .

وقبل أن يجيب جال بعينيه المكان من حوله فتذكر إنه في قصر سليم بعدما أستقبله بترحاب حار، ولم ينس إنبهاره بهذا القصر الفاخر والثراء الفاحش التي تصرخ به كل قطعة ديكورية وقطع الأثاث الفخمة ذات الصناعة الأوروبية.
_ أباه عليكي وليه ماخلاص بجي.
فتح الباب وكاد أن يوبخها لكنه صمت عندما رأي تلك الشقراء ذات الجنسية البولندية ترتدي زي أسود مكون من قميص بنصف أكمام وتنورة قصيرة إلي الركبتين، ويعلو رأسها قلنصوة بيضاء،  حدجته بإبتسامة زادتها جمالاً فوق جمالها فجعلته غر فاهه وتمتم كالأبله: 
_ يخربيت چمال أمك يا كيف لهطة القشطة يا عسل.
2

قطبت جبينها بعدم فهم قائلة بالعربية الفصحي: 
_ عفواً سيدي،  لم أفهمك.

حك ذقنه قائلاً: 
_ بتتحدتي بالنحوي إياك!.
أقترب منها للغاية حتي يكاد يلتصق بها: 
_ عجولك أنزلي جوليلو هيلبس خلچاته ونازل دلوق.
وأختطف قُبلة فوق وجنتها،  أتسعت عينيها في صمت ولم يصدر منها أي فعل مقابل بل نظرت لأسفل قائلة: 
_ هل تريد شيئاً سيد رافع؟.
1

أجاب بإبتسامة ماكرة: 
_ ما تيچي تسبحيني بيدك الي كيف الشمع الأبيض دي.

لم تفهم معني جملته لكن نظراته الجريئة جعلتها تذهب بخطي مسرعة من أمامه،  أخذ يقهقه وأغلق الباب: 
_ يالهو بالي، الواحد ما عيشوفش نسوان واصل.
ليأتي صوتها في سمعه وهي توبخه: 
_ عمرك ما تتغير عاد،  سلاح وخمره ونسوان.
ظلت آخر كلمة تتردد في عقله بصوتها،  تحولت ملامحه إلي المقت والغضب من حاله فصاح يمسك برأسه: 
_ كفاياكي بجي يا فاطمة.

عروق عنقه وجسده نافره و وجهه محتقن بالدماء،  أتجه نحو المرحاض و فتح الصنبور وأنحني برأسه أسفل الماء،  وصوت أنفاسه يعلو صوت خرير المياه محاولاً بأقصي جهده أن يتخلص من التفكير بها.

وبالأسفل في الحديقة يجلس واضعاً ساق فوق الأخري يتصفح صفحات الأخبار علي الأنترنت بالجهاز اللوحي الخاص به، ويرتشف قهوته، أقتربت منه الخادمة وأنحنت نحو أذنه لتخبره بشيئاً ما فأشار لها قائلاً بالإنجليزية:
_ أذهبِ إلي الداخل وسأتصرف.

وبعد دقائق هبط رافع يتأمل القصر من الداخل ويقول بصوت غير مسموع: 
_ يابت المحظوظه يا زينب،  هاتعيشي وياه في النعيم ده كلاته، لو كنتي چيتي شوفتي الي أني شايفه دلوق،  كنتي حبيتي علي يدي لأچل أچوزك لسليم.
خرج إلي الحديقة ليجد سليم في إنتظاره يبتسم له بتصنع: 
_ صباح الخير يا رافع.
1

جلس علي الكرسي المقابل له: 
_ صباح الورد يا باشا.

_ أخليهم يحضرولك فطار بلدي ولا إنجليزي؟.

أجاب الآخر وعينيه نحو الخادمتين اللتان تقفا بالقرب منهما: 
_ أي حاچة من يد القشطة تبجي حلوة.

ضحك سليم وقال: 
_ فينها المدام تيجي تسمعك.

_ دي لو چت وشافت الحريم الي حداك دول لهتروح تنتحر.
1

مد سليم يده إلي علبة من الفضة وفتحها ليلتقط سيجاره المفضل والذي يجلبه خصيصاً من كوبا: 
_ مش كل حاجة جمال الشكل يارافع، أهم حاجة الجوهر،  أو الروح،  طول ما روح الي أدامك مختلفة و ليها جمالها هتشدك ليها غصب عنك،  وخصوصاً لو كانت روح متمردة صعبة المراس هتجذبك أكتر وتعمل المستحيل عشان تكون صاحبتها ملكك.
1

ضيق رافع عينيه قائلاً:
_ كيف خايتي إكده؟.

ظل ينظر له في صمت وبداخله يشتعل كلما تذكر هروبها حتي لا يتزوجها إلي هذا الحد لاتريده، كم هي صعبة وعنيدة وهذا ما يثير رغباته الجامحة نحوها، يريد إمتلاكها بشدة وبأي ثمن حتي لو دفع ثروته الطائلة مقابل ذلك.

أنتبه لرنين رسالة واردة علي هاتفه، تناوله من فوق المنضدة، ليجدها مرسلة من صلاح يخبره بعنوان منزل ريهام صديقة زينب.
لاحت إبتسامة إنتصار علي محياه، مما دعا رافع يسأله:
_ خير ياسليم بيه.

أجاب الآخر بإبتسامة الذي ظفر بكنز ثمين:
_ تقدر تقول لقينا أختك.
2

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،،،ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ خلاص أنا يعتبر وصلت،  ثواني خليكي معايا.
أبعدت الهاتف عن أذنها قليلاً وقالت لسائق سيارة الأجرة: 
_ نزلني هنا ياسطا لوسمحت.
توقف فترجلت لتتابع حديثها مع صديقتها: 
_ أنا واقفة أدام القسم وخايفة أوي،  أول مرة أدخل مكان زي ده وقلقانه لو شافني جيتلو مكان شغله يضايق أكتر ويتخانق معايا.

_ لاء متخافيش،  جمدي قلبك يا ندوش،  بالعكس لو لقاكي جيت له بنفسك هيفرح إنك قدرتيه،  والأهم من ده كله لازم تحكيلو عن كل حاجة مابينك ومابين علي.

_ ربنا يسهل،  سلام بقي دلوقتي.

_ أغلقت مروة المكالمة وأستدارت له بإبتسامة خبيثة: 
_ أي رأيك؟.

بادلها نفس الإبتسامة الكريهة جالساً خلف مكتبه: 
_ كده حلو أوي أوي،  خليكي متابعة معاها لحد ما تتأكدي إنها حكت له وأتمني من كل قلبي متحكلهوش بالتفاصيل المملة.
1

ألتفتت لتجلس فوق المكتب أمامه تمسك برابطة عنقه بدلال، رمقته بتساؤل: 
_ لو أعرف أنت ناوي علي أي بالظبط.

وضع يديه علي خصرها لينزلها جالسه فوق فخذيه بجرأة فجة:
_ ما قولتلك يا مورو هاتعرفي كل حاجة في وقتها، ولا بتثقيش في اللول؟.
1

دفعت يديه من فوق خصرها ونهضت مبتعدة قليلاً:
_ آه طبعاً واثقة فيك، ده أنا بقالي معاك سنين من أيام الجامعة.
وأشاحت وجهها حتي لايري عينيها التي تجمعت بداخلها عبراتها قائلة بداخل عقلها:
_ وياريتك تقدر حبي ليك، مصمم تضيع وقتك وتنتقم منها، خدتك مني زمان وحتي بعد سنين واخده عقلك وتفكيرك مني وياعالم قلبك لسه منسهاش ولا لاء.
6

_ وبالعودة إلي ندي التي منذ أن دلفت إلي داخل المخفر وكل الأنظار تتوجه إليها بإعجاب وشهوة من قبل رجال الشرطة والمجرمين أيضاً، تقدم منها الأمين يحدجها كالجائع الذي وجد أمامه طبق طعام شهي:
_ أؤمري ياقطه.

أنتبهت له وحاولت أن لا تتوتر وأرتسمت الزهو والكبر علي ملامحها، أجابت بتعجرف:
_ ممكن توديني مكتب النقيب أكرم.

خلع قبعته ومسح علي خصلاته المجعدة قائلاً:
_ وعايزة سيادة النقيب ليه ياقمر، وإحنا قصرنا معاكي في حاجة يا جميل؟.

جزت علي أسنانها من هذا الوقح، يتحرش بها لفظياً بكل جرأه سوف تخبر زوجها لاحقاً، خلعت نظارتها الشمسية بعنجهية ورمقته بإزدراء:
_ كلامي واضح جداً يا بتاع أنت، يلا أدامي وديني مكتبه وإلا.....

قاطعها ملوحاً بيديه أمامها:
_ حيلك حيلك يا روح خالتك، عمال أتكلم معاكي بإحترام من صباحية ربنا وأنتي رافعه لي مناخيرك في السقف محسساني هيفاء وهبي الي بتكلمني، شكلك حتة بت من إياهم وأنا بقي هاشوف شغلي معاكي، يا عسكري خلف.

وقفت تستمع له واضعه كفها علي فمها من أسلوبه الفج و صوته الجهوري الذي جعل من حولهم ينتبهون إليهما.
جاء العسكري قائلاً:
_ أمرك يا أمين بدوي.

دفعها من كتفها كالحشرة:
_ خد البت دي أرميها في الحجز لحد مانشوف حكايتها أي.

وقبل أن يقترب منها الآخر صاحت بتحذير:
_ أقسم بالله الي هيقرب مني لأصوت واعملكو فضيحة في القسم كله.
ضحك الأمين ساخراً:
_ ومتنسيش تبقي تتصلي بالبوليس ولا تعمليلنا محضر.
وأطلق قهقه.

صاحت بغضب:
_ أنت متعرفش أبقي مين يا حيوان منك ليه!.

وبداخل غرفة مكتبه يحقق مع إحدي المجرمين الذي يمسك به المخبر من تلابيبه.
_ والله يا أكرم باشا معرفهوش وأول مرة أسمع عنه من حضرتك.

نهض من خلف مكتبه يزفر بنفاذ صبر،يخلع ساعة يده ويلقي بها فوق المكتب:
_ الظاهر يالاه الذوق والإحترام مش نافعين مع الأشكال العره الي زيك.

جذبه من تلابيبه وصاح بصوت مرعب:
_ ماتنطق ياروح..... وقول أنت شغال لحساب مين، بدل ما هخليهم ينزلوك أوضة التشريفة تاخد واجبك بضمير وساعتها هتفتكر كل حاجة.

رفع الشاب يديه في وضع الدفاع يبكي:
_ وربنا ياباشا ما أعرفه، أنا شغال لوحدي يا دوب علي أدي.

صفعه أكرم بغضب:
_ أنت هاتستعبط يالاه، ده إحنا قافشينك بدولاب يلبسك 15 سنة أقل حاجة يا حيلتها.

وفي نفس الوقت وصلت أصوات الصياح له من الخارج، أبتعد عن المتهم وهو يلتقط أنفاسه التي يزفرها بغضب عارم يلازمه منذ يومين.
فتح الباب وسأل العسكري الواقف بالخارج:
_ أي الزعيئ ده؟.

أجاب عليه:
_ ده الأمين بدوي بيتخانق مع واحدة بتقول عايزة تقابل حضرتك.
قطب مابين حاجبيه قائلاً:
_ واحدة!.

فقال بأمر:
_ روح لبدوي وقوله يجي لي علي المكتب ومعاه الي عايزاني دي.

_ تمام يافندم.

ولج أكرم إلي الدخل وقال بوعيد:
_ أنا هرجعك الزنزانه دلوقت وهديلك مهلة ساعة زمن عشان تفكر فيها كويس ولو لاقيت نفس الأسطوانه الي صدعتني بيها من الصبح،  أنا بنفسي الي هرحب بيك لحد ما يبان لك صاحب،  خدو يا فرج ورجعو الزنزانة  .

_ يلا ياض أدامي كتكو البلا.
قالها المخبر وهو يدفعه بعنف أمامه ويركله خلف ساقه.
لم تمر ثوان ودلف ثلاثتهم وكانت تصيح بالأمين:
_ والله لأعرفك أنا مين دلوقت، أصبر بس عليا.

رفع رماديتيه فأتسعت عندما رآها في مكتبه، ركضت عليه وأرتمت علي صدره تبكي:
_ ألحقني يا أكرم شوف البتاع الي مشغلينه عندكو ده عايز يحبسني وقبلها عمال يتحرش بيا.

حدج أكرم الأمين بنظرات نارية:
_ أي الي أنا بسمعه ده يا أمين بدوي،أنت عارف دي تبقي مين؟.
وأمسك يدها ليتقف خلفه، أدرك الأمين خطأه الفادح فنظر لأسفل بخجل وإحراج:
_ والله يا باشا ما كنت أعرف إنها تخص ساعتك، هي أول ما دخلت افتكرتها جاية تقدم بلاغ قولت أساعدها لاقيتها هبت فيا وعمال تزعئ.

صاحت ندي من خلفه:
_ كداب، ده أول ما شافني وعمال يعاكس فيا ويبص لي بصات مش محترمه ولما أديتلو علي دماغه قالي شكلك بت من إياهم.

_ أنا كن......

قاطعهما أكرم بغضب:
_ خلاص أنت وهي، أمشي دلوقتي يا أمين بدوي وحسابك معايا بعدين، عشان الي كنت بتعاكسها دي تبقي المدام.

رفع عينيه بصدمة وبدي عليه الندم الشديد:
_ أنا آسف يا فندم وربنا ما كنت أعرف، ولو عايزني أبوس إيديها....

_ أنت أتجننت!، مش كفايه الي قولته ليها، يلا أمشي من هنا.

_ أمرك يا أكرم باشا.
وذهب ينعي حظه الأسود.

سار أكرم نحو الباب وأوصده من الداخل وعاد إليها بوجه متجهم:
_ وأنتي أي الي جابك هنا؟، مش محذرك إن مش عايش أسمع صوتك ولا أشوف وشك غير لما أتصل بيكي.

حاولت أن تتماسك ولاتنهار أمامه، أمسكت بيده وبرجاء قالت:
_ أنا جيت لك لحد عندك عشان بحبك، ده غير عايزة أفهمك وأحكيلك علي كل حاجة عشان أنت فاهم غلط، بس ياريت نروح مكان تاني غير هنا.

ظل ينظر إليها وعينيها التي تخبره بصدق كلماتها، سحب يده وأطلق زفرة عميقة، أمسك ساعة يده من فوق المكتب وألقي نظرة عليها:
_ خليكي هنا ومتتحركيش لحد ما أجيلك.

أرتدي ساعته وهم بالذهاب فأقتربت منه تحدقه بإشتياق و ولع تضع كفيها علي صدره :
_ واحشني أوي يا أكرم.

تنهد وهو يزيح كفيها قائلاً بنبرة جافة خالية من المشاعر:
_ خمس دقايق وراجعلك.
3

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،،،ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ خلاص نزلني هنا يا حبيبي وروح أنت علي شغلك عشان متتأخرش.
قالتها ريهام، ف رد أحمد بإصرار: 
_ أنا قولت هوصلك لحد البيت وهطلعك كمان لحد باب شقتكو هاطمن عليكي وأسلم علي مامتك وهاتكل علي الله.

تنهدت مبتسمة له وقالت: 
_ أنا عارفه لو قعدت أتحايل عليك لسنة أدام هتنفذ الي في دماغك،  حبيبي أبو دماغ ناشفة.
1

رفع إحدي حاجبيه قائلاً: 
_ أنا فعلاً  عنيد بس في الصح والأيام أثبتتلك في مواقف كتير.

حدجته بنظرة حالمة وقالت: 
_ عشان كده كل مدي وبحبك أكتر،  ربنا مايحرمني منك أبداً.

جز علي شفته السفلي بمكر: 
_ الصبر من عندك يارب،  أنا بقول أمشيكي من أدامي أحسن بدل ما هعمل حاجة هاموت وأعملها.

إبتسمت بخجل ولكزته في كتفه: 
_ بس عيب.

_ ماشي،  ماشي،  كلها شهرين يا رورو وهتبقي في عرين الأسد،  ساعتها أبقي عايز أسمع منك كلمة عيب ونفسي تقوليها عشان هعاقبك عليها.

قطبت جبينها وحاجبيها بتعجب: 
_ عقاب؟.

قهقه من ردة فعل ملامحها التي يعشقها: 
_ أطمني ده عقاب هاتحبيه أوي أوي.
غمز بعينه مما أثار حُمرة وجنتيها المشتعلة من الخجل،  صاحت بتحذير مشيرة له بسبابتها: 
_ أحمد،  كفايه.

باغتها بعض إصبعها،  تأوهت فقال: 
_ معلش أصل لسه مفطرتش.

_ ماشي يا أحمد والله لأغفلك في يوم بس لما نتجوز وهديلك حتة عضة في ودانك الحلويين دول.

أكمل قيادة سيارته وهو يضحك: 
_ بكره هانعرف مين الي هينزل عض في التاني يا قطتي.
9

وبمجرد دخولهم بالسيارة في الشارع، ضغط أحمد علي المكابح ليتوقف ويري من هؤلاء الرجال المنتشرين في الأرجاء وسيارتين من ذوي الدفع الرباعي يسدان الشارع فلم يمر أحد،  أنقبض قلبها: 
_ يارب مايكون الي في بالي.

تساءل أحمد بقلق: 
_ تعرفيهم ولا أي؟  .

تلفتت من حولها وقالت: 
_ أمشي من هنا بسرعه وأنا هقولك.

نظر بتجهم وقال: 
_ مش هامشي من هنا غير لما أفهم،  الناس دي واقفه أدام عمارتكو بيهببو أي.

أجابت وعينيها نحو هؤلاء الحوائط كالسد المنيع:
_ عارف زينب صاحبتي الي حكتلك عليها وقاعده عندنا.

_ مش دي الي هربت من أهلها عشان أخوها عايز يجوزها لواحد غصب عنها؟  .

أومأت وأكملت: 
_ أيوه هي،  وشكل دول رجالة الراجل الي عايز يتجوزها،  بس عرفو إزاي بعنواني ولا عرفو إنها عندي.

ضغط أحمد علي قبضته عندما تخيل إنها لو كانت بمفردها الآن لأصبحت بين يدي هؤلاء،  فقال من بين أسنانه: 
_ أسمه اي الراجل ده؟.

أجابت بإقتضاب: 
_ سليم العقبي.
أتسعت عينيه كمن لدغه عقرب،  ينظر لها برعب فقالت: 
_ أي يا أحمد مالك كأني قولتلك إسم اللهم أحفظنا.

أجاب: 
_ إزاي متقوليليش حاجة زي كده،  أنتي مش مدركة الكارثة الي سيادتك فيها أنتي واخوكي ومامتك.

_ مكنش فيه مناسبه أحكيلك تفاصيل، أصدك أي من كلامك ده؟  .

سألها وفي ذهنه آلاف الأفكار: 
_ هي صاحبتك ومامتك فوق؟.

أخرجت هاتفها من حقيبتها: 
_ زينب شكلها لسه في الشغل،  وماما كانت من ساعة بتقولي راحت تزور خالتو معرفش رجعت ولا لسه،  وتامر عند صاحبه من إمبارح.

بدأ بتشغيل محرك السياره ليعود للوراء قائلاً: 
_ أتصلي عليهم التلاته وقوليلهم ميرجعوش خالص وقوليلهم يجو عندي علي الشقة أضمن.

صاحت ريهام: 
_ ألحق يا أحمد.

نظر أمامه عبر الزجاج وجد رجلين يشير له إحداهما بأن يتوقف ويده الأخري يهدده بالسلاح،  قال لها: 
_ أهدي وخليكي عاديه خالص.

قالت وهي تتلفت من حولها بخوف: 
_ أهدي أي ده أحنا في مصيبة.

طرق الرجل الضخم زجاج النافذة،  فأنزلها أحمد ليقول له الآخر بصوت غليظ: 
_ بطاقتك أنت والآنسه.

رمقه أحمد بإمتعاض وقال بإعتراض:
_ هو الأخ حكومة ولا أي بالظبط؟.

قال له الرجل الآخر بتحذير: 
_ مش شغلك،  إسمع الكلام بدل مانتصرف معاكو بطريقة مش هاتعجبك ولا مش خايف علي الي معاك!  .

حاول أحمد كتم غضبه خوفاً علي ريهام التي تتمسك بزراعه ويشعر برجفتها،  أخرج بطاقته الشخصية وأعطاها لهما  بتأفف،  قرأ بيانته وأشار نحو ريهام قائلاً: 
_ وبطاقة الآنسة ولا المدام الي جمبك.

كادت تنطق لكن أمسك أحمد بيدها كإشارة لها بأن تصمت وقال:
_ وبطاقتها عايزاها ليه؟.

أجاب الآخر بجدية وحزم:
_ يا أستاذ أحمد أنا دلوقت طلبت طلب بسيط هبص علي بطاقتها وهاسيبكو تمشو براحتكو فملهاش لازمة الشوشرة دي أحسن ليك وللي معاك.

ألتفت لها أحمد وقال:
_ متتحركيش من العربية.

هم بالنزول فأمسكت به:
_ نازل فين يا أحمد.

_ ممكن مسمعش صوتك وتعملي الي بقولك عليه.

صاحت ريهام في الرجل:
_ أنتو عايزين مننا أي مش وراكو بطاقته.

أجاب الرجل:
_ ماتقوليلو هو.

قال أحمد له محذراً إياه:
_ لو سمحت كلامك يبقي معايا أنا.
وألتفت لريهام قبل أن ينزل:
_ وأنتي قولتلك متتكلميش خالص.

ترجل أحمد من السيارة و وقف أمام هذا الجدار:
_ ممكن أفهم أي جو المافيا الي أنتو عاملينو ده، أنا علي فكرة ليا علاقاتي برضو وبمكالمة واحدة بس هخليك أنت والي مشغلك تختفو من الشارع.

صمت الرجل ولم يرد فقام بمهاتفة رب عمله:
_ أيوه ياسليم باشا، في واحد موقفه علي ناصية الشارع معاه واحدة بقوله ممكن أشوف بطاقتها نزلي من العربية وعاملي فيه شبح وبيهددني بيقولي بمكالمة واحدة هخليكو تختفو.

جاء صوت سليم الذي ينتظر في الردهة بعدما أقتحم منزل ريهام ولم يجد أحداً وبيده يمسك السوار الذي أهداه لزينب بالمشفي:
_ أسمه أي؟.

أجاب الرجل متذكراً الأسم ثلاثي:
_ أحمد عبدالمعطي سلامة.

لاحت إبتسامة علي ثغره لم تصل لعينيه فقال:
_ أديلو الموبايل.

مد يده بالهاتف إلي أحمد وقال:
_ أتفضل كلم الباشا.

زفر أحمد بتأفف، و وضع الهاتف علي أذنه:
_ نعم.

جاءه صوت سليم الذي لاينذر بخير بتاتاً:
_ أستاذ أحمد لو حابب نتكلم بالعقل من غير همجية ياريت تطلعو أنتو والآنسة ريهام، مستنيكو في الشقة.

كاد يتحدث فأغلق الآخر المكالمة ويشعر ببرودة في أطرافه، يبدو من نبرة هذا الرجل أنه يعلم هويته جيداً و علاقته بريهام، فتح باب السيارة وقال لها:
_ أنزلي هنطلع فوق.

_ هو في أي؟، حصل حاجه؟.

رد أحمد بهدوء لايريد الإنفعال:
_ يلا تعالي وهاتعرفي لما نطلع.

أذعنت له وترجلت فقام بإغلاق النوافذ وباب سيارته بجهاز التحكم، وذهبا إلي البناء.

وبعدما صعد كليهما وخلفهما الرجلين، وجدت ريهام الباب مفتوحاً علي مصرعيه وموضع المفتاح مكسور، فأنتفضت عند رؤية هذا الذي يجلس في وسط الردهة طالما رأت صوره علي مواقع التواصل الإجتماعي والأخبارية وبجواره رافع الذي علمت من هو من خلال ثيابه حيث يرتدي جلباب يعلوه عباءه وتعلو رأسه عمه بيضاء ملفوفة بإتقان.

أمسك أحمد بيدها ودلفا إلي الداخل، فقال رافع بسخرية:
_ يا مرحب بالحبايب.

تجاهله أحمد ف وجه حديثه إلي سليم:
_خير يا سليم بيه؟.

أشار نحو ريهام وأجاب:
_ أظن أنا الي المفروض أسأل وآنسة ريهام تجاوب.

ضغط أحمد علي يدها لكي لاتتفوه وقال:
_ لو سمحت سيبها هي وخلي كلامك معايا أنا.

ضحك سليم وأعتدل في جلسته:
_ طيب يا أستاذ أحمد عشان منبقاش ضيوف تقيلة عليكو، ياريت تقول لخطيبتك تقولنا صاحبتها راحت فين، ومن غير لف ودوران.

ورفع أمامها السوار، رأته ريهام بأعين متسعة كما لاحظت حقيبة صديقتها بجوار شقيقها، أبتلعت لعابها بخوف، فأزدادت رجفة يدها، أشتدت قبضة أحمد علي يدها ليدعمها بقوته التي يتظاهر بها فقال:
_ هي فعلاً جت هنا ومشيت وخطيبتي متعرفش عنها حاجة من وقتها.

قهقه رافع بسخرية وقال :
_ بص ياچدع أنت لو فاكرنا شباب فرافير تضحك عليهم بحديت ميلدش علي عيل صغير تبجي غلطان، أحنا چايين أهنه وعارفين خايتي جاعده ويا الآنسه ريهام، وأني بصفتي أخوها أشكرها جوي إنها طلعت چدعة وياها و فتحت لها بيتها، فياريت تكمل الواچب وتدلنا عليها تجنباً للمشاكل.
1

هنا أندفعت ريهام بعدما تركت يد أحمد:
_ أسمعني أنت بقي، ياريت تاخد الباشا ورجالتكو وتمشو من هنا وسيب أختك في حالها كفاية الي عملتو معاها، سجنت فارس خطيبها و....
قاطعها سليم بأعين مظلمه واقفاً:
_ آنسه ريهام، زينب تبقي خطيبتي أنا، سليم العقبي، خدي بالك.
1

تمنت إنها لم تنظر في عينيه ورأت هذا الكم من الرعب والظلام، تذكرت حديث زينب عنه وعلمت ماذا كانت تقصد وجدت أن لديها حق، فبرغم مظهره الهادئ الوسيم لكنه يخفي وراءه وحش شيطان جاء من قاع الجحيم.

تدخل أحمد قائلاً:
_ مواضيعكو دي ملناش دعوه بيها وزي ما قولت لحضرتك هي مش هنا.

وحدث ما كان ينقص هذا الموقف المشتعل كالبركان، صدح رنين هاتفها، فدعت من داخلها أن لا تكون هي المتصلة، نظر سليم إلي رافع ثم إليها وقال:
_ طلعي موبايلك و ردي.

أمسكت حقيبتها بقوة وقالت:
_ والله ده تليفوني وأنا حرة أرد ولا ما أردش.

وجه سليم كلماته هذه المرة إلي أحمد بتهديد صريح:
_ أستاذ أحمد لو بتخاف علي خطيبتك زي ما حسيت بغيرتك عليها ياريت تخليها تديني تليفونها في هدوء أحسن ليك وليها وللكل.

أدرك أحمد جدية كلمات هذا الرجل ذو الهالة المرعبة فإنه قد سمع عنه الكثير في مجال عمله بالنادي من رجال الأعمال،ويعلم إنه لو أراد شيئاً سيفعله مهما كان حتي لو أراق الدماء كما يفعل مع منافسيه في السوق، كم أستمع لحكايات عنه يشيب لها رأس الرضيع في مهده.

نظرت ريهام إلي أحمد وشعرت برضوخه ونظرات الخوف عليها من بطش هؤلاء الشياطين، ومن فرط خوفها علي زينب وأنها لاتريد أن تقع في إيديهم خاصة في إيد هذا الوحش الكاسر أمامها.
أخرجت هاتفها لتجيب:
_ خليكي عندك أوعي ترجعي أخوكي وسليم هنا.
وفي أقل من لحظة أختطف سليم الهاتف من يدها ليضعه علي أذنه وجدها تتحدث:
_ أخوي وسليم كيف يعني، فيه أي ياريهام؟.

_ ماي بيبي، وحشتيني أوي يا زوزو ، ياريت ترجعي عشان مستنيكي أنا ورافع، وياريت متتأخريش عقبال ما آنسه ريهام تعملنا حاجة نشربها.

لم تصدق ما تسمعه للتو، شعرت بدوار وكأن ما حولها يدور وهي تقف متسمره، أستعادت قواها التي تنهار ببطئ:
_ أرچوك ممكن تهملهم أنت وأخوي لحالهم وأني چاية دلوق.

تنهد سليم وقال:
_ مضطر أصدقك وهنستني لأنك لو مجتيش هيبقي فيها كلام تاني مش هيعجبك.

ألتمست تهديده الوقح والصريح بأذية صديقتها وعائلتها إذا لم تأت، فقالت برجاء:
_ لاء أني چاية، بالله عليك ما تجرب لحد فيهم هم ملهمش ذنب واصل، أني الي لچأت ليهم.

_ ماشي يا زينب، عشان خاطرك يا حبيبتي، وعشان تعرفي غلاوتك عندي.

وبعد إنتهاء المكالمة، أبتسم لريهام وأحمد ومد يده إليهما بالهاتف:
_ شوفتو بقي الموضوع بسيط إزاي، كان لينا أمانة عندكو وجينا ناخدها ونمشي، ولا أي يا أستاذ أحمد؟.

أومأ له أحمد ولم يتفوه بحرف، يريد أن تسير الأمور بدون أن يتأذي أحد، كان لايتمني عودة صديقة خطيبته لهؤلاء لكنه يخشي علي حبيبته وعائلتها، حاول التصرف بكل هدوء وحكمة.

وبعد مرور دقائق لم تتعدي العشرون دقيقة، وتوقفت سيارة اجرة بالأسفل ترجلت منها زينب والخوف يكسو ملامحها، قلبها يخفق بقوة عند رؤية كم الرجال ذو البدل السوداء التابعين لسليم، تقدم منها قائدهم المدعو فوزي:
_ آنسه زينب، حمدالله علي السلامة.
2

أبتعدت عنه وركضت إلي داخل الفناء وظلت تصعد بسرعة رهيبة لتطمأن علي صديقتها، وعندما وصلت للطابق أفسح لها الرجلين مكاناً للعبور إلي الداخل تبحث عن صديقتها فوجدت جميعهم يجلسون في الردهة، نهض سليم عند رؤيتها وبإبتسامة شيطانية يحدجها، بينما رافع نهض بغضب مندفعاً:
_ هروبتي وچرستينا يا بت ال.....
1

أوقفه سليم قائلاً بهمس:
_ مش هنا، خلينا ناخدها ونطلع علي القصر، هناك صلاح مستنينا مع المأذون نكتب الكتاب ونطلع علي النجع نطمن والدك والدتك عليها.
4

ألتفت لهم وقال:
_ طيب يا جماعة بعتذر عن الزيارة المفاجئه دي وأشكر الآنسه ريهام علي أستقبلها خطيبتي عندها الكام يوم الي فاتو.

ثم ألتفت إلي زينب  ومازال يرتسم تلك الإبتسامه المرعبة:
_ يلا يا حبيبتي عشان لسه ورانا حاجات كتير أوي مستنينا.

ومد يده إليها تركته ولجأت إلي شقيقها لتتحامي به حتي لو أراد قتلها لكن أهون بكثير من القرب من هذا الشيطان المرعب.

وقبل أن يرحلو صاحت ريهام وهي تركض عليها:
_ زينب، سامحيني.

عانقتها زينب بقوة تودعها وتربت عليها باكية:
_ ماتجوليش إكده، أني عارفه الي حوصل وكنت خابره هيحصل في أي وجت، ومكنتش هسامح نفسي واصل لو كان حصلكو أي مكروه بسببي.

_ خدي بالك من نفسك يا حبيبتي.

_ معاي ربنا أطمني وأبجي سلميلي علي ماما كتير وجوليلها تدعيلي في صلواتها.

_ عنجعدو للعويل وشغل النسواين دي لحد ميتي؟.
قالها رافع بسخرية، فأنسحبت زينب لتلقي أخر نظرة علي المكان ورحلت إلي جحيمها المنتظر.

دلف الجميع إلي داخل السيارات وكانت تتبعهم ريهام من الشرفة تبكي علي رحيل صديقتها وتعلم ما ينتظرها، أخذت تبكي، أمسك أحمد بيدها ويربت عليها بحنان لم يكن قادراً علي التحدث ماذا سيخبرها وهو أيضاً يشفق علي صديقتها.

وبداخل السيارة أنتهي سليم من مكالمة هاتفية للتو، فكانت المقاعد في الخلف مقابل بعضهما حيث يجلس سليم مقابل زينب ورافع جالساً بجوارها.
قال سليم:
_ حمدالله علي سلامتك يا عروسة.
1

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،،،ــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

_ وبعد مرور عدة ساعات من السفر إلي محافظة الفيوم وتحديداً في وادي الريان توقف أكرم بالسيارة تحت نظراتها المتعجبة،  ترجل وأشار لها قائلاً  : 
_ أنزلي.

نزلت وقالت: 
_ أنا طلبت منك أي مكان هادي نتكلم فيه مكنش لازم نسافر ونيجي هنا.

وقف أمامها واضعاً يديه في خصره و بشرته شديدة الإحمرار من وهج الشمس الحار،  يرتدي نظارة شمسية قاتمه.
تنهد وقال: 
_ المكان ده مبيفكركيش بحاجة؟.

ظنت إنه يريد إستعادة لحظاتهم الرومانسية الشاعرة،  فأجابت: 
_ طبعاً فاكرة،  كانت أول مرة تاني يوم من خطوبتنا خدتني هنا و وقفت عند الشلال زي أحمدالسقا وروحت قايلي بأعلي صوت بحبك وأنا الي كنت فكراك هتنط زيه لاقيتك شدتني من أيدي وخلتني أتزحلقت في الميه وقعدت تضحك عليا.

رفع زواية فمه وقال: 
_ هو ده كل الي فكراه وبس؟.

أقتربت منه وأمسكت بزراعه كالقطة المتشبثه بصاحبها: 
_ وفاكره لما قعدنا علي شط البحيرة وفضلنا نبص علي الطيور الي في السما.

أكمل ذكرياتهم بدلاً عنها: 
_ قولتلك وقتها يا ندي حبي ليكي مش مجرد كلام رومانسي،  ده عهد و وعد،  وعد بالإخلاص والوفاء، إن مهما حصل مابينا من زعل أو مشاكل أو بُعد عمر ما حد فينا هيخلف الوعد ده.

أختلجها إحساس بالتوتر وضعت كفيها علي وجنتيه تتلمسهما بإشتياق: 
_ وأنا علي وعدي ليك،  ما حبتش ولا هاحب غيرك أنت وبس،  أنت حبيبي وجوزي وأبو بنتي.
وبدلاً من أن يبادلها تلك المشاعر فاجئها بتحول ملامحه إلي غضب كالعاصفة التي هبت بعد هدوء ساكن،  قبض علي رسغها ودفعها فأرتطم ظهرها بسيارته،  وسألها بنبرة جعلت خلاياها ترتجف وجلاً: 
_ ولو أنتي لسه علي وعدك يا مدام ندي، أي الي بينك ومابين علي الحسيني؟.

كادت تجيب فقاطعها بحزم:
_ وعايز إجابة من غير أي كدب إلا وربي زي ما عيشتك أحلي أيام عمرك في المكان ده، هخليكي برضو تشوفيه فيه أسود أيام حياتك.

أنتفضت وحاولت أن لا تبكي حتي تستطيع أن تخبره لكن لم يكن لديها الجرأه بسرد كل شئ حدث في الماضي.
أبتلعت ريقها وقالت:
_ والله مش زي ما أنت فهمت خالص، الموضوع كان لما كنا مخطوبين تحديداً بعد وفاة والدك الله يرحمه بفترة لاقيت معاملتك ليا أتغيرت وبعدت فجاءة وعرفت من نورا أختك إنك سافرت ومش قايل علي مكانك، الوقت ده كنت في أشد إحتياجي ليك، مر أسبوع والتاني، قافل تليفونك وأستنيت حتي منك مكالمه تطمني عليك مفيش، لهيت نفسي في أنشطة ورحلات كانت تبع إتحاد الطلبة والي كان رئيس الإتحاد وقتها علي الحسيني.
2

ألتقطت أنفاسها ولاحظت نظراته المرتقبه وهو يستمع إليها، فأستطردت حديثها:
_ كنت وقتها برسم بورتريهات لشخصيات مشهورة وساهمت بيها كنشاط فني في اللجنة الثقافية، شاف رسوماتي وعجبته جه قالي أد أي إن أنا موهوبة وليه معارف في معارض كبيرة هيوصلني ليهم وهيساعدوني أن بورتريهاتي ممكن تتعرض بره في معارض فنية مشهورة، و ده كان بداية تعارفنا أو قربه مني، أنا كان تعاملي معاه مجرد أصحاب مش أكتر لحد مالاقيته واحده واحده مشاعره أتحولت ليا من صحوبيه لإعجاب، كنت بتجاهل ده وفهمته أن بعتبره زي أخويا، لاقيته فاجئني وأعترفلي بحبه.

كانت تسرد و تحك يديها معاً بتوتر، فعندما ذكرت إعتراف علي بحبه لها، وجدت أكرم يخلع نظارته و رماديتيه تحولت للأسود المظلم يتخللها ألسنة لهب مندلعة، أومأ لها يُحسها علي تكملة سردها قائلاً:
_ وأنتي رديتي عليه لما قالك بحبك؟.

تهربت من النظر في عينيه وملامحه الغاضبة، أجابت بخفوت:
_ مردتش عليه، تقدر تقول سبته متعلق، أنا معرفش ليه عملت كده، يمكن عشان حبيت الكلام الي كان بيصارحني بيه من حب وغرام ومش قادر يعيش من غيري، كلام يخلي أي بنت تعيش في حلم وردي ده غير إهتمامه بيا، لاقيته بيعملي كل حاجة بحبها وأستغربت إزاي عرف، أتاريه كان بيسأل أصحابي من ورايا.
1

تعالت أنفاسه التي وصلت لأذنيها فتوقفت عن الحديث، ضغط علي رسغها بقوة وقال بأمر:
_ كملي، سكتي ليه؟.

تأوهت وأجابت وهي تجز علي أسنانها بألم:
_ هي دي كل الحكاية، أنا بعدت عنه وأنت رجعتلي ساعتها وحددنا ميعاد الفرح وأعتذرتلي عن فترة بعدك عني بس مقولتليش السبب، حبي ليك خلاني أنسي أي حاجة المهم أني بقيت مع الإنسان الي بيحبني وبحبه.
1

جز علي فكه وقال بحثيث من بين أسنانه:
_ أصدك الإنسان المغفل، الي ما صدقتي أداكي ضهرو تقومي تلفي من وراه، مش كنت قبلها محذرك إن مفيش حاجة إسمها صحوبية ولد معاكي في الجامعة، وإن أصلاً كدين وأخلاق بغض النظر إن بغير عليكي مفيش حاجة إسمها صداقة بينك وبين أي زفت!.

هزت رأسها بالإيجاب فأردف بصياح:
_ وكلامي متسمعش وأهي النتيجة يا مدام، بس الي عايز أعرفه ليه ظهر دلوقتي فجاءه، وليه لما بقي مديرك الجديد وشوفتيه في القرية أنكرتي معرفته وكأنك شوفتيه لأول مرة؟.

أجابت بخوف:
_ عشان، عشان....

قاطعها كالبركان الثائر:
_ عشان مكنتيش عايزاني أعرف الي كان بينكو وأفضل مغفل أدام الحيوان الي عاملي فيها شهم وجدع وحجز لنا شاليه فايف ستار وأكل وشرب، أتاري كل ده لأجل عيون حبيبة القلب الي شكله عايز يرجع الوصال مابينها وبينه، وأنا الزوج الأهبل المختوم علي قفايا.

أجهشت في البكاء مما أثارت غضبه أكثر:
_ بطلي عياط وردي عليا، الي بقوله ده صح ولا لاء؟.

_ ممكن تهدي وتوطي صوتك، أنت طلبت أحكيلك بصراحه وحكت لك.

_ يعني عايزه تقنعيني إن ده كل الي حصل ما بينكو بس، مجرد كلام وصحوبيه وبعدتي عنه! 

مر في ذاكرتها كالشريط السينمائي كل اللحظات التي جمعتها بعلي من رحلات ونزه وتقارب وتلامس تجاوز بعض الحدود وآخر مقابلة بينهما كانت في منزله عندما علمت بمرضه فذهبت إليه للإطمئنان عليه ومداوته حتي أصبح بخير.

أجابت بإستنكار خوفاً:
_ أيوه محصلش أكتر من كده، ولو مش مصدقني روح أسأله.
1

_ متقلقيش أنا هاعرف كل حاجة بس مش منه، و لو أكتشفت إن الحكاية كانت غير كده خالص، متلوميش غير نفسك ساعتها.

تساءلت بتردد وخوف:
_ وأفرض جالك عشان يوقع مابينا أو حصل أي حاجة، هتطلقني؟.

لاحت علي فمه إبتسامة لم تصل لعينيه فأجابها بوعيد:
_ أنا مبطلقش يا ندي، بس هخليكي من الي هاتشوفيه مني تبوسي أيدي عشان أرمي عليكي اليمين ومش هنولهولك.

قالت من بين شهقاتها المتتابعة:
_ ليه بتقول كده وأنت متأكد وعارف بحبي ليك ومقدرش أخونك، والي حصل ده كان مجرد نزوه وراحت لحالها، حط نفسك مكاني، أنت الي لو كنت عرفت واحده تانيه وجيت لي بعدها ندمان، مش كنت هسامحك وأغفرلك!.

_ لاء يا مدام، تفرق وتفرق كتير أوي، أولاً دي مسمهاش نزوة، دي تحت بند ومسمي الخيانة، ثانياً أنتي عرفاني كويس من زمان ولو كنت عايز ألعب بديلي من وراكي، كنت عملتها ومن غير ما أحسسك بس الحمدلله أنا مش كده، ويوم ما هعملها هتكون بالحلال وبعلمك كمان وده متوقف عليكي.

رمقته بصدمة مما يشير إليه:
_ قصدك أي؟.

_ قصدي الي فهمتيه بالظبط، ولأخر مرة بسألك يا ندي فيه حاجة تانيه مخبياها؟.

أصرت علي الإستنكار خشية من تهديده الأخير لها:
_ قولتلك لاء مفيش.

_ طيب تمام أوي، بصي بقي عشان نبقي علي نور، شغلك ده تنسيه نهائي مش عشان أنا مش عايزك تشتغلي وجو سي السيد، عشان  أنا عايز أقصر الشر، تاني حاجة ولا عندي ولا عندك يعرفو أي شئ حصل وده لمصلحتك،  ثالثاً  بقي بنتك لارا كبرت وأنا راجل مقتدر والحمدلله وعايز عزوة تملي علي البيت وحياتي،  فسيادتك توقفي الوسيلة الي بتاخديها.

قالت بدون تفكير وإندفاع: 
_ بس أنا مش مستعده للحمل دلوقت.
2

رمقها بحدة قائلاً: 
_ ليه إن شاء الله؟  ،  ما خلاص مفيش شغل ومش هيبقي وراكي حاجه غير تربية بنتك،  أي المانع لا مؤاخذه أنك تحملي تاني؟  .

_ مش مستعده نفسياً.

إبتسم بسخرية من إجابتها الغير مبرره لديه، فقال:
_ معلش تعالي علي نفسك لأن ده مش إختيار، ده أمر وبرغبتك أو غصب عنك هتنفذيه.

ألتزمت الصمت، لم تريد إغضابه أكثر من ذلك، حمدت ربها بأن الأمر عبر بسلام ولو قليلاً.

_ يلا أركبي عشان نلحق نرجع قبل ما الجو يلليل علينا في الطريق.

فعلت ما أمرها به وقالت:
_ هنعدي علي ماما ناخد لارا؟.

_ لاء، خليها عند مامتك كام يوم.
وحدجها بنظرة تفهمت منها مايريد، بينما هو كان بداخله عاصفة هوجاء لم تهدأ بعد، لم يريد يوماً أن تصل الأمور بينهما إلي هذا الحد فهو يعشقها بقلبه وجوارحه، وعند علمه بأن هناك آخر يريدها له سبرت أغواره التي لم تسكن ولا تهدأ إلا بإقصاء وإبعاد هذا الآخر، وفي ذات الوقت يريد منها أن تثبت له حبها له بالفعل وعليها أن تنجب له مرة أخري سواء بالرضا أو ضد إرادتها، لاتعلم ذلك يكون إختباراً  لها.

وفي طريق عودتهم توقف لدي محطة الوقود لملأ خزان السيارة وشراء بعض المأكولات، وهي تنتظره، أجرت الإتصال علي صديقتها التي أجابت علي الفور وكأنها تنتظر إتصالها:
_ ها عملتي أي؟.
1
قالت ندي:
_ هقولك بإختصار قبل ما يرجع من السوبر ماركت بسرعة، بصي أنا قولتله بس مش كل حاجة يعني فهمته إنها صداقة بريئة وعلي فهمني غلط وبعدت عنه أول ماقالي بيحبني، بس فضل يسألني كذا مرة أني مخبية حاجة تانيه ولا لاء، أضطريت أكذب وأنكر، كفايه وجع قلب أنا ما صدقت نرجع كويسين.

_ لاء كده كويس إنك مقولتلهوش كل حاجة جوزك متهور وممكن يطلقك فيها.

_ يطلق مين أنتي غلبانه، ده بيقولي هيخلني أتمني الطلاق وقتها ومش هطولو علي الي هيعمله فيا.

_ ربنا مايجيب حاجه وحشه، أنتو فين كده دلوقت؟.

_ مروحين البيت وهاسيب لارا زي ماهي عند ماما.

أطلقت صفيراً وقالت بمكر:
_ أيوه يا سيدي، عشان يستفرد بالمزه براحته.

_ بس يا مراهقة، أي الي بتقوليه ده، هو هدفه الأساسي عايزني أخلف تاني.

_ واو، هاتجبلنا نونو بقي.

_ أنا مش مستعده خالص للحمل دلوقتي، أنا عارفه هو طلب ليه مني كده، بيختبرني بالتأكيد.

_ حاولي متعارضيهوش وأعملي الي بيقولك عليه.

رأته أنتهي من الشراء وقادم إلي السيارة، فقالت مسرعه:
_ باي أنتي دلوقتي وهكلمك بعدين.
ــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،،،،،،ــــــــــــــــــــــ

_ أغلقت مروة المكالمة التي سمعها علي الذي قال:
_ حلو أوي يا ندي، ودلوقتي جه وقت العرض.

تساءلت مروة:
_ مش ناوي تريحني وتقولي هاتعمل أي؟.

_ تعالي جمبي وأنتي هاتعرفي.
جلست بجواره وهي تراه يفتح ملفات صور تجمعه ب ندي،  فبعضها مُعدل و من يراها يظن إنها لهما في الوقت الحالي وليست منذ سنوات مثل الصور الأخري.

قالت مروة وهي تتفحص الصور: 
_ أي ده؟  ، إزاي شيلت صوري معاها وحطيت صورك؟.

رمقها بإبتسامة زهو وفخر قائلاً: 
_ دي أسرار،  و لو عرضها علي مليون فني عمر ما واحد ما هيشك أنهم متفبركين، هي فكراني كنت بخوفها لما هددتها خليها تدوق جزء من الي هعملو فيها.
ضغط إرسال عبر تطبيق الواتس آب لكن من رقم مجهول،  وأخذ يقهقه ومروة ترمقه بإمتعاض،  رغماً من إتفاقها معه علي صديقتها لكن تخشي أن تنقلب الأمور للأسوء ويعود من تعشقه إلي حبه القديم بعد تظاهره بالإنتقام.

عاد أكرم وندي إلي منزلهما،  فتح الباب ف دلفت أمامه،  قال لها بأمر و كأنها جاريته وليست زوجته: 
_ أنا داخل هاخد شاور،  أخرج ألاقيكي مظبطه نفسك ومستنياني في السرير.
وتركها متجهاً إلي غرفتهما غير آبه ل ردة فعلها المنصدمة، لاتريد قربه منها وهو في تلك الحالة من الغضب نحوها، أرادت حبه وحنانه وليست علاقة بدون مشاعر وكأنها جسد لتفريغ شهوته فقط ومن أجل إنه يريد منها الإنجاب مرة أخري.

أخرج متعلقاته من جيب بنطاله وألقاها فوق الكمود، تلقي تنبيه آخير من هاتفه بفراغ البطارية من الشحن، زفر بتأفف و ولج إلي المرحاض الملحق بالغرفة.

دخلت خلفه بخطي وئيدة تفكر فيما ينتظرها وماذا عليها أن تفعل، أنتبهت إلي تنبيه هاتفها برسالة واردة، أخرجته من حقيبتها، لتجد محتوي الرسالة كالتالي:
(حمدالله علي سلامتك أنتي وسيادة النقيب، أتمني لكو السعادة  من كل قلبي)
ومرفق بالرسالة مقطع فيديو قصير، قامت بالضغط علي علامة التشغيل ليظهر لها مقطع من داخل المرحاض الذي كان في مطعم القرية حين أقترب منها وقام بتقبيلها، شهقت عند رؤية ذلك المشهد وأسرعت بحذفه علي الفور وألقت بهاتفها علي الفراش.
9

ـــــــــــــــــــــــ،،،،،،،ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ يا مُرك يا ورد وأيامك الي ملهاش ملامح، تسوي فينا إكده!.
أخذت ترددها زوجة شقيقها، فأمسكت الأخري يدها تتوسلها:
_ وطي حسك أبوس يدك، أخوي هيسمعك.

_ ده لو شم خبر أو حس ممكن، ده أكيد هيجتلك وجبلها عيروح يجتل ولد المركوب الي سوي معاكي العمله المهببه دي.

جحظت عينيها برعب:
_ يجتلو! .
2

توقفت الأخري عن نواحها وهز جسدها تتطلع إليها بصدمة:
_ أنتي ده كل الي همك!، خايفه عليه ومخيفاش علي نفسك!.

نظرت إليها بقهر وعللت قائلة:
_ أصل، أني بحبه، و رغم كل الي عيسويه معاي عمري ما تمنت له الشر أو الموت.
2

لطمت صدرها ومن بين أسنانها تفوهت بشراسه تلكزها في كتفها:
_ أرقع بالصوت ولا أشج خلچاتي منك يا بت عمي، أنتي ماخبراشي المصيبة الي واجعه فيها يخرب بيتك!.

خشيت منها أن تخبر زوجها حتي لايطولها عقابه عندما يعلم ما أقترفته شقيقته، فأضطرت إلي الكذب:
_ ماخلاص بجي، أني كنت بحاول وياه لأخر مرة لأچل يچي يتجدم لي كيف سمعتيني إكده، جالي، جالي أروح أجابله.
1

رمقتها بشك وتهكم قالت:
_ ياسلام، متوكده إنه وافج علي الي جولتهوله؟.

أجابت بتوتر تحاول إخفاءه:
_ أيوه متوكده، أني حتي عاروح أجابله بكره لأنه بيبجي أچازه.

_ هعمل حالي مصدجاكي وخليني وراكي أنتي والمحروس لأن لو الموضوع كبر و وصل لأخوكي مليش دعوه بيكي عاد، ياما حذرتك يا ورد جولتلك خلي بالك من نفسك وأوعاكي تأمني لراچل يضحك عليكي بكلمتين، تجومي مسلمه حالك بالسهوله دي!.

حدجتها ورد بإستنكار وبدفاع ساذج قالت:
_ أني مسلمتهوش حالي غير ما جولنا كيف الي بيجولو في كتب الكتاب.
1

غرت فاهها من تلك البلهاء و ودت أن تقتلع خصلات شعرها في يدها:
_ كلمة كمان وأني الي هخلص عليكي بيدي، بصي قدامك فرصة أخيرة تروحي تجابلي ولد ال... دي وتجولي له يچي يطلب يدك في خلال يومين يا إما يجول علي نفسه يا رحمن يا رحيم لما أخوكي يعرف، فاهمة يا بت عمي؟.

أومأت لها وبداخلها تدعو بأن يهدي لها الآخر ويرضخ لطلبها و هي تعلم إصراره بالرفض المستميت، لكن لا بأس من محاولة أخيرة فالأمر لايحتمل اليأس أو التأجيل.

ـــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،،، ـــــــــــــــــــــــ

_ أخذ يصرخ بألم من جرح رأسه النازف، فدلفت شقيقته لتري ماحدث، فوجدتها متسمرة بجوار النافذة وشقيقها يجثو علي الأرض يمسك برأسه التي تذرف منها الدماء ويردد بعويل:
_ آه يا راسي يا أماه، آه يا راسي.

شهقت نفيسه وركضت لتتفحصه:
_ سوت فيك أي بت ال..... دي.

همت بالنهوض وعينيها ترمقها ب شر مستطير:
_ عايزه تموتيه يا بت ال.....
1
لم تجد قمر مفر من الهروب قبل أن تلحق بها الأخري خاصة بعدما أفتضح أمرهم لديها، قفزت من النافذة المطلة علي الشارع، صرخ عامر في شقيقته:
_ ألحجيها، هربت وعتفضحنا.

صاحت به شقيقته:
_ أني مفيش حيل أچري، جوم يا أخر همي وروح چيبها من شعرها، وإياك حد يدري بيك عاد.

_ وأخرچ كيف وأني سايح في دمي إكده!.

لكزته بنفاذ صبر:
_ جوم يا عامر وأني هچبلك بُن تدفس بيه چرحك، رچالة آخر زمن.
1

_ ظلت تركض وتركض قبل أن يلحق بهما إحدهم، لا تعلم إلي أين ستذهب و من ستحتمي به، فالطريق شاغر لايوجد أحد يسير فالكل عاد إلي بيته، توقفت بعد قطع مسافة من الركض تلهث حتي رأت المسجد علي بعد أمتار يصدر منه تلاوة آيات الله من إذاعة القرآن الكريم.

هدأت أنفاسها قليلاً، فأنتابتها قشعريرة بعدما لفحتها نسمة باردة وهنا أدركت إنها بالمنامة القطنية و بدون حجاب و غطاء وجهها، أسدلت عينيها عبره من ما يحدث معها، لما الكراهية التي تكنها زوجة خالها إليها وتريد أن تلحق بها الأذي هي وشقيقها القذر الذي تجرأ علي لمسها، لولا شكها نحو تلك الأفعي لكانت قد أرتشفت كوب اللبن التي قامت بسكبه من النافذة وتصنعت شربه لكي تكشف مخططهما، وتعلم ما ينويان عليه من إيقاعها في مصيبة واعرة.

قررت الإحتماء بداخل المسجد، فذهبت إليه قاصده مصلي السيدات وبابه يقع بعد باب مصلي الرجال، وعندما وصلت بخطي سريعة قبل أن يراها أحد زفرت بسأم، حيث كان المصلي الخاص بالسيدات مُغلقاً، شهقت بفزع عندما أتاها صوت من خلفها:
_ واجفة عندك ليه إكده يابتي؟.

أستدارت له فوقفت أمامه بخجل شديد:
_ حضرتك شيخ الچامع؟.

أجاب عليها بوقار:
_ أني شيخ واصف والمسئول أهنه عن المسچد، أي خدمات يابتي؟.
1
خفق قلبها عندما علمت بهويته، فمن لايعرف الشيخ واصف و ولده الشيخ بكر!.

لم تتمالك نفسها فأنهارت باكيه :
_ أني، أني قمر وخالي يبجي عبدالحق الله يرحمه الي مات أول إمبارح.

_ لا حول ولا قوةإلا بالله، ربنا يرحمه، وأي الي خرچك من داركو في الوجت ده؟.

أجابت من بين شهقاتها:
_ أني واقعة في عرضك يا سيدنا الشيخ.

خلع عباءته وأعطاها لها لترتديها:
_ حطي العباية عليكي دلوق، وتعالي نتحدت چوه.
دلفت إلي الداخل خلفه، وفي ركن إلقاء الدروس الدينية أشار إليها بالجلوس:
_ أتفضلي وأني سامعك.

ــــــــــــــــــــــ،،،،،،،ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ بعدما علم من طارق صديقه بأن لديهم مهمة ولم يعد أكرم إلي منزله فأتت له فكرة من قاع الجحيم، أرتدي زي عامل توصيل طلبات تابع لإحدي مطاعم الأكلات السريعة وحمل أكياس بها وجبات، توقف بسيارته بالقرب من البناء، رأي حارس العقار يجلس أمام البوابة يحتسي مشروب ساخن يتصاعد من الكوب دخانه، أستعد لتمثيل دوره بإتقان، نزل من السيارة و أتجه إلي غايته فأوقفه الحارس:
_ رايح فين يا كابتن؟ .
3

أجاب بثقة مُتقنة:
_ طالع شقة أكرم بيه، طالبين دليفري وأنا عامل التوصيل.

رمقه الحارس لثوان ثم قال:
_ طيب ثواني خليك عندك.

وبالأعلي تقف بداخل المطبخ تُعد لها فنجان من القهوة ويديها ترتجف كلما أمسكت بشئ، وقفت تنظر بشرود نحو إناء القهوة الصغير ولم تنتبه إلي فورانها إلا عندما أحدثت صوت وأنطفأ نيران الموقد، فأسرعت لإدارة المقبض وإطفاء الغاز وأمسكت بيد الإناء الساخن بدون عازل، صرخت وأبعدت يديها، فتحت صنبور المياه وضعت يدها أسفله، أنتبهت إلي رنين جهاز الأنتركم الموصل بللوح رئيسي لدي الحارس، سارت نحوه وضغطت الزر للإجابة:
_ مساء الخير يا مدام ندي هانم.

_ مساء الخير، في حاجة ياعم خضر؟.

_ في عامل دليفري تحت بيقول إنه طالع شقتكو.
تذكرت زوجها قبل ذهابه إلي عمله إنه أخبرها بإرسال لها ما يحتاجه المنزل عبر خدمة الدليفري حيث أقسم عليها بأن لا تتحرك قدميها إلي الخارج مهما حدث.
أجابت علي الحارس:
_ أه طلعو يا عمو خضر.
1

_ أي خدمة تاني يا ست ندي.

_ شكراً ياعمو خضر.
تركت الزر وذهبت ترتدي إسدال الصلاه قبل طلوع العامل، وما أن أنتهت من إرتداءه صدح رنين جرس المنزل، سارت إلي الباب متأففه من ألم الحرق:
_ أيوه، حاض.....

حركت أهدابها عدة مرات لتستوعب رؤية الواقف أمامها، فتحت شفتيها لتصرخ به لكنه سبقها بوضع كفه علي فمها ودفعها إلي الداخل وأغلق الباب خلفه بقدمه، ترك ما بيده علي الأرض:
_ ناويه تصرخي وتفضحي نفسك والجيران يبلغو سيادة النقيب ويجي يقفشني معاكي هنا! .
نظراتها كالنيران الحارقة، أبعدت يده عن فمها وصرخت به:
_ أطلع بره أحسن ما أنا الي هاتصل بيه وأقوله إنك جاي تتهجم عليا.

أخرج هاتفه بسخرية وتصنع الإتصال به:
_ لاء خلي عنك خالص، أنا الي هاتصلك بيه.

أختطفت هاتفه وصاحت:
_ عايز مني أي حرام عليك، أنا بيتي خلاص أتخرب بسببك، حياتي أتدمرت علي أيديك، أرتحت كده!.

ولم تستطع كبح دموعها فأنخرطت في البكاء وتردد:
_ منك لله، منك لله.

وبدلاً من أن تكون عبراتها تلك فرحاً له وإنتصار لما سببته له من آلام قلبه سابقاً ، لكن سيطر عليه شعور آخر بإزدراء ذاته مما يفعله بها، كاد يقترب منها ليعانقها ويربت عليها، دفعته بيديها:
_ أبعد بقي ويلا أمشي من هنا.
1

ثارت أغواره بسبب رفضه وكراهيتها له التي يراها الآن في عينيها

_ لاء، مش هابعد يا ندي.
لم يشعر بحاله وهو يجذبها بقوة من يدها بدون أن يلاحظ إصابة الحرق في كفها، صرخت بألم شديد:
_آه، أيدي.

أنتفض تاركاً يدها عندما رأي هذا الحرق، ف جن جنونه وظن أن ما فعل بها هكذا زوجها ربما بسبب الصور التي أرسلها له صباحاً.

صاح بها ممسكاً برسغها :
_ هو الي عمل فيكي كده؟.

لم تجيبه فالألم لم يحتمل وتحاول جذب رسغها من قبضته، أعتبر عدم إجابتها إثبات لسؤاله بالإيجاب، تركها وأبتعد يخلل أنامله في خصلات شعره يزفر بقوة وغضب عارم، عاد إليها يتسائل بخوف وقلق كالذي فقد عقله:
_ هو عمل فيكي أي تاني؟.
1

ملامحه الثائره جعلتها أرتعبت من داخلها فبدأت تبتعد إلي الوراء تمسك بحجابها عندما رأت عينيه مسلطة نحو شفتيها المليئة بالجروح المتفرقة وذقنها التي بها بقع قرمزية داكنة.

أبتلعت لعابها بخوف، رمقته بتحذير تشير له بسبابتها:
_ خطوة كمان والله هاص....

قاطعها بإندفاعه نحوها وجذب حجابها ليكتشف مما جال في ذهنه للتو، ليجد ما توقعه آثار عنف علي عنقها، وبحركة سريعة أنحنت تختطف حجابها من فوق الأرض أرتدته مرة أخري وهي توبخه:
_ أي مالك متنح كده! ، مش ده الي كنت عايزه يحصلي، بهدلة وتعذيب فيا!، ولا فاكر أول ما هيعرف هيطلقني بالسهولة دي! ، وأجيلك أترمي في حضنك وأقولك حقك عليا يا علي عرفت قيمتك! ، أنا خلاص تعبت ومش عايزه حاجة من الدنيا كرهت نفسي وكرهت كل حاجة والبركه فيك.

رد كالتائه في درب مظلم لايعلم إلي أين سيتجه:
_ أنا، أنا مكنتش عايزه يعمل فيكي كده، أنا كل الي أتوقعته إنه هيطلقك.
1

تبدلت ملامحه من الشراسة والغضب إلي أخري كطفل صغير يشعر بالذنب لكنه في حالة نفسية ليست سوية من نبرة صوته، مردفاً:
_ هيطلقك وترجعيلي، منكرش أن كنت ناوي أذل فيكي وأخد بتاري منك، لكن في الآخر هاخدك في حضني وأطبطب عليكي وتبقي ندي حبيبتي الي بعشق كل مافيها، هاخدك ونسافر بره ونبدأ حياه جديده، نتجوز ونخلف أولاد وبنات يملو علينا البيت، أرجع من شغلي ألاقيكي بتستقبليني في حضنك وبتقوليلي عملالك الأكل الي بتحبه يا حبيبي، أدخل أخد شاور وبعدها نتجمع أنا وأنتي وأولادنا علي سفرة الأكل، أأكلك من أيدي وتأكليني من إيديكي.
1

يتحدث وعينيه شاردة وكأنه يتخيل ما يقوله ولم ينتبه لها وهي تتسلل إلي المطبخ لتأخذ سكيناً وخبأته خلف ظهرها، أرتسمت علي ملامحها قوة مصتنعة وقامت بقطع أحلامه المنثوره هباءً:
_ كفاياك أحلام و فوء بقي، قولتهالك زمان ومن قريب، وبعيدهالك دلوقتي، أنا مبحبكش ولا عمري حبيتك، قربي منك زمان كان إحتياج وقتي وراح لحاله لكن قلبي وعقلي مع أكرم، هو حبيبي وجوزي وأبو بنتي ومهما عمل فيا برضو بحبه، فخلي عندك ذرة كرامة ورجولة ده لو فيه وأبعد عن حياتنا، روح دور لك علي واحدة تعالج الجنان الي عندك ده، أو هقولك علي حاجة أحسن روح عند دكتور نفساني يعالجك لأنك مريض، مريض ياعلي بالهوس، مهوس بأوهام وهلاوس صنعها خيالك الي عمال يصورلك حاجات عمرها ما هاتحصل.

أنقلبت ملامحه الوديعه إلي أخري مبهمة، فكلماتها أصابته في الصميم كالخنجر المتوهج من النيران وقامت بغرزه بكل قوتها للمرة الثانية في قلبه، لينفتح الجرح القديم بآخر أقوي وأعمق، جز علي فكه حتي تنافرت عروق عنقه، بدأت أنفاسه تتصاعد و تحول إلي وحش كاسر لم يردعه أي شئ.
ركل الطاولة بكل قوته من أمامه، وتقدم نحوها وعينيه تندلع منها نيران تحرق كل مايقابلها، صاحت بتحذير:
_ أقف عندك أحسن لك وأمشي من هنا.
1

لم يهتم وأستمر في سيره نحوها، ألتفتت خلفها وهي تتراجع فوجدت الحائط، أخرجت السكين من خلفها رافعه إياه بتهديد ونظرات شرسة:
_ أقسم بالله لو جيت جمبي هقتلك.

وثب كالفهد وأنقض عليها ممسكاً بيدها ودفع بجسدها نحو الأرض في محاولة إيقاع السكين من يدها، يتفوه من بين أسنانه كالليث الجريح:
_ أنا فعلاً مريض ومهوس بيكي، وعلاجي الوحيد إنك تكوني ليا يا ندي، فاهمة، أنتي بتاعتي أنا.
أخذ يضرب بيدها أرضاً لتترك السكين، فكانت تقاومه بكل قوتها، فلتت يدها الأخري من قبضته وباغتته بللكمة قوية أصابت أنفه، تأوه من الألم وأمسك بأنفه الذي بدأ ينزف، أستغلت تلك الثواني لتمسك بالسكين وقامت بتوجهيها هذه المرة نحو صدرها صارخة بهيسترية:
_ لو مبعدتش عني المرة دي هقتل نفسي.

نهض من فوقها ورفع يده بخوف عندما وجدها تضع سن السكين في صدرها، يبدو تهديدها ليس هباءً بل حقيقي، فهذا كان جلياً في عينيها التي ترمقه بعداء.

_ أنا بعدت أهو، ممكن تسيبي السكينه دي خالص.

نهضت ومازالت تضع السكين في صدرها:
_ لما تغور من هنا وما أشوفش وشك تاني، متخلنيش أكرهك أكتر من كده.

وقف مشدوهاً وكأنها قذفته برصاص:
_ بتكرهيني!.

أومأت له وقالت:
_ أيوه بكرهك، وبكره نفسي إن سمحت لواحد زيك يكلمني أو يلمسني في يوم من الأيام، وعارف لو أكرم ماسامحنيش أو حتي طلقني ورماني فالموت عندي أهون منك.
تخبط من داخله، وفي نفس ذات الوقت يخشي لو أتخذ معاها أي فعل فسوف تنفذ تهديدها، تراجع إلي الخلف يتمتم بكلمات غير مسموعه أو واضحة لها، أستعد للمغادرة وقبل أن يذهب ألتفت لها وقال بوعيد للمرة المائة:
_ وأنا مش هسيبك في حالك لأن أنا كمان موتك عندي أهون من أنك متكونيش ليا.
1

قال كلماته وغادر، أنهارت حصونها الهشه التي تصنعت بها أمامه لتظهر بقوة وصلابة مصتنعة عكس ضعفها، ألقت بالسكين وجلست علي الأرض بوضع الجثو تستند بكفيها، تنعي حالها البائس، تبكي بكل قوتها علي دمار حياتها الآيله للسقوط في أي لحظة قادمة.
5

ـــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،،،،، ـــــــــــــــــــــــــــــــ

_ تمكث في غرفتها منذ عودتها من الخارج، لاتريد رؤية أحد، كلما تتذكر ما حدث معها اليوم والخاتمة كانت برؤيته وتلقينها كلمات قاسية أقوي من الصفعة التي هبط بها علي وجنتها ومازالت تشعر بها حتي الآن تتحسسها بأناملها.
دوي هاتفها بنغمة رسالة واردة، خفق قلبها ظنت إنه سيعتذر عما فعله معها، لكن خاب ظنها حين وجدت المرسل الطبيب يحيي يسألها عن حالها هل هي بخير ؟.

_ فاطمة، بت يا فاطمة.
صوت والدتها تناديها فلم تجيب عليها، أردفت جليلة وهي تفتح باب غرفة إبنتها فوجدتها مستيقظة، تجلس بجوار النافذة وشاردة:
_ أنتي يا أخر همي، عماله أنادم عليكي وأنتي جاعد لي سرحانه!.

خبأت هاتفها أسفل الوسادة ولم تتحرك إنشاً واحداً وتوبيخ والدتها زاد عليها مما هي فيه وبدون مقدمات أجهشت في وصلة بكاء أفزعت والدتها لتحدجها بقلق:
_ مالك يابت، أني جولتلك أي خلاكي تبكي إكده؟.

أقتربت من إبنتها وأخذتها بين زراعيها، دفنت فاطمة وجهها في صدر والدتها وقالت من بين شهقات بكاءها:
_ جلبي عيوچعني جوي جوي يا أماه.

ربتت جليلة عليها بحنان:
_ بعد الشر عليكي من وچع الجلب يابتي، مالك حوصل وياكي أي؟ ، رافع أتحدت معاكي في حاچة؟.

وبمجرد ذكر إسمه زاد عويلها:
_ يابت أنطجي، جوليلي سوي أي فيكي، وأني هاروح له ولد رسمية وأنثر مركوبي فوج دماغه الحديد دي.
1

خشيت من تنفيذ وعيد والدتها له إذا علمت بما حدث، فقالت بإستنكار وكذب لتبعد ظنها عنه:
_ محصلش حاچة يا أماه.
بدأت تهدأ قليلاً فأردفت:
_ كل الحكاية إن زينب أتوحشتني ونفسي أشوفها ومعرفاشي، خايفة لأروح وأتجابل مع نوارة وتجعد تبص لي وكأني چاية أخطف منيها چوزها.

تنهدت جليلة بأريحية وقالت:
_ يعني كل العويل دي لأچل بت خالك! ، وجعتي جلبي يا مجصوفة الرقبة، أطمني هي زينة وربنا يهديلها الحال ويستر عليها لما ترچع من مشوارها الأخبر، يارب أخوها ميسويش فيها حاچة.

أنتبهت فاطمة لما تقوله والدتها، فسألتها:
_ سوت أي تاني؟.

لوت شفتيها يميناً ويساراً بنزق:
_ البت خلتنا كلتنا جاعدين و خارچة، أمها سألتها رايحة علي فين، جالت لها من غير خوف رايحة تزور فارس في القسم، ولا كأنها لساتها راچعة بعد ما هربت وسيرتها علي كل لسان في النچع وأخوها حالف عليها لو عتبت باب الدار هيجطعلها رچليها وما هيرحمها واصل.

لم تتعجب فاطمة فهي تشعر بإبنة خالها، فالقلب ليس عليه سلطان ولا قوة تستطع أن توقفه، كم أذل العشق أصحابه وضحوا بأرواحهم من أجله، وأرهق القلوب في دوامات ليست لها نهاية.

_ متظلمهاش يا أماه كلتنا خابريين هي وفارس بالنسبة لبعضهم أي عاد، الله يسامحه الي فرقهم.
أشاحت جليلة بيدها:
_ كله قدر ونصيب، حقه نسيت أجولك أنكتب كتابها علي الچدع صاحب أخوها، و شكل فرحهم جريب.
1

أتسعت حدقتيها بصدمة وشعرت بالحزن والآسي عليها:
_ ياعيني عليكي يا زينب، جليلة البخت من يومك يابت خالي.

_ يلا همي و تعالي وراي نحضر العشا، زمان أبوكي جفل الچامع ومعاود.

نهضت فاطمة خلف والدتها، تجفف آثار عبراتها حتي لايسألها أحد من أشقائها ولا إبيها، وعندما خرجت وجدت باب المنزل ينفتح وصوت والدها:
_ السلام عليكم يا أهل الدار.

وقبل أن يدلف قال لأحدهم يبدو إنه زائر:
_ أتفضلي يابتي ماتخافيش داري أمان.
ولج منادياً:
_ يا فاطمة، يا چليلة.

تقدمت فاطمة لتري من هذه التي جلبها إليهم والدها، دلفت قمر بخجل وإحراج تلتف بعباءة الشيخ واصف تخبئ كل مابها ولا يظهر منها سوي عينيها الفيروزية.

سألت جليلة زوجها وهي تنظر لقمر:
_ مين دي يا حچ؟.

وقبل أن يجيب علي سؤال زوجته رمقها بنظرة أن تتريث عليه قليلاً، و توجه بالحديث لإبنته:
_ خديها أوضتك يا فاطمة وشوفيلها خلچات وحچاب من عندك.

ألتفت إلي قمر وقال:
_ روحي وياها يابتي.

ذهبت قمر مع فاطمة إلي غرفتها وعندما دلفت كلتيهما، زفر الشيخ واصف وجلس علي أقرب مقعد يخلع عمامته، سارت جليلة بالقرب منه وجلست جواره:
_ أي الحكاية يا حچ، ومين البت دي؟.

تنهد واصف بحزن وقال:
_ دي بت غلبانة ويتيمة وملهاش حد واصل، چار الزمن عليها و وجف لها ناس كيف الشيطان والحمدلله ربنا نچدها منيهم وبعتها ليا أكسب فيها ثواب.

تستمع له في صمت ونظراتها التي علم ماهيتها:
_ في حاچة يا چليلة؟.

لوت شفتيها جانباً وأجابت:
_ و حد جالك إن دارنا فتحنها ملچأ يا حچ!، وبعدين دي مش عيلة صغيره، دي شابة يعني كنت عطتيها الي فيه النصيب وهملتها تروح علي أي مطرح.
1

حدجها واصف بسخط وقال:
_ حرام عليكي يا وليه، البت صغيره لسه مكملتش ال18سنة، وچت تتحامي فيا يرضيكي أهملها لكلاب السكك ينهشو فيها! .

زفرت بضيق وقالت:
_ تجوم چايبها وعنديك شابين علي وش چواز، واحد منيهم لو شاف قطة يچري وراها، ولا ناسي كل شوي أمشي البنته الي كانو بيچو يخدمو عندينا؟.
1

_ هملي أمر زكريا ده عليا لحد ما الأمور تهدي، وإكده ولا إكده أنتي موچودة وفاطمة كمان عاتروحو فين عاد! .

تشدقت بتهكم:
_ يا حلاوة، وكمان رايد منينا نجعد نحرسها! .

رمقها بتحذير قائلاً:
_ جليلة، أني جولت الي عندي البت دي أمانة في رجبتك، أنتي عندك بت والي عتسويه معاها سواء خير أو شر هيجعد ليكي.

نهضت جليلة محدقة إياه بإمتعاض:
_ ماشي يا حچ، لما أجوم أحضر العشا.

نظر من حول يبحث بعينيه فتسائل:
_ فينه بكر إكده؟ .
2

أجابت وهي تدلف إلي المطبخ:
_ هتلاجيه في أوضته.

نهض واصف وذهب إلي ولده، طرق الباب وقال:
_ أنت صاحي يا ولدي؟.

أتاه صوت بكر من الداخل:
_ أتفضل يا والدي.

ولج إلي الداخل فوجد ولده واقفاً بإجلال له، يمسك بإحدي كتب الدينية التي لايمل من قراءتها ليتعمق في أمور دينه ويفقهها جيداً حتي يفيد بها صغاره اللذين يحفظون لديه القرآن في المسجد.

_ أجعد يا بكر، رايد أتحدت وياك في موضوع إكده محدش هيعرفه غيرك.

جلس واصف وتبعه بكر يرمقه بإهتمام، لايعلم لما يخفق قلبه للتو يبدو أن هذا الأمر هام وربما يكن متعلق به :
_ وأني تحت أمرك يا أبوي.
ــــــــــــــــــــــــ،،،،،،،،ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ أستهدي بالله يا سي رافع وهملها دلوق، كفايانا فضايح عاد.
صاحت بها نوارة وهي تمسك في زراعه لتمنعه عن الإمساك بشقيقته وإلحاق الأذي بها

ردت زينب من غرفتها فوالدتها تقف علي الباب لحمايتها من بطش إيدي شقيقها:
_ همليه يا نوارة، خليه يوريني كيف هيجرب مني إكده!.

صاح رافع بصوته الغليظ:
_ وليكي عين تردي يا فاچرة، أني لو جبصتك في يدي ما هخلي فيكي عضمه سليمه، الي حايشني عنك چوزك الي زمانه عرف بالي سوتيه أبجي أستلجي وعدك منيه، خابره لو جطعك حتت ورماكي للديابه ما هحوشه عنك واصل.
1

صرخت بإستنكار:
_ ماتجولش چوزي، و حرج الي چابوه مطرح ماهو جاعد، ربنا ياخدك أنت وهو في ساعة واحدة ويريح البشرية من شركو.
2

لكزتها والدتها:
_ ما تنكتمي بجي يا بت ال....، ولا عايزاه يجطع چتتك وترچعي تولولي كيف كل مرة.

قال رافع والشر يتطاير من عينيه:
_ خليها ياماه تجول الي ريداه، تبجي توريني كيف هتنطج مع سليم وهو بيشرح چتتها و.....
1

كاد يفصح عن ما ينوي عليه سليم لفارس لكنه ألجم لسانه
صاحت زينب بإعتراض بلا خوف:
_ لو راچل يبجي جرب مني والله لأوديكو في داهية، بلاغ صغير وهخليهم يريحوني منيه.

قهقه رافع بسخرية فقال:
_ عقلي بتك يا أماه وفهميها هي متچوزة مين، ولا أجولك خليها تعرف بنفسها لما تجف قدامه تتحداه كيف ما تسوي دلوق.

ردت بتهكم رغماً من الرعب الذي دب بداخلها، فهي توقن جيداً بأن مايقوله شقيقها ليس هراء بل هذا جزء صغير من حقيقة سليم وما خفايا كان أعظم:
_ خوفت أني إياك! ، مابخافش غير من الي خلقني، الباجي والدور علي الي بيعملو حساب ليه وبيخافو منيه كيف الولايا.

زمجر رافع وهم بالهجوم عليها عندما نعتته بالضعف والجبن مثل النساء، فصدته نوارة بتوسل ورجاء:
_ أحب علي يدك تعالي معاي ندخلو أوضتنا، وأنتي يا زينب كفاياكي بجي تردي علي أخوكي تعبتوني معاكو وجلبي واچعني، الله يسامحكو.
1

دفعتها والدتها إلي داخل غرفتها:
_ وأنتي كمان أقصري الشر و همي چوه ومتطلعيش بره أوضتك طول ماهو موچود.

دلفت وهي تزفر بغضب وبداخلها تسب هذا السليم بكل اللعنات.

وبداخل غرفة رافع ونوارة بعدما أغلقت الأخري الباب، جلست جوار زوجها وتربت علي صدره قائلة:
_ معلش يا أخوي، ما أنت خابر خايتك زين، دي غلبانه وجلبها كيف الحليب، إلا جولي مين الي خابرك إنها راحت القسم لواد عمك؟.

أخرج سيجارة وأشعلها بالقداحة فوضعها بفمه وزفر دخاناً كثيفاً:
_ كنت معاود من مشوار إكده وجعدت علي الجهوة ويا الواد دبيكي نشربو حچرين معسل، أسمع شوية عيال فرافير علي التربيزة الي چارنا چايبين في سيرتها وإنها كانت هربانة بعد ما سوت عمله مهببه، و واحد رد عليه جاله إنه لسه شايفها خارچة من القسم وربنا يستر علي ولايانا، الدم فار في عروجي، جومت دشملت الكراسي فوج روسهم وچيت علي أهنه.
1

لطمت علي صدرها وقالت بخوف وقلق عليها:
_ أوعاك تكون بلغت سليم بيه بالي حوصل!.

إبتسم بتهكم وأجاب:
_ أنتي غلبانه يا نوارة، رچالته مرشجين في كل مكان بالنچع، ده لو دبانه طارت بيبجي عنده خبر مكان ما هتدلي، فكرك ما هيعرفش بالي هببته خايتي!.

شهقت وعينيها تتسع بخوف:
_ يا مُرك يا زينب، ياتري ناوي لك علي أي!.

زفر دخان سيجارته وينظر نحو الفراغ ويقول بداخل عقله:
_ ناوي يحرج جلبها علي حبيب الجلب، يلا هي الي سوت فيه إكده، خليها تشرب.
1

ــــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،،ـــــــــــــــــــــــــــــ
_ في وقت الفجر يعم السكون ويقاطعه أصوات الطبيعة كحفيف أوراق الشجر و بعض الحيوانات والحشرات كالضفادع وصرصور الليل، وهناك عيون يغلبها النوم وأخري يجافيها والسهاد رفيق لياليها.
بصيص من نور مصباح العمود الكهربائي المزروع أمام نافذة الزنزانة يتسلل إلي داخلها، ينعكس علي تلك العيون الرمادية، يشغل ذهن صاحبها أمر يجهله، كاد يُجن كلما تذكر رؤيتها في زيارتها له وماذا كانت تقصد بأن يسامحها!، ود لو يحطم ذلك الجدار بكل قوته ويخرج ليكتشف ما يحدث في الخارج، وما يخبأه له القدر من إبتلاءات أخري.

بينما هو شارداً، هناك عيون تراقبه عن كثب تنوي له علي الغدر القاتل، تنتظر أن ينهض ليحتك صاحبها به وتكون بداية الشرارة.
وبالفعل عندما دوي آذان الفجر بصوت الشيخ واصف العذب، نهض فارس ليستعد للصلاة بالوضوء، وقبل أن يتوضأ ربت علي صاحبه منصور ليوقظه:
_ منصور، يا منصور.
أصدر الآخر همهمات يغلبها النعاس، أردف:
_ يلا جوم الفچر بيأذن.

أستدار منصور علي فرشته البالية الممدة علي الأرض الباردة:
_ روح أنت يا فارس وشوي إكده وهحصلك.

زفر فارس بسأم وقال:
_ أني خابرك ياصاحبي هتكسل تجوم ويفوتك الفچر حاضر.

نهض منصور بجذعه متأففاً وقال:
_ أديني جومت أهه، يلا خلص أتوضا وأني بعديك.

_ ماشي لما نشوف.
سار متجهاً نحو بيت الخلاء المحاوط وعبارة عن مكان صغير لقضاء الحاجة يتسع لشخص واحد بصعوبة يُحاط بستار داكن، وقبل أن يدلف أوقفه هذا الشخص المريب والذي دلف إلي السجن منذ يومين، يمد يده ويمنعه من الدخول قائلاً:
_ رايح علي فين يا شبح؟.

ومن لهجته أدرك فارس بأنه غريب عن هنا وسري بداخله شعور بأن هناك خطب ما ويجب أن يتخذ حذره، أبتعد فارس خطوتين إلي الوراء وقال:
_ عايز أي يا چدع أنت؟.

وضع الشاب يده خلف ظهره وألتقط شيئاً من خلف طيات ثيابه، إنها مُدية قام بإشهارها نحو نحره وقال بتهديد صريح:
_ عايز رقبتك الحلوة دي يا قمور.

حدجه فارس بقوة وبحده مباغتاً إياه بالقبض علي رسغه:
_ بعد عن طريجي أحسن لك، واضح إنك غريب عن النچع ولو الي حواليك دول صحيو وسمعو الي عتجوله هيجرجشوك بأسنانهم.

إبتسم الشاب بشرٍ وقال بسخريه:
_ بتتحامي فيهم يعني، طيب يا حليتها وريني هيعملولك أي وأنا بقطعك دلوقت.
وفاجاؤه بللكمة قويه، تفادها فارس بأعجوبة وأنحني أسفل زراع الآخر وقام بجذب ساعده ليثنيه، لكنه تلقي ركلة في ساقه من الشاب جعلته وقع علي الأرض، أستغل وقوعه فرفع المُدية لأعلي ليهبط بها عنقه قاصداً ذبحه، أوقفه منصور الذي نهض للتو يمسك بساعده ليمنعه حتي يتمكن فارس من النهوض.
بدأ يشتد العراك بينهما و فارس يدافع عن منصور والآخر يفعل المثل، تلقي منصور لكمة قويه فأختل توازنه أستدار له فارس ليطمأن عليه فأستغل الشاب بأنه يعطي له ظهره وكاد يطعنه لكن منصور قام بدفع فارس من أمامه وكانت اللحظه الغادرة، تلقي هو الطعنه القاتلة بدلاً من فارس أستقرت في صدره، صاح فارس بأعلي صوته:
_ منصور.
2

ــــــــــــــــــــــــ،،،،،،،،ــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ يلا يا ولاد الفطور چاهز.
قالتها جليلة، نهضت فاطمة من الفراش ونظرت نحو تلك النائمة فوق الأريكة بشفقة بعدما قصت عليها حكايتها المأساوية ، وبرغم تحايلها عليها بأن تنام بجوارها لكن قمر أصرت النوم علي الأريكة فكانت يعتريها الإحساس بالخجل والحرج الشديد وإنها ضيفة غير مرغوب بها بعد أن وصل إلي سمعها بعض من حوار جليلة مع زوجها عنها.

تثائبت فاطمة وتقدمت نحوها لتوقظها:
_ قمر، أصحي يا قمر، أمي عتنادم علينا.

نهضت بفزع تنظر بخوف من حولها، أردفت فاطمة لتطمأنها:
_ ماتخافيش دي أني الي بصحيكي.

تساءلت وهي تتذكر أحداث أمس:
_ أني فين إكده؟.

_ أنتي في دارنا، دار الشيخ واصف أبوي.

نهضت وأعتدلت قائلة:
_ أيوه صح أفتكرت، معلش بجي يا آنسه فاطمة تجلت عليكي عاد.

أبتسمت لها فاطمة وقالت:
_ متجوليش إكده، أعتبريني كيف خايتك، أني معنديش أخوات بنات، مليش غير زكريا وبكر.

وحين ذكرت إسم الآخر خفق قلبها وكاد يقتلع ضلوعها، فكانت بالأمس لم تنتبه بأنها في دار عائلته بقدر إنشغالها في مصيبتها، بادلتها البسمة وقالت:
_ الله يخليكي، وميحرمكيش منيهم.

قامت فاطمة بفتح النافذة لدخول أشعة الشمس وتهوية الغرفة:
_ يلا جومي أغسلي وشك وتعالي نفطرو، زمان أمي حضرت لنا فطور هتاكلي صوابعك وراه.

نظرت لأسفل بخجل:
_ معلش روحي أفطري معاهم، أني مينفعش أخرچ من أهنه.

رمقتها فاطمة بتعجب فسألتها:
_ ليه عتجولي إكده؟.

أجابت ببراءتها الغير مصتنعة:
_ أصل أني منتقبة كيف ما خابرتك ليلة إمبارح.

تركتها فاطمة قائلة:
_ ثواني.
وأتجهت إلي خزانتها وأخذت تبحث عن شيئ ما حتي وجدت ضالتها، أغلقت الخزانه وعادت إليها:
_ أتفضل يا چميل، نقاب وصاية.
رمقت مابين يديها بعدم تصديق والبسمة تعتلي ثغرها، فسألتها:
_ أنتي كمان منتقبة؟.

أومأت لها بالنفي وقليل من الحزن علي ملامحها:
_ أدعيلي بأن ربنا يهديني وألبسه، أني كنت وخداه من بكر أخوي لما چاب بضاعه، أصله بيتاچر في الخمارات والنقاب وچلاليب البيضا وسبح وسچاچيد صلاه، لاجيت عنديه النقاب الحلو دي عاچبني وعطهولي، جالي بإذن الله هيكون حلو عليكي، ومن وجتها وأني ركنها في الدولاب، وأهه چه له وجت منفعه، طلع من حضك ونصيبك.
1

تناولته من يديها تنظر له بإنبهار:
_ شكراً جوي جوي يا فاطمة، معرفاش أجولك أي بچد، فعلاً شكله حلو جوي.

ربتت فاطمة عليها:
_ وهيبجي أحلي عليكي، جومي يلا ألبسيه وحصليني.

تناولت منشفة قطنية الخاصة بها وألقتها فوق كتفها وخرجت، وجدت عائلتها يجتمعون حول مائدة الإفطار ماعدا زكريا :
_ صباح الخير.

بادلوها التحية، فتساءل إبيها:
_ أومال فين قمر يابتي؟.

وكان نفس السؤال يتساءله بكر بينه وبين نفسه، وعينيه تختلس بعض النظرات نحو غرفة شقيقته، يريد أن يطمأن عليها بشده لاسيما بعد علمه بكل شئ عنها وما حدث معها بعد ما أخبره والده وأوصاه عليها، لكن ألقي عليه جملة زلزلت كيانه حيث قال والده بأن يضعها بداخل عينيه مثل شقيقته فاطمة، كيف يراها شقيقته وكلما سمع إسمها قلبه يخفق ويتراقص رغماً عنه.
2

أجابت فاطمة علي أبيها:
_ عتلبس نقابها وخارچة ورايا.

نظرت جليله بتهكم دون أن تعقب بكلمة خشية من لوم زوجها لها، فقالت:
_ أومال فين أخوك يا بكر؟.

أجاب بصوته الهادئ العذب:
_ خرچ من إمبارح وما رچعش، هتلاجيه بايت في المصنع أو عند چماعه أصحابه.

عقبت بسخريه:
_ أو تلاجيه ويا واحده من إياهم.

رفع بكر كتفيه قائلاً:
_ الله أعلم، إن بعد الظن إثم يا أمي، وأدعيلو بالهداية.

_ ربنا يهدي البيت كله يا ولدي، ويكفينا شر المستخبي.

_ صباح الخير.
صوت رقيق تتراقص له القلوب عند سماعه، يخشي أن يستدير نحوه ويرتكب ذنب النظر إليها، ردد التحية مع والديه، فقال واصف:
_ يلا يابتي الواكل هيبرد، خالتك أم زكريا عليها صحن فول بالطماطم حكايه.

لاحظت جليلة تخضن وجنتي بكر بالدماء، فسري الشك في قلبها بأن هناك خطب ما، فقالت:
_ خليها علي راحتها يا حاچ وأني هچهزلهم الفطور في صينيه وياخدوه چوه، كيف ما أنت شايف لابسه نقاب وماتعرفش تاخد حريتها قدامنا.

وجد زوجته علي صواب، فقال:
_ الي تشوفيه يا أم زكريا.

وبعد إنتهاء الجميع من تناول الفطور، خرجت قمر من غرفة فاطمة تحمل صينية الطعام لتضعها في المطبخ، رأت البخار يتصاعد من براد الشاي، فأوصدت الموقد وقامت بسكب الشاي في الأكواب، حملت الصينية، وفي طريقها للخروج كادت تصتدم به وتقاذف القليل من الشاي علي جلبابه، أمسك منها الصينيه قبل أن تنزلق من يديها، صاحت بإعتذار :
_ أني أني آسفة ماكنت أجصد واصل.

رد بدون أن يحملق في عينيها:
_ أهدي مفيش حاچة حصلت لكل الخوف والجلج دي.

ردت بعفوية:
_ خلاص روح أجلع الچلابيه وناولهالي أغسلهالك جبل ما بجعة الشاي تلزج فيها ومتطلعش بسهولة.

إبتسم رغماً عنه من عفويتها وإهتمامها الجلي به وبدون أن يشعر بما يقوله:
_ فداكي مليون چلابية.

غرت فاهها تدرك ما قاله، وحين أنتبه لما تفوه به، أنطلق كالريح من أمامها.
ما زالت تقف مذبهلة تعيد كلماته مراراً وتكراراً في عقلها، أنبلجت فرحة عارمة علي ملامحها وثغرها الباسم من أسفل غطاء وجهها، قاطع إبتسامتها دلوف فاطمة التي قالت:
_ ما تضحكينا وياكي إكده.

_ كيف عرفتي أني كنت بضحك؟.

ضيقت عينيها بمكر، فهي قبل أن تدلف رأت شقيقها يسرع خطواته و وجهه شديد الإحمرار، يبدو أن هناك قصة حب وليدة اليوم وربما منذ أيام.
_ تجدري تجولي إنها إبتسامة مش ضحكة ودي بتبان في العيون أكتر.

فرت قمر من نظرات فاطمة وأسرعت إلي الغرفة، فهي عندما ترتبك هكذا لا تستطيع التحدث.

ولنذهب إلي منزل الجحيم التي هربت منه بأعجوبة، كان يتمتم عامر مع نفسه حتي أنتبه لشقيقته وهي تعطيه كوب الشاي:
_ يا خيبتك القوية يا نفيسه في أخوكي.

حدجها بإمتعاض وقال:
_ كنتي عايزاني أسوي أي أكتر من إكده، أني لافيت النچع كله شبر شبر ملجتهاش، فص ملح وداب.

_ ما دورتش في الدور المهچورة نواحي الترب؟.
1

أرتشف من الكوب القليل وأجاب بتوتر:
_ أيوه دورت في كل دار فيهم.

رمقته بعدم تصديق:
_ متوكد، أصلي خابراك زين، بتترعب من ضلك، كيف بجي دورت چوه دور مليانه باللهم أحفظنا!.
نهض وترك لها الكوب فارغاً:
_ ما خلاص بجي يا نفيسه، جولتلك دورت وملجتهاش، يمكن حد خطفها ولا ندهتها النداهة وغرجت في الترعة.

نظرت بغل وحقد قائلة:
_ يسمع من خشمك آمين، لكن الي كيف الحربايه دي هي الي تخطف بلد وتخلي النداهة ترمي نفسها في الترعة، ياما شوفت علي يدها من خالها الله يسامحه مطرح ما راح.

وفي إحدي الأركان كان يختبأ الصغير ويبكي بدون صوت عندما علم بهروب قمر والسبب والدته وخاله حلفاء أبليس اللعين، فكر قليلاً حتي أتت في ذهنه فكرة ستكون الملجأ الوحيد للوصول إليها، قائلاً بصوت لايسمعه سواه:
_ هو مفيش غيره الشيخ بكر هو الي هيساعدني ألاجيها وبالمرة أخابره بالي سمعته لأچل ينقذها من أمي وخالي ، الله عليك يا عمر يا أبو الأفكار.
تنهد وأردف داعياً ربه:
_ يارب ياقمر تكوني زينة وبخير لحد ما نعتر عليكي.
2

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،، ـــــــــــــــــــــــــــــ
_ أستيقظ من نومه علي رائحة طعام شهية تضورت لها معدته من الجوع، فنهض مسرعاً يتبع مصدر تلك الرائحة حتي وصل إلي المطبخ، توقف عند رؤيتها تغني بصوت جميل ورائع، تُعد الطعام وتتناول ملعقة تتذوق ما قامت بطهيه بتلذذ، لعقت شفتيها بطريقة جعلته يقف متسمراً وبحركة غير إرادية لعق شفتيه هو أيضاً وكأنه يتذوق خاصتها.
أستدارت لتجلب الصحون فتفاجاءت به، شهقت بفزع وتمسك بحجابها لتتأكد من وجوده عاي رأسها :
_ واه، أنت واجف من ميتي؟.
1

حك فروة مؤخرة رأسه بتوتر مبتسماً:
_ من وقت يا صباح الخير يالي معانا و وصلة أم كلثوم.

توهجت وجنتيها إحمراراً من الخجل، تركت ما بيدها علي طاولة المطبخ الرخامية، وهمت بالذهاب، وقف أمامها قائلاً:
_ رايحه فين بس، مش هتكملي الأكل، أنا هموت من الجوع وبصراحة صحيت علي الريحة والي جابني هنا معدتي، يعني مش زي ما فهمتي.

أطلقت زفره كمحاولة لتصديقه، فقالت:
_ طب تعال ناولني الصحون، و حط لنفسك صينية لحالك وأني هاخد صينية لحالي أفطر في الأوضة.

_ طيب ممكن عشان خاطري تفطري معايا النهاردة، أنا من طبيعتي مبفطرش وبكتفي بفنجان إسبريسو بس عشان ماكلتش من إمبارح فصاحي جعان أوي.
لاحظ علي ملامحها شئ من الرفض أو المعارضه، فأكمل برجاء:
_ أعتبري نفسك في مطعم وأنا زبون ملقتش مكان فاضي أقعد فيه فحبيت أشاركك في الطربيزه الي أنتي قاعده عليها.
1

إبتسمت بسخرية وقالت:
_ ماشاء الله عنديك قوة إقناع ماتخيبش عاد.

إبتسم بزهو وفخر قائلاً:
_ حُكم المهنة بقي.

_ حيث إكده روح أنت وأني هاحضر الحاچة وچاية.

وبعد ذهابه إلي المرحاض وقيامه بغسل وجهه وأسنانه، بدل ثياب نومه بأخري، و ذهب لتناول الفطور برفقتها، وعندما جلس وجد أمامه فنجان القهوة الخاصة به، أمسكه وأرتشف منه بإستمتاع:
_ تسلم إيدك، عملاها مظبوط زي ما بشربها بالظبط، واضح إنك شاطرة وبتتعلمي بسرعة.

رمقته بإبتسامة صفراء وهي تمضغ الطعام وبعدما أبتلعت ما بفمها، ألقت عليه نفس كلماته بنفس أسلوبه:
_ حُكم المهنة بجي.

قهقه من سخريتها له، ظلت تحدق به ولأول مرة تتحقق منه، فملامحه تنضح بالوسامة رغماّ من تخلل الأبيض خصلاته السوداء ويتوسطها القليل من الرمادي، مهلاً عينيه لونها كزرقة مياه البحر تجذبك للتحديق بها بدون إرادة.
توقف عن الضحك وصمت منتبهاً لتأملها في وجهه، أنتبهت لملاحظته إياها، وبخت نفسها قائلة بداخل عقلها:
_ فوجي يابت وأتلمي، مالك عتبحلجي في الراچل إكده من غير خشا ولا حيا، عچبك أهو خد باله.
2

نظرت إلي صحنها الفارغ بخجل، فسألها بمكر :
_ مالك كنتي سرحانه في أي؟.

أزدردت لعابها وأجابت بتوتر:
_ مفيش، جصدي كنت بفكر في زينب يا تري لاجيتوها ولا رچعت البلد ولا لساتها هربانه؟.
تبدلت ملامحه إلي التجهم المصتنع، فهل سيخبرها بأنهم وجدوها بالفعل وعادت إلي أهلها وستصبح زوجة صديقه خلال أيام، لكنه يخشي ما بعد ذلك وهي مطالبته بأن تعود إلي بلدتها وتركها وشأنها، مجرد فكرة إبتعادها عنه غير مقبولة ولا يعلم ماسبب هذا الإصرار.
1

_ ياه للدرچدي الإچابة محتاچة للتفكير كل دي.

تهرب من النظر إليها حتي لاتكشف كذبته، رد قائلاً:
_ لاء، بس أفتكرت حاجة مهمة.

نهض ومسح يديه بالمحرمة:
_ تسلم إيديكي علي الفطار اللذيذ، متعمليش حسابي علي الغدا ممكن أرجع متأخر شوية.

رمقته بتعجب وتمتمت بدون أن ترفع صوتها:
_ شوف الراچل عيتحدت وكأني مارته.

وصلت جملتها إلي أذنه فأبتسم وأراد مشاكستهاغقال وهو يذهب إلي غرفته:
_ لو مراتي، مكنتش روحت الشغل وقعدت أتغديت وحليت كمان معاها بس مش علي السفره.

ألتفت إليها وأردف بخبث مشيراً إلي غرفته:
_ في أوضة النوم.
3

شهقت بخجل من وقاحته وحديثه الجرئ.
وبعد إنتهائه من إرتداء ثيابه والإستعداد للذهاب إلي عمله، خرجت من المطبخ بعدما قامت بجلي الصحون وترتيب كل شئ في مكانه، أوقفته ولم تنظر إليه:
_ أستاذ صلاح؟.

وقف أمامها، يعقد رابطة عنقه:
_ ملهاش داعي الألقاب مابينا، قوليلي صلاح زي ما بقولك سمية.
1

رفعت عينيها بإحراج قائلة:
_ العين متعلاش عن الحاچب، أني فين وأنت فين يابيه.

ضحك وقال:
_ أي جو فيلم أفواه وأرانب ده علي الصبح، بصي يانعمة، أصدي ياسمية أنا زي ما أنت شوفتي بعينك بسيط وبحب البساطة ومليش في جو البيه و باشا، فعايزك تاخدي راحتك معايا في الكلام، أعتبريني صاحبك.
1

عقدت مابين حاجبيها:
_ واه، صاحبي، أتحشم يا بيه.
1

لم يتمالك نفسه خر ضاحكاً حتي توقف:
_ ما أقصدش صاحبك الي فهمتيها، كل الي عايز أقوله مبحبش التكليف كلنا ولاد حواء وآدم، فهمتي يا سمية؟.

أومأت له كالتائهة في بحر عينيه الصافيه:
_ فهمت يابيه.

إبتسم بسأم:
_ برضو مفيش فايدة.
نظر في ساعة يده وقال:
_ أسيبك بقي عشان متأخرش.

_ كنت عايزه أسألك عن حاچة.

أجاب بنبرة جعلتها كقطعة الثلج التي تُركت في قيظ الشمس الحارقة:
_ أؤمري يا سمسم.

تجاهلت دلاله لإسمها، فسألته:
_ أنت كل يوم عتهملني لحالي وتروح شغلك، عارفه إنك جافل الباب بالمفتاح، مش خايف لأغفلك وأنط من أي شباك؟.

سار نحو أقرب نافذة وأشار إليها لتتبعه قائلاً:
_تعالي أوريكي حاجة.

توقف أمام الستار وقام بفتحه علي مصراعيه:
_ أنتي بقالك كام يوم هنا مفكرتيش تبصي من البلكون ولو مرة.

أومأت له بالنفي وقالت:
_ أصل جفل الشباك حداك عالي عليا معرفتش أفتحه.

مد زراعه لأعلي وقام بفتح النافذة، دلف الهواء بقوة فتطايرت الستائر للداخل:
_ قربي كده.

أقتربت وألقت نظرة علي الشارع وليتها ما رأت، شهقت برعب عندما وجدت إنهم علي إرتفاع شاهق والناس والسيارات وكل شئ يبدو كالنمل في مجال رؤيتها، لاحظ خوفها فأكمل قائلاً:
_ تقدري تنطي من الدور الخامسة وعشرين؟.

تراجعت إلي الوراء وأجابت:
_ يا أبوي، ليه حد خابرك أني مچنونة إياك، ومالها الحبسه أهنه، عايشه زينة وفلة وأربع وعشرين قيراط.

_ طيب يا سمسمه معلش أنا بقي ماشي، ولو محتاجة حاجة بلغي السكيورتي من الأنتركم وهو هيكلمني ويقولي، مع السلامة.

وبعد مغادرته ظلت تنظر في آثره بإندهاش وتعجب قائلة:
_ عشان إكده مهملني أمرح في الشقة وأنت مطمن، يا إبن الصايعه يا صلاح!.
7

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،،،،،،ــــــــــــــــــــــــــــــ
_ في غرفة الرعاية المركزة يتمدد منصور في حالة حرجة، وقف الطبيب ليخبر الضابط المسئول عن إحضاره من السجن:
_ للأسف الطعنة كانت عميقة و وصلت للرئة وأدت لنزيف لحقناه بالعافية، أدعيله ربنا يعدي ال 24 ساعة دول علي خير.

نظر الضابط إلي منصور عبر الزجاج بحزن وقال:
_ ربنا يقومه بالسلامة، ده أتضرب غدر من عيل بلطجي كان قاصد يموت زميله، فده أتصدر له وخد الطعنة بداله.

هز الطبيب رأسه بآسي:
_ لا حول ولاقوة إلا بالله، ربنا يجزيه خير علي شهامته.

ذهب الضابط بعدما أخذ صورة من تقرير المشفي ليرسله إلي مأمور السجن والذي أستدعي إحدي العساكر ليخبر فارس الذي كان كالنسر الجارح خلف القضبان، يريد الإطمئنان علي صاحبه بأي وسيلة، نادي العسكري:
_ فارس قاسم القناوي.

أجاب بللهفة:
_ أيوه أني فارس، خير؟.

أجاب عليه:
_ سيادة المأمور عيجولك أطمن علي منصور لساته خارچ من العمليات ودخل العناية، وأدعيلو يجوم بالسلامة، وأي چديد هيبلغك أول بأول.
+

تنفس الصعداء ويهبط جالساً علي الأرض:
_ الحمد والشكر ليك يارب، أشفيه وعافيه ده غلبان جوي ويستاهل كل خير.
5

ـــــــــــــــــــــــ،،،،،،،، ــــــــــــــــــــــــــــــ
_ تبدو حالته المزاجية اليوم سيئة للغاية،  فمنذ مجيئه إلي الشركة وهو يصب كم غضبه العارم علي كل من يقابله.
تقف ماجي السكرتيرة أمامه كالفرخ المبلول تتلقي إهانته اللاذعه في صمت،  وجسدها يرتجف بخوف،  يصيح بها: 
_ ومن غير ما أقولك وأأكد عليكي المفروض تبقي عارفة شغلك كويس لإما تاخدي ورقك وتروحي تدوري علي حد غيري ولو لاقيتي أصلاً حد يشغلك بعد ما يعرف إنك مهملة.
1

كانت علي وشك أن تبكي،  فتفوهت بخوف: 
_ آسفه ياسليم بيه،  أول وآخر مرة ساعتك.

صاح بها محذراً: 
_ الغلطة عندي بفوره ،  فخدي بالك لأن المرة الجاية مفيهاش كلام.

حركت رأسها وعينيها مليئة بالدموع: 
_ تحت أمرك ياباشا،  عن أذن حضرتك.

وقبل تحركها أوقفها بصراخ مدوي: 
_ أقفي عندك أنا مقولتلكيش تتحركي من مكانك.
دلف صلاح علي صراخ صديقه قائلاً: 
_ أي يا باشا،  صوتك الموظفين كلها سمعاه.
1

حدقه سليم بتحذير فرفع صلاح كفيه ثم وضع إحداهما علي فمه إشاره لصمته.

أشار لسكرتيرته بإزدراء: 
_ بره،  ومشوفش وشك غير لما تصلحي العك ده كله.

أومأت له: 
_ أمرك يا سليم بيه.
وغادرت المكتب بخطي واثبه كأنها خرجت من الجحيم لتوها.

تقدم صلاح ليجلس أمام مكتب الآخر وقال بهدوء:
_ ممكن من غير عصبيه تقولي في أي مخليك في الحالة دي؟.
1

أطلق زفرة كألسنة النيران من أنف تنين ثائر،  أمسك ب كرة مطاطية أخذ يضغط عليها بقبضته ليهدأ من روعه:
_ فارس القناوي لسه عايش.
1

حرك الآخر رأسه بعدم فهم،  حيث لم يعلم شيئاً عن هذا الأمر: 
_ مش فاهم.
أعاد كلماته مرة أخري في ذهنه حتي أستنتج ما يقصده،  فأردف: 
_ أوعي تكون....

أكمل سليم مجيباً: 
_ أيوه،  والغبي الي كان رجالتي هناك مكلفينه بالمهمة بدل ما يقتلو قتل واحد تاني كان بيدافع عنه، الواد الي خد الضربه بين الحيا والموت وفارس لسه مكتوب له عمر جديد والغبي التالت حطوه في حبس إنفرادي وبيتحقق معاه.

أخذ صلاح ينظر إليه بغضب في صمت، مما أثار حنق الآخر وقال بحديه: 
_ مالك بتبص لي كده ليه؟،  ما أنت كنت عارف إن ناوي أتخلص منه.
تنهد بتأفف وقال: 
_ بس أنت طلبت ده من رافع إبن عمه وهم أحرار مع بعض،  وتعالي هنا نفسي أفهم هتستفاد أي إنك تقتله، زينب وكتبت كتابك عليها وكلها أيام علي فرحكو وهتاخدها وتسافرو،  فأي لازمتها تقتل واحد هيتحكم عليه مؤبد ولو أفترضنا وحصلت معجزة وخرج مش هيقدر يعمل حاجه غير إنه هيدور علي حقه الضايع وياخد بتاره من الي دخله السجن وهيبقي آخر همه إنه يفكر في بنت عمه.
1
صمت ليفكر قليلاً وأنحني بجذعه قليلاً للأمام، تناول مقصلة سيجاره وأخرج واحدة من الصندوق الخشبي ليضعها في الفتحة ، ثم تفوه وكأنه يتحدث إلي نفسه وعينيه يسودها ظلام مرعب : 
_ طول ماهو عايش،  هي مش هتقدر تنساه.
ضغط بأنامله علي المقصلة بقوة فتطايرت مقدمة السيجار.
ـــــــــــــــــــــــــ،،،،،،،،،،،ـــــــــــــــــــــــــــــ
6

_ عاد للتو من عمله ليجد الصمت يسود أرجاء المنزل، ألقي بمتعلقاته علي أقرب طاولة، بحث عنها في الردهة والمطبخ فلم يجدها، ذهب إلي غرفة النوم فرآها تغط في النوم علي التخت وبجوارها ألبوم الصور الفوتوغرافية الخاص بهما يجمع ذكرياتهما معاً منذ الطفولة، و بيدها صورة قد ألتقطها لهما أحدأصدقائهما علي الشاطئ يرتدي ثياب البحر وجذعه عارياً وهي متعلقه علي ظهره متشبثه حول عنقه بساعديها وتضحك من قلبها إلي عدسة الكاميرا.

جلس علي طرف الفراش وأغلق الألبوم فوضعه جانباً، أخذ يتأملها وهي نائمة، وقعت عينيه علي آثار عنفه علي عنقها وشفتيها وزراعيها العاريين، أطبق علي شفتيه بألم و وخز أخترق قلبه، لم يتوقع يوماً ما بأنه سيحدث هذا بينهما في يوم من الأيام، فهي عشق طفولته وشبابه، الوحيدة التي أمتلكت قلبه منذ الصغر، شريكة دربه وحياته.
2

دنا منها بأنفاسه، أشتاق لرائحة عطر جسدها، يستنشقها وكأنها زهرة عطرة بداخل بستان، تحركت مقلتيها أسفل جفنيها المغلقين حينما شعرت بشئ قريب منها يتحرك بجوارها، فصور لها عقلها الباطن في أحلامها هذا العلي يلقي بها فوق التخت ويقترب منها وعلي وجهه إبتسامة شيطانية، وحين أعتلاها وثبت ساعديها بجوارها لينقض عليها أطلقت صرخة.
أستيقظت بفزع أثار خوف زوجها ليبتعد قليلاً عنها، نظرت له في صمت ونهضت بجذعها لتعتدل في جلستها:
_ أنت جيت أمتي؟.

أجاب بإقتضاب وهو ينهض يخلع ثيابه:
_ لسه جاي.

نهضت وأقتربت منه لتساعده في خلع قميصه:
_ أحضرلك الغدا؟.

أبعد يديها عنه وقال:
_ مش جعان.
وألقي بثيابه بإهمال علي التخت وأرتدي ثياباً أخري قطنية، أخذت ما ألقاه وقامت بتعليقه علي المشجب، بداخلها يحترق من معاملته الجافه لها، تقدمت منه مرة أخري تعترض طريقه إلي  المرحاض، تفوهت بصوت يخرج من حلقها بصعوبة:
_ ممكن، نقعد نتكلم شويه.
أبتلعت لعابها وأكملت:
_ مع بعض.

أرتفعت زواية فمه بإبتسامة ساخره،  وقال بتهكم: 
_ أخيراً ناويتي تحكي الحقيقة؟.

رفعت وجهها لترمقه بإمتعاض وعينان منتفخة من كثرة البكاء: 
_ أنا معلمتش حاجة عشان أعترف بيها،  كل الي حصل حكيته لك،  بعترف أني كنت غلطانه وقتها، أعتبره طيش وتهور بس موصلش زي ما أنت فهمت.
1

صاح بصوت مخيف جعلها أنتفضت ولكن مازالت تقف في مكانها: 
_ ما الي عملتيه ده ملهوش غير مفهوم واحد إنك خاينة.
2

صرخت بإستنكار وصوت علي وشك البكاء: 
_ لاء مش خاينة، والدليل إن مراتك دلوقت،  ولو كنت خاينة كان زماني سبتك من زمان وبقيت مراته هو.
1

ليتها ما تفوهت بتلك الكلمات التي أثارت حفيزة غيرته القاتلة، وفي غضون ثوان كانت خصلاتها في قبضته ينهرها بقسوة: 
_ قولتيلي كنتي هتبقي مرات مين؟.

أخذت تتلوي وتحاول تخليص خصلاتها من قبضته،  تجيب بصراخ متألمة: 
_آه، أنا بقولك مثل بس.

قرب وجهها من وجهه الغاضب: 
_ وأنتي فاكراني أقدر أنسي الي عملتيه!،  ولا إنك خلتيني واقف أدامه زي المغفل بعرفكو علي بعض،  أتاريكو كنتو معرفة وحب وغرام وأنا العبيط المختوم علي قفاه.

مازالت تتلوي في قبضته وتصيح ببكاء: 
_ كنت خايفة،  والله كنت خايفة.

تركها بعنف فوقعت علي الأرض أسفل قدميه فأكملت: 
_ كنت خايفة منك،  عارفة إنك بتغير بجنون ولو حكيتلك حاجة ساعتها ممكن تعمل مصيبة،  كان كل همي هو أنت،  مكنتش عايزاك تتأذي بسببي.

تحدث وهو ينظر إليها بإزدراء عكس الشفقة التي بداخله نحوها وهي في تلك الحالة المزرية: 
_ متقلقيش يا هانم،  أنا سايبه براحته علي الآخر لحد ما يجيلي برجله عندي،  لأن الي زيه عارف تمامهم كويس،  هو الي هيحدد مصيره بإيديه.

رفعت رأسها بتوتر وخوف تسائلت: 
_ هتقتله  ؟.

هبط علي عقبيه وأمسك بطرف ذقنها مبتسماً ب شر:
_ مش أنا الي يزفر إيديه بدم واحد قذر زيه، بس قادر أخليه يتمني الموت هو ونصيبه، ومالك بتسألي وقلقانه كده، خايفه عليه للدرجدي!.

هزت رأسها بالنفي:
_ والله أبداً، أنا خايفه عليك أنت، مش عايزه تودي نفسك في داهيه بسبب واحد زيه.

نهض وهو يجذبها من عضدها ليقفا معاً وقال:
_ أنتي ملكيش دعوة بأي حاجة، خليكي في نفسك، لأن زي ماقولتلك قبل كده هاتشوفي أيام جحيم ، أكرم الحنين الي مبيستحملش عليكي الهوا ده تنسيه خالص، لأن الي معاكي دلوقت يبقي عملك الأسود وأنتي صاحية وكابوسك وأنتي نايمة.

فاض بها الكيل، يكفيها ضعف وإستسلام له أرادت التكفير عن خطأها لكنه تمادي مما أرهقها لدرجة لا تحتمل.
جذبت زراعها من يده وأبتعدت عدة خطوات للوراء، وأرتسمت القوة فتفوهت بتهديد:
_ كفايه بقي ذل وإهانة لحد كده، أنا سبب سكوتي لعمايلك معايا قولت يمكن ده هيشفي غليلك وهتسامحني، لكن ده هيخليك تتمادي في معاملتك ليا زي الجارية الي عماله تتهان ويداس عليها فده عمري ما هسكت عليه أبداً.
2

قوتها وتهديدها الصريح له أثار بداخله وحش خرج لتوه، يقترب منها في وضع هجوم قائلاً:
_ ناويه تعملي أي يا ندي هانم؟،ها؟، هاتجيبي لي أهلك عشان يعرفه قذارة بنتهم؟.

وبدلاً من هروبها من أمامه تقدمت منه وهبطت علي وجنته بصفعة أفرغت فيها كل ما بداخلها من ألم صارخة :
_ أخرس بقي.
3

ياليتها ما أقترفت ما فعلته للتو، صفعتها تلك سبرت أغواره ليصبح كالعاصفة التي تقتلع كل ما يقابلها وتدمره، في خطوة واحدة كانت بين يديه يدفعها نحو التخت ليلقيها فوقه وهبط فوقها لم يري أمامه، ينهال عليها بالسباب والشتائم القذرة وضرب بالأيدي علي كل أنحاء جسدها وكأنها إحدي المجرمين لديه في المخفر.
_ ليكي عين وبتمدي أيدك عليا يا بنت ال.......، أنا هوريكي الذل والإهانة علي حق يا و........ يا بنت ال.........، ورحمة أبويا لأخليكي متحصليش حتي جارية ولا....... من الي هعمله فيكي دلوقت.
1

تصرخ وتقاومه بكل قوتها الضعيفه لتزيحه من فوقها، لكن كيف لغزال صغير قدرة علي مقاومة ليث شرس منقضاً عليه بكل قوته.
_ بكرهك يا أكرم، بكرهك.

كلمات تصرخ بها لعله يستيقظ من حالتة الثائره تلك، لكنها أتت بنتيجة عكسيه، فكانت تثير غضبه وعنفه أكثر، فعندما نجحت بالإفلات من أسفله جذبها من ثوبها القطني وقام بتمزيقه حتي أصبحت بثيابها الداخلية فقط وآثار كفيه علي كل أنش في جسدها، فلم يكتفِ بذلك بل أراد سحق روحها فقال من بين أسنانه:
_أنا هخليكي تكرهيني علي حق وأنتي بتتعاملي زي الجارية الو.......
8

شرع في ممارسة عنفه و إعادة الليلة السابقة عليها بأكثر ضراوة و وحشية وكأنها عاهرة أسفله وليست زوجته.

تصرخ ببكاء وبضعف، تشعر بمرارة في حلقها كالعلقم وهو يمارس قسوته غير مبالي لشحوب وجهها والبرودة التي أجتاحت جميع خلاياها،  بدأ جسدها يرتجف بين يديه، يتصبب العرق فوق جبهتها، تغلق عينيها بل تعتصرهما من شدة الألم، فقالت بصوت خافت وهي تشعر بأن روحها ستغادرها لو أستمر دقيقة أخري:
_ ط..ل..ق..ن..ي.
أغلقت جفونها غائبة عن الوعي، وعند إدراكه ما حدث أنتفض من فوقها، أتسعت عينيه بفزع عندما رأي دماءها التي بدأت بالإنسدال من أسفلها، فهنا أفاق من غضبه الذي كان يعميه صارخاً بإسمها يحاول إيقاظها بالتربيت علي وجنتيها، لكن لا محالة، فلم تستيقظ بل والنزيف قد أزداد أكثر.
فما عليه سوي أرتدي ثيابه بأقصي سرعة لديه، و تناول إسدال الصلاه خاصتها وحاول أن يلبسها إياه، فحملها علي زراعيه وغادر بها علي أقرب مشفي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،،ـــــــــــــــــــــــــــــــــ 
_ تقف جليلة لدي بائع الخضار،  تعبئ حبات البطاطس في كيس بلاستيكي ثم مدت يدها به للبائع قائلة: 
_ خد يا عم نچاح أوزنلي أربعه كيلو بطاطس.
3

فقال لها البائع وهو يضع الكيس فوق الميزان: 
_ ماتخليهم خمسة بالعشرة چنيه يا أم زكريا.

_ ماشي زي بعضه.

ألتفتت سيدة بجوارها إليها بعد سماع صوتها،  فقالت بسرور: 
_ أم زكريا!، عاش من شافك يا وليه مالك مختفيه بجي لك فترة،  محدش شافك عاد.

_ معلش يا أم فاروق الدنيا تلاهي.

أقتربت منها السيدة مرة أخري وقالت بمكر وفضول: 
_ ألا جوليلي ياختي، هي مين الي كانت ويا الشيخ واصف ومعاود بيها علي داركو،  أصل كنا سهرانين ليلتها أني والحاچ قدام الدار،  حتي مرماش علينا السلام زي كل مرة.
1
زفرت جليلة بتأفف من فضول تلك المرأه فأجابت لتتجنب إلحاحها: 
_ دي بت غلبانة إسمها قمر ملهاش مطرح يتاويها فچابها علينا.
1

عقدت ما بين حاجبيها قائلة: 
_ قمر!  ،  لتكون بت خايت عبدالحق الله يرحمه، أصل مارته الحربايه الي إسمها نفيسه طردتها قدامنا في العزا كلتنا،  والبت يا حبة عيني مجدرتش تفتح خشمها وهملت الدار.

تستمع جليلة إليها بإهتمام فكانت لاتعلم من تكون سوي إنها فتاة لجأت إلي زوجها فقط،  فسألت السيدة: 
_ متوكده يا أم فاروق إنها بت خايت عبد الحق؟.

أجابت السيدة بثقة و زهو: 
_ أيوه متوكده،  ده أني عمري ما أنسي شكلها عاد،  أصلها منتقبة ويوم العزا كانت رافعة النقاب،  والبت تبارك الخالق وشها كيف إسمها،  قمر منور،  أني لولا الولاه فاروق قاري فاتحة بت عمه لكنت خدتها ليه،  أدب وچمال وليها ورث أمها في الدار الي عايشه فيها مرات خالها وبيجولو،  عنديها فلوس في البنك هتستلمها تو ماتم السن القانوني، ما تاخديها لزكريا ولدك أوللشيخ بكر.
2

رمقتها جليلة بإمتعاض وبدون أن تجيب عليها،  تناولت ما قامت بشراءه وتركتها، عادت إلي منزلها لتلحق بزوجها قبل أن يذهب إلي المسجد.
عقبت أم فاروق بعد ذهابها:
_ اللاه، مالها الوليه ما بتردش عليا وخدت في وشها وهملتني، أني جولتلها أي يزعلها إكده؟، وأني مالي تزعل ولا تتفلج.

وبعد معرفة أم فاروق بهوية الضيفة لدي الشيخ واصف أخذت تخبر كل من تقابلها من النسوة حتي وصل الخبر إلي نفيسة من إحدي جارتها التي قامت بلومها علي ما فعلته بإبنة شقيقة زوجها اليتيمة، فيجب أن تتقي الله في معاملتها ولا تنسي أن لديها بنات مثلها.
1

عادت نفيسة إلي المنزل و ينبعث من أذنيها الدخان أثر النيران المندلعة بداخلها، ركضت علي شقيقها النائم علي الأريكة في غرفة قمر، أخذت تلكزه بقوة:
_ جوم يا عامر، لساتك نايم من الصبح، جوم شوف المصيبة الي هاتحط فوج روسنا وأنت نايم لي في العسل.

أستيقظ بفزع، وتلفت من حوله بخوف وبدون وعي ظل يردد:
_ مين، فين، أني معملتش حاچة دي خايتي نفيسة.

لوت شفتيها بتهكم وقالت:
_ جوم يا خايب الرجا،  أني خايتك.

عاد إلي وعيه وقال: 
_ نفيسة!،  في أي عماله تبرطمي ومافهمش منك حاچة واصل.

جلست أمامه وهي تضرب علي فخذيها بعويل:  _ شوفت الي كنت خايفه منيه حوصل،  البت قمر الي تتشك في جلبها، أتاريها لچأت للشيخ واصف وهو خادها حداه في بيته،  و زمانها جالتله علي كل حاچة وفضحيتنا بجت بچلاچل.

سألها بأعين متسعة من الصدمة: 
_ أنتي متوكده يا خايتي؟  .

أجابت وهي تنهض: 
_ ده البلد كليتها ملهمش غير سيرتين زينب بت خميس القناوي والمحروقة قمر.

حك عامر ذقنه يفكر: 
_ طب والعمل دلوق؟  .

_ تجوم وتغير خلچاتك وتيچي معاي نروح نچيبها من عنديهم.
1

_ أنتي أتچننتي يا نفيسه!، وأفرضي خابرت الشيخ واصف بالي كنا عنسويه فيها، هيبجي موجفنا أي قدامه يا واكله ناسك!.

_ تعال معاي أنت بس وأني هجولك تسوي أي.

أستمع الصغير إلي حديثهم فأطلق ساقيه للريح، ذهب إلي المسجد باحثاً عن بكر فلم يجده، وأخبره إحدهم إنه في المتجر الصغير خاصته، فذهب إليه مسرعاً، وفي طريقه أخذ يناديه:
_ يا شيخ بكر، ياشيخ بكر.

كان بكر يقف مع إحد زبائنه يضع له ما أشتراه منه في حقيبة والآخر يعطيه المال، أنتبه لصياح الصغير ومناداته له، شعر بإنقباضة في قلبه، وعند وقوف عمر أمامه يلتقط أنفاسه.
_ مالك يا عمر بتچري ليه إكده؟.

أجاب عليه وهو يمسك بيده:
_ أجفل الكشك و عاود علي داركو بسرعة قبل ما أمي وخالي يوصلو هناك.

عقد مابين حاجبيه وسأله مصتنعاً عدم الفهم :
_ و أيه الي هايچيبهم عندينا؟.

أجاب الصغير:
_ تعال معاي وأني هجولك علي كل حاچة في الطريج، المهم تلحج قمر قبل ما ياخدوها من عندكو.
1

ـــــــــــــــــــــــ،،،،،،،،ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ وفي داخل منزل الشيخ واصف، وصلت جليلة للتو تركت ما بيدها في المطبخ وذهبت تبحث عن زوجها، فوجدته في غرفة نومهما يتلو بعض الآيات، وقفت أمامه و ملامحها تنذره بشئ ما.
_ صدق الله العظيم.
رفع وجهه إليها وسألها:
_ خير يا چليلة؟.

جلست بجواره و ردت بتهكم:
_ خير!، ومنين عيچي لنا الخير طول ما عتسوي الي في دماغك من غير ماتاخد رأيي عاد.

تنهد واصف وأخذ يستغفر ربه في نفسه ثم قال لها:
_ وحدي الله يا أم زكريا، و جولي علي طول الي ريداه من غير لف ولا دوران.

لوحت بيديها وتشدقت :
_ لا إله إلاالله يا سيدنا الشيخ، يبجي يا راچل البت يطلع ليها أهل وبيت وفلوس وراح تچيبها لي تعيش ويانا، جال أي ملهاش متوي وخايف عليها من كلاب السكك.

كظم غضبه من أسلوب زوجته الساخر فهو يعلمها جيداً، فقال بهدوء:
_ فهميني بس عرفتي أي عنها والي جال لك فهمك أي بالظبط؟.

_ عرفت وخلاص، المهم تاخدها وترچعها لمرات خالها هي أولي بيها، إحنا ما ناجصين مصايب عاد.

أعتدل واصف وحدجها بتجهم وبحزم قال:
_ أني خابر كل حاچة عنيها، والبت ما هتخرچ بره داري واصل كيف ما وعدتها، و جفلي عاد علي الموضوع أحسن لك، بدل ما تلاجيني جلبت عليكي وأنتي خابراني زين.

نهضت و ردت بنزق:
_ بجي إكده يا حچ!، حتة عيلة ملناش صالح بيها تخليك تزعج فيا بالمنظر دي!.
1

كاد يجيب عليها بوجه ممتعض فأوقفته طرقات فاطمة علي الباب:
_ يابا، يابا، في ناس واجفين بره بيجوله عايزين يجابلوك.

جاء لها رد والدها من الداخل:
_ ضيفيهم يا فاطمه لحد ما أچي لهم.

عقبت جليلة قائلة:
_ ياتري مين الي چم دول، يا خوفي ليكونو تبع البت السهتانه دي.

رمقها بإمتعاض وقال قبل أن يذهب:
_ ربنا يهديكي يا چليلة.

خرج إليهما، فوجد نفيسه تقف تبكي وشقيقها يربت عليها ويقول:
_ أستهدي بالله يا خايتي، وكفاياكي عويل.

أجابت بتصنع متقن وهي تبكي:
_ أهدي كيف وأني معرفاش حاچة عنيها، أني جلبي هيجف من خوفي عليها، ياتري أنتي فين ياقمر.

وقف أمامهم واصف وألقي عليهم السلام:
_ السلام عليكم، خير يا چماعة؟.

لكزت نفيسة شقيقها ليجيب بتمثيل بارع:
_ أني عامر ودي أختي نفيسة مارت عبدالحق الله يرحمه.

ردد واصف:
_ الله يرحمه.

_ إحنا چايين لك لأچل بت خايته الي ملهاش غيرنا بعد خالها، وخايتي عتموت عليها من وجت ما هملت البيت، خايفه ليكون چرالها حاچة، دي بتعبرها كيف بناتها وأكتر ده غير إنها أمانه حداها لحد ماتسلمها لعريسها.

أندفع باب المنزل و ولج منه بكر بعد ان طلب من عمر إنتظاره في المسجد،  وقف ليعقب علي حديث هذا الديوث:
_ عريسها الراچل الي قد چدها وعايزين تبيعوها ليه وتجبضو التمن!.

حدجه والده بنظره تحذيريه ليصمت وقال:
_ شوف يا أستاذ عامر أني خابر بكل حاچة وبالي كنت عتسويه في البُنيه، ولولا إنك چوه داري كنت خليت أهل البلد يعرفو قد أي إنك راچل ناجص وجليل الرباية وخالها لو كان عايش كان شرب من دمك.
تفوهت نفيسة بتصنع:
_ وأنت صدجتها يا شيخ واصف!، كيف تصدج عيلة وتكدب أخوي وتتهمه بالباطل؟.

لم يتمالك بكر نفسه فلقد فاض به بعدما علم أدق التفاصيل من الصغير:
_ كفاياكي تمثيل يا أم عمر، لولا إنك حرمه كان ليا حديت تاني وياكي، ما عرفش كيف بيچيلك نوم وأنتي عتظلمي فيها، ده يا ويل الي يچي علي الولايا مابالك دي يتيمة، أحسن لك تاخدي أخوكي وتمشو من أهنه بكرامتكو.

تدخل عامر بغضب مصتنع:
_ عاچبك الي بيجولو ولدك يا شيخنا؟.

قال واصف:
_ إبني بيتحدت لدلوق بإحترام فياريت تسوه كيف ما جالكو أكرم لكو.

أظهرت نفيسة وجهها الآخر الحقيقي فصاحت:
_ وأني ما مشياش من أهنه غير وبت خايت چوزي معاي، ياقمر بت ياقمر.
قالتها وذهبت تبحث في الغرف، أوقفتها فاطمه التي تتابع في صمت قبل أن تفتح باب غرفتها:
_ چري أي يا وليه، ما تخلي عندك دم أنت والنطع الي چيباه وياكي، ولو مغورتوش من أهنه هتدلي علي القسم وهاخبرهم عن الي كان عيسويه أخوكي في قمر والبطحة الي علي دماغه تشهد.
1

جفت الدماء في عروق عامر وأنبلج علي ملامحه الخوف:
_ يلا بينا يا أم عمر وكفايانا لحد إكده.

قالت بإصرار:
_ رايد مني أمشي كيف وهنجول لخطيبها أي.

رمقتها فاطمة بإزدراء قائلة:
_ شوف الوليه لساتها عتكدب.

أبتلع بكر لعابه وعزم علي قراره الذي أتخذه منذ قليل:
_ أبجي جولي له يدور علي عروسه تانيه لأن قمر متنفعلوش.

سألته بسخريه تتوسط خصرها بيديها:
_ وأي الي خلاها متنفعلوش يا شيخ بكر؟.

نظر إلي والده الذي فهم ما سيتفوه به الآن فأومأ له بالموافقة، فقال:
_ لأني خطيبها وبالليل هاعقد عليها يعني هتبجي مارتي.
1

أتسعت عينيها وغرت فاهها، فقال عامر:
_ كيف وميتي حوصل دي.

أنفتح باب الغرفة وخرجت مرتدية غطاء وجهها قائلة والحياء ينبلج في صوتها:
_ أيوه الي بيجول له الشيخ بكر صوح، هو، هو يبجي خطيبي.

وأختلست نظره نحوه لتجد الإبتسامة والفرحة تعلو وجهه، بينما فاطمة غمزت لها في صمت.
قال واصف:
_ أديكو سمعتو صاحبة الشأن، في حاچة تاني رايدين تجولوها؟.

_ يلا بينا يا أخوي.
قالتها نفيسة وهي ترمق قمر بنظرة نارية وحقد دفين، وذهبت هي وشقيقها يجرجران أذيال خيبتهم.
وقبل أن تخطو قدميها إلي الخارج أوقفها بكر قائلاً:
_ ويكون في علمك قمر ليها حق في الدار ما عتهملهوشي واصل، وليها راچل بعد إكده تتحدتو وياه.
وكان يشير نحوه يحدجها بتحدي ، فصاحت نفيسة بغضب:
_ يلا من أهنه يا عامر، بدل ما أصور جتيل.
1

وبعد مغادرتهما خرجت جليلة بعدما أستمعت لكل ما حدث:
_ أي الي بيحوصل ده يا بكر، وأي الي جولته للوليه دي؟.

أجاب بحزم:
_ كيف ما سمعتي يا أمي، أني هاتچوز قمر علي سنة الله ورسوله.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،،،،،،،ــــــــــــــــــــــــــــ 
_ يجلس في الرواق منكس الرأس،  يشعر بخزي وكراهية شديدة لذاته كيف تسول له نفسه ما فعله بها،  كيف ترك العنان لغضبه اللعين حتي أحرق روحها إلي هذه الدرجة!  .
ظل يلقي وابل من اللعنات علي نفسه ونعته بأقذر الصفات لاسيما بعدما أخبره منذ قليل الطبيب بفعلته الشنعاء قائلاً له: 
_ أنا عندي ليك خبرين واحد خير والتاني يعني، الحمدلله لحقنا المدام وبقت بخير وعلقنا لها محاليل،  بس الخبر الي مش حلو إننا مقدرناش ننقذ الجنين للأسف حصلها إجهاض.
2

ضرب قبضته في الحائط بقوة وبداخله يتمزق،  أردف الطبيب حديثه وهو يحدجه بتوتر مما سيخبره إياه: 
_ كنت عايز أبلغ حضرتك إن الي حصل للمدام ده نتيجة إعتداء جسدي عنيف وغير النزيف والتهتك الي حصلها ده غير الإجهاض،  جسمها مليان كدمات و زي ما حضرتك عارف ده لازم يتكتب في تقرير ويتعمل محضر بيه.
1

لم يجيب عليه بكلمة بل تركه وسار يتخبط يميناً ويساراً لم يري أمامه، حتي قابل مقاعد للجلوس وهبط بجسده علي إحداها، فقام بمهاتفة والدها ليخبره بوجودها بالمشفي وفي غضون نصف ساعة قد أتي والدها مهرولاً وتتبعه زوجته وعلي وجوههما الخوف، تسائل والدها:
_ بنتي مالها يا أكرم أي الي حصلها؟.

رفع رأسه و وجهه محتقن بالدماء آثر بكاءه:
_ ندي بخير يا عمي، هي تعبت شويه ولاقيتها بتنزف جبتها جري علي هنا والحمدلله لحقو النزيف وبقت كويسه.

شهقت والدتها ولطمت علي صدرها:
_ نزيف!، هي فين؟.

_ مش بيدخلو حد غير لما تفوء.
1

رمقته حماته بشك فقلبها يخبرها إنه سبب ما حدث لإبنتها فقالت بنبرة حادة:
_ أنت عملت في بنتي أي يا أكرم؟.
1

وبخها زوجها قائلاً:
_ هو ده وقته يا أم ندي، مش شايفه الراجل شكله عامل إزاي، هيكون عملها أي ده بيحبها وبيخاف عليها من الهوا.

زادت كلمات حماه نيرانه التي تأكله من الداخل، ود لو صرخ بهما وأعترف بذنبه، أراد أن يخبر والدها بإن من أحب أبنتك هو من آذاها وكان سيودي بحياتها، لكن كيف هذا، وبأي حديث سيتفوه.

جاءت إليهم الممرضة:
_ أكرم بيه، مدام ندي فاءت ممكن تدخل تطمن عليها.

سبقه والديها إليها ولم يتجرأ علي الذهاب لرؤيتها برفقتهم، يشعر بالعار من حاله.
دلفت والدتها بللهفة:
_ حبيبتي يابنتي أنتي كويسه؟.

وأخذت تفحصها لتنصدم بما تراه آثار عنف علي وجهها، فسألتها بقلق:
_ هو الي عمل فيكي كده؟.

أومأت لها بالنفي تخشي من ما ستفعله والدتها لو علمت بما حدث، تفوهت بوهن:
_ أنا كنت نازله أشتري طلبات وقعت علي السلم.

صاحت والدتها:
_ سلم أي يابنتي الي يخرشم وشك بالمنظر ده!،قوليلي يا ندا أنا أمك من أمتي وأنتي بتخبي عليا!.

قال والدها:
_ يا وليه سيبي البت ترتاح حرام عليكي.

زجرته زوجته ليصمت قائلة: 
_ أسكت أنت متعرفش حاجة، مرة تقولي يا ماما  إنهم مسافرين الساحل أسبوع وفجاءة ترجع تاني يوم ويسيبها هي وبنته وميسألش، ده غير حكاية قعدها من شغلها، ويوم ما نزلت تقولي رايحه تقابل صاحبتها ألاقي جوزها يقولي إنها معاه وهيسيب البنت عندنا كام يوم، ومن وقتها موبايلها مقفول ولو أتصلت عليه ميردش وأخرتها ألاقي بنتي مرمية في المستشفي بالمنظر ده، أي يا حج قول لأي عيل صغير كل ده هيقولك إن فيه مصيبة ولا مصايب مابينهم وأدي النتيجة.

أشارت نحو إبنتها، فأشاحت ندي وجهها جانباً وقالت قبل أن تري دموعها التي تجمعت في عينيها للتو:
_ معلش يا ماما ممكن تسيبوني لوحدي، أنا تعبانه ومش قادرة أتكلم.

وفي نفس التوقيت دلف الطبيب قائلاً:
_ حمدالله علي السلامة يا مدام ندي، حاسة بأي دلوقتي؟.

أومأت له:
_ الحمدلله يا دكتور.

أدرك إنها لا تريد أن تتحدث أمام والديها، فقال لأبيها:
_ معلش يا فندم أستأذنكو تسيبوها تستريح شويه.

فقال والد ندي:
_ يالا يا حاجة.

فقالت الأخري:
_ إحنا قاعدين بره يا حبيبتي لو محتاجة حاجة نادي عليا.

تنهد الطبيب وقال:
_ أطمني يا حاجة، كلها ساعات وتروح وأدينا معاها كل شويه بنطمن عليها.
وقبل أن تغادر أستدارت إلي الطبيب لتسأله:
_ هي حصلها أي يا دكتور؟.

رمقت ندي الطبيب بتحذير فقال بحيادية:
_ كان عندها نزيف والحمدلله وقفناه و زي ما أنتي شايفاها بقت كويسه.
1

حدجته بنظرة غير مقتنعة فقلبها يخبرها بأن الأمر أكبر من ذلك.
وبعد مغادرة والديها، جذب الطبيب وجلس بجوار التخت وقال:
_ أنا متفهم ومقدر موقفك، بس أنا جيت عشان واجبي لازم أقولك إن الحالة الي جيتي فيها كانت خطر علي حياتك والحمدلله قدرنا ننقذك بس مقدرناش ننقذ الجنين.
1

أتسعت عينيها وسألت بصدمة:
_ جنين؟.

_ حضرتك كنتي حامل وبسبب الإعتداء العنيف الي حصل لحضرتك محصلش نصيب، ده غير الكدمات الي لقيناها في كل حته في جسمك وإحنا بنعملك فحص، وأنا من حكم خبرتي الي فهمته شكل الفاعل زوج حضرتك، فلو حبيتي نكتب تقرير بكل ده ونقدم بيه بلاغ أنا تحت أمرك.

باغتها بطلب لم تتوقعه، فبرغم ماتشعر به من صدمات متتالية الأولي أكرم ومافعله بها والأخري إنها كانت تحمل جنيناً في أحشائها ولم تكن تعلم بسبب إنشغالها الأيام المنصرمة في المصائب التي وقعت عليها، وآخر صدمة تلقتها للتو هي أن تشكو زوجها ولدي من الشرطة!، فسوف تكون فضيحة لزوجها تتكاثر الأقوال عليها، وغير ذلك ماذا ستخبر والديها عندما يسألونها عن سبب فعلة زوجها هذه!.
أنسدلت من عينها عبرة،وبداخلها يخبرها بأن كل ما يحدث معها ليس سوي عقاب فعليها أن تتقبله بصدر رحب، وقررت أن تبتعد عنه ولو هذه الفترة عليها أن تفكر فيما سيأتي، لو أستمرت حياتها هكذا معه ستكون نهايتها لا محاله.
1

أنتبهت لصوت الطبيب الذي أنتشلها من بؤرة أفكارها:
_ قولتي أي يا مدام ندي؟.

تنهدت ومسحت عينها  فأجابت:
_ لاء يا دكتور، مفيش داعي لبلاغات دي أمور عائلية وهنحلها مع بعض.

أخبرها الطبيب مرة أخري ظناً منه إنها تخشي سلطة زوجها، فقال:
_ حضرتك لو خايفة يستغل سلطته ونفوذه و.......
قاطعته بضيق قائلة:
_ أطمن يا دكتور، جوزي مش من النوع ده، كل الحكاية إن مش عايزة شوشرة ولا فضايح، فياريت تقفل علي الموضوع ده.

هز رأسه بتفهم وقال:
_ الي تشوفيه حضرتك.

ذهب الطبيب وأخبره علي إنفراد بأنها رفضت بتقديم التقرير إلي الشرطة مما زاده ألماً وشعور بالذنب يأكله من الداخل، فهل بعد كل ما فعله بها تخاف عليه!.
وبعد مرور عدة ساعات وإعطاء الطبيب إذن بخروجها من المشفي، قامت والدتها بمساعدتها بالنهوض ومساندتها وكذلك والدها، فكان أكرم واقفاً ليطمأن عليها بدون أن يتجرأ ويذهب إليها، يقف كالطفل المذنب ينظر لها بندم شديد، وحين تلاقت عينيها برماديتيه رمقته بنظرة عتاب كانت كقذيفة من اللهب أحرقته.
غادرت المشفي بعدما أخبرته والدتها أنها ستأخذها لديهم لرعايتها، دلفت إلي سيارة أبيها وما زال ينظر إليها بأسف، تتوسلها عينيه بأن تسامحه لكنها بادلته بأخري مليئة بالإنكسار وعدم الثقة والأمان له.
1

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،،ــــــــــــــــــــــــ
_ تطلي شفتيها بالأحمر الناري ثم أبتسمت لإنعكاس صورتها في المرآه: 
_ الله عليكي يابت يا مورو،  مزه من يومك،  وربنا لأجننك يا علي وأخليك تنسي البومة الي إسمها ندي وتشيلها من دماغك خالص.
3

ولجت والدتها ترمقها بدهشة وتعجب: 
_ بت يا مروة واقفة أدام المراية وعمالة تكلمي نفسك زي المجانين؟.

أستدارت إليها بتوتر وقالت: 
_ لاء مفيش،  كنت بحط ميك أب عشان خارجة.

_ و ده أي المشوار المفاجئ ده ياقلب أمك؟.

جلست علي طرف التخت ترتدي الحذاء الجديد التي أشترته في الصباح: 
_ ده،  ده فرح واحد صاحبتنا معانا في الشركة، نسيت أقولك عليه.

تنهدت والدتها وقالت: 
_ قعدي أتنطط لي في كل حته وأحضري أفراح أصحابك،  وأنتي عماله كل ماحد يتقدملك ترفضيه بحجج ملهاش أي لازمة.
4

زفرت بتأفف:
_ يوه بقي،  مش هنخلص من الموال بتاع كل يوم ده،  وبعدين هاتيلي واحد عليه القيمه من الي أتقدمه لي،  إن كان إبن عمي الي لابس نضاره كعب كوباية وعنده لدغه في السين،  ولا عماد فيشة إبن عم مجدي الكهربائي الي يوم ماجه يصلحلنا السخان عمل قفله في الشقه كلها،  ولا إسلام إبن أمه الي مبيدخلش الحمام غير ما يستأذنها،  تحبي أكر لك بقيت اللسته السوده؟.

تنهدت والدتها بسأم وذهبت لتجلس بجوارها،  فقالت: 
_ يابنتي يا حبيبتي أنا عمري ما هرميكي لأي حد،  بس مش عايزاكي تقفلي بابك من غير ماتدي للي أدامك فرصه تعرفيه ويعرفك،  يعني العريس الي جايبه ليكي جوز خالتك قالي إنه مهندس وراجل محترم مبيسبش فرض وماسك منصب كويس في الشركة  ،  عنده 32 سنة وأهله متوفين ملهوش غير أخت واحدة ومتجوزة وعايشة مع جوزها بره.
1

_ طالما فيه كل المميزات دي مخدهوش لبنته نرمين ليه إلا إذا عارف حاجة وحب يلزق ليا،  ما أنا عارفه أختك وجوزها بيحبولنا الخير زي عينيهم.
قالتها بتهكم فأجابت والدتها: 
_ عشان نرمين فيه واحد متكلم عليها يبقي زميلها في الجامعة وجوز خالتك أداله كلمة لما عرف إنهم بيحبو بعض والواد هيموت عليها ده غير إنه مقتدر.
1

نظرت إلي الفراغ تتمتم بصوت غير مسموع: 
_ نرمين تتجوز الي بتحبه،  وندي شرحه،  وأنا الي بنت البطة السوده الي مكتوب عليا أحب واحد بيجري ورا واحده بتديلو بالجذمة و عاملة من كرامته خيشه بتمسح بيها الأرض وهو ولا علي باله،  فاكرني مصدقه حكاية إنتقامه منها ويخرب لها حياتها.
3

لكزتها والدتها في كتفها: 
_ أنتي يابت مش بكلمك سرحتي في أي؟  .

نهضت لترتدي حجابها القصير والذي يشبه القلنصوه لكنه مزخرف وله شكل فني: 
_ كنت بفكر في حاجة مهمة، ياتري ألبس أنهي شنطة الكاشمير ولا الهاڤان.

لم تتحمل والدتها عدم مبالاتها في الحديث معها،  فقامت وضربتها علي كتفها بحنق: 
_ تصدقي بالله إنك بت معندكيش دم شوف أنا بكلمك بقولك أي وأنتي تقوليلي الشنطة،  ماشي يا مروة،  وجزاء ليكي هخلي أبوكي يكلم جوز خالتك يحدد مع العريس ميعاد ويجي يزورنا وهتقعدي معاه تشوفيه ويشوفك ورجلك فوق رقبتك،  بنات آخر زمن.

ألقت والدتها قرارها الحازم وتركتها،  فأطلقت الأخري زفرة بضيق تهز في ساقها بقوة عليها أن تواجه علي وتطلب منه المجيئ لطلب يدها فكفاها توبيخاً من أبويها في كل مرة ترفض فيها عريساً.
أمسكت بهاتفها لترسل له رسالة عبر تطبيق الدردشة الشهير
(أنا جهزت يلا مستنياك أول ماتقرب كلمني ).
ــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،، ــــــــــــــــــــــــــــــ 
_ كيف ده يابتي،  مهما إن كان أنتي عروسة ومن حقك نعملك فرح،  هو مش دلوق لأچل ظروف وفاة خالك الله يرحمه،  إحنا هنكتفي بكتب الكتاب.
قالها الشيخ واصف،  فقالت قمر: 
_ الله يخليك يا عمي عارفة وخابره أنه من حقكو تفرحو بولدكو بكر وإنها أول فرحة، لكن أني معوزاش حاچة كفاية واجفتكو معاي وچميلكو الي فوج راسي.
2

تدخل بكر الذي دلف للتو من باب الغرفة: 
_ چميل أي الي بتتحدتي عنه دي، چوازي منك ده مش چدعنه ولا موجف شهامة،  أني جبل ما خالك يتوفي وفي نيتي أچي أتجدملك،  والي مأخرني كنت محتاچ شوية وجت أسوي أموري،  ولما القدر چابك لحد عندي جولت هو ده الوجت المناسب.

تهربت بعينيها بخجل وحمدت ربها بإنها ترتدي غطاء وجهها حتي لايري حُمرة وجنتيها الشديدة.
ولجت فاطمة إليهم وقالت: 
_ أبا،  الشيخ صفوت المأذون چه بره ومعاه عم طِلب وعم چمال.

خفق قلب قمر وكذلك بكر،  رمقها رغماً عنه بفرحة لم يستطع إخفاؤها،  فها هو قريب من اللحظة التي تمناها.
قال الشيخ واصف لإبنته: 
_ خدي قمر يا فاطمة و أعطيها الحاچة الي بكر چابهلها.

ذهبت قمر مع فاطمة وعند دخولهم إلي غرفة الأخري: 
_ تعالي يا عروسة وشوفي عريسك چايب لك أي.

رفعت قمر غطاء وجهها لتري فاطمة وهي تخرج من الحقيبة ثوب في منتهي الروعة والجمال من الدانتيل الأبيض وأسفله بطانة من الحرير،  يزينه لؤلؤ ويتوسط خصره حزام رفيع من الفصوص الفضية التي تشبه الألماس،  ومع الثوب نقاب من الحرير الأبيض ذو لمعة طفيفة وقفازات يد بيضاء يتوسطها من ظهر اليد زهرة صغيرة مطرزة باللون الأبيض أيضاً.

_ أخوي بعد ما چماعتك غارو من أهنه، راح أتدلي علي المركز وچابهم لك وچه.

فيروزتيها تتابع بفرحة وسعادة مهما تحدثت عنها لم تكفيها آلاف الكلمات،  فأخيراً أبتسمت لها الحياة وفتحت لها زراعيها لتعانقها وتربت عليها بحنان،  رزقها الله بخير الرجال كما كانت تدعو دائماً في صلواتها بأن الله يرزقها بالزوج الصالح الذي يؤخذ بيديها إلي جنات الفردوس.
وبكر هو جنتها علي الأرض،  ظفرت به بعد معاناة وقساوة فما أسعد قلبها في تلك اللحظة.
2

أرتدت الثوب وملحقاته و وقفت كالملاك الأبيض،  ترمقها فاطمة بإنبهار: 
_ يا ماشاء الله عليكي،  إكده أخوي عيخليها كتب كتاب ودخله.
نظرت قمر لأسفل بخجل فقهقهت فاطمة:
_ يلا بجي أطلعلهم،  شوي وهنلاجي أبوي عينادم علينا.

_ يا فاطمة.

_ شوفتي أهه،  كنت لساتني بجولك.

خرجت لتجد بكر يقف ينتظرها علي أحر من الجمر،  وعندما رآها كان في حالة لايرثي لها،  قلبه يود القفز من بين ضلوعه،  أخذ يردد: 
_ تبارك الله فيما خلق.
وظل يردد بعض الأدعية والأذكار.
بدأت مراسم عقد القران وكان الشيخ واصف وكيلها فليس لديها أقارب رجال،  فوالدها كان وحيداً.
تمت المراسم في أجواء من الفرح والسرور،  عانقت فاطمة شقيقها وألقت مباركتها له،  و عانقت قمر أيضاً: 
_ ألف مبروك يا مرات أخوي.
_ الله يبارك فيكي يا فاطمة،  وعجبالك مع الإنسان الي يستاهلك ويحافظ عليكي.
أومأت لها فاطمة بشبه إبتسامة،  فربت بكر علي شقيقته وقال بعدما أدرك نظرة الحزن  التي  تخبأها: 
_ ماهو لازماً هيحط البطة في عينيه.

لكزته بمزاح في كتفه: 
_ مبحبش الإسم دي،  إياك تجولو تاني.

قهقه ثلاثتهم، تحت نظرات جليلة التي ألتزمت موقف المتفرج من بعيد فهي غير راضية عن هذه الزيجة، حيث عللت لزوجها عندما علمت بقرار ولدها بأنها تريده أن يتزوج من فتاة ذات حسب ونسب تتباهي بها أمام أهل البلدة،  فكان رد زوجها إن قمر هي الفتاة المناسبة التي طالما تمناها لولده فهي ذات خلق ودين،  يكفيه تلك الصفات الحميدة.

وبعد مغادرة المأذون والرجال دلفت فاطمة و والديها إلي إحدي الغرف ليتركو العروسين علي راحتهم حتي يتحدثا بأريحية.
أشار بكر لها بالجلوس: 
_ واجفة حداكي ليه يا عروسة تعالي أجعدي.

سارت بإستحياء وجلست علي الأريكة الخشبية،  أقترب منها وجلس بجوارها،  يخفي توتره وخجله أيضاً،  لكن عليه أن يستجمع شجاعته،  تزحزح مقترباً منها قائلاً: 
_ ممكن أرفعلك النقاب؟.

أومأت له تنظر بخجل لأسفل: 
_ الي تشوفه يا سي بكر.

زادت نبرتها الرقيقة توتره،  مد يديه وقلبه يخفق بقوة،  رفع نقابها بتأني حتي أنكشف وجهها الذي لم يفرق عن البدر المنير.
_ بسم الله ماشاء الله،  ربنا يبارك لي فيكي يا قمري.
تخضنت وجنتيها أكثر بالدماء من شدة الخجل: 
_ تسلملي ياسي بكر.

أخرج من جيب بنطاله علبة صغيرة وقام بفتحها،  تحتوي علي خاتمين،  خاتم من الذهب وآخر من الفضة،  أمسك بالخاتم الذهبي ومد كفه لها: 
_ أعطيني يدك.

بتردد وخجل بدأت بخلع قفاز يدها اليمني،  فقال: 
_ لع يدك الشمال،  أنتي بجيتي مارتي اليمين ده للمخطوبين.

رفعت وجهها إليه وإبتسمت فيروزتيها فأذابت قلبه و سلبت عقله،  أعطته يدها اليسري،  فأمسكها بحنان وحذر كأنه يمسك ألماسه يخشي أن يخدشها،  وضع الخاتم في بنصرها،  ورفع كفها نحو شفتيه وقبله،  أنتفضت من ملامسة شفتيه ليدها،  سحبتها وكادت تبكي من فرط الخجل.
ضحك وقال: 
_ ألف مبروك يا عروسة.

ردت عليه بهمس يكاد يسمعه: 
_ الله يبارك فيك يا سي بكر.

_ معلش بجي، دي حاچة بسيطة، أنتي تستاهلي ألماس وياقوت وأكتر من إكده، بس أختارت الدبلة دي حاچة مؤقته وليلة زفافنا هچبلك شبكتك كاملة.
صمتت ولم تعرف بماذا تتفوه، فأردف:
_ مش ناوية تلبسيني الدبلة ياقمري؟.
قالها وهو يمد يده بالعلبة إليها،  فها هو يناديها مرة أخري بإسمها وينهيه بياء الملكية خاصته،  يجعلها كالفراشة التي تحلق في بستان أجمل الأزهار علي وجه الأرض.

_ أمرك يا سي بكر.

أمسك بطرف ذقنها ونظر في فيروزتيها وقال: 
_ الأمر لله وحده،  أولاً  أني بطلب منك مبأمركيش عاد،  ثانياً جوليلي بكر من غير أي ألقاب،  ده لسه قدامنا كتير عجبال مانتعودو علي بعض ولا أي؟.

_ الي تشوفو يا س....
قاطعها بإبتسامة: 
_ جولت أي؟.

_ الي تشوفو يا بكر.
_ أيوه إكده الله يبارك فيكي،  يلا بجي لبسيني الدبلة.
أخذت الخاتم و وضعته في بنصره وقبل أن تبعد يدها أمسك بها وحاصرها بين كفيه ورفعها نحو شفتيه يُقبلها مرة أخري: 
_ ربنا مايحرمني منك واصل.

ـــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،،،، ـــــــــــــــــــــــــــــ

🌷يتبع🌷
_ صوت موسيقي وغناء صادر من ذلك المذياع،  ودخان نرجيلة يملأ المنزل،  يستمتع برؤية تلك الفتاة التي برفقته ترقص وتتمايل بخصرها أمام عينيه التي تنهش كل أنش في جسدها.
كالعادة يقضي لياليه في سُكرٍ و عربدة ويختمها بإرتكاب الفاحشة مع إحداهن.
دوت طرقات الباب مع رنين الجرس،  فأنتبه إليهما،  توقفت الفتاة بقلق وتوتر،  فقال لها: 
_ أجفلي التسچيل وأدخلي چوه لما أشوف مين إبن الرخمه الي چاي دلوق.
3

نفذت ما أمرها بها علي الفور،  فذهب لفتح الباب ليجدها أمامه بوجه متجهم فقالت بسخرية: 
_ مساء الخير ياسي زيكو،  معلش چيتلك في وجت مش مناسب.
دفعته في كتفه ودلفت إلي الداخل،  أغلق الباب وامسكها بغلظة من زراعها قائلاً بحده : 
_ الي چابك دلوق،  مش أني محذرك وجايلك ما أشوفش خلجتك تاني ولا فاكراني بهددك والسلام.

رمقته بسخط وقالت: 
_ متضايج لأچل جطعت عليك سهرتك ويا البت الي مخبيها چوه!،  ياريت تمشيها عشان رايداك في حاچة ضروري.

ترك زراعها و أمسك بخصرها وبنبره خبيثة قال: 
_ شكلي أتوحشتك جوي وچيتي أطفي نار شوقك ليا.
دفعته في صدره بقوة قائلة: 
_ ده كان زمان يا عينيا،  ورد الهبلة الي كنت بتاكل بعقلها حلاوة خلاص، أني چايه لك في أمر أنت خابره زين،  فأحسنلك نجعدو لوحدينا.

وأشارت بعينيها نحو الغرفة التي تختبأ بها الفتاة،  زفر بضيق منها لكنه يخشي ردة فعلها إذا رفض لايريد تعكير صفوه،  ذهب ليخبر الفتاة بأن ترحل،  وبعد أن أرتدت عباءتها وحجابها وفي طريقها للمغادرة حدجتها ورد بإزدراء وقالت بسخرية : 
_ معلش يا سنيوره جطعت عليكي ليلتك مع سي روميو،  أبجي تعاليلو وجت تاني.

لم ترد عليها الأخري وبادلتها نفس النظرة الدونية ورحلت.
عاد زكريا وجلس خلف النرجيلة ممسكاً بالعصا ليسحب نفساً عميقاً منها و زفره في الهواء فيخرج الدخان من فتحتي أنفه وفمه: 
_ أشجيني يا هادمة الملذات.

جلست علي مقربة منه عاقدة ساعديها أمام صدرها وبثقة تطالبه: 
_ من الآخر إكده، تيچي تطلب يدي من أخوي ونتچوزو وطلجني بعد شهر ولا أتنين،  المهم جبل ما بطني تكبر.
أصدر صوتاً بذيئاً من أنفه وفمه،  قائلاً: 
_ يادي النكد والأرف الي ما هنخلصوش منيه،  أني سمعت نفس البوجين دول منيكي في التلفون وجولتلك لع وبرضك چاية تيعديه عليا تاني،  أنتي معدومة الدم والكرامة للدرچدي!  .

رمقته شزراً وقالت:
_ قسماً بالله لولا الي في بطني ما كنت چيت لك ولا ذليت نفسي ليك، لكن مضطرة وخاصة أخوي كل شوي يچيب لي عريس ومبجاش ليا حجه أرفض، ولو عرف بالمصيبة الي هببتها هيدفني بالحيا وجبلها هيخلص عليك.

ترك عصا النرجيلة من يده وأخذ يقهقه، وعندما توقف عن الضحك قال:
_ خلاصة الحديت الماسخ دي، أني هعطيكي جرشين تروحي تسجطي الي في بطنك وتعملي عملية ترچعي بت بنوت وتحلي عن دماغي، وتشوفيلك أي عريس وتتچوزيه، أي رأيك؟.
رمقته بسخط وتجمعت عبراتها بداخل عينيها، سألته بنبرة وشيكة علي البكاء:
_ ولو جولتلك أني السقط دلوق خطر عليا وممكن أموت فيها ترضيها عليا يا زكريا؟.

لم يكن سؤالاً بقدر ما هو إفصاح عن مشاعرها نحوه، فأدرك من نبرتها مدي حبها له، لكنه لم يكترث لها بل وسخر منها:
_ يا ورد فوجي من أحلامك دي وأعقلي، إحنا الي كان بينتنا سرير يچمعنا ولا وعدتك بحب ولا چواز، وإن كان علي الكلمتين الي كنت بجولهم لك في ساعة شوق، دي كان لأچل أخليكي تچي لي.

ها هي تبكي من أثر كلماته التي أظهرت لها كم هي وضيعة ورخيصة في نظره، كانت له مجرد جسد لفراغ شهوته وليس كما أوهمها من قبل.
رأي عبراتها فنهض و وقف أمامها، أمسك بيديها وبكل حقارة تفوه قائلاً :
_ عتبكي ليه دلوق، أفهمي يابت بجي وبلاش تتعبي جلبي وياكي عاد، أسمعي الي بجولك عليه وأني ياستي ليكي عندي بعد ما تتچوزي لو أتوحشتك أديكي عارفة المطرح تعاليلي وأني هبسطك علي الآخر.
1

أنتفضت وأبعدت يديها من خاصته ترمقه بإشمئزاز من مدي قذارته، فألقت كلماتها الأخيرة حتي لا تشعر بذنب ما ستفعله للتو:
_ يعني دي أخر حديت عندك؟.

أستدار مولياً إليها ظهره وقال بنفاذ صبر:
_ أيوه، الحمدلله إنك فهمتي أخيراً.

مدت يدها في حقيبة يدها المرتجفة، تستل السكين التي أحضرته معاها، فقبل مجيئها عقدت العزم علي الخلاص منه ومن حياتها لو مازال متشبثاً بقرار عدم زواجه بها، أزدردت ريقها والشحوب يكسو وجهها:
_ يبجي خلاص أنت الي أخترت.

وفي لحظة إلتفاته لها ليفهم ما تقصده وجدها ترفع يدها بالسكين وتصرخ وهي توجهها نحو صدره، فأسرع بإمساك رسغها:
_ عايزة تجتليني يابت ال.....

ألقاها علي الأريكة وأخذ يهز يدها بقوة لتقع السكين من يدها، هبط علي وجهها بصفعات متتاليه ينهرها ويسبها ويللعنها.
أخذت تقاومه بكل قوتها حتي أستطاعت دفعه من فوقها تصيح بإصرار:
_ الي زيك ملهوش إنه يعيش ولا يتهني واصل.
ودنت لأسفل لتلتقط السكين، فحاوطها من ظهرها، تعثر كليهما و وقعا علي الأرض.
_ الله يخربيتك ياشيخة، چايبة القوة دي كليتها منين، ماتتهدي بجي.

فوضع قبضته علي نحرها ويده الأخري تمسك بزراعها حتي لاتصل إلي السكين، غير مبال إنه يضغط علي عنقها بقوة تمنعها من التنفس و علامات الإحتقان بدت علي وجهها، تحاول الصراخ وإبعاد يده لكن بدون جدوي.
تراخي جسدها عن المقاومة ليحل السكون  ، ألتفت إليها بوجهه فأنتفض بفزع وأبعد قبضته عن عنقها.
نهض من فوقها و وضع أذنه ليسمع نبضات قلبها فلم يجد سوي الصمت، وضع أطراف أنامله لدي العرق النابض في عنقها فكان نفس الأمر، أخذ يربت علي وجهها يصيح بها:
_ أنتي موتي ولا أي، جومي الله يحرجك، بت يا ورد، جومي وأني هاتچوزك، جومي بالله عليكي أني ماقدرش أتلم علي چتتي.
2

يتفوه بخوف ورعب، جال الردهة ذهاباً وإياباً يلطم صدغيه:
_ يا مصيبتك السوده يا زكريا، أني إكده ضعت خلاص، البت ماتت.

عاد إليها مرة أخري في محاولة بائسة لعلها تكون فقدت وعيها، كاد يجن من الكارثة التي أقترفها للتو.
فهو يزني ويحتسي الخمر يفعل أي شئ ما عدا القتل، جلس بجوار جسدها ينوح ويتمتم بكلمات غير مفهومة، يري كل ذكري جمعتهما معاً أمام عينيه كشريط سينمائي.

صدح رنين هاتفه فأنتفض بوجل وملامح مذعورة، نهض ليجلبه بيد مرتجفة ويري إسم المتصل، ومجرد رؤية الإسم كأنه كالغريق الذي وجد طوق النجاه، أجاب ليأتيه صوت المتصل به:
_ فينك إكده يا سي روميو، مهمل المصنع وكل حاچة فوج دماغي،لساتك ويا الغازية؟.

أجاب بصوت مرتجف يتوسله:
_ ألحجني يا رافع.

_ هببت أي علي دماغك؟.

أبتلع ريقه ليتفوه معترفاً:
_ أني جتلت ورد!.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،ــــــــــــــــــــــــــــــ

_ أضواء ملونة ومتحركة في كل أتجاه وموسيقي صاخبة يتراقص عليها هؤلاء الفتيات والشباب،  وصوت كؤوس خمر ترتطم ليردد أصحابها نخب إرتشافهم لمحتواها يتبعه أصوات ضحكات رقيعة.

وهنا لدي البار يجلس علي المقعد المرتفع يحتسي الكأس السابع له، أختطفت من يده الكأس وقالت له: 
_ ما كفايه بقي شرب يا علي،  إحنا جايين نسهر ولا تسكر زي كل مرة!  .

قبض علي تلابيب كنزتها يرمقها بنظرة نارية: 
_ عارفة لو الحركة دي أتكررت تاني هعمل فيكي أي؟.

ظلت تحدق في عينيه بتيه، مدت كفيها تحاوط وجهه وبنبرة عاشقة  قالت: 
_ أنا بحبك يا علي وبخاف عليك.

تشوشت صورتها في عينيه لتتبدل ملامحها إلي التي يهواها قلبه ومتيم بها،  ترك كنزتها وهبط من فوق الكرسي، وعلي أنغام الموسيقي الرومانسية جذبها من يدها وذهب بها إلي ساحة الرقص،  وضع يديه علي خصرها ليقربها منه و دفن وجهه في عنقها يتخيلها هي من بين يديه.
_ أنا مش عايز حاجة من الدنيا دي كلها غير الحضن ده.
1

خفق قلبها بشدة بعد سماع كلماته وقربه المهلك لها،  همست له: 
_ وأنا كمان مش عايزة غيرك أنت وبس ياعلي، من يوم ماشوفتك وإحنا في الجامعة وهاموت عليك، عرفت كل حاجة عنك بتحب أي وبتكره أي، كل يوم حبك كان بيكبر جوايا،  لحد ما جه اليوم الي أتصدمت فيه وشوفتك قاعد معاها في الكافتريا وماسك إيدها وبتعترفلها بحبك،  وقتها حسيت كأن سيخ حديد جبته من علي النار وغرزته في قلبي.

كانت في وادي وهو في آخر لم يستمع سوي صوت قلبه الذي يوهمه بإنها هي من بين يديه،  وساعده علي هذا شربه الكثير من الخمر فبدأ يثمل،  شد من عناقها وبدأت يديه تتجول علي ظهرها ب حرية،  تململت بين يديه قائلة بتحذير: 
_ علي بس،  أي الي بتعملو ده فوء.
أرادات أن تبتعد لكن كلما تحركت كلما تشبث بها أكثر،  فهبط بشفتيه علي عنقها يقبله بنهم ويتفوه من بين قبلاته: 
_ بعشقك،  بعشقك أوي يا ندي.

تسمرت عند ذكره لإسم غريمتها وتصريحه بعشقه لها،  دفعته بكل قوتها: 
_ ولما أنت بتحبها معلقني بيك ليه كل ده،  فيها أي زيادة عني،  حرام عليك ده أنا بحبك وعماله أضيع سنين من عمري جمبك وأنت ولا حاسس وكل همك ست زفت الي لعبت بيك وكانت وخداك تسلية لحد ما يرجعلها حبيبها،  أديها أتجوزته وخلفت وعايشه حياتها،  قولي أنت أستفدت أي غير إنك بقيت عايش علي الأطلال وبتقنع نفسك بإنتقامك الوهمي منها.
مسحت عبراتها التي أنسدلت للتو وأردفت بقوة وكبرياء : 
_ أنا فعلاً غلطانة وأستاهل الي بيجرالي،  عشان حبيت واحد شبه راجل زيك.
1

كلماتها الأخيرة كفيلة إنها جعلته يعود إلي وعيه والغضب يحتل ملامحه من إهانتها له أمام كل من بالملهي،  هبط علي وجنتها بصفعة قوية،  تلقتها بصدمة وخاصة بعد صراخه المهين عليها: 
_ أنا راجل غصب عنك،  علي الأقل مش خاين و واطي زيك، وأيوه بحبها وهافضل أحبها لحد ما تبقي ليا، إنما أنتي كنتي مجرد كوبري مابينا و خلاص دورك أنتهي،  فياريت تلمي الباقي من كرامتك وتغوري من حياتي كلها.
2

كلمات أقوي وأقسي من الصفعة التي تلقتها،  تمنت أن تتلاشي من الوجود ولا تسمع منه هذا الحديث الذي جعلها تشعر مثل من يحرق حياً،  لكن هيهات فكبرياء الأنثي بداخلها جعلها تستمد شجاعتها فوقفت بثبات تحدجه بتوعد وتهديد: 
_ أنا همشي من حياتك،  بس وحياة كل لحظة حبيتك فيها لأندمك علي كل كلمة قولتهالي والقلم الي لسه نازل علي وشي،  هردهولك أضعاف يا علي يا حسيني.
بصقت بالقرب منه وغادرت مسرعة قبل أن يلحق بها،  لكنه وقف في مكانه ينظر نحو آثرها بإزدراء.
جاء إليه إحدي العاملين في الملهي وكان علي معرفة به،  يمسك بزراعه: 
_ علي بيه،  تعالي أقعد الناس عماله تبص عليك،  تعالي أقعد علي التربيزة بتاعتك وأنا هخليهم يجيبولك الديرتي مارتيني الي بتحبه،  حاجة وصايه متعتقه،  وفوقيها بنتين يروقه عليك القعده.

أبتعد علي عنه وقال: 
_ مش عايز زفت.

وذهب إلي البار وجلس قائلاً للنادل: 
_ هاتلي دبل.

نظر النادل إلي العامل فأومأ له بأن يذعن لطلبه،  فقال علي له بغضب: 
_ أنت بتستأذنه عشان تصب لي!  .

_ لاء بس.....
قاطعه علي بصراخ: 
_ هو ليه كلكو بتتعاملو معايا كده،  ولا عشان أنا بتعامل بطيبه معاكو هتستغلوني وتفتكروني ضعيف.

بينما هو يصرخ حضرت للتو تلك الفاتنة ذات الجسد البض الممشوق تخلع معطفها عنها وتأخذه مساعدتها: 
_ هو مين الي عمال يصرخ هناك ده يا واد يا تايسون.

رد حارسها الخاص ذو الجسد الضخم بصوته الغليظ: 
_ ده علي بيه يا فنانة ،  زبون هنا بقي له فترة،  بيجي يسكر ويمشي والغريبة إنه عمري ما شوفته قاعد مع البنات الي شاغلين هنا،  مفيش غير بت كده كانت بتيجي معاه ولسه شايفها ماشيه بتجري وعماله تعيط،  شكلها والله أعلم صاحبته وأتخانقو مع بعض.

أخذها الفضول نحوه وظلت تنظر له والرجال يهدأونه حتي جلس وأمسك بكأس يرتشف منه علي دفعة واحدة،  كأس تلو الآخر بلا توقف.
قادتها قدميها إليه وقفت أمامه فكاد يرفع الكأس نحو فمه،  فأمسكته منه وبجرأتها التي أكتسبتها من عملها كراقصة قالت: 
_ الجميل زعلان ليه؟.
رمقها بتفحص من أسفلها لأعلاها وقال بسخرية: 
_ و القموره الحلوة عايزه مني أي؟.

أطلقت ضحكة رقيعة وأجابت: 
_ جيت أشوفك يمكن أهون عليك الي أنت فيه.

أخذ منها الكأس وأشاح وجهه عنها: 
_ متشكرين مليش في الجو ده،  شويه وماشي.

_ أخص عليك هاتمشي قبل ما تتفرج علي نمرتي.
إبتسم بجانب فمه وقال: 
_ ده أنتي رقاصة بقي.

ردت بحنق: 
_ ومالها الرقاصة يا روحي، أنا فعلاً غلطانة واقفه معاك وبضيع وقتي الي بالفلوس، عن إذنك.

أمسك يدها وجذبها إليه،  فتنهد وقال بإعتذار: 
_ حقك عليا متزعليش،  أنا بس مخنوق شويه.

_ ماشي،  آسفك مقبول، بس علي شرط تستناني لحد ما أخلص نمرتي وأجي نقعد مع بعض أشوف حكايتك أي ولا في مانع؟  .

أبتسم وقال:
_ لاء مفيش،  هستناكي.

وقبل أن تذهب إلي غرفتها لتبدل ثيابها إلي ثوب الرقص،  أوقفها قائلاً: 
_ مقولتليش إسمك أي؟  .

أجابت بدلال: 
_ سمر،  والدلع سمارة.
وغمزت له بعينها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،،، ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3

_ في منطقة نائية خارج النجع تشبه الصحراء توقف رافع بسيارته ذات الدفع الرباعي ومن الطراز القديم،  ترجل منها آمراً رجاله: 
_ يلا هم منك ليه وأحفرو أهنه بسرعة.

قال دبيكي: 
_ أمرك يا كبير.

أخرج سيجارة وقداحة من جيب جلبابه ليشعلها،  دلف برأسه إلي داخل السيارة ليجده ما زال يرتجف ويبكي في مكانه.
_ واه،  لساتك عتبكي كيف النساوين،  ما خلوصنا بجي، الرچالة بيحفرو وهنتاويها لامن شاف ولا من دري، أي لازمته حرجة الدم الي عايش فيها دي عاد.
1

رد زكريا من بين بكائه: 
_ يا أخي أرحمني،  خابر الي سويته!،  أني جتلتها،  جتلتها.
صرخ بها،  قفز الآخر بجواره ليوبخه:
_ أكتم الله يحرجك عتفضحنا،  علي رأي المثل ما شوفهمش وهم بيسرجو،  خد السوچارة دي وأنت هاتروج.

أخذها وألقاها بعنف من النافذة: 
_ معوزاش حاچة،  وأنزل وهملني لحالي.

قهقه رافع بسخريه،  لم يهتم لحالة إبن عمته فهو معتاد علي تلك الأمور وقلبه من فولاذ لايتأثر بقتل نفس أو بغيرها.
_ خلاص بعد ما الرچالة تخلص تعالي نطلعو علي الكباريه نجضي ليلة عنب ويا النسوان الي كيف المهلبية هناك،  عينسوك إسمك واصل.

أتي صوت دبيكي في الخارج: 
_ خلصنا حفر يا كبير.

أخرج رأسه وقال لهما: 
_ خدو الحاچة من الصندوج وتوها بسرعة.

وحين فتح الرجال صندوق السيارة لأخذ جثة ورد الملقاه بداخل زكيبة من الخيش ومغلقة بحبل غليظ،  ألتف زكريا برأسه ليلقي عليها نظرة أخيرة يقول في نفسه: 
_ سامحيني يا ورد، سامحيني.
1

ــــــــــــــــــــــــ،،،،،،، ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ يتمدد علي الأريكة منذ البارحة،  فبعد أن طلبت منه إنتظارها بعد إنهاء فقرتها،  عادت لتجده ثمل كثيراً ولم يعِي إلي أي شئ من حوله،  شعرت نحوه بالشفقة فأخذته معها إلي منزلها وأسنده حارسها ودلف به إلي الداخل فوضعه أعلي الأريكة ورحل.
سطع ضوء شمس الظهيرة فتسلل الشرفة وتسلط علي عينيه،  فتحهما ببطئ ونهض جالساً يضغط علي أعلي أنفه بإبهامه وسبابته،  يداهمه ألم الرأس بسبب ما أحتساه البارحة من الخمر.

جال بعينيه متعجباً من المكان حوله، فوجدها قادمة إليها تحمل صينية كبيرة عليها أطباق من الطعام الذي أعدته للتو.
_ صباح النور يا لول،  ناموسيتك كحولي.

رفع عينيه ليجد تلك الجميلة، ترتدي عباءة قطنية تصف منحنياتها بدقة تصل إلي ركبتيها وتكشف عن زراعيها، وقفت أمامه لتضع الصينية علي الطاولة أمامه، حك فروة رأسه يحاول أن يستعيد ذاكرته فقال: 
_ أنا فين؟  وأنتي مين؟.

أطلقت ضحكتها التي لاتفارقها وقالت: 
_ ليك حق متفتكرش يا قمر، أصلك كنت سكران طينه ليلة إمبارح وصعبت عليا فجبتك هنا عندي، أنا ياسيدي أبقي سمر وشهرتي في الكباريه والمجال سماره،  وأنت في شقتي المتواضعة الي مدخلهاش راجل غيرك أنت والبودي جارد بتاعي وسي زيكو جوزي.

عقد مابين حاجبيه: 
_ جوزك!.

أبتسمت حتي ظهرت أسنانها ناصعة البياض: 
_ أيوه جوزي،  بس عرفي أصله ملهوش في الرسمي،  وأنا مليش في الحرام فشرطت عليه نكتب حتي ورقتين عرفي،  أومال أي يا أخويا،  الشمال أخرته وحشه وأنا ست دوغري وليا سمعتي،  والواحده فينا ليها أي غير سمعتها وشرفها.

ضحك علي من كلماتها وأسلوبها العفوي،  فأردفت: 
_ آراك بتضحك علي كلامي ياسي لول،  هو أنا كنت بقولك نكت ولا أي؟.

_ لاء لاسمح الله،  أنا بس عجبني مبدأك وطريقة تفكيرك،  واضح إنك طيبة خالص وغلبانة.

شهقت وهي تتشدق: 
_ ها،  أي غلبانة دي،  شايفني قاعده علي باب الجامع بشحت وبقول لله يا محسنين.

قهقه وقال بإستنكار: 
_ لاء والله ما قصدي،  أنا كل الي أقصده إنك جدعة وبنت بلد،  مهونتش عليكي تسبيني سكران وجبتيني علي بيتك وبتضايفيني وأنتي متعرفيش عني غير أسمي بس.
1

_ هو أنا مقولتلكش!،  أنا خليت الواد تايسون جابلي تاريخ حياتك كله وبعدين أنا ليا نظرة في الي أدامي متخيبش أبداً،  أول ما شوفتك قولت الولاه ده إبن ناس وطيب وشكله مجروح جامد وحكايته كبيره وراها واحدة ست.

تبدلت ملامحه من الضحك إلي الضيق،  فنهض وبحث عن متعلقاته: 
_ طيب يا مدام سمر،  أحب أشكرك علي جدعنتك معايا،  معلش أستأذنك بقي يا دوب أروح وأغير وهطلع علي الشغل.

_ أي ده يقطعني،  شكلي عكيت في الكلام ولا أي،  حقك عليا،  أقعد بس كولك لقمة ده أنا عملالك أكل هتاكل صوابعك وراه،  أمي طول عمرها تقولي بت ياسمر ده الي هيتجوزك هيموت فيكي بسبب أكلك بس.

أومأ لها بإحراج يحك ذقنه:
_ معلش خليها مرة تانية،  وأنا الي هعزمك.

رأت إصراره علي الذهاب فقالت: 
_ علي راحتك يا سي علي، البيت بيتك وأهلاً بيك في أي وقت،  وأبقي أسأل عليا.
_ حاضر.
_ طيب خليك عندك ثواني وجاية.

دلفت إلي غرفتها،  وهو أخذ أشياءه من فوق الطاولة وهم بالذهاب.
_ أتفضل.
جاءت إليه تحمل بطاقة ورقية: 
_ ده الكارت بتاعي علي كل أرقام تليفوناتي.

أخذه منها و وضعه في جيب سترته:
_ خدي بالك من نفسك،  سلام.

ذهب،  سارت خلفه لتغلق الباب خلفه،  تنهدت وأسندت ظهرها عليه: 
_ الله يسلمك يا سي علي.

ــــــــــــــــــــــــ،،،،،،، ــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ وقفت الخالة هنادي أمام منزل خميس القناوي،  طرقت الباب،  فتحت لها زينب فكانت في إنتظارها حيث هاتفتها وطلبت منها المجيئ لإخبارها بأمر هام.
_ يا أهلاً ومرحب بيكي يا خالة.
قالتها زينب وعانقتها بترحاب وحبور

_ حمدالله علي سلامتك يا غالية،  كنت هاتچنن عليكي لما سمعت بالي چري وياكي.

أمسكت زينب بيدها وهي تنظر في أرجاء المنزل فقالت: 
_ تعالي چوه في أوضتي نجعدو ونتحدتو علي راحتنا.

وبعد أن دلفت الخالة إلي غرفتها قامت الأخري بمضايفتها ثم جلست معها وبدأت تتحدث: 
_ معلش يا خالة عارفة أني مجصره وياكي أنتي وعمي چابر،  ربنا عالم الي كنت فيه الأيام الي فاتت.

ربتت عليها الخالة: 
_ عارفة يا بتي وعذراكي،  دي أني كان جلبي واكلني عليكي لما عرفت الي حوصل معاكي وآخرها إنه أنكتب كتابك علي الراچل إياه غصب عنك ،  الله يسامحه أخوكي ويهديه.

تنهدت زينب وقالت: 
_ يارب، ماكنش بيدي يا خالة، هربت منيهم لآخر الدنيا ووصلو ليا وهددوني يا أرچع وياهم ويعجد عليا يا إما يأذو الناس الي كنت حداهم ويجتل فارس.

شهقت هنادي وضربت علي صدرها: 
_ الله يحرجهم ما كفهمش رميتو في السچن وبهدلته!، عايزين منيه أي تاني، ربنا علي الظالم والمفتري.

_ ما أني لأچل إكده جولتلك تعالي،  بالله عليكي يا خالة إياك فارس يعرف أني أتچوزت مين،  وأكدي علي عم چابر،  هو بالتأكيد هيعرف لكن متجولوهوش مين هو،  سليم الزفت دي راچل خطير جوي وليه سلطة ونفوذ ملهمش حدود،  خايفه فارس لما يخرچ من السچن بإذن الله ويعرف يسوي حاچة إكده ولا إكده والتاني المحروج ما هيصدج يمسك له غلطة ويتخلص منيه.
2

زفرت بحزن وبعينين يملؤها الآسي والشفقة قالت الخالة: 
_ وأي الي رماكي في طريج الشيطان دي يابتي.

_ النصيب يا خالة،  نصيبي يكون أخوي رافع،  ويچيلي من وراه وجع وقهرت جلبي.

_ ربنا يبعد عنك كل شر ويخلصك منيه ويچمعك بفارس ويبعد عنكو ولاد الحرام.

رددت زينب وعينيها تنظر نحو النافذة شاردة في السماء:
_ آمين، زيدي من دعواتك يا خالة، وأدعيلي بالصبر جبل ما أتچن.

_ چن ما يلهف كل عدوينك والي يأذيكي يابتي، بعد الشر عليكي، خلي توكلك علي الله وبإذن الله هيسعد جلبك أنتي وفارس ولد زهرة يارب.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،،ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا الهاتف ربما يكون مغلقاً أو غير متاح،  هذه رسالة مسجلة.
تلك المرة المائة التي يسمعها عند مهاتفته لها،  يريد سماع صوتها والإطمئنان عليها،  لم يتجرأ بالتحدث إلي إحدي والديها،  يخشي من ما سيتلقاه من كلمات ستزيده ألماً أكثر من مايشعر به.

طرق الباب ودلف زميله وصديقه طارق قائلاً: 
_ فاضي ولا أجيلك في وقت تاني؟.

أشار له وقال: 
_ تعالي يا طارق،  أنا كنت لسه هجيلك أصلاً.

جلس طارق أمام مكتب الآخر يحملق في ملامح صديقه المهمومة والمليئة بالحزن والآسي.
_ مالك يابني في أي بقالك فترة مهموم ومبتتكلمش،  هو فيه حاجة عندك حصلت،  المدام ولارا كويسين؟.

من طباع أكرم الكتمان لايحب أن يحكي ما بداخله لأحد،  فقال بإقتضاب: 
_ بخير الحمدلله.

_ أومال مالك،  لو شوفت شكلك بقي عامل إزاي هاتعرف أنا قصدي أي.

تنهد أكرم بحزن دفين، فتذكر الأمر الذي يريده من صديقه فسأله: 
_ أنا كنت عايز أسألك عن صاحبك الي اسمه علي الحسيني.

رمقه بتساؤل: 
_ هو فيه حاجة ولا أي؟  .

أجاب محاولاً أن لايظهر ضغينته: 
_ كنت عايز أعمل معاه واجب،  أردله وقفته معانا في الساحل.

_ يعني أنت قعدت يومين علي بعض حتي،  ده أنا أستغربت لما رجعت فجاءة،  علي العموم ياسيدي علي ده شاب جدع جداً وطيب بعد ما أتخرج من الجامعة سافر بره إيطاليا تبع شركة منتجات تجميل صاحبتها أتعرفت عليه من خلال رحلة ليها هنا في مصر،  بعتتلو وسافرلها ماسكته إدارة الشركة الي قدر يكبرها لها وفتحو فروع كتير،  فجاءة تعبت وعرفت إنها مريضة لوكيميا مرحلة متأخرة،  مكنش ليها حد غير علي الي كان زي أخوها برغم إنها عرضت عليه الجواز بس هو رفض لأنه بيحب واحدة تانية ومش قادر يتجوز ولايحب غيرها.

أنتبه أكرم لتلك الجملة الأخيرة فجز علي فكه بقوة وعروق عنقه برزت بشدة،  أكمل إنصاته إلي طارق: 
_ المهم لما ماتت أكتشف من المحامي بتاعها إنها كتبت له كل ممتلكاتها بإسمه،  قعد فترة هناك عقبال ماصفي الشركة وفروعها كلها ورجع مصر،  وزي ماعرفت كده داخل شريك بنسبة أسهم 70٪ في القرية الي نزلته فيها،  ده غير الشركة الي ماسك إدارتها حالياً أشتري أسهمها بالكامل،  بتهيألي الشركة دي الي بتشتغل فيها مدام ندي.

تفوه أكرم من بين أسنانه بإستنكار:
_ كانت بتشتغل فيها.

رمقه طارق بإستفهام: 
_ أوعي تكون أنت الي خلتها تسيب الشغل،  أصل أنا عرفك لما بتطلع حاجه في دماغك لازم تنفذها.

_ هي الي سابت الشغل من نفسها،  قالتلي عايزه تتفرغ لتربية البنت.

_ والله وحشاني الكتكوته الشقيه،  ماتجبيهم وتعالو قضو معانا يوم،  المدام كل شويه تسألني عليكو حتي الأولاد،  مازن إبني بيقولي يا بابي قول لأونكل أكرم يدينا لارا تعيش معانا.

إبتسم أكرم وقال:
_ قولو متغلاش عليك يا حبيب عمو،  ده أنا أجبهالك لحد عندك بشنطة هدومها.

_ ربنا يخليهالكو وتفرحو بيها،  شوفت كنت هتنسيني جايلك في أي،  لسه عارف لك أخبار طازه،  سليم العقبي.

أنتبه أكرم بكل حواسه،  فمشاكله العائلية جعلته يغفل أمر هذا المجرم الذي يترصد له كل تحركاته حتي يوقعه ويزج به في السجن.

_ البيه كتب كتابه علي بنت من نجع في محافظة قنا،  وبعد فرحه هياخدها ويسافرو علي أمريكا،  تحديداً في ولاية لاس فيجاس.

عقب أكرم قائلاً: 
_ وإشمعنا لاس فيجاس،  مش هيروح كاليفورنيا زي كل مرة ليه؟.

أجاب طارق بتفكير: 
_ ما هو ده المغزي،  كل أعماله وبلاويه في كاليفورنيا،  ومعني إنه هيغير خط سيره المرة دي في ولاية جديدة يبقي ليه مصلحة فيها،  خاصة لاس فيجاس مشهورة بالكازينوهات وعصابات المافيا والسلاح والقمار والدعارة،  ومليون في الميه عنده صفقة من إياهم.

أطلق زفرة عميقة وقال: 
_ والله يا طارق أنا دماغي واقفه حالياً،  والي بتتكلم فيه ده موال كبير والأنتربول علي يدك آخر مرة شال إيده ومرضوش يساعدونا إننا نمسكه متلبس، وطلع إن فيه حد فيهم شغال لحساب الطرف التاني شريك سليم وبيبلغهم بكل تحركاتنا.

حدجه طارق بدهشة متعجباً: 
_ غريبة،  ده أنا قولت هتتحمس أكتر لما أقولك وهنفكر مع بعض هنعمل أي،  خاصة ياسر مدكور واخد أجازة مرضي،  كان في مهمة بيقبض علي شوية عيال ديلرز فواحد منهم كان ليه تار عنده أداله بالحديده علي قصبة رجله عمله كسر مضاعف.
1
تنهد وقال: 
_ اللهم لاشماته،  من أعمالكم سلط عليكم.

نهض طارق ونظر في ساعة هاتفه: 
_ أسيبك أنا يا أبو المكارم،  أصلي هخلع بدري عشان رايحين أنا والمدام والأولاد نزور حماتي،  عايز مني حاجة قبل ما أمشي؟.

أبتسم له: 
_ تسلم يا طروق.

ذهب طارق وترك الآخر في براثن أفكاره،  يمسك بالقلم ويدون في ورقة ما علمه عن علي الحسيني.

_ مبقاش أكرم عمران لو ما مخلتكش تيجي تبوس رجلي عشان أرحمك يا علي الكلب.
1

ــــــــــــــــــــــــــــــ،،،،،، ــــــــــــــــــــــــــــــــ
 يقود سيارته ويستمع إلي إحدي الأغاني بإستمتاع ويردد معها،  توقف أمام متجر لبيع الورود وأشتري باقة كبيرة من الچوري الأحمر،  وأنطلق مرة أخري حتي توقف أمام محل لبيع الحلويات والشيكولاتة فأشتري قالب حلوي كبير وأوصي البائع بكتابة عبارة المعايدة بإسمها، فهذا اليوم عيد مولدها كان علي علم به من بطاقتها الشخصية،  وأراد أن يفاجئها بإحتفال صغير.
وقبل أن يذهب إلي المنزل ذهب إلي متجر المجوهرات و أشتري لها سلسلة من الذهب الأبيض يتوسطها دلايه من الماس علي شكل قلب.
1

وصل أخيراً أمام البناء ويحمل الباقة والقالب والبسمة لا تفارقه،  متشوق لرؤية وجهها عندما يُهديها هديته ويهنئها بعيد مولدها.
لكن تأتي الرياح بما لاتشتهي السفن،  لم تتم فرحته،  فحين خرج من المصعد وجد باب شقته مفتوحاً ومكان المفتاح مكسوراً أو مهشماً تماماً.
1

تسمر في مكانه يدرك ما قد حدث،  فجاء في ذهنه أمر آخر، يخشي أن هناك لصوص أقتحمو المنزل وقامو بأذيتها، دلف وألقي ما بيديه وأخذ ينادي عليها والخوف يتملك قلبه: 
_ سمية،  سمية.

لا إجابة
ركض في كل الأرجاء باحثاً عنها،  لاحظ أول شئ أن المنزل مرتب وليس به آثار إعتداء،  قام بمهاتفة حارس العقار الذي أجاب عليه وأخبره إنه لايعلم شيئاً فاليوم غادر مبكراً وأتي بدلاً منه شقيقه الأصغر فأوصله به وكانت أجابته أيضاً إنه لايعلم شيئاً فلربما غادرت المبني وهو كان في المرحاض.
زفر بغضب عارم يردد الكثير من اللعنات،  جلس علي الأريكة ليفكر كيف سيبحث عنها،  فأنتبه إلي ورقة أعلي الطاولة فوقها قطعة ديكور خزفية،  جذب الورقة ليجدها رسالة قد تركتها له قبل أن تهرب،  فكان محتواها كالآتي: 

_أولاً حبيت أتشكرك علي حسن معاملتلك ليا وكرمك معاي ده غير إنك أنقذتني من الشيطان صاحبك، عشان إكده هملتلك چواب لأچل أطمنك علي أني بخير، ماريداش تكون زعلت مني بسبب أني كسرتلك الكالون وهربت، جعدتي وياك ملهاش لازمة بعد ما لاجيتو زينب وصاحبك كتب عليها، ماتستغربش أني عرفت من اللاب توب بتاعك الي نسيته في أوضتك والي عرفت منيه كيف أكسر كالون الباب المصفح ، وبعتذر مرة تانية أني فتحته من غير علمك وشوفت رسالة علي الماسنچر كان بعتهالك المخفي سليم بيأكد عليك تستناه ويا المأذون في القصر، ربنا ينچي زينب منيه ومايلحج يتهني ويدوسه جطر يهرس چتته حتت وبدل ما يدخل دنيا يدخل چهنم وبئس المصير، معلش بجي متزعلش من كلامي عليه أصلي مغلولة منيه جوي جوي ولد الفرطوش من الي سواه فيه.
وجبل ما انهي كلامي عايزة أجولك إن أحلي أيام جضتها حداك بس يا خسارة أني مابحبش الحبسة و معرفاش ليه مكنتش عايز تهملني.
وفي الختام أتمني لك كل خير وربنا يتوب عليك من شغلك مع سليم وتشتغل ويا ناس أنضف وأحسن لأنك چدع وچواك طيب وزين.
يلا كفاية إكده الجلم شكله عيشطب ومفيش غيره.
آه صح نسيت أجولك بلاش تدور عليا لأنك ماهتلاجنيش واصل ولا عند أبوي ولا خالة أمي الي في سوهاچ.
سلام يا صلاح بيه، جصدي يا صلاح وبس.
_ ظل يقرأ الرسالة أكثر من مرة ف تارة يضحك من كلماتها وتارة يعتريه الغضب كلما يتذكر إنها هربت.
نهض وترك الرسالة في مكانها علي الطاولة، أخذ يفكر كيف سيبحث عنها وأين يجدها، وعندما عجز عن التفكير أمسك بباقة الورود وألقاها بكل قوته علي الأرض و قام بدهسها،  غادر منزله وهبط إلي الحارس وطلب منه إحضار النجار لتصليح الباب،  بينما هو أستقل سيارته ليتجول في الشوارع لعله يجدها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،،،، ـــــــــــــــــــــــــــ 

_ و ها قد جاء يوم ترحيل فارس إلي النيابة العامة،  فمازال محاميه الجديد يبحث عن أي ثغرة أو شاهد يشهد في صالحه لكن لا جدوي وكأن الأبواب موصدة بأقفال يستحيل فتحها.

تُحلق الطيور في كبد السماء متجهة إلي أعشاشها الواهنة ،  فالشمس أنذرتهم بالمغادرة وهي تلملم أشعاتها الذهبية،  فتنعكس حُمرة الشفق علي عيون بللون الغيوم المُلبدة، تراقب السرب المُحلق من بين قضبان نافذة شاحنة الترحيلات،  بداخلها الظالم والمظلوم ولكل منهم حكاية، ومن بينهم هذا الذي ما يزال يحدج في الخارج من النافذة، يستمع لإحدهم وهو يغني بكلمات قد زادت علي جرح فؤاده أكثر ليزداد النزيف ويذرف القلب دماء الحزن والشجن.

_ آه يابا... آه يابا
ليه سبتني يابا في وسط الدنيا الغابة
تفتكر الي من دمك حبايب ويطلعو ضباع وديابة
عاشق بس الزمن رماني بكل قسوته في النار
إكمن قلبي الطيب مديله الأمان ونسيت إنه غدار
آه يابا...  آه يابا

يبدو إحدهم قد مل وتملك منه الإنزعاج المنبلج علي ملامحه الإجرامية،  فصاح فيمن يُغني: 
_ ما كفايه إكده يا أبو عمو،  مش ناجصين ولوله وعويل عاد.

صمت الذي يغني وقال له بتهكم: 
_ لو مش عايز تسمع يا بلدينا عندك صوابع يدك حطها في ودانك.

حدجه الآخر بشرٍ وبتهديد قال: 
_ ما أنا بدل ما أحط صوابعي في وداني أرشجها في خشمك وأطلع حنچرتك في يدي!  .

أندفع نحوه في وضع الهجوم لكن دفعه العسكري  يصيح فيهما: 
_ چري أي منك ليه؟  ،  جسماً بالله لو ما أتلميتو لأفرغ رصاص البندجية ده فيكم چتكم البلا.

أجاب الشخص الأول: 
_ دماغنا مصدعه والباشا مفِكر إننا في رحلة مش رايحين نتعرضو علي النيابة.

_ واه!  ، ما خُلصنا  يا جنيدي،   وخليك في حالك.

عاد هذا الجنيدي بجوار المُكبل معه يتأفف من الضجر،  فوقف بجواره وقال: 
_ أنت يا أبو عمو،  شايفك عتبحلج من الشُباك  و واجف أكتر من ساعة،  شكل حكايتك واعرة جوي.

ألتفت له و نظر إليه بصمت ثم عاد ببصره نحو النافذة بدون أن ينبس بحرف واحد،  فأردف الآخر بضيق:
_ بس أني خابرك زين،  شكلك واد ناس مش وش إچرام عاد.

تنهد وأستدار له قائلاً  بسخرية:
_ وعتفرج أي، واد ناس ولا ولد غلابة،  أني في نظر الجانون تاچر مخدرات، دليل وشهود وأديني مترحل علي النيابة.

تعجب الآخر وقال: 
_ واه يا أبوي!  ،  تاچر مخدرات مرة واحدة!  ، طب لافيني سوجارة وحياة أبوك،  صاحبك خرمان و ولد الصرمة الي كان بيغني هناك ده چابلي صداع في نفوخي  .

أرتفعت شفتيه بسأم وقال:
_ مليش في الدخان.

رمقه عاقداً حاجبيه بسخط فقال:
_ عچيبة،  ملكش في الدخان وتاچر مخدرات ده حتي عيبة في حجك يا چدع، ولا كيف ما بيجول المثل باب النچار مخلع.

أجاب بأقتضاب وبدأ ينبلج علي ملامحه الملل: 
_ مبحبش السچاير.

لم يكُف عن طرح أسألته المزعجة:
_ مجولتليش إسمك أي؟.

زفر وأخذ يستغفر ربه في نفسه، فأجاب:
_ فارس، في أي أسئلة تاني يا أخ.....

قاطعه قائلاً بإبتسامة سمجة:
_ چنيدي، محسوبك چنيدي الدوكش.

جلس فارس بعد أن شعر بالتعب من الوقوف، فتبعه چنيدي وجلس بجواره ليكمل ثرثرته:
_ أني خابر إنك مش طايجني، بس أني أستريحتلك لله في لله، أصل صاحبك خبرة وبعرف الواحد كيف هو من نظرة واحدة، عندك مثلاً الي جاعد هناك.
أشار نحو الجالس مقابلهما وأردف:
_ ده تهمته الجتل، أني عارفه أصله من عيلة أبو حطب كان حداهم تار من عيلة چبلاوي، و ولد البومة وهو بياخد بتاره، كان معدي مأمور القسم بتاع بلدهم چت الرصاصة فيه و ملحجش التاني يهروب والعساكر جبصته من جفاه.

_ و الي هناك ده تجدر تجول عليه خُط الصعيد، كان عايش في الچبل ويا المطاريد ولما الحكومة طاردتهم هو والي معاه، أتدلي علي بلد و دخل بيت عيلة وجتل كل الي فيه رچالة وحريم حتي معتجش الأطفال، وأجطع دراعي لو كان الواد ده بيشرب أو مچذوب.

رد فارس بسخرية معقباً علي حديثه:
_ وليه متجولش إنه شيطان والإچرام بيچري في دمه.
ضحك الآخر قائلاً:
_  الشيطان جاعد هناك علي شمالك، خابر ده تهمته أي؟.

نظر له منتظراً فأردف:
_ الله يحرجه كان عاشج مرات أخوه الكبير، وهي طلعت مره خاينة وخسيسة إتفجت وياه يجتل أخوه ويمثلو إنه مات في حادثة قضاء وقدر، يجوم ربك كاشف سترهم والواد الصغير إبنها كان سامعهم وفتن عليهم للبوليس لما راحو يحججو، دنيا غداره ومتچيكش الضربه غير من الأجرب ليك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ،،،،،ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ ربما تكن مصادفة من القدر فاليوم الذي رحل فيه فارس عن النجع هو ذاته يوم زفافها،  تجلس في غرفتها ومن حولها فريق من الفتيات جلبهن سليم إليها من أكبر مراكز التجميل حتي يزينن عروسه، فكانت في عالم آخر لم تشعر بما يحدث معها ومن حولها،  عينيها ثابتة نحو الفراغ كالموتي،  إحساسها كان كالذي يعدونه لتنفيذ حكم الأعدام وليس إلي حفل زفافها.
وفي الخارج تطلق نوارة الزغاريد تحمل مع النسوة صواني الطعام ويعطونها إلي رجال رافع ليذهبوا بها إلي داخل السرادق المنصوبة أمام المنزل حيث يتجمع رجال أهل النجع ويأكلون الفتة واللحم ويباركون لرافع ويهنئونه هو وسليم العريس الذي يقف بكل هيبته ومن خلفه يقف أربعه من رجال حراسته،  يرتدي حُلته السوداء وفوقها عباءة سوداء مطرزة أطرافها بشريط ذهبي،  أهداه رافع إياه وأخبره بإرتدائها فهذه عادات وتقاليد أسرتهم.
تعالت الأغاني من السماعات المنتشرة في كل مكان، أغاني من الفلكلور الصعيدي وبعض من أغاني المهرجانات يصاحبها أصوات زغاريد وتهليلات النساء.
وهناك فروع المصابيح الملونة تتخلل جميع الشوارع والحواري.

أقترب سليم من أذن رافع : 
_ أي الأخبار يا رافع،  وقفت الرجالة علي مداخل ومخارج النجع زي ما قولتلك؟.

أجاب الآخر: 
_ حوصل يا عريس،  أطمن مفيش دبانه تجدر تخرچ ولا تدخل من غير ماتمر علي الرچالة، إلا جولي محدش شافلك جرايب ولا معارف چم يباركولك، ولا أنت ما عزمتش حد منيهم؟.
1

أرتسم إبتسامة مصتنعة قائلاً:
_ عايزني أعزم رجال أعمال وصفوة المجتمع في فرح جوه نجع في الصعيد الجواني!.

حدجه رافع بإمتعاض وسخط:
_ مش أد المجام ولا أي عاد!.
1

_ لاء يا رافع الحكاية مش كده، أنا كنت ناوي نعمل الفرح في القاهرة في أكبر وأرقي الفنادق، وأنت  و والدك أصريته نعمل الفرح عندكو في النجع والناس الي أعرفها مبتروحش أفراح في شوارع وشوادر، وكلها ساعتين وهاخد أختك وهنمشي عشان مسافرين.

_ ما كان علي يدك الي حوصل، هروبها جلب الدنيا وخلي الي يسوي وميسواش يتحدت ويچيب في سيرتها فلازماً كنا نعملو الفرح أهنه ويحضرو كل كلب منيهم، خلي خشمهم يتكتم، وأديك شايف جاعدين علي الأكل نازلين فيه كيف المنشار بالسم الهاري علي چتتهم.

ضحك سليم من حديث رافع ومدي كراهيته لمن حوله.
وجاء إحدي رجال رافع ليخبره بأنهم أنتهو من تزين العروس، فقال رافع لسليم:
_ عن أذنك يا عريس هاروح أچيب لك عروستك.

تعالت الزغاريد وموسيقي المزمار فبدأت مراسم الزفاف، وقف رافع أمامها يبتسم قائلاً:
_ أعطيني يدك يا عروسة لأچل أزفك لعريسك.

رمقته بإزدراء في صمت، و وضعت يدها علي ساعده، دنا من أذنها وقال:
_ أفردي خلجتك كل الناس عتبحلج فيكي، كفياهم حديت عنك.

أجابت بوجه متجهم:
_ لو ماعچبكش خلجتي أنت والبيه بتاعك يبجي تفضو كل حاچة وكل واحد يروح لحاله.

لكزها بمرفقه في كتفها:
_ طب لمي لسانك بدل ما ألمك، أستحليتي الفضايح والچورس، وحياة أبوكي ما هعديلك الي سويتيه ده، أبجي أستلجي وعدك.

وقفت في مكانها ورمقته وبداخلها يتأكلها الخوف من ما قاله لها:
_ تجصد أي بالحديت دي؟.

كان يبتسم إلي المعازيم، فقال لها:
_ كل حاچة هاتعرفيها في وجتها.
1

_ ألف مبروك يا عروسة.
قالها سليم التي لم تنتبه لوقوفه أمامها، يبتسم لها لكنها تري إبتسامته ليست سوي تعبير يدل إنه يخبرها بإنها أخيراً وقعت بين يديه و دلفت إلي عرينه التي لم تخرج منه أبداً.
لكزها رافع في خصرها يدفعها نحو سليم:
_ واجفة ليه إكده، ما تمسكي بيد عريسك.

أطلقت النساء الزغاريد وتهليلات المباركة، وقف رافع أمام العروسين وأخرج سلاحه ورفعه لأعلي وأطلق الأعيرة النارية في الهواء ليتبعه رجاله ورجال سليم بالإطلاق أيضاً.

ذهبت الفتيات والنساء إلي زينب يباركن لها و تقوم نوارة بنثر ذرات الملح في الهواء وتردد ذكر النبي عليه أفضل الصلاة والسلام وعبارات تحصين من الأعين الحاسدة.
1

أقترب خميس من إبنته وشبه إبتسامه علي وجهه، أحتضنها بحنان:
_ ألف مبروك يابتي، ربنا يسعدك ويهنيكي، خدي بالك من نفسك ومن چوزك الي يجولك عليه سويه تكسبي راحة بالك.

حاولت منع عينيها من البكاء، فقالت له:
_ هاتوحشني يابا جوي.
وأرتمت علي صدره، فربت عليها:
_ لاء يا جلب أبوكي، ماتبكيش الله يرضي عليكي.
جاء صوت والدتها من خلف أبيها:
_ حقك عليا يابتي، سامحينا أنا وأبوكي، أديكي كيف ما أنتي شايفة مكنش بيدنا حاچة، كل الي طلباه منكي أنك تحاولي تتعايشي مع چوزك وأتجي شره.

أومأت لها زينب وهي تشعر بالخزي من أهلها، يلقون بها إلي الهلاك ويطلبون منها أن تتحمل فكيف هذا!.
ــــــــــــــــــــــــــ،،،،،،،،،ــــــــــــــــــــــــــــ

_توقفت الشاحنة فجاءة بعد أن أعطي الضابط أمر صارم للسائق بأن يتوقف حيث توقفت سيارة نقل أمامهم و علي مقربة، وبداخل الشاحنة كثرت الثرثرة  بين السجناء وأرتفعت الأصوات متسائلين عن سبب الوقوف  فصاح بهم الأمين بأن يلزموا الصمت.
1

وبالعودة إلي مقدمة الشاحنة، ترجل الضابط وبرفقته المساعد، فقال:
_ أنت يا سطا الي موقفك بعرض الطريق؟.

لم يجيب عليه سائق السيارة الأخري، فكرر سؤاله ولا رد، فأثار ضيق الضابط وقرر الذهاب إليه ويريه كيف يتجاهل سؤاله، و عند إقترابه كانت الصاعقة، أرتمي الغطاء الذي كان بصندوق السيارة وظهر من أسفله رجال ملثمون ذوي بنية جسدية قوية،  يحملون أسلحة قامو بإطلاق ذخيرتها للتو، لم يمهلو الضابط ومن معه فرصة الدفاع.

صاح بهم قائدهم بصوته الغليظ:
_ يلا بينا يارجالة عشان نطلع المعلم من المخروبة دي.
4

قتلو أي فرد من الشرطة وقامو بكسر وخلع الباب الحديدي عبر إطلاق الرصاصات وبعد أن حذرو من بالداخل، صرخ السجناء ورفعو أيديهم إلي أعلي بإستسلام سوي سجين واحد ذو ملامح صارمة و نظرات أعين مخيفة، أرتسمت إبتسامة إنتصار علي ثغره حينما رأي رجاله.
قام إحدهم بفك أصفاده وقال له بثناء مبجل:
_ حمدالله علي سلامتك يا معلم.

أجاب الآخر و هو يحمل منه سلاحاً نارياً:
_ عفارم عليكم يا رچالة.

ورحل جميعهم علي الفور، و أستغل السجناء تلك الفرصة الذهبية وهرب كل منهم بعد أن تخلصو من أصفادهم.
بينما كان فارس يتجادل مع جنيدي:
_ أنت أتچننت عايزني أهروب وأثبت عليا التهمة؟.

قال الآخر ساخراً:
_ ما تفتح مخك الي كيف الحچر الصوان، التهمة كيف الخلچات أنت لابسها وماهتجدر تخرچ منها لأن هو ده الجانون،  روح أتاوي لك في مُطرح لأن الحكومة عتطلج دبابيرها علينا في كل مكان وما عيهدلهومش بال غير بعد ما يجبضو علينا كلاتنا.

كان يفكر في كلماته،  ورأي أن لديه حق فذهابه إلي النيابة لإستكمال التحقيق ومنها إلي المحكمة والقاضي لم يرأف به و سيحكم عليه بالقضاء في السجن لمدة قد تصل لخمس وعشرون عاماً يفقد فيها شبابه و آماله،  فعليه بالهروب والبحث عن دليل براءته لاسيما الذي حدث معه في الزنزانة أكد له من وراء دخوله إلي السجن.

وأخيراً وافق علي الهروب فقال: 
_ والكلابشات كيف نخلصو منيها؟  .

أشار له جنيدي نحو الأمين المسجي علي الأرض وغارقاً في دمائه،  فهو من يحمل مفاتيح الأصفاد،  ألتقط فارس المفاتيح و حاول إدخال إحدهم ونجح في فتح الأصفاد.
أبتسم جنيدي وهو يزفر بحرية قائلاً  : 
_ يلا بينا علي أجرب مزلجان للجطر،  هنتسطحو علي الي رايح نواحي بلاد بحري ونتدلي علي مصر،  وهناك أرض الله واسعه. 

ذهب كليهما بعد ركض مسافة ميل وأكثر حتي وجدوا مزلقان يبدو مهجوراً، وظلا ينتظران قدوم القطار المتجه إلي محافظات الدلتا، ونجحا بالقفز إليه والصعود إلي سطحه وتمدد كل منهما فوقه، ولأنهما علي معرفة أن الرحلة ستستغرق أكثر من ثماني ساعات، فأستسلم جنيدي للنوم بينما فارس ظل يحدق في السماء، يتأمل النجوم التي تذكره بمعشوقته وتمني لو يراها لو لدقيقة واحدة.
ــــــــــــــــــــ،،،،،ـــــــــــــــــــــــــــــــ
_ حضر للتو عائلة الشيخ واصف ليهنئون ويباركون، فبكر كان يمسك بيد زوجته وقام بتهنئة إبنه خاله وسليم وأيضاً زكريا وبعدها عاد إلي منزله متجنباً الظهور فالشعور بالذنب يلازمه حتي الآن،  لايجعله يشعر بأي فرحة،  فأصبح منعزلاً ومنطوياً علي ذاته يتجنب النوم الذي ينقلب إلي كابوس حتي بدأت الهالات السوداء تحاوط عينيه.
عانقت جليلة إبنة أخيها وباركت لها،  والأخري تردد عليهم المباركة بلا روح،  حتي جاءت إليها فاطمة وعانقتها بقوة تواسيها فقالت لها بدون أن يسمعها أحد سواهما:
_ متزعليش مني أني مش هباركلك زيهم،  لأني حاسة بيكي وبالنار الي چواكي،  كل الي أجولهولك ربنا معاكي ويقويكي ويعينك.

ردت زينب بألم: 
_ مجدراش يا فاطمة أتحمل،  عايزة أهچ من أهنه وأرمي نفسي قدام الجطر أو عربية، عندي أموت أهون من أني أبجي معاه.

_ أعقلي يا زينب،  عمر ما كان الموت راحه وخصوصاً الإنتحار، ماتعلميش أي الي چاي يمكن تيچي من عند ربنا و يخلصك منيه.

_ الي كيف دي مابيموتش ولا يچراله حاچة غير لما يخلص علي الي حواليه الأول.

ضحكت فاطمة رغماً عنها وربتت عليها: 
_ معلش يا حبيبتي، هو مادام متمسك بيكي جوي إكده يبجي بيحبك فأنتي أستغلي حبه ده وطلعي عينيه،  خليه هو الي ينتحر.
1

إبتسمت زينب بتهكم وقالت: 
_ بيحبني!  ،  ده متچوزني تخليص حق وإنتجام،  وعلشان جولت عليه لاء فكيف واحدة ترفضه،  والله أعلم ناوي لي علي أي عاد.

كان يرقص بالعصا مع سليم حتي فكاد يفوز لكن فاز الآخر عليه في آخر لحظة،  فهلل الرجال: 
_ الله عليك يا سليم بيه.

إبتسم رافع له بتصنع وقال: 
_ ماشاء الله عليك ياچوز أختي، حتي قوي في التحطيب.

جاء من وراءه صلاح الذي وصل للتو: 
_ سليم بيه دايس في كل حاجة.

وذهب ليعانق سليم وأردف: 
_ ألف مبروك يا عريس.

_ عارف لو مكنتش جيت مش هقولك كنت هاعمل معاك أي.

ضحك صلاح وقال: 
_ هو أنا أقدر!  ، أنا أول ما خلصت الجلسة روحت غيرت وسافرت علي هنا يادوب لسه واصل.

كان رافع ينظر نحو شقيقته بل للتي تقف معاها فقال لهما: 
_ أستأذنكو خمس دجايج وراچع لكو تاني.

لاحظت فاطمة إقتراب رافع نحوهما،  فقالت لزينب: 
_ لما أروح أسلم علي مرات خالي وراچعه لك بعدين.

سارت نحو المنزل حيث تتجمع النساء لتبتعد عنه،  وقبل أن تدلف وجدت يد تجذبها إلي مكان مظلم خلف المنزل،  دفعها نحو الحائط وقال بتهكم: 
_ بتهوربي مني إياك.

رمقته بسخط وقالت: 
_ عايز مني أي،  ما تروح توجف مع مارتك بدل ما تشوفك واجف معاي وتسوي معاك مصيبة.

أندفع نحوها حتي كاد يلتصق بها وتفوه بأنفاسه: 
_محدش يجدر يسوي معاي حاچة،  لأن الي يوجف في طريجي بفعصه كيف الصرصار.

دفعته في صدره وأبتعدت قليلاً وهي تهم بالركض: 
_ محروج من الدكتور جوي إكده،  إكمنه أحسن منك وخايف لأحبه،  وأني كمان بجولك محدش يجدر يسوي معاي حاچة ومبخافش غير من الي خلجني.
وقبل أن تخطو قدمها خطوة واحدة جذبها وألقي بها نحو كومة قش،  فوقعت عليها،  رمقته بقوة مصتنعة وأخفت ماتشعر به من خوف منه،  كلما يقترب منها تتزحزح بجسدها إلي الخلف،  هبط أمامها علي ركبتيه وأمسك بقدميها يمنعها عن التحرك.
_ بعد عني يا رافع لأصرخ وأفضحك قدام أهل البلد.
لم يهتم لتهديدها فأعتلاها وأمسك بيدها،  ينظر لها وعينيه برغم الظلام المحاوط لهما ويتخلله بصيص من نور الأضواء الملونة التي تنعكس علي وجهها،  رأت لمعة في عينيه تعلمها جيداً.
تفوه بنبرة عشق دفين يكنه لها ويحترق به كل يوم: 
_ محدش بيحبك ولا هيحبك قدي،  أنتي ليا أني،  مفيش مخلوج يجدر يلمسك غيري،  سمعاني يا فاطمة.
من صدمتها ألجم لسانها ولم تستطع الرد،  فلم يتحمل قربها المهلك له أكثر من ذلك،  هبط بشفتيه علي خاصتها بشوق جارف،  يقبلها بكل قوة،  يحاوطها بجسده فلم تقدر علي التحرك بتاً.
ظل هكذا لوقت لم يشعر به ولم يشعر أيضاً بالتي تقف بعيداً تراه بأعين تبكي من القهر وهي تري خيانته لها بعينيها.

ـــــــــــــــــــــــــــــ،،،،،، ــــــــــــــــــــــــ
_ أقتربت الساعة علي منتصف الليل وبدأ المعازيم بالرحيل إلي ديارهم،  ودعت زينب أحبائها وتعجبت بإنصراف فاطمة دون أن تودعها.
تقدم رافع نحو سليم وقال له بصوت منخفض: 
_ عايزك دجيجة چوه الدار.

حدجه سليم بإمتعاض وقال: 
_ و ده وقته يا رافع،  المفروض يا دوب نمشي دلوقت عشان الطيارة قولت للكابتن ينزل في أقرب مطار من هنا.

_ إكده ولا إكده هتضطر تتأخر شوي.

زفر سليم بضيق فأشار له: 
_ يلا يا اخويا أدامي لما نشوف أخرتها.

_ وبداخل غرفة الضيوف،  دلف كليهما،  فقال سليم: 
_ أدينا بقينا لوحدينا كنت عايز تقولي أي؟.

جلس رافع علي الأريكة وأسند يديه علي العصا: 
_ ممكن الي هجولو دي معيچبكش لكن لازم يوحصل بأي طريجة،  طبعاً كيف ما جولتلك إن هروب زينب خلي سيرتها علي كل لسان و ده يبجي في وشي أني وأبوي.
1

تنهد سليم بنفاذ صبر وقال: 
_ ما خلاص أتجوزنا يا رافع ومحدش هيقدر ينطق بكلمة في حقها  والي يتكلم أقطعله لسانه أو أبعته لرجالتي وهم هيقومو معاه بالواجب.

دك رافع بالعصا في الأرض وقال:
_ ده في عرفك أنت يا چوز أختي،  لكن في عرفنا بيبجي الأمر غير إكده.

_ يعني عايزني أعملك أي مش فاهمك.

حدجه بإصرار وحزم فقال: 
_ تدخل عليها بلدي.
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-