رواية قدر واصلان كاملة جميع الفصول بقلم سارة مجدي

رواية قدر واصلان كاملة جميع الفصول بقلم سارة مجدي

رواية قدر واصلان كاملة جميع الفصول هى رواية من تأليف المؤلفة المميزة سارة مجدي رواية قدر واصلان كاملة جميع الفصول صدرت لاول مرة على فيسبوك الشهير رواية قدر واصلان كاملة جميع الفصول حققت نجاحا كبيرا في موقع فيسبوك وايضا زاد البحث عنها في محرك البحث جوجل لذلك سنعرض لكم رواية قدر واصلان كاملة جميع الفصول

رواية قدر واصلان بقلم سارة مجدي

رواية قدر واصلان كاملة جميع الفصول

فى إحدى القرى البعيده عن التمدن و التقدم عائلة كبيرة هى أكبر عائلة فى تلك البلدة و هى ما تملك الأرض و تملك المال و لكنها لا تختلف عن باقى أهل البلدة فى تفكيرها … البنت عار كبير لابد أن لا تخرج من المنزل ليس لها الحق فى أى شئ لا تذهب إلى المدرسة لا يحق لها العمل و لا يحق لها إختيار الزوج التى ستكمل معه باقى حياتها التعسه لا يوجد لها أهمية سوا داخل المنزل … خادمة تحمل لقب زوجة و أم و إبنه لكن فى النهاية هى مجرد خادمة
و كانت قدر فتاة من ضمن هؤلاء الفتايات رغم أنها من عائلة الزينى العريقة إلا أنها كباقى بنات العائلة و القرية لا حياة لها سوا خدمة الرجال و إنجاب الأطفال و يفضل الذكور و فقط … و لكنها رغم إستسلامها إلى كل ذلك إلا أن بداخلها نار مشتعلة … شمس مشرقة تضئ عتمة الخوف و الذل … داخلها فتاة قوية قادرة على تحمل كل شىء و أي شىء قاومت ذلك الجهل الذى فرضه عليها مجتمعها بقرأة الكتب … حافظت على عقلها و قوتة بأنها رسمت عالم مختلف خيالى داخل روحها و عقلها … عالم تكون فيه ما تريد و تحقق فيه كل ما تحلم به و تتمنى … حلمت أنها تخرجت من الجامعه .. و إن هناك شاب مميز وقع أسير بشرتها الخمرية و عيونها السوداء و خصلاتها التى تحاكى عيونها الكحيله سواداً خاصة مع طولهم الذى يصل إلى ركبتيها … رجل حقيقى أحبها بجنون و ساعدها فى تحقيق ذاتها … عاملها كملكه أحترمها و أحبها
خرجت من أحلامها على صوت قوى ينادى عليها لينتفض جسدها بخوف و هى تقف عن جلستها على سلم المطبخ الخلفى و تركض إلى الداخل حيث مصدر الصوت
وقفت تلهث أمام جدها الحج رضوان الزينى كبير العائلة … الحاكم و الآمر الناهى فى كل ما يخص العائلة … وأيضاً فى كل ما يخص بلدتهم
– نعم يا جدى … أأمر
لينظر إليها بغضب شديد و هو يقول
– كنتِ فين يا بنت فاطمه ؟
– كنت فى المطبخ … هكون فين يعنى .
قالتها بصوت يرتعش خوفاً … ليقول هو بأستفهام غامض بعد أن أرسل إليها نظرة صارمه
– جهزتى كل حاجه زى ما أمرتك؟
أومئت رأسها عدة مرات و هى تعد على يديها ما قامت به من أعمال .
– نظفت الأوضة و هويتها … وعملت كل الأكل إللي قولت ليا عليه … كمان بعت عم عبد الصمد يقول لكل كبرات البلد على غدا النهاردة
ظل صامت و ينظر إليها تلك النظرة القوية التي تجعل جسدها يرتعش خوفاً … فهى دائماً تشعر بالخوف فى حضرة جدها رغم أنها لا تعرف أحد غيره فوالدتها توفيت يوم مولدها و والدها تركها هنا و سافر هارباً من بطش والده و ظلمه و لم تراه و لو لمره واحده … فجدها و عمتها هم من قاما بتربيتها … و من بعد زواج عمتها هى فقط التي تعيش فى هذا المنزل الكبير مع جدها
أشار لها جدها بالأنصراف بعد تحذير قوى بأن يكون كل شيء جاهز فى معاده … و لا تحرجه أمام القادمين لتلك الوليمه الكبيره المعده من أجل عودة الحفيد الأكبر لعائلة الزينى أصلان الحفيد الأكبر و الأوحد للأبن الأكبر لهذه العائلة الحج حسنين الزينى الذى توفى منذ خمس سنوات و من وقتها سافر أصلان لإكمال دراسته فى الخارج بعد تخرجه من الجامعه و لكن رغبته فى تعلم الهندسه بالخارج هى ما جعلت الحج رضوان يوافق على سفره … وكيف يرفض للحفيد الذكر الوحيد أى طلب
عادت إلى جلستها على سلم المطبخ بعد أن تأكدت من كل شئ من جديد و إن الطعام مازال فى مرحلة النضج تتذكر كل ما حدث معها منذ صغرها … أن جميع ذكرياتها السيئة مرتبطة بأصلان … فمثلاً هو من جعل جدها يرفض أن تكمل تعليمها خاصة حين كانت نتيجتها في الصف الخامس الأبتدائي أعلى من نتيجته في الشهادة الثانوية … و من وقتها توالت الأحداث السيئة فى حياتها و كأنها قدر لها التعاسة بسبب وجود ذلك الأصلان فى الحياة … كما أنها و بسبب وجوده فى حياتها حكم عليها أن تكون زوجته هذا قرار جدها الذى أخذه بمفرده هو حفيده الوحيد و هي حفيدته الوحيدة و لن يزوجها من خارج العائلة … وكيف يحدث هذا و أصلان موجود
حلقة جديدة من حلقات عذابها و ألمها … أصلان الذى يبغضها منذ كانت صغيره من حاول ذات يوم أن يكتم أنفاسها و دفنها تحت إحدى شجرات الحديقة هى تعلم أن فى ذلك الوقت كان صغيراً و لكنها لم و لن تنسى كلماتها
((أنا بكرهك … أنا مش عايزك تعيشى معانا فى البيت … أنتِ عار ))
كلمات سمعتها من قبل و لكن على لسان جدها … و من وقتها لم تشعر يوماً أنها فى بيتها … لم تشعر بالسعادة يوماً … أو الأمان و فى كل مره تقف فيها بين يد الله تدعوه أن يرحمها مما هى فيه و لكن من الواضح أن لحياتها سبب حتى لو كان العذاب يغلفها و لله الأمر من قبل و من بعد
مر الوقت و قد أنتهت من كل شيء و الرجال تتوافد الأن كما العادة فى المواقف المشابهه و حضرت أيضاً بعض الفتيات لتساعدها فى تقديم الطعام فهي بمفردها لا تستطيع تلبيه كافة الطلابات على كل تلك الطاولات .. أخذت نفس عميق و هى تحاول تجنب عقلها التفكير فى كرهها لأصلان و أمنيتها الكبيرة فى وضع سم الفئران له بدل من الملح أو السكر … لكنها تخاف الله … و تعلم جيداً أنه لن يضيعها … لن يظلمها .. فرب الخير لا يأتى إلا بالخير
فى تلك اللحظه علت أصوات السيارات و هتاف الرجال يعلمها أن سجانها الجديد قد وصل … يخبرها أن هناك قيد جديد ألتف حول عنقها … و قيود جديدة تلتف حول قدميها و معصميها … و كم تشعر به يخنقها … و يمنع وصول الهواء إلى صدرها .. خرجت من أفكارها على صوت إحدى الفتيات و هى تقول
– أبن عمك جمر يا جدر
نظرت إليها قدر بأبتسامة جانبية ساخرة و قالت
– اااه قمر … قمر قاتل سجان وسيم … شبه حراس المقابر الفرعونية
أعتدلت فى وقفتها و قالت بصوت واضح و قوى
– شهلوا يا بنات … وجب وقت الغدا
و خلال ثلاث ساعات لم تتوقف أى منهم عن العمل من وضع الطعام ثم جمع الأطباق الفارغة و غسلهم و وضع أطباق الحلوى و الفاكهة و المشروبات الباردة و الساخنة … عشر فتيات يقومن بعمل مئة رجل … الرجال الذين يجلسون بالخارج دون شعور ولو بالشفقه على هؤلاء الفتيات .. على أقدامهم التى لم ترتاح لدقيقه .. و أيديهم و ظهورهم … على معدتهم التى لم تتناول الطعام حتى الأن
و لكن من يسمع … و من يرى … من يشعر و القلوب تحجرت
بدء الرجال فى الرحيل و فى نفس الوقت بدأت الفتايات فى التنظيف توجه أصلان إلى غرفته و أكملت قدر تنظيف المطبخ و القاعة الكبيرة و الحديقة … و ستترك باقى عمل المطبخ للغد بعد ما رحلت الفتيات
كانت تفكر … أنه لم يهتم أن ينظر إلى وجهها … هو لم يهتم أن يسأل عنها … لا تعلم كيف لجدها أن يأمر بزواجها من أصلان … الذى لا يكره أحد فى الكون كما يكرهها .. و لا تبغض هى إنسان على وجه الأرض كما تبغضة حتى والدها الذى تركها عالقه فى كل ذلك الألم بمفردها دون أن يهتم لم تكرهه يوماً … لأنها لو أستطاعت أن تفعل مثله لفعلت
توجهت إلى غرفتها تريد بعض الراحة … و لكن هل وجود أصلان في البيت سيجعل الراحة إحدى أختياراتها … حين مرت من أمام غرفته متوجهه إلى غرفتها الصغيرة فتح الباب و طل منه بطوله الفارع و جسده الضخم أثر ممارسته الرياضة و ملامحه الخشنة التي رغم وسامتها إلا أنها تبغضها و تذكرها بذلك اليوم الذى وضع يديه حول عنقها و حاول قتلها و تلك الإبتسامة المستهينة و قت قرر أن يمنعها من إكمال دراستها .. كان مازال بملابسة كاملة .. و نفس النظرة المستهينة الكريهة و زاد كل ذلك حين سمعت صوته البغيض المليئ بالتعالى و الكبر
– كنتي فين كل ده … المفروض أفضل مستنيكى قد أيه ؟
ظلت تنظر إليه بصمت ثم قالت باندهاش و خوف أعتادت عليه
– مستنينى ليه ؟
– علشان تقلعيني ؟
قالها ببرود و غرور و تعالي .. و بأمر و كأن ما يقوله شيء عادى … تراجعت خطوتان للخلف ليقول بأبتسامة أستخفاف
– الجزمة مخك راح فين ؟ و لا صحيح هتجيبى المخ ده منين ؟
و تركها على وقفتها وعاد إلى الغرفة … جلس فوق ذلك الكرسى الكبير ينظر أمامه و كأنه الحاكم بأمره أو سلطان عظيم و الجميع أسفل قدميه .
كان عقلها يحاول ترجمة ما حدث الأن لكنها لم تستطع إيجاد تفسير واحد غير أنها مجرد جارية … خلقت فتاة لتكون جارية لأبن عمها المغرور … أغمضت عينيها و بدأت فى أخذ عدة أنفاس علها لا تبكى أمامه لتنتفض على صوته و هو يقول من جديد
– هفضل مستني كتير ؟
لتفتح عيونها … و تدلف إليه بأقدام متراخيه … تتمنى لو تموت الأن .. أن يرحمها الله من كل ذلك .. لكن من الواضح أن هناك حكمه ما من بقائها فى هذا العذاب القاتل
حين وصلت إليه و وقفت أمامه مد ساقه كأشارة لها أن تقوم بما قاله
نظرت إلى حذائه .. ثم إلى وجهه و أنحنت دون أن تحنى رأسها .. أمسكت حذائه تخلعه من قدمه و عيونها ثابته فى عينيه دون إنكسار .. و رغم أن قلبها يبكى و هو متحطم من إحساسه بالذل و الهوان إلا أن عيونها قوية و هذا أكثر ما يبغضه فيها أنها مهما حاول كسرها تظل قوية ثابتة
أنتهت مما أمر به و وقفت و عيونها لم تغادر عينيه ليقول ببرود
– خدامة ممتازة .. بتعملى شغلك بدقة و أنتِ مش شيفاه .. برافو
ثم وقف ينظر إليها بتحدى و أكمل قائلاً
– أهو هو ده بقا فايدة إنك تربى العبد متشتريهوش
و تحرك من أمامها و هو يبتسم بتشفى … لكنه وقف مكانه حين سمعها تقول
– صح .. العبد إللى بيربيه سيده بيحفظ كل حاجه تخصه … مميزاته و عيوبه و كمان مواطن قوته و ضعفه
ألتفت ينظر إليها بغضب مكتوم لتبتسم إبتسامة صغيره مصتنعه و تحركت فى إتجاه الباب و هى تقول بصوت عادى لا روح فيه
– تصبح على … يا إبن عمى
و أغلقت الباب خلفها لتنحدر تلك الدمعة الحبيسة … توجهت إلى غرفتها مباشرة و أغلقت الباب و جلست خلفه أرضاً تبكى كل ما هى فيه و الشيطان يصور لها الأن أن تذهب إليه تقتله بيديها تكتم أنفاسه كما حاول هو كتم أنفاسها سابقاً لكنها أستعاذت بالله من الشيطان الرجيم .. و توجهت إلى الحمام أخذت حمام دافئ و خرجت ترتدى أسدالها الذى كان يوماً لوالدتها كملابسها فجدها يرفض شراء ملابس جديده لها .. فترتدى ملابس والدتها رحمها الله و عمتها ترسل لها من وقت لأخر بعض الملابس
وقفت بين يدى الله تصلى فرضها … و مع كل سجده تدعوا الله أن يخلصها مما هى فيه … و إذا كان ما يحدث معها لها خير فيه فليهبا القدرة على التحمل و دائماً ما تجد القدره على التحمل … و مع آخر سجده و من كثرة أرهاقها غفت على تلك الوضعيه و بعد عدة دقائق أرتخى جسدها بالكامل و تمددت أرضاً و غرقت فى نوم عميق
فى صباح اليوم التالى أستيقظت كعادتها مع أذان الفجر … و ككل يوم تستيقظ و بداخلها أمل جديد و طاقة جديدة … و أيضاً ذكريات مؤلمة جديدة

صلت الفجر و غادرت غرفتها متوجهه إلى المطبخ فخلفها عمل كثير و أيضاً لابد من تجهيز الإفطار فجدها يعود من صلاة الفجر فى المسجد لابد أن يجد طعام الإفطار على طاولة الطعام الكبيره …كانت تفكر هل ذلك البغيض سيكون موجود على الفطار .. ام أنها ستنعم بوجبة واحدة على الأقل من دونه

بدأت فى إعداد الطعام و فى نفس الوقت ترتيب بعض الأغراض حتى يبدوا المطبخ مرتب بعض الشئ …خرجت سريعاً من المطبخ حين سمعت صوت جدها يناديها

وقفت أمامه تنظر إليه ببعض التوتر و الخوف خاصة مع نظرة أصلان المتفحصه لها بجرئه مع تلك الإبتسامه المنتصرة التى تبغضها بشده

زاد أحساسها بالقهر و الذل حين قال جدها أمراً

– جهزت الفطار

أومئت بنعم ليقول و هو يتحرك فى إتجاه طاولة الطعام

– خلصى إللى وراكى فى المطبخ و أبجى تعالى أفطرى بعد أحنا ما نخلص

تحرك أصلان خلف جده بعد أن نظرا لها نظرة شامتة

كادت دموعها أن تغادر عينيها لكنها تمسكت بهدؤها الذى يأذى قلبها و روحها العصيه التى ترفض الأستسلام لهذا الذل و الهوان

عادت بصمت إلى المطبخ تقوم بما كتب عليها القيام به يومياً

و على طاولة الطعام كان أصلان ينظر إلى جده بتركيز شديد

– شوف يا أصلان أنا عند كلامى تانى يوم ما تكتب على جدر تانى يوم كل الأملاك هتكون بأسمك

– طيب و عمتى

قالها أصلان باستفهام ليقول جده بغضب

– و من ميتا الحريم بيورثوا

أومىء أصلان بنعم مع إبتسامة إنتصار حقيقة ها هو يحصل على كل شىء يومان يستمتع بجمال إبنة عمه و جسدها الشاب التى تخفيه عن العيون و أيضاً ليزيد من كسر روحها و يدهس كبريائها أسفل قدميه .

أنتهوا من وجبة الإفطار صعد الحج رضوان إلى غرفته و توجه أصلان إلى المطبخ لن يمرر موقف يستطيع فيه كسرها هبائاً

ظل واقف عند باب المطبخ يتابع حركتها الواضح بها الألم و الإرهاق ثم قال

– أحنا خلصنا فطار تقدرى دلوقتى تروحى تاكلى

توقفت يديها عما تفعله و ظلت واقفه لبعض الوقت دون أن تنظر إليه ثم ألتفتت و هى تقول بثبات

– عمرى ما أكلت بواقى حد … و لا عمرى هعملها يا أبن عمى

رفع حاجبه الأيسر و عيونه تطلق شرارات الغضب و قال

– هو أنتِ فاكره نفسك ليكى قيمه فى البيت هنا

ضحك بصوت عالى و هو يكمل كلماته الجارحه

– أنتِ و لا حاجه مجرد خدامة … الست مكانها تحت رجلين الراجل و مخلوقة بس علشان تلبى كل رغباتة … و لو أنتِ عندك شك فى ده دلوقتى آخر الأسبوع هتتأكدى

و غادر على وجهه إبتسامة إنتصار مصاحبة لنظرة أحتقار جعلتها تود أن تقتله أو تقتل نفسها أغمضت عينيها و هى تهمس بصوت منخفض

– ليه سبتنى و مشيت ليه أتخليت عنى … أنا ذنبى أيه ذنبى أيه ؟

مرت أيام و أيام و كل يوم يتفنن أصلان فى كسر قلب قدر و زيادة بغضها له و كأنه كان يدرس بالخارج فن الحقد و الكره و عاد ليطبق كل ما درسه عليها حضرت عمتها و زوجها للترحيب بأصلان فهم كانوا فى العاصمه حين وصل إلى البلده و عادوا اليوم فقط … جلست سناء مع قدر فى المطبخ لتعرف أخبارها و تطمئن عليها فليس بيدها شىء آخر سوا أن تستمع لحديثها و أيضاً مواساتها ببعض الكلمات التى لا تفيد بشيء هى تعلم ذلك جيداً و لكن ما بيدها شيء آخر غير ذلك فهى أبنتها التى لم تنجبها .

قصت على عمتها كل ما حدث و من داخلها كانت شعرت بالخوف خاصة مع كلماته (( أخر الأسبوع تعرفى )) ماذا كان يقصد … ماذا سيحدث لى … و نقلت ذلك الإحساس لعمتها التى قالت بهدوء فى محاوله منها لطمئنتها

– معتقدش يقصد حاجه وحشه و لو على كلامه السخيف

ربتت على كتفها و أكملت

– أيه الجديد يا قدر … من أمتى أى راجل فى العيلة دى بيشوف الستات بشكل تانى غير إللى أصلان قاله

أومئت قدر بنعم و هى تقول ببعض السخريه

– صحيح و هو من أمتى أحنا فى نظرهم بنحس و لينا كرامة و مشاعر … من أمتى شافوا أننا لينا حق فى أى حاجه … أو أصلاً لينا حق الحياة

كانت سناء تستمع لكلماتها و هى لا تجد كلمات تواسيها بها فقد عانت هى الأخرى من ظلم والدها حتى رزقها الله برمزى يعوضها عن كل ذلك الظلم و يسقيها الحب و الأهتمام و رأت معه السعادة و الأمان و الأحترام و لكن قدر … كُتبت لأصلان الذى لا يختلف عن والدها شيئا بل هو أسوء منه بكثير .. أنه لا يظهر حتى لها هى عمته الأحترام … ظلت قدر صامته .. كذلك عمتها فكل منهم يعلم أن لا كلام يواسى و لا بيدهم شيء لتغير ما يحدث

مرت أيام و أيام تشعر أن هناك شيء غريب يحدث نظراته لها شامته مستفزه … و أيضاً لم يتوقف عن معاملته لها كخادمة حتى ذلك الصباح حين طلبها جدها أن تذهب إليه فى غرفته … و قفت أمامه تنظر إليه بخوف … خوف من نظرات جدها التى تجرحها دائماً و أيضاً خوف مما يريد قوله لها … و كانت الصدمه حين قال بأمر و كأن ما يقوله ليس لها الحق فى رفضه أو قبوله .

– بكره كتب كتابك على واد عمك جهزى نفسك

كانت صدمتها لا توصف جعلتها تفقد النطق حرفياً … ظلت تنظر إليه و الدموع تتجمع فى عيونها ….. الان كلمات أصلان تتضح … و عقلها يفهم ماذا كان يقصد من كلماتها … و ما ينوى فعله معها و نيته الواضحه فى كسرها و للأبد و لكن هل بيدها شيء لتغير ذلك الواقع التى تعيشه أو الذى ستعيشه مع أصلان .. أبداً لن تغير شيء … و الغريب فى الأمر أن جدها لم يجد أن لها الحق أن تعلم بأمر زواجها بوقت كافى بل يخبرها أن غداً هو موعد عرسها و كأنه يخبرها أن تعد له نوع معين من الغداء غداً … غادرت الغرفة بصمت بعد أن أومئت بنعم دون أن تنطق بكلمه فمن ستناقش و من تجادل و من الذى ستقف أمامه تدافع عن حقها … هى أسيرة هذا المكان إلى الأبد و أسيرة هذه الحياة حتى يأذن الله بتبدل حالها

كانت تسير فى طريقها إلى غرفتها تفكر فى كل ما مرت به من يوم ولادتها فى هذا البيت و إلى تلك اللحظه التى تغتال فيها كل أحلامها .. لم تكن سارحة و كانت تعلم جيداً أنه لن يترك تلك الفرصه تمر دون أن يظهر كم هو يحتقرها و أنه سينال ما يريده … و بالفعل و جدته يقف بجوار باب غرفته التى تسبق غرفتها يستند إلى الحائط و يلف قدم على الأخرى و يمسك بين يديه حقيبه كبيره تعلم جيداً ما بداخلها نظر إليها دون أن يرفع رأسه و قال

– فستانك يا عروسه … أحدث موديل … رغم أنى عارف كويس أنه مش هيليق عليكى لكن بما إنك هتنولى شرف إنك تكونى مرات أصلان الزيني يبقا لازم تكونى على المستوى المطلوب

ظلت تنظر إليه بصمت ليكمل هو بأبتسامة تملئها الشماتة

– أحسن حاجه عملها جدى أنه خلاكى خرسا … علشان أنا بحب الجوارى الهادية

و ألقى الحقيبة أرضاً أسفل قدميها و تحرك يغادر بهدوء شديد و هو يدندن إحدى الأغانى الأجنبية التى يظن أنها لا تفهمها لكنها فهمت معانيها جيداً … ليزيد داخلها الإحساس بالأحتقار و الكره لشخصه الذى لا تجد فيه أى شيء جيد و لو بسيط

~~~~~~~~~~~~~~~~~~

كان يقف فى وسط أرضه بهيبته التى لا يخطأها أحد بهيئته التى لا تتغير الجلباب و العبائة و تلك العصا الأبنوس التى لا تغادر يديه أبدا …. عقله الراجح و قلبه القوى الذى لا يخجل من إظهار حبه لزوجته كان يجعل الجميع يحترمه رغم رفضهم لأفكاره فجميع رجال تلك البلده يشبهون الحج رضوان و أصلان فى التفكير … كان يتابع العمال فى الأرض و عقله سارح فى تلك المسكينه التى لم ترى يوماً فى حياتها سعادة أو فرحة أو حتى إحترام

أنتبه لصوت خلفه ألتفت ينظر إلى صاحب الصوت ليجده أحد أصدقاء والده رحمه الله و من كبار عائلته

وقف أمامه ينظر إليه بإحترام ليقول الرجل مباشرة دون حتى إلقاء السلام

– مش ناوى تتجوز يا رمزى و نشوفلك حته عيل من صلبك

قطب رمزى حاجبيه بضيق و قال بهدوء

– ما أنا متجوز يا عمى …. و ربنا يباركلى فيها

– جوازة الشوم و الندامة … لا و أنت مش شايف نفسك … مش عارف عندك كام سنة دلوقتى هتستنا أيه و لأمتى

قال الرجل كلماته بصوت عالى مقاطع كلمات رمزى التى توحشت نظراته و ضرب الأرض بعصاته و قال

– جوازي و مراتى و إن ربنا يرزقنى بالخلفه أو لأ أمر يخصني أنا بس محدش له دخل بيه

ثم أقترب خطوتان من الرجل و أنحنى يهمس أمام وجهه و قال

– هو العيل ده هيشيل أسمك أنت و لا أسمى أنا

شعر الرجل ببعض التوتر و القلق و قال بصوت مرتعش

– أسمك أنت

– يبقا أنت بتتكلم بصفتك أيه ؟

قالها رمزى و هو يعود ليقف باعتدال و عاد يضرب الأرض بعصاته و قال

– خليك فى حالك و بدل ما أنت شاغل نفسك بخلفتى روح شوف إبنك بيعمل أيه … و لمه من الكباريهات

و تحرك خطوتان ليعود بنظره إلى العمال بالأرض و أعطى ظهره للرجل الذى رحل دون كلمة أخرى … و بعد عدة ثوانِ نفخ رمزى الهواء الذى بصدره بقوه و هو ينظر إلى السماء و ردد

{رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ}

**********************

عاد إلى المنزل و على وجهه إبتسامته التى ترتسم من تلقاء نفسها حين يراها …. تجلس فى بهو المنزل تتابع لعب أطفال تلك الخادمة التى تعمل لديهم

يعلم ما بداخلها و لا يقل ألم قلبه عن ألم قلبها … لكنه يثق فى قضاء الله و يرضى به

أقترب منها و هو يضرب الأرض بعصاته لتنظر إليه بابتسامتها التى تجعل قلبه يضرب بقوه و كأنه شاب صغير يقع فى الحب لأول مرة

وقفت تستقبله ليقترب منها يقبل جبينها و هو يقول بصوت هامس

– وحشتيني

لتتلون وجنتيها بالأحمر القانى خجلا ليتوجه هو إلى السلم صاعداً إلى غرفتهم

لتلحق به و هى تقول

– أخبار الأرض أيه ؟

– كلها خير و الحمد لله … و شكل هدية السنادى هتكون غالية اوووى

قال ذلك بصوت يحمل الكثير من المرح لتربت هى على كتفه و قالت بصدق

– ربنا ما يحرمنى منك يا رمزى … ربنا يقدرنى و أسعدك و أقدر أحقق لك إللى بتحلم بيه

أنتهت كلماتها على باب غرفتهم ليمسك يدها يدخلها إلى الغرفة و أغلق الباب و نظر إليها بعتاب و قال

– وجودك فى حياتى نعمة كبيرة من ربنا …. و لازم أشكره عليها ليل نهار …. أى حاجه تانية كله بأوانه و كله نصيب

كانت تنظر إليه و الدموع تتجمع فى عيونها لينحنى يقبل عينيها بحب يمسح تلك الدمعات بشفاهه فى نفس اللحظة التى سقطت عبائته أرضاً

لتبادله أياها عاد يقبل جبينها من جديد و تحرك ليبدل ملابسه أنحنت تحمل عبائته و علقتها فى مكانها … ثم أخرجت له جلباب مريح و توجهت إليه كان هو قد خلع حذائه و جلبابه و دلف إلى الحمام و حين خرج وجدها تقف أمامه و بين يديها الجلباب أخذه منها لتقول و هى تغادر الغرفة

– عشر دقايق و الأكل يكون جاهز

و أغلقت الباب خلفها ليعود يردد من جديد و هو يضع يديه فوق خافقه

{رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ}
تقف داخل الغرفة التى ستشهد على موتها بعد لحظات الغرفة التى ستجمعها بأكثر إنسان تكرهه فى تلك الحياة كانت تعلم جيداً ما ستراه معه و ما ستمر به من ذل و هوان … و معاملة سيئة و قاسية تعلم جيداً أن القادم فى حياتها أسوء بكثير من كل ما مر بها سابقاً و أن أصلان سيتفنن فى محاولاته لكسرها

كانت الثوانِ و الدقائق تمر عليها بطيئة و مخيفة و كيف ستمر على من ينتظر تنفيذ حكم الإعدام من يرى لحظات حياته الأخيرة

لأول مرة تفكر هل الأنسان فى لحظاته الأخيرة يفكر فى التوبة أو يفكر فى إنتهاز تلك اللحظات فى شىء سعيد و مميز و لكن متى كان هناك فرصة للمحكوم عليهم بالموت بالعودة إلى الحياة و لو للحظات عله يجد مهرب … و أيضاً ما هو خطأها الكبير حتى تتوب منه بما أذنبت و كيف يكون كونها فتاة ذنب من الأساس

أخذت نفس عميق … أن قلبها يرتجف خوفاً لكنها أبداً لن تسمح له أن يكسرها مهما فعل بها .. هذا هو طموحه الكبير و هى أبداً لن تجعله يشعر بلذة الأنتصار بكسرها و ذبحها

أنتفض جسدها على أثر أنفتاح باب الغرفة فجأه … كانت تستمع لصوت أنفاسه و تشعر بوقفته المتحفزه عند الباب … تشعر بنظراته التى تكاد تخترق جسدها و عظامها

لكنها لم تلتفت إليه و لم تظهر إهتمام لوجوده رغم خوفها الداخلى الذى يكاد يؤدى بحياتها و قلبها الذى يرتعش كطفل صغير نائم بالشارع بملابس لا تستر من جسده إلا القليل لكنها لن تجعله ينال ما يريد و لو كان الثمن هو موتها بالبطىء

أنتفض جسدها للمرة الثانية حين أغلق الباب بقوه أقترب خطوه واحده فقط و قال

– مبروك ياااا …

صمت ثم أقترب خطوة أخرى و قال

– مش قادر أقولها … أصل انتِ مينفعش تكونى عروسه

ظلت على وقفتها ليكمل هو

– دلوقتى هتعرفى مقامك الحقيقى

ألتفتت إليه تنظر إلى عينيه بثقه و قالت

– أنا عارفة مقامى كويس و عارفة قيمتى يا أبن عمى

ليبتسم إبتسامة جانبية و رفع حاجبه الأيسر و هو يقول

– أنتِ ملكيش قيمه أصلاً … أنتِ نكِره … أنتِ أتخلقتى مخصوص علشان تكونى طوع أمرى مكانك تحت رجلى كل أملك فى الدنيا أنك ترضينى و دلوقتى هيبقا كل هدفك أشوفك ست حقيقيه فى سريرى بدل ما أزهق منك و أرميكى و أروح أشوف ست حقيقيه تليق بيا

تراجعت خطوة للخلف من كم الكره و الحقد و الإهانة الواضحة التى تقطر من كلماته لتتسع إبتسامته و هو ينزع عنه جاكيت البدله و لحقها برابطة العنق و أقترب منها و عينيه ثابتة بعينيها يفتح قميصه بهدوء حتى أصطدمت بالسرير و وقعت عليه ليلقى بجسده فوقها و هو يقيد يديها بقبضه قويه من يديه و قال

– لولا أن ليا رغبه أجرب الإحساس معاكى مكنتش فكرت ألمس واحده زيك

و أنحنى يقبلها بقوه و عنف و يده تمزق عنها فستانها كادت أن تقاومه لكنها توقفت تماما حين همس جانب أذنها بصوت كالفحيح

– مش هتقدرى عليا و هاخد إللى أنا عايزه مهما أنتِ قاومتى … همتلك جسمك و روحك هتبقى ملك يمينى يا قدر … أنا قدرك يا قدر

لتتوقف تماماً عن الحركة أصبحت و كأنها جثة هامده لم تغمض عينيها لكنها ظلت تنظر إلى كل ما يفعله بها تريد أن تحفر ذلك المشهد فى عقلها و عينيها علها تستمد منه القدرة على الإنتقام كانت تراه و كأنه حيوان مفترس يلتهم فريسته يغرز أنيابه بها دون رحمة أو شفقة و أيضاً لا يحترمها فهو يتناول وجبته بازدراء … يأكل كما أسد أراد أن يلتهم غزال و حصل فى الأخير على فأر صغير

قلبها يبكى روحها تصرخ و لكنها صامته تماماً لم تتحرك لم تبكى حتى أنفاسها تخرج بطيئة و مؤلمة

كانت تشعر بيديه و هى تستبيح جسدها كانت تشعر بأنفاسه الكريهه فوق بشرة جسدها لقد كرهت كونها خلقت أنثى كرهت أنها خلقت من الأساس كم تتمنى أن تموت الأن و تتخلص من كل ذلك الألم و الذل الذى تعيش فيه

حين أنتهى منها نظر إليها بغضب قوى جعله يصفعها عدة صفعات و هو يصفها بأقذر الألفاظ و الصفات فهو يشعر أنه لم يحقق هدفه لم يكسرها لم يرى نظرة إنكسار و ذل …. لقد وجد جثه بلا روح جسد ثلجى لم يُرضى النزعة الحيوانية بداخله بأن يراها ذليلة أسفل قدميه لكنها لم تجعله يحقق ذلك الأنتصار و لذلك سوف يعاقبها بطريقته

أبتعد عنها و دلف إلى الحمام و هو مستمر بوصفها بتلك الصفات التى تجرح كرامتها لتضم قدمها إلى صدرها بعد أن سمعت إنغلاق الباب و سمحت لتلك الدموع أن تخرج من عينيها علها تطفىء تلك النار التى أشتعلت فى قلبها و جسدها تحاول أن تخرج كل قهرها و ما تشعر به من إهانة و ذل قبل أن يخرج من الحمام ظلت عدة ثوانِ على هذا الوضع ثم أعتدلت و هى تأن ألما و حين وقفت وقعت عيونها على تلك البقعة الكبيرة من الدماء فوق السرير ظلت تنظر إليها و هى تفكر

هذه هى علامه كسرتها الحقيقيه هذه الدماء هى روحها التى تنزف بصمت منذ سنوات و ها هى ذبحت من الوريد إلى الوريد و دون أن تخرج صوت واحد أو تحاول حتى الدفاع عن نفسها لم يسمح لها أحد بأن تحقق ما تريد و لن يسمحوا

تحركت سريعاً تخلع عنها ذاك الفستان الممزق و ألقت به فى صندوق القمامة الموجود بجانب باب الغرفة و أرتدت جلباب واسع و مسحت وجهها من مساحيق التجميل التى تلوث وجهها بالكامل و تركت كل شىء كما هو الدماء و السرير دون ترتيب و وضعت و سادة صغيرة على الأريكة التى تحتل حائط كامل بالغرفة و أخذت شرشف ملون من الخزانة و دثرت نفسها جيداً و أغمضت عينيها و هى تتمنى أن لا تفتحها من جديد أن يكون هذا الألم الذى تشعر به آخر شىء فى حياتها هى لم تعد تحتمل أكثر من ذلك

مر أكثر من نصف ساعه كان يقف تحت المياه البارده كقلبه القاسى يحاول إخماد تلك النار التى أشتعلت بجسده حين بدء فى لمسها ….. كان يفكر كيف سيتعامل معها بعد ما حدث حتى خرج هو من الحمام ظل ينظر إلى جسدها المغطى بالكامل تحت ذلك الشرشف أنها حتى لم تنتظر و هو سيتركها فهو يشعر أن جسده يشتعل من جديد أنه لم يأخذ ما أراده …. صحيح هو تمتع بجسدها و رأى دمائها و هى تسيل و لكنه يريد أن يكرر الأمر … كان مخطىء حين فكر أنه سيأخذها مرة واحدة و لكن حين تذوق رحيق كبريائها و جمال جسدها البكر شعر و كأنه شخص عاش عمره فى الصحراء و رأى المياه العذبة لأول مرة و حين تذوقها لا يريد التوقف عن تناولها أبداً

فى صباح اليوم أستيقظ أصلان بعد معانه طويلة فى محاوله للنوم و إخماد تلك النيران التى تلتهم جسده من رغبته القويه بأن يذهب إليها و يأخذها من جديد و لكنه جمح نفسه لكى لا يظهر أمامها راغباً فيها و لا يستطيع السيطرة على نفسه أعتدل ينظر لمكان نومها فلم يجدها لم يجد سوا الشرشف مطوى و فوقه الوساده و بجانبهم سجادة الصلاة و أسدالها المهترئ .. أغمض عينيه و أسند رأسه على ظهر السرير و هو يفكر فى خطوته القادمه هو لا يستطيع البقاء هنا بجانبها .. إذا أستمر بالقرب منها سيقع فى غرامها و هو أبداً لن يكون ذلك العاشق التى تتمنى هو يبغضها منذ كانت صغيرة دائماً هادئة … و متفوقة .. رائعة الجمال كل أصدقائه كانوا يتمنوا التحدث إليها أو أن تكون شريكة حياتهم حين يكبرون .. دائما أسمها يذكر قبل أسمه … كرهها .. تمنى أن يتخلص منها و لذلك فكر أن يقتلها .. و أيضاً دعم جده له .. و دلاله الزائد .. جعله يقرر أن يجعلها تتوقف عن إكمال دراستها و دعمه جده فى ذلك حتى يحقق رغبته و فقط….؟ اليوم سيحصل على الأوراق التى تمكنه من ثروة جده كاملة … ليتركها هنا كما البيت الوقف الذى لا يمكن بيعه أو شرائه و ينتقل إلى العاصمة يحقق ما حلم به .. شركة كبيرة يكتب عليها أسمه و يرتبط بفتاة من عائلة كبيرة ذات مركز كبير

أخذ نفس عميق و غادر السرير و توجه إلى الحمام عليه أن ينزل الأن و يرى جده و ينهى ذلك الأمر و لا مانع من التمتع قليلاً بها

غادر الغرفة و هو يفكر فى مشهد قد شاهده من قبل فى أحد الأفلام لشخص أحضر فأر و وضعه فى وسط متاهه .. و حين كان يشعر أنه سيخرج منها يضع له حواجز و أشياء تجرح جسده الصغير و يضحك بسعادة و هو يراه يتألم نزل السلم و هو يبحث عنها بعينيه لأول مرة يخرج من غرفته حافى القدمين … و حين سمع صوت فى المطبخ عرف أنها هناك أبتسم إبتسامة صغيرة و توجه إلى القاعة الكبيرة الذى يفضل جده الجلوس بها معظم وقته

أبتسم الحج رضوان حين وقعت عينيه عليه و قال بسعادة

– أهلا بالعريس … صباحية مباركة

أبتسم أصلان و أقترب يجلس بجانبه و قال بفخر رجولى

– هى مباركة فعلاً يا جدى

ليربت الحج رضوان على قدمه بسعادة ثم قال بأندهاش

– وااه فين مداسك يا ولدى

لينظر إلى جده و أبتسم إبتسامة صغيرة و هو ينادى على قدر بصوت عالى … التى حضرت سريعاً رغم كل الألم الذى بداخلها و يمزق روحها و ألم جسدها من أغتصابه لها إلا أنها دائما تبدوا ثابته و جليديه

وقفت أمامه صامتة و ثابتة ليقول هو بأمر

– أطلعى هاتيلى جزمتي من فوق

أومئت بنعم و غادرت القاعة وهى تبتسم بحزن و بداخل عقلها تفكر ها هو يكمل ما بدأه .. عليها أن تعتاد على كل تلك التصرفات عليها أن تحتمى بالبرود الذى غلفت نفسها به طوال عمرها فى هذا البيت حتى تستطيع العيش و الأحتمال

كانت قبل ذلك بقليل تقف فى المطبخ تقوم بمهامها اليوميه … ألا يكفى ذبحها يوم أمس .. على يد إبن عمها … عدوها اللدود ألا يكفى أنها طوال حياتها تعيش داخل دائرة القهر و الذل و أكتملت تلك الدائرة .. بأمتلاكه لها .. و كأنها شئ يباع و يشترى لا روح فيه و لا تشعر

دلفت إلى الغرفة لتجده قد وضع حذائه اما إحدى الكراسى بصوره واضحه أنه كان سيرتديها و لكنه تعمد عدم فعل ذلك أخذته بعد أن أخذت نفس عميق و غادرت الغرفة

عادت إلى القاعة الكبيرة و قبل أن تدخل سمعته يقول

– نروح بكره بقا الشهر العقارى علشان نوثق الورق ده

حين قال جدها مؤكداً

– أيوه يا ولدى … و بكده تكون أنت المالك الوحيد لكل أملاك عيلة الزيني

أغمضت عيونها و هى تشعر بالقهر .. إلى متى هذا الظلم … إلى متى ستعيش هذة الحياة الظالمة المؤلمة … أخذت نفس عميق من جديد و دلفت إلى الغرفة و دون أن يتحدث جلست أرضاً أمامه و ألبسته حذائه و غادرت الغرفة سريعاً … لم يهتم بها و كذلك جدها

مر أسبوع كل يوم شقاء كامل بالنهار و عذاب أليم فى المساء … فى النهار هى خادمة البيت أجمع و فى المساء هى جاريته الذى يمارس عليها كل أنواع العذاب و القهر و الذل … حتى ذلك الصباح

أستيقظت قدر كعادتها قبل الفجر و غادرت الغرفة بعد أن أخذت حمام تغسل عنها لمساته التى تجعلها تكره نفسها وتوجهت مباشرة إلى المطبخ و لكن أذان الفجر قد رفع و لم تسمع صوت جدها حتى الأن .. أقيمت الصلاة و أيضاً لم يغادر غرفته خرجت من المطبخ و توجهت إلى غرفته طرقت الباب عدة طرقات و لم تسمع صوت … فتحت الباب و دخلت بهدوء و هى تنادى

– جدى … جدى … أصحى يا جدى أتأخرت على صلاة الفجر

لم يتحرك أو يظهر عليه أنه أستمع لها … أقتربت أكثر و ربتت على كتفه أيضاً لم يستجيب أمسكت يديه لتجدها بارده بشده جحظت عيناها و أرتعشت يديها و هى تضعها على عنقه لعدة ثوانِ ثم أبتعدت سريعاً و هى تشهق بصوت عالى وتراجعت للخلف عدة خطوات هى ليست حزينه على وفاته و لكن رهبة الموت … و ياليت الناس تعلم عظمته

أغلقت باب الغرفة و ظلت تهمس ببعض آيات القرآن .. ثم توجهت لغرفة أصلان فتحت الباب و دلفت لتجده يجلس على السرير ممسك بهاتفه ظلت تنظر إليه ليرفع عيونه ينظر إليها باستخفاف و قال

– مش عايز أفطر

– جدى

قالتها دون أن تهتم لكلماته … ليقطب جبينه و هو يقول

– مالوا جدى … و وشك أصفر كده ليه

لتشير إلى الخارج و قالت

– جدى …. جدى

لم ينتظر أن تكمل حديثها ليتحرك سريعاً و غادر الغرفة و دلف إلى غرفة جده لتقف هى عند الباب تنظر إليه لينظر إليها و قال

– إنا لله و إنا إليه راجعون

و غادر الغرفة و بأعلى صوت نادا على عبد الصمد و قال بصوت عالى

– جدى رضوان الزيني مات … عايز خلال ساعه كل حاجة تكون جاهزه و الدفن بعد صلاة الظهر

و بالفعل تم تنفيذ الأمر الذى أصدره كبير عائلة الزيني … حضرت سناء و زوجها رمزى .. و أجتمعت البلده بأكملها فى الصوان الكبير و كل النساء داخل البيت الكبير … كانت قدر و لأول مره جالسه لا تقوم بأى شيء و بجوارها عمتها … لم تستطع البكاء على جدها و لا تشعر بالحزن .. الشيء الوحيد الذى تفكر فيه الأن أنها أصبحت تحت رحمة أصلان بمفردها … خاصة و كل شيء أصبح بأسمه أى أن أملاك الزينى بأكملها و هى من ضمنها … أصبحت ملك يديه

أنتهت أيام العزاء و بدء العذاب الحقيقى فى الحقيقة هى لا تعلم إذا كان هذا هو العذاب فعلاً أم هى الجنة التى فتحت لها أبوابها و أخيراً …. حين وقف أصلان أمامها فى بهو البيت الكبير و قال بأزدراء واضح أعتادت عليه و لم يعد يؤثر بها

– أنا مسافر علشان أعيش حياتى زى ما أنا عايز و زى ما يليق بيا أنى أعيشها … و علشان تبقى عارفة أنا لما أتجوزتك أتجوزتك بس علشان وعد جدى ليا أنه يكتب أملاك العيلة كلها بأسمى … و كمان علشان كان نفسى أذلك و أقهرك … و أدوس على كرامتك زى ما كنت عايز … و كمان كنت عايز أجرب واحده فلاحى و مش من مستوى كل الستات إللى عرفتها زى كده ما تاكلى حلو كتير و تحبى تكسرى الطعم بحته مخلل … و خلاص زهقت و أنتِ فى الأساس ماتليقيش بأصلان الزيني و علشان كده أنا مسافر … أنا عندى أحلام كتير عايز أحققها و حياة عايز أعيشها زى ما أحب بالطول و العرض … ما أنا شاب وسيم و غنى و أكيد هلاقى إللى تناسبنى و تستحق تكون مع أصلان الزينى

صمت لثوانِ و دار حولها و هو يكمل قائلاً

– أنا تكرماً منى هسيبك تعيشى فى البيت ده … و أوعى تفكرى أنى هطلقك لا أنا هسيبك كده زى البيت الوقف لا متجوزة ولا مطلقة … هروح أعيش حياتى و أسيبك أنتِ هنا مرمية زى…

و لم يكمل حديثه و لكن نظراتة أخبرتها بما يريد قوله .. و بشكل حياتها القادمة .. و لكن فى الأساس من قال له أنها تريد أن تتزوج غيره .. أو تتزوج من الأساس من قال إنها تريد أن تعيش مع أحد من نوعه

كانت تنظر إليه و هو يجر حقيبته خلفه و يغادر البيت بعد أن ألقى سهمه الأخير الذى زهق روحها و قلبها و أى معنى جيد للحياة

و لكن رغم كل ذلك الوجع التى تشعر به إلا أنها كانت كلما شعرت بهدر الكرامه كلما زاد إصرارها على أن تدفعه ثمن كل لحظة شعرت فيها أنها تذبح بدون رحمة

أنحدرت تلك الدمعة الحبيسة و هى تقول

– أوعدك يا أصلان إنك تدفع تمن كل جرح …. قلبى بينزف بسببه … أوعدك أثبتلك أن البنت إللى أنت مستقل بيها دى ممكن تعمل أي حاجة هى عايزاها … أوعدك أن زى ما طول عمرى شايفة فى نظرة عينك الأستخفاف و الأستهانة … هشوف الأسف و الحصره و الندم فى عيونك … أوعدك أدفعك تمن كل ألم و جرح و إهانة … أوعدك أكسرك زى ما كسرتنى … أوعدك أكون قدر إللى هيكون من النهاردة قدرها بأيدها …. إيدها هى و بس

توجهت إلى القاعة الكبيرة و جلست على الأريكة الكبيرة و أمسكت الهاتف و أتصلت على عمتها التى أجابتها بعد عدة ثوانِ

– ألووو مين ؟

– أنا قدر يا عمتي

أجابتها قدر بصوت بارد مختنق بالدموع لتقول سناء سريعاً

– مالك يقدر فى أيه ؟

صمتت قدر لعدة ثوانِ ثم قالت

– لو سمحتى تعالى أنا محتاجالك

– جايه حالاً

قالتها بلهفة و أغلقت الهاتف و توجهت مباشرة إلى غرفتها التى يستريح فيها زوجها بعد أن عاد من العمل ليرى هيئتها فغادر السرير و هو يقول

– فى أيه يا سناء ؟ أنتِ كويسة ؟

– قدر

نظرت إليه و قالت أسمها فقط و كان هذا كفيل أن يفهم أن هناك شىء كبير قد حدث و هو يعلم أصلان جيداً و يعلم تصرفاته التى لا يرتضيها أبداً

فتحرك سريعاً يبدل ملابسه و غادرا سويا ليذهبا لتلك التى ظلمتها الحياة و ظلمها البشر أيضاً و لم يرحمها أحد لا أب و لا جد و لا زوج
مر شهر كانت سناء لا تفارقها حتى رمزى .. كان بجاورهم يساعدهم بكل ما يستطيع … كانوا كل ليله يجلسون يتباحثون ماذا ستفعل … و كيف ستبدأ هى فى تحقيق ما تريد .. و خلق الفرصه التى تجعلها على بداية الطريق … و لكن هل للقدر رأى آخر

~~~~~~~~~~~~~~~~

أستيقظ من نومه كعادته قبل أذان الفجر أعتدل جالساً و هو يردد بعض الأذكار ثم نظر إلى سناء التى تغط فى نوم عميق أبتسم بحنان و هو يتذكر كلمات الرجل التى لم تكن الأولى و لن تكون الأخيره

أخذ نفس عميق و أستغفر الله بصوت مسموع و عقله يعيد عليه سنوات زواجه و رحلتهم الطويلة لدى الأطباء

و كلمات الطبيب التى ألمت قلبه و قلبها لكنه أبداً لن يتخلى و يفقد الأمل

– حضرتك عندك بعض المشاكل و بشويه علاج المواضيع ممكن تتحل أن شاء الله … بس أنا مش عايز أقول أن الأمل كبير … أحنى هنعمل إللى علينا و الباقى على ربنا

كلمات تذبح رجولته … تجعله يعود من جديد لأحساسه السابق بكم هى بعيده و غاليه و أنه لا يليق بها

طوال الطريق إلى البيت كان الصمت ثالثهما

و لكن كل منهم بداخله شيءٍ مختلف هى تشعر بالخوف و الحزن على ألمه و هو يفكر كيف سيتحمل فراقها

حين وصلوا إلى البيت لم تترك له الفرصة ليتحدث بل ركعت على ركبتيها و هى تقول بدموعها

– أقسم بالله راضية … و مش عايزه من الدنيا دى كلها غيرك و لو فى يوم قررت تسيبني يبقا تذبحني و تدفنى أرحم ما تبعدنى عنك أموت بالبطىء

ليجلس أمامها و هو يضمها بحنان و دموع عينيه تتجمع و تحارب صلابته حتى تغرق وجنتيه و هو يقول

– أنتِ تاج راسى و ست قلبى و ست بيتى و لو مكنتيش أنتِ يا سناء مش هيكون فى غيرك فى يوم و قبل ما أذيكى فى يوم هكون ميت

لتبكى بصوت عالى و هى بين ذراعية الحانية وأنحدرت تلك الدمعة الأبيه فوق وجنته و سالت حتى أختفت بين غابات ذقنه التى تزيد من وقاره و هيبته

أغمض عينيه من ألم تلك الذكرى على ذكرى أخرى حين ذهب إلى الطبيب بعد مرور سنه كاملة من العلاج ليبلغه أنه أصبح سليم تماماً و يستطيع الإنجاب

و لكن و لهذه اللحظة لم يحدث و لا يعرفون السبب

أستغفر الله بصوت مسموع و كاد أن يغادر السرير ليصلى ركعتان لله قبل أذان الفجر ليوقفه صوت سناء و هى تقول

– ممكن تصلى الفجر هنا فى البيت ؟

نظر إليها باندهاش لتقول هى برجاء

– وحشنى أنى أصلى الفجر وراك يا رمزى

ليبتسم إبتسامة حانيه و هو يقول

– طيب يلا قومى أتوضى علشان نصلى ركعتين لله قبل الفجر

لتنهض سريعاً و على وجهها إبتسامه صافية خاصة و هى تقول

– ثوانى و اكون بين أيديك

حين أغلقت باب الحمام نظر إلى الأعلى و هو يردد بعد أن و ضع يديه فوق خافقه

{ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاء }

أنتهوا من أداء الصلاة كانت هى تنظر إليه بابتسامة فخر و سعادة ليبتسم ابتسامته المعهودة و قال

– باين كده الحلو معجب ؟

– أوى

أجابته سريعاً بابتسامة مشاغبه صمت لثوان ثم قال

– بكره رايح أنا وقدر علشان نشوف الأرض

– أنت مقتنع باللى هتعملوا معاها

سألته و عيونها ثابته على عينيه … لينظر إليها بثقه

– دى أقل حاجه أعملها ليها و بعدين هى مش بتعمل حاجه غلط بالعكس بقا

أخذت نفس عميق و أقتربت منه أكثر و هى تقول

– أنا عارفه أنها مش بتعمل حاجه غلط بس أنا خايفه عليها الناس هنا تفكيرهم زى أبويا الله يرحمه

ربت على يديها المستريحة فوق فخذيه و قال

– متقلقيش أنا فى ظهرها و مش هسمح لحد يمسها بكلمة

اراحت رأسها فوق كتفه و قالت بحب

– ربنا يبارك ليا فى عمرك و يقدرنى أسعدك

ليبتسم بحزن و بداخله يردد نفس الدعاء دون إنقطاع

{ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاء }

~~~~~~~~~~~~~~~~~

فى الصباح كانت تقف أمام قطعه أرض واسعة تصلح لذلك المشروع التى سوف تبدأ به طريقها و كان زوج عمتها يتشاور مع صاحب الأرض فى ثمنها حين سمع صوت شيء أرتطم بالأرض لينظر خلفه ليجدها قدر … حملها سريعاً و عاد إلى البيت بعد أن طلب الطبيب … تجلس فى سريرها تبكى بصمت بعد أن طلبت من عمتها و زوجها تركها بمفردها … لقد صفعها أصلان القلم الأخير قبل أن تستطيع الوقوف على قدميها ترك لها أثر لا يمحى و جعلها تتذكر ذلك الأسبوع التى كانت فيه زوجة له بكل ما تحمله الكلمة من معنى … و لكنها لن تستسلم … لن تسقط … لن يعرف و ستحقق ما تريد

فى صباح اليوم التالى … غادرت غرفتها بكل إصرار و عزيمه و نزلت إلى الأسفل لتجد عمتها تجلس بجانب زوجها الذى يتغزل بها رغم كل تلك السنوات التى مرت على زواجهم … و رغم عدم أنجابهم للأطفال … حبه لها لم يقل و لم يخجل يوماً من إظهار حبه و إحترامه لها أمام الجميع

أخذت نفس عميق و هى تدعوا لهم فى قلبها رغم ألمه أنها لم يكن لها نصيب فى زوج كرمزى رجل حقيقى كما تحمل الكلمة من معنى … أصدرت صوت بسيط حتى ينتبهوا لأقترابها منهم

جلست بجانب عمتها التى فتحت لها ذراعيها بحنان كبير … قال رمزى بهدوء

– أخبارك أيه قدر ؟

ابتسمت إبتسامة صغيرة و قالت

– الحمد لله … هكون كويسة يا عمى

ليبتسم لتلك الكلمة التى تقولها له … و من داخله يشعر أنها تريد أن تقول له أبى أومأ مع إبتسامه صغيرة حين قالت سناء

– قدر … مش هتقولى لأصلان

– لأ

قالتها قدر قاطعه و بصوت حاد … أخذت عدة أنفاس متلاحقه ثم أكملت

– أنا مبقاش فى حياتى حد أسمه أصلان

ثم نظرت إلى رمزى و قالت

– خلصت يا عمى مع صاحب الأرض ؟

أومأ بنعم و قال مؤكداً

– هو مستنى نحدد معاد توقيع العقود و مشوار الشهر العقارى

غادرت مقعدها وأقتربت منه قائلة

– عمى أنت عارف أن أنا مفيش حاجه أملكها غير شوية دهب من بتوع أمى … و كنت مخبياهم من جدى و أصلان و دول إللى هقدر أشارك بيهم معاك و الباقى مجهودى

قطب رمزى حاجبيه ببعض الضيق و قال

– أيه إللى بتقوليه ده يا قدر … المشروع كله بتاعك و أنا بس

– لأ يا عمى … أحنا شركا … فى الأساس أنا مش هعرف أعمل أى حاجه من غيرك … و أنت عارف كويس إللى هواجهه من أهل البلد

قالتها بأقرار ليومئ بنعم بتفهم لتقترب سناء و هى تقول

– أنا خايفه من أصلان … و كمان يا بنتى خايفه عليكى جداً

نظرت إليها قدر بأبتسامة واثقه و قالت

– لا يا عمتى متخافيش …. أصلان مبقاش يخوفني و لا لازم يخوفك … و مش هسمح أنه يعرف حاجه دلوقتى هو برا حياتنا تماماً

ثم نظرت إلى الأمام و قالت بثبات و قوة

– أنا أسمى قدر و كل إنسان له من أسمه نصيب … ربنا مخلقنيش صفر على الشمال ولا علشان أعيش فى ظل راجل و لا خلقنى علشان أتذل و أتهان أنا هرسم قدرى بأيدى هبنى نفسى و حياتى مش هستنا حد و مش هكون تابع لحد … أصلان قرر يقتلنى بالحيا بس أنا هعيش و هكون قوية و هحقق حلمى و هخلق قدرى و هبقا الدليل إللى هتمشى عليه كل بنت فى البلد

كانت سناء تنظر إليها بفخر و سعادة و كذلك رمزى الذى لم يكن يوماً من هؤلاء الرجال التى لا ترى النساء سوا خادمات أقتربت منها سناء و ضمتها بحنان و هى تقول

– و أنا جنبك و معاكى

– و أنا كمان يا قدر … أنتِ مش لوحدك و هفضل فى ظهرك لحد ما تحققى كل إللى أنتِ بتتمنيه

لتبتسم قدر بسعادة و هى تحاوط بطنها بحركة حماية تعِد صغيرتها أن تصنع لها مستقبل لا يشبه ماضى و حاضر والدتها فهى بداخلها تشعر أنها تحمل ب أحشائها فتاة .. ستحقق لها كل ما تتمنى و كان يرتسم على وجهها إبتسامة صغيرة و بداخل عينيها إصرار و قوة كبيرة

~~~~~~~~~~~~~~~~~

فى صباح اليوم التالى خرجت قدر برفقة زوج عمتها إلى صاحب الأرض التى ستقيم عليها مشروعها الأول …. الذى سيجعل كل الفتيات قادرات على أن يكون لهم دخل خاص بهم … و تجعل لكل منهم شخصية و مكانة و صوت مسموع هو بداية طريقها لخلق حياة جديدة لهن كما ستخلق لنفسها حياة جديدة … و من بعده تستطيع أن تغير فكرة كل الرجال عن النساء … و أن النساء لم يُخلقوا هبائاً أو لخدمة الرجال و الإنجاب فقط …. هى الزوجة التى تبنى يد بيد مع زوجها و هى الأم التى تربى و تخرج أبناء صالحين قادرين على تغير العالم و هى الأخت التي تصبح أم بعد الأم و هى الأبنه التى تكون سبباً فى دخول والدها الجنة …. قدرها الله فكيف يُهينها البشر … ستكشف لهم أن كل رجل يظهر قوته على سيدة فهو ليس برجل …. هو إنسان يشعر بالنقص و يغطى هذا النقص بأظهار قوته على من هم أضعف منه كما كان يفعل أصلان معها …. كان فاشل فى دراسته و حين وجدها متفوقة عليه كان الحل الأسلم له أن يقهرها و يمنعها عن حقها فى إكمال دراستها …. و حين وجد أن لها شخصية لا تخضع لا تنكسر تعامل معها على أنها خادمة مكانها أسفل قدميه و عندما لم يجد نظرة الأنكسار فى عيونها بل رأى التصميم على الحفاظ على كرامتها قرر ذبحها و السير فوق جسدها و طبع أثر حذائه فوق دمائها و جسدها حين تعامل معها على أنها جسد رخيص لا قيمة له …. لكنها لم و لن تنكسر بل كل ما قام به جعلها أقوى و قادرة على الوقوف على قدميها و رسم قدرها بيدها … و لن تستسلم و ستحقق ما تريد أن ترى أصلان يركع أمامها أسفاً و ترى فى عينيه الأنكسار و الخزى و الذل … يرجوا منها السماح و لن تسامح

كانت تجلس بجانب زوج عمتها صامته تماماً حتى قال الرجل

– و أنت يا حج رمزى موافج على إللى بنت أخو مراتك عايزاه ده … من أمتى و الحريم بيكون ليهم رأى أو بنسمع كلامهم فى حاجه و كمان ماشى وراها أجده مش راچل أنت و لا أيه

ليضرب رمزى قدمه بقوة و هو يقول

– ألزم أدبك يا عوضين و أحفظ لسانك …. قدر بنت ب ١٠٠ راجل … و أنا معاها خطوة بخطوة و أنت شايف من وقت ما أتكلمت معاك هى ساكته و متكلمتش … كلمة تانيه زيادة منك رد فعلى مش هيعجبك

ليصمت عوضين لثوانِ ثم قال

– أنا موافق على البيع بس ليك مش ليها

لتقف قدر و هى تقول

– طبعاً بأسم عمى رمزي هو صاحب المال

لينظر إليها رمزي بلوم ثم قال

– أخلص يا عوضين … خلينا نخلص من الموضوع ده

و بالفعل ذهب معهم للمحامى الذى أتفق معه رمزى على الأمر … و منه إلى الشهر العقارى للتسجيل و ها هم يقفوا فوق الأرض

كانت قدر تنظر فى كل أرجاء الأرض و هى تتخيلها مبنى كبير به الكثير من الألات و الفتيات التى تعمل عليها و أناس يقفوا عند الباب يريدون منتجاتهم … نظرت إلى عمها و قالت

– هنبدأ أمتى ؟

– من دلوقتى

و أشار لشيء خلفها لتنظر لما يشير لتجد العمال و المعدات اللازمه لبناء الورشة … ابتسمت بسعادة و نظرت إليه من جديد بأمتنان و شكر ليقترب منها و هو يقول

– عايزك تطمنى يا قدر أنا فى ظهرك و معاكى .. و هتحققى كل إللى بتتمنيه و بتحلمى بيه

عادت إلى البيت سعيدة … لقد رأت بعينها أول خطوات حلمها يتحقق لتصعد إلى غرفتها .. و لأول مره تأخذ هذا القرار سوف تكتب كل شيء … سوف تسجل كل ما حدث معها سابقاً … و ما سيحدث معها و تتركه لأبنتها … حتى تتعلم مما حدث لوالدتها

أخرجت تلك المفكرة التى أشترتها يوما من دون علم جدها و أصلان … و بدأت تكتب بها كل شيء و بالتفاصيل التى لم تنساها يوماً

**************************

و فى مكان بعيد و بالتحديد داخل شقة فخمة فى أرقى أحياء العاصمة … كان أصلان يجلس على الأريكة الكبيرة ممد قدميه أمامه باسترخاء و بين يديه كوب به ذلك المشروب المسكر يتمايل بهدوء مع نغمات الأغنية الشعبية الشهيرة مترافقه مع حركات تلك الفتاة التى ترتدى ملابس تكشف أكثر مما تستر … و وجهها المليئ بمساحيق التجميل و حين أنتهت الأغنية جلست فوق ساقيه بدلال و هى تحرك الهواء بيديها أمام وجهها … ليُقرب الكوب من فمها لتشرب القليل … ثم قالت

– عجبك رقصى يا بيبى ؟

ليهمهم بنشوة ثم قال

– جداً يا بيبى … جداً .. معقول ميعجبنيش ده أنا حاسس أن أنا هارون الرشيد

لتقترب منه بدلال و قبلته بجرئه و دلال و هى تقول

– أحلى هارون الرشيد … تعرف يا بيبى أن أنا من أول ما شفتك عند بابى فى الشركة و أنا وقعت فى غرامك

ليضحك بصوت عالى و هو يقول مؤكداً لكلماتها

– أنا متأكد من ده لأنى ليا سحر لا يقاوم

ثم و قف على قدميه و هو يحملها بين ذراعيه … لتريح هى رأسها المثقل من المشروب المسكر و توجه بها إلى غرفة نومه …. وضعها على السرير برفق و أمسك بقدمها يخلع عنها حذائها وأقترب منها سريعاً … و غرقا معاً فى ملذاتهم المحرمة

*******************************

مرت ثلاث أشهر كانت من أصعب الأيام على قدر … من آلام الحمل المعروفة فى تلك الفترة من الحمل … و بين محاولاتها المستميته هى و زوج عمتها فى إقناع رجال البلده بما يقومون به

و لكن أصرارها … و ثباتها … و هى فى تلك الظروف جعل الكثير يساعدها … و ها هى اليوم تفتتح أول مشروعاتها

مشغل الخياطه الخاص بها و الذى أصر رمزى على أن يكون أسمه … (( لكل منا قدر ))

يحمل بداخله الكثير من الماكينات … و سبع فتايات و خمس شباب … غير الحارس … و الإدارة مقتسمه بين قدر و رمزى

سعى رمزى بكل ما لديه أن يجعل المحافظ هو من يحضر ذلك الإفتتاح … رغم أن ذلك صعب جداً لكنه كان يعلم جيداً بخطة قدر و ما تسعى إليه … أنها تريد أن تحقق لأبنتها و لجميع الفتايات فى القرية ما لم تستطع تحقيقه لنفسها … من الحصول على جميع مراحل التعليم … و أيضاً الرعاية و الأهتمام و الحصول على كافه حقوقهم التى هدرت على يد جدها كبير البلده منذ زمن طويل

كانت تقف داخل المشغل تشعر بالسعادة و الفخر … ها هى أول خطوات حلمها يتحقق … ها هو بداية الطريق التى رسمته فى عقلها لسنوات … يمهد أمامها حقيقة أنه ينبأ بالكثير من التعب و الألم إلا أن الوصول إلى ما نتمنى يجعلنا ننسى كل هذا الألم

دلف رمزى من باب المشغل … ليبتسم بعطف أبوى و هو يقول

– مبروك يا بنتى

نظرت إليه بابتسامة واسعة و هى تقول

– الله يبارك فيك يا عمى … الفضل كله لحضرتك … من غير وقفتك جمبى أنا مكنتش هقدر أعمل كل ده

– ده تعبك و مجهودك و أفكارك … أنتِ الأساس يا بنتى

تلك الكلمة من جديد … التى تجعل قلبها يزهر سعادة و فرح … لتقترب منه و أنحنت تقبل يديه بإحترام و حب و قالت بصدق

– أنا فعلا لو أبويا كان عايش مكنش هيحبنى و يقف جمبى بالشكل ده … يا بابا

لتتسع إبتسامة رمزى و هو ينظر إليها بعدم تصديق و ردد الكلمة خلفها عدة مرات لتقول هى بمرح

– يلا بقا يا بابا خلينا نروح البيت نجهز ده المحافظ بذات نفسه جاى

ليتحرك معها و الإبتسامه مازالت ترتسم على وجهه … و لم تكن سناء أقل منهم سعادة … أن زوجها يحقق نجاح كبير مع إبنة أخيها … و أيضاً ترى تقارب كبير بينهم … و هى تعيش مع قدر رغم أنها تخطت العشرون عاماً .. إلا أن إحساس الأمومة تجاهها و كأنها طفله صغيرة … فى عامها الأول يغلب على قلبها المتعلق بها و الذى حرم من ذلك الإحساس تجاه طفل من رحمها

أجتمع الثلاثة على طاولة الطعام و كان الحديث الدائر بينهم عن سعادتهم بأول خطوات النجاح

صعد كل منهم إلى غرفته حتى يستعدوا لأستقبال المحافظ و كان رمزى قد أعد كل أركان الإحتفال بأفتتاح المشغل بكل الأشياء المناسبة من فرقة شعبية مميزة و أيضاً بعض الأطفال الذى أشترى لهم ملابس جديدة موحده يقفون على جانبي المشغل و البالونات الكبيره المزينه بإسم قدر … و الأضواء المنتشرة فى كل مكان و سعادة الفتايات الذين أصبحوا من عاملات المشغل كل شىء كما تريده قدر و أكثر

*********************

وقفت أمام مرآتها تنظر إلى نفسها بفخر و سعادة … أول خطوات نجاحها

نظرت إلى هيئتها النهائية بفستانها الذهبى و حجابها البسيط و زينة وجهها التى لا تذكر و أخذت نفس عميق و هى تدعوا الله أن يوفقها فيما هو قادم 
واقفه بجانب زوج عمتها فى إستقبال المحافظ الذى أشاد بكل ما يراه و الذى أصدر قرار بمساعدة قدر فى كل ما تريد فعله فى البلده

و ذلك جعل الكثير من الرجال يتحمسون ليجعلوا بناتهم ينضمون للعمل مع قدر

التى أعلنت أنها ستقوم بتوسيع المشغل و عمل مشروعات أخرى و طالبت من المحافظ ببناء مدرسة للفتايات بها الثلاث مراحل حتى لا يجعل أمام الآباء أى إعتراض أو سبب لعدم إرسال بناتهم للمدرسة

أبتعدت عن الجميع و وقفت فى مكان هادىء نسبياً تتابع ما يحدث بعيون ضاحكه رغم تلك الدموع التى تملئها … أخذتها أفكارها لأصلان و ماذا سيكون موقفه إذا رآى ما وصلت إليه و ما أستطاعت أن تحققه من نجاح

و عند هذه النقطه أخذت نفس عميق و عادت تقف بجانب المحافظ و قالت بهدوء

– عايزه أستأذن حضرتك فى زيارة علشان أخد موافقة على بناء المدرسة بعد ما أقوم بتوفير كل الشروط

نظر إليها المحافظ بابتسامة عمليه مشجعة و قال بصدق

– بابى مفتوح ليكى فى أى وقت

أبتسمت بسعادة و ها هى تخطوا خطوة جديدة فى طريق ما تريد

وضعت يديها فوق بطنها المسطحة وقالت هامسة

– خطوة كمان علشان خاطرك … بكرة هخليكى فخورة بيا و خليكى تحققى كل إللى مقدرتش عليه

****************

كان يقف أمام النافذة الكبيرة ينظر إلى الفراغ أمامه لايعلم لماذا وبعد تلك المده يفكر فيها

لا تريد أن تفارق مخيلته

بالأمس وهو بين أحضان صافى التى لا تبخل عليه بأى شىء يريده جسدها و مالها و مركز والدها لكنه كان يتذكرها هى …. على الرغم من أن ذكرياته معها لاتختلف كثيراً عن كونه يغتصبها

أخذ نفس عميق و أخرجه بقوة فى محاولة بائسة أن يُهدىء من نار قلبه و جسده اللذان أشتاقا لها و بقوة

شعر بها تحاوط خصره من الخلف و همست بأسمه لم يجيب لكنها قالت بدلال

– بابا مستنيك بكرة علشان تمضوا عقود الشراكه

ألتفت لها دون أن يبتعد عن حصار ذراعيها و قال بسعادة

– بجد يا بيبى

أبتسمت بدلال و قالت و هى تريح رأسها على صدره العارى

– بجد طبعاً … هو كمان متحمس جداً للشراكه دى لأنه بيحبك … بيحبك اوووى

تحولت نظراته لسعادة كبيرة يملئها الغرور و الكبر و هو يتذكر قدر

و يلوم نفسه كيف يترك تلك الفتاة رائعة الجمال صاحبت الحسب و النسب و المركز والجاه من يجد بين ذراعيها كل ما يتمنى و أكثر و يفكر فى تلك الضعيفه التى ورغم كونها أبنة عمه إلا أنها لا تليق به و لا تليق لأكثر من أن تكون فى حياته خادمة

حمل صافى و عاد بها إلى الفراش يبثها حبه و دلاله على ذلك الخبر الذى أسعده و بشده

خطوته الكبرى فى تحقيق أحلامه

********************

مرت الأيام و الشهور و كانت قدر تشعر بسعادة كبيرة و هى تحقق أحلامها … و ترى عدد الفتيات داخل الورشة يزداد و الورشة تتسع و تكبر … و أصبح لها ثلاث فروع فى ثلاث أماكن مختلفة فى البلده

كانت تجلس خلف المكتب تباشر العمل حين دلف رمزى من الباب و هو يقول بسعادة

– الموافقة على بُنا المدرسة صدر يا قدر

وقفت تنظر إليه باندهاش و صدمه لكن يرتسم على محياها سعادة كبيرة ليقترب منها أكثر و هو يقول بفخر

– حلمك بيتحقق يا قدر … قدرتى تكسرى القيود و العادات القديمة

كانت تستمع إليه و هى تتذكر الشهور الماضية و ما حدث فيها

بعد إفتتاح الورشة بعدة أيام وقف أحد رجال البلده و الذى يقارب جدها عمراً يقول بصوت عالى

– خلاص البنات قلعت برقع الحيا و نزلت تشتغل … خلاص الرجاله هتلبس طرح و تقعد فى البيت زى الحريم و بناتهم تصرف عليهم

خرجت قدر تقف أمامه تنظر إليه باندهاش …و خلفها وقفت الفتايات التى تعمل بالورشة و الشباب أيضاً و أهل البلده الذين أستمعوا لصوت ذلك الرجل … ليكمل الرجل كلماته

– الله يرحمه جدك … كان حاكمك … و مش عارف إزاى أبن عمك سايبك كده تعملى إللى على هواكى

لتتحرك قدر خطوتان لتقف أمامه مباشرة و قالت بثقه

– البنات مش عار … و لا قلعنا برقع الحيا … إحنا بنشتغل فى مكان محترم له باب و كل إللى رايح و إللى جاى شايف إللى بيحصل جوه ده غير شبابيكه الكبيرة …. و الرجاله ملبستش طرح لا هما فهموا أن بناتهم نعمة كبيرة من ربنا مش عاله عليهم هى زيها زيهم من حقها تتعلم و تشتغل … البنت هى نص المجتمع يا عمى و هى إللى بتجيب للدنيا النص التانى و هى كمان إللى بتربيه

كان الجميع يستمع إليها و بداخلهم مشاعر مختلطه النساء و الفتيات يشعرون بفخر أن هناك واحدة منهم تسعى أن تكسر كل تلك القيود التى تلتف حول عنقهم و الرجال يفكرون فى كلماتها التى ضربت أماكن الفهم فى عقولهم

و منذ ذلك اليوم و بدأت الفتايات فى التقدم للعمل معها

عادت من أفكارها و هى تقول بسعادة

– الحمد لله يا بابا … أنا فرحانه جداً جداً

ثم أقتربت منه و قالت بأمتنان

– لولا وقفتك معايا أنا مكنتش وصلت لكل ده

ليرفع يديه يسكت سيل كلماتها و قال بأقرار

– طول عمرى شايف الظلم إللى طايل كل بنت و ست فى البلد هنا و كل إللى قدرت أعمله أنى أنقذ عمتك من كل الألم ده و أحميها و أكرمها

ثم رفع يديه من جديد يشير إليها و أكمل قائلاً

– أنتِ كنت مفتاح السر و كنتِ المفتاح إللى فتحنا بيه الأقفال المصديه و إللى حررنا بيه كل البنات

كلماته كانت كالبلسم الشافى على جروح روحها التى تمزقت طوال سنوات عمرها … و فتح أمامها أبواب الجنة لتحلق بها بحريه دون قيود

********************

يقف فى مكتبه الجديد ينظر من النافذة الكبيرة إلى العالم أسفل قدميه … أنه يشعر أن لا أحد الأن أكبر و أهم منه … اليوم سيعلن خطبته الرسميه لصافى واليوم يكون شريك لأكبر رجال الأعمال إمبراطور المقاولات و الهندسه رجل الدوله الأول فى التصدير و الأستيراد أنتبه لمن كان يقف خلفه بعدة خطوات يخبره عن مواعيد يومه

التفت إليه و قال

– خلاص يا نور مفياش دماغ أسمع كل ده و أحفظه أتعود أن قبل كل معاد بنص ساعه تدينى خبر و بس

أومىء نور السكرتير الخاص به بنعم و قال بهدوء

– أول مواعيد حضرتك بعد نص ساعه مع مهندسين الشركة أجتماع مصغر للتعارف و تحديد خطة العمل

غادر نور الغرفة

عاد من تخيلاته و هو يأخذ نفس عميق و ينمو بداخله إحساس قوى بالفخر و الذهو و الأنتصار

ليخرج هو هاتفه من جيب بنطاله يود أن يتحدث إليها … أن يسمع صوتها الذى يحمل الكثير من الذل و الهوان … يريد أن يشعر بها أسفل قدميه من جديد أغمض عينيه لثوان يتذكر ذلك الإحساس حين كانت تجثوا على ركبتيها أسفل قدميه تخلع عنه حذائه و چوربيه و يشعر بملمس يدها الصغيرة على بشرة قدمه … يتذكر أيضاً حين كانت بين ذراعيه رافضه و كارهه … لكن و رغم كل ذلك كان لها مذاق مميز و مختلف

ظل الهاتف فوق أذنه يستمع إلى الرنين و لكن بلا رد نفخ بضيق و هو يسأل نفسه أين هى و كيف لا تجيب على أتصاله … كيف تتجرء عليه بتلك الطريقة

أخذ نفس عميق و هو يتوعدها حين ينتهى من تثبيت قدمه فى مؤسسة الصافى و خطوبته سوف يذهب إليها … يعيد تربيتها … و يعلمها و بالطريقة الأسوء مقدارها و ما هى خلقت لأجله
دلفت إلى غرفتها بعد أن تناولت العشاء مع عمتها و زوجها كعادتهم من يوم سفر أصلان … أبدلت ملابسها و تمددت على سريرها و هى تأن بألم فقدمها متورمه و بدأت تشعر بثقل الحمل … خاصة مع ازدياد العمل و تطوره الذى يسعدها حقاً و يجعلها تشعر بالفخر

حاوطت بطنها البارز و أخذت نفس عميق و ربتت عليها بحب و قالت

– بدأت أبنى مستقبلك … هخلى الدنيا لما تنوريها تستقبلك و هى فاتحه درعاتها ليكى .. مش هخليكى تتحملى أفكار عقيمة و لا تشوفى العذاب إللى أنا شوفته

ظلت تربت على بطنها و عيونها ترسم قدرتها على التحدى و الأستمرار رغم تلك الدمعه الخائنه التى سالت فوق وجنتها

مسحتها بقوة حين شعرت بها ثم مدت يدها أسفل وسادتها و أخرجت مذكراتها و بدأت فى كتابة أحداث يومها ككل يوم … تكتب لأبنتها قصه كفاحها لمستقبل أفضل

*********************

فى صباح اليوم التالى كان يدخل الشركة يده بيد صافى و يجاوره والدها حسام رفعت … ذلك الأسم الذى يخلق الرعب فى قلوب منافسيه و كل من له فى مجاله

يمر على مكاتب الموظفين كشريك و ليس كصديق لأبنة صاحب المجموعة

يمر اليوم و هو يملك أسهم فى تلك المؤسسة و سيملك الباقى حين تصبح صافى زوجته

بالأمس أخذ الخطوة الأولى و التى تأخرت عدة شهور و لكن الخطوة القادمة لن تتأخر كثيراً بل ستأتى فى أقرب وقت

أنتهوا من جولتهم و توجه إلى مكتب رئيس المجموعة جلس أصلان فى مواجهة حسام و أمامه صافى

حين قال حسام بهدوء شديد هو سمه أساسيه به رغم أنه رجل شديد الصرامه إلا أن كلماته دائماً هادئة حتى فى أصعب المواقف و فى وقت ضغط العمل

– أنت دلوقتى بقيت خطيب بنتى و شريك معانا فى الأسهم … بس ده مش معناه أن بقى ليك كلمه هنا

شعر أصلان بألم الكلمات و كأنها صفعة مدوية على وجنته … و لكنه جعل وجهه بدون تعابير واضحه صفه تعلمها من جده … و دائماً ترسم له هاله من الغموض تفرض على من يتعامل معه الحذر

ليكمل حسام كلماته بنفس هدؤه

– أنا متعود أحقق لصافى كل إللى تتمناه … و خطوبتكم كانت تحقيق لرغبه بنتى .. لكن أنت تحت الأختبار و يوم ما أثق فيك … ساعتها بس أبواب جنة حسام رفعت اتفتحت كلها قدامك

غضب شديد و نار حارقه … هو أصلان الزيني الذى لم يتجرأ أحد على النظر إلى عينيه و هو يتحدث معه … يأتي اليوم الذى يستمع فيه إلى تلك الكلمات الجارحة … و يوضع له الشروط و العواقب … سوف يحقق حلمه و بدل من أن يكون له شركة بأسمه سوف يكون صاحب مجموعة الصافى و فى القريب العاجل وتصبح مجموعه أصلان الزيني

لكنه ترك كل ذلك داخله و أبتسم إبتسامة بارده و قال

– ثقة حضرتك شرف هسعى أني أحصل عليه بكل طاقتى

ثم نظر إلى صافى بابتسامة حب و قال

– و لو على صافى … فهى كل عمرى و حبى الوحيد و الدنيا كلها فى كفه و هى فى كفه

كان حسام ينظر إليه بتفحص يلاحظ تلك العضله بجانب فمه التى تتحرك كثيراً دليل على غضب مكتوم و تحفز جسده و أيضاً ذلك العرق النافر فى جبينه لكنه أبتسم بهدوء و قال

– الأيام أكبر دليل .. و هى مراية الحقيقة … و أقوى جهاز كشف للكذب

لينظر إليه أصلان بنظره غير واضحة لكن حسام أنتبه لها و فهمها … و قد أتخذ قراره و لن يتراجع فيه

************************

جالسة تتناول طعامها تحت إشراف عمتها التى تعد لها كل الأكلات الصحية التى أوصت بها الطبيبة

تحت نظرات رمزى الذى يبتسم بسعادة فكم أختلفت حياتهم منذ رحيل الحج رضوان … و سفر أصلان … من جفاء وخواء لشىء مهم يحاوطها الحب

أخذ نفس عميق و هو يعترف لنفسه أن إحساس الأبوه لشىء عظيم لا يعلم لما الله حرمه من تلك النعمة لكنه لا يعترض أبداً … يكفى أنه رزقه بسناء صاحبه القلب الكبير … عشق حياته و هدفه الأكبر

أنتبه من أفكاره على كلمات قدر التى قالتها بصعوبه

– يا عمتو … يا عمتو حرام أنا مش قادره ده كتير وربنا

لتبتسم سناء بمحبه و هى تربت على ظهرها برفق و قالت موضحه

– يا حبيبتى أنت بترهقى نفسك و طول النهار بره البيت … لازم تتغذى علشان خاطر إبنك

– بنتك يا عمتى … أن شاء الله هتكون بنت … قلبى بيقولى كده

ثم أكملت بشرود بعد أن أرتسم فى عيونها حزن كبير و ذكرى قديمة ليوم ذبحت فيه و أيام عاشتها فى عذاب

– هو أنا بعمل كل ده ليه … علشانها هى … برسم لها مستقبل … مستقبل يحترمها و يقدرها ومش هسمح أبداً أنها تشوف أى حاجه من إللى أنا شوفتها

كانوا يستمعوا إليها يتفهمون حالتها … يقدرون حديثها فمن غيرهم يستطيع فهم ذلك

أجلى رمزى صوته ثم قال بسعادة

– النهاردة هنروح نشوف أيه إللى حصل فى بُنا المدرسة

لتنظر إليه قدر بابتسامة واسعه و هى تقول بعدم تصديق

– بجد يا بابا ؟

أومىء بنعم لتقف و هى تقول

– يبقا لازم أروح الورش بسرعه أطمن و أرتب كل حاجة و عايزه كمان أبدء فى تصميم اليونيفورم

و غادرت دون أن تنتظر رد أحد منهم لتنظر سناء إلى رمزى بقلق ليقف و توجه إليها يضمها بحنان و همس بجانب أذنها

– متقلقيش أنا جمبها و مش هسيبها أبداً

أراحت رأسها على كتفه و هى تأخد نفس عميق و أومئت بنعم ليقبل جبينها و أخذ عصاته و عبائته و غادر يلحق بقدر

**************************

كانت تقف أمام تلك الأعمدة الخرسانيه تنظر إليها بسعادة و فخر …. أكبر أحلامها يتحقق سعادتها الأكبر و هى ترى شباب تلك البلده هم من يعملون بأيديهم

و خاصة بعد ما حدث من ثلاث أسابيع فى مسجد البلده

حين ذهب رمزى لصلاة العشاء و تأخر

كانت عمتها تشعر بالقلق و لكن حين عاد بعد أكثر من ساعه و نصف من التأخير

جلس بينهم يقص عليهم ما حدث حين أجتمع به كل رجال البلده يرفضون تماماً ما تقوم به قدر و يلومون عليه وقوفه بجانبها بل و يعيبون عليه أيضاً

حين قال أحدهم

– ماشى و رى حتة عيله و مطاوعها فى قلة الحيه عايزه تقوى بناتنا علينا و تخليهم يكسروا كلامنا

و آخر حين قال

– أنت راجل زين يا رمزى بس أنت ضعيف قدام مراتك و بنت أخوها … لكن ضعفك ده يأثر على بيوتنا و بناتنا ده إللى مش هنسكت عليه

ليقف رمزى و نظر إليهم بقوة و ثبات وقال بهيبه جعلت كل من فى المسجد يصمت و لا يستطيعوا المجادله و الرد

– أنا راجل عارف الصح من الغلط و الحلال من الحرام … عارف شرع ربنا و حدوده … عارف حقوقى و حقوق الناس إللى حوليا …. و أنا عارف كمان حقوق الست زى ما ربنا قال ده سبحانه و تعالى كرمها بسورة كاملة أسمها النساء و كمان الآيات الكثيرة علشانها ….. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}، و كمان قال تعالى {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ}، و كمان {لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ ۚ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا}، و كمان {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا} و كمان { هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنّ } و غيرهم كتير من آيات الذكر و رسولنا الكريم كمان قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْراً فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلْعٍ أَعْوَجَ مَا فِى الضِّلْعِ أَعْلَاهُ فَإِنْ ذَهَبَتْ تُقِيمُهُ كَسَرْتُهُ وَانَ تَرَكْتُهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ … لكن إللى يفهم صح و يعرف أن ربنا يوم ماخلقنا ذكر و أنثى خلقنا سواسية و كلنا فى الميزان واحد خلق ستنا حوا من ضلع آدم علشان تكون تحت جناحه و جمب قلبه يحن عليها و يحميها مش يذلها و يكسرها

صمت لثوان ينظر إلى جميع الوجوه التى بدء عليها الخجل و أكمل قائلاً

– ده غير حديث خير الأنام حين قال وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِي يَعُولُ ثَلَاثَ بَنَاتٍ أَوْ ثَلَاثَ أَخَوَاتٍ فَيَحْسُنُ إِلَيْهِنَّ إِلَّا كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ. وفي رواية أخرى

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ كَانَ لَهُ ثَلاثُ بَنَاتٍ فَصَبَرَ عَلَى لأْوَائِهِنَّ وَضَرَّائِهِنَّ وَسَرَّائِهِنَّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُنَّ فَقَالَ رَجُلٌ أَوْ ثِنْتَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَوْ ثِنْتَانِ فَقَالَ رَجُلٌ أَوْ وَاحِدَةٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَوْ وَاحِدَةٌ…. عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تُكْرِهُوا الْبَنَاتِ فَإِنَّهُنَّ الْمُؤْنِسَاتُ الْغَالِيَاتُ … ياريت دلوقتى تكونوا فهمتوا قيمه بناتكم و أخواتكم و زوجاتكم و أمهاتكم و تفهموا أن إللى قدر بتعملوا دلوقتى و أنا بساعدها فيه ده لا عيب و لا حرام و إن هو ده الصح

صمت لثوان ثم أكمل قائلاً

– كل واحد فيكم عنده فى بيته باب من أبواب الجنة بس هو إللى قافله بأيده

كانت قدر تستمع لكلماته و الدموع تغرق وجهها و لم تشعر بنفسها و هى تنحنى تقبل يديه بإحترام و تقدير ليرتجف قلبه داخل صدره و هو ينظر إليها ببعض اللوم و الأندهاش لكن لحقتها سناء أيضاً و قبلت يديه الأخرى ليرى داخل عيونهم سعادة و فخر جعله يشعر بفخر كبير أنه فى حياة هتان الامرأتان

و في اليوم التالى كان بعض شباب البلده و رجالها يقفون أمام الورشه يعرضون مساعدتهم فى بناء المدرسة و أى عمل آخر يريدونه وذلك كان اول الانتصارات الكبيرة والبقية تأتي
يجلسون يتناولون وجبة الغداء بعد عودتهم من العمل و متابعة إنشاء المدرسة ليس إشراف فهى بكاملها تحت إشراف الحكومه لكن رمزى يهتم أن يوفر كل ما ينقص فى التو و اللحظة حتى يستطيعوا أفتتاحها على العام الدراسى الجديد

علا صوت الهاتف كادت سناء أن تقف حتى تجيب و لكن قدر أشارت لها أن تكمل طعامها و أجابت هى

لتلعن حظها الذى جعلها تستمع إلى صوته من جديد

– أهلاً أهلاً يا بنت عمى و مراتى مع وقف التنفيذ

لم تجيب على حديثه الذى أصابها بالغثيان ليلاحظ ذلك رمزى فاقترب منها سريعاً لتشير إليه بالصمت هى لا تريد أن تثير شكوكه و إن يفكر فى العوده الأن

هى لا تريده أن يعرف بخبر حملها … أن هذا سوف يقضى على البقيه الباقيه من قوتها و كرامتها التى عادت تقويها و تبنيها

عاد صوته البغيض من جديد

– أتصلت قبل كده و الهانم مردتش .. على العموم كله بحسابه

ظلت صامته إلا من أنفاسها المتلاحقه أثر ألم قوى أسفل معدتها جعل سناء تقترب منها تضمها بحنان و هى تربت على ظهرها حتى تهدء … ليكمل هو كلماته بابتسامة تشفى خاصة مع صوت أنفاسها الذى يسمعه الأن أفضل من ألف أغنية حب

– أنا بعت الأرض و المشترى هيجى بكره يستلمها قولى لأى حد من الرجاله اللى عندك يبلغ المزارعين

جحظط عيناها بصدمه ليكمل هو ببرود

– كده فاضل البيت إللى أنتِ قاعدة فيه بس أنا مش هبيعه … عارفة ليه ؟

زدادت سرعة أنفسها و ضمتها سناء أكثر إلى صدرها و أقترب رمزى إليها فهو يشعر أنها ستنهار قريباً ليقول أصلان غير منتبه لكل ذلك

– علشان وقت ما نفسى تهفنى كده على حته مخلل … أجى أكُلها و أمشى

أغلق الهاتف بعد أن قال كلماته و إبتسامة واسعه ترتسم على شفتيه …. فبعد أن حصل على ذلك المبلغ الكبير من بيع الأرض يستطيع أن يشترى المزيد من الأسهم و يصبح شريك رسمى … لقد أبدل خطته لن يستند على أسهم صافى الأن حتى يحصل على ثقة حسام رفعت و لكنه يتوعده … سوف يأخذ منه كل ما يملك

~~~~~~~~~~~~~~~

بالفعل لن تتحمل أكثر من ذلك لتخونها قدميها و كادت أن تسقط أرضاً هى وعمتها … إلا أن رمزى أمسك بها و حملها سريعاً و وضعها على الأريكة برفق لتصرخ هى بألم لينظر كل منهم إلى الأخر بخوف و لكن رمزى كان الأسرع حين قال

– غيرى هدومك بسرعه على مجهز العربية

و بعد عدة دقائق كان الأثنان ينتظران فى رواق المستشفى … يدعون الله أن يطمئنهم عليها … مرت عدة دقائق … القلق و الخوف ينهش قلوبهم … كانت سناء تجلس على إحدى الكراسى لا يتوقف لسانها عن الدعاء و الإستغفار و رمزى يقطع الرواق ذهاباً و إياباً تضرب عصاه الأرض بقوة و هو يدعوا الله أن يطمئنه على من أصبحت أبنته … من جعلت لحياته قيمة و هدف … من جعلته يشعر بإحساس الأبوه

كان من داخله يدعوا على أصلان الذى تسبب فى كل هذا و يدعوا للحج رضوان بالرحمه و أن يغفر له صنيع يديه من الكره الذى تركه خلفه

مرت أكثر من نصف ساعة و التوتر والقلق يزداد … كان من وقت لآخر يربت على كتف سناء التى لم تتوقف عيونها عن البكاء

و أخيراً فتح باب الغرفة و خرجت الطبيبة التى قالت مباشرة

– أنا قولت قبل كده بلاش ضغط عصبى و إجهاد

لتنظر سناء إلى رمزى الذى قال بهدوء

– و الله كان غصب عننا … المهم هى عامله أيه دلوقتى

– هى هتفضل معانا النهارده نطمن على الضغط و عدم تكرار أنقباضات الرحم

أجابته بعمليه لتقول سناء

– ممكن ندخل نشوفها ؟

– هى نايمه دلوقتى … النوم أفضل ليها علشان أعصابها تهدى

أجابت سناء ثم غادرت ليحاوط رمزى كتف زوجته و سار بها عائداً إلى المكان التى كانت تجلس فيه و قال

– ان شاء الله هتبقي كويسة

– يا ترى قالها أيه وجعها اوووى كده

أخفض رأسه دون رد فهو لا يستطيع تخيل ما قاله … و لكن هو متأكد أنه لن يغفر له فعلته … و لن يمررها له و لكن ليطمئن على قدر أولاً و بعدها لكل حادث حديث

~~~~~~~~~~~~~~~~~

– هتنفذ أمتى ؟

قالها أصلان بابتسامة واسعه بعد أن مد يديه بشيك لذلك الرجل الذى يجلس أمامه

أخذ الرجل الشيك و نظر إليه بتمعن ثم رفع عينيه إلى أصلان و قال

– من بكره … بس

– بس أيه ؟ لا أنا مش عايز أى تأخير

قال أصلان بعد أن ضرب سطح الطاوله بقوة ليقول الرجل موضحاً

– حسام رفعت مش هين .. و مش عايزينه يلاحظ شرا الأسهم علشان ميقفش لينا فيها

ثم أقترب أكثر من أصلان و قال بصوت منخفض و كأن هناك من يسمعهم

– خصوصاً أن الأسهم هتبقا بأسمك أنت بس مش أكتر من شخص يعنى

ظل أصلان صامت يفكر فى كلماته ثم أومىء بنعم و أعتدل مسترخيا على الكرسى و قال بابتسامة

– ماشى خلينا نلعبها على الهادى … المهم أحقق إللى أنا عايزه … و هحققه

قال الأخيرة بتحدى مصاحب لنظرة حاده و إبتسامة ثقه

*****************

فتحت عيونها و رمشت عدة مرات تحاول أستيعاب أين هى و ماذا حدث حين أقتربت منها الممرضه و قالت بابتسامة بشوشة

– حمدالله على السلامه

– أنا فين ؟

قالتها ببعض التشتت لاتجيبها الممرضة بنفس الإبتسامة

– فى المستشفى .. بس متقلقيش أنتِ كويسة

– عايزه عمتى و جوز عمتى

قالتها مقاطعه سيل كلمات الممرضة لتومىء بنعم و غادرت الغرفة لتدخل سناء بعدها بثوانِ قليلة و هى تقول و دموعها تغرق وجهها

– الله يسلمك يا عمتى

– حمدالله على سلامتك يا بنتى

قالها رمزى بحب ابوى صادق لتقول هى بإحساس كبير بالأمان و الثقه لذلك الرجل الذى أحيا قلبها كأب حانى حلمت به طوال حياتها

– الحمد لله يا بابا هبقا كويسة أكيد طول ما أنتوا معايا و جمبى

ربت على قدميها بحنان لتقول هى بصوت مرهق

– أصلان باع الأرض و المشترى جاى بكره يستلم

لتظهر الصدمه جليه على وجه سناء و الغضب على وجه رمزى و بدء صدره يعلوا و يهبط بغضب شديد ثم قال

– أرض الزيني مش للبيع يا أصلان مش للبيع

و غادر سريعاً لتنظر كل من قدر و سناء لبعضهم بعضا بخوف و قلق
يجلس على ذلك الكرسى منذ أمس … بعد أن جمع كل رجاله و أعاد توزيعهم على الأرض فى أنتظار ذلك المشترى المزعوم

هو لم يرى شىء جيد يوماً من ذلك الأصلان … هو يشبه الحج رضوان كثيراً و لكنه أيضاً لا يشعر بالأنتماء إلى تلك الأرض و إلا مكان فكر يوماً فى بيعها

أم هو يفعل كل ذلك حتى يضيق الخناق على قدر

هل وصل به الحقد و الكراهيه إلى تلك الدرجة .. أن يجردها من مصدر رزق … و الشعور بالأمان فى وسط بيتها و أرضها

هز رأسه بلا و هو يلوم نفسه على تفكيره

أى أمان و أملاك فكل شىء بيده هو … و تلك المسكينة ما هى إلا مستقبل لكل أفعاله و نتائجها

أخذ نفس عميق … سيقوم بالأمر … صحيح هو لن يلقن ذلك القذر درساً لكن على الأقل فى المستقبل القريب و القريب جداً ما سيفعله سيكون صفعة قوية على وجه أصلان … و كم يتمنى أن يكون موجود ليرى تأثير تلك الصفعة عليه

أنتبه من أفكاره على بعض الأصوات العاليه ليرتفع حاجبيه بصدمه و هو يرى بعض رجال البلده و شبابها الذى يعمل معظمهم فى الأرض يقفون أمام بوابه قصر الزيني

أقترب منهم و هو يرفع يديه ليوقف سيل كلماتهم الذى لم يفهم منها شىء و قال

– خير يارجاله فى أيه ؟

ليقترب أحدهم و هو أكبرهم سنناً و قال

– سمعنا باللى حصل … و كلنا هنقف معاك .. أرضنا ميخدهاش حد غريب

أبتسم رمزى إبتسامة سعادة و فخر و قال بصدق

– شكراً يا رجاله .. متقلقوش الأرض مش هتروح لحد غريب … مش هقبل بده أبداً أنا عايزكم بس تروحوا على شغلكم … الأرض محتاجاكم و الورش و المدرسة … مش عايزين حاجه توقفنا

ليهمهم الجميع موافقاً و بدأوا فى التحرك و الذهاب إلى عملهم

ليضرب رمزى الأرض بعصاته و بداخله يقسم على تلقين ذلك الأصلان درساً لن ينساه يوماً

**********************

كانت سناء تشعر بالقلق … لم يعد رمزى منذ خرج بعد إفاقة قدر

كانت قدر تتابع حركتها من النافذة إلى باب الغرفة ثم تجلس قليلاً و تعود تتوجه إلى النافذة و إلى الباب

– طيب ما تتصلى بيه

قالتها قدر بابتسامة مشاغبة لتنظر إليها سناء ببعض الخجل لتكمل كلماتها

– عمى راجل عاقل و هادى متقلقيش عليه … هيتصرف بعقل

جلست سناء على الكرسى القريب من سرير قدر و قالت

– عارفة … و متأكدة أنه قادر يحل أى موضوع بهدوء بس غصب عنى بقلق عليه و كأنه ابنى … غصب عنى بخاف عليه و كأنه حته منى

أبتسمت قدر إبتسامة حزينه وقالت

– كان نفسى أحس الإحساس ده أو حد يحسه نحيتى … كان نفسى أحس أن فى حد بيخاف عليا و كأنى حته منه

شعرت سناء بالحزن و الشفقة على تلك الصغيره التى ظلمتها الحياة و لم ينصفها أحد و قبل أن تقول أى شىء يواسيها أكملت قدر قائله بثقه

– بس أنا مش هحرم بنتى من الإحساس ده … هكون الظهر إللى تتسند عليه … و الحضن إللى يساعها فى كل حالتها … هخلى أحلامها بوسع الكون … و أخليها قادرة تكسر كل القيود و تعيش زى ما ربنا قال تاخد كل حقوقها و تعمل كل واجبتها

أبتسمت سناء بمحبه و ربتت على كتف إبنة أخيها و قالت بحب

– ان شاء الله يا قدر … أنتِ قدرتى تغيرى كتير … قدرتى تفتحى عقول كتير و تغيرى تفكير ناس كتير مين يقول إن فى ورش نسيج و إللى شغال فيها بنات مين يقول إن فى مدرسة بنات مخصوص بتتبنى فى البلد …. أنتِ أنتصرتى يا قدر

– لسه

قالتها قدر بقوة غاضبة و أحتدت نظراتها و هى تكمل

– أنتصارى الحقيقى أما أصلان يشوف بعينه إللى أنا عملته و حققته

ظلت سناء صامته تنظر إليها بشفقة ممزوجة بفخر و بعض الألم

~~~~~~~~~~~~~

لم يطول أنتظار رمزى لمشترى الأرض المزعوم حين وصل أمام بيت الزيني ترجل من سيارته ينظر إلى ذاك الجمع من الرجال الواقف خلف رجل ذو هيبه يجلس فوق مقعد خشبى بهيبه لا يخطئها أحد

تجمد الموقف لعدة ثوانِ يتبادل فيها الرجلين النظرات حتى قال رمزى بهدوئه المعهود

– كرسى للضيف يا خلف

ليتحرك شاب صغير الهيئة و أحضر كرسى خشبى و ضعه أمام رمزى و أبتعد ينظر إلى الرجل من جديد حتى عاد إلى مكانه

أشار رمزى إلى الضيف و هو يقول

– أتفضل أقعد … علشان فى كلام لازم تسمعه الأول

أقترب الرجل و جلس على الكرسى و رمزى يتأمله رجل أربعيني صاحب مظهر مقبول و أيضاً يبدوا عليه الهدوء و الرزانه … لم يرى شر فى عينيه أو إستعداد لحرب يتوقعها … أو نظرة إنتصار

– أسمعنى كويس يا أستاذ علشان نوفر على بعض الوقت و المجهود

رفع الرجل عينيه ينظر إلى الرجال خلف رمزى ثم عاد بنظرة إليه و هو يقول باستفهام

– هو أنا ليه حاسس أن فى حاجة غلط أو فى مصيبه أو كارثة أنا جاى أستلم الأرض إللى أشتريتها

أقترب رمزى قليلاً من الرجل حين أستند بكوعيه على فخذيه و قال بهدوء يصل حد البرود

– ما هى دى المصيبة .. أرض الزيني مش للبيع

– أنا معايا عقود سليمه و

– عارف و البيع صحيح ميه فى الميه بس برضوا أرض الزيني مش للبيع

قال رمزى كلماته بحزم شديد جعل الرجل يبتلع باقى كلماته

عاد رمزى لجلسته الأولى و أكمل قائلاً

– أسمع يا أستاذ فلوسك إللى دفعتها هاتخودها و فوقهم ١٠٠ ألف و تعمل تنازل عن الأرض لأصحابها الحقيقين

قطب الرجل حاجبيه وقال بعصبيه

– صح … بس الأرض برضوا مش للبيع

و عاد لجلسته الأولى و رفع يده يشير إلى الرجال خلفه

– بس أنا و الرجاله بنقولك غلط … هتاخد فلوسك و فوقهم ١٥٠ ألف و أعمل تنازل عنها دلوقتى

ثم عاد يستند على فخذه و قال بغمزه

– أصل أنت مش هتقدر تدخل الأرض و أنت الأولى بالفرق و لا أيه ؟

و عاد يعتدل فى جلسته و ارتسمت على شفتيه إبتسامة إنتصار

ظل الرجل صامت لعدة ثوانِ ثم أومىء بنعم

ليقول رمزى بصوت عالى

– العقود يا متر

ثم وقف و هو يشير للرجل أن يسير بجواره و قال موضحاً

– هنروح لأصحاب الأرض علشان نخلص متقلقش

ثم وقف أمام الرجل و قال

– هتمشى من هنا معاك فلوسك و ورق أرضنا معانا

و أرتسمت نفس الإبتسامة المنتصره على وجهه من جديد و هو يفتح باب السياره للرجل الذى صعد إليها دون أن يقول شىء

فقد فرض رمزى بهيبته عليه الصمت و فقط
بدء ذلك الشريك الخفى فى شراء الأسهم … و شعور أصلان باقترابه مما يريد يزيد بداخله الثقه التى تجعله يتعامل بغرور كبير و ثبات أيضاً … و كان يزيد من أهتمامه و حبه لصافى التى لم تبخل عليه يوماً بأى شىء

حبها و قلبها و جسدها و مالها …. كانت تأخذه معها فى جميع التجمعات الكبيرة و كانت دائماً تعرفه على المسؤلين و كبار رجال الأعمال الذين بدأو فى التقرب منه و التودد له أملا فى نيل رضا حسام رفعت

فى نفس الوقت الذى كان فيه حسام يتابعه بتركيز شديد رغم نظراته الباسمه المحبه

و تقبل كل ما تفعله أبنته مع أصلان بصدر رحب إلا أن ذلك الهامس داخله الذى يخبره أن هناك شىء غامض خلف أصلان رغم أنه تأكد بنفسه من صدق كلماته حين أخبره أن جده زوجه أبنة عمه دون رغبته و أنه تركها خلفه غير مهتم بها

و فى الحقيقة صدمته تلك الصراحة … و جعلت عقله يفكر كثيراً فى صدق مشاعر أصلان لأبنته و لكن يبقى ذلك الحس بداخله الذى أكتسبه من سنوات عمله و خبرته يجعله مستمر فى خطته و لن يتراجع يوماً خاصة بعد زيارة الأمس و التى جعلته الأن يسخر كل حواسه لكشف الأمر

~~~~~~~~~~~~~

طرقات على باب غرفتها ثم دخول رمزى بهيبته المعهوده لتركض إليه سناء و بعيونها خوف شديد ليربت على ظهرها بحنان أبتعدت تنظر إليه و قبل أن تقول أى شئ قال بصوت عالى بعد أن تأكد من أنهم يضعون غطاء رأسهم

– أتفضلوا يا جماعة

لتتراجع سناء إلى الخلف خطوتان و قطبت قدر حاجبيها باندهاش

ليدلف المحامى الخاص برمزي و خلفه شخص غريب و رجلين يعرفوهم جيداً من رجال رمزي الأوفياء

مد المحامى يده ببعض الأوراق لرمزي الذى أقترب من سناء و أشار لها على مكان فى الورقه و وضع القلم فى يدها و قال

– أمضى هنا يا سناء

نظرت إليه ليومىء لها بعينه لتوقع بصمت و حين أنتهت أخذ الأوراق و أقترب من قدر فعل معها المثل لتنفذ كلماته بصمت

عاد يعطى المحامى الأوراق و نظر إلى الرجل و قال بابتسامة وقوره

– هتروح مع المحامى و تخلصوا كل حاجه و تستلم فلوسك

أومىء الرجل بصمت و تحرك خطوة ثم وقف و نظر إلى رمزى و قال

– رغم عدم أرتياحى لكن أنت شخص كويس و مش هقول أى حاجه من اللي حصلت هنا لأصلان

لتقع تلك الكلمات على قدر و سناء بالاندهاش و الصدمه

أغلق رمزى الباب و نظر إليهم و أبتسم بوقاره المعهود و قال بعد أن رفع يديه يهدء من قلقهم

– هفهمكم كل حاجه

و بدء فى قص كل ما حدث و ما فعله مع الرجل الغريب حتى قال

– و دلوقتى أرض الزيني كلها بقت ملككم النص بالنص

لتشهق قدر بصدمه و جحظت عيني سناء ظل هو صامت ينظر إليهم باندهاش فهو لم يتوقع رد فعلهم

و كانت أول من خرجت من صدمتها قدر التى قالت

– إزاى يا بابا … إزاى نص الأرض تبقى بأسمى .. مينفعش

أقترب رمزي من سريرها و قال باندهاش

– ليه مينفعش هو مش أنتِ بنتى يا قدر و البيبى إللى جاى ده يبقى حفيدى

أجابته و الدموع تتجمع فى عيونها

– أيوه يا بابا … أنا بنتك و بنتى أنت جدها الوحيد بس أنت فلوسك

أشار لها أن تصمت و أقترب يجلس على الكرسى القريب منها و قال بابتسامة حزينه

– أنا كل إللى بعمله ده نوع من أنواع التكفير عن الذنب الكبير إللى أرتكبته فى حق سناء و حقك

كانت سناء تتابع ما يحدث بصمت و لكن عقلها يدور فى دوائر الحيره و الصدمه و قلبها يعتصره الألم على ذلك الأب الذى لا يوجد أب مثله على وجه الأرض لكنه بلا ولد

و لكن حين سمعت كلماته الأخيرة أقتربت منه و قالت و دموعها تغرق وجهها

– ذنب أيه رمزي إللى عايز تكفر عنه … أنت أكبر نعمه فى حياتى … ده أنت جنة مكنتش بحلم بيها نجتنى من نار أبويا و دخلتنى قلبك إللى حمانى من كل حاجه وحشه فى الدنيا

أمسك يدها و أشار لها أن تصمت ثم نظر إلى عيونها و قال بصدق

– صحيح أنا أتعاملت معاكى عكس ما كان عمى رضوان بيتعامل … بس مقدرتش أخد حقك منه … مقدرتش أقف قدامه و أنقذ قدر من إيديه … مقدرتش أعترض على جوازها من أصلان … مقدرتش أقف لكل العقول إللى أتمنى منها الفهم و أقول بعلو صوتي أنكم مش عار و لا حاجه لازم نستخدمها و نرميها و لا أنتو جوارى أتخلقت علشان مزاج الراجل

كانت قدر تستمع إليه و بداخلها قلب يتألم لحب لم تذقه يوماً و حنان لم تجربه

و حلم بعيد لم و لن يتحقق يوماً

أكمل رمزى كلماته غافلاً عن كل ما يدور بداخل تلك المسكينة

– الأرض دى حقكم أنتو … أنا برجع الحق لأصحابه يمكن يشفع لعمى رضوان و يسامحه على اللى عمله

أنحنت سناء تقبل يد زوجها الذى سحبها سريعاً و ضمها إلى صدره بحنان

لتسيل تلك الدمعه الحارقة فوق وجنتي قدر و يدها تحاوط بروز معدتها بحمايه و خوف

~~~~~~~~~~~~~~~~~

بعد مرور شهرين كان يقف أمام شريكه الذى ينظر أرضاً بخوف

– يعنى أيه ؟ أحنى كنا بنشترى أسهم وهميه ؟

ظل الرجل صامت دون رد و عيونه ثابته على الأرض أسفل قدميه يمسكه أصلان من مقدمة ملابسه و هو يقول بصوت عالى

– رد عليا … يعنى أيه أسهم وهميه … يعنى أيه خسرت كل الفلوس يعنى أيه أنا مش شريك فى مؤسسة الصافى يعنى أيه ؟

أبعد ذلك الرجل يد أصلان عنه و قال بصوت عالى

– الراجل إللى كان بيسهلنا بيع الأسهم كان تبعه

أبتعد أصلان خطوتان إلى الخلف و قبل أن يقول أى شىء

سمع صوت يعرفه جيداً يأتى من خلفه

– محدش يقدر يقف قدام حسام رفعت يا أصلان

ألتفت أصلان ينظر إلى حسام بغضب مكتوم ليكمل حسام بابتسامة واثقه فهو يعلم جيداً تفكير أصلان لأين أخذه و يعتقد أنه يستطيع أن يضغط عليه بابنته صافى

– صحيح بنتى عندى أغلى من كنوز الدنيا و من أسهم الشركة كلها لكن كمان هى عارفة و متأكدة أنى ممكن أشترى ليها أى راجل هى عايزاه تتمنظر بيه شوية و بعد كده تسيبه لما تزهق و أنت كنت نوع جديد عليها مش أكتر

أنتفخت أوداج أصلان غضباً و حاول الأقتراب من حسام لكن ذلك الواقف خلفه أمسكه بقوة و هو يقول بجانب أذنه

– أهدى يا أصلان … أهدى هتجيب لنفسك مصيبه

و كان حسام واقف فى مكانه ثابت و واثق يضع يديه فى جيب بنطاله بثقه

عدل ياقه قميصه و قال

– كل الفلوس إللى سحبتها من بنتى ترجعها و إلا

و لم يكمل كلماته و غادر بعد أن رفع يديه بسلام مع إبتسامة إنتصار تغلفها أحتقار و أستهانه

كان صوت أنفاس أصلان يكسر ذلك الصمت الذى يحيط به خاصة بعد أن تركه صديقه و غادر سريعاً خائفاً من أن تطاله يد أصلان و تبطش به

نظر أصلان حوله فلم يجد سوا الخواء الفراغ …. الوحده و أيضاً خسارة كبيرة

ظل على وقفته يحاول أن يجعل قلبه تهدء نبضاته التى تتصارع داخل صدره

نظر إلى سيارته و أخذ قراره سيعود إلى البيت الأن و يفكر

لابد أن هناك حلول لكل شىء و هو أصلان الزيني و لن يقف شىء أمامه
تستمع إلى لوم عمتها التى تقف أمامها الأن و هى تضع يديها حول خصرها خاصة بعد عودتهم من عند الطبيبه التى أخبرتهم أن قدر ضعيفة جداً و أيضاً دخولها الشهر التاسع منذ عدة أيام قليله و أن هذا الجهد ليس فى صالحها

– من النهارده هتسمعى كلامى و إللى هقوله بس هو إللى هيتنفذ

ضحكت قدر بصوت عالى فى نفس اللحظة التى دلف فيها رمزي من الباب و هو يقول بعد أن أستمع لكلمات سناء الموبخه

– أسمعى كلام عمتك يا قدر و متقلقيش على الشغل

نظرت سناء إلى زوجها بسعادة و إبتسامة واسعه ليكمل كلماته بعد غمز لها

– المشاغل المديرين فيها شايفين شغلهم كويس و أنا هتابعهم … و بُنى المدرسة خلاص قرب يخلص و كلها أسبوع بالكتير و الوزارة تفتتحها

كانت قدر تستمع لكلمات رمزى و الدموع تتجمع فى عيونها وضعت يدها فوق بروز معدتها و قالت بثقه

– لولا وقفتك معايا يا بابا أنا مكنتش عرفت أعمل أي حاجة … أنا مش قادره أستنى لحد ما أشوف المدرسة بتتفتح و البنات داخلينها علشان يتعلموا فيها … و بنتى أما تكبر و تدخلها و كل الناس يحكولها أن المدرسة دى أمها هى إللى كانت السبب فى بُناها فى بلدنا

جلست سناء بجانبها و ضمتها إلى صدرها و هى تقول بفخر

– قدرتى يا قدر تغيرى حال بلدنا من حال لحال … كسرتى الأقفال المصديه و رجعتى الناس لعقولهم و ضميرهم

نظرت إليها قدر و قالت

– مش لوحدى يا عمتي … أنا لو كنت لوحدى من غير بابا رمزي كانت البلد كلها قتلتنى أو دفنوني حيه

جلس رمزي على الكرسي و هو يقول ببعض التأكيد

– أكيد مكنوش هيسبوكى فى حالك بس أنتِ قوية يا قدر و محدش كان هيقدر يقف قصادك أنتِ بتحاربي علشان بنتك و ده أكبر دافع جواكى

أبتسمت قدر لكلمات رمزي المشجعة و الحنان و الدفىء التى تشعر بهم داخل ذراعى عمتها

و عقلها ينبئها أن تلك التسع أشهر الفائته هى من أفضل أيام عمرها

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

كان يدور حول نفسه كالأسد الحبيس … يشعر من داخله بنار حارقه

ملايين الجنيهات ضاعت هباءً دون جدوى و دون أن تعود عليه بأى نفع

ماذا يفعل .. لقد حاول لعدة مرات الوصول إلى صافى و لكنه لم يستطع …. و فى نهاية المطاف علم أنه قد تم إعلان خطبتها لإحدى رجال الأعمال و صديق مقرب لوالدها

إذاً فكل الأبواب قد أغلقت في وجهه حتى ذلك الرجل الذى صدق أنه صديقه أكتشف أيضاً أنه أحد أزرع حسام رفعت و الذى أرسل إليه تحذير قوى اللهجه أن يبتعد عنه و عن أبنته و إن لا يفتح لنفسه أبواب الجحيم و هو سوف يتركه يعمل كما يشاء … و لكن إذا أقترب منه أو من المؤسسة الخاصة به أو أبنته سوف يجد ما لا يسره

جلس على الأريكة الكبيرة و على وجهه غضب العالم … شعور الخساره ليس بأمر هين و هو لم يعتد على الخساره … إعتاد طوال حياته أن تكون أوامره مطاعه … أنه فوق الجميع … و كان ماله يدعمه أما الأن … ماذا سيفعل؟

لقد صرف كل المال الذى كان بالبنك … و أيضاً ثمن الأرض لم يعد يملك شىء

سوا تلك الشقة الكبيرة الذى يسكن فيها وقف سريعاً و عيونه تلمع بفكره سوف تجعله يحقق حلمه القديم شركة الهندسة الخاصة به

لكنه وقف مكانه حين حضرت قدر إلى عقله أخذ نفس عميق و هو يفكر فى تبعات قراره و لكن غروره و كرهه لها لم يسمح له و لو لثانية واحدة من التفكير و تحرك من فوره لتنفيذ ما يريد

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

بعد مرور عدة أيام غادرت سناء المطبخ متوجهه إلى الهاتف الذى لم يتوقف رنينه

و حين أجابت قطبت جبينها ببعض الضيق حين وصل إليها صوت أصلان السائل

– أنتِ مين ؟

ظلت صامته لثوان ثم قالت بصوت قوى

– أنا عمتك

كان دوره فى الصمت لعدة ثوان

– كويس إنك أنتِ إللى رديتى عليا الواحد مش ناقص قرف

قطبت سناء حاجبيها بضيق و كادت أن تجيبه حين أكمل هو

– عرفى بنت أخوكى أنى جاى آخر الأسبوع علشان هبيع البيت … عرفيها تشوفلها أى زريبه تقعد فيها لحد ما ربنا يخدها و أخلص منها

– أيه إللى أنت بتقوله ده يا أصلان …. بيت أيه إللى تبيعه … بيت الزيني أنت أكيد أتجننت

قالت سناء معترضه ليصرخ بها بصوت عالى

– ده بيتى و أنا حر فيه … أنتِ أصلا قاعده فى بيتى بتعملى أيه ؟ عرفى بنت أخوكى إللى أنا أمرت بيه و متدخليش فى إللى ملكيش فيه يا ….. عمتى

و أغلق الهاتف دون أن يسمح لها بالرد و هى بالأساس لم تكن فى حاله تسمح لها بالرد

هى تعلم أخلاق أصلان و تعلم تكبره و تجبره لكن أن يصل به الأمر أن يبيع بيت والدها و يطرد زوجته بعد أن أخبرهم رمزى أن أصلان قد سحب كل الأموال الموجوده بالبنك …. و بدء عقلها يدور فى دوائر الحيره و القلق ماذا ستفعل و كيف ستخبر قدر بالأمر … و ماذا سيكون رد فعل رمزى

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

صعدت إلى غرفة قدر و عقلها سارح فى الأفكار … و كل ما يقوم به أصلان و تقارنه بما يقوم به رمزى و قدر

بالأساس لا يوجد وجه تشابه فى أى شىء

لكن هناك فروق … فروق كبيرة كفرق السماء و الأرض أو الماء و النار الجميل و القبيح

طرقت الباب و حين و صلها صوت قدر فتحت الباب و دلفت لتجد قدر تقف أمام طاولة الزينة تجفف شعرها و جسدها يحاوطه مأزر الحمام

أقتربت منها سريعا و هى تقول بلوم

– أخدتى حمامك لوحدك أفرضى كنت أتزحلقتى و لا دوختي

أبتسمت قدر بسعادة لحنان سناء التى تتشربه منها كأرض عطشه جفت و كل قطرة منها تحييها و تعيد إليها الحياة و تنبت أزهار و ورود

– كنت حرانه أوى .. و حاسه أن التكيف مش عامل أى فرق فى الأوضة

لتنظر سناء إلى المكيف و عادت بنظرها إليها و قالت

– الأوضة متلجه يا قدر .. إزاى مش حاسه بالبروده دى

رفعت قدر كتفيها بلا أعلم لتكمل سناء قائله و هى تتحرك تغلق المكيف

– تعالى ألبسك هدومك علشان متبرديش

بعد عدة دقائق تمددت قدر بإرهاق و قالت بإبتسامة صغيرة

– أنا مش قادرة أتغدي دلوقتي هنام و لما أصحى هبقي أكل

ربتت سناء على كتفها و قالت بحنان

– ماشى يا حبيبتي أرتاحى و نامى

و أعادت تشغيل المكيف و لكن بحراره معتدله و أغلقت الأضائة و غادرت الغرفة

لن تخبرها … سوف تخبر رمزي أولاً و ترى ما رأيه و لكن وقبل أن تتحرك شعرت بدوار قوى

ظلت على وقفتها لعدة ثوان و قد تصل لدقائق

و حين أستعادت إتزانها نفخت بضيق و هى تقول ببعض الغضب

– حسبى الله و نعم الوكيل فيك يا أصلان حرقت دمى و عليت ضغطي

و عادت إلى المطبخ تباشر تجهيز الغداء حتى حضور رمزى

~~~~~~~~~~~~~~~~~

على طاولة الطعام كانت شارده تعبث فقط بالطعام و لم تتناول شىء … كان يلاحظ حالتها الغريبة منذ عودته و لكنه أنتظر أن تتحدث من نفسها خاصة بعد أن أطمئن أن قدر بخير لكنها لم تتحدث

مد يديه يحتضن يديها المستريحة فوق طاولة الطعام لتنظر إليه باستفهام ليقول هو ببعض القلق

– مالك يا سناء .. شكلك مش طبيعى … أيه إللى حصل ؟

أخذت نفس عميق و هى تنظر إليه بخوف وقلق ليقول بقلق أكبر و قلبه يخبره أن هناك شىء كبير قد حدث

– متوقفيش قلبى يا سناء فهمينى فى أيه ؟

– أصلان أتصل النهارده

قالتها سريعاً و كأنها تلقى بهم كبير من فوق كتفيها ليقطب جبينه بغضب قائلاً

– مصيبة أيه المرادى إللى جايه من وراه ؟

ظلت صامته تنظر إليه بخوف و لكنها قالت باستسلام

– أتصل علشان يبلغ قدر أنه جاى آخر الأسبوع علشان يبيع البيت و أنها تشوف لها مكان تانى تقعد فيه

كان رمزي ينظر إليها بصدمه و اندهاش … ماذا يفعل هذا المغرور و أين الحج رضوان الأن … ليرى حفيده الذى باع كل شىء كان له يوماً …. ليرى ذلك الحفيد الذى فضله على قدر … وهو يبيع و قدر تشترى هو يهدم و قدر تبني هو يخسر و قدر تفوز

عاد من أفكاره و نظر إلى سناء و قال مستفهماً

– قدر عرفت ؟

هزت رأسها بلا ليقول هو بعد أن أخذ نفس عميق ببعض الراحه و قال بأمر

أومئت بنعم و قالت

– بس

و لم تستطع إكمال كلماتها ليربت على يديها برفق و هو يقول بحنان مليىء بالثقه و الأمان

– متقلقيش … أنا موجود و هقف له و مش هسمح أبدا ليه أنه يأذي قدر أو يهد إللى هى بنته

أنحنت تقبل يديه بحب و إحترام و قالت بصدق خالص من قلبها

– ربنا يبارك لنا فى عمرك يا رمزي

أبتسم لها بحنان و قبل رأسها بحب و أحتواء و قال بابتسامته الحنون

– و يبارك ليا فى عمرك يا قلب رمزي
كانت تجلس على الأريكة الكبيرة فى بهو البيت الكبير بعد أن تناولت الطعام تحت إشراف سناء تنظر إلى ذلك الصحن الكبير المليء بشرائح الفاكهة

ويجلس على الكرسى القريب منها رمزى الذى يحاول كتم ضحكاته على هيئتها المندهشة

رفعت عيونها إليه و قالت بلوم

– أضحك يا بابا أضحك ما هو إللى مراتك بتعملوا فيا ده حرام بجد

ليضحك رمزي بصوت عالي و شاركته هى أيضاً الضحك و لكنها فى النهاية قلبت فمها كالأطفال و قالت

– مين يقدر ياكل كل ده بس يا ربي

– أحنا عايزينك تتغذي علشان وقت الولاده متتعبيش يا قدر

قال رمزي بهدوء كعادته و حب أبوي كبير … لتضع يدها فوق بروز معدتها و أبتسمت و هى تشعر بحركة ابنتها ثم قالت و الدموع تتجمع فى عيونها

– كل حاجة و أى حاجة علشان خاطرها تهون

أعتدلت فى جلستها قليلاً و وضعت الصحن فوق الطاولة الصغيرة و قال بهدوء

– أتفقت مع حد علي توزيع شغل الورش و لا لسه يا بابا ؟

أنتبه لها رمزي بكامل تركيزه و قال موضحاً

– أنا بعت لأكتر من مكتب و مستنين الرد … بس متقلقيش الشغل فخم و التقفيل على أعلى مستوى أكيد يعنى هنعرف نوزعه و نبيعه

أومئت بنعم ثم قالت

– أنا فكرت فى حكاية منفذ البيع إللى حضرتك كلمتني عنه

ظل صامت ينظر إليها و ينتظر باقى كلماتها

– أهل البلد لازم يستفيدوا كمان من شغل ولادهم … وتكون أسعاره ثمن تكلفته مع زيادة بسيطه علشان كل الناس هنا فى البلد تقدر تشترى و كمان يعود بمكسب للشغالين

أبتسم رمزي بسعادة لكلماتها و قال موافقاً

– خلاص من بكره هنبدء فى تجهيز المحلات

أنزلت قدميها أرضاً و قالت ببعض التردد

– بابا … فى فكرة فى دماغى مش عارفة حضرتك هتوافقنى عليها و لا لأ

أعتدل ينظر إليها باهتمام كبير و قال بقوة حانية

– قولى إللى أنتِ عايزاه يا قدر و طالما اقدر عليها مش هتأخر فى تنفيذها

أبتسمت بسعادة و هى تنظر إليه بأمتنان ثم قالت

– أنا بفكر يوم إفتتاح المدرسة و فى حضور المسؤولين نكون عاملين معرض بشغل المشاغل علشان يعرفوا أحنا شغلنا عامل إزاى و يبقا كمان كده زي إفتتاح لمنافذ البيع و برضوا بأسعار مخفضة

أقتربت سناء فى تلك اللحظة و هى تقول

– و الله يا قدر أنتِ ما فيش منك … ربنا يسعدك يا بنتى و يقومك بألف سلامه

أبتسمت قدر لعمتها بحب ثم عادت بنظرها إلى رمزي الذى قال

– من بكره الصبح هبدء فى تنفيذ كل إللى أنتِ قولتيه

ثم أقترب بوجهه منها قليلاً و قال

– أنا معاكى فى كل خطوة و فى ظهرك قدام أى صعب … و قادر بعون الله ألغى أى متاعب أو مشاكل ممكن تحصل … خليكى ديماً مطمئنة يا قدر … أنا فى ظهرك و طول ما أنا فى ظهرك عمرك ما هتوقعي

وصلت رسالته كاملة لسناء و فهمت ما يرمى إليه … وكانت هى تنظر إليه بشكر و أمتنان و سعادة كبيرة وراحة و أمان لم تشعر به من قبل أمان أحتواء أب يصنع المعجزات من أجل أبنته … يحطم الأسوار و يفتح الأبواب المغلقة … و يجعل أحلام أبنته حقيقة ملموسه

~~~~~~~~~~~~~~~~

دلفت إلى الغرفة بعد أن تأكدت أن قدر تغط فى نوم عميق و بسلام لتجده يجلس فى مكانه على السرير و بين يديه كتاب الله يقرأ فيه بصوته العذب الذى يجعل قلبها يقفز من مكانه حتى يستمع إليه

أقتربت بهدوء و جلست أرضاً بجواره تستمع إلى صوته العذب و عيونها تتجمع بها الدموع خاصة حين بدء فى قرأة سورة مريم

(( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6) يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (7) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (😎 قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (9) قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (10) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11) يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12) وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا (13) وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا (14) وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (15) وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا (21) فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (22) فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (23) فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26) فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33

صَدَّقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ ))

نظر إليها ليجد الدموع تغرق وجهها فابتسم حتى يخبىء ألم قلبه على حزنها و حرمانها الذى كان هو بعد قضاء الله و أمره سبباً فيه

أغلق كتاب الله و وضعه بإحترام و مد يده يمسح تلك الدمعات و هو يقول

– حقك عليا يا سناء … بس و الله عمرى ما يئست من رحمة ربنا و كرمه

لتهز رأسها بقوة … و قبلت يديه المستريحة فوق وجنتها و قالت

– لكل واحد فينا ٢٤ قيراط بياخدهم فى الدنيا هما دول نصيبه لا هيزيدوا و لا هينقصوا … و لو نصيبى الحلو كله من الدنيا أنت يا رمزي كده كرم كبير اوووى من ربنا كرم و انا لازم أحمد ربنا عليها ليل نهار و أصلى شكر لله كمان و من بعدك أنا مش عايزه حاجه من الدنيا

قبلت يديه عده مرات و هو ينظر إليها بحب. يصل إلى الهيام … عشق كبير لم يقل يوماً بل يزيد … لتكمل هى كلماتها

– أنا كان نفسى بس أسعدك … كان نفسي أجيب للدنيا رمزي تانى … قلب شبه قلبك و عقل زى عقلك … كان نفسي أجيب للدنيا راجل حقيقى و بجد كان نفسى أجيبلك جيش كبير شبهك

مد يديه و أمسك كتفيها ليوقفها عن الأرض و سحبها برفق لتجلس جواره و ضمها إلى صدره و هو يقول بصدق

– أنتِ كل جيوشي و أنتِ الحرب الوحيده إللى مش عايز أنتصر غير فيها و كمان مستعد أنهزم علشانها

أخفت وجهها فى تجويف عنقه كلماتها و عشقها له و ذلك الدوار اللعين جعلها لا تستطيع الرد على كلماته أعتقد أنها قد غفت فعدل من و ضعيته حتى تكون مستريحه فى نومها و أغمض عينيه ليغرق فى النوم هو الآخر … غير مدرك لحالتها التى تزداد سوء

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

مر أسبوع كان العمل بكل الورش على قدم و ساق حتى يتم تجهيز كل شىء خاص بالمعرض … و أيضاً الملابس الخاصة بالمدرسة رغم أن هناك وقت على بداية العام الدراسى الجديد إلا أن قدر أرادت أن يوم إفتتاح المدرسة يوم مميز و إن لا يكون هناك أى شىء ينقص المدرسة أو يقف أمام دخول بنات البلده إليها

و رغم تعبها و إرهاق جسدها و أقتراب موعد ولادتها إلا أنها أشرفت على كل شىء بنفسها …. لم تترك تفصيله واحده إلا و قد تابعتها بنفسها

لم يترك رمزى أو سناء جانبها طوال الوقت و يساعدوها رغم حالة القلق التى تسيطر على سناء بسبب كلمات أصلان و القلق الذى يسيطر على رمزى بسبب ذلك الدوار الذى لاحظه يصيب سناء من وقت لآخر و لولا ضيق الوقت لأ خذها دون تردد إلى الطبيب

~~~~~~~~~~~~~~~

و بداخل غرفته كان ممدد على السرير يداعب شعر تلك الفتاة الذى أحضرها بالأمس من إحدى الشوارع المظلمة … و تلك العادة أصبحت هوايته الجديدة

يحضر فتاة بملابس رثه و يسألها عن إسمها و حين تخبره يخبرها أنه سيغير أسمها و يطلق عليها أسم (( قدر )) و حين ينتهى منها يخرجها من المنزل بطريقة بشعه بعد أن يلقى لها المال أرضاً و على وجهها .. و يصفها بأبشع الصفات

و يعود إلى الغرفة يصرخ بصوت عالى بإسم قدر و يطلب منها أن تخرج من عقله .. لكن للأسف لقد سكنت عقله و روحه من أول مره لمسها لا يعلم أذا كانت سكنت قلبه فهو خُلق بلا قلب

نظر إلى الفتاة النائمة جواره و لم يتحمل أن ينتظرها حتى تستيقظ

فعتدل قليلاً و رفع قدمه و دفعها بها حتى سقطت أرضاً تصرخ بخوف من المفاجئة و أيضاً من ألم السقطة

لم يمهلها الوقت لتستوعب ما حدث

غادر السرير دون أن يهتم أن يرتدى ملابسه

و جمع ملابسها من الأرض ألقها فى وجهها و قال أمراً

– ألبسى

حتى وصل إلى باب الشقة فتحه و ألقاها فى الخارج بقوة لدرجة أصطدامها بالحائط المقابل للباب و أغلق الباب بقوة جعلت جسدها ينتفض بخوف

و رغم الألم الذى تشعر به فى جميع أنحاء جسدها إلا أنها ركضت سريعاً بخوف من عودته لها من جديد

عاد هو إلى الغرفة يغلى غضباً

هو لن ينتظر أكثر من ذلك … سوف يذهب إليها عليه أن يراها أسفل قدميه من جديد … و لكن تلك المرة لن يسمح بتلك النظره القويه الواثقه فى عيونها

تلك المرة سوف يرى نظره الأنكسار … سوف يرى نظرة حزن وخوف …. تلك المرة سوف يقتل قدر و روح قدر الأبيه … و إلى الأبد
فى صباح اليوم التالى كانت البلد أجمعها على قدم و ساق لتجهيز و الإستعداد لأستقبال المحافظ و مندوب من وزارة التربية و التعليم … و بعض المسؤلين لأفتتاح أول مدرسة للبنات فى البلده

و أيضاً حضور معرض كبير للملابس … و كل هذا تم بجهود ذاتيه من قدر و رمزى و بعض الرجال الأغنياء

و بيد أبناء البلده أجمع

و كانت هى أيضاً تستعد فى غرفتها … و كأنها عروس و اليوم هو يوم عُرسها … اليوم تحقق حلمها … اليوم الخطوة الأهم فى حياتها و النجاح الذى أوشك أن يكون حقيقه ملموسه

أخذت نفس عميق و هى تبتسم بسعادة و وضعت يدها فوق بروز معدتها و قالت

– و سعادتى الكون مش هيساعها يوم ما أشوفك داخلة المدرسة و يوم ما تدخلى الجامعة و تحققى كل إللى بتحلمي بيه

أغمضت عيونها لثوانِ و ذلك الألم يتكرر من جديد … لا تعلم هل ستلد اليوم

رفعت عيونها إلى السماء و هى تتمنى من الله أن يمر هذا اليوم فقط بخير و إن تظل واقفه على قدميها حتى يتم الإفتتاح على خير

طرقات على الباب أخرجتها من أفكارها و أبتسمت حين طلت عمتها من الباب و هى تقول بابتسامتها الحنون

– جاهزه يا قدر

أومئت قدر بنعم لتقول سناء بحنان

– حلمك أتحقق يا قدر … قدرتي يا بنتى … النهارده يومك

أتسعت إبتسامة قدر و عيونها تشع بنظره فخر و ثقه و أمل فى حياة قادمة أفضل و من داخلها قوة كبيرة قادرة على مواجهة أى شىء و كل شىء

ربتت سناء على كتفها و هى تقول

– أنا هسبقك و متتأخريش رمزي بعت لنا العربيه من بدرى

– حاضر نازله وراكي على طول

أجابتها قدر لتغادر سناء بهدوء … و توجهت قدر إلى السرير و مدت يدها تحت وسادتها و أخرجت مذكراتها و فتحتها و كتبت

(( اليوم باب جديد تفتحه والدتك على مصرعيه … اليوم تحقق والدتك نجاح جديد … اليوم تثبت من جديد لوالدك أنها قادره على مواجهة الجميع و تحقيق النجاح و إن الحياة بأكملها لم تتمكن من كسرها و لم يتمكن هو ))

أغلقت المذكرات و أعادتها إلى مكانها و وقفت أمام المرآة من جديد تأكدت من هيئتها ثم غادرت الغرفة

و مباشرة إلى السيارة و معها عمتها

~~~~~~~~~~~~~~~

وصلت السيارة أمام المدرسة و وجدت هناك عمها يقف بهيئته المهيبه و التى تجعل الأنظار تتوجه إليه مباشرة و تحترمه بشده

و فى نفس اللحظه علت أصوات السيارات تنبئهم لحضور المسؤولين

وقفت قدر جوار رمزى و بالجهة الأخرى وقفت سناء بفخر بزوجها الذى كسر قيود كل النساء و الفتايات و بأبنة أخيها التى وقفت أمام عقول أكلها الجهل و التقليد الأعمى و التفاخر الكاذب بالذكوريه التى لم يكن لهم يد او دخل فى أنهم خُلقوا ذكور

وصل مندوب من وزارة التعليم و المحافظ و أستقبلهم رمزي بثقه وقوة و ثبات و توجهوا لمكان وقوف قدر الذى نظر إليها المحافظ بفخر و قال

– أحيكى يا مدام قدر … حقيقى كلنا فخورين بيكى

أبتسمت قدر بسعادة كبيرة و قبل أن تجيب المحافظ قال مندوب الوزارة

– حقيقى لو كل الناس فكرت زيك كان البلد دى أتغير حالها و أتبدل و بقت من أكتر الدول تقدم

أخفضت رأسها بخجل و هى تقول

– يا جماعة أنا عملت كده علشان شوفت الظلم و القهر و جربته و كمان عارفة قيمة الست و مكانتها و قدراتها

أخذت نفس عميق ثم قالت

– خلينا نفتتح المدرسة و تشوفوا كمان المعرض إللى مجهزينوا و إللى كله من شغل أهل البلد

تحرك الجميع معها فى نفس اللحظه التى أقترب فيها رمزى من أذنها وقال

– أستعدى للمفاجئة

نظرت إليه بحيره و أندهاش ليبتسم و هو يسير بجانب المحافظ بهيبته دون أن ينتبه أحد لما حدث منذ لحظات

أقتربت قدر منهم و بين يديها علبه من القطيفة و بداخلها المقص و مد يدها بها أمامهم

ليقول مندوب الوزارة

– أنتِ إللى هتقصى الشريط .. و ده قرارى أنا و سيادة المحافظ

نظرت إليهم بصدمه ليشجعها رمزى بعينه و صفقت سناء بسعادة لتمسك قدر المقص و قصت الشريط فى نفس اللحظة التى سقطت فيها تلك الأوراق من فوق لافتة المدرسة مصاحبه لتصفيق جميع أهل البلده

و أيضاً شهقات متتالية بسعادة حين نظرت إلى اللافتة غير مصدقه لما تراه

أقترب رمزى منها و قال بصوته الرخيم

– مدرسة قدر الأبتدائية للبنات … مفاجئة

كانت الدموع تغرق وجه سناء التى تتابع ما يحدث بسعادة كبيرة

ظلت قدر تنظر إلى اللافته غير مصدقه لكل ما يحدث سعادة و فرحة … ثقه و قوة … إحساس يشبه من كان يتسلق جبل شاهق و وصل إلى قمته أخيراً يلتقط أنفاسه و أيضاً يستمتع بانتصاره

نظرت على رمزى و الدموع تسيل من عينيها و قالت

– أنا مش عارفه أقول أيه ؟

– متقوليش حاجه يا قدر .. أنتِ تستحقى ده … أنتِ رمز دلوقتى لكل البنات

كلمات رمزي جعلت أبتسامتها تتسع بسعادة و ثقه و نظرت إلى المحافظ و مندوب الوزارة و كل الوفد المرافق و قالت بثقه

– أتفضلوا علشان تشوفوا كل تجهيزات المدرسة

لم يكن أى أحد من الموجودين يلاحظ ذلك الواقف على مسافه لا بأس بها يتابع ما يحدث بعيون جاحظه و صدمه و عدم تصديق

~~~~~~~~~~~~~~~~~

كان الجميع سعيد من المستوى الذى تم تجهيز المدرسة بها و أيضاً الشغل الخاص بالمشاغل … و الإتقان و كأنه شغل مصانع كبيره و سنوات طويله من الخبره

أنتهت الزيارة و أستلمت الوزارة المدرسة حتى يتم تجهيزها و الإستعداد للعام الدراسى الجديد و أيضاً حتى تخضع لإشراف وزارة التربية و التعليم بالكامل

صعدت قدر و سناء إلى السيارة و جلس رمزي فى الكرسى الإمامى

كانت قدر من وقت لآخر تشعر بألم قوى أسفل بطنها و أيضاً فى ظهرها و لكنها كانت تتحامل على نفسها حتى تصل إلى البيت

أوقف السائق السيارة فى مكانها المعتاد … و ترجلوا جميعاً من السيارة

و حين وصلت قدر إلى باب البيت الداخلى و قفت تخلع حزائها و هى تقول ببعض المرح

– رجلى خلاص أتفرمت أنا مالى أنا و مال الجزم دى مالها الكوتشيات مش فاهمه

لتضحك سناء و هى تقول

– هتقابلى المحافظ و مندوب الوزارة بالكوتشي ياقدر

– و تقابلهم بالبكيني كمان … طالما الهانم نسيت أن ليها زوج و المفروض أنها تستأذن منه قبل حتى ما تتنفس

توقفوا جميعاً بصدمه ينظرون إلى أصلان الذى يجلس على إحدى الكراسى الكبيرة يضع قدم فوق قدم بخيلاء ينظر إليها بغضب شديد رغم أن عيونه ثابتة على بروز معدتها الواضح

كان رمزي ثابت و صامت ينظر إليه بقوة رغم أن سناء كانت ترتجف خوفاً

ليس من أصلان و لكن على قدر التى تنظر إلى أصلان بثبات و هدوء

ظل الوضع ثابت كما هو لعدة دقائق … حتى تحركت قدر خطوتان و وقفت أمامه ثم القت حزائها أرضاً و قالت بقوة

– جوز مين إللى أخد أذنه قبل ما أتنفس … الراجل إللى يوم أتجوزني أغتصبنى … إللى فضل أسبوع كامل يعيد أغتصابه ليا كل يوم … إللى كان كل هدفه فى الحياة أنه يشوف نظرة إنكسار فى عينى و يحس أنى مذلوله تحت رجله … الزوج ده يا أبن عمى المفروض يكون حنون … راجل ليا مش عليا … يهمه ساعدتى يهمه أنى أكون ديماً بخير و مبسوطة …. ربنا مخلقش الست علشان تكون خدامة عند الراجل … و لا جارية لشهواته و نزواته … ربنا خلقنا و كرمنا و خلانا باب من أبواب الجنه لأبونا و لولادنا

كان يستمع إليها و الغضب يرتسم على ملامحه يزداد يلاحظه رمزي الذى أقترب بهدوء من مكان وقوفهم فهو حقاً لا يضمن رد فعل أصلان الأن و الذى كان سريع فى الحقيقه حين رفع يديه حتى يصفعها و لكن يد رمزى كانت الأسرع و أمسك يديه و هو يقول بقوة

– هو أنت لسه فاكر أنها قدر القديمة الضعيفة … لا يا أصلان … قدر أتغيرت وأنا فى ظهرها

و دفعه إلى الخلف بقوة لدرجة أنه كاد أن يسقط أرضاً و قبل أن يتوازن كانت قدر تصرخ بصوت عالى و هى تمسك معدتها و تغرق الأرض أسفل قدميها بمياه كثيرة و دماء لتصرخ سناء و هى تركض إليها تدعمها و ألتفت رمزي حتى يحملها ليوقفه أصلان لينظر إليه رمزي بغضب

و قال

– إيدك عنها … قبل ما تفكر تلمسها يا أصلان لازم تواجهنى أنا الأول

و حملها سريعاً و غادر تلحقه سناء التى تحمل حقيبة ملابس الصغير و التى أحضرتها لها إحدى الخادمات و صعدوا جميعاً إلى السيارة الذى قادها رمزي بأقصى سرعة

و لحقه أصلان بسيارته فهو يشعر حقاً بالصدمه و عدم التصديق و لكن أيضاً يشعر من داخله أنه عليه اللحاق بهم
وصل الجميع إلى المستشفى و مباشرة دخلت قدر إلى غرفة العمليات و وقف الجميع بالخارج فى حاله قلق و كان أصلان يشعر بالحيرة و عدم الفهم … كيف هذا هل قدر حامل فى طفل منه هو

أم أنها أخطئت … و لكن مع من و عمتها و زوجها يحاوطانها طوال الوقت كما رأى

و أيضاً إذا كانت أخطأت كيف تجاهل أهل البلده هذا الخطىء

كيف وضعوا يدهم فى يديها و حدث كل هذا التغير خلال تلك الشهور البسيطة

كيف يكون هناك مدرسة بأسمها … و رجال على درجة من المسؤلية فى الدولة يأتون إليها و يحتفون بها بتلك الطريقه يقدرونها و يتعاملون معها بإحترام شديد

كان يشعر أن عقله يكاد ينفجر

أقترب من عمته فى نفس اللحظة التى أبتعد فيها رمزي قليلاً يجيب على إتصال هاتفى

وقف أمامها و حين رفعت عيونها إليه قال

– أيه إللى بيحصل ده ؟ قدر حامل من أمتى ؟ و أيه إللى أنا شوفته فى البلد ده ؟

وقفت سناء تنظر إليه بقوة … تعلم جيداً أنه ضعيف هى الأن تفهم أنه يشبه بالون الهواء من أبسط شىء يمكن أن يختفى و كأنه لم يكن موجود يوماً

– عرفت أنها حامل بعد سفرك بأسبوعين … و من قبلها كانت أتفقت مع رمزى على فتح أول مشغل … وقفت قدام رجالة البلد كلها و خلتهم كلهم يطاطوا قدامها … و المشغل بقوا أتنين و ثلاثه و ليهم منافذ بيع … و كمان بيبعتوا شغل للعاصمة … و أخذت الموافقه على بُنى مدارس للبنات … و جهزت كل حاجة للمدرسة الزى و الشنط و كل لوازم أى بنت داخلة المدرسة و النهارده كان إفتتاح المدرسة الأبتدائي … و أخذت موافقه ببُنى مدرسة أعدادى و ثانوي …. قدر قدرت تكسر قيودك و قيود جدك … خرجت من القفص إللى كنتو حابسينها فيه يا أصلان … قدر النهارده غير قدر بتاعة زمان إللى سيبتها مرميه هنا على أساس سايب جارية قاعدة مستنيه سيدها وقت ما يحن ويتكرم عليها أنه يجى يطل عليها … قدر رسمت قدرها بأيدها و قدرت و حققت و أنتصرت يا أصلان

كانت الصدمه ترتسم على وجهه و هو يرى نفسه صغير فعلاً أمام ما قامت به قدر خلال تلك الشهور و ما قام هو به … هى أصبحت صاحبة شأن فى بلدها التى كانت لا تراها من الأساس و هو خسر ماله و سمعته و كل شىء و جائت الضربة الأخيرة من سناء حين أقتربت منه أكثر وقالت

– أنت فاكر الأرض إللى أنت بعتها يا أصلان … أنت عارف هى ملك مين دلوقتى

جحظت عينيه و زاد سرعة تنفسه لتضرب سهمها الأخير فى قلبه

– بأسم قدر و أسمى … نصها ليها و نصها ليا يا أبن أخويا … أرض الزيني إللى فرت فيها رجعت لأصحابها الأصليين يا حفيد رضوان الوحيد

قالت الأخيرة بصوت ساخر … كان رمزى يقف فى إحدى الممرات الجانبيه بعد أن أغلق هاتفه حين لاحظ أقتراب أصلان منها و لكنه ظل واقف مكانه حين وجدها قويه ثابته قادرة على مواجهة أصلان بقوة و دون خوف و كانت إبتسامة الفخر ترتسم داخل عينيه بوضوح

ظل الموقف ثابت كل من سناء و أصلان يتبادلان النظرات … أحدهم شامته و الأخرى مصدومة

حينها أقترب رمزي منهم و وقف بجانب سناء و قال

– و بيت الزيني لو لسه مُصر على بيعه أنا هشتريه منك لأنه فى الأساس بيت قدر و سناء

نظر إليه أصلان بتشتت و بعض التوهان و أبتعد دون أن يجيب على كلمات رمزي

جلس على إحدى الكراسى المنتشره فى الرواق و عيونه ثابته على باب غرفة العمليات

التى كانت بداخلها قدر تصارع الألم و أيضاً الحياة

~~~~~~~~~~~~~~~~

ظلت سناء على وقفتها تلتقط أنفاسها المتلاحقه و ذلك الدوار اللعين يعود إليها من جديد

و لكن تلك المره إستطاع الأنتصار عليها و سقطت مغشي عليها بين ذراعي زوجها الذى ظل يصرخ بصوت عالى على أي شخص يساعده

ليقف أصلان سريعاً و يحملها من بين ذراعى رمزي و تحرك بها فى إتجاه إحدى الغرف و هو يقول

– شوف إى دكتور بسرعة

ليتحرك رمزي سريعاً و هو ينادى

– دكتور … دكتور حد يلحقنا … حد يساعدنا

و فى تلك اللحظة ظهر أمامه طبيب يقول ببعض الغضب

– صوتك يا أستاذ أنت فى مستشفى

ليمسكه رمزى من ملابسه و هو يقول

– مراتى الحق مراتى

ليقطب الطبيب حاجبيه و هو يقول

– هى فين ؟

أشار له رمزي على الغرفة ليركض إليها الطبيب و خلفه رمزى و حين دلفوا إلى الغرفة خرج أصلان و عاد ليجلس مكانه من جديد.

ظل رمزى يتابع الطبيب و هو يعاين سناء و القلق ينهش قلبه

و مرت الدقائق عليه بطيئة و مخيفة … و حين نفذ صبره أقترب خطوتان و هو يقول

– طمني يا دكتور … مراتى مالها ؟

نظر إليه الطبيب و قال بابتسامة صغيرة

– هو حضرتك خايف كده ليه ؟ طبيعى يحصلها كده

– يعنى أيه طبيعى ؟

أقترب منه الطبيب و قال بابتسامة واسعة

– أسعد لحظات حياتى و أنا ببلغ أى راجل أن مراته حامل … مبروك المدام حامل

ظل رمزى ينظر إليه بصمت و كأنه لم يستمع إلى ذلك الخبر الذى تمناه طوال حياته .. و كأنه لم يستمع أن الله أستجاب إلى دعائه .. و أنه لم يحرمه من أن يكون له طفل … يكون قطعه منه و من سناء .. إن الله كافئهم على صبرهم و إيمانهم به … و رضاهم بما قضى لهم

و هاهي جائزته مرضيه بالشكل الذى لم يتخليوه يوماً

– مراتى مالها ؟

قالها ببعض الصدمه ليقول الطبيب بابتسامته الواسعة

– حامل … حضرتك هتبقي أب

و ربت على كتفه و غادر الغرفة ليتوجه أصلان إليهم ليجد رمزي يسجد أرضاً و يقول بصوت عالى وباكى

– الشكر لله … الشكر لله … الشكر لله

رفع رأسه من الأرض ليرى أصلان ليركض إليه و هو يقول بسعادة

– سناء حامل يا أصلان … حامل و أخيراً ربنا رزقنا بطفل و أخيراً كافئنا علي صبرنا بكل الخير

ظل يدور حول نفسه بتوهه و أصلان يتابعه بعدم أستيعاب و أندهاش … أخرج رمزى هاتفه من جيب جلبابه و بعد عدة ثوانِ قال بصوت عالى

– أذبح ثلاث عجول يا إبراهيم و وزعهم على أهل البلد …. و كل الغلابه أديهم ٢٠٠ جنيه مع اللحمه … أبنى جاى فى الطريق … هبقي أب يا إبراهيم هبقي أب

و أغلق الهاتف و عاد يدور حول نفسه و لكن عينيه وقعت على سناء التى تنظر إليه بزهول و دموع عينيها تغرق وجهها و عيونها تسأله صدق كلماته

ليقترب منها سريعاً و جلس على ركبتيه بجوار سريرها و قال

– أيوه يا سناء … أنتِ حامل … ربنا بيرضينا يا سناء … قبلنا قدره و كفائنا هو بعظيم فضله … بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (( قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (😎 قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (9) ))

و لا أنتِ كنتي عاقر و لا أنا بلغت من الكبر عتيا

لم تتمالك سناء نفسها و هى تضع يديها فوق معدتها تتحسسها برفق و بدأت فى البكاء بصوت عالى و هى تقول

– الحمد لله … الحمد لله … اللهم لك الحمد كما ينبغى لجلال وجهك و عظيم سلطانك … اللهم لك الحمد كما ينبغى لجلال وجهك و عظيم سلطانك

ليضمها رمزي بقوة و هو يردد معها … و دموع عينيه تغرق كتفيها كمان تغرق دموعها كتفيه

لم تتوقف الصفعات عن ضرب مفاتيح الأدراك لدى أصلان … الذى يرى أمامه أشياء كان طوال حياته عينيه لا تراها و قلبه لا يشعر بها

كيف يرى شخص كرمزي … بهيبته و مكانته و عمره يبكى كالأطفال هكذا… و كيف يتعامل مع زوجته بتلك الطريقة الراقية كيف يضمها بحنان … كيف فقد كل قوته الجسديه حين سقطت بين يديه مغشي عليها …. كيف كان يقف أمام الطبيب خائفاً و كأنه طفل صغير. أخطاء يقف أمام والده بخوف

كيف يشعر هو الأن بالقلق على تلك القابعه بداخل غرفة العمليات منذ أكثر من ساعه و لا يعلمون ما حالتها

غادر الغرفة و تلك المره لم يعود ليجلس على الكرسى بل أقترب من باب غرفة العمليات و وقف أمامه ينظر إليه و صوت صرخات قدر يصل إليه يخلق داخله إحساس بغيض … يريد أن يصدم رأسه به أن يحطمه أن يفتحه الأن يدلف إليها

كيف هذا و لماذا .. منذ متى يشعر بتلك الأحاسيس و منذ متى يرى قدر بتلك الأهمية التى تجعله الأن يود أن يدخل إليها يضمها و يواسيها يمسك يدها كما رأى زوج عمته يفعل منذ قليل

هل سيسعد بذلك الطفل القادم كما سعد رمزي .. هل يشكر الله و يسجد له من السعادة

الله … و متى تذكر الله … متى شكره على شىء أو دعاه فى يوم … متى وقف بين يديه يصلى بصدق دائماً كان يصلى رياء جوار جده فى المسجد حتى يقول الناس أنه يصلى فى المسجد فقط .. أو أخرج من ماله ما يستحقه الفقراء و المساكين

متى نطق أسمه بخشوع و متى خاف منه و هو فعل كل ما هو محرم … شرب الخمر .. و تاجر بالربا .. و زنا

ماذا تبقى من المعاصى لم يفعلها

ظلم و سرق .. و أغتصب و زنا … ماذا بقا

نظر من النافذة التى على يمينه إلى السماء و لم يستطع أن يستمر بالنظر شعر أن قلبه يرتجف … و جسده يرتعش و ما هذا هل ما يسيل فوق و جنتيه الأن هو الدموع

هل أصلان الزيني يبكى الأن خوفا من الله … و خوفاً على قدر

هل أصلان الزيني يبكى … ظل هذا السؤال يتردد داخله و عقله يصور له مشاهده و هو بين أحضان العاهرات … و هو يغتصب قدر و يهينها و هو يأمرها أن تخلع عنه حزائه

أن لا تجلس لتتناول معه الطعام

حين وصفها بالجارية حين تركها بمفردها بعد موت جدها … حين باع أرض عائلته … حين قرر العوده ليخرج فيها غضبه من فشله و خسارته

ليجدها ناجحه و متفوقة واثقه و قويه

جلس أرضاً و أحتضن ساقيه بذراعيه و وضع رأسه بينهم و بدء فى البكاء بصوت عالى … جعل رمزي يترك سناء و يذهب إليه يرتسم على وجهه الصدمه و عدم التصديق

هل ما يراه حقيقة

أصلان يبكى … لا أنه ينتحب ماذا حدث و كيف هذا

جلس بجانبه ينظر إليه بحنان ليقول أصلان من بين دموعه

– شمتان فيا ؟

أبتسم رمزي بحنان و هو يقول

– أعوذ بالله من الشماته فى حد … أنت كنت فى ضلال ظلمت كتير … و يمكن تكون عملت حاجات كتير غلط … بس بما أن دموعك نزلت … لو قلبك حس بالخوف … لو بدأت تحس أن فاتك كتير يبقى فيك أمل … و باب ربنا مفتوح يا أصلان … عمره ما قفله و منتظرك ترجعله يا أصلان … أبكى و أنت واقف بين إيد ربنا … أستغفر و قوله تُبت يارب تُبت و مش هرجع تانى

كان أصلان يستمع إليه و دموع عينيه تغرق وجهه و قال

– هو ممكن يقبلنى فعلاً … أنا عملت كل حاجه وحشه ممكن تتخيلها و إللى عملتوا فى قدر

ربت رمزي على كتف أصلان ثم وقف و مد يده له ليقف هو الآخر

و قبل أن يقول له أى شىء فتح باب غرفة العمليات و خرجت الطبيبه بملامح لا تفسر

قال رمزى بقلق

– خير يا دكتوره … طمنينا

ظلت تنظر إليهم في ثم قالت

– مبروك مدام قدر جابت بنت زى القمر و ثوانى و الممرضة هتجبها لحضراتكم

كان أصلان صامت تماماً ينظر إليها بعيون باهته لا روح فيها و آثار الدموع تغرق وجنتيه

و لكن رمزي كان يشعر بالقلق و الخوف فقال ببعض العصبيه

– المهم قدر

أخفضت الطبيبه رأسها و قالت

– حالة مدام قدر مش مستقره … و أحنا نقلناها العناية المركزة … بس هى طالبه تشوفكم كلكم رغم أن حالتها لا تسمح بالكلام بس

تحرك رمزى سريعاً ليحضر سناء فى نفس اللحظة التى خرجت فيها الممرضه تحمل بين يديها الصغيرة و وضعتها بين يد أصلان و هى تقول

– مبروك ما جالكم

و غادرت سريعاً لينظر إلى الصغيرة بزهول و صدره يعلوا و يهبط بسرعة شديدة و هو يرى وجهها الصغير و يديها الصغيرة التى تضعها على وجنتها

لتنهمر دموعه من جديد … و بداخله يشعر أن قلبه يمتلىء بحب تلك الصغيره التى لم يرى عيونها حتى الأن لكنها فتحت فمها الصغير تتثائب ليضمها إلى صدره و هو يبكى بصوت عالى

كانت سناء تشعر بالصدمه مما ترى أمامها … أن ما يحدث أمامها معجزه لم يتخيلها أى منهم يوماً

أبتسم لها رمزى و ربت على كتفها و هو يقول

– يلا علشان نطمن على قدر

و سار بهدوء و هى بين ذراعيه و وقف أمام أصلان و قال

– قدر طلبانا يا أصلان يلا بينا

تحرك خلفهم و عيونه ثابته على وجه الصغيرة التى أثرت عيونه و قلبه

دخلوا جميعاً الغرفة لقدر التى كانت فى حالة من التعب و الإرهاق ما جعل قلوبهم تتألم همست سناء بأسمها لتفتح عيونها بصعوبه و أول من وقعت عليه عينيها هو أصلان

ظلت تنظر إليه و على وجهها إبتسامة لم يفهما رمزى أو سناء

– قرب يا أصلان

قالتها بصوت واهن ضعيف لكنه سمعه جيداً و أقترب بالفعل و وقف ينظر إليها و هى عيونها ثابته على أبنتها و قالت من جديد

– قربها منى

جلس على طرف السرير و قرب الصغيرة منها لترفع رأسها قليلاً و تقبلها قبله عميقه و وأغمضت عينيها و هى تملىء صدرها من رائحتها الرائعة فتحت عيونها و نظرت إلى أصلان و قالت

– أنا فوزت يا أصلان … و أنت خسرت … أنا أسمى أتكتب فوق مدرسة للبنات و فوق ثلاث مشاغل و أنت أسمك مبقاش حد فى البلد فاكره … أنا كسرت كل القيود … كل القيود إللى أنت كنت مكتفني بيها قدرت فى وقت قصير أفتح كل الأبواب إللى قفلتوها فى وشنا لسنين

صمتت لثوانى تحاول إلتقاط أنفاسها ثم قالت

– بنتى جت الدنيا و أبوابها كلها مفتوحة علشانها … مش عارفة ليه مش خايفه عليها عيونك مكسوره و الدموع ملياها … مش شايفه فيها الغرور بتاع زمان أصلان الزيني بقا أب لبنت .. بنت أمها… هتلاقيها قويه زى مش ضعيفه بنت قدر يا أصلان

أقتربت سناء و قالت و الدموع تغرق وجهها

– بلاش كلام يا قدر و أرتاحى

أبتسمت قدر بوهن و هى تقول

– لازم أتكلم يا عمتى … لازم أتكلم

عادت بنظرها إلى أصلان و قالت

– أنا مش هوصيك على بنتي … و عارفة أن بابا رمزى و عمتى مش هيسمحوا ليك إنك تأذيها رغم أنى من جوايا حاسه إنك مش هتقدر تعمل كده عيونك بتقول كده

أخذت نفس عميق بصعوبه ثم قالت

– تحت مخدتي فى أچندة دى لبنتي اديهالها بتاعتها

أقترب رمزى و قال بهدوء رغم ذلك الخوف المرتسم داخل عينيه

– قدر أرتاحى يا بنتى

– ما أنا هرتاح يا بابا

أغمضت عيونها لثوانِ ثم فتحتها و قالت

– أنا مقدرتش أشكرك يا بابا على كل تعبك و مجهودك و أستحمالك لكل المواقف الصعبة شكراً من قلبى

ربت على قدمها بحنان و هو يقول

– أنتِ بنتى يا قدر و ده واجب عليا يا بنتى

أبتسمت بإرهاق لتقترب سناء منها و همست بجانب أذنها

– أنا حامل يا قدر

أتسعت إبتسامة قدر ونظرت إلى رمزى و قالت

– يا بخته بأب زيك و أم حنونه زى عمتى سناء

أقترب منها أصلان و هو يقول

– ممكن تسامحيني يا قدر

لم تجيبه بشىء بل مال رأسها قليلاً فقط و نظرت إلى أبنتها من جديد و أبتسمت إبتسامة صغيرة

ليعلوا صوت ذلك الجهاز الموصول بقلبها يعلن عن توقف القلب لترتجف الأجساد بصدمه

حين أقتحمت الطبيبه الغرفة و الممرضين

و بدأوا فى محاولة إنعاش القلب و إعادتها إلى الحياة إلا أن القدر قد قال كلمته الأخيرة

و أعلن أن مهمة قدر فى هذه الحياة قد إنتهت

أحتضن رمزي سناء بقوة و هى تصرخ بقوة و تنادى بأسمها و دموع عينيه تغرق وجهه الرجولى

– قدر أمسكى بنتك … قدر أنا مش هقدر أصونها و أحافظ عليها … قدر قومى بلاش تنتقمى منى بالشكل ده … قدر أنا مش حمل العقاب ده قومى

جلس أرضاً على ركبتيه و أمسك يديها و هو يقول

– قومى … قومى و أنا هطلقك … قومى وأنا مستعد أبوس إيدك و رجلك قدام البلد كلها … أهو أهو

و تحرك فى إتجاه قدميها و بدء يقبلها عدة قبلات و هو يقول و الدموع تغرق عينيه

– قومى يا قدر و أنا هفضل الباقى من عمرى أعتذر منك و أنا إللى هبقي خدامك قومى يا قدر بلاش تشيلينى ذنب جديد قومى يا قدر أبوس رجلك قومى .

عاد يمسك يديها من جديد و هو يقول

– مش عشانك قومى علشان قدر الصغيرة … قومى يا قدر أبوس إيدك أنا ندمت .. و أتكسرت .. بعلنها اهو قدام الكل انا خسرت و أنتِ إللى فوزتى يا قدر غلبتينى قدرتى عليا كسرتى غروري .. قومى يا قدر قومى

و بدء فى هز جسدها بقوة حتى بكت الصغيرة بخوف ليصرخ بصوت عالى

– قومى يا قدر البنت بتعيط … قومى مش هعرف أسكتها و لا هعرف أربيها يا قدر قومى قومى

أعتدل يضمها إلى صدره و بينهم أبنتهم التى مازالت تصرخ بصوت عالى يرافقها صوت بكاء والدها الذى أنتبه لكل أخطائه لكن بعد فوات الأوان
خرجت كل البلده و تجمعت أمام المستشفى حين وصل إليهم خبر وفاة قدر

بين صدمه و عدم تصديق … و أنهيار جميع نساء و فتايات البلده

و وسط كلمات كثيرة عن أن السبب خلف موتها هو أصلان

إلا أن خروج أصلان برفقة رمزى من باب المستشفى و بين ذراعيه أبنته

جعل الصمت يخيم على الجميع خاصه حين قال أصلان و الدموع تغرق عينيه

– قدر ماتت بعد ما قدرت تغير كل الحاجات الغلط إللى كنا كلنا مصدقينها … قدر ماتت بعد ما زرعت بذور النور .. بعد ما فتحت كل أبواب الحق و النور و الصح

صمت لثوان ثم نظر إلى الصغيرة و قال

– أنا أصلان الزيني بعترف قدامكم بكل أخطائي بعترف بغروري و غبائي بعترف أنى ظلمت قدر بعترف أنى طلبت منها أنها تسامحني و بتعهد قدامكم كمان على أنى أكمل كل إللى هى بدأته بتعهد أنى أعمل مع بنتها كل إللى هى أتحرمت منه .. و كل بنات البلد

كان رمزي ينظر إليه بعدم تصديق و رغم سعادته بموقفه إلا أنه لم يستطع مسامحته على كل ما عانته قدر منه

صحيح سيكمل معه ما بدأته قدر إلا أن كل ما كان شاهد عليه من ظلم وقع على قدر بسبب أصلان سيظل واقف بينه و بين أصلان و أيضاً لن يبتعد عن الصغيرة

كانت جنازة قدر كبيره كبر ما قامت به من تغير واقع مؤسف و أفكار نابيه أكل الدهر عليها و شرب

الدموع و الدعاء لم يتوقف حتى أنتهى كل شىء و كل ذلك و أصلان يحمل الصغيرة بيد و باليد الأخرى يحمل نعش زوجته

التى لم يكن لها يوماً زوج … بل كان قيد كبير أستطاعت أن تكسره و تحطم غروره و وضعته أسفل قدميها

و هذا ما يستحقه … هو يعلم ذلك و يعلم أيضاً أن عليه التكفير عن كل ما حدث قديماً

بدأت الناس بالرحيل و أصلان على وقفته أمام شاهد قبرها

ينظر إليه بصمت لكن من داخله هناك ألف صوت يتحدث

صوت يصرخ أن تسامحه و صوت آخر يرجوها أن تعود و صوت آخر يصرخ به يخبره أنه ظالم

جلس أرضاً و أراح الصغيرة الغارقة فى نوم على قدمه و نظر إلى القبر و قال غير منتبه لوجود رمزى و سناء حتى الأن

– زمان يوم ما أتولدتي كنت أنا عندى سبع سنين … كنتى حلوه اوووى يا قدر كنت شبه الملايكة … كنت بقعد جمبك بالساعات أمسك إيدك و ألمس خدك لحد يوم جدى دخل الأوضة و لأول مره يضربنى بسببك … فضل يزعق فيا و يقولى أنت راجل … و الراجل قلبه ما يبقاش حنين … عمك الخايب بعد كل سنين جوازه دى رايح يجبلنا العار … يجبلنا بنت جاب خدامة مش كفاية عمتك …. كنت بسمعه وأنا مش فاهم حاجة و أيه المشكلة أنك بنت ساعتها مسكنى من دراعى و سحبنى لحد سريرك و شالك بأيد واحده و حطك على الأرض و قالى بغضب ده مكانها أى بت مكانها تحت رجلك أنت فاهم هزيت راسى بأه و أنا كل جسمى بيترعش خايف عليكى من نومة الأرض و هو عمال يتحرك خايف يدوس عليكى بالغلط لكن … لكن إللى حصل أنه … أنه

لم يستطع إكمال حديثه لكنه ضم الصغيرة إلى صدره بقوه و هو يكمل بصوت باكى

– لكنه داس عليكى بالقصد حط رجله فوق بطنك و قالى شايف هى فين تحت رجلى و نزل رجله من عليكى و قلى بأمر إرفع رجلك و دوس عليها مقدرتش أعمل كده بس هو صرخ فيا أنى أدوس عليكى … وقتها كنت خايف و أنتِ بدأتى تصرخى و عمى و مرات عمى جم على صوت صريخك مرات عمى مستحملتش المنظر و وقعت من طولها و عمى فضل واقف ساكت عينيه ثابته على رجلى إللى دايسه على بنته إللى لسه مكملتش كام يوم و مش فى إيده حاجه يعملها بسبب جبروت جدى إللى مكنش حد يقدر يقف قدامه

كانت سناء تستمع إلى كلمات أصلان بصدمه و عدم تصديق … كل ذلك الماضى كانت دائماً تسأل نفسها كيف كره أصلان قدر و لماذا

و لما غادر أخيها البلده دون عوده … و كيف توفت زوجته فجأه و دون مقدمات

و كان رمزي يشعر بالزهول هل هناك حقد و غل و غضب إلى تلك الدرجة … و لا يستطيع أستيعاب كره الحج رضوان للبنات بتلك الطريقة البشعه

و نظر إلى زوجته و بدء يتخيل هل حدث معها نفس الشىء حين ولدت …. هل قال عليها عار … و وضعها أسفل قدميه بتلك البشاعه و دون أن يشعر ضمها بشده إلى صدره بخوف

أنتبه لكلمات أصلان من جديد

– من يومها و كل يوم جدى كان يعمل نفس الحركة يجيبك ويحطك تحت رجلى و يقولى علشان تتعود أنها خدامتك … و إن مكانها تحت رجلك … زرع جوايا كرهك … و مع مرور الأيام و السنين كنت كل ما أذيكى بأي شكل جدى يكافئني … مرة فلوس و مرة العجله إللى كنت عايزها … و مره لبس أشكال و ألوان و مره الموتوسكل إللى كنت بحلم بيه … و العربية و البعثة … أحلامي كلها مجابه … كنت كل يوم أتفنن فى أذيتك … جدى زى ما قتل أحلامك قتل الطفل الطيب البريء إللى جوايا … دفن حبك إللى أتولد مع أول مرة شوفت فيها عيونك البريئة و خلق الكره و الغضب و الأستغلال

ضم أبنته أكثر إلى صدره و هو يقول

– سامحيني يا قدر … سامحينى و أنا أوعدك أنى هكمل كل إللى أنتِ بدأتيه … هعمل مع بنتى كل إللى أنتِ أتحرمتى منه و كل إللى أنتِ كنت بتحلمي بيه و بتتمنيه … هكون ليها الأب و السند و الأمان …. هكون ليها مفتاح لكل الأبواب المقفوله … هفتخر ببنتى و هفرح بيها … أطمنى يا قدر أطمني

ظل صامت ينظر إلى القبر بعيون شديدة الحمرة من أثر البكاء

حاول رمزى أن يتمالك نفسه سريعاً و أقترب من أصلان و جلس بجانبه و قال

– قوم يا أصلان … كده غلط على البنت الصغيرة

– أسمها قدر

قالها أصلان بإقرار … ليبتسم رمزي إبتسامة صغيرة حزينة و هو يقول

– قوم علشان خاطر قدر … البنت متستحملش كل ده

و كأنه عاد إلى وعيه نظر إلى الصغيرة بقلق ثم أومىء بنعم

وقف على قدميه و أقترب من شاهد القبر و وضع يديه عليه و هو يقول

– أوعدك يا قدر أنى أعيش كل إللى جاى من عمرى أكفر عن كل ذنبوبي و اخطائى فى حق ربنا و حقك و أوعدك أنى أحافظ على قدر الصغيرة بعمرى

~~~~~~~~~~~~~

ظلت سناء واقفه مكانها بين ذراعى زوجها تتابع خطوات أصلان الواهنه ثم نظرت إلى رمزي بحيرة و قلق ليربت على كتفها بحنان و قال بهدوء

– جهزى ببرونة قدر أنتِ محتاجه ترتاحى

أومئت بنعم و تحركت تنفذ ماقال و بعد عدة دقائق كانت تدلف إلى غرفتها … أستقبلها هو باحتواء و حنان و أخذها مباشرة إلى الحمام … ساعدها فى أخذ حمام دافىء

وها هى تسكن صدره الحانى ….

– أنا خايفه أوى يا رمزي

– من أيه يا سناء

نظرت إليه و قالت بتأكيد

– أصلان

أومىء بنعم و قال ببعض الشرود

– أنا النهارده أتفاجأت بكل إللى حصل … كلام أصلان و إللى الحج رضوان كان بيزرعه فيه … أنا حقيقى مش قادر أصدق كره الحج رضوان للبنات

صمت لثوانِ ثم قال

– أنا مش قادر أفهم كل إللى حصل النهارده و لا قادر أستوعب صدمه أصلان و كل إللى حصل معاه النهارده … صدمه موت قدر محدش فينا قادر يستوعبها … البلد كلها حزينة عليها

لتبكى سناء و هى تقول

– يا حبيبتي يا بنتى … يا حبيبتي … أنا مش قادره أصدق .. عاشت عمرها كله مقهورة و ماتت صغيرة من غير ما تلحق تتهنى و تفرح بنجاحها و لا تفرح ببنتها

ربت على ظهرها و هو يقول

– متقوليش كده يا سناء حرام … كل شىء مكتوب و ده قضاء الله

أومئت بنعم و هى تقول

– و نعمه بالله

خيم الصمت عليهم لثوانِ كل منهم عقله سارح فى أفكاره و ما يشغله .. نظر إليها لعدة ثوانِ ثم نادها بصوته الحاني

– سناء

نظرت إليه باستفهام ليقول باستفهام

– هو الحج رضوان كان بيعمل معاكى أيه و أنت صغيرة ؟

تجمعت الدموع فى عيونها و هى تقول

– مكنش بيعاملني أصلاً… كنت نكره بالنسبه له زى أى كرسى فى البيت لا بيحس و لا بيتكلم

نظرت إليه و قالت بألم

– عارف يا رمزي عمره ما طبطب عليا .. عمره ما أهتم يجبلى هدوم كنت بشوفه ديماً بيفضل أخواتى عليا … كل إللى يطلبوه أو إللى حتى مطلبوهوش بيكون موجود عندهم و أنا أبسط الحاجات محرومه منها … حتى قدر لما كانت لسه بيبى و كانت تعيط كان ممكن يضربها علشان كده كنت على طول ببعدها عنه

شهقت بصوت عالى أثر بكائها و أكملت قائله

– يوم أنت ما أتقدمت علشان تخطبني … هو وافق و أتفق معاكم و خلص كل حاجه من غير أنا معرف و يوميها كنت فاكره أن الدنيا لسه عايزه تظلمنى و كنت فاكره إنك زيه

أبتسمت من بين دموعها و قالت

– بس ربنا حب يهادينى بهدية كبيرة و نعمة عايشة فيها عمرى كله

ضمها بحنان و ظل يربت على ظهرها غلب النوم عيونها بين ذراعيه و فوق صدره الحاني

و ظل هو يربت على ظهرها و عقله يفكر فى كلماتها و يتصور كيف عاشت و ما كان أحساسها يوم زواجها منه أغمض عينيه بألم و لم يجد ما يقوله سوا

– الله يرحمك يا حج رضوان و يغفرلك كل ذنوبك و أخطائك و ظلمك

~~~~~~~~~~~~~~~~~

دخل أصلان إلى الغرفة و أغلق الباب خلفه و ظل ينظر إلى أركانها لعدة دقائق يتخيل قدر بها كيف تتحرك فيها و مكان نومها … وقعت عينيه على علاقة الملابس و ذلك الثوب الخاص بها المعلق هناك .. تحرك ليضع الصغيرة النائمة فى منتصف السرير و توجه إليها يمسك ذلك الثوب من فوقها … و قربه من أنفه و أغمض عينيه وهو يملىء صدره برائحتها التى أشتاق إليها

عاد ليجلس على السرير و بين يديه فستانها يذكر نفسه بوجهها الملائكى يوم مولدها …. و كيف كانت تنظر إليه بعيونها الصغيرة و تبتسم لحركات وجهه المضحكة

أغمض عينيه لتسيل تلك الدمعه فوق خده و هو يتذكر كل ما كان يقوم به معها … حتى يرضى جده … و ما كان يحدث بعيد عن عينيه كان يتفاخر به أمامه حتى يرى الرضى يرتسم على ملامحه

رفع عيونه ينظر إلى صغيرته ليبتسم رغماً عنه … و تذكر حديث قدر عن مذكراتها فمد يديه أسفل الوسادة و أخرجها و قربها إلى فمه و قبلها عدة قبلات ثم وضعها بجانب الصغيرة و بالجهه الأخرى منها وضع فستان قدر و تحرك إلى الحمام ليأخذ حمام دافىء

لم يتأخر … و قبل أن يعود إلى صغيرته أحضر سجادة الصلاة الخاصة بقدر و وقف بين يدى الله يصلى

كان يقرأ الآيات التى يتذكرها و دموع عينيه تغرق وجهه و حين يسجد كان يدعوا الله أن يغفر له ذنوبه … أن يتقبله … أن يجعله أب جيد لأبنته … أن لا يحرمها من كل ما حرمت منه أمها …. أن يقدره أن يكمل مسيرة قدر … يبكى و يدعوا … و يعد الله أن يتغير … أن لا يعود إلى ما كان عليه مره أخرى … أن يكون لأبنته الأب الحامى و الحاني … الأمان و الحماية

حين أنتهى من صلاته جلس سريعاً على السرير و فتح المذكرات و بدء فى قرائتها

كان يبكى بقهر و هو يرى خط يديها المرتعشة تصف يوم حاوط عنقها يريد قتلها … و يوم قرر أن يحرمها من إكمال دراستها ليغمض عينيه و هو يقول

– و الله كان غصب عنى كان غصب عنى … كان لازم أبقى مميز عند جدى … كان لازم يكون شايفنى الراجل إللى هو عايزه … أنا آسف يا قدر أنا آسف

أخذ نفس عميق عله يهدء من شهقات بكائه ثم عاد يكمل باقى مذكراتها

حين كانت تراه يشترى ملابس جديده و حين تطلب شىء يرفض جدها بشكل قاطع و يحضر لها ملابس قديمة من خزانة جدتها و يلقيها لها أرضاً و هو يأمرها بأن ترتدى هذه الملابس و لا تطلب شىء آخر

أغمض عينيه بألم ثم فتحهم و عاد ليقرأ كلماتها و أحساسها حين سافر ليكمل تعليمه و حين عاد و يوم تزوجها و أنتهك حرمة جسدها بوحشيه … و عنف و غضب و حين توفى جده و يوم غادر

كل الألم النفسى التى شعرت به طوال حياتها و كل الخوف و القلق … كل الكره الذى كان يسكن قلبها تجاهه

و تجاه جدها … و حزنها من أبوها الذى تركها و هرب … أحساسها بالأمان جوار زوج عمتها و حنانه و تشبيهها له أنه مثال للرجل الحقيقى التى تحلم به كل فتاة أن يكون حبيبها أو أخيها أو والدها … هو المثال و القدوه الذى يجب أن يتبعها و يقتدى به كل الرجال

رفع عينيه عن المذكرات و نظر إلى أبنته و هو يعدها بصمت أن يكون الأب التى تفتخر به طوال حياتها و يكون لها الصديق و الصدر الحاني و الداعم لها بكل خطوات حياتها

أخذ نفس عميق و عاد من جديد يقرأ كلماتها

طريق كفاحها و كيف أستطاعت تغير العقول المتحجره الصدئه و كيف حاربت طواحين الهواء حتى أستطاعت إثبات قدراتها و نيتها الطبيه فى جعل كل النساء يستطيعون أخذ حقهم من تلك الحياة الظالمه

أغلق المذكرات و هو ينتبه لصوت الصغيرة التى أستيقظت من نومها و تريد طعامها

أقترب منها يحملها بين يديه بحنان و قبل جبينها و هو يقول

– جعانة يا صغيرة … حاضر يا حبيبه بابا أنتِ بس تآمري

و أحضر الببرونه الخاصه بها و ضمها إلى صدره و بدء فى إطعامها الحليب برفق

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

فى صباح اليوم التالى كانت سناء رغم أنشغالها بجميع النساء الموجوده فى المنزل لتقديم واجب العزاء إلا أن عقلها بأكمله مشغول بالصغيرة … الذى يرفض والدها تركها و لو لحظة واحده لدرجة أنه الأن يجلس فى سردج العزاء و هى بين ذراعيه

كان رمزي ينظر إلى أصلان و بداخله يفكر سبحان الله يهدى من يشاء و يضل من يشاء … يعز من يشاء و يذل من يشاء

هذا أصلان الذى لم يهتم لأحد يوماً … الذى أنهى أيام العزاء حين وفاة جده و غادر دون أن ينظر خلفه

الأن هو حزين … عينيه تمتلىء بالدموع … يحتضن أبنته دون أن يهتم لكلمات الناس و نظراتهم المندهشة

يداعبها بيديه و يرسل أحد العمال ليحضر لها وجبتها من الحليب فى موعدها

حين أنتهى العزاء و عادوا الرجال إلى المنزل وقفت سناء أمام أصلان و قالت

– هات البنت علشان تعرف تنام … متقلقش عليها أنا هخلى بالى منها أقترب أصلان خطوة من عمته و أحنى رأسه يقبل رأسها أمام نظرات رمزي الزاهله و صدمة سناء التى جحظت عينيها بعدم تصديق خاصة حين قال

– متقلقيش يا عمتي … أنا مخلى بالى منها … و بعدين أنتِ حامل دلوقتى و المجهود غلط عليكى … عايزين أخ أو أخت قدر تلعب معاهم

و تحرك ليصعد إلى غرفته و هو يقول

– تصبحوا على خير

– مش هتتعشى يا أصلان

قالها رمزي مستفهماً لينظر إليه أصلان و قال بابتسامة صغيرة

– مش جعان يا عمى … تصبحوا على خير

و صعد إلى غرفته … و مثل الليلة الماضية وضع الصغيرة فى منتصف السرير و دلف إلى الحمام ثم وقف بين يدى الله يصلى و يستغفر و يعلن توبته و ندمه ثم يقرأ مذكرات قدر و بضع آيات من الذكر الحكيم ثم يأخذ الصغيرة بين ذراعيه و ينام

مرت عدة أيام لم يختلف حاله عن الأيام الأولى حتى ذلك اليوم الذى وقف فيه أمام رمزي و قال

– عمي أنا عايز أكمل معاك كل إللى قدر بدأته

كان رمزي ينظر إليه بشك و تفحص ليقول أصلان موضحاً

– عارف إنك مش مصدق كل التغيير إللى حصل … لكن إنك لا تهدى من أحببت و الله يهدى من يشاء

أبتسم رمزي إبتسامة صغيرة ليكمل أصلان كلماته

– أنا مش هكون مكان قدر ربنا يرحمها … أعتبرني مساعد ليك … متطوع … خدامك و تحت أمرك

ليقطب رمزي حاجبيه بضيق ليكمل أصلان قائلاً بتوسل

– أنا عايز أكمل إللى هى كانت بتحلم بيه يمكن ده يكفر ولو جزء بسيط من إللى عملته فيها … عايز حلمها يكتمل … و إسمها كل الناس تعرفه … عايز بنتى لما تكبر الدنيا كلها تشاور عليها و تقول بنت قدر أهى … دى بنت قدر

أقترب خطوة من رمزى و أمسك بيده بتوسل

– أرجوك يا عمي … أنا هبقي من إيدك دى لأيدك دى … هكون موجود بس علشان أنفذ إللى تأمرنى بيه

ربت رمزى على كتف أصلان و قال بهدوئه المعهود

– يا ابنى أنا فخور بيك و إنك رجعت لربنا و لعقلك … يمكن أتأخرت لكن إنك تتوب و ترجع للصح حتى لو متأخر أحسن من أنك تفضل فى ضلالك

أخذ نفس عميق و أخرجه بهدوء أكمل قائلاً

– ده مالك و مال بنتك … و أنت أولى الناس إنك تديره هفهمك كل حاجة ماشية إزاى و أنت أكيد قد المسؤلية

و بالفعل من اليوم التالى ترك أصلان قدر عند سناء رغم أن قلبه يرتعش خوفاً عليها … و يشعر أن قلبه و عقله لا يفكرون سوا بها … إلا أنه كان يسير خلف رمزي كتلميذ نجيب يريد أن يتعلم كل شىء و إن يحصل على رضا المعلم فى النهاية

كان جميع أهل البلده يشاهدون حالته جسده الهزيل و ذقنه النامية … إلتزامه بأداء الفروض فى المسجد … الإبتعاد عن أى مظهر من مظاهر التفاخر و الرياء … معاملته مع جميع الناس بتواضع و بساطه … و أيضاً أهتمامه بأبنته … و أحترامه الواضح لزوج عمته و عمته أيضاً

متابعته لبناء المدارس و تقديم المساعدة لكل فقير محتاج و تكفل بأكثر من فتاة حتى تستطيع دخول المدرسة

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

بعد مرور أربع سنوات … كان يسير جوار أبنته التى ترتدى الزي المدرسى … و يحمل هو عنها حقيبتها لتقول الصغيرة

– أنا هروح مدسة ماما

ليبتسم بسعادة و هو يقول مؤكداً للمره الذى لا يذكر عددها

– أيوة يا قدر … المدرسة بأسم ماما و هى إللى كانت السبب فى بُناها

لتصفق الصغيرة كما كل مره يخبرها بنفس الجملة و تقول من جديد

– و كمان على أسمى

ليضحك بصوت عالى و هو يقول

– أيوه على أسمك … لأن أسمك زى أسم ماما

وقفت الصغيرة و وضعت يدها حول خصرها و قالت

– فين المصوف يا سي بابا

لينحنى أمامها و مد يديه لها بورقه ماليه و قال بأحترام

– هو أنا أقدر أنسى مصروف الآنسه قدر

أخذت المال من يديه و سارت جواره بهدوء حتى وصلت إلى ذلك البيت الصغير الذى يسبق المدرسة بعدة أمتار فقط و اقتربت من الباب و وضعت المال من أسفله كما شاهدت والدها يفعل أكثر من مره

كان يتابع حركتها و ما قامت به بزهول و عدم تصديق حين رفعت عيونها إليه أبتسمت و قالت

– سوفتك بتعمل تده

لينحنى و يحملها و قبل أعلى رأسها و وجنتيها و هو يقول

– أنتِ أشطر بنوته فى الدنيا و ربنا بيحبك اوووى و ماما فرحانه بيكى أوى

أبتسمت الصغيرة ببرائه و بدأت فى مداعبة شعيرات ذقنه حتى وصلوا إلى المدرسة ودعها بعدة قبلات و أعاد عليها نصائحه بأن تنتظره داخل المدرسة و أن لا تغادر بمفردها أو بصحبة أي شخص مهما كان سواه هو فقط أومئت بنعم و أشارت له بالسلام و دخلت إلى المدرسة

وجد قدميه تأخذانه إلى قبرها … وقف هناك يقرأ الفاتحه ثم بدء يقص عليها كل ما حدث … و كيف تم فتح مصنع نسيج صغير يحمل أسمها … و كيف أصبح لهم محل كبير للملابس الجاهزة من عمل المصنع و المشاغل … و أن تم إفتتاح المدرسة الإعدادية و العمل على قدم وساق فى المدرسة الثانوية

أيضاً طمئنها على أبنتها … و أنه مازال على العهد الذى عاهده لها يوم وفاتها حين رأها فى الحلم و حلف لها أنه لن يتراجع عن طريقها و لن يعود إلى ضلاله القديم

~~~~~~~~~~~~

توجه إلى المصنع مباشرة ليجد يحيى إبن عمته يقف بجوار والده الذى يتابع كل شىء بنفسه داخل المصنع أقترب منه و حمله و هو يقول

– إزيك يا بطل أخبار الشغل أيه

– وحس أوى يا أثلان

رفع أصلان حاجبيه باندهاش مصطنع و قال

– وحش أوى ليه يا باشمهندس يحيى … و أنت سكت لما لقيت الشغل وحش

ضحك رمزي على ذلك الحوار الطفولي الذى يدور خلفه و عادت ضحكته حين قال ولده

– الأوان وحسه و المتنه باثت

– يا خبر كل ده لا الأمر ده ما يتسكتش عليه

إجابه أصلان بجديه و لم يتمكن رمزي من تمالك نفسه ليكمل أصلان باستفهام

– طيب و أنت رأيك أيه يا هندسه

– معلفش … بس وضع مش أطمن أثلان

ليضحك أصلان بصوت عالى و هو يضم الصغير و يقبله بسعادة

– و الله أنت سكر كده و أنا بحبك اوووى

نظر إليه رمزى و قال بمرح

– مناقشة قوية و هادفة الصراحة

ليحاول أصلان كتم ضحكاته في نفس اللحظة الذى قال يحيى بهدوء

– أنا أكبر أتوز أدر

ليرفع أصلان عيونه مباشرة إلى عيون رمزي الذى أبتسم بوقار وقال

– المهم هى توافق عليك يا ابنى

فهم أصلان ما وراء كلمات رمزي لكنه أبتسم إبتسامة صغيرة و قال

– أكسب قلبها يا يحيى بالحب و الأهتمام و الخوف عليها … أكسب أحترامها بتقديرك ليها و تفهمك وأستيعابك لمشاعرها … و أحترم عقلها ساعتها هتكسب قلبها و ساعتها هتوافق عليك

كان الصغير ينظر إليه بعدم فهم ليبتسم إبتسامة واسعة و قبل جنته و أعاده يقف جوار والده الذى ينظر إلى أصلان بإحترام

لقد تعلم أصلان الدرس …. فهم و أستوعب و آمن … و لن يعود لضلاله القديم

~~~~~~~~~~~~~~~

فى إحدى الليالي و بعد أن غطت قدر فى نوم عميق … أخذ أصلان مذكرات قدر الذى حفظها عن ظهر قلب … فهو يقرأها يومياً منذ وفاتها و حتى تلك اللحظة

حفظ كلماتها … و شعر بها .. متى كانت تضحك و متى كانت تبكى … و متى أرتعشت يديها بحزن

نظر إلى أبنته التى تتوسط سريره وأخذ نفس عميق و أمسك القلم و عند الصفحة الأخيرة بالمذكرات كتب

(( تألمتي حبيبتي و لم أكن جوارك يوماً أخفف عنك بل كنت سبب فى عذابك و ألمك … و دموعك … الإعتذار لم يعد له معنى قدر … لن يعيدك لى … و لن يعد الزمن لأغير كل ما حدث … لأقف فى وجه جدى و أعترض على كل ما قام به … لكن أعدك أن أكون الأب التى تستحقه ابنتي … أن لا أبخل عليها يوماً بحبي و حناني و دعمي … أن أظل بجانبها طوال حياتها … الملجىء المفتوح دائماً لدموعها و شكواها و ضحكتها … أن لا أبخل عليها بمالي … أن أزرع بداخلها القوة و أنها قادرة على التحدى و الوقوف فى وجه المصاعب و الحياة … أن أكون دائماً لها لا عليها …. قدر كان طلبك الأخير أن أعطى تلك المذكرات لأبنتنا لكننى لم أستطع فعل ذلك … لا أريد أن أشوه صورتى فى عيونها … لا أريد أن أخسرها … لا أريد أن ترى أصلان القديم … أعتذر منكِ حبيبتى لكننى سوف أفعل مثلك … أكتب أنا أيضاً مذكراتى و أضعهم سويا … و حين آآتي إليكى ستجدهم هى … لكن بعد أن أكون أنهيت رسالتي معها … و كفرت عن ذنبى فى حقك …. أنا آسف … و أعلم أن كلمة إعتذار لن تكفى لكننى لن اتوقف عن قولها لك كل ليله ))

أنهى كلماته و أغلق المذكرات و توجه إلى الخزانه يفتحها و فتح تلك الخزنة الصغيرة التى أشتراها منذ يومين فقط ليضع بها تلك المذكرات و أيضا أشترى أچنده مشابهه للخاصة بقدر حتى يكتب بها كل ما بداخله و يقص على أبنته كل ما حدث و يحدث و ما سوف يحدث

فتح أول صفحة بالمذكرات و كتب بها

(( إلى ابنتى الغالية قدر ))

و بالصفحة الثانية كتب

((بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

: «وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمّا يَعْمَلُ الظّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ* مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرَفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ *وَ أَنْذِرَ النَّاسُ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ ».

«إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ».

﴿ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [الْبَقَرَةُ: 160]

﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا ﴾ [النِّسَاءُ: 27]

و بالصفحه الثالثة بدء يكتب كل ما كان يحدث قديماً

~~~~~~~~~~~~~~

بعد مرور خمس عشر سنه كان يجلس كل من رمزى و سناء و أصلان على طاولة الطعام يتكلمون فى بعض الأمور الخاصة بالعمل حين أقترب منهم يحيى و جلس مكانه بغضب لينظر إليه الجميع باندهاش و لكن دخول قدر العاصف و هي تقول بغضب

– أنا مش بقلل منك يا يحيى … اصلاً مينفعش أعمل كده بس متنساش أنى أنا إللى بدير المشغل و أنا أكتر حد فاهم أموره و الدنيا ماشيه فيه إزاى .. و أكيد مش هسمح إنك تيجي تعدل عليا و قدام العمال

كان الجميع يتابع ما يحدث بصمت … فهذه ليست المره الأولى التى يقف فيها الأثنان أمام بعضهما البعض مثل الديوك

– أنا مش بعدل عليكى يا قدر … أنا بس كنت بتناقش معاكى … لكن متقلقيش من النهارده أنا مش هتكلم معاكى فى أى حاجة … و لا حتى هخاف عليكى

و تحرك ليصعد إلى غرفته ليوقفه صوت أصلان الذى ناداه بصوت عالى ليعود ويقف أمامه بصمت

ليقف أصلان و يواجه أبنته التى توترت عينيها ليقول

– كلنا بنحترمك و بنحترم قراراتك فى الشغل … بس كمان أنتِ لسه صغيرة و ممكن يكون فى حاجات متخديش بالك منها … و بعدين زى ما أنتِ عايزه الناس تحترمك لازم أنتِ كمان تحترميهم

– أنت حقك تزعل من قدر و من الموقف إللى حصل لكن أبداً أوعى تقول أنك ملكش دعوه بيها … أنا بطمن فى وجودك جمبها يا يحيى … أنت صمام الأمان ليها و أنا مش موجود جمبها

– و مين قال لحضرتك أنى هتخلى عن مسؤلياتي … صحيح أنا أصغر من منها بكام شهر لكن أنا راجل و عارف واجباتي كويس و حقوقكم كلكم عليا

أجاب علي كلمات أصلان ليبتسم الجميع و يشعرون بالفخر به

لتقول قدر بصوت هادىء

– أنا آسفه يا يحيى مقصدش إللى حصل

خيم الصمت لعدة لحظات حتى تحرك يحيى ليجلس مكانه من جديد و هو يقول

– طيب يلا أقعدى كلى أكيد مأكلتيش حاجة طول اليوم كالعادة

ليجلسوا جميعاً يتناولون الطعام و لكن أصلان كان يفكر

(( بنتك كبرت يا قدر … كبرت قوى … و بقت زى ما أنتِ كنتي بتحلمي … الله يرحمك يا قدر و أنا آسف يا حبيبتي ))

تمت

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-