رواية قلب الدموع الجزء الثاني 2 بقلم مني سلامه
رواية قلب الدموع الجزء الثاني 2 هى رواية من تأليف المؤلفة المميزة مني سلامه رواية قلب الدموع الجزء الثاني 2 صدرت لاول مرة على فيسبوك الشهير رواية قلب الدموع الجزء الثاني 2 حققت نجاحا كبيرا في موقع فيسبوك وايضا زاد البحث عنها في محرك البحث جوجل لذلك سنعرض لكم رواية قلب الدموع الجزء الثاني 2
رواية قلب الدموع الجزء الثاني 2
فى صباح اليوم التالى استيقظت "ياسمين" فجرا انهت صلاتها وقرأت وردها وظلت تدعو الله عز وجل أن يوفقها ويصرف عنها كل سوء ..وفى الساعة السابعة ارتدت ملابسها وتجهزت للذهاب الى عملها الذى لا تعلم عنه شيئاً حتى الآن .. كان معادها مع "عمر"
فى مكتبة فى الثامنه .. لكنها جهزت نفسها قبلها بساعة حتى لا تتأخر وحتى تتمشى قليلا وتستنشق نسمات الصباح .. خرجت من الغرفة وهى تاركه "ريهام" خلفها تغط فى نوم عميق .. خرجت من المبنى وبمجرد أن رأت الأشجار والخضرة والأزهار أمامها شعرت بسكينة لم تألفها ..أخذت نفساً عميقاً تملأ رئتيها بذلك الهواء المنعش وابتسامه صغيره تعلو شفتيها ..سارت قليلا فى الإتجاه الآخر الذى لم تجربه يوم أمس ....
لكنها انتبهت جيداً للطريق الذى تسير فيه حتى لا تضل طريقها مرة أخرى .. وجدت احد المبانى .. عملت انه مخصص لإستراحة الغداء .. بالفعل صاحب المزرعة يهتم بها جيداً وبنى فيها كل ما يلزم لكى تدار من الداخل ادارة ممتازه .. ما لفت نظرها أيضاً أنه يعمل على اراحه العاملين عنده .. وهذه نقطة لصالحه لديها ..جاءت الساعة الثامنة الا الثلث .. فتوجهت الى المبنى الإدارى الذى يضم مكتب "عمر" وقفت أمام الباب وأخذت نفساً عميقاً ثم طرقته .. سمعت صوت من الداخل :
- اتفضل
دخلت "ياسمين" لتجد "عمر" جالس على مكتبه يطالع الملفات أمامه .. رفع نظره اليها قائلاً :
- اتفضلى
دخلت .. وتركت باب المكتب مفتوحاً .. حانت من "عمر" التفاته الى الباب المفتوح لكنه تجاهل الأمر ولم يعلق .. جلست "ياسمين" على المقعد أمامه وهى تنتظر ما سيقول .. عاد الى مطالعة الأوراق أمامه مرة أخر .. كانت "ياسمين" تشعر بتوتر شديد .. فهذه هي المرة الأولى التى تعمل فيها .. والتى تتعامل فيه مع رب عملها .. هذا فضلاً عن أنها والى الآن لا تدرى ما هو عملها تحديداً .. أفاقت من شرودها لتنظر الى "عمر"المنهمك فى مطالعة الأوراق أمامه .. انتظرته أن يتحدث .. دقيقة اثثنتين عشرة ربع ساعه .. لكنه بقى كما هو ..صعدت الدماء الى رأسها وهبت واقفه ومشت لتغادر الغرفة عدها سمعت صوت "عمر" الهادر من خلفها قائلا :
- استنى عندك
وقفت "ياسمين" مكانها دون أن تلتفت اليه .. قام من مكتبه ووقف مواجهاً لها وقال لها بحده :
- رايحه فين ؟
نظرت اليه بحده مماثله قائله :
- مادمت حضرتك مشغول خلاص اجي وقت تانى
عقد "عمر" ذراعيه أمام صدره وقطب جبينه ونظر اليها قائلا :
- أنا ما قولتلكيش تعالى وقت تانى
قالت بشئ من الغضب :
- آه .. قولتى اتفضلى وتجاهلت وجودى تماماً وسبتنى أعده منتظرة ربع ساعه بدون ما تتكلم أكنك بتحاول تذلنى .. لكن المعاملة دى أنا مقبلهاش
قال "عمر" بإستغراب :
- أحاول أذلك .. انتى ازاى تفكيرك وصل لكده
- طيب فهمنى حضرتك الصح .. فضلت آعد تبص فى الورق وتكمل شغلك ولا أكنى موجودة
تفرس فيها قليلا ثم قال بهدوء :
- المعاد اللى بينى وبين حضرتك الساعة 8 وحضرتك جيتي بدري ربع ساعة .. مكنش معقول أقولك روحى وتعالى كمان ربع ساعة .. قولتلك اتفضلى .. وكملت شغلى اللى كان فى ايدي لحد ما تيجي الساعة 8
شعرت "ياسمين" بالندم على تسرعها .. هو اذن لم يرد اذلالها أو التعامل معها بتعالى كما ظنت .. ندمت جداً على ما تفوهت به .. رفعت نظرها لـ "عمر" لتجده ينظر اليها فى تحدٍ .. أطرقت برأسها قليلا ثم رفعت نظرها قائله :
- أنا آسفة فهمت الموضوع غلط
سر "عمر" لإعتذارها .. ثم نظر اليها لحظات وقال :
- خلاص محصلش حاجه .. بس حاولى تتحكمى فى انفعالاتك أكتر من كده .. من امبارح وانتى بتتعاملى معايا بحده ملهاش مبرر
قالت "ياسمين" ببرود تغير مجرى الحديث :
- الربع ساعه فاتت .. حضرتك مش هتوريني مكان شغلى ؟
ألتفت "عمر" وأسار الى الباب قائلا :
- اتفضلى
سبقته "ياسمين" فى الخروج من المكتب .. سارا معاً خارج المبنى حاولت ترك مسافة بينهما .. كانت تسير وهى واضعة كفيها فى جيب معطفها لتحاول تدفئتهما .. فهى تشعر بأن الدم هرب من أطرافها .. كانت مازلت متوترة لكنها تظاهرت بالتماسك .. سارا معا دون أن يتفوه احداهما بحرف واحد .. أخذها "عمر" الى الأقسام التى تُربى فيها المواشي واقترب من أحد الرجال كان يرتدى البالطو الأبيض .. رجل فى العقد السادس من عمره تبدو عليه الوقار .. كان يقف أمام أحد العمال ويعطى له بعض التعليمات .. اقترب منه "عمر" منادياً اياه قائلا :
- دكتور "حسن"
التفت الرجل الى "عمر" وابتسم وصرف العامل الذى كان يتحدث معه وأقبل على "عمر" قائلا :
- صباح الخير يا باشمهندس ايه النور ده
بادله "عمر" الابتسامه قائلا :
- صباح النور يا دكتور .. أنا جيت أعرف الدكتورة الجديدة على المزرعة عشان تختار المكان اللى تحب تشتغل فيه ..
نظر اليها الرجل وابتسم لها بحنو .. شعرت "ياسمين" بالإرتياح فهو يبدو عليه الإحترام والطيبه .. التفت اليها الرجل قائلا بإبتسامه :
- أهلا بيكي يا دكتورة منورة المزرعة
ابتسمت له قائله :
- أهلا بحضرتك
- ها قررتى تحبي تشتغلى فى ايه .. "عمر" قالى امبارح انك لو اخترتى قسم المواشي هتكونى تحت اشرافى ان شاء الله لحد ما أخليكي أحسن من أحسن دكتور هنا.. وانتى أصلا باين عليكي ذكية وهتتعملى بسرعه
سعدت "ياسمين" لهذا الإطراء الذى أعطاها دفعة من الثقة بالنفس .. قالت له :
- طبعا دى حاجه تشرفنى يا دكتور انى أكون تحت اشراف حضرتك .. وان شاء الله أكون تحت حسن ظنك
التفت لها "عمر" قائلا :
- تحبي تشوفى المعمل .. والاسطبل يمكن تغيري رأيك ؟
أسرعت "ياسمين" قائله :
- لأ .. أنا هبدأ من هنا .. ده اذا مكنش عند حضرتك مانع
فكر "عمر" قائلا :
- لأ معنديش مانع .. بس الشغل فى الزرايب هنا مرهق .. لكن معمل التحاليل ......
قاطعته قائله :
- أنا حبه أشتغل هنا
نظر لها "عمر" بقليل من الشك .. لكنه هز رأسه قائلا :
- خلاص براحتك
كانت بالفعل قد شعرت بالإرتياح لهذا الرجل خاصة بأنه فى عمر والدها .. فوجدت أن العمل سيكون جيداً تحت اشرافه
التفت "عمر" الى دكتور "حسن" قائلا :
- خلاص يا دكتور "حسن" .. الدكتورة "ياسمين" هتكون معاك من النهاردة ان شاء الله .. بس خلى بالك زى ما فهمتك هى لسه مبتدأه
ضحك دكتور "حسن" قائلا :
- متقلقش احنا مش بنعذب الدكاترة الجداد هنا بناخدهم واحدة واحدة الأول
التفت "عمر" الى "ياسمين" مرة أخرى قائلا :
- لو مرتحتيش فى الشغل هنا عرفيني
قالت "ياسمين" له بخجل وقد أطرقت برأسها :
- شكراً تعبت حضرتك
انصرف "عمر" .. فطلب دكتور "حسن" من أحد العمال احضار بالطو الى "ياسمين" ارتدته وهى تشعر بالسعادة والتفائل وبدأت يومها الأول فى عملها كطبيبه
***********************
عاد "عمر" الى مكتبه ليجد "أيمن" فى انتظاره .. أحضر له بعض الأوراق التى تحتاج الى توقيعه أخذ "عمر" يراجعها .. عندما سأله "أيمن" :
- أخبار "ياسمين" ايه ابتدت شغل
قال "عمر" وهو ينظر الى الأوراق فى يده :
- آه ابتدت شغل .. وشكلها هتتعبنى أوى
قال "أيمن" بدهشة :
- ليه ايه اللى حصل ؟
رفع "عمر" رأسه ونظر الى "أيمن" قائلا :
- واخده كل حاجه على أعصابها .. بتتعامل معايا بحده من امبارح بدون سبب
- معلش يا "عمر" يعني راعى ظروفها .. أكيد الوضع مش مريح بالنسبة لها .. سايبه بيتها وجايه مكان غريب عشان تهرب من جوزها
- بس أنا لا عملت ولا قولت حاجه تضايقها هى اللى بتفسر تصرفاتى غلط .. بتتعامل معايا وهى حاطه مناخيرها فى السما
صمت قليلا ثم قال :
- وكمان هى غريبه أوى .. يعني توقعت بعد المعاملة اللى بتعاملهالى والرسم اللى بتترسمه ده .. انها تختار مكان زى المعمل تشتغل فيه .. او أضعف الايمان الاسطبل .. لكن تصور اختارت ايه ؟
- ايه ؟
- الزريبه
هز رأسه فى حيره قائله :
- مش قادر أفهمها .. حسستنى وهى بتتكلم معايا أكنها برنسيسه وأنا أجرمت وحاولت أقلل من قدر سموها .. وبعدين .. ألاقيها تختار الشغل فى الزريبه
ضحك "أيمن" قائلا :
- خلاص هى حره مش هى اللى اختارت
قال "عمر" بتحدى :
- أنا واثق انها يوم ولا اتنين ومش هتطيق الشغل هناك وهتجيلى تترجانى انها تشتغل فى مكان تانى .. وأنا أهو وانت أهو
- طيب أسيبك بأه وأروح أكمل شغلى
هم بأن ينصرف لكنه التفت الى "عمر" مرة أخرى قائلا :
- صحيح .. انت معزوم النهاردة على الغدا
- مين اللى عزمنى
ضحك "أيمن" قائلا :
- أنا .. هيكون مين يعني هو فى حد هنا يعبرك ويعزمك غيري
ابتسم "عمر" قائلا :
- وهتأكلنى ايه بأه يا سي "أيمن"
هرش "أيمن" رأسه قائلا :
- بصراحة معرفش .. بس "سماح" عاملة وليمة كبيرة عشان صحبتها
قال له "عمر" باهتمام :
- هى عازمة "ياسمين" ؟
- اه "ياسمين" وأختها وأبوها.. فقولت أعزمك انت كمان أهو تريح معدتك من أكل المطاعم شويه
- مش عايز أضايقكوا يا "أيمن"
- تضايقنا مين يا عم .. أصلا هيبقى البنات أعدين مع بعض .. واحنا اعدين مع بعض .. هتيجي مفيهاش نقاش .. يلا أشوف شغلى بأه .. سلام
**************************
انتهى عمل "ياسمين" فى يومها الأول ... كانت سعيدة بالعمل تحت اشراف دكتور "حسن" كان الرجل بحراً من العلم .. استفادت منه كثيراً حتى أنها أحضرت دفتر وقلم لتدون ما يقول .. كان الرجل لا يفتر عن الإدلاء بمعلوماته الطبية ونصائحه وطرق تعامله مع الحالات المختلفة .. أحبت كثيراً العمل معه .. كان سريعاً نشيطاً ولديه خبره كبيرة فى العمل .. وأحبت "ياسمين" ذلك كثيراً .. بعدما انهت عملها .. كانت فى طريقها الى المبنى السكني عندما تلقت اتصالا من سماح :
- ها خلصتى شغل
- اه لسه مخلصة حالا
- ايه اخبار الشغل فى المزرعة
قالت "ياسمين" بحماس :
- ممتاز يا "سماح" قابلت هنا دكتور مش قادرة أقولك انسان محترم جدا وكمان شاطر جدا جدا ومش من النوع اللى بيبخل يديكي معلومة .. بالعكس طول اليوم مبطلش كلام عن الحالات بجد استفدت منه جدا
قالت "سماح" وقد سرها فرح وحماس صديقتها بالعمل فى المزرعة :
- كويس أوى الحمد لله .. بما انك خلصتى بأه فجهزى نفسك انتى و"ريهام" وعمو
قالت "ياسمين" بحرج :
- تعبتك أنا عارفه
- يا بنتى بطلى الهبل ده الله طول اليوم وأنا فرحانه ومش عارفه أعملكوا ايه ولا ايه
قالت "ياسمين" بإمتنان :
- تسلمى يا "سماح"
ثم استطردت قائئله :
- انتى وحشانى جداا .. ومش مصدقه انى اخيرا هشوفك
- انتى اللي وحشانى بجد .. يلا بسرعة بأه منتظراكوا .. اه "ياسمين" انتوا هتيجوا مع "أيمن" فى العربية
قالت "ياسمين" بحرج :
- لأ يا "سماح" قوليلى العنوان واحنا هنيجي
- يا بنتى أصلا "أيمن" عندك فى المزرعة .. ايه اللى يخليكوا تتشحططوا فى المواصلات .. وكمان فى بلد غريبة .. يلا اخلصى جهزى نفسك .. وهو أما يخلص شغله هيتصل بيكوا
ذهب "ياسمين" الى غرفتها وأخذت دشا وارتدت ملابسها واستعدت هى و "ريهام" ووالدهما .. وعندما اتصل "أيمن" أعطت الهاتف لوالدها وأخبره "أيمن" أنه ينتظرهم أمام بوابة المزرعة .. ركب ثلاثتهم وانطلقوا الى بيت "سماح" .. تعانقت الصديقتان بشدة ودموع الفرح يبلل وجهيهما .. لكم اشتاقت الى "سماح" والسمر معها .. كان "ياسمين" فى قمة سعادتها فها هى أسرتها ملتفة حولها وصديقتها المقربة بجوارها .. كانت وجوه الجميع سعيدة ضاحكة .. فتساءلت "ياسمين" هل توجد سعاده أكتر من ذلك .. جميع من تحبهم ملتفون حولك يتسامرون ويضحكون .. كانت تشعر بسعادة فارقت قلبها مدة طويلة .. فى ذلك اليوم نسيت كل مشاكلها وأحزانها .. ولم تغادر الابتسامه شفتيها قط .. أثناء ما كانت تجهز الطعام مع "سماح" فى المطبخ .. سمعت جرس الباب .. فقالت " سماح" على الفور :
- ده أكيد "عمر"
التفتت "ياسمين" اليها قائله بدهشة :
- "عمر" مين ؟
- "عمر" صاحب "أيمن"
هزت "ياسمين" رأسها .. فلم تتوقع أن توجه له الدعوة أيضاً .. قالت "سماح" شارحه :
- بيصعب عليا أوى .. عايش لوحده مفيش حد معاه .. وعشان كده "أيمن" عزمه النهارده
سألت "ياسمين" صديقتها :
- عايش لوحده ليه .. وأهله فين ؟
- أهله فى القاهرة عايشين هناك .. وهو كمان كان عايش هناك .. بس استقر هنا من شهر ونص تقريباً
- هو عايش فى المزرعة مش كده ؟
- أيوة فى فيلا صغيرة .. أكيد شوفتيها
أومأت برأسها وصرفت ذهنها الى الإهتمام بالأطباق التى تحضرها.
التف الثلاث رجال حول طاولة الطعام .. أشاد "عمر" بالأكل قائلا :
- الأكل ممتاز يا "أيمن" مراتك نفسها حلو فى الأكل
ابتسم "أيمن" قائلا :
- تسلم يا "عمر" .. يلا عقبالك انت كمان ما تترحم من أكل النواشف
قال "عبد الحميد" لـ "عمر" :
- انت مش متجوز يا باشمهندس
ابتسم له "عمر" قائلا :
- لأ يا عم "عبد الحميد"
- ليه يا ابنى كده ده أنا لما كنت فى سنك كنت متجوز ومخلف البنتين كمان .. وانت راجل ما شاء الله عليك متتعيبش
اختفت ابتسامه "عمر" ورد قائلا :
- لسه ملقتش بنت الحلال يا عم "عبد الحميد" .. ادعيلي ألاقيها
- ربنا يريحك بالك ويكتبلك الخير يا باشمهندس
ثم استطرد قائلا :
- ويجزيك خير على اللى عملته معانا ومع بنتى .. جميلك على راسنا من فوق
أسرع "عمر" قائلا :
- لا جميل ولا حاجه يا عم "عبد الحميد"
لمعت عينا "عبد الحميد" بالدموع وقال موجها حديثه لـ "عمر" و "أيمن" :
- لولاكم مكنتش عارف ايه اللى كان ممكن يحصل .. كان زمانا تحت رحمة اللى ميتسماش ده .. أنا لما عرفت انه حاول يخطفها كنت حاسس انى هموت من الرعب لأن ملناش ضهر نتسند عليه .. وهو شراني هو وأهله .. ومش هيسيبوا بنتى فى حالها
تحدث "أيمن" ليطمئنه قائلا :
- متقلقش يا عم "عبد الحميد" هو مستحيل يعرف مكانها هنا
قال "عمر " :
- وكمان مفيش حد غريب بيدخل المزرعة .. مبيدخلهاش الا اللى شغالين فيها بس .. يعني اطمن
قال "عبد الحميد" بتأثر :
- ربنا يباركلكوا ويجزيكوا خير ويفتحها عليكوا ويكفيكوا شر طريقكوا
****************************
فى صباح اليوم التالى .. كان "عمر" فى مكتبه بالمزرعة عندما سمع طرقات صغيره على الباب .. فهتف قائلا :
- اتفضل
انفتح الباب وانغلق بهدوء .. سمع صوت أنثوى يقول :
- صباح الخير يا باشمهندس "عمر"
رفع رأسه ليستطلع القادم .. كانت فتاة فى بداية العقد الثالث بيضاء البشرة ذات عينيين عسليتين جميلة الملامح .. رسمت على شفتيها ابتسامه كبيرة وتلعت فى عينيه بجرأة .. نظر اليها قائلا :
- أيوة يا دكتورة "مها" .. خير
كانت "مها" دكتورة تحاليل تعمل فى معمل المزرعة .. مدت يدها بملف صغير وقالت بنفس الإبتسامه ودون أن ترفع عينيها عنه :
- ده ملف تحاليل العينات اللى أخدناها الاسبوع ده جبته لحضرتك عشان تطلع عليه
نظر اليها بصرامة قائلا :
- أنا قلت لحضرتك أكتر من مرة يا دكتورة ان النتايج تتجمع وتتعرض عليا كل شهر .. أنا مش فاضى أطلع عليها مرة ولا مرتين فى الاسبوع .. وسبق وقولت لحضرتك الكلام ده أكتر من مرة
شعرت "مها" بالارتباك وقالت :
- أنا بس كنت حبه ان حضرتك تشوفهم أول بأول عشان ......
فاطعها قائلا :
- لو عايز أشوفهم أول بأول هطلب من حضرتك كده
لم تجد ما تقول .. صمتت قليلا ثم قالت :
- أنا آسفه يا باشمهندس انى عطلتك .. بعد اذنك
ثم توجهت الى الباب وانصرفت .. حرك "عمر" رأيه يميناً ويساراً بسخرية ثم انكب على عمله ليكمله
كانت "ياسمين" متجهه الى مبنى استراحة الغداء عندما وقع نظرها على "عمر" أشاحت بوجهها واستمرت فى طريقها .. عندها نادى عليها ليوقفها قائلا :
- لحظة يا دكتورة لو سمحتي
وقفت "ياسمين" واستدارت نحوه .. أقبل عليها قائلا :
- أخبار الشغل ايه .. مرتاحه فى المكان اللى اخترتيه
ردت قائله :
- أيوة الحمد لله
تفرس فيها قائلا :
- يعني الشغل مش متعب .. ومناسب ليكي
- أيوة الشغل ممتاز ومناسبنى جدا
فى تلك الأثناء كانت "مها" متوجهه الى مبنى الاستراحة فرمقت "ياسمين" بنظرة نارية .. تعجبت "ياسمين" لهذه الفتاة التى ترمقها بتلك النظرات وهى لا تعرفها .. سمعت "عمر" يقول :
- طيب لو واجهتك مشاكل عرفيني
قال ذلك ثم تركها وانصرف .. توجهت "ياسمين" الى المبنى و أحضرت صنية طعامها والتفتت لتبحث عن مكان لتجلس فيه .. كانت احدى الفتيات جاله على طاولة بمفردها أشارت لـ "ياسمين" كى تتقدم نحوها .. ذهبت اليها "ياسمين" فابتسمت اليها الفتاة قائله :
- انتى الدكتورة الجديدة .. اتفضلى اعدى معايا
ابتسمت لها "ياسمين" وجلست فى المقعد المقابل لها
مدت الفتاة يدها الى "ياسمين" وقالت لها مبتسمه :
- أنا دكتورة "شيماء"
بادلتها "ياسمين" الابتسام وسلمت عليها قائله :
- و أنا دكتورة "ياسمين"
- أهلا بيكى .. أنا عرفت انك شغاله تحت اشراف دكتور "حسن"
اتسعت ابتسامة "ياسمين" قائله :
- بالظبط كده
قالت "شيماء" بمرح :
- أنا بأه شغاله فى الاسطبلات انا المشرفة على جميع الخيول هنا
- كويس أوى .. واضح انك شاطرة أوى
ضحكت "شيماء" قائله :
- متقلقليش بكرة تبقى زيي و أحسن
فى هذه الأثناء رأت "ياسمين" الفتاة التى كانت ترمقها بالخارج تتقدم نحول طاولتهما .. قالت الفتاة لـ "شيماء" ونظراتها مصوبة تجاه "ياسمين" :
- مش تعرفينا يا شيماء"
قالت"شيماء" وكأنها تستثقل المهمة :
- دكتورة "مها" بتشتغل فى معمل المزرعة .. دكتورة "ياسمين" بتشتغل فى قسم المواشي تحت اشراف دكتور "حسن"
رفعت "مها" حاجبيها قائله بخبث :
- مواشي !! بس دى شغلانه ذكوريه أوي .. أنا لما شوفتك واقفه بتتكلمى مع الباشمهندس "عمر" كنت فكراكى حد مهم ....
ثم نظرت الى "ياسمين" بسخرية قائله :
- بس تعرفى الشغلانه لايقه عليكى
قالت ذلك وانصرفت .. كانت "ياسمين" بالفعل تحب عملها .. لذلك تضايقت من كلام تلك الفتاة .. واحتارت أكثر .. لماذا تتحدث اليها بتلك الطريقه .. ولماذا ترمقها بتلك النظرات .. أخرجتها "شيماء" من حيرتها قائله :
- سيبك منها هى متغاظة منك بس
التفتت اليها "ياسمين" قائله بدهشة :
- ليه أنا معملتلهاش حاجه ؟
- كفاية انها شافتك واقفه بتتكلمي مع الراجل اللى هتموت عليه
قالت "ياسمين" بإستغراب :
- قصدك مين
- "عمر الألفى"
أطرقت "ياسمين" رأسها فى صمت .. أكملت "شيماء" حديثها وكأنها تبوح بسر من أسرار الدوله :
- أصلها حطه عينها عليه من زمان .. وكل شويه تتسهوك وتروحله مكتبه بأى حجه .. لا وإيه كانت مفهمانا انه معجب بيها وانهم خلاص على وشك الإرتباط .. لحد ما خدت زمبه كبير أوى
رفعت ياسمين رأسها ونظرت اليها متسائله .. فإنتقلت "شيماء" الى المقعد المجاور لـ "ياسمين" وأكملت "شيماء" قائله :
- لقيناه فجأة خطب .. ونأبها طلع على شونه .. عرفنا ساعتها انها كانت بتسرح بينا .. بس ايه خطب حتت بنت موزه يا "ياسمين" تحل من على حبل المشنقة .. واهلها ناس واصلين أوى .. الباشمهندس "عمر" جبها هنا من فترة هى وأمها و أبوها .. حتة بنت عاملة زى الملبن .. لأ وأمها تشوفيها تقولى أختها مش أمها
كانت "ياسمين" تستمع الى حديث "شيماء" بصمت وبدون تعقيب .. صمتت قليلا ثم قالت :
- مادام خاطب .. هى عايزه منه ايه
- لأ ما هو فسخ خطوبته من شهرين كده
رفعت "ياسمين" حاجبيها بإستغراب .. فأكملت "شيماء" قائله :
- كانوا خلاص محددين معاد الفرح .. وفجأه أول ما الفرح قرب .. سابها وفسخ الخطوبة .. أكيد طبعا اللى زي ده مش عايز يقيد حريته بالجواز عشان يبقى على راحته مع البنات .. وتلاقيه مكنش ناوى يتجوزها من الاول بس حب يقضيله يومين
شعرت "ياسمين" بالدهشة من كلام "شيماء" وقالت :
- مش للدرجة دى يعنى
فقالت "شيماء" بثقه :
- لأ للدرجة دى وأكتر من كدة كمان .. واحد غنى جدا ووسيم جدا والبنات بتترمى تحت رجليه ايه اللى يخليه يقطع علاقاته دى كلها ويتجوز ..
انهت "ياسمين" غدائها وانصرفت الى عملها .. ودون أن تقصد أخذت تفكر فى كلام "شيماء"
أنهت "ياسمين" عملها وأخذت تمشى فى المزرعة .. وصلت الى احدى الأشجار الكبيرة .. كانت الشجرة كبيرة ولها شكل مهيب .. أعجبت "ياسمين" بجمالها وبالطريقه التى تم بها تقليم أوراقها فأعطتها شكل جذاب .. توجهت اليها لتحتمى بظلها .. أسندت ظهرها على أحد فروعها .. وشردت بعيداَ .. كانت تشعر فى هذا المكان بسكينة غريبه .. وكأنه لا يوجد فى هذا العالم سواها .. والسماء .. والمساحة الشاسعه من الخضرة أمامها
تمنت لو تبقى هنا للأبد .. فى هذا المكان وفى هذا الموضع .. جلست على غصن كبير وأسندت رأسها على الشجرة .. وأغمضت عينيها تستمع الى تغريد العصافير على الشجر .. تستمتع بالنسمات التى تلفح وجهها بنعومه .. ارتسمت ابتسامه على شفتيها وهى تستمتع بما حولها وهى مغمضة عينيها فى صمت
كان "عمر" يسير على غير هدى حتى استوقفه منظر الفتاة التى تجلس مغمضة العينين على غصن شجرته .. نعم شجرته .. الشجرة الوحيدة التى زرعها بيديه مع جده وهو صغير .. ظل يتأمل ابتسامتها العذبه الباديه على محياها .. والهدوء والراحة والسكينة التى تبدو على وجهها .. أطلق احد الطيور صوتا عاليا بالقرب من "ياسمين" فإنتفضت خائفه تنظر للطائر وهو يبتعد .. التفتت أمامها لتجد "عمر" الذى يقف على بعد أمتار منها .. واضعاً يديه فى جيب بنطاله ويوجهه نظره اليها .. شعرت بالخجل .. وتساءلت منذ متى وهو يقف هنا .. أوقف يشاهدها أم استوقفه شئ آخر .. نهضت من على الجذع وأطرقت برأسها سارت لتعود الى غرفتها .. مرت بجواره . فالتفت اليها واستوقفها قائلا :
- لحظة واحدة لو سمحتى
التفتت اليه دون أن تنظر اليه .. راقب "عمر" حمرة الخجل التى تتصاعد الى وجنتيها .. مشهد لم يعتاده من قبل .. وقف لحظات ينظر لها فى صمت حتى تململت الفتاة قائله :
- خير يا باشمهندس فى حاجه ؟
أدخل يده فى جيب الجاكت وأخرج حفنة من المال كان قد أعدها سلفاً ومد يده بها اليها .. نقلت بصرها من وجهه الى يده ثم الى وجهه مرة أخرى وقالت بإستغراب :
- ايه ده ؟
قال بهدوء :
- مرتبك
أعادت ما قال بدهشة :
- مرتبى ؟
ابتسم ابتسامه زادته وسامة قائلا :
- أيوة مرتبك .. أمال كنتى فاكره هنشغلك عندنا مجانا ولا ايه
صمتت قليلا ثم قال :
- صحيح دى أول مرة أشتغل فيها بس اللى أعرفه ان الناس بتقبض مرتبها آخر الشهر بعد 30 يوم .. مش بعد 3 أيام
قال وهو مازال محتفظاً بإبتسامته :
- تمام .. بس انتى حالة خاصه
نظرت اليه "ياسمين" وقالت بحزم :
- قولت لحضرتك قبل كدة تعاملنى زى أى حد بيشتغل هنا بدون تمييز
- طيب خديهم يمكن تحتاجيهم .. ومن الشهر الجاى تقبضى زى زمايلك
قالت ببرود :
- لأ شكرا .. مش هحتاجهم
نظر اليها "عمر" بشئ من الغضب ثم أعاد المال الى جيبه قائلا :
- براحتك
صمت قليلا ثم قال :
- أنا مش فاهم انتى ليه بتتعاملى كده
نظرت اليه صامته .. فأكمل قائلاً :
- بتتصرفى معايا بحده من أول يوم جيتى فيه هنا .. واسلوبك معايا غريب
نظرت اليه ببرود قائله :
- وايه الاسلوب اللى عايزنى أتعامل بيه مع حضرتك ؟
- المفروض اننا معرفة .. يعنى أخويا وصاحبي متجوز أعز صحابك .. يعنى المفروض يكون فى ود وعشم فى التعامل بينا .. تجاملينى أجاملك .. يبقى فى علاقة مريحة بينا .. تبتسمى فى وشي بدل ما انتى مركبالى الوش الخشب ده .. أنا شوفتك وانتى بتتعاملى مع دكتور "حسن" بتتعاملى معاه بطريقه طبيعيه وبذوق وبتبتسمى فى وشه .. يعني كل اللى طالبه انك تتعاملى معايا زى أى بنت عادية
أطرقت "ياسمين" وقد بدأت تفهم طبيعة هذا الرجل الواقف أمامها .. والذى اعتاد على تهافت الفتيات عليه .. واللاتي يحاولن جذبه اليهن بالكلمة تارة وبالابتسامه تارة أخرى .. فسار هذا عنده هو المعتاد والطبيعي والمألوف .. لذلك هو يجد طريقة تعاملها الجادة معه ووضع الحدود فى الكلام .. شئ غريب على مثله .. لكنه سيعلم قريباً بأنها ليست كغيرها
رفعت رأسها ونظرت اليه وقالت بهدوء وحزم :
- أنا مش زى البنات اللى حضرتك بتتعامل معاهم
فظر اليها صامتاً فاستطردت قائله :
- دى طبيعتى وده اسلوبي ومش هغيره عشان أى حد .. حتى لو كنا معرفة زى ما حضرتك بتقول .. فده مش معناه ان مفيش حدود بينا
نظر اليها وقد ضاقت عيناه فى صمت .. تركته وانصرفت .. تابعها بعينيه وهى تسير فى طريقها بثقه .. رغم الضيق الذى شعر به من اسلوبها معه .. إلا أنه وجد ابتسامه صغيرة ترتسم على شفتيه ببطء
طرق والدها باب الغرفة ففتحت له "ريهام" دخل وجلس مع بنتاه ووجه حديثه الى "ياسمين" قائلاً :
- ايه يا "ياسمين" مرتاحه فى شغلك
ابتسمت له قائله :
- جداً يا بابا الحمد لله .. المكان هنا جميل .. والشغل مع دكتور "حسن" مفيد جداً
- طيب الحمد لله .. يعني مفيش حد بيضيقك هنا
- لأ يا بابا اطمن
- عامة لو حد ضايقك قولى للباشمهندس "عمر" على طول
اختفت ابتسامتها وقالت لوالدها :
- لو حد ضايقني أنا أقدر أتصرف معاه كويس .. مش محتاجه حد يدافع عني .. اطمن عليا يا بابا
فى تلك الليلة أغمضت عينيها فى محاولة للاستسلام للنوم .. لكنها وجدت نفسها تفكر فى كلام "شيماء
عن "عمر" .. ترى لماذا ترك خطيبته .. هل هو شخص لاهى كما تصوره "شيماء" .. هل له علاقة فعلاً بـ "مها" .. هل هى الوحيدة أم علاقاته امتدت لفتيات غيرها بالمزرعة .. اذا كان فعلا شخص عابث فلماذا ترك القاهرة وأتى لتلك البلدة الريفية .. أله حبيبه هنا لا يقوى على فراقها ؟ .. لامت نفسها بشدة على الإهتمام بمعرفة اجابات تلك الأسئلة التى انطلقت كالشلال في رأسها .. حاولت نفض تلك الأفكار من رأسها .. لكن عيناه السوداوين العميقتين ظلت صورتهما تطاردها فى رأسها .. هبت جالسه وهى تشعر بالغضب من نفسها .. توضأت وصلت ركعتين وانشغلت بقراءة احدى الروايات لتصرف تفكيرها عنه .
↚
مرت عدة أيام و "ياسمين" سعيدة بعملها فى المزرعة .. وتحت اشراف دكتور "حسن" كان مريحاً فى التعامل ولم تحدث مشاكل بينهما .. كانت مبهورة بعلمه وبمهارته فتتعلم منه كل يوم شيئاً جديداً .. أيضاً دكتور " "حسن" أعجب كثيراً بذكائها وحماسها ونشاطها وسرعتها فى التعلم .. فكان يعتبرها تلميذته النجيبه ويتنبأ لها بمستقبل باهر فى عملها .. شعر الأسى عليها عندما علم منها بقصتها والسبب الذى دفعها هى وأهلها للمجئ الى المزرعة .. طمئنها وبث الأمل فيها بأن فرج الله قريب .. عليها فقط أن تتحلى بالصبر وسيخرجها الله من محنتها...
فى ذات يوم قدم الى المزرعة رجل فى العقد السادس من عمره .. أتى بسيارته الفارهه وبدلته الأنيقة استقبله "عمر" بعدما نزل من سيارته أمام بيت المزرعة :
- أهلا بيك يا أستاذ "شاكر"
سلم عليه الرجل قائلا :
- أهلا بيك انت يا بشمهندس .. أنا متشكر انك هتديني شوية من وقتك
- لا أبدا ازاى حضرتك تقولى كده .. اتفضل
أدخل "عمر" الرجل الى بيت المزرعة .. كان الرجل هو عميل من عملاء "عمر" الذين يشترون ما تنتجه المزرعة من ألبان .. رحب "عمر" بالرجل وقدمت لهم الخادمة أقداح الشاى الساخن .. تحدث الرجل قائلا :
- بصرحة أنا كنت عايز منك خدمة يا بشمهندس واتمنى انك متخذلنيش
أسرع "عمر" قائلا :
- طبعا يا أستاذ "شاكر" اتفضل
- أنا ابنى الصغير فى آخر سنة له فى كلية الطب البيطرى .. وانت عارف ان أى شغل بيتطلب خبره .. الولد معندوش أى فكره عن أى شئ .. انت عارف ان فى مصر للأسف بندرس فى الجامعه حاجة والشغل العملى بيكون حاجه تانية خالص .. فأنا كنت حابب بما انه فى آخر سنة انه ييجي يتدرب عندك هنا فى المزرعة .. أنا عارف ان عندك دكاترة ممتازين جدا وانك مش بتشغل عندك الا ناس كفائتها عاليه .. أنا بس عايزه يكون تحت ايديهم .. وكمان ده هيفيده فى امتحاناته السنة دى لان عندهم جزء كبير عملى .. وهو زى ما قولت ميح خالص
أسرع "عمر" قائلا :
- طبعا يا أستاذ "شاكر" .. يشرفنا وجوده فى المزرعة وهنا عندنا دكاترة ممتازين وان شاء الله يستفاد منهم
- متشكر جدا يا بشمهندس وهو ده كان العشم
انتهت المقابلة وانصرف "شاكر" ... حان معاد استراحة الغداء عندما تركت "ياسمين" ما بيدها لتذهب لتتناول طعامها .. لمحت عند البوابة فلاحه بسيطة كبيرة فى السن تتحدث مع الرجل الواقف على البوابة والرجل يحاول اخراجها وهى تأبي أن تخرج .. لفت المشهد نظر "ياسمين" خاصة وأن الرجل كان يتعامل مع السيدة الكبيرة بغلظة وخشونة .. اقتربت من البوابة فسمعت تلك السيدة تقول :
- أبوس ايدك يا ابنى دخلنى .. أنا زى أمك
رد عليها الرجل وهو يدفعه لتخرج خارج المزرعة :
- لا أمى ولا أبويا .. ممنوع يامه محدش بيدخل هنا غير اللى بيشتغلوا بس
- يا ابنى ما انا كنت بشتغل هنا .. أبوس ايدك دخلنى
- يا ست امشى بأه الله يسهلك
تقدمت "ياسمين" منهما قائله :
- خير فى ايه ؟
قالت السيدة بسرعة وكأنها تستنجد بـ "ياسمين" :
- الهى يكرمك يا بنتى خليه يدخلنى .. أنا ورايا عيال اعمل ايه بس يا ربي
وجهت "ياسمين" كلامها الى الرجل قائله :
- حضرتك مش عايز تدخلها ليه
- عشان ممنوع حد يدخل الا اذا كان بيشتغل فى المزرعة ودى مبتشتغلش فيها
انفجرت السيدة باكية وقالت :
- طيب أعمل ايه بس يا ربي ..
رق قلب "ياسمين" لحال تلك السيدة وأخذتها وخرجت من البوابة لتتحدث معها .. ربتت بكفها على كتف السيدة قائله :
- خير يا حجه مالك فى ايه
قالت السيدة وهى مازالت تبكى :
- أنا يا بنتى كنت بشتغل هنا .. بس عندى عيل تعب وكنت عده جمبه فى المستشفى .. بعيد عنك وعن السمعيين جاله التهاب جامد فى الرئه وكان يا حبت عيني بيتوجع أوى .. دخلت بيه المستشفى وغبت فترة .. رجعت لقيتهم حسبي الله ونعم الوكيل فيهم طردونى من الشغل عشان غبت فترة طويله
- طيب وليه مشرحتلهمش ظروفك
- هما يا بنتى مدينى فرصة أشرح حاجه .. أنا ورايا كوم لحم أعمل ايه فيهم بس يا ربي
وانفجرت مرة أخرى فى البكاء .. وأمسكت يد "ياسمين" قائله :
- انشاله ينجيكى ويكفيكي شر المرض ساعديني أدخل أتكلم مع رئيس العمال يمكن يرضى يرجعنى تانى
كاد قلب "ياسمين" أن ينفطر لحال تلك السيدة المسكينة وقررت أن تساعدها .. فقالت لها :
- طيب أنا هساعدك يا حجه وهشرحلهم ظروفك .. تعالى بكرة فى نفس المعاد وأنا أقولك عملت ايه
حاولت السيدة تقبيل يدها فسحبتها "ياسمين" بسرعة .. قالت لها :
- ربنا يباركلك يا بنتى ويكفيكي شر طريقك .. أنا كل يوم باجى هنا .. هاجى بكرة ويارب أسمع خبر حلو
ابتسمت لها "ياسمين" فى حنو وربتت على كتفها قائله :
- ادعى ربنا وان شاء الله يرجعوكى الشغل تانى
تركتها "ياسمين" ودخلت وهى متأثره بشدة .. كيف يطردون سيدة مثلها وهى فى أمس الحاجة للمال .. توجهت الى المبنى الإدارى حيث مكتب "عمر" .. طرقته طرقات خفيفة ..سمعت صوت من الداخل :
- اتفضل
دخلت .. رفع "عمر" رأسه ليجدها أمامه .. هز رأسه لتتقدم .. تركت الباب مفتوحاً كما المرة الماضية ودخلت وقفت أمام المكتب قائله :
- صباح الخير يا بشمهندس
رد "عمر" :
- صباح النور
نظر "عمر" الى الباب المفتوح .. ثم نظر اليها قائلا :
- هو مينفعش الباب يتقفل .. لازم اللى رايح واللى جاى يتفرج علينا
ارتبكت "ياسمين" نظرت الى الباب ثم اليه .. كان يرقب ردود أفعالها .. قالت بتوتر :
- آسفه مش هينفع أقفله
همت بالإنصراف ثم قالت :
- خلاص مفيش مشكلة شكراً
أوقفها "عمر" قائلاً :
- استنى
الفتت اليه فنظر اليها قائلاً :
- انتى على طول متسرعه كدة
صمتت ولم تجب .. أشار برأسه الى الكرسي أمام المكتب قائلا بصرامة :
- اقعدى
تقدمت "ياسمين" وجلست .. نظر اليها .. كانت تحاول استجماع قواها وترتيب أفكرها .. صمتت لحظات ثم التفتت اليه تنظر اليه قائله :
- فى واحدة كانت بتشتغل هنا فى الحلب .. هى ست كبيرة فى السن .. وشكلها على أد حالها .. كانت واقفة على البوابة الراجل مش راضى يدخلها .. اتكلمت معاها .. طردوها من الشغل عشان كانت بتغيب كتير.. بس هى معذوره ابنها كان تعبان فى المستشفى وهى كنت أعده جمبه
كان "عمر" يراقبها وهى تتحدث وعلى وجهها ملامح التأثر لحال تلك السيدة .. بلعت ريقها ثم استطردت قائله :
- هى غلبانه أوى .. وملهاش شغل تانى تصرف منه على ولادها .. يعني لو ينفع .. يعني .. حضرتك ..
قاطعها قائلا :
- بتتوسطيلها عندى يعني ؟
بللت شفيها بلسانها وقد شعرت أن حلقها جاف من التوتر .. قالت :
- لو ينفع حضرتك ترجعها الشغل تانى يبقى خدت فيها ثواب .. لأن فعلا شكلها محتاجة للشغل أوى
صمت "عمر" لحظات ثم نظر اليها قائلا :
- لو فعلا مشوها للسبب ده يعني بسبب غيابها .. فأنا هقول لرئيس العمال يرجعها تانى
لم تصدق "ياسمين" ما سمعت .. شعرت بفرحة عارمة أن استطاعت مساعدة تلك السيدة الفقيرة .. نظرت الى "عمر" وهتفت والابتسامه تعلو شفتيها :
- بجد ؟ .. يعني هترجعوها الشغل ؟
راقب "عمر" ابتسامتها والفرحة التى تعلو وجهها من أجل سيدة لا تعرفها ولم تلتقى بها من قبل .. ساد الصمت .. لاحظت "ياسمين" تفرسه فيها .. فشعرت بحمرة الخجل وهى تتصاعد الى وجنتيها فخفضت بصرها .. قال بعد برهه :
- أيوة .. لو كان زى ما قالت هو ده السبب اللى طردوها عشانه .. يعني متكنش عملت حاجه غلط سرقت مثلا أو سببت تلفيات
شكرته "ياسمين" قائلا :
- شكراُ لحضرتك .. وهى عامة بتيجي تقف كل يوم أدام البوابة .. وهى هتيجي بكرة عشان تعرف اذا كانت هترجع الشغل ولا لأ
هز "عمر" رأسه .. فنهضت "ياسمين" ونظرت اليه قائله :
- متشكره مرة تانية
ثم خرجت وأغلقت الباب وراءها .. ظل "عمر" ينظر الى الباب المغلق و هو يفكر فى رقة قلب تلك الفتاة .. التى شعرت الفرح الذى أنار وجهها من أجل تلك السيدة الفقيرة .. كم هى رقيقه .. تحب الخير للآخرين .. كان مستغرقاً فى تفكيره عندما طرق "أيمن" الباب ودخل قائلاً ببشاشة :
- ازيك يا "عمر"
ابتسم له "عمر" قائلا :
- تمام الحمد لله
جلس "أيمن" على المقعد التى كانت تجلس فيه "ياسمين" منذ قليل .. تفرس فى صديقه الشارد الذهن قائلا :
- ايه مالك فى ايه
ابتسم "عمر" قائلا :
- لا أبداً مفيش حاجه
قال "أيمن" لصديقه وهو يشير الى ذراعه اليسرى الموضوعه على المكتب :
- أخبار دراعك ايه دلوقتى
رفع "عمر" ذراعه ونظر اليه قائلا :
- الحمد لله .. من ساعة ما فكيت الجبس وأنا حاسس انها أحسن .. المشكلة بس انى كل فترة بحس فيها بتنميل شديد ومبكنش قادر احركها
قال "أيمن" بقلق :
- ما قولتش للدكتور اللى متابع معاك الكلام ده ليه ؟
تنهد "عمر" قائلا :
- قولتله وقالى طبيعي .. ده نتيجه لضعف الأعصاب فى دراعى بعد الحادثة .. وان العلاج الطبيعي هيقوى الأعصاب وهترجع ايدي تانى زى الأول
حث "أيمن" صديقه قائلا :
- يبأه ركز فى موضوع العلاج ده ومتهملوش يا "عمر"
ابتسم له "عمر" فى صمت .. ثم استأذن "أيمن" فى الإنصراف الى عمله .
*****************************
دخلت "ياسمين" غرفتها لتجد "ريهام" جالسه على فراشها .. هبت واقفه بمجرد أن رأتها وقالت :
- أخيرا شرفتى سيادتك
قالت "ياسمين" وهى تغير ملابسها :
- معلش يا "ريهام" النهاردة كن يوم متعب جدا واتأخرنا شوية
قالت "ريهام" بتبرم :
- على طول انتى مشغولة وبابا كمان مشغول فى الشغل الجديد اللى شافهوله البشمهندس "عمر" .. وأنا أعده لوحدى طول النهار
نظرت الهيا "ياسمين" قائله :
- ما انتى بتذاكرى يا "ريهام" عشان خلاص الترم قرب يخلص
قالت بزهق :
- اتخنقت خلاص .. طول النهار مذاكره مذاكره .. بجد اتخنقت نفسي نطلع أنا وانتى نتفسح شوية .. نشوف ناس نعد أعده حلوة
ابتسمت لها "ياسمين" قائله :
- خلاص اتفقنا .. بعد بكرة الجمعة ان شاء الله .. تعالى نطلع نتفسح فى أى مكان ونغير جو
هتفت "ريهام" بفرحه :
- بجد يا "ياسمين" ؟ ... هيييييييييه
قالت "ياسمين" بفرحة :
- ايه رأيك كمان أكلم "سماح" واهى تغير جو معانا هى كمان
ابتسمت "ريهام" قائله :
- طبعا فكرة حلوة جدا كلميها دلوقتى عشان تعمل حسابها
هاتفت "ياسمين" صديقتها واقترحت عليها الخروج معاً يوم الجمعة .. فقالت لها "سماح" :
- موافقة طبعا .. أنا كمان مخنوقة جدا .. ولسه كنت بقول لـ "أيمن" كدة .. خلاص هستأذنه وأرد عليكي يا "ياسمين"
- خلاص وأنا منتظرة اتصالك ان شاء الله
بعدما عاد "أيمن" من العمل التف الإثنان حول طاولة الطاعم وأخبرته "سماح"برغبتها فى التنزه مع "ياسمين" و "ريهام" قائله :
- بصراحة نفسي أخرج يا "أيمن" أنا على طول محبوسه فى البيت
مسح "أيمن" بكفه على شعرها قائلا :
- معلش يا حبيبتى .. عارف انى بسيبك لوحدك كتير
أخذت يده الموضوعه على شعرها وقبلتها قائله :
- ربنا يعينك يا حبيبتى أنا عارفه انت بتتعب أد ايه .. عارف نفسي نخرج سوا بس انت بتكون مشغول حتى يوم الجمعة
ابتسم لها "أيمن" قائلا :
- أنا أفضى نفسي عشانك يا حبيبتى
هتفت بسعادة قائله :
- بجد يا "أيمن" ؟ .. يعني هنخرج سوا يوم الجمعة ؟
قلبها قائلا :
- طالما حبيبتى عايزه تخرج تتفسح .. يبقى لازم نفسحها
ما لبثت أن تلاشت ابتسامة "سماح" قائله :
- طب و"ياسمين" .. يا ربي .. خايفه تزعل منى
فكر "أيمن" قليلا ثم قال :
- طيب أنا عندى اقتراح حلو
نظرت اليه "سماح" بلهفه قائله :
- ايه هو ؟
- ايه رأيك نطلع أنا وانتى و "ياسمين" و "ريهام" وعم "عبد الحميد" ونقضى يوم فى راس البر
- بجد يا "أيمن" ؟
- أيوة بجد هيكون يوم حلو وتغيير جو .. وكمان الفترة دى البلد بتكون فاضية يعني هنكون على راحتنا .. وانتى تغيري جو وكمان تتفسحى مع صحبتك
قامت "سماح" معانقه اياه قائله :
- انت أحسن زوج فى الدنيا دى كلها
أمسك رأسها بين كفيه وقبلها قائلا :
- وانتى أروع زوجة فى الدنيا دى كلها
*************************
- صباح الخير يا دكتورة "ياسمين"
كانت "ياسمين" تستعد لبدء عملها .. عندما دخل دكتور "حسن" وألقى عليها تلك العبارة .. التفتت اليه قائله :
- صباح الخير يا دكتور "حسن"
سألها دكتور "حسن" وهو يستعد بإرتداء البالطو :
- ايه أخبار حالة الـ mastitis بتاعة امبارح
- كله تمام يا دكتور .. اديتلها جرعة الـ antibiotic بعد ما حضرتك مشيت .. وان شاء الله همر عليها دلوقتى
توجهت الى باب المكتب لتهم بالخروج عندما استوقفها قائلاً :
- دكتورة "ياسمين"
التفتت اليه قائله :
- أيوة يا دكتور
- فى طالب هييجى يتدرب عندنا هنا .. هو ابن لعميل مهم من عملاء المزرعة .. البشمهندس "عمر" وصاني عليه .. هو طالب فى البكالوريوس
كانت "ياسمين" تستمع اليه فى اهتمام .. فأكمل قائلا :
- انتى اللى هتتولى تدريبه
قالت بدهشة :
- أنا يا دكتور
- ايوة انتى
قالت بإستغراب :
- بس يا دكتور أنا نفسي لسه بتدرب
- وعشان كدة عايزك تدربيه .. شوفى يا دكتورة .. أحسن طريقة لتثبيت المعلومة لا بكتابتها ولا بحفظها .. بممارستها .. كون ان يبقى فى طالب عندك وانتى بتشرحيله كل المعلومات اللى عارفاها عن الحالة اللي أدامك ده يثبت المعلومة أكتر .. ومش بس كده ده بيديكى ثقه فى نفسك كمان
ابتسمت قائله :
- فعلا يا دكتور .. أيام الكلية مكنتش بعرف أحفظ أسماء الـ Nerve والـ Muscles إلا وأنا بشرحها لصحابي
ابتسم لها قائلا :
- وعشان كده عايزك انتى اللى تدربيه
ابتسمت له قائله :
- متشكرة على الثقه دى يا دكتور .. بعد اذنك
- اتفضلى
كانت "ياسمين" تقوم بعملها عندما أتاها اتصال من "سماح" .. أخبرتها صديقتها بفكرة "أيمن" .. رحبت "ياسمين" بالفكرة لأنها لم تكن لتحب ترك والدها فى المزرعة بمفرده .. اتفقا على السفر بعد صلاة الفجر يوم الجمعة ان شاء الله .. فى فترة الغداء أتت "شيماء" لتجلس مع "ياسمين" على الطاولة .. استقبلتها "ياسمين" بالإبتسامه .. قالت "شيماء" :
- ازيك يا "سمسم" أخبارك ايه
- تمام يا "شيماء" الحمد لله
- فينك بقالك كام يوم مش بشوفك فى فترة الغدا
- أهاا الشغل كتير أوى اليومين دول فباكل أى حاجه وأنا بشتغل
- هتقوليلى .. دكتور "حسن" مبيرحمش نفسه أبداً ولا بيرحم اللى معاه
دافعت "ياسمين" عنه قائله :
- ده لأنه عنده ضمير فى الشغل .. وفعلا بستفاد منه جداً
انتهت الفتاتان التهام طعامهما وتوجهتا الى الخارج .. عندها قالت "شيماء" لـ "ياسمين" :
- وأنا أقول مجتش تتغدى ليه مش عوايدها أتاريها واقفه مع الدون جوان
نظرت "ياسمين" الى حيث تشير "شيماء" .. لتجد " مها" واقفه تتحدث الى "عمر" .. وعلى وجهها ابتسامه كبيرة وتنظر فى عينيه بجرأة .. حانت من "عمر" التفاته اتجاه "ياسمين" فتظاهرت "ياسمين" بالنظر الى شئ آخر .. ثم التفتت الى "شيماء" قائله :
- هروح أكمل شغلى
انصرفت الى عملها وهى تتساءل فى نفسها عن طبيعة العلاقة بين "عمر" و "مها"
استوقف "عمر" أثناء انصرافه أحد العمال قائلا :
- يا باشمهندس "عمر" خلاص لقينا غفير كويس وابن حلال وساكن فى البلد دى
- سألتوا عنه كويس
- أيوة واد غلبان مقطوع من شجره وبيجرى على أكل عيشه
- طيب تمام خليه ييجي بكرة لرئيس العمال عشان يبدأ شغل من بكرة ان شاء الله
تنحنح الرجل قليلا وبدا عليه التردد فسأله "عمر" :
- خير فى حاجه ؟
- يعني يا بشمهندس "عمر" متاخذنيش فى الكلام يعني .. بس يعني هو فين "عويس" والجماعه بتوعه ؟
قال "عمر" ببرود :
- مشى
- أيوة يعني مشى فجأة كدة ومن يوم وليلة .. ده حتى هدومه وهدوم جماعته لسه فى الأوضة .. ومقالش لجنس مخلوق انه هيسيب الشغل
قال "عمر" بنفاذ صبر :
- دى حاجه متخصنيش .. يلا على شغلك
**********************
فى صباح يوم الجمعة وبعد صلاة الفجر استعدت "ياسمين" و "ريهام" ووالدهما .. اتصلت "سماح" ليخبرها أنها تنتظرهم مع "أيمن" أمام بوابة المزرعة .. كانت "ياسمين" فرحه للغاية وأعدت الكثير من السندوتشات والعصير .. و"ريهام" أيضاً كانت متلهفة على تلك النزهه .. سبقهما والدهما .. وحملت الفتاتان حقيبة الطعام وأسرعا الخطى .. عندها قالت "ريهام" فجأة :
- ايه ده هو المز جاى هو كمان ولا ايه
نظرت "ياسمين" الى حيث تنظر أختها لتجد "عمر" وقد أوقف سيارته خلف سيارة "أيمن" .. خفق قلبها بشدة وقالت لـ "ريهام" :
- أكيد لأ .. ايه اللى هيجيبه معانا
- لأ أنا حاسه انه جاى معانا
عندما وصلت الفتاتان نزلت "سماح" لترحب بهما .. وبعد تبادل عبارات المجاملة .. انطلقت سيارة "أيمن" و "سماح" تجلس بجواره .. أما "ياسمين" و "ريهام" ووالدهما يجلسون فى الخلف .. بعد فترة حانت من "ريهام" التفاته للخلف ثم مالت على أذن "ياسمين" قائله :
- مش قولتلك المز جاى معانا
نظرت اليها "ياسمين" فأشارت "ريهام" الى الخلف .. التفتت "ياسمين" لتنظر عبر الزجاج الخلفى للسيارة فتلاقت نظراتها مع نظرات "عمر" فأسرعت بإعادة رأسها الى الأمام .. وقلبها يخفق بشدة .. وهى تتساءل لماذا لم تخبرها "سماح" بمرافقة "عمر" لهم .. وصلوا جميعاً الى الشط .. التهى الرجال الثلاثة معاً فى المزاح والضحك ولعب الدومينو .. أما الفتيات الثلاثة فأخذن يتمشين على الشاطى ويستعدن ذكريات الطفوله والجامعة .. كانت "ياسمين" فرحه للغاية .. وتشعر بأنها خفيفه كالريشه .. كانت تنظر الى البحر وتملى نظرها بجمال سحره وروعته .. فى الغداء تناول الجميع السندوتشات التى أعدتها "ياسمين" و "سماح" .. كانت "سماح" مندمجة فى الحديث مع "ريهام" فتركتهما "ياسمين" وتمشت على الشاطئ بلا هدف .. رآها "عمر" وهى تنحنى لتلتقط شئ من الأرض ثم تتحسسه بيدها وتنحنى لتلتقط شيئاً آخر .. فى نهاية اليوم كان الجميع فرحاً وسعيداً واندمج "عبد الحميد" مع الشابين جدا وأحبا صحبته أخذ يقص عليهم ذكرياته الى يختزنها فى زوايا عقله .. كانوا يستمعون له والابتسانه تعلو شفتيهما .. وصلت "ياسمين" و "ريهام" الى سيارة "أيمن" ووقفوا بجوارها .. أقبل "عمر" ووقف على مقربه منهما فى انتظار الباقيين .. التفت "عمر" الى "ياسمين" فوجدها تمسك شئ بيدها وتعبث به .. فنظر الى ما تحمله قائلا :
- ايه اللى فى ايدك ده ؟
رفعت "ياسمين" رأسها تنظر اليه وقد أدهشها سؤاله .. ظلت صامته للحظات ثم قالت :
- أحجار صغيرة
ابتسم ابتسامه جذابه قائلاً :
- ايوة أنا عارف .. بس بتعملى بيهم ايه
احتارت "ياسمين" فيما تقول .. ساد الصمت برهه ثم قالت :
- بحب أجمعهم من على الشط
اتسعت ابتسامة "عمر" ولمعت عيناه قائلا :
- أخيرا لقيت حد يشاركنى هوايتي الغريبة
تصاعدت حمرة الخجل على وجنتيها بسبب نظرته العميقة التى تربكها وابتسامته التى تخطف الألباب .. أكمل بنفس الابتسامه :
- أنا كمان بحب أجمع الصخور الصغيرة من على الشط .. بس مش أى صخور .. بحتفظ باللى تلفت انتباهى بس
لم تبادله "ياسمين" الإبتسام .. بل تجاهلت تماما كلامه والنظر اليه .. حضر الجميع وركبوا وانطلوا فى طريق العودة
توجهت "ريهام" الى فراشها .. عندما كانت "ياسمين" تقوم بطي ملابسها لتضعها فى الدولاب .. نظرت اليها "ريهام" وقالت بخبث وهى تعبث بشعرها :
- (أخيرا لقيت حد يشاركنى هوايتي الغريبة)
التفتت اليها "ياسمين" مستفهمة .. قالت لها :
- ايه ؟ بتقولى ايه ؟
قالت لها "ريهام" :
- مفيش هو حد كلمك
أكملت "ريهام" بنفس الخبث :
- (بحتفظ باللى تلفت انتباهى بس )
نظرت اليها "ياسمين" قائله :
- بتكلمى نفسك .. برافو
قالت "ياسمين" ذلك وأطفأت النور وتودهت الى فراشها و تدثرت .. حاولت التفكير فى أحداث اليوم لكن التعب كان قد بلغ منها مبلغه فغطت فى سبات عميق
فى اليوم التالى أنهت "ياسمين" عملها وتوجهت الى شجرتها .. كانت تحب الإختلاء والجلوس فى هذه البقعة التى تفصلها عن العالم .. شردت قليلا في رحلة يوم أمس .. وفى كلمات "عمر" وجدت الإبتسامه تتسلل ببطء الى شفتيها .. ثم عادت لتتذكر الكلام الذى سمعته من "شيماء" عنه .. وعلاقته بـ "مها" وغير "مها" .. تنهدت وحولت صرف تفكيرها عنه .. سمعت صوت هاتفها .. وجدت رقماً غريباً ردت قائله :
- السلام عليكم
أتاها صوت يقول فى قسوة :
- والله لو روحتى لآخر بلاد المسلمين لهوصلك يا "ياسمين" وساعتها مش هعتقك أبداً
قفز قلب "ياسمين" من مكانه .. وشعرت بالرعب لمجرد سماعها لصوت "مصطفى" أغلقت هاتفها تماما .. ووقفت تتلفت حولها وهى لا تدرى ماذا تفعل .. كانت تخاف منه خوفاً شديداً .. خشت أن يعرف طريقها ويحاول خطفها مرة أخرى أو يفعل بها ما هو أسوأ .. مشت مسرعة عائدة الى غرفتها .. كانت لا ترى أمامها .. تشعر بتوتر بالغ .. ارتطمت فى طريقها بـ "عمر" الذى كان متوجها الى بيت المزرعة .. وقفت تنظر اليه وهى لا تراه .. كانت علامات الرعب باديه على وجهها .. نظر اليها "عمر" قائلاً بلهفه :
- ايه مالك فى ايه ؟
شعرت بأن الكلمات تهرب منها انحدرت دمعة حائرة من عينيها .. وأخذت تتعالى أصوات قلبها وتزداد سرعة تنفسها .. هتف "عمر" بلوعه :
- "ياسمين" مالك ايه اللى حصل
نظر الى الطريق الذى أتت منه لعله يتبين سبب فزعها .. استجمعت قواها وقالت بصوت مرتجف وهى تمد يدها بهاتفها قائله :
- "مصطفى"
نظر اليها قائلا :
- "مصطفى" مين .. مين "مصطفى" ؟
- رددت قائله :
- "مصطفى" كلمنى
خمن "عمر" بأنها تقصد زوجها .. لم تقوى أعصابها على التحمل كانت خائفة بشدة وترتجف أحاطت نفسها بذراعيها وقالت وعينيها تدوران فى المكان بخوف :
- أنا خايفة أوى
نظر اليها "عمر" وطمأنها قائلا :
- متخفيش محدش يقدر يأذيكي طول ما انتى هنا
نظرت اليه قائله وهى تبكى :
- قالى هعرف طريقك ومش هعتقك
شعر "عمر" بالغضب لذلك المنعدم الرجوله الذى يهدد امرأة ويرعبها بهذا الشكل .. كانت العبرات تنزل من عينيها فى صمت .. شعر بالألم يغزو قلبه مد يده وأمسك ذراعها أراد أن يطمئنها ويوقف ارتجافه جسدها .. انتفضت "ياسمين" للمسته وأبعدت نفسها عنه .. وقفت تنظر اليه بدهشة ممزوجة بالغضب .. أدرك "عمر" أنه أغضبها .. فأسرع يشرح قائلا :
- أنا مقصدتش حاجه ... كنت بس عايز .......
لم تدعه يكمل كلامه وانصرفت عائده الى غرفتها .. شعر "عمر" بالضيق لأنه أغضبها .. صعدت "ياسمين" الى غرفتها وهى تفكر غاضبة كيف يجرؤ على لمسها بهذا الشكل .. أيظنها فتاة سهله كفتياته اللاتى يعرفهن .. واللاتى يتهافتن عليه محاولات جذبه واستمالته .. أيظنها واحدة منهن .. شعرت بالحنق والضيق من كليهما .. "عمر " و "مصطفى"
*************************
فى اليوم التالى كانت واقفة تتفحص احدى الأبقار عندما وجدت شاب تراه لأول مرة .. كان شابا يافعاً يبدو وكأنه ضل طريقه .. خمنت "ياسمين" بأن هذا هو تلميذها الذى تحدث دكتور "حسن" عنه .. اقترب منها الشباب وابتسم قائلا :
- السلام عليكم
ردت "ياسمين" :
- وعليكم السلام .. أهلا بحضرتك أنا دكتورة "ياسمين"
قال الشاب :
- أهلا بيكي أنا "هانى"
ثم استطرد قائلا :
- أنا "هانى شاكر"
قال ذلك ثم انفجر ضاحكاً .. نظرت "ياسمين" اليه بدهشة ثم لم تتمالك نفسها فضحكت ضحكة خافته حاولت كتمها .. لم تضحك للفكاهه فى اسمه .. بل ضحكت لطريقة ضحك الشاب فقد أرجع رأسه الى الوراء وضحك بصخب بطريقة أضحكتها ..
كان "عمر" يسير مع أحد العمال يعطيه بعض التعليمات .. عندما لفت انتباهه صوت الضحك الصاخب فالتفت ليجد "ياسمين" تقف مع "هانى" ابن العميل الذى أتى اليه منذ أيام .. رآى ابتسامتها وضحكتها التى تحاول كبحها .. شعر بالحنق فصرف العامل وسار نحوهما ... فى هذه الأثناء قالت "ياسمين" لـ "هانى" :
- ادخل اتعرف على المكان على ما أرجع
تركته وانصرفت لتجد "عمر" يعترض طريقها .. نظر "عمر" الى الفتى الذى يسير للداخل ثم أعاد نظره الى "ياسمين" قائلا ببرود :
- مش نشوف شغلنا أحسن
نظرت "ياسمين" اليه بحيره قائله :
- مش فاهمة قصد حضرتك ايه
غير "عمر" الموضوع قائلا :
- الست اللى كلمتيني عنها .. أحب أبشرك انها رجعت الشغل النهاردة
سعدت "ياسمين" كثيراً لهذا الخبر فقد كانت بالفعل تشفق على تلك السيدة وأولادها .. رددت قائله :
- الحمد لله
رفعت نظرها لتجد نظرات "عمر" المصوبة تجاهها .. فقالت بسرعة :
- بعد اذن حضرتك
ثم تركته وانصرفت .
↚
راقبها من بعيد وهى تباشر عملها .. كانت منهمكة فى عملها لدرجة أنها لم تشعر بوجوده .. بل لم تشعر بأى شئ حولها .. وقف يراقب حركاتها .. سكناتها .. لا يدرى لماذا يفعل ذلك .. فهى ليست بالجميلة التى تبهر الأنظار والعقول .. وليست ممن اعتاد صحبتهن والتعامل معهن .. لكن بها شئ غريب يدفعه لأن يراقبها ويحاول فهمها .. ربما كان هذا هو سبب فضوله .. أنه لا يستطيع حتى الآن فهمها .. تصرفاتها غريبة .. مبادءها عجيبه .. لم يقابل مثلها من قبل .. تجمع المتناقضات فى آن واحد .. خجوله .. واثقة بنفسها .. رقيقة القلب .. قوية الشخصية .. ذكية .. عملية .. ضعيفة .. هشه .. مذيج عجيب لم يقابل مثله .. لذلك يشعر دائماً بأنها لغز غامض .. وفضوله يدفعه دفعاً لإستكشاف هذا اللغز ومحاولة حله .. اقترب منها قائلاً :
- صباح الخير يا دكتورة
رفعت رأسها لتنظر اليه قائله وحبات العرق تنبت على جبينها :
- صباح الخير يا بشمهندس
وضع "عمر" يديه فى جيب بنطاله وأخذ ينظر اليها والى ما فى يدها ثم قال :
- بتعملى ايه ؟
قالت "ياسمين" دون أن تنظر اليه :
- دى عينات خدناها من القطيع النهاردة عشان الكشف الدورى .. بجهزهم عشان أبعتهم المعمل
هز رأسه .. ثم أخذ يتململ فى وقفته لا يدرى أصلا ما الذى يفعله هنا .. نظر اليها ثم قال :
- أخبار الشغل ايه مرتاحه فيه ؟
قالت وهى لا تزال منهمكه فى عملها :
- أيوة الحمد لله
سألها بإهتمام :
- حد ضايقك تانى ؟
كان يقصد اتصال "مصطفى" .. ردت بإقتضاب :
- لأ
لم يجد ما يقول .. فصمت قليلا ثم قال :
- طيب بعد اذنك
قال ذلك ثم انصرف .. رفعت "ياسمين" رأسها لتنظر اليه وهو يبتعد .. ثم عادت لتكمل عملها مرة أخرى
***********************
كانت "ياسمين" جالسه مع "شيماء" فى استراحة الغداء يتسامران ويتضاحكان .. وفجأة أتت "مها" لتجلس معهم بدون استئذان .. توقف الحديث ونظرت الفتاتان الى بعضهما البعض .. وأكملت كل منهما طعامها فى صمت .. قطعت "مها" هذا الصمت قائله :
- أنا عرفت ان مش بس انتى اللى بتشتغلى هنا ده كمان والدك وأختك يا "ياسمين" .. هى ايه الحكاية بالظبط ؟
قالت "ياسمين" ببرود :
- حكاية ايه ؟
رفعت "مها" حاجبها قائله بسخرية :
- يعني انتى مش شايفه انها غريبة ان واحدة تيجي من محافظة تانية هى وأهلها عشان يشتغلوا مع بعض فى المزرعة ؟ .. أكيد فى سر ورا الموضوع ده
قالت "ياسمين" بنفس البرود :
- ولا سر ولا حاجه
ازدادت "مها" فى سخريتها قائله :
- معروف عن البشمهندس "عمر" انه بيحب يعمل خير فى الناس ..شكلك صعبتى عليه انتى وأهلك وعشان كده شغلكوا عنده فى المزرعة
هبت "ياسمين" واقفة وهتفت قائله :
- مسمحلكيش تتكملى ربع كلمة عنى أو عن أهلى .. وأنا جايه هنا أشتغل مش أشحت من حد
قالت ذلك ثم تركت طعامها وغادرت المكان .. نظرت اليها "شيماء" بعتاب قائله :
- كان ايه لزمته الكلام ده ؟
- بالله عليكي انتى مش شايفه ان الحكاية دى غريبة .. وان فى سر هى مخبياها عننا
- ملناش دعوة هى حرة
- أنا بأه هعرف السر اللي هى مخبياه .. واللي مخلى "عمر" مهتم بيها وبأهلها أوى كده
نهضت "شيماء" وانصرفت هى الأخرى .. تاركه "مها" خلفها .
**************************
" مش حماتك اتخطبت ! "
نطق "أيمن" هذه العبارة وهو جالس فى أحد المطاعم مع "عمر" وهما يتناولان معاً طعام العشاء .. رد "عمر" قائلاً :
- تغور هى وبنتها
أكمل "أيمن" قائلا :
- اتخطبت لواحد عربي من اللى بيستثمروا فلوسهم فى مصر .. شكله أكبر منها بكتير
نظر اليه "عمر" مستفسراً :
- وانت عرفت منين ؟
- شوفت صورتهم فى الجرنال من كام يوم .. واحدة معندهاش ريحة الدم مش تستنى ما عدتها تخلص
قال "عمر" مستهزئاً :
- ده على أساس انها بتطبق كلام ربنا أوى فى الأمور التانية .. يا سيدى هى جت على العدة .. ربنا يسهلها
قال "أيمن" لصديقه :
- بصراحة يا "عمر" أنا مش عارف انت كنت واقع وسط الناس دى ازاى .. أنا لا كنت برتاح للى كانت خطيبتك دى ولا لأمها .. كويس ان ربنا نجاك منهم
قال "عمر" بضيق :
- قفل على سيرتهم يا "أيمن" بجد مش حابب أفتكر حاجه عنهم
نظر "أمين" الى صديقه فترة ثم سأله بشك :
- انت لسه حاسس بحاجة نحيتها
نظر "عمر" اليه بدهشه قائلا :
- نحية مين ؟
- "نانسي"
قال "عمر " على الفور :
- لأ طبعا
- واثق ؟
- أيوة واثق
- أمال ليه اضايقت لما جبت سيرتهم
صمت "عمر" قليلا ثم رفع بصره لصديقه قائلا :
- لانى لما بفتكرهم بفتكر أد ايه أنا كنت غبي وأعمى .. وبضايق من نفسي جدا .. وبحس انى رغم العمر ده كله معرفتش أحكم على الناس صح
تنهد ثم قال :
- بصراحة ندمان على كل كلمة حلوة سمعتهالها .. انت عارف انى طول عمرى مكنش ليا علاقات مع أى بنت .. مجرد صحوبيه عاديه .. لكن حب واتباط لأ.. أولا لانى مكنتش فاضى من الشغل للدراسة .. كانت الحياة العملية وخدانى فى دوامتها .. ولما فكرت أتجوز .. اديت كل مشاعرى لـ "نانسي" و كنت حاسس انها البنت اللى بدور عليها .. بس بجد كنت أعمى .. معرفتش أختار صح .. وندمان أوى على كل كلمة قولتلهالها .. لأن الكلام ده من حق واحدة بس ..
صمت قليلا ثم قال بسخرية :
- واحدة معرفش أصلاً اذا كنت هلاقيها ولا لأ
قال "أيمن" بتفائل :
- يا ابنى البنات الكويسه كتير ... وانت ألف واحدة تتمناك
نظر اليه "عمر" قائلاً بإصرار :
- مش هتجوز الا واحدة ـقتنع بيها 100% يا "أيمن" .. أنا مش عايز جوازه والسلام .. فاكر كلامك ليا أيام خطوبتك لـ "سماح" قولتلى انك بتدور على واحدة تحس بيها وتحس بيك وتكون سكن ليها وتكون هى سكن ليك وتكونوا انتوا الاتنين شخص واحد .. أنا عايز واحدة كدة .. أكون أنا وهى كده
ابتسم له "أيمن" وربت على كتفه قائلا :
- ان شاء الله هتلاقيها
صمت الصديقان وعادا الى تناول طعامهما فى صمت .. بعد فترة قطع "عمر" هذا الصمت قائلا :
- صحيح كنت عايز أسألك عن حاجه
- خير يا "عمر " ؟
بدا على "عمر" التردد قليلا ثم قال :
- هى صاحبة مراتك معاد جلستها اتحدد ولا لسه ؟
فهم "أيمن" ما يرمي اليه لكنه تظاهر بعدم الفهم قائلا :
- صاحبة مراتي مين ؟
نظر اليه "عمر" بحده قائلاً :
- "ياسمين"
ابتسم "أيمن" ورشف رشفه من كوب الماء الموضوع أمامه ثم قال :
- لأ لسه متحددتش الجلسه .. لو اتحددت كان زمان "سماح" مقدرتش تستنى عشان تبلغنى الخبر
شرد "عمر" قليلا ثم قال :
- هو ممكن ما يتحكملهاش بالطلاق ؟
هز "أيمن" كتفيه قائلاً :
- الله أعلم .. على حسب القضية وعلى حسب شطارة المحامى
قال "عمر " بسرعة :
- لأ أنا واثق فى أستاذ "شوقى" جدا
عادا ليكملا طعامهما فى صمت مرة أخرى .. و"أيمن" يرمق صديقه بنظرات صامته بين الحين والآخر
******************
كانت عائده من استراحة الغداء عندما استوقفها "عمر" قائلاً :
- ثوانى لو سمحتى
التفتت "ياسمين" اليه منتظره ما سيقول .. مد يده الى جيبه وأخرج شيئاً وقدمه اليها .. نظرت الى ما يحمله ثم نظرت اليه متفهمه :
- ايه ده ؟
نظر "عمر" اليها قائلا :
- خط جديد .. وارمى اللى معاكى .. عشان محدش يضايقك تانى
نظرت اليه مندهشه لا تدرى ما تقول .. صمتت قليلاً ثم قالت :
- أنا مش عارفه ازاى مفكرتش فى الحل ده قبل كده .. فعلاً أحسن حاجه هو انى ارمى خطى بدل ما أفضل أعده على أعصابي وخايفه أرد على أى رقم
لكنها استطردت قائلا :
- بس مش هينفع أخده من حضرتك .. أنا هروح بكرة ان شاء الله أشترى خط تانى
قال لها بضيق :
- وتشترى ليه ما الخط موجود أهو
شعرت "ياسمين" بالحرج وقالت :
- يعني .. مفيش داعى .. أنا هجيب خط تانى بكره
قال بحده :
- الأفضل ان الخط ميكنش بإسمك عشان ميقدرس بأى طريقة انه يوصلك .. لو الخط بإسمك ويعرف حد فى شركات المحمول ممكن بسهولة يوصل لرقمك خاصة انه عارف بياناتك كلها .. ونفس الشئ بالنسبة لبيانات أختك ووالدك
أيقنت صحة ما يقول لكنها بقيت متردده .. نظر اليها ببرود قائلاً وهو مازال يمد يده بالخط الجديد :
- متخفيش يا دكتورة هنخصم تمنه من مرتبك آخر الشهر
شعرت "ياسمين" بحرج بالغ فأخذت منه الخط .. فقال بجديه :
- متديش الرقم إلا للناس اللى بتثقى فيهم بس .. يعني والدك .. أختك .. "سماح" .. المحامى .. عشان ميقدرش يوصل لرقمك ويضايقك تانى
أومأت "ياسمين" برأسها قائله :
- شكراً .. تعبت حضرتك .. بعد اذنك
كانت " مها" تراقب المشهد من مكان قريب .. لم تتمكن من معرفة عن ماذا يدور الحوار .. ولا عما أعطاه "عمر" لـ "ياسمين" .. لكن عينيها كانت تشعان حقداً وغلاً .
بعد انتهاء يوم من العمل الشاق .. خرجت "ياسمين" عائدة الى غرفتها عندما استوقفتها "مها" معترضة طريقها قائله بسخرية :
- على فين يا دكتورة ؟
نظرت اليها "ياسمين" وهى تحاول كبح غيظها .. فقد كانت "ياسمين" تعلم جيداً بأن "مها" لا تستلطفها ولا تحبها .. لذلك كانت تحاول قدر الإمكان تلاشى الصدام معها .. قالت لها :
- خلصت شغلى وراجعه أوضتى .. بعد اذنك
همت "ياسمين" بالإنصراف لكن "مها" وقفت أمامها وعقدت ذراعيها امام صدرها قائله :
- العينات اللى بعتيهالى المعمل كلها اتجلطت
نظرت اليها "ياسمين" بدهشة قائله :
- ازاى يعني اتجلطت
قالت لها "مها" بسخرية :
- مش عارفه يعني ايه عينة دم تتجلط ؟.. يعنى باظت يا دكتورة
قالت "ياسمين" بحده قائله :
- ازاى يعني .. ايه اللى جلطها
- اللي جلطها ان حضرتك محطتيش Anticoagulant قبل ما تحطى عينات الدم فى الأنابيب
هتفت "ياسمين" بغضب :
- انتى بتقولى ايه .. انا حطه بنفسي الـهيبارين فى كل الأنابيب قبل ما أحط فيها العينات اللى خدتها
قالت "مها" ببرود :
- بقولك العينات كلها اتجلطت يبقى ازاى يعني كنتى حاطه هيبارين
احتدت "ياسمين" قائله :
- يعنى أنا بكدب
- أنا ما قولتش كده
حاولت "ياسمين" كظم غيظها .. كتفت يديها أمام صدرها قائله :
- والمطلوب دلوقتى
قالت "مها" بتشفى :
- المطلوب انك تاخدى كل العينات تانى والكلام ده يخلص النهاردة لانك زى ما انتى عارفه الفروض النتايج كلها تظهر بكرة عشان نعرضهم على البشمهندس "عمر" .. ولو البشمهندس ملقاش النتايج هتبقى انتى اللى فى وش المدفع
قالت لها "ياسمين" ببرود :
- العينات هتكون عندك بكرة يا دكتورة
غادرت "مها" وهى ترسم على شفتيها ابتسامه التشفى
عكفت "ياسمين" على أخذ العينات مرة أخرى الأمر الذى أرهقها للغاية فعمل يومين مطلوب منها أن تعيده مرة أخرى فى عدة ساعات .. كانت تعمل بسرعة لكن بدقة حتى لا تقع فى أى خطأ .. كان "عمر" متوجهاً الى بيت المزرعة .. عندما وجد ضوء أحد الزرائب مضاءاً .. استغرب لأن من المفترض أن الجميع غادر الى بيته .. اقتربت منه ودخل ووجد "ياسمين" تعمل بهمة ونشاط .. اقترب منها "عمر" فرفعت رأسها لتنظر اليه .. قال لها بدهشة :
- انتى بتعملى ايه هنا لحد دلوقتى ؟
عادت الى اكمال عملها قائله :
- عندى شغل
- لحد دلوقتى ؟
- أيوة
رآى "عمر" علامات الإجهاد على وجهها فأشفق على حالها وقال بحنو :
- طيب أجلى الشغل لبكرة .. الوقت اتأخر دلوقتى
قالت "ياسمين" بشئ من الحده :
- لازم الشغل يخلص دلوقتى .. لأن العينات اللي خدتها باظت ولازم أخلصها دلوقتى عشان أديها لدكتورة "مها" الصبح
شعر "عمر" بنبرة الضيق فى صوتها فسألها بإهتمام قائلاً :
- فى حد بيضايقك هنا ؟
صمتت "ياسمين" قليلا ثم قالت :
- لأ مفيش
تفرس فيها قائلاً:
- واثقة ؟
نظرت اليه مطمئنه اياه قائله :
- أيوة واثقه .. مفيش أى مشاكل الحمد لله
أومأ "عمر" برأسه مطمئناً .. ثم نظر اليها قائلاً :
- أدامك كتير
شعرت بشئ من السرور لإهتمامه .. ردت بصوت خافت :
- يعني شوية
ابتسم "عمر" قائلاً :
- نفسي أسعادك .. بس مليش فى اللى انتى بتعمليه ده خالص
خفق قلبها بشدة لمرآى ابتسامته .. ولكلامه عن رغبته فى مساعدتها .. فخفضت بصرها و تجاهلت خفقات قلبها وأكملت عملها فى صمت .. شعر بنفسه يود البقاء معها أكثر لكنه رآى توترها فنظر اليها قائلاً :
-أنا فى البيت مش خارج .. لو احتجتى حاجة عرفيني
شعرت فى قلبها بسعادة خفيه .. لم تجب .. فرحل فى صمت.
بعد فترة من انهماكها فى العمل سمعت صوتاً فى الخارج أمام الباب .. شعرت بالخوف .. سارت ببطء لتتبين مصدر هذا الصوت .. خرجت لتجد أحد العمال يجلس بجوار الباب ويتفرش الأرض .. قالت له بدهشة :
- انت بتعمل ايه هنا ؟
قفز الرجل من مكانه وقال لها :
- الباشمهندس "عمر" قالى أفضل هنا عشان لو الدكتورة احتاجتنى فى حاجة .. ومتحركش من مكانى الا لما تخلص شغلها
شعرت بخفقات قلبها تتسارع مرة أخرى .. تُرى ما هو سر اهتمامه بها .. لماذا يهتم بتوفير هذا العامل لها .. ألأنها تعمل فى مزرعته ومسؤلة منه .. هل لو كانت أى فتاة أخرى مكانها هل كان ليفعل ذلك أيضاً .. طردت "ياسمين" تلك الأفكار من رأسها وقالت لنفسها بسخريه .. أفيقي يا "ياسمين" أين أنتِ وأين هو .. مثله معتاد الحصول على أجمل الفتيات وارقاهن .. بالتأكيد اهتمامه بكِ لن يعدو أن يكون مجاملة لصديقه .. أو لعله مازال يشعر بالذنب بسبب الحادث ويريد أن يكفر عن ذنبه ليريح ضميره .
جافى النوم "عمر" فى هذه الليلة .. ظل ساهراً فى شرفه منزله ...كان يشعر بشئ غريب لا يستطيع هو نفسه تسميته .. نظر الى النجوم التى تزين السماء وهى تضئ وتتوهج فى روعة .. وجد الابتسامه تتسلل الى شفتيه بلا استئذان .. شعر بنسمات الهواء المنعش وكأنه يستنشقها لأول مرة .. شعر بسعادة غريبة تسرى مع دماؤه فى شرايينه وأوردته .. لم يستطع أن يحدد سبباً لتلك الحالة الغريبة التى تعتريه .. فقط كان يشعر بكل تلك الأشياء ولم يعرف لذلك سبباً واضحاً ..
فى الصباح أتى الى المزرعة أحد عملائها الكبار .. استقبله "عمر" بترحاب شديد وقدم له واجب الضيافه .. أراد الرجل شراء كمية كبيرة من عجول التسمين .. كانت بالنسبة لـ "عمر" صفقة كبيرة ستدر عليه ربحاً وفيراً .. قاد "عمر" الرجل الى حيث المواشي ليلقى نظره عليها وعلى الأعلاف التى تقدم لها .. وجدت "ياسمين" "عمر" يدخل مكتبها برفقة رجل فهبت واقفه .. قدم "عمر" الرجل اليها قائلاً :
- صباح الخير يا دكتورة .. أقدملك الأستاذ "خالد الدمرداش" ده عميل عندنا من زمان .. ومن الناس اللي احنا بنعتز بالتعامل معاهم
قال "خالد" :
- متشكر يا بشمهندس ده من ذوقك
قدم "عمر" "ياسمين" الى الرجل قائلاً :
- الدكتورة "ياسمين" طبيبة بيطرية فى المزرعة عندنا وهى هتفيدك أكتر فى شرح نوعيه الأعلاف وجودة القطعان عندنا
التفت الرجل الى "ياسمين" مبتسماً ومد يده قائلاً :
- اتشرفت بمعرفتك يا دكتورة "ياسمين"
نظرت "ياسمين" الى يد الرجل بتوتر ثم ما لبثت أن قالت :
- آسفة مبسلمش
نظر الرجل اليها بحده وأعاد يده قائلاً بسخرية:
- ليه خايفه يتنقض وضوئك ؟
شعرت "ياسمين" بالإحمرار يغزو وجنتيها .. وقالت :
- لأ أكيد مش ده السبب
قال الرجل وهو ينظر اليها بتعالى :
- انتى أصلاً تعرفى أنا مين .. كون انى واقف بتكلم معاكى دلوقتى دى حاجه مكنتيش تحلمى بيها
ثم التفت الى "عمر" قائلاً :
- الظاهر انك معرفتش تختار صح الناس اللى تقدمنى ليهم يا بشمهندس .. ياريت نكمل كلامنا فى مكتبك
احتقن وجه "عمر" بشدة .. وألقى على "ياسمين" نظرة احتارت فى تفسير معناها ثم توجه مع الرجل الى الخارج .. جلست "ياسمين" وهى تشعر بالحنق الشديد .. من يظن نفسه ليتعامل معها بهذا الشكل .. نعم هى لا تسلم على الرجال .. ولن تتنازل وتفعل ذلك لترضى أحداً مهما كان الحرج الذى ستسببه له ولنفسها .. تسائلت فى نفسها ترى هل "عمر" غاضب منها لأنها لم تسلم على الرجل .. ولكنه يعرف طبعها .. حتى هو رفضت السلام عليه فى أول يوم لها بالمزرعة .. هل ظن بأنها تعمدت احراج الرجل .. هل يرى بأنها تسببت فى حدوث مشاكل بينه وبين أحد عملاؤه المهمين .. ظلت الأسئله تدور فى رأسها بدون توقف .. بعد مضى ساعة تقريباً .. لم تستطع تحمل هذا الكم من التوتر شعرت بأنها ترغب فى الدفاع عن نفسها وأن تشرح لـ "عمر "بأنها لم تكن لتقصد أن تؤذيه وأن تتسبب فى أى مشكلة .. لكن هذه طبيعتها ومبادءها ولن تغيرها .. نهضت وتوجهت الى مكتب "عمر " .. طرقت الباب فأتاها صوته :
- اتفضل
فتحت الباب وأخذت تتطلع الى وجهه لعلها تتبين انفعالاته .. نظر اليها ولم يتكلم .. دخلت وتركت الباب مفتوحاً .. لم يعلق على الباب المفتوح هذه المرة .. وقفت أمام المكتب قليلاً .. ثم تحدثت بصوت هادئ :
- أنا أسفه
نظرت اليه فوجدته ينظر اليها بدون أى رد فعل .. فأكملت قائله :
- مكنش قصدى أعمل مشكلة بين حضرتك وبين العميل .. بس حضرتك عارف انى مبسلمش على حد
ساد الصمت لبرهه .. وجدته ينهض من مكتبه ويلتف حوله ليصبح مواجهاً لها .. التفتت اليه .. نظر اليها قائلاً :
- عايزة تفهميني انك مبتسلميش أبداً على أى راجل .. حتى لو كان كبير فى السن زى الاستاذ "خالد"
قالت بجديه :
- أيوة مبسلمش على أى حد مهما كان سنه
نظر اليها نظرة غامضة ودت لو دخلت رأسه فى تلك اللحظة لتعلم فيها يفكر .. سألها بفضول وهو يتفحص اياها قائلاً :
- يعني جوزك .. أقصد لما كان خطيبك هو الوحيد اللى لمس ايدك ؟
دهشت لسؤاله .. فصمتت "ياسمين" للحظات .. ثم قالت دون أن تنظر اليه :
- لأ .. حتى هو لما كان خطيبي مسمحتلوش يلمس ايدي
رفع "عمر" حاجبيه فى دهشه .. ونظر اليها بإمعان قائلاً :
- أبدا ؟.. ملمسش ايدك أبداً ؟
هزت رأسها بالإيجاب
شعر بشعور غريب يجتاح قلبه ويتوغل فيه ببطء .. نظر اليها قائلاً بصوت خافت :
- ليه .. ليه مكنتيش بتخليه يلمس ايدك ؟
- قالت "ياسمين" بدون تردد وهى لا تزال لا تنظر اليه :
- عشان مش من حقه
شعر "عمر" بخفقة فى قلبه لم يعتاد الشعور بها من قبل .. خفقه قوية .. عميقة .. نظر اليها فشعر بحنان جارف يملأ قلبه تجاه تلك الفتاة التى تقف أمامه والتى تطرق بوجهها فى خجل .. ود لو توقف الزمان حيث هما .. أخذ ينظر اليها بحنان ممذوج بدهشة وحيره .. وكأنه طالب يدخل المدرسة لأول مرة ويقف أمام معلمته .. شعر بأن تلك الفتاة الواقفه أمامه تتحكم به بطريقة أو بأخرى .. شعر بأن لها تأثيراً قوياً عليه لم يألفه ولم يعتاده من قبل .. شعر بالخوف يدب فى قلبه بسبب هذا الشعور الغريب الذى كاد أن يغمر كيانه كله .. شعور بالإستسلام والتسليم .. قطعت "ياسمين" الصمت قائله بتوتر :
- أنا بس حبيت أوضح لحضرتك موقفى .. وأعتذر ان كنت سببت أى مشكلة ... بعد اذنك
التفتت لتنصرف فمد "عمر" يده ليمسك ذراعها ليوقفها .. لكنه تذكر .. هى ليست كغيرها ممن عرفهن .. هذا الذى سيفعله غير موجود فى قاموسها .. سحب يده قبل أن تلمسها .. نظر فى عينيها .. كان يخشى اغضابها .. وقفت حائرة .. قال بصوت رخيم :
- أنا مزعلتش منك انتى .. أنا اضايقت منه هو .. من الكلام اللى قالهولك
صمت لبرهه ثم قال :
- أنا وقفت التعامل معاه تماما
رفعت نظرها اليها فى دهشة وكأنها لا تعى ما يقول .. قالت له بعدم فهم :
- يعني ايه اللي حضرتك بتقوله .. مش فاهمة
ابتسم لحيرتها وقال :
- يعني اللى يهين دكتورة بتشتغل فى مزرعتى ميشرفنيش أبداً انى أتعامل معاه
تلاقت نظراتهما فى صمت .. نظرة حنان منه .. ونظرة عدم تصديق منها .. أفعل هذا من أجلها حقاً ؟ .. أخسر عميلاً مهماً من أجلها ؟ .. أمن أجلها هى تحديداً أم لو كانت "مها" أو "شيماء" أو غيرهما فى نفس موقفها هل كان ليتصرف بهذا الشكل أيضاً ؟ .. خرجت من شرودها لتتمتم فى خفوت :
- بعد اذنك
ثم خرجت وأغلقت الباب خلفها
ظلت طول الليل تتقلب فى فراشها كأنها نائمة على جمر .. كانت تجاهد لمحو صورته من رأسها .. تجاهد لإعادة انتظام ضربات قلبها .. تجاهد لنسيان كلماته وابتسامته الساحره .. أخذت تردد لنفسها قائله .. لا لن أقع تحت تأثير سحره .. أنا لست كفتياته .. لن أكون واحدة منهن .. ليتي لم أءت الى المزرعة .. ليتي لم أراه .. لن أدع مشاعرى تتحكم بي .. لن أحلم بما هو صعب المنال .. حتى لا يتحطم قلبي الصغير .. يجب أن أقتل مشاعرى تجاهه وهى فى مهدها .. قبل أن تكبر وتصبح وحشاً مفترساً يلتهمنى ويقضى على الأخضر واليابس ... ظلت تستغفر ربها وهى مغمضة العينين حتى استسلمت لسلطان النوم.
********************
حاولت "ريهام" الاتصال بـ "ياسمين" لكنها وجدت هاتفها مغلق .. فارتدت ملابسها وخرجت لتبحث عنها فى مكان عملها .. دخلت لتجد شاباً طويل القامة نحيل يمسك كتاباً وقلماً أمامه ويدون شئ ما .. مسحت المكان بعينيها وهى واقفة على الباب فلم تجد "ياسمين" .. نظرت الى الشاب المنهمك فى مطالعة الكتاب الذى أمامه وقالت له :
- لو سمحت متعرفش دكتورة "ياسمين" فين ؟
رفع "هانى" رأسه ونظر اليها قائلاً :
- راحت المعمل وهترجع كمان شوية
- طيب شكراً
همت "ريهام" بالإنصراف لكنه استوقفها وعيناه تتفحصانها :
- أقولها مين لما تيجي
- قولها بس "ريهام" عايزاكى افتحى تليفونك
أومأ برأسه قائلاً :
- حاضر هقولها لما تيجي
شكرته وانصرفت .. عادت "ياسمين" فأخبرها "هانى" بمجئ "ريهام" .. ثم سألها قائلاً :
- هى أختك ؟.. أصل فيكوا شبه من بعض
ردت "ياسمين" بإقتضاب قائله :
- أيوة أختى
حملت "ياسمين" الهاتف وخرجت تهاتف أختها :
- أيوة يا "ريهام" .. قالولى انك سألتى عليا
- "ياسمين" .. ايه الرقم ده ؟؟ .. وأفله تليفونك ليه ؟
- أنا بكلمك من تليفونى .. ده خطى الجديد
- خطك الجديد ؟ جبتيه امتى ده ؟ وخلاص رميتي القديم ؟
- هبقى أحكيلك بعدين .. فى حاجه .. كنتى عايزه حاجه ؟
- آه كنت عايزه أعرف هتخلصى امتى .. أنا زهقانه أوى
قالت لها "ياسمين" بحنو :
- أنا عارفه انى بسيبك لوحدك فترات طويله .. معلش يا "ريهام" .. ان شاء الله كام يوم ونخرج نتفسح سوا .. احنا لسه لحد دلوقتى مشوفناش المنصورة ولا اتفسحنا فيها
- خلاص اتفقنا .. هستنى انك توفى بوعدك ده .. عشان خلاص هطأ من جنابي
ابتسمت "ياسمين" قائله :
- متقلقيش هنفذ وعدى .. ويلا سلام بأه عشان عندى شغل كتير
- سلام
بمجرد أن أغلقت "ياسمين" مع "ريهام" وجدت هاتفها يرن فأسرعت قائله :
- السلام عليكم أستاذ "شوقى"
- وعليكم السلام ازيك يا مدام "ياسمين"
قال بلهفه :
- الحمد لله .. فى أخبار جديده عند حضرتك ؟
- أحب أبشرك ان معاد الجلسه اتحدد يا مدام "ياسمين"
قالت "ياسمين" بفرحه عارمة :
- بجد ؟ أخيرا الحمد لله
- أيوة الحمد لله كلها اسبوعين وتخلصى من القضية دى تماما
- اسبوعين ؟
- أيوة معاد الجلسة بعد اسبوعين ان شاء الله .. وأنا متفائل ان النطق بالحكم يكون من أول جلسه
قالت "ياسمين" متضرعه وهى تنظر السماء :
- يارب
ثم استطردت قائله :
- متشكره أوى يا أستاذ "شوقى"
- العفو .. مع السلامة
- مع السلامة
أغلقت هاتفها وهى تشعر بالراحة والسعادة .. ودت لو يمر الاسبوعين فى لمح البصر .. ويحكم القاضى بتطليقها لتصير حرة طليقه وتتخلص من "مصطفى" الى الأبد .. وتمحو من عقلها أى ذكرى له.
*****************************
رن هاتف "عمر" فأسرع بالرد قائلا :
- ألو
قال "كرم" بلوم :
- أهلا بالناس الهربانه
- والله وحشنى
- ما هو واضح .. واضح أوى انى وحشتك وان شوقك ليا مقطع بعضه
ضحك "عمر" قائلا :
- عارف انى مقصر معاك الفترة اللى فاتت
- لا مقصر ولا مطول أنا قررت قرار وأعلى ما فى خيلك اركبه
قال "عمر" بقلق :
- خير قرار ايه
- قررت آخد أجازة طويلة المدى .. وبكرة هتلاقيني طابب عليك فى المزرعة بشنطة هدومى .. وقبل ما تقولى الشغل ومش الشغل هقولك ابوك فيه الخير والبركة . وانا كمان هفضل متابع الشغل من المزرعة زى جنابك ما بتعمل .. يعني مسمعش كلمة اعتراض
ضحك "عمر" قائلا :
- هو أنا اقدر اعترض
- أيوة كده بحسب
- يلا جهز نفسك وحضرلى وليمة فلاحى من اللى هى وعايز الأرض مفروشة ديناميت قصدى ورد .. وبنات على الصفين يقولولى ويلكم سى "كرم"
ضحك "عمر" قائلا:
- طب ويلكم سى "كرم" دى تركب على بعضها ازاى نفسي أفهم ؟
- بقولك ايه انا هسيب طريقة الاستقبال عليك وانت وذوقك بأه
- خلاص من عنيا هعملك احلى استقبال
- اهو كده يلا سلام وابقى قول للواد "أيمن" انى جاى واحشنى ونفسي اشوفه
- خلاص ماشى اتفقنا ..
- يلا سلام يا باشا
- سلام يا "كرم"
أنتهى "عمر "من محادثة صديقه وقد شعر بفرحه عارمة فقد اشتاق له كثيراً .. ابسم قائلا لنفسه :
- جيت فى وقتك يا "كرم" انت أكتر واحد بتفهمنى.
↚
جلس الأصدقاء الثلاثة فى بيت المزرعة يتضاحكون ويتجاذبون أطراف الحديث .. قال "كرم" فى استمتاع :
- ياااه .. والله وحشنى يا ولاد الايه
ربت "عمر" بكفه على كتف "كرم" قائلاً :
- وانت كمان يا "كرم" .. بجد وحشتنى جدا .. ووحشتنى غتاتك
قال "أيمن" :
- أيوة واتك أوى على غتاته دى
قال "كرم" :
- تنكروا انى عملت جو للمزرعة من أول ما جيت وأنا مبقاليش ساعة واصل ..
ابتسم "عمر" قائلاً :
- آه والله وأحلى جو أنا من زمان مضحكتش كده
قال "كرم" بجديه :
- بصوا بأه عايزكوا تشوفولى سكرتيرة كويسة ..أنا مش جاى عشان أقضى يومي فى الشغل عايز واحده تنجز معايا
سأله "عمر" بإهتمام :
- طيب مشترط مؤهلات معينة
- آه يعني تكون زى مدام "حنان" مديرة مكتبتك
هتف "عمر" قائلا :
- انت هتهرج يا "كرم" .. مدام "حنان" ايه .. انت فى بلد أرياف يا ابنى ..
- طيب شوفولى أى واحدة المهم تكون ذكية وسريعة ونشيطة وبتفهم فى الكمبيوتر وبتعرف انجلش كويس
طمأنه "عمر" قائلاً :
- خلاص سيب الموضوع ده عليا
نظر "أيمن" الى "عمر" قالئلاً :
- "ريهام" مش كده ؟
أومأ "عمر" برأسه قائلاً :
- أيوة بس هتأكد الأول ليها فى الكمبيوتر والانجلش ولا لأ
هتف "كرم" فى مرح :
- ايه يا عم انت وهو انتوا جابيينى تجوعونى ولا ايه .. لا ويقولولك بلد فلاحين .. فين المشلتت والمحمر والمشمر أنا على لحم بطنى من الصبح
وهنا أتت الخادمة لتخبرهم بأنها انتهت من تحضير الطعام .. التف الجميع حول طاولة الطعام فى استمتاع وهم يستعيدون ذكرياتهم معاً
****************
- حالك مش عاجبنى اليومين دول
قالت "ريهام" هذه العبارة وهى واقفة مع "ياسمين" فى شرفة غرفتهما .. قالت "ياسمين" دون أن تلتفت اليها :
- لا أبداُ مفيش حاجه
تفرست فيها "ريهام" قائله :
- واثقه ؟
- أيوة واثقه .. يمكن بس شوية ارهاق من الشغل
قالت "ريهام" بعدم اقتناع :
- هحاول أبلعها .. بس انتى عارفه انك وقت ما تحبي تتكلمى أنا موجوده وهسمعك
التفتت اليها "ياسمين" وابتسمت ابتسامه ضعيفة .. نظرت "ريهام" للأسفل قائله :
- مين ده ؟
نظرت "ياسمين" حيث تنظر أختها .. فرأت "عمر" و "أيمن" ومعهما شخص ثالث لا تعرفه
قالت "ريهام" :
- أنا حسه انى شوفته قبل كده
قالت لها "ياسمين" :
- أنا أول مرة أشوفه فى المزرعة
- لأ .. مش فى المزرعة .. تقريبا لمحته فى خطوبة "سماح" .. أصلا احنا يوميها ملحقناش نعد ولا نشوف حد ..حضرتك مشتينا بدرى
تذكرت "ياسمين" يوم خطوبة "سماح" .. كانت فى صباح ذلك اليوم فى المحكمة .. مع "مصطفى" .. أثارت ذكراه القشعريرة فى جسدها .. أحاطت جسدها بذراعيها وكأنها تحمي نفسها من ذكراه .. نظرت الى الأسفل مرة أخرى .. على "عمر" الذى كان يتحدث مع صديقيه فى مرح .. حانت منه التفاته لأعلى .. فتلاقطت نظراتهما فى لحظة خاطفة .. خفق لها قلبها الصغير .. ولم تكن تدرى أن خفقات قلبها كان صداها يُسمع فى قلبه هو الآخر .. أشاحت بوجهها بسرعة وقالت لـ "ريهام" :
- أنا دخله
هربت "ياسمين" الى الداخل بسرعة .. ولحقت بها "ريهام" التى نظرت بعتاب الى "ياسمين" التى جلست على فراشها وضمت وسادتها الصغيرة الى صدرها قائله :
- براحتك مش هضغط عليكي
شردت "ياسمين" فى وجوم.
**********************
كانت "ياسمين" جالسه فى استراحة الغداء برفقة "شيماء" و "مها" .. التى كانت تحاول الإقتراب من "ياسمين" بأى طريقة لتعلم معلومات عنها وعن أسرتها .. لكن "ياسمين" كانت ذكية .. فلم تكن تتحدث معهما أو مع غيرهما فى أمورها الخاصة .. حتى لا يتصيد أحد الأخطاء لها .. فكان الجميع يظن بأنها آنسه لم يسبق لها الزواج .. هى لم تكذب .. لكن هذا ما ظنوه .. وهى تركتهم وظنونهم .. قالت "شيماء" فجأة وكأنها تدلى بمعلومة خطيرة :
- تعرفوا مين اللي جه المزرعة امبارح ؟
قالت "مها" فى تعالى :
- أيوة طبعاً عرفت .. مش مستنياكى تعرفيني
نظرت "ياسمين" اليهما بعدم فهم , فقالت لها "شيماء" :
- البشمهندس "كرم" صاحب البشمهندس "عمر" و البشمهندس "أيمن"
أومأت "ياسمين" برأسها وقد تذكرت الرجل الذى رأته بصحبة " عمر " و "أيمن" يوم أمس
أكملت "شيماء" هامسه وهى تحنى قامتها الى الأمام :
- ده بأه غير الاتنين التانيين خالص .. دمه زى الشربات .. ومرح جداً .. وتحبي تتكلمى معاه .. ومش قفل زى البشمهندس "أيمن" .. ولا جد أوى زى البشمهندس "عمر"
اهتمت "ياسمين" بتناول طعامها وكأن الأمر لا يعنيها .. فقالت "مها" بهيام مصطنع :
- لا كله كوم و "عمر" كوم تانى خالص .. هو فى زى "عمر" .. ده مفيش منه إلا نسخة واحدة بس .. ومفيش راجل لا قلبه ولا بعده
شعرت "ياسمين" بالحنق لكنها تظاهرت بعدم الإهتمام وظلت محتفظه بتعبير اللامبالاة على وجهها
فأكملت "مها" قائله بخبث :
- هو فعلاً يبان عليه انه جد .. بس لما بكون عنده فى المكتب .. بحس انه بيفك خالص .. وبيحب الهزار جدا .. هو تقريباً بيركب الوش الخشب عشان الموظفين ميسوقوش فيها .. لكن مع الناس اللى بيعزهم بيكون حاجه تانية
شعرت "ياسمين" بأن حنقها وضيقها يتصاعد .. لكنها كانت مصره على ألا تظهر أى رد فعل لحديث "مها" .. بعد لحظات فوجئن بـ "عمر" يدخل الاستراحة .. نظرت "مها" اليه مبتسمه .. فتوجه الى طاولتهم .. نظرت "ياسمين" الى الطعام أمامها ولم تعيره أى اهتمام .. بمجرد أن وقف أمام طاولتهم قالت "مها" مبتسمه :
- ازيك يا بشمهندس "عمر" .. تعالى اتفضل معانا
تجاهلها "عمر" تماما ونظر الى "ياسمين" قائلاً :
- بعد اذنك يا دكتورة "ياسمين" خلصى أكلك ومستنيكي فى مكتبي
قال ذلك ثم انصرف .. شعرت "مها" بالحنق وتصاعدت الدماء لتلون وجهها باللون الأحمر .. ساد الصمت لفتره .. استأذنت "ياسمين" وقامت مغادره .. قالت "مها" بحنق :
- مش مكسوفين من نفسهم .. يجي يقولها تعاليلى المكتب .. وهى ما صدقت قامت جريت وراه
ضحكت "شيماء" قائله :
- الراجل أكيد عايزها فى شغل
قالت "مها" بغل :
- شغل آه ما هو واضح أوى نوعية الشغل ده
ابتسمت "شيماء" قائله :
- وانتى متغاظه ليه ؟
صاحت يغضب :
- وهتغاظ من ايه يعني .. معدش الا البتاعه دى اللى أتغاظ منها
وهبت واقفه وخرجت دون أن تكمل طعامها .
**************************
توجهت "ياسمين" الى مكتب "عمر" وهى تشعر بالتوتر وتتساءل .. عن ماذا يريد التحدث اليها .. طرقت الباب طرقات خفيفه ثم دخلت بعدما أتاها صوته :
- اتفضلى
دخلت ووقفت أمام المكتب فأشار برأسه الى الكرسي أمامه قائلاً بإبتسامه :
- ايه هتفضلى واقفه .. اتفضلى اعدى
جلست "ياسمين" فى انتظار ما سيقوله .. نظر اليها "عمر" متئملاً إياها .. شعر بقلبه يقفز من مكانه مرة أخرى .. أضاق عينيه يحاول ترجمة مشاعره .. أمعقول أنه ...؟ .. لماذا ؟ .. وكيف ؟ .. لماذا يشعر بهذا الحنان تجاهها .. والحنين اليها .. والرغبة فى القرب منه .. والنظر اليها .. والاستماع لها .. لماذا هى دون غيرها .. ألأنه يشفق على حالها وعما أصابها .. كلا .. ما يحرك قلبه شئ آخر غير الشفقة والعطف .. شئ شعر أنه لم يذقه يوماً .. طال صمته .. وزاد توترها .. فأخذت تتململ فى جلستها .. فأفاق "عمر" من شروده وتساؤلاته تنحنح قائلاً بهدوء :
- هى "ريهام" تعرف انجلش وكمبيوتر ؟
اندهشت لسؤاله فرفعت نظرها اليه فتلاقت نظراتهما .. شعرت بأن عينيه بحر عميق .. كانت تخشى الغرق فيهما .. فتجنبت النظر اليهما قائله :
- أيوة .. هى واخده كورسات فيهم
ابتسم قائلاً :
- طيب تمام .. احنا محتاجين سكرتيرة .. شريكي هيعد هنا فترة ومحتاج سكرتيرة عشان يقدر يتابع شغلنا اللى فى القاهرة
- يعني حضرتك تقصد ان "ريهام" تشتغل سكرتيره
- أيوة بالظبط كدة .. لما قالى انه محتاج سكرتيرة أنا فكرت فى أختك على طول
قالت له بإمتنان :
- متشكرة أولا على الثقه دى .. ثانياً أعتقد دى حاجه هتفرح "ريهام" لأنها بتمل من الأعده لوحدها طول النهار .. وكمان دى فرصة كويسة ليها عشان لو اضطرت انها تشتغل بعد كده
سألها قائلاً :
- وليه مطلبتيش منى قبل كده انى ألاقيلها شغل فى المزرعة
قالت بحرج :
- مرضتش أزعج حضرتك أكتر من كدة .. يعني كفاية ان حضرت وفرت شغل ليا ولوالدى كمان
ابتسم "عمر" قائلاً :
- مفيش ازعاج ولا حاجه .. قولتلك قبل كده لو احتجتى حاجه تعرفيني
ثم استطرد قائلاً :
- تمام يبقى اتفقنا .. خليها تيجيلى مكتبي بكرة الساعة 8 ان شاء الله .. ومتقلقيش عليها "كرم" صاحبي وعشرة عمر
ثم نظر اليها وابتسم بخبث قائلاً :
- بس تخليها تيجي 8 بالظبط ها .. يعني متجليش بدرى ربع ساعة وتتأمص انى سايبها أعده وبكمل شغلى
ابتسمت "ياسمين" رغماً عنها وتصاعدت حمرة الخجل الى وجنتيها .. شعرت بالحرج لتذكرها تسرعها فى هذا اليوم .. تأمل "عمر" وجهها بإبتسامه قائلا :
- تعرفى ان دى أول مرة فى حياتى أشوف بنت وشها بيحمر وبيحلو كده لما بتتكسف
نهضت "ياسمين" بسرعة قائله :
- ان شاء الله هتكون عند حضرتك فى المعاد
قالت ذلك وانصرفت .. هاربه
أخبرت "ياسمين" "ريهام" ووالدهما بعرض العمل الذى قدمه "عمر" الى "ريهام" .. فقال والدهما :
- والله راجل فيه الخير .. ربنا يوسع رزقه
صفقت "ريهام" فى مرح طفولى قائله :
- أخيراً هلاقى حاجه انشغل فيها .. ده أنا كنت قربت أتجنن من كتر البص للحيطه
قالت "ياسمين" وقد ابتسمت لسعاده أختها :
- معادك بكرة ان شاء الله الساعة 8 متتأخريش
- أتأخر ايه ده أنا هروح أبات على باب مكتبه من دلوقتى
ضحكت "ياسمين" .. وعانقتها "ريهام" فى حبور .. غادر والدهما الى غرفته .. فقالت "ياسمين" :
- عارفه مين اللى هتشتغلى معاه ؟
تساءلت "ريهام" بإهتمام :
- لأ ... مين ؟
- صاحب البشمهندس "عمر" اللى شوفناه من البلكونه امبارح
قالت "ريهام" بمرح :
- ااااه الواد الموز اللى واخد قلم فى نفسه ده
قالت لها "ياسمين" :
- "ريهام" مش عايزه جنان
قبلها "ريهام" قائله بمرح :
- متخفيش عليا دى أختك تجنن بلد
توجهت "ريهام" فى صباح اليوم التالى الى مكتب "عمر" الذى أخذها الى مكتب "كرم" نهض "كرم" بعد أن رآهما .. فقدمهما "عمر" لبعضهما البعض قائلاً :
- "كرم" دى الآنسه "ريهام" هتكون سكيرتيرتك طول فترة وجودك هنا .. انسه "ريهام" ده البشمهندس "كرم"
مد "كرم" يده ليسلم على "ريهام" قائلا بإبتسامه :
- أهلا بيكي يا آنسه "ريهام"
نظرت "ريهام" الى يده الممدوده ثم نظرت اليه قائله :
- أهلا بحضرتك
نظر "كرم" الى يده ثم اليها قائلاً :
- هفضل مادد ايدى كده كتير
تنحنح "عمر" وابتسم الى صديقه قائلاً :
- الآنسه مبتسلمش
نظر "كرم" الى صديقه ثم اليها وسحب يده ومسح بها على رقبته ورفع حاجبيه قائلاً :
- والله .. طب كويس
انصرف "عمر" وتركهما يبدأن عملهما .. أعطاها "كرم" تعليماته و آراها مكتبها :
- أهم حاجه عندى الالتزام بالمواعيد أنا باجى المكتب 8 .. عايزك 8 بالظبط موجوده مش عايز دقيقة تأخير ... اللى عايزه منك دلوقتى انك تجمعيلي كل الايميلات اللى محتاجه رد وتنسخيها عشان همليكى الرد اللى هتبعتيه لكل واحد فيهم .. فى أى مشكلة
قالت "ريهام" بجديه وهى تجلس على مكتبها :
- لا يا فندم .. هبدأ حالا
بدأت "ريهام" فى عملها بنشاط أنهت ما طلبه منها وتوجهت الى مكتبه .. طرقت الباب ثم دخلت .. وجدت "كرم" يتحدث فى الهاتف وقفت أمامه حتى أنهى مكالمته .. ثم قال :
- جمعتيم ؟
- أيوة يا فندم
أخذهم منها .. وأخذ فى املائها بالردود .. كانت سريعة فى الكتابة وهذا أسعده .. انتهت معه وذهب الى مكتبها لكتابه الردود واراسلها .. كانت فرحه تعمل بهمه وبدقه واتقان .. بعد لحظات طلبها "كرم" فتوجهت اليه .. قال دون أن يرفع عينيه عن الورق أمامه :
- هتلاقى عندك على الكمبيوتر ملف بإسم شركة الصباحى هاتيلى منه كل بياناتهم
قالت وهى تهم بالإنصراف :
- حاضر يا فندم
استوقفها "كرم" بإشارة من يده قائلاً وهو مازال منهمك فى الأوراق أمامه :
- اعمليلى قهوة دبل لو سمحتى
توقفت "ريهام" ونظرت اليه قائله :
- أفندم ؟
- قهوة دبل .. وبسرعة لو سمحتى
وقفت "ريهام" لحظات صامته وهى تشعر بالضيق .. ثم نظرت اليه وقالت بهدوء :
- أنا هنا سكرتيرة مش خدامه .. اعملها لنفسك أو اطلب من الفراش يعملها
قالت ذلك ثم توجهت الى الخارج ..رفع "كرم" رأسه ينظر الى الباب الذى خرجت منه للتو .. وهو يحاول استيعاب ما قالت .. جلست على مكتبها و قد بدأت فى البحث على الملف عندما أطل عليها قائلاً :
- انتى قولتى ايه دلوقتى ؟
نظرت اليه قائله وهى لاتزال جالسه فى مكتبها :
- قولت أنا سكرتيره مش خدامه
ثم أعادت النظر الى الكمبيوتر مرة أخرى
نظر اليها بغيظ ثم خرج وطلب من الفراش احضار قهوته وتوجه الى مكتبه ليكمل عمله
اتصلت "ياسمين" بـ "سماح" قائله :
- لو انتى فاضية حبه أعدى عليكي نتكلم شوية
قالت "سماح" بقلق :
- خير فى حاجه
تنهدت "ياسمين" قائله :
- لا أبدا متقلقيش .. بس حبه أتكلم معاكى .. هو زوجك هيرجع امتى
- لا النهاردة "أيمن" هييجى متأخر لانه خارج يتعشى بره مع صحابه
- طيب تمام هعدى عليكي الضهر كده
- وشغلك
- هاخد أجازة النهاردة .. وأصلا مفيش شغل كتير النهاردة
قالت "سماح" بقلق :
- قلقتيني يا "ياسمين"
طمأنتها قائله :
- قولتلك متقلقيش .. حبه بس أتكلم معاكى
- طيب هتعرفى تيجي لوحدك ؟
- أيوة الطريق سهل وكمان هركب مش همشى أكيد .. قوليلى بس أركب ايه وأنزل فين .. أنا عارفه شكل الشارع والعمارة بس معرفش اسم الشارع
أعطتها "سماح" العنوان .. وتوجهت "ياسمين" الى بيت صديقتها التى استقبلتها بالترحاب .. عادت من الطبخ بالعصير وقدمته الى صديقتها قائله :
- قوليلى بأه مالك فى ايه
أخذت "ياسمين" رشفه من العصير قائله :
- مفيش .. حبه أتكلم معاكى عامة .. مش فى حاجه محدده يعني
نظرت اليها "سماح" بإمعان .. ثم قالت :
- طيب مفيش مشكلة .. اتكملى
نظرت اليها "ياسمين" قائله :
- أخبارك ايه .. مبسوطة ؟
ابتسمت "سماح" قائله :
- الحمد لله .. أنا مكنتش أتمنى زوج أحسن من "أيمن" .. ربنا يباركلى فيه
ابتسمت "ياسمين" قائله :
- انتى يا "سماح" حد طيب أوى وتستاهلى كل خير .. مش الطيبون للطيبات .. كان لازم ربنا يرزقك بواحد زى "أيمن" .. لأنك تستاهليه
عانقت "سماح" صديقتها وابتسمت قائله :
- وانتى كمان طيبة وتستاهلى كل خير .. وبكرة ربنا يرزقك بواحد طيب زيك
ابتسمت "ياسمين" بضعف .. ساد الصمت بينهما لفتره .. كانت "سماح" تفهم صديقتها جيداً وتعلم بأن هناك ما يشغل بالها .. لكنها لم ترد الضغط عليها .. قطعت "ياسمين الصمت قائله :
- "سماح" عايزة أسألك عن حاجه
- خير يا حبيبتى اتفضلى
قالت "ياسمين" بشئ من التردد وهى تعبث بأصابعها بكوب العصير الذى بين يديها :
- صاحب جوزك ..
سألتها "سماح" :
- مين تقصدى ؟
قالت بأرتباك :
- اللى انا بشتغل فى مزرعته
- أيوة .. "عمر" .. ماله
قالت بإرتباك :
- تعرفى عنه ايه ؟
صمتت "سماح" قليلا ثم قالت :
- اللى أعرفه ان هو و"أيمن" وصاحب تالت ليهم اسمه " كرم" .. صحاب من أيام الجامعة .. و"أيمن" فضل على تواصل معاهم بعد ما سافر كل فترة .. بس فى اخر سنتين الاتصالات بينهم اتقطعت ..
تأملت "سماح" "ياسمين" قائله :
- بتسألى ليه ؟
قالت "ياسمين" وهى تتظاهر باللامبالاة :
- عادى .. فضول مش أكتر
لكن "سماح" شعرت بأن الأمر أكثر من مجرد فضول .
مكثت "ياسمين" ساعتين ثم همت بالإنصراف .. قالت لها "سماح :
- يا ابنتى متخليكي شوية كمان انتى جيتي فى ايه وماشية فى ايه
- معلش يا "سماح" عشان أروح قبل ما الدنيا تليل
- يا بنتى ده العصر لسه مأذنش والطريق للمزرعة ربع ساعة ولا تلت ساعة
- معلش هيجيلك مرة تانية ان شاء الله
- وأنا اللي كنت متعشمة اننا نتغدى مع بعض .. بجد انتى رخمه
ابتسمت "ياسمين" قائلا :
- هو بعد كل اللى انتى عماله تقدميهولى من ساعة ما جيت هيبقى فى مكان للأكل
- لأ اعملى احسابك المرة الجاية نتغدى سوا .. ممنوع اعذار
- خلاص اتفقنا
ودعت "ياسمين" صديقتها واستقلت السيارة المتوجهه الى المزرعة .. قبل أن تصل الى المزرعة بخمس دقائق تعطلت السيارة .. واضطرت أن تنزل هى والركاب للبحث عن سيارات قادمة فى هذا الاتجاه .. وقفت وهى متضايقه من ذلك المأذق .. سمعت صوت امرأة عجوز من على بعد عدة أمتار منها وهى تتحدث الى نفسها وتنتحب .. كانت فلاحه بسيطه .. توجهت اليها "ياسمين" قائله :
- فى حاجه يا حجه ؟
قالت لها باكية :
- الفرس هتموت .. الفرس هتموت منى
أشارت المرأة الى الفرس النائمة على جمبها فى ظل احدى الأشجار .. توجهت "ياسمين" الى الفرس لتجدها على مشارف الولادة .. فقالت للمرأة :
- دي بتولد
هتفت المرأة قائله :
- عارفة يا بنتى انها بتولد بس بألها ساعة بتتوجع ونايمة على جمبها ومش عارفه اتصرف .. والواد ابنى راح ينادى لجوزى ولسه مرجعش .. خايفه لتموت منى ..
تفحصت "ياسمين" الفرس لتجد كيس أحمر اللون ولا أثر للمهر .. فقالت للمرأة :
- مش هينفع نستنى أكتر .. دى عندها عسر ولاده ..لازم نقطع المشيمة ونولدها دلوقتى ..
أخذت المرأة تلطم وجهها قائله :
- عسر ولاده يعني هتموت
نهرتها "ياسمين" قائله :
- يا حجه حرام اللى انتى بتعمليه ده .. دوريلى على حاجه حاده يعني مقص سكينه أى حاجه حاميه ..
هرولت المرأة الى بيتها الذى يبعد أمتار قليلة وعادت حاملة مقص .. جلست "ياسمين" بجوار الفرس .. أخذت تمسح على جسمها بيدها وطلبت من المرأه أن تجلس بجوار رأس الفرس وتمرر يدها على وجهها لتطمئنها .. أخذت بقص المشيمة وحاولت مساعدتها على سحب المهر الى الخارج .. أثناء انهماكها فى عملها مرت سيارة "عمر" فى طريق عودته الى المزرعة .. لفت نظره الفتاة المنحنية على الفرس الراقد تحت ظل احدى الأشجار .. نظر الى الخلف ليتبين هيئة "ياسمين" .. عاد قليلاً الى الخلف وأوقف السيارة على جانب الطريق .. ونزل ليتبين الأمر .. ماذا تفعل هنا .. ومن تلك المرأة الجالسه بجوار المهر .. اقترب منهما .. وكانت "ياسمين" قد بلغ منها التعب مبلغه .. فلم تستطع بجسدها النحيل أداء المهمة بمفردها .. اقترب "عمر" قائلاً :
- بتعملى ايه هنا ؟
نظرت اليه وقالت بلهفة :
- بسرعة تعالى ساعدنى
وقف "عمر" لبرهه وكأنه لا يعى ما تقول .. فأعادت ما قالت بحده :
- بسرعة بقولك
جلس "عمر" الى جوارها ولا يدرى ماذا يصنع فأعطته قدم المهر .. وأمسكت هى بما ظهر من الجسم .. تحاول جذبه للخارج .. جذب "عمر" قدم الفرس بقوة فصاحت به :
- حاسب براحه مش كده .. فعل "عمر" كما تفعل هى .. استغرق الأمر قرابة الربع ساعة حتى ظهر المهر كاملاً .. كانت مهره جميلة ذات لون أسود فاحم .. أضفى لها جاذبيه خاصه .. حضنت "ياسمين" رأس المهره والابتسامه تعلو شفتيها ووضعتها برفق على الأرض .. سبحان الله الذى يخرج روح من روح .. وجسد من جسد .. وحياة من حياة .. تأمل "عمر" المهره والابتسامه تعلو شفتيه هو الآخر حاول أن يمسح على جسدها فأوقفته "ياسمين" قائله :
- استنى لازم مامتها تشمها وتنضفها الأول
سألها "عمر" فى دهشة :
-ليه
قالت مبتسمة وهى تنظر الى المهره الصغيره فى حنان :
- عشان تتعرف عليها
هشت المرأة وبشت وأخذت تزغرط وكأن ابنتها هى التى كانت تلد .. مثل هؤلاء الفلاحين البسطاء يعتزون بدوابهم جداً وكأنها فرد من أفراد أسرتهم .. خاصة لو كانت هى مصدر رزقهم ..
كانت ملابس "عمر" و "ياسمين" فى حالة يرثى لها من افرازات الولاده .. نظرت "ياسمين" الى ملابسها ولا تدرى ماذا تصنع .. كيف ستوقف سيارة بملابسها المتسخة لتعود الى المزرعة .. أخرجتها المرأة العجوز من حيرتها وقالت هاتفه فى فرح :
- احنا لازم نكرمكوا بركه ولاده المهر .. وتعالت الزغايد مرة أخرى .. عندئذ أقبل رجل كبير ومعه غلام صغير .. ضربت المرأة الغلام على رأسه قائلا :
- كل ده بتنادى لأبوك يا وله
قال الولد معتذرا :
- والله يامه دخت على مالقيته فى الغيط
أقبل الرجل فرحاً .. جلس بجوار الفرس وهو يمسح بيده على رأسها مردداً :
- اللهم لك الحمد والشكر
- قالت له زوجته :
- الهانم والبيه هما اللى ولدوا الفرسه يا حاج
قام الرجل الطيب من فوره ومد يده الى "عمر " قائلاً :
- جميلكوا ده على الراس والله
سلم عليه "عمر" قائلاً :
- مبروك عليكوا المهر
صححت "ياسمين" قائله :
- مهره
التفت الرجل الى "ياسمين" قائلا :
- مدام مهره وانتى اللى ولدتيها يبقى تتسمى على اسمك .. اسمك ايه ؟
ابتسمت "ياسمين" بخجل قائله :
- "ياسمين"
قال الرجل فى فرح :
- الله .. عاشت الأسامى يا ست "ياسمين" .. خلاص المهره نسميها "ياسمين"
سمعت "عمر" الواقف الى جوارها يقول لها مبتسماً :
- الحمد لله انه مطلعش مهر .. كان زمانهم سموه "عمر"
ضحكت "ياسمين" ضحكه خافته .. أصر الرجل والمرأة على تقديم واجب الضيافة لـ "ياسمين" و "عمر" .. وحلف الرجل بأغلظ الأيمان .. فإنصاع له الاثنان .. كان بيتهم ضعير مبنى بالطوب .. خرجت المرأة الى "ياسمين" حاملة جلباب مطوى وأعطته لها .. وأعطت جلبابا الى "عمر" .. نظرت "ياسمين" الى ما بيدها وقالت لها محرجه :
- متشكرة أوى بس .....
- ايه يا بنتى هتكسفيني ولا ايه .. ده احنا لو نطول نقدملكوا حته من السما كنا قدمناها
أدخلت المرأة "ياسمين" الى حجرة صغيرة تحتوى على فراش موضوع على الأرض علمت "ياسمين" أن هذه هى غرفة المرأة .. ارتدت "ياسمين" الجلباب النظيف ونظرت الى مرآه صغيره متآكله موضوعه على الأرض .. كان جلباب واسع ذو لون أخضر مطعم بالورود الصغيرة الحمراء وطرحه من نفس لون ونوع الجلباب .. نظرت "ياسمين" الى نفسها وضحكت ضحكة خافته لهيئتها التى لم تعتاد عليها
حملت "ياسمين" ملابسها المتسخة وخرجت من الغرفة .. لتقابل "عمر" فى مواجهتها وهو يخرج من غرفة أخرى .. نظرت اليه فرأته وقدر ارتدى جلبابا بدى قصيراً عليه نظراً لطول قامته .. لم تتمالك نفسها فإبتسمت ثم التفتت لتغلق باب الغرفة
نظر اليها "عمر" بخبث قائلاً :
- قبل ما تضحكى عليا بصى لنفسك فى المراية الأول
ثم ضحك ضحكة عالية .. طار لها قلبها .. أقبلت المرأة وتقدمت "عمر" الى حيث يجلس زوجها وابنها وقدمت لهم صنية بها كسر من الخبز الناشف وطبق عسل وطبق جبنه وبضع حبات الطماطم والخيار .. حلف الرجل وأقسم أن يأكل "عمر" ليرد اليه صنيعه .. جلست المرأة مع "ياسمين" وأخذت تقدم لها كسرات الخبز .. كانت المرأة سعيدة بما تقدمه لـ "ياسمين" وقالت لها :
- والله مقامك أكبر من كده يا بنتى .. بس احنا على أد حالنا زى ما انتى شايفه ..والحاج حالف اننا لازم نكرمك انتى والبيه .. يلا مدى ايدك وكلى متتكسفيش
أكلت "ياسمين" بنهم وهى تشعر بأن لهذا الطعام المقدم لها مذاقاً خاصاً وبركة خاصة .. كانت التجربة جديدة على "عمر" أيضاً لكنه شعر بسعادة وسكينة وهو جالس مع أولئك الناس البسطاء .. انهيا طعامهما وصليا العصر واستأذنا فى الإنصراف .. خرجت "ياسمين" بصحبة "عمر" ليتوجها الى الطريق .. اقترب "عمر "من سيارته .. فوقفت "ياسمين" .. التفت لها "عمر" قائلاً :
- تعالى أوصلك أنا راجع المزرعة
تمتمت "ياسمين" بخفوت :
- شكراً أنا هوقف عربية من على الطريق
ابتسم "عمر" ونظر اليها قائلاً :
- عارفه من ضمن الحاجات اللى عجبانى فيكي ايه ؟
خفق قلبها لوقع كلماته .. فأكمل قائلاً دون أن يرفع نظره عنها :
- انك يعتمد عليكي .. وبتعرفى تتحملى المسؤلية .. وشخصيتك قوية .. الواحد يسلم نفسه ليكي وهو مطمن
صمت لبرهه ثم قال :
- ده طبعا بالإضافه لحاجات تانية كتير أوى
نظرت "ياسمين" الى السيارات المارة بجوارها لتهرب من النظر اليها .. كانت تخشى أن يسمع صوت خفقات قلبها الذى يخفق بجنون .. فسألها بهدوء :
- هتعملى ايه ؟
ردت دون أن تنظر اليه :
- زى ما قولت هوقف عربيه
قال لها :
- لأ بلاش تركبي عربية من على الطريق فى الوقت ده خلاص الدنيا هتليل .. امشها أحسن المسافة مش كبيرة .. ربع ساعه بالكتير وتكونى فى المزرعة
نظرت اليه "ياسمين" بدهشة وقالت :
- بس أنا أخاف أمشى لوحدى فى الوقت ده المغرب خلاص هيأذن
نظر اليها وكأن عينيه تعانقانها وقال فى حنان :
- مش لوحدك ..
نظرت اليه مستفهمه فإستطرد قائلاً :
- همشى وراكى بالعربية
شعرت "ياسمين" بسعادة تغمر قلبها .. أهو خائف عليها حقاً .. أخرجها من أفكارها قائلاً بصوت خافت :
- أنا قولتلك بس عشان تبقى عارفه انى معاكى .. يعني اطمنى متخفيش
مشت "ياسمين" بضع خطوات فأوقفها صوته قائلا بمرح :
- مش تجيبى البؤجه اللى معاكى دى .. أحطها فى العربية أحسن
ابتسمت وهى نظرت الى ملابسها التى تحملها والتى لفتها على بعضها البعض قائله :
- لأ شكرا .. هشيلها أنا
ثم سارت فى طريقها .. ركب "عمر" سيارته وتبعها ..كانت كلما ابتعدت قليلا فى خطواتها سار بسيارته ووقف خلفها بخطوات ثم يتركها تسير لفترة ثم يعود ليقرب المسافة كلما بعدت .. كان يشعر بشئ واحد .. أن قلبه أصبح ملكاً خالصاً لتلك الفتاة التى تسير أمامه .. والتى يخاف عليها ويرغب فى حمايتها بأى شكل .. لأنها متربعه على عرش قلبه الذى ينبض بداخله .. شعر بسعادة لذيذة تسرى داخله .. وهو يراها أمامه .. ود لو أوقف السيارة ونزل ليعانقها عناقاً طويلاً لا ينتهى أبداً .. ظلت عينيه معلقة بها .. حتى عبرت الطريق ووصلت الى بوابة المزرعة .. كان قلب "ياسمين" يخفق بشدة طوال الطريق وهى تختلس النظر الى الخلف فتجده يسير بسيارته خلفها ببطء .. كانت الابتسامه واسعة على شفتيها .. حمدت ربها أنه يسير خلفها وليس أمامها .. حتى لا يرى تلك السعادة البادية على وجهها .. طرقت البوابة ففتح الغفير ونظر اليها قائلاً :
- مين انتى ؟
فنظرت اليه قائله :
- أنا دكتورة "ياسمين"
تذكر الرجل أنه رآها تخرج فى الصباح .. انتبه الى ملابسها ونظر اليها فى دهشة .. دخلت "ياسمين" والرجل يتبعها بنظراته ويمط شفتيه فى دهشة .. كاد أن يغلق البوابة عندما سمع صوت زمور سيارة "عمر" فالتفت اليه ليجد رجلا يرتدى جلبابا فصاح قائلا :
- انت مين ؟
أخرج "عمر" رأسه من السيارة قائلاً :
- افتح أنا البشمهندس "عمر"
فأسرع الرجل بفتح البوابة على مسرعيها مرددا :
- اتفضلى يا بيه .. لا مؤاخذه ..
نظر الرجل الى ملابس "عمر" والسيارة تمر أمامه فضرب كفاً على كف وهو يفتح فمه فى دهشة
دخلت "ياسمين" الى غرفتها .. رأتها "ريهام" فهبت واقفه .. نظرت اليها فى دهشة قائله :
- ايه يا "ياسمين" فينك موبايلك مقفول ليه .. قلقتينى عليكي .. وايه اللى انتى مهبباه فى نفسك ده
قالت "ياسمين" وهى تخرج هاتفها وتضعه فى الشاحن :
- الموبايل فصل شحن معلش
هتفت "ريهام" بدهشة قائله :
- ايه اللى انتى لابساه ده .. عامله زى اللى جايه من ورا الجاموسه .. انتى آه دكتورة بيطرية بس مش لدرجة النيو لوك ده يا "ياسمين" هتفضحينا
ضحكت "ياسمين" وأخذت تقص على أختها الأحداث الغريبة التى مرت بها
دخل "عمر" بيت المزرعة ليجد نور مكتبه مضاءاً .. ترك الملابس المتسخة من يده على المقعد وتوجه الى المكتب .. ليرى "أيمن" جالس أمام الحاسوب .. نظر "أيمن" الى صديقه وانفجر ضاحكاً :
- ايه يا "عمر" اللى انت لابسه ده .. انت بقيت أبا العمده ولا ايه
- لا يا خفيف هدومى اتوسخت .. وملقتش حاجه ألبسها غير الجلبيه دى
قام "أيمن" من على المكتب ونظر الى صديقه وهو لا يستطيع وقف ضحكاته قائلاً :
- وكمان قصيره .. عارف بتفكرنى بمين .. جاموسة راحت تقابل جاموسة يا عيني ملقتهاش جاموسة لقتها بقرة يا عيني يا ليييييل
ضحك الصديقان فى مرح .. وتركه "عمر" وذهب الى غرفته ليأخذ دشاً .. وصورة "ياسمين" لا تفارق رأسه
****************************
فى صباح اليوم التالى دخل "كرم" مكتب "ريهام" قبل التوجه الى مكتبه لإعطائها بعض التعليمات .. بمجرد أن دخل هبت "ريهام" واقفة وعلامات الغضب على وجهها .. قال "كرم" :
- صباح الخير يا آنسه "ريهام"
لم تجب بل نظرت الى ساعتها وهتفت فى حنق :
- حضرتك جاى متأخر 3 ساعات ونص
نظر لها فى دهشة قائلاً :
- نعم ؟
قالت بهدوء ممزوج بالغضب :
- معاد حضرتك فى المكتب الساعة 8 .. وحضرتك فى أول يوم نبهت عليا انى آجى فى معادى ومتأخرش .. حضرتك اتأخرت 3 ساعات ونص وأنا اعده فى المكتب لوحدى ومش لاقيه أى حاجه أعملها .. طيب كنت قولى انك هتتأخر كنت روحت جبت كتاب ذاكرتلى كلمتين ينفعونى ولا كنت عملت أى حاجه مفيدة بدل الوقت الضايع ده
نظر "كرم" الى أعلى وأغمض عينيه وحاول تمالك أعصابه ثم نظر اليها قائلا :
- أنا آسف يا آنسه "ريهام" ان شاء الله لو حبيت اتأخر المرة الجاى هبقى أبلغ حضرتك
ثم تركها وذهب الى مكتبه وهو يحرك رأسه يميناً ويساراً فى بغيظ .. بعد فترة طلبها "كرم" لتحضر له بريد اليوم ليملي عليها الرد عليه .. ذهبت اليه ووقفت أمام المكتب أعطته الأوراق وانتظرت ما سيمليه عليها .. حانت منه التفاته اليها قائلاً :
- هو حضرتك مينفعش تبتسمى ؟
قالت له بجديه :
- نعم
- تبتسمى تبتسمى .. يعني تعملى كده
ابتسم ابتسامه صفراء أظهرت أسنانه .. ثم قال لها :
- أى سكرتيره بتبتسم فى وش المدير بتاعها
قالت "ريهام" فى هدوء :
- أنا كده مبحبش أبتسم
ثم نظرت الى الأجنده التى تحملها قائلاً :
- حضرتك مش هتملينى الردود
أنتهى "كرم" من تمليتها وقبل أن تغادر قال لها .. وهو يفحص احدى الملفات أمامه :
- انتى دايما بتنسي الباب مفتوح وانتى دخلالى المكتب .. متبقيش تنسى تقفليه
قالت له ببرود :
- لأ أنا مبنساش أقفله .. أنا متعمده أسيبه مفتوح
رفع نظره اليها قائلا :
- ليه ان شاء الله
قالت بنفس البرود :
- عشان ميبقاش فى خلوة ..
نظر لها بعدم فهم للحظات .. ثم قال بسخريه :
- آه عشان الشيطان ثالثهما والجو ده يعني .. لا يا آنسه "ريهام" فى حالتك دى الشيطان هيخاف يهوب هنا أصلا
قالت له بحده :
- نعم ؟ .. حضرتك بتقول ايه
قال بسرعة :
- بقولك اطبعى الورق اللى اديتهولك 3 نسخ ايه مبتسمعيش .. يلا بسرعة
نظرت له "ريهام" بغيظ ثم خرجت لتكمل عملها ... فى اليوم التالى حضر "كرم" الى مكتب "ريهام" قبل أن يمر على مكتبه .. دخل فرفعت رأسها تنظر اليه فأشار الى ساعته قائلاً :
- الساعة 8 يعني فى معادى بالظبط ..
أشاحت بوجهها دون أن ترد .. فنظر اليها قائلاً بحسره :
- على رأى المثل "تأتى الرياح .. محملة بالأتربة "
خرج من المكتب فلم تتمالك "ريهام" نفسها فابتسمت .. فدخل مرة أخرى بسرعة قائلا :
- ما احنا بنبتسم زى البنى آدمين أهو .. وابتسامتنا حلوة كمان
تحدثت اليه بجديه قائلاً :
- بشمهندس "كرم" .. اتفضل على مكتبك لو سمحت
أحنى رأسه قائلاً بسخرية :
- تحت أمرك يا آنسه "ريهام"
*********************
جلس الأصدقاء الثلاثة معاً فى مكتب "عمر" فهتف "كرم" قائلاً :
- ايه يا جماعة السكرتيرة اللى انتوا جايبينهالى دى ؟ .. أنا عايز بس أفهم حاجه واحدة هو انتوا مشغلين السكرتيرة دى عندى ولا مشغليني أنا عندها
سأله "عمر" مبتسماً :
- ليه ايه اللى حصل ؟
قال "كرم" وهو يضرب كفاً بكف :
- أقولها اقفلى الباب تقولى خلوة .. أقولها ابتسمى تقولى أنا كده مبتسمش .. أقولها اعمليلي قهوة تقولى أنا سكرتيرة مش خدامه
ضحك "ايمن" و "عمر" .. فهتف "كرم" قائلاً :
- لا استنوا خدوا التقبله .. لقتيها بتزعقلى وكان هاين عليها تاخدنى ألمين عشان اتاخرت عن معادى .. أنا خايف أروح بكرة الشغل ألاقيها جيبالى دفتر حضور وانصراف
ضحك "عمر " قائلاً :
- أختها برده معلمانى الأدب
- هى أختها برده سكرتيره ؟
- لأ .. دكتورة بيطرية
ابتسم "أيمن" قائلاً :
- والله بنتين ميه ميه
نظر "كرم" الى ساعته ثم قام لينصرف .. فسأله "عمر" :
- على فين ؟
نظر اليه قائلاً بسخريه :
- استراحة الغدا خلصت .. خايف أروحلها متأخر تخصملى يوم من مرتبي
↚
هبت نسمات الصباح لتداعب وجه "ياسمين" الجالسه على جذع شجرتها .. أصبح هذا المكان الصغير هو عالمها الخاص .. الذى تشعر فيه بالراحه والسكينه .. كانت تستيقظ باكره وتأتى اليه قبل الذهاب الى عملها .. كأن بينهما موعداً أبدياً لا ينقطع .. جلست فى ذلك اليوم تفكر .. تُرى كيف ستنتهى قضيتها .. وهل ستنتهى بالفعل من الجلسة الأولى التى من المقرر أن تكون بعد ثلاثة أيام ؟ .. أم ستضطر الى الإنتظار جلسات أخرى .. كانت لا تستطيع تحمل الإنتظار فترة أطول من ذلك لتتخلص من ذذلك المدعو زوجها وتلقى بذكرياته فى بئر عميق وتردم فوقه التراب .. لتمحيه من ذاكرتها تماماً وكأنه لم يكن ...
ثم عادت لتفكر تُرى ماذا يفعل "مصطفى" الآن .. أمازال يبحث عنها .. أمازال يتوعدها بالإنتقام .. أمازال يرغب فى أذيتها وعودتها اليه .. كانت سابحه وسط كل تلك الأفكار عندما قفزت صورته فجأة الى رأسها .. صورة "عمر" .. تذكرته عندما ساعدها فى ولادة المهره .. ابتسمت لتلك الذكري .. لم تكن تتوقع أنها ستراه يوماً فى هذا الوضع .. بدا طيباً حنوناً يرغب فى مساعدتها ولا يتذمر أو يتأفف .. بدا لها شخص متواضع للغاية جعلها للحظات تنسى من هو .. وماذا يملك .. انه مجرد شخصاً بسيطاً مثلها .. شعرت أن ذكرى هذا اليوم محفورة فى ذاكرتها ولن تنساه أبداً .. تذكرت وقت العودة عندما أصر على السير بسيارته خلفها .. مازالت فى حيره من أمرها .. لماذا فعل ذلك .. أمن المعقول ان كل ما يفعله لأجلها فقط لأنها صديقه زوجة صديقه .. أم بسبب تلك الحادثه .. حدثها قلبها بأن هناك سبباً آخر .. سبباً يلقى صداه فى قلبها .. أمعقول أنه ..... توقفت عن الاسترسال فى أفكارها عند تلك النقطة .. كانت تحاول بقدر الإمكان تجاهل مشاعرها وما يعتمل داخل صدرها .. هى لم تخرج بعد من تجربة كادت أن تدمرها .. لا تريد ترك نفسها لتنساق خلف تجربة أخرى غير واضحة المعالم .. لن يتأذى فيها الا قلبها .. وقلبها لم يعد يحتمل الألم .. نهضت لتتوجه الى عملها .. وعندما اقتربت من المبنى .. تسمرت فى مكانها .. كان واقفاً هناك .. يضع يديه فى جيب بنطاله ويعبث بشئ على الأرض بطرف حذائه .. شعرت بالحنق على تلك النبضات التى تتسارع كلما رأته .. نظرت أمامها وسارت بهدوء وكأنها لا تراه .. رفع رأسه فرآها .. ابتسم لها .. لم تبادله الابتسام .. عندما اقتربت منه أوقفها قائلاً :
- صباح الخير
قالت بصوت خافت :
- صباح النور
همت بأن تواصل طريقها لكنه أوقفها بإشارة من يده قائلاً :
- استنى لو سمحتى عايز أسألك عن حاجة
قالت وهى تتوجس منه خيفه :
- اتفضل
بدا مترددا قليلا .. ثم قال :
- معاد قضيتك اتحدد أنا عرفت من "أيمن" .. الجلسه بعد 3 أيام ..
شعرت بالدهشة لإهتمامه بمعرفة معاد الجلسة .. أم أن "أيمن" هو الذى تطوع وأخبره .. أكمل قائلاً :
- انتى هتروحى مع والدك أكيد مش كدة؟
أومأت برأسها قائله :
- أيوة .. "ريهام" هتفضل هنا
نظر " عمر" اليها قائلاً :
- أنا حابب آجى معاكوا
نظرت اليه بدهشة قائله :
- ليه ؟
ابتسم بحنان قائلاً :
- عشان ما تتبهدلوش فى المواصلات لوحدكوا
قالت له بجديه :
- مفيش داعى يا بشمهندس .. أنا ووالدى هنروح لوحدنا
تأملها قائلا :
- مش عايزانى آجى معاكى ؟
قالت ببرود :
- لأ .. زى ما قولت لحضرتك مفيش داعى .. وكمان أنا مش عايزه وجودك يسببلى مشاكل
صمت قليلا ثم قال بضيق :
- طيب .. زى ما تحبي ..
قال ذلك ثم تركها وانصرف .. ودخلت هى وبدأت فى أداء عملها .. وعقلها مشغول بسر اهتمامه بها
*********************
" تسلم ايدك يا "ريهام" .. سرعة واتقان "
قال "كرم" هذه العبارة وهو يتأمل الورق الذى قدمته اليه .. ابتسمت لإطراءه قائله :
- شكراً
نظر اليها قائلاً :
- اخيرا ابتسمنا
اختفت ابتسامتها وعادت ملامحها الى الجديه مرة أخرى .. فنظر اليها قائلا بمرح :
- طفتيها ليه ماكانت منوره
استأذنته قائله :
- حضرتك تطلب حاجة تاني
أرجع ظهره واستند به على مقعده ونظر اليها قائلاً :
- أنا عرفت ان أختك دكتورة بيطرية وبتشتغل هنا فى المزرعة
أومأت "ريهام" برأسها قاله :
- أيوة .. ووالدى كمان
نظر "كرم" اليها بدهشة قائلاً :
- والدك كمان بيشتغل هنا فى المزرعة
- أيوة .. مسؤول عن مخزن العلف
اندهش "كرم" .. لكنه لم يزيد فى الأسئله .. وقبل أن تنصرف قال لها :
- ممكن يا آنسه "ريهام" تطلبى من الفراش يعملى قهوة
ثم نظر اليها مستعطفاً اياها قائلاً :
- بصراحة مكسل أقوم .. خليكي جدعه واطلبيهالى
هزت رأسها وخرجت من مكتبه وعيناه تتابعانها
***********************
جلست "سماح" بجوار زوجها الذى يطوقها بذراعه واضعه رأسها على صدره يشاهدان أحد البرامج فى التلفاز .. انتهى البرنامج فالتفتت اليه "سماح" قائله :
- "أيمن" عايزه أسألك عن حاجه
نظر اليها "أيمن" قائلاً :
- قولى يا حبيبتى
اعتدلت فى جلستها ونظرت اليه قائله :
- ايه أخبار "عمر" صحبك .. مفيش جديد ؟
نظر اليها بإستغراب قائلاً :
- جديد من حيث ايه ؟
- يعني .. انت كنت قولتلى انه خاطب
- أيوة وقولتلك انه فسخ
قالت "سماح" بإهتمام :
- يعني مبيفكرش يرجعلها
قال "أيمن" بثقه :
- مستحيل يرجعلها .. أصلا ربنا نجاه منها
صمتت "سماح" قليلا تفكر فى كلامه ثم قالت :
- ومبيفكرش يخطب قريب ؟
تفرس "أيمن" فيها قائلاً بإبتسامه خبيثه :
- انتى عايزه تعرفى ايه بالظبط ؟
أمسكت الريموت وانشغلت بالتقليب فى القنوات قائله :
- هكون عايزه أعرف ايه يعني
التفت اليها "أيمن" ونظر اليها قائلاً :
- طيب أنا عايز أسألك عن حاجه
نظرت اليه فقال لها :
- هى "ياسمين" لسه حسه بحاجه ناحية زوجها
نظرت اليه بدهشة قائله :
- حسه بحاجه يعني ايه ؟
حثها قائلا :
- يعني لسه بتحبه ؟ والقضية اللى رفعتها كانت عشان كرامته مثلا
هتفت "سماح" قائله:
- "أيمن" .. "ياسمين" مكنتش بتحب "مصطفى" أصلاً ..حتى من قبل ما يضربها ويخونها
قال فى دهشه :
- ازاى يعني
- زى ما بقولك مكنتش بتحبه ولا حتى كانت بترتحله .. باباها هو اللى جوزهولها وهى مكنتش عايزه تتجوز
عقد ما بين حاجبيه وسألها مستفهماً :
- وليه باباها عمل كده ؟
تنهدت فى حسره قائله :
- عشان مامتها ماتت فجأة .. والبنتين ملهمش حد .. مقطوعين من شجرة.. "مصطفى" كان عايز يتجوز بسرعة .. ووالدها وافق .. عشان يطمن عليها لو حصله حاجه
فكر "أيمن" قليلا ثم قال :
- منطق غريب .. يعنى أجوز بنتى لواحد هى مش مرتحاله .. عشان أطمن عليها أما أموت
- هو تفكيره وصله لكده .. هو بيحبها جدا هى و "ريهام" وأنا واثقه ان ده من خوفه عليها .. زى الدبه اللى قتلت صاحبها من كتر حبها فيه
صمت "أيمن" قليلا يفكر فيما قالته "سماح" .. ثم قال :
- ربنا يخلصها منه .. وتكسب القضية
قالت "سماح" بحماس :
- أنا واثقه انها ان شاء الله هتكسبها وهتطلق منه .. مفيش قاضى عنده ضمير ممكن يرفض انه يطلقها من واحد حقير زى ده .. ده كان عايز يغتصبها
هتف "أيمن" بدهشة :
- انتى بتتكملى بجد .. ازاى يعني ؟
قالت وهى تشعر بالإحتقار تجاه "مصطفى" :
- واحد لا عنده دين ولا أخلاق ... كان عايز ياخد حقه غصب عنها .. وبعد ما ضربها كمان .. لولا ان واحد من الجيران خلصها منه
ثم استطردت قائله :
- أصلاً أنا نسيت أقولك .. هى أصلاً لسه ........
قاطعها جرس هاتف "أيمن" .. رد "أيمن" قائلاً بمرح :
- ياريتنى كنت جبت سيرة جنية فضه
أتاه صوت "عمر" ضاحكاً :
- وأنا أقول عمال أشرق من الصبح ليه .. أتاريك عمال تقطع فى فروتى
- بالخير يا باشا
- بقولك ايه انت وراك حاجة يوم الأربع
قال "أيمن" بدهشة :
- يوم الأربع .. عادى يعني ورايا الشغل العادى بتاع كل يوم .. ليه فى حاجه
بدا "عمر" مترددا قليلا .. ثم قال بجديه :
- "أيمن" عايزك تروح مع "ياسمين" ووالدها المحكمة
ابتسم "أيمن" ونظر الى "سماح" التى كانت تتابع ردود "أيمن" بإهتمام :
- اشمعنى يعني ؟
- هى رافضه انى أروح معاهم .. بس لو انت عرضت على والدها أعتقد مش هيرفض
- أيوة يعني انت هتستفاد ايه من كده ؟
قالت "عمر" بنفاذ صبر :
- عشان أبقى متابع معاك أول بأول يا "أيمن"
ابتسم "أيمن" بخبث قائلاً :
- هو الموضوع يهمك أوى كده ؟
ساد الصمت لفتره .. ثم أتاه صوت "عمر" قائلاً :
- أيوة .. يهمني
اتسعت ابتسامة "أيمن" قائلاً :
- خلاص مفيش مشكلة .. حتى آخد "سماح" بالمرة أهى تبقى جمبها
رفعت "سماح" حاجبيها بدهشة .. أنهى "أيمن" مكالمته فقالت له بلهفة :
- قالك ايه "عمر" .. وهتاخدنى فين ؟
قال "أيمن" وهو مازال محتفظاً بإبتسامته :
- "عمر" طلب منى انى أوصل "ياسمين" ووالدها المحكمة
بدت الابتسامه على وجه "سماح" قائله بخبث :
- وايه سر اهتمامه ده
قال "أيمن" بخبث مماثل :
- الله أعلم .. يمكن شفقه
تلاشت ابتسامة "سماح" وقالت فى حنق :
- ليه بأه ان شاء الله .. هى "ياسمين" ناقصة ايد ولا ناقصة رجل .. عشان يحس نحيتها بالشفقه
ضحك " أيمن" قائلاً :
- طيب قومى حضريلنا العشا .. وسيبى الأكل يستوى على نار هادية
وغمز بعينه قائلاً :
- فهمانى طبعاً
ابتسمت ونهضت لتحضر طعام العشاء.
دخل "كرم" شرفة بيت المزرعة ليجد "عمر" واقف فى الظلام شارداً .. اقترب منه ووضع أمامه على سور الشرفة أحد الأكواب الساخنة التى يحملها والتى تتصاعد منها الأبخرة .. نظر "عمر" الى صديقه ثم أخذ الكوب بين يديه .. تناول "كرم" رشفه من كوبه .. ثم نظر الى "عمر" قائلاً :
- شكلها ايه ؟
نظر اليه "عمر" بدهشة قائلاً :
- هى مين دى ؟
قال "كرم" بخبث :
- اللى واكله عقلك
ابتسم "عمر" وأخذ يتأمل ما أمامه مرة أخرى .. وقف "كرم" بجواره مستنداً على السور ومال على صديقه قائلاً :
- أهم حاجه انك متتسرعش .. عشان متقعش تانى فى واحدة متستاهلش
التفت "عمر" اليه وقال بسرعة :
- لأ دى مش زى أى حد
صفق "كرم" بيديه وهتف بمرح :
- يا سلام عليك يا واد يا "كرم" .. لعييييييييييب .. تخرج المعلومة من بق الأسد
ضحك "عمر" فأكمل "كرم" بمرح :
- قول يا حبيبى قول .. عايزك تطلع كل اللى جواك .. عايزك تستفرغ كل اللى عندك
ضحك "عمر" قائلاً :
- روح الله يقرفك
- يلا .. خلص
صمت "عمر" وأخذ نفساً عميقاً .. وبعد برهه بدأ الحديث قائلاً :
- مستألنيش اشمعنى هى .. لانى مش عارف تحديدا .. بنت عمرى ما قبلت زيها ..
ابتسم "كرم" ونظر الى صديقه قائلاً :
- ايه أكتر حاجه عجباك فيها
ابتسم "عمر" وهو يستحضر صورة "ياسمين" فى خياله قائلاً :
- طيبتها .. حنيتها .. رقتها .. خجلها .. ضعفها .. قوتها .. أدبها .. أخلاقها .. طباعها .. حتى ملامحها .. كل حاجه فيها بتجذبنى .. فضلت تتسلل لقلبي بهدوء وببطء لحد ما اتمكنت منه ..
نظر الى "كرم" قائلاً :
- عارف يا "كرم" .. أنا كنت بحب "نانسي" .. بس الاحساس اللى أنا حسه دلوقتى .. مختلف تماماً
سأله "كرم" قائلاً :
- ازاى مختلف ؟
شرد "عمر" قليلا ثم قال :
- لما حبيت "نانسي" حبيت فيها البنت الدلوعه الجميله المرحه .. بس كده .. كانت بتعجبنى .. من بره بس .. حبيت اللى أنا شايفه منها بس .. لكن "ياسمين" ..
صمت قليلا ثم ابتسم قائلاً :
- احساسى نحيتها حاجه تانية خالص .. عارف يا "كرم" لما بشوفها بحس انى خايف عليها أوى .. بحس انى ملهوف عليها أوى .. بحس انى شايف قلبها .. وحسه .. وسامع دقاته ..
التف الى صديقه قائلاً :
- تصور يا "كرم" عمرها مسمحت لجوزها انه يلمس ايدها لما كانت مخطوباله
هتف "كرم" ينظر الى صديقه قائلاً :
- نعم يا اخويا ... هى متجوزة ؟
قال "عمر" بأسى :
- أيوة
صاح "كرم" قائلاً :
- "عمر" انت اتهبلت فى عقلك .. معجب بواحدة متجوزة
هتف "عمر" بنفاذ صبر :
- اصبر يا بنى آدم وانت تفهم
ثم استطرد قائلاً :
- هى رافعة قضية خلع على جوزها .. لأنه خانها وضربها .. هى أصلا متجوزتش الا شهر واحد بس
سأله "كرم" بإستغراب :
- وانت شوفتها فين ولا عرفتها منين ؟
- ما هى أخت سكيرتيرتك
هتف "كرم" قائلاً :
- نعم
صمت قليلا ثم قال :
- لأ واحدة واحدة كده .. وترسيني على الدور من أوله
شرح له "عمر" كل ما يعرفه عن "ياسمين" وأهلها .. وهروبهم من "مصطفى" والعمل فى مزرعته .. ثم استطرد قائلاً :
- كمان يومين هيكون النطق بالحكم
قال "كرم" بجديه :
- "عمر" متعلقش نفسك عشان متقعش على جدور رقبتك .. افرض القاضى محكملهاش بالطلاق ورجعت تانى لجوزها
صاح "عمر" غاضباً :
- هو أنا كنت بحكيلك كل ده عشان تيجي تحبطنى يا "كرم" .. أنا مش ناقصك .. كفايه النار اللى قايده جوايا بسبب جوازها .. أنا عمرى ما كنت أتخيل انى ممكن أفكر فى واحدة كانت متجوزة قبل كده .. انت عارف انى غيور جدا .. بموت من الغيرة .. وعلى دى بالذات أنا واثق انى غيرتى عليها هتبقى أضعاف ما كنت بغير على "نانسي" .. فلو سمحت أنا مش ناقص تحرقلى دمى بكلامك
ثم تركه "عمر " ودلف الى الداخل.
فى استراحت الغداء كانت "شيماء" تتناول غدائها بمفردها .. فجأة أتت "مها" وأزاحت احدى الكراسي على طاولتها بعنف وجلست ووضعت طعامها أمامها .. نظرت اليها "شيماء" قائله :
- مالك جايه بزعابيبك كده ليه
نظرت اليها "مها" هاتفه بغضب :
- شوفتى اللى حصل .. الهانم اخت البرنسيسه اشتغلت سكرتيره عند الباشا
نظرت لها "شيماء" بعدم فهم قائله :
- ايه ؟ .. أقطع دراعى ان كنت فهمت
قالت "مها" بغل :
- "ريهام" .. أخت الدكتورة "ياسمين" .. اشتغلت سكرتيرة عند البشمهندس "كرم"
قالت "شيماء" :
- عادى وفيها ايه يعني
نظرت اليها "مها" بحنق قائله :
- هى تشتغل تحت ايد دكتور "حسن" ومش بس كدة يبقى لها طالب كمان وعايشه فى دور الأستاذة أم علم غزير ... وأبوها .. يمسكوه مخازن العلف ودى شغلانه مبيجبوش فيها الا حد واثقين فيه .. وأختها بقت سكرتيرة للباشمهندس "كرم" وهى اصلا لسه حتى عيله متخرجتش .. كل ده وتقوليلى عادى .. لأ طبعا مش عادى
سألتها "شيماء" بإهتمام :
- أمال تفتكرى ايه الحكايه يعنى ؟
قالت "مها" بحزم :
- مش عارفه .. بس هعرف
********************
كانت "ريهام" مغادره المكتب الى غرفتها بعد انتهاء عملها عندما وجدت "هانى" يستوقفها قائلاً بإبتسامه :
- ازيك يا آنسه "ريهام"
نظرت اليه قائله :
- أفندم ؟
استطرد قائلاً :
- أنا "هانى" .. أختك بتساعدنى فى شرح الحالات اللي موجودة فى المزرعة
نظرت اليه قائله :
- يعني أنا أعمل ايه يعني ؟
تنحنح قائلاً :
- أنا بس كنت عايز أعرف انتى فى سنة كام .. ولا خلصتى كلية .. أصل شكلك صغير
صاحت "ريهام" قائله :
- ايه ده احنا هنتصاحب ولا ايه
ثم تركته وانصرفت .. كان "كرم" الذى خرج من المكتب بعدها يتابع المشهد من بعيد فإقترب من "هانى" ووضع يده على كتفه قائلاً :
- انت مين يا ابنى انت ؟
التفت اليه "هانى" قائلاً :
- أنا "هانى شاكر"
قال "كرم" ببرود :
- وأنا "فيروز" .. أيوة يعني انت مين يعني .. بتبيع ايه هنا فى المزرعة ؟
قال "هانى" وقد شعر الإهانه :
- ايه ببيع دى .. أنا طالب
قال له "كرم" بسخريه :
- طب يلا على فصلك
ثم تركه وانصرف
فى الصباح توجهت "مها" الى مكان عمل "عبد الحميد" فى مخزن العلف .. اقتربت منه قائله :
- صباح الخير يا عم "عبد الحميد "
التفت اليها "عبد الحميد" قائلاً :
- صباح الخير يا بنتى
قالت "مها" :
- كنت عايزة أسأل هو العلف الجديد اللى طلبه البشمهندس "أيمن" وصل ولا لسه ؟
قال "عبد الحميد" بحيره :
- معنديش فكرة يا بنتى ان فى علف جديد هيدخل المخزن محدش جبلى سيره
قالت بخبث :
- خلاص مش مشكلة يا عم "عبد الحميد" يمكن أنا اللى فهمت غلطت
ثم تظاهرت بأنها تهم بالإنصراف والتفتت اليه مرة أخرى قائله :
- صحيح يا عم "عبد الحميد" ازى الدكتورة "ياسمين" هتيجي الشغل النهاردة ؟
قال "عبد الحميد" :
- الحمد لله يا بنتى كويسة .. وهى مبتغيبش أبدا ونزلت معايا الصبح يعني تلاقيها دلوقتى فى مكتبها أو بتتابع حالة من الحالات
قالت "مها" بخبث :
- أنا سألتك عليها لانى شيفاها حالها مش عاجبنى اليومين دول
نظر اليها "عبد الحميد" قائلاً :
- انتى صحبتها
أسرعت قائله :
- أيوة طبعا صحبتها ..ربنا يعلم أنا بحب "ياسمين" أد ايه بعتبرها زى أختى .. أه والله يا عم "عبد الحميد" عشان كده عايزه أطمن عليها
قال "عبد الحميد" بأسى :
- يمكن بس هى متوترة شوية عشان قضيتها
تساءلت "مها" بلهفة :
- قضية ايه ؟
تنهد تنهيده عميقة ثم قال بصوت حزين :
- قضية طلاقها يا بنتى
ظهرت علامات الدهشة على وجهها .. لكنها تمالكت نفسها قائله بلهفه :
- أيوة أكيد الموضوع قالقها أوى
قال "عبد الحميد" :
- خلاص هانت كلها يومين وتخلص من المدعوء جوزها
سألته "مها" قائله :
- هو انتوا قرايب البشمهندس "عمر"
أسرع "عبد الحميد" قائلاً :
- لا يا بنتى قرايبه ايه .. احنا فين وهو فين .. تقدرى تقولى معرفة من بعيد .. وهو الله يباركله جبنا هنا المزرعة عشان اللى ميتسماش "مصطفى" جوز "ياسمين" كان عايز يرجعها بيته غصب عنها
رفعت حاجبها وقالت بلوءم :
- وطبعا البشمهندس "عمر" جبها هنا عشان يخبيها منه
قال "عبد الحميد" :
- أيوة الله يباركله حمانا فى مزرعته وشغلنا فيها كمان
صمتت "مها" قليلا وهى شارده ثم التفتت اليه قائله :
- شكرا يا عم "عبد الحميد" .. شكراً أوى
ثم غادرت وتوجهت الى الاسطبلات حيث تعمل "شيماء" جذبتها من ذراعها وأخرجتها من المكان ووقفت فى مواجهتها .. قالت "شيماء" :
- ايه يا بنتى فى ايه انتى سحبه بقرة وراكى
قالت "مها" بتشفى :
- شوفتى مش قولتلك ان البت دى وراها سر هى وأهلها
سألتها "ِشيماء" قائله :
- بت مين ؟
- الدكتورة "ياسمين"
ثم استطردت "مها" قائله وعلامات الحقد على وجهها :
- طلعت يختى متجوزه .. وهربانه من جوزها .. و"عمر" أبو قلب رهيف مخبيها هى وأهلها هنا فى المزرعة عشان جوزها ميوصلهاش
ظهرت علامات الدهشة على وجه "شيماء" وهتفت قائله :
- مش ممكن !
أكدت "مها" قائله :
- أنا عمرى قولتلك حاجه وطلعت غلط
صمتت "شيماء" قليلاً ثم قالت :
- يعني ايه مش فاهمة .. البشمهندس "عمر" ماله ومالها هى وجوزها
قالت "مها" بإبتسامه ساخرة :
- طبعا عايز حته من التورته .. أمال هيهربها من جوزها ليه ويجيبها هنا ويسكنها فى أوضة جنب بيته
- بس يا "مها" البنت باين عليها محترمة
- انتى بتغرك الأشكال دى .. شوية سهوكه وبصتين فى الأرض ونحنحه ودمعتين .. يعملوا من الفسيخ شربات وتبقى البت اللى محصلتش
قالت "شيماء" غير مصدقه :
- معقول .. "ياسمين"
- أمال ليه مهتم بيها أوى كده .. ومشغلها هى وأهلها كمان .. خاصة انى عرفت انها لا قريبته ولا حاجه
- يمكن بيعمل خير من غير ما يكون فى نيته حاجه وحشة
- انتى هبله يا بنتى .. هو فى حد فى الزمن ده بيعمل خير كدة من الباب للطاق
نبهت "مها" على "شيماء" قائله :
- أوعى تجبيلها سيرة اننا عرفنا حاجه
- ليه هتعملى ايه ؟
ابتسمت بخبث قائله :
- هعملها مفاجأة محصلتش
***************************
فى يوم المحكمة فجراً .. ظلت "ياسمين" ساهره تصلى وتتضرع لربها أن يخلصها من زوجها .. وأن يسخر القاضى لصالحها .. انتهت من قراءه الأذكار وظلت تقرأ فى مصحفها حتى الشروق .. نهضت وارتدت ملابسها .. كانت فى حالة غريبة وكأنها لا تشعر بما حولها .. سمعت طرقات على باب الغرفة فنهضت "ريهام" وفتحت الباب .. دخل والدهما قائلاً :
- ايه يا "ياسمين" خلصتى ؟
قالت فى وجوم :
- أيوة يا بابا أنا جاهزة
عانقتها "ريهام" عناقاً طويلاً ثم نظرت اليها قائله :
- متخفيش ربنا معاكى ان شاء الله
خرجت "ياسمين" بصحبة والدها .. قال "عبد الحميد" :
- البشمهندس "أيمن" كلمنى امبارح وقالى هيوصلنا بعربيته
التفتت اليه "ياسمين" بدهشة قائله :
- وليه تعب نفسه
صمتت قليلا ثم قالت بضيق :
- ياربي .. أكيد "سماح" اللى قالتله
قال والدها شارحاً :
- هو كتر خيره انه عايز يساعدنا يا بنتى
قالت بحنق :
- بس يا بابا احنا ممكن نروح لوحدنا .. ليه نتعبه فى سفر رايح جاى
اقتربا من بوابة المزرعة .. ولدهشتها وجدت "أيمن" واقفاً بجوار سيارته وبصحبته ... "عمر" ... خفق قلبها لرؤيته .. نظر اليها بحنان جارف وكأنه يبث الطمأنينه فيها .. أشاحت بوجهها عنه .. التفت "أيمن" اليهما قائلا ً:
- اتفضلوا
تذكر والدها أنه نسى احضار بطاقته فعاد لإحضارها .. قالت "ياسمين" لـ "أيمن" بحرج :
- مفيش داعى يا بشمهندس "أيمن" احنا ممكن نروح لوحدنا العربيات على الطريق بتعدى كتير من أدام المزرعة .. أنا عارفه ان "سماح" هى اللى قالت لحضرتك .. بس صدقنى مفيش داعى تتعب نفسك
نظر "أيمن" الى "عمر" ثم الى "ياسمين" قائلاً :
- مش "سماح" اللى طلبت منى انى أكون معاكوا النهاردة
نظرت الى "عمر" الذى كان يتطلع اليها والإبتسامه على محياه .. أشاحت لوجهها عنه مرة أخرى .. وأسرعت بالجلوس داخل السيارة .. نظر اليها "عمر" وهى داخل السيارة ود لو اقترب منها وأمسك بيديها بين يديه وبث الطمأنينه فيها .. شعر بالألم لأنه لا يستطيع التخفيف عنها .. ولا أن يكون بقربها .. ركب ثلاثتهم وانطلقوا فى طريقهم ..نظر "أيمن" فى المرآة الى "ياسمين" الجالسه فى المقعد الخلفى قائلاً :
- "سماح" كانت جايه معايا .. بس تعبت فجأه الصبح
قالت "ياسمين" بقلق :
- خير ملها ؟
- مفيش تعب بسيط
أخرجت "ياسمين" هاتفها لتتصل بصديقها فنبهها "أيمن" قائلاً :
- مفيش شبكة على الطريق هنا .. هتلاقيها ضعيفه جداً
كانوا قد وصلوا القاهرة واقتربوا من مكان المحكمة حينما رن هاتف "أيمن" .. سمعت "ياسمين" "أيمن" يقول :
-أيوة يا "عمر" .. أيوة لسه واصلين حالا .. لا قدمنا بتاع 10 دقايق كدة ونكون فى المحكمة .. لسه أصلا الجلسه عليها نص ساعه .. طيب حاضر .. حاضر .. حاضر .. خلاص متقلقش حاضر
أغلق "أيمن" الهاتف .. ورأته "ياسمين" عبر المرأة مبتسماً.. وصلوا الى المحكمة واستقبلهم المحامى على الباب .. دخلوا جميعاً ووصلوا الى المكتب الذى سيعقد فيه جلستها الأولى .. والتى تدعو الله أن تكون الأخيرة .. وأن يُحكم بطلاقها ..
لم تجد أثراَ لـ "مصطفى" .. فقط محاميه كان موجود .. تساءلت لماذا لم يحضر .. أم أنه سيأتى بعد قليل .. ظلت تقرأ ما تحفظ من القرآن فى سرها .. وقفوا جميعاً فى انتظار بدء الجلسه .
كان "عمر" يشعر بتوتر شديد .. أخذ يزرع شرفة المنزل مجيئاً وذهاباً .. استيقظ "كرم" من نومه وارتدى ملابسه للذهاب الى عمله .. وأثناء انصرافه لمح "عمر" داخل الشرفة فتوجه اليه قائلاً :
- ايه يا "عمر" انت مش رايح المكتب ولا ايه ؟
نظر اليه "عمر" دون أن يرد عليه .. وقف أمام سور الشرفة يمسكه بقبضتيه بقوة وكأنه يريد تحطيمه .. اقترب منه "كرم" وربت على كتفه قائلاً :
- ايه يا "عمر" فى ايه
قال "عمر" دون أن ينظر اليه :
- معاد الجلسة دلوقتى يا "كرم"
- متقلقش .. "أيمن" معاهم مش كده؟
أومأ "عمر" برأسه دون أن يتحدث .. نظر اليه "كرم" وابتسم فى حنو قائلاً :
- هى تهمك للدرجة دى يا "عمر" ؟
التفت اليه "عمر" بسرعة وصمت قليلا ثم قال :
- تهمني ؟ .. لو القاضى محكملهاش بالطلاق يا "كرم" أنا ممكن أدورعلى جوزها ده وأقتله
ثم قال بحزم :
- مستحيل أسمحله ياخدها يا "كرم"
ثم استطرد قائلاً :
- خاصة انها مش عايزاه
طمأنه صديقه قائلاً :
- ان شاء الله هيتحكملها بالطلاق .. مستحيل يعني قاضى يسيبها مع واحد زى ده غصب عنها .. متقلقش
نظر اليه "عمر" قائلاً بصوت مرتجف :
- بحبـــهــــا يا كرم .. وعايزهـــا ..
ثم تنهد بقوة قائلاً :
- كون انها كانت متجوزة قبل كده دى حاجه وجعانى .. بس اللى هيوجعنى أكتر ..هو انى أتحرم منها .. متتصورش هى أد ايه مأثره فيا يا "كرم" .. شايفها جوهرة غالية أوى .. ممنوع لأى حد مهما كان انه يقرب منها .. حسسها غالية أوى وعالية أوى .. وهموت وأوصلها .. لما بشوفها يا "كرم" بحس انى بتخطف .. وقلبي معدش ملكى خلاص ..
نظر "عمر" الى "كرم" وقال بتصميم :
- بمجرد ما شهور العدة تخلص .. هطلبها من أبوها
ابتسم له "كرم" وربت على كتفه قائلاً :
- ان شاء الله
حانت اللحظة التى انتظرتها "ياسمين" طويلاً .. نظرت الى والدها قائله :
- بابا أنا خايفة أوى
طمأنها والدها قائلاً :
- متخفيش يا حبيبتى .. أنا واثق انك هتطلعى وتبشريني ان القاضى حكم لصالحك
مازال لا أثر لـ "مصطفى" .. كانت سعيدة لعدم اضطرارها لرؤيته .. لكنها بعدما وقفت أمام القاضى وتحدث محاميه .. علمت سر اختفائه .. أراد بذلك المماطله حتى يتم تأجيل النطق بالحكم لجلسه أخرى.. لكن محاميها الأستاذ "شوقى" كان بارعاً للغاية واستطاع اقناع القاضى بأن اختفائه متعمد للمماطله .. وقرر القاضى اصدار الحكم فى نفس الجلسه
خرجت "ياسمين" من قاعة المحكمة واستقبلها والدها قائلاً بلهفة :
- طمنيني يا بنتى
اقترب "أيمن" منهما .. ألقت نفسها فى أحضان والدها والدموع تسيل من عينيها كالشلال قائله :
- الحمدلله يا بابا .. خلصت منه
ابعدت رأسها ونظرت الى والدها وهتفت بسعادة :
- القاضى طلقنى منه
تبلل وجه "عبد الحميد" بالدموع وتعالت شهقاته بالبكاء وعانقها مرة أخرى مردداً :
- الحمدلله .. اللهم لك الحمد والشكر .. لو مكنش القاضى طلقك كنت هفضل شايل ذنبك طول عمرى .. الحمدلله
شعر "أيمن" بسعادة غامرة .. وأخرج هاتفه ليتصل بـ "عمر" .. لكنه وجد "عمر" وقد سبقه بالإتصال .. رد عليه قائلا :
- تدفع كام وأقولك الحكم ؟
صاح "عنر" بغضب :
- "أيمن" مش وقتك .. حكملها بإيه ؟
ابتسم "أيمن" قائلاً :
- طلقها منه
أغمض "عمر" عينيه للحظة وكأنه يريد أن يستشعر هذا الخبر عبر كل كيانه .. صمت وهو يشعر بتقطع أنفاسه .. ثم تمتم فى خفوت :
- الحمدلله
أغلق "عمر" الهاتف وهو يشعر بسعادة بالغة .. ود لو كانت أمامه الآن .. ليرى السعادة المرسومة على وجهها .. وعينيها التى تشع بهجه وفرحه .. والابتسامه على ثغرها .. ود لو اعترف لها بحبــه الآن .. وفى هذه اللحظة .. وده لو يخبرها .. بأنها ليست وحدها .. هو معها .. بقلبه .. وبكل كيانه .. لكنه يعلم بأنه مضطر لأن ينتظر..
تقدم "أيمن" مع المحامى و "عبدالحميد" للخروج من المحكمة وكانت "ياسمين" تسير خلفهم تبحث عن هاتفها فى حقيبتها .. حينما وجدت فجأة يدا تمسكها من ذراعها بقوة التفتت الى الخلف لتجد نفسها وجهاً لوجه مع .. "مصطفى" .. شلتها الصدمة عن الحركة .. والتفكير .. وجدته ينظر اليها بشراسة ويقول بقسوة وهو يضغط على ذراعها بقوة :
- القاضى طلقك منى؟ .. بس ورحمة أمى اللى ماتت بحسرتها عليا ما أنا عاتقك
اتسعت عيناها خوفاً والتفتت بسرعة لتنادى على والدها :
- بابا .. بابا
تركها "مصطفى" بسرعة واختفى وسط الحشود.
↚
تقدم "أيمن" مع المحامى و "عبدالحميد" للخروج من المحكمة وكانت "ياسمين" تسير خلفهم تبحث عن هاتفها فى حقيبتها .. حينما وجدت فجأة يدا تمسكها من ذراعها بقوة التفتت الى الخلف لتجد نفسها وجهاً لوجه مع .. "مصطفى" .. شلتها الصدمة عن الحركة .. والتفكير .. وجدته ينظر اليها بشراسة ويقول بقسوة وهو يضغط على ذراعها بقوة :
- القاضى طلقك منى؟ .. بس ورحمة أمى اللى ماتت بحسرتها عليا ما أنا عاتقك
اتسعت عيناها خوفاً والتفتت بسرعة لتنادى على والدها :
- بابا .. بابا
تركها "مصطفى" بسرعة واختفى وسط الحشود.
تركها كزهرة ترتجف فى مهب الريح .. هرع والدها و "أيمن" اليها .. نظر اليها والدها بهلع قائلاً :
- ايه مالك يا "ياسمين" فى ايه ؟
أحاطت جسدها بذراعيها علها توقف ارتجافته .. وأخذت نفسهاً عميقاً تحاول به اعادة تنظيم ضربات قلبها المتسارعه .. ونظرت الى والدها قائله :
- "مصطفى" كان هنا
صاح والدها فى غضب :
- ابن التييييييييييت
وأخذ يبحث عنه بعينيه قائلاً :
- هو فين .. مشى منين ؟
قالت "ياسمين" بخفوت :
- مخدتش بالى
سألها "أيمن" بإهتمام :
- قالك ايه ؟
بللت شفتيها الجافة بلسانها .. وقالت :
- قالى القاضى طلقك منى بس مش هعتقك
شعر "أيمن" بالغضب الشديد وظل ينظر حوله .. على الرغم من أنه لا يعرف أصلاً شكل "مصطفى" .. ثم نظر الى والدها قائلاً :
- يلا يا عم "عبد الحميد" الأحسن نمشي من هنا
أحاطها الرجلين من كلا الجانبين وكأنهم يقومان بحمايتها .. وساروا معاً حتى ركبوا فى السيارة وانطلقوا عائدين الى المزرعة.
كان "عمر" ينتظر وصولهم فى لهفه .. لم يستطع متابعتهم على الطريق بسبب ضعف الشبكة .. كان اتصال يصيب .. وعشرة لا تصيب .. لكنه علم فى المرة الوحيدة التى تمكن من التحدث فيها مع "أيمن" على الطريق أن أمامهم قرابة الساعة ونصف .. لم يستطع التركيز فى عمله .. بل لم يستطع الجلوس فى مكتبه .. ذهب الى الشجرة .. شجرتــه .. والتى أصبحت .. شجرتـهــا .. كان سعيداً أنها اتخذت من هذا المكان عالماً خاصاً بها .. لكم كان يتمنى أن يشاركها لحظات الإستمتاع بتلك الطبيعة الخلابه .. والجلوس معها على ذلك الجذع .. وهو يحيطها بإحدى ذراعيه ويضمها الى صدره .. كان يعلم أن عليه الإنتظار لتحقيق حلمه .. لكن ما أصعب هذا الإنتظار .. مرت الساعة والنصف وهو فى هذا المكان .. يتأمل ما حوله .. وينسج فى خياله أحلاماً ورديه .. تشاركه "ياسمين" اياها .. نظر الى ساعته .. ثم نهض وتوجه الى البوابه .. أراد أن يستقبلها .. ويراها .. ياه لكم اشتاق اليها .. فارقته منذ بضع ساعات فقط .. لكن تلك الساعات أشعرته بحنين جارف اليها .. تلك الساعات جعلته يتأكد أنه لن يستطيع العيش دونها .. وكأنها أصحب فى حياته الهواء الذى يتنفسه ويعيش عليه .. خطفت قلبه ببراءتها .. وقيدتها بحنانه .. وأنسته أى امرأة عرفها قبلها .. وكأنه لا يرى فى الوجود سواها ..
رأى عبر السياج سيارة "أيمن" تقترب من البوابة .. خفق قلبه داخل صدره .. نهض الغفير وفتح البوابة عبر مسرعيها .. ابتسم "أيمن" الذى رأى صديقه واقفاً على بعد أمتار من البوابة .. دخل المزرعة وتوقف بجانب "عمر" .. انحنى "عمر" مستنداً على شباك السيارة بجانب "أيمن" .. ونظر الى الخلف .. حيث تجلس "ياسمين" .. هاله ما رآى .. كان يبدو عليها الحزن و الإضراب .. لم يتوقع أن يراها فى تلك الحاله .. كانت ينتظر بلهفه رؤية الإبتسامه على شفتيها .. قفز قلبه داخل صدره من الالم وكأنه طعن بخنجر مسموم .. أمن المعقول أنها حزينه عليه .. على طليقهــا .. أندمت على طلبها الطلاق .. هل شعرت بالحنين اليه .. نظر اليها عله يجد اجابات لأسئلته .. نزلت من السيارة بصحبة والدها .. توجها الى مكان سكنها .. أوقف "أيمن" السيارة جانباً ثم وقف أمام "عمر" الذى أخذ يتابع "ياسمين" بعينيه وهى تبتعد ..نظر "عمر" الى "أيمن" قائلا بحده :
- هى مالها .. فى ايه ؟
زفر "أيمن" قائلا :
- جوزها .. قصدى طليقها .. كلمها فى المحكمة .. وهددها
اتسعت عينا "عمر" وقال بحده :
- يعني ايه هددها ؟
قال "أيمن" بضيق :
- قالها القاضى طلقك منى بس مش هعتقك
نظر اليه "عمر" بحده وصاح غاضباً :
- وانت كنت فين يا "أيمن" أما الحيوان ده هددها .. انت ازاى تسمحله يتكلم معاها أصلاً
- اهدى يا "عمر" .. كنت أنا و عم "عبد الحميد" بنتكلم مع المحامى .. وهى كانت ماشيه ورانا
وضع "عمر" احدى يديه فى وسطه والأخرى على فمه وكأنه يكتم بركان ثائر .. ونظر الى حيث اختفت "ياسمين" .. ثم نظر الى "أيمن" قائلاً بغضب :
- لو أربلها تانى هقتله
ربت "أيمن" على كتفه قائلاً :
- خلاص اهدى .. هو مش هيقدر يوصلها هنا
أومأ "عمر" برأسه .. وأخذ يفكر فى "ياسمين" وفيما تشعر به الآن
******************
- ده حقير أوى
نطقت "ريهام" بتلك العبارة بعدما قصت عليها "ياسمين" فى غرفتهما ما حدث من تهديد "مصطفى" لها فى المحكمة .. نظرت اليها "ياسمين" قائله :
- أما اتدورت ولقيته ورايا كنت هموت من الرعب .. أنا مش عايزه أشوف البنى آدم ده مرة تانية أبداً
نظرت لها "ريهام" فى حنو قائله :
- متقلقيش خلاص معدتيش هتشوفيه تانى .. لا هو ولا أهله .. الله يحرقه هو وأهله
- أمه ماتت على فكرة
- وعرفتى منين ؟
- هو اللى قالى
أشاحت "ريهام"بيدها قائله:
- يلا خدت الشر وراحت
قالت "ياسمين" بأسى :
- ربنا يغفرلها ويرحمها .. ظلمتنى أوى .. بس مسمحاها
نظرت اليها "ريهام" بدهشة قائله :
- مسمحاها ايه يا بنتى .. دى تستاهل يتولع فيها هى وابنها
قالت لها "ياسمين" بهدوء :
- هى دلوقتى بتتحاسب يا "ريهام" على كل الى عملته فى حياتها .. أنا هسامحها .. عشان ألاقى اللى يسامحنى لما أموت أنا كمان
ابتسمت "ريهام" قائله :
- انتى طيبة أوى يا "ياسمين" .. واحدة غيرك كانت دعت عليها
- هى خلاص معدتش تقدر تأذيني دلوقتى .. مش هيفيدنى الدعاء عليها فى حاجة
صمتت قليلا ثم قالت :
- ربنا يرحمها هى وماما وكل أموات المسلمين
- اللهم آمين
**********************
التف الأصدقاء الثلاثة حول طاولة الطعام فى أحد المطاعم .. لتناول طعام العشاء .. بدا "عمر" شارداً .. يعبث بطرف ملعقته فى الطبق أمامه .. تبادل "أيمن" و "كرم" النظرات .. والابتسامات الخبيثه .. هتف " كرم" فى مرح :
- الحب بهدله .. تررم تررم .. خلانى أندله .. تررم تررم
نظر اليه "عمر" فى غيظ قائلاً :
- لو متلمتش هسيبكوا وأمشى
قال "كرم" بمرح :
- أنا قولت حاجه .. واحد وبيغني
صمت قليلاً ثم قال :
- صدق الشاعر اللى قال : الهس بس هس حبيبى لازم يحس ... حبيبى عمال بيتخن وانا عمال اخس
هم "عمر" بالإنصراف فجذبه "كرم" قائلاً وهو ينظر الى "أيمن" :
- خلاص يا "أيمن" كفايه .. عيب كده
ثم نظر الى "عمر" قائلاً :
- خلاص حبه جد بأه .. ناوى على ايه ؟
زفر "عمر" فى ضيق قائلاً :
- مضطر غصب عنى أستنى 3 شهور .. مش عارف أصلاً هقدر هصبر الوقت ده كله ازاى
سأله "أيمن" قائلاً :
- ومين قالك ان ياسمين عدتها 3 شهور ؟
نظر ايه "عمر" قائلاً :
- أمال ايه ؟
قال "أيمن" بإبتسامه :
- اللى بتخلع جوزها عدتها بتكون حيضة واحدة بس .. هى دى السنة
سأله "عمر" بلهفه :
- بجد يا "أيمن" ؟
- أيوة بجد
قال "كرم" فى مرح :
- قشطة أوى .. بسبب حسن السير والسلوك خفضنا المدة من 3 شهور لشهر ان شاء الله .. لف لفه وتعالى يمكن نعملك أوكازيون تانى
ابتسم "عمر" وشرع فى تناول طعامه قائلاً :
- كده الواحد ياكل بنفس
سعد كثيراً عندما علم أن ما يفصله عن "ياسمين" هو شهر واحد فقط.
*****************
فى صباح اليوم التالى خرجت "ياسمين" من غرفتها .. وقبل الذهب الى عملها .. توجهت حيث شجرتها .. لكنها اليوم تستقبلها بالإبتسامه فهذا هو يومها الأول بعد أن تحررت من قيد "مصطفى" .. القيد الذى كان أن يخنقها .. نظرت الى الخضرة حولها .. وللعصافير على الشجر .. كانت تشعر بأن تغريد العصافير مختلف اليوم .. لم تمسعهم يغردون بتلك السعادة من قبل .. شعرت بأنهم يشاطرونها فرحتها .. ويباركون لها حريتها .. أخيراً أصبحت حره مثلهم .. حتى الهواء الذى تستنشقه .. شعرت بأنه اليوم مختلف .. فكل نفس يحمل مزيج عجيب من السعادة والأمل والإرتياح .. يسرى عبر رئتيها لينعش جسدها ..
قامت وتوجهت الى عملها .. ولأول مرة يراها دكتور "حسن" مقبله على عملها والإبتسامه تعلو شفتيها .. كان سعيداً لسعادتها .. وإن كان لا يعرف سبب تلك السعادة .. أثناء انهماكها فى عملها .. اقترب منها .. رفعت رأسها .. لتتلاقى نظراتهما فى صمت .. شعر بأنها اليوم أجمل من ذى قبل .. وجههاً يشع نوراً .. عينيها لم تعد تحمل تلك العبرات التى تهدد دائماً بالإنهمار .. اختفت نظرات الحزن والأسى لتحل محلها نظرات الفرح والأمل .. كانت عيناه اليوم أيضاً مختلفه .. كأنها تفصح عن سراً لطالما أخفته .. لكنها خانته اليوم .. وباحت بسره .. عبر شفره صغيره .. استقبلت عيناها تلك الشفره .. ومررتها على قلبها .. فترجمها .. وتعالت خفقاته عندما فهم تلك الشفرة التى أرسلتها عيناه الى عينيها .. أشاحت بوجهها .. فقلبها الضعيف وصلت سرعة خفقاته لذروتها .. قال لها بصوت حانى :
- صباح الخير
ردت بصوت خافت حاولت السيطرة على رجفته :
- صباح النور
ثم عادت لتكمل فحص الحاله التى أمامها .. ظلت عيناه معلقه بها .. وكأنه يخشى فرارها .. ابتسم قائلاً :
- مكنتش متوقع انك هتنزلى الشغل النهاردة .. لو تعبانه من سفر امبارح روحى ارتاحى النهاردة
قالت وهى تستمر فى أداء عملها :
- لأ .. أنا كويسه
أومأ برأسه وقال لها بحنان جارف :
- لو احتجتى حاجه عرفيني
لم تجبه .. التفت وانصرف .. تابعته بعينيها فى صمت .. وابتسامه صغيره تتكون ببطء على شفتيها
توقفت عن العمل عندما حان موعد استراحة الغداء .. توجهت الى القاعة والإبتسامه تعلو شفتيها .. كانت على الرغم منها لا تستطيع اخفاء فرحتها .. كانت وجههاً دائماً يفضحها .. لا تستطيع اخفاء ما تشعر به بداخلها .. حزناً كان أم فرحاً .. أنهت غدائها .. ووقفت قليلاً مع بعض زميلاتها العاملات فى المزرعة .. كانت "ياسمين" تتهرب دائماً من صحبتهن .. أو التحدث معهن .. فكان قلبها يحمل هماً يكتفها .. فلا تستطيع الإندماج مع الآخرين .. أو التواصل معهن .. لكنها اليوم كالطير الحبيس الذى حصل أخيرا على حريته .. وقفت تتجاذب معهن أطراف الحديث وتضحك فى مرح .. وفجأة اقتربت منها "مها" .. لم تلقى لها "ياسمين" بالاً .. وقفت "مها" بين الجمع وصفقت بيديها لتجذب انتباههم قائله :
- اسكت هووووس .. عندى ليكوا خبر حلو النهاردة
ثم التفتت الى "ياسمين" وقالت بخبث :
- ولا تحبي تقوليلهم الخبر بنفسك يا "ياسمين"
نظرت اليها "ياسمين" بدهشة قائله :
- خبر ايه يا "مها" ؟
قالت "مها" بعتاب مصطنع :
- اخص عليكي .. طالما فرحتى يبقى تفرحينا معاكى
جف حق "ياسمين" ونظرت اليها قائله :
- مش فاهمة قصدك ايه
نظرت "مها" الى الفتيات اللاتى توقفن عن الحديث وتابعن ما يحدث .. قالت لهن فى مرح :
- النهاردة عايزين كلنا نبارك لـ "ياسمين"
نظرن الى "ياسمين" وقالت احداهن :
- نباركلها على ايه ؟
وقالت أخرى :
- ايه اتخطبت ؟
قالت "مها" وهى تنظر الى "ياسمين" بشماته :
- لأ .. اطلقت
تعالت صيحات عدم التصديق .. نظرت الى بعضهن البعض فى دهشة .. كانت "ياسمين" تنظر الى "مها" فى جمود .. لكن اخترق أذنيها ردود فعل من حولها :
- بجد
- ايه ده هى كانت متجوزة أصلا
- أكيد بتهزرى
- ياسمين أصلا مش متجوزة
قالت "مها" شارحه فى استمتاع :
- "ياسمين" كانت رافعة قضية خلع على زوجها وكسبتها امبارح
ثم نظرت الي "ياسمين" قائله بخبث :
- والبشمهندس "عمر" كان كريم أوى معاها وخباها من جوزها هنا فى مزرعته لحد معاد الجلسه .. اظاهر ان البشمهندس "عمر" بيعزك أوى يا "ياسمين"
لم تستطع "ياسمين" تحمل تلميحاتها فإنصرفت فى عجاله .. كانت تسير بسرعة وهى لا ترى أمامها .. كانت العبرات تتجمع فى عينينها .. قابلها "هانى" فحاول يوقفها قائلاً :
- دكتورة "ياسمين" ثوانى لو سمحتى
لكنها لم تسمعه .. بل لم تراه .. صنعت العبرات غشاوة على عينيها فسارت تتبين طريقها بصعوبه .. وصلت الى شجرتها .. ألقت بنفسها على جذعها الذى فارقته منذ ساعات .. وضعت كفيها على وجهها وجهشت فى بكاء عميق .. لماذا لا يتركها الناس وحالها .. لما ينغصون عليها فرحها .. لماذا يستكثر بعض الناس أن يرى غيره سعيداً .. لماذا يخوض الناس فى أعراض بعضهم البعض ويمزقونهم بلا هواده .. لماذا لا يعلم الناس أن الكلمات التى تخرج من أفواههم هم محاسبون عليها تماما كأعمالهم .. لماذا لا يدرك البعض أن الكلمة قد تكون خنجراً ينغرس فى قلب من أمامه بلا هواده .. أو تكون بلسماً تطيب جرحه فى لحظات .. الى متى ستشعر بهذا الظلم .. الى متى ستظل الإبتسامه عزيزة عليها .. وكأنها زائر لا يحل إلا بعد غياب طويل .. لحظات ثم يعود ليرحل مرة أخرى بقسوة .. أخذت تردد بصوت مرتجف :
- اللهم انى مغلوب فإنتصر .. اللهم انى مغلوب فإنتصر
فجرت "مها" قنبلتها ثم أخذت طعامها وجلست على احدى الطاولات تتجاذب أطراف الحديث مع "شيماء" .. وفجأة رأت دكتور "حسن" يقف بجانبها .. فالتفتت تنظر اليه فى صمت .. فقال بحزم :
- المزرعة هنا للشغل وبس يا دكتورة "مها" .. مش مكان للقيل والقال .. لو ضايقتى أى زميلة ليكي مرة تانية أنا هبلغ البشمهندس "عمر" بنفسي
شعرت "مها" بالخوف فقالت له :
- أنا مكنتش قصدى أضايقها يا دكتور "حسن" أنا بس ....
قاطعها الرجل بحزم قائلاً :
- أنا مبحبش أقطع عيش حد .. لو البشمهندس "عمر" عرف اللى انتى عملتيه أظن هيتصرف معاكى تصرف يزعلك .. مش عايز أشوف منك غلطة مرة تانية .. لا فى حق دكتورة "ياسمين" ولا فى حق أى حد تانى هنا فى المزرعة .. مفهوم
أومأت برأسها فى صمت .. غادر القاعة فالتفتت الى "ِشيماء" قائله :
- هو ماله ده .. يكنش اشتغل محامى للست "ياسمين" وأنا معرفش
أخذت تتناول طعامها فى حنق
كان "عمر" يجلس فى مكتبه .. كان تركيزه كله موجه الى تلك الفتاة التى تبعد عنه بضع خطوات .. شعر بأنه يرغب فى رؤيتها مرة أخرى .. نهض من مكتبه وتوجه الى مكان عملها .. لم يجدها .. فسأل "هانى" الذى كان يجلس على أحد الكراسي يطالع كتاب بيده :
- مشفتش الدكتورة "ياسمين" يا "هانى" ؟
قال "هانى" بحنق :
- أديني آعد مستنيها .. شوفتها من شوية ماشيه وواخده فى وشها نادتلها معبرتنيش
قال "عمر" بقلق :
- مشيت منين ؟
أشار له "هانى" الى الإتجاه الذى رأى "ياسمين" تسير فيه .. ذهب "عمر" فى اثرها .. ظن أنها ذهبت الى شجرته .. اقترب من الشجرة فسمع صوت شهقات صغيره .. التف حول الشجرة ليجد "ياسمين" جالسه على الجذع تخفى وجهها بكفيها .. وتبكى .. هتف فى لوعه :
- "ياسمين" فى ايه ؟
رفعت رأسها لتراه أمامها .. مسحت عبراتها المتساقطه قائله :
- مفيش حاجه
تفرس فيها وسألها مرة أخرى :
- قوليلى ايه اللى حصل
ردت بحده دون أن تنظر اليه :
- قولتلك مفيش
احتار "عمر" فى تفسير سبب بكائها .. خطر بباله خاطر تألم له قلبه .. هل من المعقول أنها تبكى لفراق زوجها .. أمازالت تحبه .. أتبكيه .. أم تبكى حبها له .. أم تبكى صدمتها فيه .. أم تبكى بعدها عنه .. لم يتحمل حيرته .. سألها بصوت خافت :
- كنتى بتحبيه ؟
رفعت عينيها اليه فى دهشة .. من يقصد .. أيقصد "مصطفى" .. كيف يسألها عن أمر خاص كهذا .. ردت فى حزم قائله :
- لو سمحت اتفضل امشى
قال "عمر" بحده :
- طب ريحينى بس
نهضت قائله بغضب :
- خلاص همشى أنا
ثم تركته خلفها وانصرفت .. كانت الغيره تعصف بكيانه .. أتفكر فيه ؟ .. أتشتاق اليه؟ .. هل من الممكن أن تسامحه يوماً؟ .. هل من الممكن أن ترغب فى العودة اليه يوماً ؟ .. لماذا ترفض التحدث اليه .. لماذا لا تخبره بما فى قلبها وعقلها ليستريح قلبه .. عاد الى مكتبه والغضب على محياه .. وجد "كرم" ينتظر بالداخل .. نظر اليه "كرم" قائلاً :
- فى ايه يا "عمر" ؟
أزاح "عمر" كرسي المكتب وجلس عليه فى عصبيه قائلاً :
- شوفت "ياسمين" بتعيط من شويه سألتها مالك مرضتش تريحنى
نظر الى "كرم" قائلاً بغضب :
- مش عارف حتى أتكلم مجرد كلام عادى مع البنت اللى بحبها .. مش مديانى أى فرصة أقرب منها
قال له "كرم" :
- "عمر" هى لسه مطلقة امبارح .. وكمان تهديد طليقها ليها .. يعني أكيد مشاعرها متضاربه
نظر اليه "عمر" قائلاً بصرامة :
- وأنا عايز أكون جمبها .. أقولها متخفيش من حد انا جمبك .. عايز أتأكد ان الحيوان ده ملوش أى مكان دلوقتى فى قلبها .. وانها نسيته نهائي
صمت "عمر" قليلا ثم هب واقفاً وهو يقول :
- أنا رايح حالا أطلبها من أبوها
اعترض "كرم" طريقه قائلاً :
- يا ابنى اهدى شوية .. دى لسه مطلقة
قال "عمر" بحده :
- هتجنن يا "كرم" دى مش راضية حتى تتكلم معايا .. عايز أثبتلها انى مش بلعب وانى عايزها بجد .. أنا لحد دلوقتى ماقولتهاش انى بحبها .. هموت وأقولهالها يا "كرم" .. بس خايف أقولها تضايق منى وتفتكرنى بلعب بيها .. عايز أتقدملها دلوقتى .. عشان لما أقولهالها تعرف انى بحبها بجد وعايزها بجد
قال "كرم" :
- يا ابنى وأهلك .. انتى ناسيهم
سأله "عمر" :
- ومالهم أهلى ؟
- مش لازم يعرفوا تفاصيل الموضوع ده .. دول ميعرفوش ان فى موضوع أصلاً
فكر "عمر" قليلا ثم قال :
- معاك حق لازم أستغل الشهر ده لحد ما عدتها تخلص .. أنا هكلم ماما وبابا وأعرفهم انى عايز أخطب .. وأخليهم ييجوا هنا ويتعرفوا عليها .. أهو على الأقل بعد ما الشهر يخلص تكون هى قربت من ماما وماما قربت منها وبقى بينهم علاقة كويسة
قال "كرم" :
- تمام كده .. مش تقولى أطلبها من أبوها فى العده
قال "عمر" بإصرار :
- أنا كدة كدة هكلم أبوها .. مش هستنى لما الشهر يخلص .. عايزها تعرف من دلوقتى انى عايزها .. وكمان عشان أقدر أأقدمها لأهلى ويتعرفوا عليها
- خلاص تمام كده .. رتب انت موضوع أهلك ده
أومأ "عمر" برأسه قائلاً :
- هكلمهم النهاردة ان شاء الله
هاتف "عمر" أهله فى المساء .. لم يتحدث عن أى تفاصيل .. فقط قال لأمه بأنه وجد فتاة أحلامه التى يتمنى الارتباط بها .. ويريدها أن تلتقى مع عائلته ويعرفهم عليها .. كانت والدته سعيدة للغاية .. فلطالما انتظرت اليوم الذى يدق فيه قلب ابنها مرة أخرى .. اتفقا على القدوم بعد ثلاثة أيام .. لن يحضر الأبوان فقط .. بل عمته "ثريا" أيضاً .. انهى المكالمه وهو يشعر بالسعادة فى قلبه .. فها هو يقترب من حلمه شيئاً فشيئاً .. "يــاسمـــيــن"
نادى الخادمة وقال لها :
- عايزك تنضفى البيت والأوض كلها كويس جدا لان أهلى جايين المزرعة وهيعدوا كام يوم
*******************
اقترب "عمر" من "عبد الحميد" الجالس داخل المخزن يدقق فى الدفاتر التى أمامه .. ابتسم "عمر" قائلاً :
- صباح الخير يا عم "عبد الحميد" .. ربا يديك الصحة
هب "عبد الحميد" واقفاً والتف حول المكتب وسلم على "عمر" قائلاً :
- يا صباح النور يا بشمهندس اتفضل
جلسا الإثنان أمام بعضها البعض .. صمت "عمر" قليلا وكأن يستجمع أفكاره ثم نظر الى "عبد الحميد" قائلاً :
- أنا كنت عايز أتكلم مع حضرتك فى موضوع .. موضوع يخص الدكتورة "ياسمين"
قال "عبدالحميد" بلهفه :
- مالها "ياسمين" بنتى
طمأنه "عمر" بإشاره من يده قائلاً :
- متقلقش مفيش حاجه وحشه .. أنا بس كنت عايز أكلمك فى موضوع .. أنا عارف انه مش وقته .. بس على الأقل يبقى فى ربط كلام بينا
قال "عبد الحميد " بقلق :
- خير يا بشمهندس قلقتنى
تنحنح "عمر" ونظر اليه ببعض الحرج قائلاً :
- أنا عارف ان الوقت ممكن ميكنش مناسب .. بس .. أنا عايز أطلب منك ايد الدكتورة "ياسمين"
بهت "عبد الحميد" وفتح فمه فى دهشة .. صمت لفترة وهو يحاول استيعاب ما يسمع .. ثم ردد قائلاً :
- عايز تتجوز "ياسمين" بنتى ؟
ابتسم "عمر" قائلاً :
- يشرفنى انى أطلب ايدها منك يا عم "عبد الحميد"
كان "عبد الحميد" مازال واقعاً تحت تأثير المفاجأة .. فتحدث "عمر" قائلاً :
- زى ما قولت لحضرتك .. أنا عارف ان الوقت مش مناسب .. بس أنا حابب انى أعرفك وأعرفها برغبتى دى من دلوقتى .. وكمان أهلى جايين بعد كام يوم وحابب ان الأسرتين يتعرفوا على بعض .. لحد ما يبقى الوقت مناسب اننا نعمل خطوبة
صمت قليلا ثم قال :
- وبعد اذنك أنا عايز خطوبة وكتب كتاب مع بعض .. والفرح هيكون بعدهم بوقت قصير
تحدث "عبد الحميد" أخيراً قائلاً :
- والله يا بشمهندس أنا اتفاجئت بطلبك .. وأنا عن نفسي مش هلاقى أحسن منك عريس لبنتى .. بس أنا لازم أخد رأيها الأول
قال "عمر" بسرعه :
- طبعاً يا عم "عبد الحميد" .. كلمها وأنا منتظر منك الرد ان شاء الله
ابتسم "عبد الحميد" قائلاً فى حبور :
- اللى فيه الخير يقدمه ربنا
استأذن "عمر" ثم انصرف .. وجدت العبرات طريقها الى عين "عبد الحميد" ورفع رأسه وتمتم قائلاً :
- أحمدك وأشكر فضلك يارب
**********************
- أصلاً من ساعة ما دخلت المزرعة وهى مش طايقانى
هتفت "ياسمين" بهذه العبارة وهى جالسه مع "سماح" فى بيتها .. قالت "سماح" :
- ليه مش طايقاكى
قالت "ياسمين" بحده :
- هى كده من الباب للطاق
ثم استطردت قائله :
- من البداية وهى فاكرة ان فى حاجه بينى وبين البشمهندس "عمر"
نظرت اليها "سماح" بخبث قائله :
- وهو فى حاجه بينك وبينه ؟
هتفت "ياسمين" بغضب :
-"سماح"
- خلاص خلاص كنت بهزر
زفت "سماح" ثم قالت :
- بصى سيبك منها .. ولو عملتلك حاجه تانى قولى لـ "عمر"
هتفت "ياسمين" بحده :
- أقوله ايه ... أقوله فى واحدة من اللى بيشتغلوا عندك فاكرة ان فى حاجه بينى وبينك !
تمتمت "سماح" :
- معاكى حق مينفعش تقوليله كده
ثم نظرت اليها قائله :
- أمال هتعملى ايه
قالت "ياسمين" بحزم :
- مش هسمحلها تتكلم عنى تانى .. وهوقفها عند حدها .. مش عشان طيبة يبقى آخد على أفايا .. لأ بعد كدة هاخد حقى بإيدي
قالت "سماح" بمرح:
- ماشى يا عم الجامد
سمعا صوت مفتاح فى الباب .. فقالت "ياسمين" بدهشة :
- ايه ده .. زوجك ؟
نهضت "سماح" واستقبلت زوجها على الباب وأخبرته أن "ياسمين" بصحبتها توجه الى غرفتهما .. عادت "سماح" لتجد "ياسمين" تنهض قائله :
- همشى أنا بقه يا "سماح"
قالت "سماح" بأسف :
- كل مرة بيتأخر فى الشغل .. النهاردة اليوم الوحيد الى جه بدرى عن معاده
قبلتها "ياسمين" قائله :
- معلش هجيلك وقت تانى
أوصلتها الى الباب قائله :
- المهم متحطيش الموضوع فى دماغك وتخلى البتاعه دى تعكنن عليكي
قالت "ياسمين" :
- لأ خلاص .. هى حسبي الله ونعم الوكيل فيها وخلاص
انصرفت "ياسمين" ودخلت "سماح" الى زوجها الذى قبلها وعانقها قائلاً :
- وحشتينى
ابتسمت قائله :
- انت وحشتنى أكتر .. مش كنت تقولى انك جاى بدرى
- الموبايل فصل شحن معرفتش أكلمك
قبلته على وجنته قائله :
- طب يا حبيبى ثوانى وأحضر السفرة
- تبعها الى المطبخ قائلاً :
- ماشى وأنا هساعدك
ضحكت قائله :
- ايه الهنا اللى أنا فيه ده
ابتسم قائلاً :
- آه بس متخديش على كده
أخذا يعدان السفرة معاً .. وعندما جلسا قال "أيمن" :
- "ياسمين" عاملة ايه دلوقتى
- كويسة الحمد لله .. مبسوطه انها خلصت من اللى كان زوجها
صمت قليلاً ثم قال :
- قوليلى يا "سماح" هو مفيش حاجه كده ولا كده ؟
نظرت اليه قائله :
- كده ولا كده ازاى يعني ؟
قال بخبث :
- يعني الأعدة الحريمي اللى كانت بره من شوية دى .. متقالش فيها حاجه متعلقه بان فى حد مثلا هى معجبه بيه
قالت "سماح"بخبث :
- لأ بصراحه ماقالتليش حاجه زى كده .. بس أنا حابه أسألك هو فى حد معجب بيها ؟
قال بخبث وهى يعاود تناول طعامه :
- الله أعلم
تركت الملعقة من يدها ونظرت اليها قائله :
- "أيمن" بطل غلاسه بأه لو تعرف حاجه قولهالى
ابتسم لها قائلاً :
- اعرف ايه .. كلى يا بنتى كلى
- مش واكله .. فى حاجه انت مخبيها .. ريحنى وقولهالى
- هكون مخبي ايه يعني
- ليه سألتنى عن ان "ياسمين" معجبه بحد
- عادى يعنى
صاحت بغضب طفولى :
- لأ مش عادى .. ريحنى بأه
ضحك بشدة قائلاً :
- يا ستير الستات دول عليهم فضول يودى فى داهية
أمسكت سكينة الطعام ورفعتها قائله :
- قر واعترف أحسنلك
صمت قليلاً ثم قال بجديه :
- طيب هقولك جملة بس متسألينيش عن أى تفاصيل اتفقنا
قالت بجديه مماثله :
- اتفقنا
أخذ رشفة من كوب الماء الموضوع على جانبه ثم قال :
- احتمال يبقى فى خطوبة قريب
كتمت انفعالتها .. ونظرت اليه قائله :
- هسألك سؤال واحد بس
- لأ .. قولنا بدون أسئله
صاحب بصوت طفولى :
- عشان خاطرى يا "أيمن" .. عشان خاطرى .. سؤال واحد بس
- قولى يا ستى
نظرت اليه بلهفه قائله :
- "عمر" صح ؟
هتف "أيمن" قائلاً :
- يا سلام .. كدة بأه يبقى ايه التفاصيل اللى أنا مخبيها .. انتى بتستعبطى يا "سماح"
صفقت بيديها وهتفت فى مرح قائله :
- يبقى "عمر"
نظر اليها "أيمن" بغيظ قائلاً :
- أنا غلطان انى فتحت بقى أصلاً
ضحكت "سماح" قائله :
- أنا مفيش حاجه تستخبى عليا يا حبيبى
قال لها "أيمن" بجديه :
- اوعى تقوليلها حاجه .. سيبي "عمر" هو اللى يقولها بنفسه بالطريقة اللى هو شايفها
اتسعت ابتسامتها قائله :
- متخفش هسيبها تتفاجئ .. وأكيد هتبقى أحلى مفاجأة
*************************
دخلت "ريهام" مكتب "كرم" لتقدم له أحد الفاكسات التى وصلته قبل قليل .. تطلع الى الفاكس وهمت بالإنصراف .. لكنه استوقفها قائلاً :
- لحظة يا آنسه "ريهام" لو سمحتى
وقفت "ريهام" .. فوقف ولف حول المكتب وأصبح فى مواجهتها ..بدا متردداً قليلا ثم قال :
- عايز أسألك عن حاجه شخصية شوية
قالت ببرود :
- أسفه مش بتكلم فى أمورى الشخصية مع حد
ثم همت ابلإنصراف لكنه استوقفها مرة أخرى قائلاً :
- استنى بس .. مش خاصة بيكي انتى .. خاصة بأختك
قالت لها بدهشه :
- "ياسمين"
- أيوة
سألته بإستغراب :
- مالها "ياسمين"
جلس على المكتب .. ونظر اليها قائلاً :
- يعني كنت عايز أعرف .. يعني فى حد فى حياتها ؟
قالت بدهشة :
- فى حياتها حد ازاى يعني
- يعني معجبه بحد
صاحت بحدة :
- دى لسه مطلقه مكملتش يومين
زفر "كرم" قائلاً :
- طيب هكلمك بطريقة مباشرة .. هى لسه حسه بحاجه ناحية جوزها
قالت بسرعة :
- لأ طبعا
تمتم قائلاً :
- ممممممم كويس .. طيب .. يعني ايه رأيها فى الشغل مع "عمر" .. يعني وفى شخصية "عمر" .. بتكلمك عنه ؟
فهمت بفطنتها ما يريد قوله فأسرعت قائله :
- لأ اطلاقا .. مبتجبش سيرته خالص .. وكمان شكلها بتستتقل دمه
هتف "كرم" :
- نعم ؟ .. بتستتقل دمه ؟
قالت بحده :
- أيوة .. وبعد اذنك عندى شغل كتير وحضرتك معطلنى
قالت ذلك ثم التفتت لتنصرف .. أخذ يتابعها بنظراته وهو يضرب كفاً بكف
*************************
دخلت "ريهام" الغرفة لتجد "ياسمين" جالسه على فراشها تقرأ احدى الروايات .. جلست بجوارها قائله :
- أخبار الجميل ايه ؟
ابتسمت "ياسمين" قائله :
- الحمد لله
قالت "ريهام" بخبث :
- عارفه البشمهندس "كرم" سألنى النهاردة عن مين ؟
- عن مين ؟
- عنك
قالت "ياسمين" فى حيره :
- سأل على حاجه فى الشغل
ابتسمت "ريهام" بخبث قائله :
- لأ سأل على حاجه فى قلبك
قالت "ياسمين" بدهشة :
- نعم
ضحكت "ريهام" قائله :
- آه والله .. فضل يسألنى هى معجبه بحد .. فى حد فى حياتها .. بصراحة أول ما قالى كده قلبي وقع فى رجلى افتكرته يقصد نفسه
رفعت "ياسمين" احدى حاجبيها قائله :
- وقلبك يقع فى رجلك ليه بأه ان شاء الله
قالت "ريهام" بتأفف :
- أوووف يا ستى سيبك منى أنا دلوقتى .. خلينا فيكي .. عارفه سألنى قالى ايه .. سألنى رأيك ايه فى البشمهندس "عمر" وبتقولى عنه ايه
قالت "ياسمين" بدهشة :
- سألك كده وش
صحكت "ريهام" قائله :
- آه والله .. وأنا اللي كنت فاكراه خبيث وحويط .. طلع على نياته .. آل فاكرنى هفتن عليكي
قالت "ياسمين" بحده :
- أنا أصلا مبجبش سيرته
- حتى لو كنتى بتجيبي سيرته أكيد مكنتش هقوله
شردت "ياسمين" قليلا ثن قالت :
- كلامه غريب أوى
- أنا كمان استغربت كلامه .. بس قلبي حاسس كده ان ...............
قاطع "ريهام" صوت طرقات على الباب .. فتحت لوالدها .. قامت "ياسمين" واستقبلته مبتسمه .. بادلها والدها الابتسام قائلاً :
- "ياسمين" يا بنتى فى حاجه عايز أقولهالك
- اتفضل يا بابا
كانت "ريهام" تنقل نظرها بينهما هما الاثنان .. قال "عبد الحميد" وابتسامته تتسع على شفتيه :
- جالك عريس النهاردة
نظرت اليه "ياسمين" و "ريهام" فى دهشة .. وهتفت "ريهام" قائله :
- عريس .. مين هو
نظر "عبد الحميد" الى "ياسمين" قائلاً :
- البشمهندس "عمر"
شهقت "ريهام" من الدهشة والفرحة معاً .. أما "ياسمين" شعرت بأن قلبها قفز من صدرها من قوة دقاته .. تصاعدت حمرة الخجل الى وجنتيها .. والابتسامه تعلو شفتيها .. حاولت مداراتها .. لكنها أبت الا وأن تظهر واضحة للعيان .. أكمل الأب قائلاً :
- هو قالى انه عارف ان التوقيت مش مناسب .. بس هو عايز موافقة مبدئيه .. عشان كمان أهله جايين بعد كام يوم .. حابب يكون فى تعارف بينا وبينهم
كانت تشعر بأنها داخل حلم لذيذ ودت ألا تستيقظ منه أبداً .. "عمر" طلبها هــى للزواج .. "عمر" يرغب فى الزواج منها .. "عمر" يريدها هــى .. أخذت تردد تلك الكلمات فى عقلها وتحاول استيعابها .. نظر "عبد الحميد" اليها فى حنان وقد شعر بموافقتها على الفور .. قال لها فى حنو :
- ها يا "ياسمين" أقول للراجل ايه ؟
أسكتها الخجل فلم تجب .. قالت "ريهام" بسرعة :
- قوله هتفكر يا بابا .. هى أكيد محتاجه وقت تفكر فيه .. ما هو مش سلق بيض يعني .. ده جواز
قال "عبد الحميد" :
-خلاص هبلغه الكلام ده
ثم التفت الى "ياسمين" قائلاً :
- وانتى يا بنتى استخيري ربنا .. ولما توصلى لقرار عرفيني ..
أومأت "ياسمين" برأسها فى خجل .. خرجه والدها .. أغلقت "ريهام" الباب وقفزت لتعانق أختها قائله فى فرح :
- والله كان قلبي حاسس
تركتها "ياسمين" وجلست على السرير فلم تعد قدماها تحملانها .. جلست "ريهام" بجوارها قائله بمرح :
- انطقى يا بنتى قولى حاجه
نظرت اليها "ياسمين" قائله :
- مصدومة يا "ريهام" .. متوقعتش أبدا انه .. يعني أنا فين وهو فين .. متخيلتش أبداً ان ده ممكن يحصل
ثم نظرت الى "ريهام" قائله بلهفه :
- انتى سمعتى اللى أنا سمعته صح .. يعني بابا قال ان البشمهندس "عمر" طلب ايدي
ضحكت "ريهام" قائله :
- الله يسامحك يا "عمر" هبلت البت .. دى كانت زى الفل .. ياعيني عليكي ياختى
قالت "ياسمين" بعدم تصديق :
- أنا حسه انى بحلم يا "ريهام" .. حسه قلبي هيقف .. مش قادرة أصدق .. طيب اشمعنى أنا .. يعني أدامه بنات كتير و أنا ...........
قطعت كلامها .. نظرت "ريهام" اليها قائله :
- ايه فى ايه ؟
قالت لها "ياسمين" بإستغراب :
- "ريهام" ... هو "عمر" يعرف انى فى حكم اللى مكتوب كتابها ؟
- معرفش .. ايه ده .. بس هيعرف منين
قالت "ياسمين" وهى تفكر بعمق :
- أكيد "سماح" قالت لـ "أيمن" .. و"أيمن" قاله
صمتت قليلا ثم قالت :
- ماهو مش معقول يكون اتقدملى وهو فاكر انى اتجوزت بجد
أخرجت هاتفها فى حقيبتها الموضوعه على مقبض السرير خلفها .. ثم اتصلت بـ "سماح" قائله :
- السلام عليكم ازيك يا "سماح"
- وعليكم السلام .. تمام الحمدلله ازيك انتى يا "سمسم"
قالت "ياسمين" بلهفه :
- "سماح" انتى قولتى لـ "أيمن" حاجه عن علاقتى بـ "مصطفى"
- مش فاهمة .. ازاى يعني
- يعني قولتيله ان محصلش حاجه بينا
- ممممم لأ ما قولتلوش حاجه زى كده .. اشمعنى
قالت "ياسمين" بخفوت :
- هبقى أحكيلك .. بس ما تجبيش سيرة الموضوع ده خالص .. اتفقنا
- ماشى اتفقنا .. بس لازم أفهم .. هو نازل كمان شوية .. يخرج وأكلمك
- ماشي .. مع السلامة
- مع السلامة
نظرت الى أختها بدهشة قائله :
- بتقول ما قالتلوش .. أمال هو عرف منين ؟
قالت "ريهام" :
- أكيد معرفش
قالت "ياسمين" بإستغراب :
- ازاى يعنى .. استنى أكيد عرف من المحامى
هتفت "ريهام" قائله :
- مستحيل طبعا دى أسرار يا بنتى مستحيل محامى يخاطر بسمعته ويتكلم فى حاجه شخصيه تخص القضية مع موكل عنده
- بس ده مش أى موكل .. ده صاحب الشركة اللى بيشتغل فيها
- برده مستحيل
اتصلت "ياسمين" بالمحامى .. رأت "ريهام" الإسم فهتفت قائله :
- انتى مجنونه .. هتقولى للراجل ايه
قالت "ياسمين" بإصرار :
- لازم أتأكد
أتاها صوت أستاذ "شوقى" عبر الهاتف :
- ألو
- السلام عليكم يا أستاذ "شوقى"
- وعليكم السلام .. أهلا يا دكتورة "ياسمين"
- أهلا بحضرتك
قالت "ياسمين" بحرج :
- كنت عايزة أسأل حضرتك سؤال
- اتفضلى
- فى حد كلمك سألك عن تفاصيل القضية .. أو حضرتك شرحت التفاصيل لحد
- حد زى مين
- البشمهندس "عمر"
قال الرجل بدهشة :
- لأ طبعا .. ومال "عمر" ومال قضيتك
سألته بإصرار :
- يعني حضرتك متكلمتش معاه فى أى تفاصيل
- اطلاقاً .. أنا مبتكلمش فى تفاصيل أى قضية الا مع صاحبها .. وكمان "عمر" عارف عنى كده كويس .. فمستحيل يوجهلى سؤال زى ده
شكرته "ياسمين" بحرج قائله :
- متشكره أوى .. ومعلش أسفه ازعجتك
- لا ابدا مفيش حاجه يا دكتورة .. مع السلامه
- مع السلامه
نظرت الى أختها بدهشة قائله :
- المحامى ماقالوش
ابتسمت "ريهام" قائله :
- ياااه .. ده شكله بيحبك أوى يا "ياسمين" .. كل ده وفاكرك كنتى متجوزه بجد
ابتسمت "ياسمين" ورقص قلبها داخل صدرها على أنغام تنفسها .. وقضت ليلتها لا يوجد فى عقلها إلا صورة واحده ... "عمر" .. أغمضت عينيها وعانقت وسادتها والابتسامه على شفتيها وتمنت أن تراه فى أحلامها تلك الليلة ...
*************************
استقبل "عمر" أسرته التى وصلت الى المزرعة فى صباح اليوم التالى .. كان لقاءاً مؤثراً بعد طول غياب .. قالت "كريمه" والدته وهى تجلس بجواره على الأريكة :
-اخص عليك يا "عمر" كل دى غيبه .. مفكرتش تنزل القاهرة طول الفترة دى .. ايه موحشتكش
ابتسم "عمر" وقبل رأسها ويدها قائلاً :
- لأ طبعا وحشتيني يا ست الكل .. وعارف انى قصرت فى حقك أوى الفترة اللى فاتت .. ومش هقول أى اعذار وراضى بأى عقاب
ابتسمت وعانقته قائله :
- أيوه ما انت عارف انى قلبي حنين وبتعرف تضحك عليا بكلمتين
التفت اليه والده قائلاً :
- قولى يا حبيبى أخبارك ايه وأخبار المزرعة ايه
ابتسم له "عمر" قائلاً :
- كله تمام يا بابا متقلقش
- مش قلقان يا ابنى .. أنا عارف انى مخلف راجل
بعد دقائق وصلت سيارة عمته "ثريا" يقودها السائق الخاص بها .. فتح لها الباب .. نزلت من السيارة فخرج "عمر" لاستقبالها .. عانقها وقبلها قائلاً :
- ازيك يا عمتو .. حمدالله على السلامة
قالت بعتاب :
- أخيرا افتكرت ان ليك عمه وليك أهل تسأل عنهم ..
- يا عمتو دى لسه ماما مديانى دش من شويه
- تستاهل كده منشفكش طول الفترة دى
- ما أنا كنت بطمن عليكوا بالتليفون
- تليفون ايه .. وانت فين .. ما تشغل ناس عندك يمشولك المزرعة وانت اعد معزز مكرم فى القاهرة
غير "عمر" مجرى الحديث الذى ضايقه قائلاً :
- اتفضلى يا عمتو .. ماما وبابا وصلوا ومنتظرين حضرتك جوه
دخلت مدام "ثريا" .. صعد الجميع الى غرفهم ليرتاحوا قليلا من عناء السفر .. فى موعد الغداء التف الجميع على طاولة الطعام .. وحضر أيضاً "كرم" الذى يعد فرداً من العائلة .. استقبلهم بالرتحاب وشرع الجميع فى تناول الطعام
قالت مدام "ثريا" التى كانت فى مواجهه والد "عمر" على رأس الطاوله :
- قولى يا "عمر" مين البنت اللى عايز تخطبها
ابتسم "عمر" قائلاً :
- طيب يا عمتو نخلص أكل وأكلمكوا عنها
قالت أمه التى كانت تجلس فى المقعد المواجه له :
- احنا بنعرف نسمع كويس واحنا بنتكلم .. ها قولى ده أنا طايره من الفرح من ساعة ما قولتلى .. أخيرا قررت تتجوز وتريح قلبي
ابتسم "عمر" قائلاً لأمه :
- مكنتش أعرف ان عدم جوازى تاعبك كده
قالت له أمه بعتاب :
- انت بتهرج .. أنا قلبي مش هيدوق طعم الفرح الا لما أشوفك انت وعروستك فى الكوشة .. وأشيل أحفادى فى حضنى .. وانت ولا على بالك وحرمنى من الفرحه دى
- اديني أهو يا ست الكل .. هتجوز .. وقريب أوى هتشيلي أحفادك كمان ان شاء الله
سألته أمه مبتسمه :
- اسمها ايه ؟
بادلها الابتسام قائلاً :
- اسمها "ياسمين"
قالت أمه :
- الله .. اسمها حلو أوى
نظرت مدام "ثريا" الى "عمر" قائله :
- ها يا "عمر" .. ما قولتليش مين عيلتها .. حد نعرفه ؟
تنحنح "عمر" ثم نظر اليها قائلاً :
- لأ مش بنت حد نعرفه يا عمتو .. باباها راجل على المعاش كان بيشتغل فى وظيفه حكومية .. ووالدتها متوفيه .. وليها أخت واحده أصغر منها .. وهى .."ياسمين" .. بتشتغل دكتورة بيطرية هنا فى المزرعة .. وأختها كمان سكرتيرة "كرم"
وأشار فى آخر جملة برأسه الى "كرم" الجالس بجواره .. تبادل والده ووالدته النظرات ثم نظروا اليه فى صمت .. لكن وجه مدام "ثريا" ظهر عليه علامات الغضب .. وهتفت قائله :
- يعني ايه بنت موظف على المعاش .. وهى واختها بيشتغلوا هنا فى المزرعة
قال "عمر" ببرود :
- ووالدها كمان بيشتغل هنا .. مسؤل عن مخزن العلف
قالت مدام "ثريا" بسخرية :
- ما شاء الله خلصت من "نانسي" وعيلتها .. ووقعت فى "ياسمين" وعيلتها
هتف "عمر" بحده :
- لو سمحتى يا عمتو .. أنا لا عايز أفتكر "نانسي" وعيلتها .. ولا عايز حد يتكلم بطريقة مش كويسة عن "ياسمين" وعيلتها
قالت بحده مماثله :
- لازم تفضل فاكر "نانسي" .. عشان تقدر تتعلم من أخطائك .. لأنك شكلك وقعت فى نفس الغلط مرة تانية
كان والداه يتابعان ما يحدث فى صمت .. حاول "عمر" تمالك أعصابه ونظر الى عمته قائلاً :
- أنا مش طفل صغير .. أنا راجل وناضج وواعى .. يعني صعب أوى أقع فى نفس الغلط مرتين .. ده بالإضافه ان دى حياتى .. ومن حقى أختار الانسانه اللى هتشاركنى فيها .. وأنا ميهمنيش المستوى المادى لـ "ياسمين" .. طالما احنا الاتنين متفاهمين .. وبعدين لو بنقيسها بالمسطرة يبقى أنا أقل منها فى المستوى الثقافى والعلمى لأنها دكتورة وأنا خريج زراعة
قالت مدام" ثريا" بحنق :
- ده اسمه تهريج .. انت راجل ناجح فى حياتك ورجل أعمال له اسمه ووزنه فى مصر .. وانسان مثقف ومتحضر .. وابن عيله من أكبر العائلات فى مصر .. ازاى تقارن نفسك لوحده بنت موظف وتقول انها اعلى منك
قال "عمر" بحزم :
- وعشان كل اللى حضرتك قولتيه ده ... أعتقد انى ناضج كفاية انى أختار الانسانه اللى أتجوزها
صمتت مدام "ثريا" ووجها محتقن من شدة الغضب .. نظر "عمر" الى "كرم" .. ثم نظر اليهم جميعا وأخذ نفسا عميقا ثم قال :
- وأحب أقولكوا معلومة تانية عن "ياسمين"
نظر اليه الجميع وتعلقت عيونهم به .. صمت قليلا ثم قال بهدوء :
- "ياسمين" مطلقة
شهقت أمه .. ونظرت اليه بدهشة .. أما عمته فقد قامت من مكانها وقالت :
- دى مهزله .. أنا مش ممكن أبداً أوافق على المهزله دى
ثم غادر وصعدت الى غرفتها .. ساد الصمت لفترة .. استأذن "كرم" فى الانصراف وغادر فى صمت .. بعد برهه نظرت اليه أمه قائله :
- مطلقة يا "عمر" ؟
ثم استطردت قائله :
- ليه انت نقصك ايه عشان تتجوز واحدة مطلقه
زفر "عمر" بضيق قائلاً :
- ومالها المطلقه مادام اتظلمت فى جوازتها الأولى
تعالى صوتها قائله :
- وأنا مالى وملها .. ماتتجوز واحد مطلق واتظلم زيها .. لكن ابنى اللى متجوزش قبل كده يتجوزها ليه ؟
قال "عمر" بصرامة :
- يتجوزها عشان بيحبها .. وعشان شايف ان هى دى الإنسانه اللى مناسبه ليه .. وبعدين هى اتجوزت شهر واحد بس .. يعنى ما أعدتش معاه كتير
قالت أمه بحده :
- وايه سبب طلاقها
قال "عمر" ببرود :
- خانها وضربها .. ورفعت عليه قضيه خلع .. وكسبتها من كام يوم
صاحت أمه فى غضب :
- والهانم مقدرتش تستنى حتى لحد ما عدتها تخلص .. قامت لفت على ابنى
قال "عمر" فى غضب :
- ماما لو سمحتى .. انتى بتتكلمى عن الانسانه اللى انا بحبها .. واللى هتجوزها
قامت أمه وقالت بصرامة :
- لو انت اتجوزت البنت دى اعرف انى مش راضيه عنك ولا عن جوازتك دى
غادرت وصعدت الى غرفتها هى الآخرى .. ساد الصمت لفتره .. ثم سأله أبوه قائلا :
- انت واثق فيها هى وأهلها ؟ .. يعنى أقصد سبب طلاقها ؟
أومأ "عمر" برأسه قائلا :
- أيوة يا بابا .. أصلا أستاذ "شوقى" المحامى بتاعنا هو اللى كان متابعلها القضية بتاعتها
أطرق أبوه برأسه قليلا ثم نظر الى "عمر" قائلا :
- انت أدرى بمصلحتك يا ابنى .. وزى ما قولت انت ناضج كفايه عشان تختار شريكة حياتك صح .. لو مكنتش ناضج مكنتش قدرت تكتشف زيف "نانسي" وتتخلص منها
ابتسم "عمر" بوهن قائلا:
- كويس على الأقل واحد من العيله دى واقف فى صفى
ابتسم له أبوه قائلا :
- كل حاجه غير مألوفه بتاخد وقت عشان تخلى اللى أدامك يتعود عليها .. بالصبر وطولة البال تقدر تاخد كل اللى انت عايزه
جلست "كريمة" على الفراش واجمه .. سمعت طرقات صغيره على الباب .. قالت :
- ادخل
دخل "عمر" وأغلق الباب خلفه بهدوء .. أشاحت بوجهها عنه فى غضب .. فوقف قليلا ينظر اليها صامتاً .. قطعت أمه هذا الصمت قائله دون أن تنظر اليه :
- زى ما قولتلك .. عايز تتجوزها اتجوزها .. بس انا لا هبقى راضيه عنك ولا عن جوازتك .. ومعنديش كلام تانى أقوله
نظر اليها "عمر" قائلا:
- وأنا مش هعمل حاجه انتى مش راضيه عنها
نظرت اليه أمه مبتسمه .. فأكمل بحزم قائلا :
- بس لو متجوزتش "ياسمين" مش هتجوز غيرها
قالت أمه بدهشة :
- يعنى ايه ؟
قال بهدوء وحزم :
- يعنى لو رفضتى جوازى منها .. تنسي تماما موضوع جوازى ده وترميه وره ضهرك .. لانى لو متجوزتهاش مش هتجوز أبداً .
قال ذلك ثم فتح الباب وخرج بهدوء .. تنهدت "كريمة" تنهيده حسره ممزوجه بــ .... الحيرة.
↚
جلس "عمر" فى مكتبه واجماً يفكر فى العاصفة التى ثارت فى منزله الليلة الماضية ..لم يكن لديه أدنى استعداد للتنازل عن "ياسمين" .. لكنه أيضاً يريد من عائلته أن تتقبل زواجه منها .. وأن يباركون هذا الزواج .. كان شارداً .. عندما طرق "كرم" الباب ودخل وجلس أمام "عمر على المكتب .. نظر اليه قائلاً :
- متضايقش نفسك .. أصلاً أنا كنت متوقع حاجه زى كده
سأله "عمر" قائله :
- ليه توقعت كده ؟
- يعني أكيد أهلك عايزينلك بنت متكنش اتجوزت قبل كدة ويكون مستواكم متقارب ...
صاح "عمر" بحده :
- ما أنا كنت خاطب اللى متجوزتش قبل كده .. واللى كانت من نفس مستوايا .. خدت منها ايه غير قلة الأدب والخيانة والطمع والإستغلال
هدءه "كرم" قائلاً:
- "عمر" أنا فاهم كل اللى انت بتقوله ده .. أنا بكلمك عن وجهة نظرهم هما
قال "عمر" بحزم :
- لازم تتغير .. وجهة نظرهم دى لازم تتغير
- وهتغيرها ازاى ؟
زفر فى ضيق قائلاً :
- معرفش بس لازم تتغير .. أنا قولت لأمى امبارح أنا مش هعمل حاجه غير برضاكى .. بس لو متجوزتش "ياسمين" مش هتجوز أبداً ..
قال "كرم" :
- الله ينور عليك .. هو ده الكلام اللى هيجيب مع أمك .. بس المشكلة فى الراسين الكبار .. أبوك وعمتك
- لأ بابا معندوش اعتراض .. هو طول عمره مبيرضاش يجبرنى على حاجه .. وبيثق فى قراراتى
صاح "كرم" فى مرح :
- كده فل أوى .. باقى بأه عمتك
قال "عمر" بضيق :
- أنا مش هاممنى توافق ولا متوافقش .. هى مبتفكرش غير فى اسم عيلتها بس .. لا بتفكر فيا ولا فى اللى يريحنى .. هى على طول مناخيرها فى السما .. حتى فى تعاملاتها وصداقاتها العادية مبترضاش تتعامل إلا مع ناس من نفس مستواها .. عارف عصر البشوات والبكوات .. أنا حاسس ان عمتو لسه عايشه فيه لحد دلوقتى
- طيب تمام طالما مش همك رأيها ... كبر يا باشا
- أنا كان نفسي طبعا انها تكون مرحبة بـ "ياسمين" .. لكن طالما هى شايفه ان جوازى منها مهزلة .. خلاص هى حره
ابتسم "كرم" قائلاً :
- هى أصلا طول عمرها منمره عليك لبنتها
قال "عمر" متحكماً :
- أهو بنتها دى نسخه مصغره منها .. لو فاكرانى فى يوم هفكر فيها تبقى بتحلم وهتفوق على كابوس .. ما كانت أدامى قبل "نانسي" مخطبتهاش ليه .. مش هاجى دلوقتى وأرمى نفسي الرمية السودة دى .. وبعدين أنا بعتبر " ايناس" دى اختى .. عارف يعني ايه اختى .. يعني مستحيل افكر فيها بشكل تانى
هنا طرق "أيمن" الباب ودخل ... علم من "عمر" ما حدث ليلة أمس .. فقال :
- انت غلطان يا "عمر" مكنش لازم تكلم أبوها الا بعد ما تكلم أهلك الأول
قال "عمر" بحدة :
- "أيمن" .. أنا هتجوز "ياسمين" .. بابا وموافق .. وأمى أنا هعرف أقنعها ازاى .. وميهمنيش رأى أى حد تانى
نظر اليه "أيمن" قائلاً :
- بس عمتك ممكن تسببلك مشاكل مع عيلة "ياسمين" خاصة انت ناوى تجمعهم مع بعض وتعرفهم ببعض
زفر "عمر" بضيق قائلاً :
- وهو ده اللى أنا خايف منه .. "ياسمين" حساسه أوى .. ومعتزة بكرامتها أوى .. وخايف عمتو تقول كلمة تضايقها
قال "أيمن" :
- خلاص يبقى أجل المقابله دى دلوقتى لحد ما الوضع عندك يهدى .. لأن لو العيلتين التقابلوا فى ظل التوتر ده .. هتكون النتيجة مؤسفه
أومأ "عمر" برأسه قائلاً :
- معاك حق .. هأجل المقابله دى لحد ما الجو يهدى شويه .. وربنا يهديهم ويوافقوا .. عشان متحصلش مشاكل .. لان اللى هيجرح "ياسمين" بكلمة أنا مش هسكتله
ابتسم "أيمن" قائلاً :
- شكلك بتحبها أوى
نظر اليه "عمر" قائلاً والابتسامه على شفتيه :
- بحبها بجد
قال "أيمن" :
- وهى بنت حلال وأنا واثق انك مش هتلاقى أحسن منها ..
نظر "أيمن" بنظرة ذات معنى الى "كرم" قائلاً :
- هى وأختها بصراحة بنتين ميتسابوش
صاح "كرم" :
- لا كله كوم وأختها دى كوم تانى خالص .. ده أنا لا شوفت زيها ولا هشوف
قال له "أيمن" بتحدى :
- تنكر انها بنت جدعة ومحترمة ومؤدبة وشخصيتها قوي
ابتسم "كرم" قائلاً :
- بصراحة منكرش .. ومنكرش كمان ان شخصيتها عجبانى .. مجننانى بس عجبانى
رفع "عمر" احدى حاجبيه قائلاً بإبتسامه :
- والله
نهض "كرم" وصاح وهو يغادر الغرفة :
- ايه فى ايه .. بقول شخصيتها عجبانى .. مش هى عجبانى
*******************
كان هذا الصباح أيضاً مختلفاً بالنسبة الى "ياسمين" .. كانت تشعر بأنها فى حلم جميل .. تخشى أن تستيقظ منه .. مازالت لا تصدق ما أخبرها به والدها منذ يومين .. منذ يومين وهى ترفرف بجناحيها فى سماء السعادة .. شعرت بأن أيام بؤسها ولت مدبره .. وأيام فرحها أتت مستبشره .. كانت شارده عندما ناداها دكتور "حسن" قائلاً :
- دكتورة "ياسمين"
ذهبت اليه مسرعه قائله :
- أفندم يا دكتور
أعطاها ملفاً وقال لها :
- ممكن لو سمحتى تدى تقرير آخر الاسبوع للبشمهندس "عمر" فى مكتبه .. وعرفيه النواقص اللى اتكلمنا فيها مع بعض امبارح .. لاننا محتاجينها ضرورى
أخذت الملف قائله :
- حاضر يا دكتور
ذهبت وهى تقدم قدماً وتؤخر الأخرى .. كانت متلهفه على رؤيته .. لكنها متوتره للغايه .. تخشى أن يصدر منه ما يضايقها .. لكن لهفتها غلبت خوفها .. طرقت الباب ثم فتحته ودخلت .. كان "عمر" جالساً مع "أيمن" .. فحمدت الله على ذلك .. تقدمت قائله :
- ده التقرير الاسبوعى يا بشمهندس
ابتسم لها "عمر" ونظر اليها بإعجاب لم يحاول حتى أن يخفيه .. أخذه "عمر" قائلاً :
- متشكر
لم تجد صوتاُ تخبره به بالنواقص كما طلب منها دكتور "حسن" ودت لو هربت من أمامه فى التو واللحظة .. كانت حمرة الخجل تزين وجنتيها .. تأملها "عمر" فى اعجاب للحظة قبل أن تستأذن لتنصرف ..ظل "عمر" محتفظاً بإبتسامته حتى بعد انصرافها .. قال له "أيمن" مازحاً :
- ايه يا عم روحت فين
سأله "عمر" بنفس الابتسامه :
- تفتكر ممكن ترضى بكتب الكتاب مع الخطوبة .. ولا هتخاف ؟
قال "أيمن" مطمئناً اياه :
- اطمن حتى لو موفقتش .. معتقدش الخطوبة ممكن تطول .. بصراحة أنا شايفكوا لايقين لبعض أوى
قال "عمر" بمرح وهو يفتح التقرير الذى أمامه :
- طيب يلا على مكتبك يا "باشمهندس" خليني أشوف شغلى
قال "أيمن" مبتسماً :
-دلوقتى نفسك اتفتحت للشغل .. ماشى ربنا يهنيك يا سيدى
********************
عكفت "ياسمين" مع زميلتها "ولاء" على انهاء التقارير اليومية .. كانت "ولاء" تعمل منذ سنوات فى المزرعة .. فى نفس القسم الذى تعمل به "ياسمين" .. اقتصرت علاقتهما طوال الفترة الماضية على التعاون فى أداء عملهما .. لم تسبب لها "ولاء" أى مشاكل .. ولم يكن أى ملاحظات سلبيه عليها .. كانت فتاة بسيطة مثلها .. تعيش فى نفس القرية الموجود بها المزرعة .. ابتسمت "ياسمين" قائله :
- وأخيراً خلصنا
تمطعت "ولاء" لتريح آلام ظهرها من طول الجلوس قائله بتعب :
- ياه .. النهاردة كان يوم متعب جدا
- معلش .. أدينا خلصنا
قالت "ولاء" بتأفف :
- كتابة التقارير كل يوم حاجه مملة جداً
قالت "ياسمين" وهى تنهض لتحضر حقيبتها :
- معلش بس لازم نكتبهم كل يوم .. أحسن ما نراكمهم لآخر الاسبوع .. يلا سلام أشوفك بكرة
أوقفتها "ولاء" قائله :
- استنى يا "ياسمين" عايزاكى
التفتت اليها "ياسمين" تنظر اليها قائله :
- خير ؟
بدت "ولاء" متردده قليلا .. ثم عزمت أمرها وقالت :
- ممكن نعد نتكلم مع بعض شوية
قالت "ياسمين" بإستغراب :
- آه طبعا
جذبت "ياسمين" كرسي وجلست بجوارها .. ساد الصمت لبرهه .. بدت وكأن "ولاء" تحاول استجماع أفكارها .. فحثتها "ياسمين" قائله :
- خير يا "ولاء" .. فى حاجه خاصه بالشغل
- لأ مش خاصه بالشغل
- أمال خاصه بايه
نظرت اليها "ولاء" وقالت بهدوء :
- خاصه بيكي انتى
قالت "ياسمين" بدهشة :
- بيا أنا
- أيوة
- طيب .. قولى
نظرت "ولاء" اليها قائله :
- هتكلم معاكى بس مش عايزاكى تقاطعيني غير لما اخلص كلامى .. اتفقنا ؟
أومأت "ياسمين" برأسها وهى توليها كل انتباهها .. تحدثت "ولاء" بهدوء قائله :
- أنا شغاله هنا فى المزرعة من 3 سنين .. يعني عارفه الناس اللى هنا كويس .. وأولهم ... "عمر"
نظرت اليها "ياسمين" بدهشة .. لكنها لم تقاطعها .. فأكملت "ولاء" قائله :
- زيي زي بنات كتير هنا .. طبعا "عمر" راجل بنات كتير يتمنوه .. بس الموضوع كان تطور معايا أوى .. مبقاش اعجاب أو حلم بشخص ... أنا حبيته بجد
قالت جملتها الآخيرة وهى تنظر فى الأرض وكأنها تخجل من هذا الإعتراف .. ثم أكملت قائله :
- هو طبعا مكنش حاسس بيا .. ولا كان شايفنى أصلاً .. لانى طبعاً مش من البنات اللى يجذبوا انتباه واحد زى ده .. وأنا مش من البنات اللى تحاول تجذب انتباه راجل ليها .. حتى لو كنت بحبه وبموت فيه .. وعشان كده حبي فضل محبوس فى قلبي محدش يعرف عنه حاجه .. مبتدتش أفوق من الوهم اللى كنت معيشه نفسي فيه إلا لما عرفت انه خطب .. ما أقولكيش الدنيا اسودت فى عنيا ازاى .. بس حمدت ربنا .. لان ده صحانى وفوقنى .. وحسسنى انى بضيع عمرى وأحلى أيامى فى حب من طرف واحد .. حب ملوش أى مستقبل .. حب أنا الوحيدة اللى بدوق عذابه .. بس كان فى فضول جوايا انى أشوف خطيبته .. وفضلت أسأل نفسي يا ترى شكلها ايه .. يا ترى لبسها ازاى .. يا ترى يا ترى .. وبعد فترة من خطوبته جاب خطيبته هنا المزرعة تقضى كام يوم هى وأهلها .. لما شوفتها عرفت ان حبي ليه مكنش مستحيل بس .. لا ده كان من رابع المستحيلات
صمتت فسألها "ياسمين" قائله :
- ليه ؟
أكملت "ولاء" بنفس الهدوء وهى تنظر الى "ياسمين" :
- بصراحة مش لاقيه وصف مناسب ليها إلا وصف النبي صلى الله عليه وسلم (نساء كاسيات عاريات) .. على أد ما كنت بحبه على أد ما احتقرته أوى .. مش غيره منى عشان خطب غيري .. لأ .. عشان خطب دى بالذات واختار دى بالذات .. هى دى اللى شفها انها زوجه مناسبه له .. اتصدمت فيه بجد .. كنت فاكراه انسان عاقل وناضج .. طلع زى رجاله كتير أوى ما بيجروش الا ورا رغباتهم وبس .. عايز البنت الصارخة الجمال اللى يتباهى بيها وسط الناس .. يعني واحد معندوش أى نخوة .. ومش لاقيه وصف مناسب ليه الا وصف النبي صلى الله عليه وسلم : (ديوث) ..
ارتجف قلب "ياسمين" من هول الكلمة .. أكملت "ولاء" بسخريه :
- طبعا هو كان ماشى معاها وفرحان بيها .. بشكلها وبلبسها اللى هيتقطع من كتر ما هو ضيق عليها .. وماشى معاها فى المزرعة يفرج الناس عليها وكأنه بيقولهم المزة دى خطيبتى
صمتت قليلا ثم قالت :
- عارفه .. لما شوفتهم مع بعض .. حمدت ربنا انه كشفه أدامى .. وشوفت اللى جواه .. لانى كنت مخدوعه بالظاهر .. راجل .. وجدع .. ومستوى .. وابن ناس .. ومتعلم .. ويعتمد عليه .. وواثق فى نفسه .. وشخصية جباره ..بس عارفه .. على الرغم من كل ده .. الا انه انسان سطحى أوى .. بيهتم بالمظاهر وبس .. والجواز بالنسبه له واحده حلوة تكون على الفرازه عشان مزاجه وبس .. لان ده لو بيفكر فى بيت وأسرة وعشرة وأولاد وتربية ومسؤليه وربنا وحساب و جنه ونار مكنش اختار واحده زى دى واتبسطت من اللى هى عملاه فى نفسها .. حمدت ربنا انه فوقنى من الوهم ده ..
كانت "ياسمين" تستمع اليها فى وجوم .. نظرت اليها "ولاء" وأكملت قائله :
- عارفه أنا عمرى ما خرجت اللى فى قلبي ولا قولت الكلام ده لحد .. بس عارف قولتلك انتى بالذات ليه ؟
نظرت "ياسمين" اليها مستفهمه .. فأكملت قائله :
- لانى حساكى ماشيه فى نفس الطريق اللى كنت ماشيه فيه .. صحيح تصرفاتك محترمه والشهاده لله ما شوفتش أى تصرف أو كلمة غلط صدرت منك .. بس بيبقى واضح أوى على وشك لما بتشوفيه انك حسه بحاجه نحيته
أطرقت "ياسمين" رأسها فى خجل .. فأكملت "ولاء" قائله :
- أنا كنت موجودة فى الاستراحه يوم ما الدكتورة "مها" عملت فيكي الفصل البايخ ده .. بصراحة "مها" دى مبحبهاش .. واحتقرتها أكتر من اللى عملته فيكي .. ابعدى عنها أحسن يا "ياسمين" .. وكمان "شيماء" متثقيش فيها .. هى آه مش زى "مها" بس من النوع اللى ما بتنصفش حد .. يعني معاكوا معاكوا عليكوا عليكوا
صمتت "ياسمين" للحظات ثم سألتها قائله :
- تعرفى ليه خطوبتهم اتفسخت ؟
تنهدت "ولاء" قائله :
- بصراحة لأ .. بس اخر يوم كانوا فيه فى المزرعة كان باين عليهم انهم متخانقين .. و "عمر" كان مضايق جدا .. وهى كمان .. مكنتش راضية تركب جميه وشوفت مامتها بتزقها عشان تركب أدام .. واضح ان فى مشكلة كبيرة حصلت بينهم .. لكن ايه هى الله أعلم
صمتت قليلا ثم قالت :
- فى نفس اليوم "عمر" عمل حادثة بالعربية وهما راجعين القاهرة
هتفت "ياسمين" بدهشة :
- حادثه ؟
- أيوة .. وفى الحادثة دى باباها اتوفى .. وبعدها بفترة عرفنا ان الخطوبة اتفسخت .. بس لحد دلوقتى منعرفش اتفسخت ليه .. بس اللى عرفته ان باباها طلع مديون .. وكل أملاكهم البنك حجز عليها .. حتى الجرايد كتبت عن الموضوع ده لانه كان رجل أعمال كبير
شردت "ياسمين" فى كلام "ولاء" .. فأخرجتها "ولاء" من شرودها قائله :
- وفى حاجه كمان حابه أقولهالك عشان أبقى خلصت ضميري أدام ربنا
قالت "ياسمين" بوهن :
- اتفضلى
أكملت "ولاء" قائله :
- بعد الحادثة وبعد ما الخطوبة اتفسخت .. "عمر" جه واستقر هنا .. وبعد فترة سمعنا اشاعات عنه
قالت "ياسمين" بإستغراب :
- اشاعات ايه ؟
قالت "ولاء" :
-كان فى هنا غفير اسمه "عويس" .. وكانت مراته "صفية" بتشتغل فى بيت المزرعة .. فجأة اختفوا هما الاتنين ومحدش يعرف طريقهم
صمتت قليلاً ثم قالت بشئ من التردد :
- سمعنا ان "عمر" كان على علاقة بـ "صفية".. و"عويس" اكتشف الموضوع وخد مراته ومشى من المزرعة .. معرفش مشوا بنفسهم ولا "عمر" طردهم .. ومعرفش أصلا القصة دى صح ولا لأ أنا مشوفتش حاجه بنفسي .. بس فى كلام كتير فى الموضوع ده .. احنا هنا فى بلد أرياف وأنا عايشة فى البلد دى والبلد صغيره والكل عارف بعضه .. عشان كده مفيش حاجه بتستخبى
كانت "ياسمين" تستمع اليها وعلى وجهها علامات دهشة ممزوجة بالألم
نظرت اليها "ولاء" فى حنو قائله :
- اللى أنا شيفاه على وشك دلوقتى بيدل على انى كان عندى حق .. وانك فعلا حسه بحاجه نحيته والا مكنش كلامى زعلك كده .. ربنا يعلم انى ماقولتش الكلام ده الا عشان مش عيزاكى تتجرحى .. أو يتلعب بيكى .. خاصة وانى واخده بالى ان "عمر" مهتم بيكي .. وواخده بالى من نظراته نحيتك .. أنا مكنش فى خوف عليا .. لانه مكنش حاسس بيا أصلاً .. لكنى لما حسيت انه بيحاول يقربلك .. خفت عليكي .. قولت لازم أنبهك ..
قامت وحملت حقيبتها قائله :
- أنا مضطرة أمشى دلوقتى عشان اتأخرت .. أشوفك بكرة ان شاء الله
قالت ذلك وغادرت .. وظلت "ياسمين" مكانها شاردة واجمه.
***********************
التف الجميع حول طاولة العشاء فى بيت المزرعة .. ساد الصمت طويلاً .. ظلت "كريمة" ترمق ابنها الجالس أمامها بنظراتها بين الحين والآخر .. قطعت أمه هذا الصمت قائله :
- نسيت أسألك ايه الحرق اللى فى ايدك ده يا عمر
ألقى "عمر" نظرة على الحرق فى يده وتحسسه قائلاً :
- عقاب
قالت بدهشة :
- عقاب
قال بمراره وقد شرد قليل :
- أيوة عقاب .. عقاب من ربنا
قاطعت مدام "ثريا" حديثهم قائله:
- "ايناس" جايه بكرة
التفتت "كريمة" اليها قائله بإبتسامه :
- كويس
قالت مدام "ثريا" بلهجة قوية :
- كانت جايه أصلاً عشان تتعرف على عروسة "عمر" .. بس بما ان الموضوع اتقفل .. هتيجي تعد يومين ونرجع سوا
ترك "عمر" الملعقة من يده بحده ونظر الى عمته قائلاً :
- أنا ما قولتش ان الموضوع اتقفل
توتر الجو .. قالت مدام "ثريا" بحده :
- يعني ايه ؟
نظر اليها "عمر" بحزم قائلاً :
- يعني أنا هتجوز "ياسمين" .. الموضوع متقفلش
ثم نظر الى والدته نظره ذات معنى قائلاً :
- يا هى .. يا مفيش جواز
صاحت عمته غاضبة :
- أنا مش فاهمة انت ليه مصر عليها .. هو اللى خلقها مخلقش غيرها
حاول "عمر" تمالك أعصابه .. لكن كلمات خرجت بحده شديدة :
- أنا مش فاهم انتوا ليه حكمتوا عليها من قبل ما تشوفوها .. مش تشوفوها الأول وتعدوا معاها وبعدين تقرروا هى مناسبه ولا مش مناسبه .. رغم ان القرار ليا بس برده انتوا عيلتى ويهمنى ان العلاقه بينكوا وبين الانسانه اللى اخترها تكون كويسه
قالت أمه ببرود :
- نشوفها أو منشوفهاش ده مش هيغير واقع انها مطلقه
أضافت عمته فى عصبيه :
- وبنت موظف على المعاش يعني لا ليها أصل ولا فصل
قام "عمر" من فوره غاضباً وأزاح كرسيه وقال :
- كفاية لحد كدة سمعت بما فيه الكفاية
خرج غاضباً من البيت وتوجه الى سيارته .. ركب بعصبيه ثم انطلق خارج المزرعة
ساد الصمت فى حجرة الطعام وتوقف الجميع عن تناول طعامهم .. قال "نور الدين " موجهاً حديثه لزوجته وأخته :
- انتوا ليه مصريين تخسروه ؟
نظرت اليه أخته بحده قائله :
- يعني انت عاجبك اللي ابنك عايز يعمله ده
قال بحده مماثله :
- وهو عايز يعمل ايه .. يتجوز على سنة الله ورسوله .. ايه المشكلة فى كده
ظهرت علامات الغضب على وجه "كريمه" وقالت :
- عايز يتجوز واحده مطلقه
- وايه المشكله يعني ؟ .. طالما شايف انها مناسبه ليه .. وطالما ان جوازتها الأولى كان الغلط من جوزها مش منها .. وكمان جوازها كان شهر واحد زى ما قالنا
قالت "كريمه" بإستغراب:
- يعني انت موافق ؟ .. موافق ان ابنك الوحيد يتجوز واحده كانت متجوزه قبل كده
قال بحزم :
- أيوة موافقه .. لان دى حاجه تخصه هو لوحده ملناش اننا نتدخل فيها .. وابنك راجل مش عيل صغير .. بيدير مجموعة شركات كبيرة فى مصر .. مش هيقدر يدير حياته ؟
قالت "كوثر" فى غضب مكتوم :
- انتوا حريين وافقوا زى ما انتوا عايزين .. أما أنا فمش ممكن أبارك الجوازه دى .. عنده مليون بنت مش لاقى الا دى ويختارها .. ليه من قلت البنات فى البلد .. واحدة زيها تيجي ايه جمب بنتى "ايناس" عشان يسيبها ويبص لبره .. "ايناس" مش عجباه .. والست اللى سبق لها الجواز هى اللى عجباه
نظر اليها "نور الدين" قائلاً ببرود :
- هو حر .. يختار البنت اللى على مزاجه .. اذا كانت البنت دلوقتى مبتتغصبش على الجواز .. هنيجى نغصب الولد
قالت "ثريا" بتعالى :
- ويتغصب ليه .. هى "ايناس" دى فى زيها .. بنت عيله وأدب وأخلاق وجمال ومال وحسب ونسب .. يعني لقطة أى شاب يتمناها
قالت "كريمة" مبتسمه تحاول تلطيف الجو :
- طبعا دى "ايناس" دى ست البنات
قالت لها "ثريا" بتهكم :
- قولى لابنك .. بدل ما يبص بره العيله .. احنا أولى بلحمنا
قالت ذلك ثم انصرفت غاضبه الى غرفتها
دخل "أيمن" الأنتريه وقدم الى "عمر" صنيه موضوع عليها شاى وطبق من الكيك .. ونظر الى صحبه قائلاً :
- دوق بأه الكيك ده .. حاجه كده عمرك ما دوقت زيها فى حياتك
تناول "عمر" رشفه من فنجانه وظل صامتاً .. نظر اليه "أيمن" قائلاً :
- أنا كنت متوقع كده
نظر اليه "عمر" قائلاً :
- انت هتقولى زى "كرم" .. هو كمان كان متوقع كده .. اشمعنى أنا الوحيد اللى متوقعتش كده
أخذ "أيمن" فنجانه ورجع الى الوراء قائلاً :
- للأسف احنا فى مجتمعنا شويه أفكار متخلفة عايزه بنزين وعود كبريت ويتولع فيها .. دايماً يُنظر للمرأة المطلقة بدنيويه كأنها مش زى باقى النساء .. حتى لو سبب الطلاق مش منها .. برده لازم يتبصلها البصه دى .. وكل أم بتبقى هتجنن لو ابنها قال ان عايز يتجوز واحده اتجوزت قبل كده على الرغم ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يتزوج الا واحدة بس بكر وهى أمنا عائشة رضى الله عنها وباقى أمهات المؤمنين كانوا متزوجات قبل كده وأولهم أمنا خديجه رضى الله عنها اللى النبي صلى الله عليه وسلم قال (انى رُزقت حبها)
تمتم "عمر" :
- عليه الصلاة والسلام
تنهد عميقاً ثم قال :
- أنا كمان مكنتش أتخيل فى يوم من الأيام انى ممكن أتجوز واحده اتجوزت قبل كده .. بس بجد حبيتها يا "أيمن" .. كل حاجه فيها عجبانى .. هى دى الزوجة اللى أتمناها فعلاً .. فاكر لما قولتلى انك مش بتدور على زوجة وبس .. انت بتدور على أم لولادك كمان
أومأ "أيمن" برأسه .. فأكمل "عمر" قائلاً :
- أهو انا شايف "ياسمين" مش بس زوجه .. شايفها أم لولادى .. وصاحبه .. وحبيبه .. وأخت .. وصديقه .. وكل حاجه فى دنيتي .. بجد بحبها أوى .. ومش هرتاح الا لما تكون ليا
ابتسم "أيمن" قائلاً:
- ان شاء الله هتكون ليك .. بس انت اصبر شوية .. وبلاش صدام بينك وبين أهلك .. لحد ما يتقبلوا الأمر ان شاء الله ..بس قول يارب
تمتم "عمر" قائلاً :
- يارب .. يارب تكون من نصيبي
*******************
كان يقف يعطى تعليماته لأحد العمال عندما وجدها فجأة تقف أمامه .. صرف العامل ثم توجه ناحيتها قائلاً :
- "نهلة" .. ايه اللى جابك هنا
قالت "نهلة" ببرود :
- عايزة أتكلم معاك
قال لها بتأفف :
- مش فاضى .. عندى شغل
قالت بحده :
- دلوقتى يا "مصطفى"
ثم استطردت قائله وفى عينيها نظره محذره :
- حالاً
ذهبا الى حيث مكتبه وطلب من زميله مغادرة المكتب للحظات .. أغلق الباب ونظر اليها قائلاً ببرود :
- خير فى ايه ؟
نظرت اليه قائله :
- أنا حامل
اتسعت عينا "مصطفى" دهشه وهتف قائلاً :
- نعم ياختى
قالت بحزم :
- بقولك أنا حامل
صمت قليلاً يحاول استيعاب الأمر ثم نظر اليها قائلاً بحده :
- وأنا ايه يضمنلى انك حامل منى أنا .. انتى أصلا واحدة تييييييييييييت .. روحى شوفى مين أبوه أنا مش ممكن أعترف بيه
صاحت "نهلة" بحده :
- آه يا تييييييييييييت .. انت عارف ان محدش لمسنى غيرك
قال بسخرية :
- لا مش عارف .. وأنا ايه يثبتلى كلامك ده
قالت بصرامة :
- بسيطة يا بشمهندس .. تحليل صغير للـ DNA يتعمل وفى خلال شهر واحد بتطلع النتيجه
بُهت "مصطفى" .. فأكملت "نهله" قائله :
- ولو رفعت بالتحليل ده قضية هقدر بكل سهولة انى أثبت انه ابنك وأكتبه بإسمك كمان
جلس "مصطفى" فلم تعد قدماه تحملانه .. أخذ يتخيل كلام من حوله عندما تُلطخ سمعته بهذا الشكل .. قال بوهن :
- والمطلوب دلوقتى
قالت "نهلة" بقسوة :
- المطلوب اننا نتجوز
قفز من مقعده صائحاً :
- نعم يا روح أمك
قالت "نهلة" بلهجة تهديد :
- اعملها بمزاجك أحسن من الفضيحة فى المحاكم .. ده غير الفصيحة اللى هعملهالك هنا فى شغلك وعند بيتك .. مش هخلى حد الا ويتف فى وشك
صرخ قائلاً :
- وهتفضحى نفسك انتى كمان
قالت بمراره :
- أنا كده كده خلاص اتفضحت يعني عليا وعلى أعدائي
صمت يحاول استيعاب الموقف .. ثم نظر اليها قائلاً :
- وأهلك هتقوليلهم ايه على الجوازه السريعة دى
قالت بسخريه :
- أهلى ؟ .. انت عارف ان اخواتى كلهم متجوزين وكل واحد فى حاله محدش بيسأل عنى ولا أصلا أفرق معاهم فى حاجه مليش الا أمى ودى ما هتصدق تخلص منى والبيت يفضى عليها هو وجوزها
قال بسخريه :
- مرتبه كل حاجه يعني
نظرت اليه قائله بلهجة تهديد :
- آخر الاسبوع تكون كتبت عليا يا "مصطفى" .. وإلا وديني وما أعبد لهتشوف منى اللى يشيبك قبل أوانك .. وانتى عارف "نهلة" لما بتقول حاجه مبتقولهاش على الفاضى .. بتنفذ على طول
خرجت وتركته يتخبط بين الحيرة والحسرة والندم والغضب
**********************
جلست "ياسمين" فى غرفتها واجمه .. تفكر فيما سمعته من "ولاء" ومن قبلها "شيماء" .. كان عقلها مشتت للغايه .. لكن الشئ الوحيد الأكيد .. هى أنها تريد زوجاً بصفات معينه .. ولن تتنازل فى هذه الصفات أبداً .. فى صباح اليوم التالى ذهبت الى عملها كالمعتاد .. استقبلتها "ولاء" بالإبتسام .. فبادلتها "ياسمين" الإبتسام ..بدأت فى أداء عملها بتركيز وفى صمت .. وفجأة وجدت سيدة تقف أمامها .. كان يبدو من ملابسها أنها سيده راقيه .. لكن لم يعجب "ياسمين" نظرة التعالى التى تتطلع بها اليها .. اقتربت منها المرأة قائله :
- انتى مدام "ياسمين" ؟
قالت "ياسمين" بصوت خافت وهى تشعر بالحيره لمعرفة تلك السيدة بإسمها :
- أيوة أنا "ياسمين"
نظرت المرأة اليها من رأسها الى أخمص قدميها وكأنها تتفحص جاريه فى سوق الجوارى احمرت وجنتا "ياسمين" من الغضب .. وعادت الى اكمال عملها متجاهله تلك المرأة التى ترمقها بنظرات وقحه .. اقتربت منها المرأة أكثر قائله :
- أنا عمت "عمر الألفى "
نظرت اليها "ياسمين" بدهشه وقد صدمت عندما علمت بشخصيتها .. أكملت مدام "ثريا" بنبره متعاليه :
- جيت أشوف البنت اللى "عمر" عايز يدخلها عيلتنا
احمرت وجنتا "ياسمين" مرة أخرى لكن هذه المرة خجلاً .. وابتسمت لمدام "ثريا" قائله :
- أهلا وسهلاً بحضرتك .. نورتى المزرعة
قالت مدام "ثريا" بنفس النبرة المتعاليه :
- اللى عرفناه من "عمر" .. ان انتى ووالدك وأختك بتشتغلوا هنا فى المزرعة
أومأت "ياسمين" برأسها قائله :
- أيوة فعلا
- طيب أنا هتكلم معاكى من الآخر .. لان طبعى انى واضحه وصريحه ومبحبش اللف ولا الدوران
شعرت "ياسمين" بالقلق .. قالت :
- اتفضلى
قالت مدام "ثريا" بهدوء وحزم :
- طبعا انتى عارفه مين هو "عمر" .. وهو ابن مين .. وعنده ايه .. وان بنات كتير أوى يتمنوه .. ومش أى بنات .. بنات لهم حسب ونسب ..يعني بنات متتعيبش .. ومن نفس مستواه المادى والإجتماعى .. انتى بأه شايفه انك هتكونى زوجه مناسبه لواحد زى "عمر" .. يعني شايفه نفسك زوجك يتشرف بيها وهو بيقدمها للناس .. ولا يتكسف منها ومن عيلتها
انفجرت الدماء فى أوردة "ياسمين" فصار وجهها مثل الجمرة المشتعله .. كانت تشعر ببركان ثار بداخلها لوقع تلك الكلمات عليها .. لكنها راعت أنها تتحدث الى سيدة فى عمر والدتها رحمها الله .. فقالت بصوت حاولت أن تجعله هادئاً بقدر الإمكان :
- أنا مش شايفه حاجه تعيبنى أو تعيب عيلتى .. والانسان اللى هتجوزه لو محسش انى أشرفه .. يبقى ميلزمنيش أصلاً
ابتسمت مدام "ثريا" بسخريه .. ثم قالت :
- طبعا انتى عارفه ان "عمر" كان خاطب قبل كده
أومأت "ياسمين" برأسها فى صمت .. فأكملت قائله :
- هى وأهلها كانوا طمعانين فى "عمر" .. وفضلت البنت تلف عليه وتعمل المستحيل عشان الجوازه دى تتم لحد ما كشفها على حقيقتها .. وفسخ الخطوبه
أخرجتها مدام "ثريا" من حيرتها عندما أخبرتها بسبب فسخ الخطوبة .. لأن هذا الأمر ظلت تفكر فيه كثيراً .. أكملت مدام "ثريا" قائله بشئ من الكبر :
- عشان كده لازم المرة دى لما ييجى يختار .. يختار صح .. وكلنا لازم نشاركه الاختيار ده .. لان البنت اللى هيتجوزها هتشيل اسم عيلتنا اللى طول عمرها فى السما
نظرت اليها "ياسمين" بشفقه .. نعم بشفقه فلقد تذكرت حديث النبي صلى الله عليه وسلم " لن يدخل الجنة من كان فى قلبه مثقال ذره من كبر" .. أكملت مدام "ثريا" قائله :
- اللى عايزه أقوله .. انى شايفه انك اخر واحده ممكن تكونى مناسبه لعيلة "الألفى" .. انتى واحدة كويسة وأكيد هتلاقى انسان كويس زيك له نفس ظروفك ومن نفس مستواكى
شعرت "ياسمين" بالعبرات تحاول أن تجد الطريق لعينيها .. لكنها أوقفتها بحزم .. لن تسمع لتلك المرأة المتغطرسة أن ترى تأثير كلماتها المسمومة عليها .. قالت "ياسمين" بصوت مرتجف :
- أنا لسه مدتش قرار فى الموضوع ده
قالت "ثريا" بسخرية :
- هو فى واحده عاقله تقول لـ "عمر" لأ
شعرت "ياسمين" بمزيد من الحنق .. فأكملت ثريا :
- أنا بس حبيت أنصحك .. الفرق بينك وبين "عمر" هيدمر حياتكوا بعد كده .. هو ممكن يكون بيحبك دلوقتى .. بس بعد الجواز الحب بيضيع والحاجات التانية هى اللى بتظهر .. ساعتها هيندم على اختياره .. وعلى تسرعه .. وهيعرف انكوا مش مناسبين لبعض .. أنا بقولك الكلام ده لان أكيد انتى مش عايزه تكونى مطلقة للمرة التانية
شعرت "ياسمين" وكأنها تلقت صفعة قوية على وجهها .. الآن لم تعد تستطيع كبح جماح عبراتها التى أخذت تتجمع فى عينيها مهدده بالسقوط فى أى لحظه .. علمت مدام "ثريا" أنها لمست وتراً حساسا .. فأكملت بقسوة :
- هو ده اللى هيحصل بعد ما يفوق من النزوة اللى هو فيها .. ويقارن بينك وبين البنات اللى حوليه .. زي بنتى "ايناس" مثلا .. هى جايه المزرعة بعد شوية لما تشوفيها هتعرفى نوعية البنات اللى فعلاً مناسبه لـ "عمر"
صمتت قليلا ثم قالت بإبتسامه مصطنعه :
- انتى شكلك بنت طيبة وتستاهلى كل خير .. بس عشان مترجعيش تندمى لازم تفكرى كويس .. وشكلك كمان عاقلة وعشان كده أنا واثقه انك مش هتجيبى سيره ل "عمر" عن كلامى معاكى .. انا اتكلمت عشان مصلحتكوا انتوا الاتنين .. ولو احتجتى حاجه فى أى وقت عرفيني
أنهت كلامها ثم استدارت وانصرفت .. شعرت "ياسمين" بالألم يغزو قلبها .. وبنفسها يضيق .. وسمحت لدموعها أخيراً بالسقوط .. لم تتعرض لمثل هذه الإهانه من قبل .. شعرت وكأنها كانت تقف أمام تلك المرأة عاريه كيوم ولدتها أمها .. شعرت بأن هذه المرأة توجه الى قلبها وروحها طعنات حاده غير مباليه بتأثير تلك الطعنات عليها .. شعرت بأنها تختنق .. أخذت نفساً عميقاً تحاول به ايصال الهواء الى رئتيها .. لكن هيهات .. مازالت تشعر أن الدنيا تضيق وتضيق حتى أطبقت على أنفاسها .. أخرجها صوت "ولاء" من شرودها :
- "ياسمين" مالك
نظرت اليها "ياسمين" والكلمات محبوسه فى حلقها
قالت لها "ولاء" بلهفه :
- ايه مالك .. تعالى اعدى جوه طيب .. هى عمت "عمر" قالتلك ايه ضايقك كده
تركتها "ياسمين" ومشت فى طريقها وصلت الى حيث يعمل والدها فنادته .. أقبل والدها .. فقالت له بحزم :
- قول للبشمهندس "عمر" انى رفضته
بهت "عبد الحميد" وقال :
- ليه يا بنتى كده ده راجل كويس ميتعيبش
قالت "ياسمين" بصوت متهدج :
- أرجوك يا بابا متضغطش عليا
ثم تساقطت عبرة من عينيها وهى تنظر اليها قائله :
- ولا هتغصبنى عليه زى "مصطفى" ؟
بدا التأثر على وجه "عبد الحميد" وقال :
- لما الولاد بيغلطوا الأب بيسامح .. لكن لما الأب بيغلط ولاده بيكونوا فاكرين غلطته ومبينسوهاش أبداً
نظرت الى والدها بتأثر قائله :
- أنا آسفه يا بابا مكنش قصدى أزعلك .. أنا بس مضايقه شوية ومش عارفه أنا بقول ايه .. حقك عليا
- خلاص يا بنتى محصلش حاجه .. ومادمتى مش عايزاه خلاص .. دى حياتك مش هغصبك على جواز تانى أبداً
ابتسمت له قائله :
- ربنا يخليك ليا يا بابا .. وبعد اذنك أنا هروح ل "سماح" أعد معاها شوية
- ماشى يا بنتى بس متتأخريش .. وخلىب الك من نفسك
ذهبت لدكتور "حسن" واستأذنته فى الانصراف لأنها تشعر بتوعك .. فقال لها :
- لا سلامتك ألف سلامه .. احنا اصلاً النهاردة يعتبر مفيش شغل كتير .. مفيش مشكلة روحى ارتاحى
شكرته قائله :
- شكراً يا دكتور
غادرت واتصلت بـ "سماح" قائله :
- "سماح" انتى فاضيه النهاردة
- آه فاضية خير هتيجى ؟
- لو مكنش يضايقك .. حسه انى مخنوقه ومحتاجه اتكلم مع حد
- طيب يا حبيبتى منتظراكى ومتقلقيش "أيمن" هيتأخر النهاردة مش جاى الا بالليل
- خلاص أنا خارجه أركب حالا
أثناء سيرها فى اتجاه البوابه .. ومن بعيد .. رأت سيارة تدلف الى داخل المزرعة .. توقفت "ياسمين" .. رات فتاة تنزل من السيارة .. فتاة جميلة ذات شعر طويل ترتدى ملابس أنيقة ضيقه عارية الساقين .. تفحصتها "ياسمين" وهى تسأل نفسها تُرى هل هى تلك الفتاة المدعوة "ايناس" والتى حدثتها مدام "ثريا" عنها .. كادت أن تهم بالإنصراف لكنها وجدت "عمر" يخرج من البيت ويذهب فى اتجاه تلك الفتاة .. و .... كانت المفاجأة التى عصفت بكل كيان "ياسمين" .. ألقت الفتاة نفسها بين ذراعيه وقبلته على وجنتيه بدون أدنى خجل أو حياء .. شعرت "ياسمين" بسكين حاد يُغرس فى قلبها .. نظرت الى "عمر" لتتبين رد فعله .. لكنها وجدت ملامحه عاديه .. وكأن هذا هو الطبيعى والمعتاد .. وكأن مس امرأة لا تحل له أمراً عاديا بالنسبه له .. وكأن تلك الأمور أصبحت عادية لمجرد أنها ابنة عمته .. كانت الفتاة تنظر اليه مبتسمه ضاحكه تتحدث وتتحدث .. وهو واقف يستمع ويتحدث .. تجمعت الدموع فى عينيها فرأت بصعوبة الفتاة وهى تدلف الى الداخل .. أما "عمر" فتوجه الى سيارته وانطلق بها خارج المزرعة.
*******************
جلست "سماح" بجوار "ياسمين" تنظر اليها فى صمت .. نحدثت "ياسمين" قائله :
- عارفه .. من كتر ما أنا حسه بألم جوايا .. حسه انى متخدره وعامله زى المشلوله اللى مش قادره تتحرك .. أنا كنت فاكره انى خلاص هفرح زى باقى البنات .. وهرجع ابتسم وأضحك من قلبي تانى .. لما بابا قالى انه اتقدملى .. فرحت أوى .. مكنتش مصدقه .. كنت فرحانه أوى .. كنت حسه ان قلبي طاير .. كنت بفكر بسطحيه أوى .. انا زى "ولاء" فكرت فى القشرة بس ..
قاطعتها "سماح" قائله :
- "عمر" مش وحش يا "ياسمين"
نظرت اليها "ياسمين" قائله بمراره :
- احنا مننفعش بعض يا "سماح" .. مش عارفه ازاى انا كنت عاميه كده .. هو واحد اتربى بطريقه غير اللى أنا اتربيت بيها .. واحد مبادئه وافكاره وحياته كلها مختلفه تماماً عنى .. مفيش أى تكافؤ بينا يا "سماح" .. عمته كانت معاها حق .. بعد ما الحب ده يضيع مش هيلاقى حاجه تخليه يتمسك بيا .. هيعرف ساعتها اننا مكناش مناسبين لبعض .. "سماح" أنا طول عمرى عايزه واحد يتقى ربنا فيا .. واحد أنا وهو نعين بعض .. ونقرب من ربنا سوا .. ونبنى بيتنا سوا ونربى ولادنا تربيه صح .. ونكون قدوة حسنه ليهم .. ازاى اختارلهم أب .. بيستحل حرمات ربنا بالشكل ده
قاطعها "سماح" مرة أخرى قائله :
- بصى اللى أنا أعرفه انه هو وبنت عمته وأخوها متربيين مع بعض وزى الاخوات .. يعنى هما واخدين على بعض اوى يعنى ...
قاطعتها "ياسمين" بحده :
- انتى مقتنعه باللى انتى بتقوليه ده .. اللى يغلط غلطه صغيره يغلط غلطة كبيرة يا "سماح" .. مابالك وهو اصلا مش شايف انه بيغلط ..
صمتت قليلا ثم هتفت باكيه بصوت متقطع :
- "مصطفى" لما خانى كان عارف انه بيخونى .. أما ده الخيانه عنده عادى .. هيخونى وهو أصلا مش حاسس ان دى خيانه .. واحد عايش فى عالم غير اللى أنا عايشة فيه وغير اللى انا متربيه عليه .. بكرة لما نتجوز يقولى اقلعى الحجاب زى بنت عمتى وزى خطيبتى القديمة .. بكرة يلبسنى زيهم .. وسلمي على الرجاله زيهم .. وأبقى خسرت ديني ودنيتى .. بتقولى انه مش وحش .. طيب لو هو مش وحش اختار واحدة بالشكل اللى وصفتهولك ليه عشان تكون خطيبته ؟ .. ها .. وبعدها يختارنى انا ....
قلت "سماح" :
- بس هو دلوقتى اختارك انتى يا "ياسمين"
قالت بمراره :
- هو مفرقش اى حاجه عن "مصطفى" .. "مصطفى" اختارنى لانه عايز واحده يحطها فى البيت زى أى كرسي فى البيت ويبقى واثق فيها وفى اخلاقها .. وهو بره يعمل اللى على مزاجه .. و"عمر" زيه اختارنى لنفس السبب ..
قالت والدموع تتساقط من عنينيها :
- لما "مصطفى" خانى يا "سماح" الألم كنت حساه فى كرامتى .. لكن لو "عمر" خانى .....
تعالى صوتها فى البكاء قائله قائله :
- الألم هيكون فى قلبي .. وأنا مش هقدر أتحمل ده
هدئتها "سماح" قائله :
- وانتى ايه اللي يخليكى تفكرى انه هيخونك يا "ياسمين"
قالت "ياسمين" بحزم من بين دموعها :
- لان حياته غلط وعيشته غلط .. وتصرفاته غلط .. هو واحد مبيخفش من ربنا وبيعمل الغلط عيني عينك كده أدام الناس .. اللى يعمل حاجه صغيره ببجاحه كده يعمل الكبيرة يا "سماح"
صمتت قليلا ثم قالت :
- وبعدين مش دى المشكلة الوحيده .. المشكلة انى اكتشفت انى فعلا انه مينفعنيش .. ده واحد هينزلنى معاه لتحت .. وأنا عايزه واحد ياخد بايدي ونطلع سوا .. عايزه واحده له نفس مبادئي نربي ولادنا على مبادئ واحدة وقيم واحدة وافكار واحدة .. مش أنا ابنى وأبوهم يهد ..
ثم قالت بوهن :
- مش عايزه أطلق تانى يا "سماح" كفايانى جرح واحد .. مش هقدر أتحمل جرح تانى .. مش هقدر أخاطر تانى .. أنا معنديش أى ثقه في "عمر" .. زى ما كان معنديش أى ثقه فى "مصطفى"
نظرت لها "سماح" بحزن قائله :
- طيب فكرى تانى .. واستخيرى تانى
نظرت اليها "ياسمين" قائله بحزم :
- أنا استخرت .. وفكرت كويس .. الراجل الى هختاره زوج ليا هختاره بقلبي وعقلى .. مش بقلبي بس .. ولا بعقلي بس .. لازم الاتنين يوافقوا عليه .. لازم يتشرف بيا وسط عليته ووسط الناس .. أنا مش واحدة من الشارع زى ما عمته حاولت تفهمنى .. أنا بنت ناس .. صحيح ناس فقرا .. بس محترمين ونعرف ربنا .. هى فاكرة انى مش هقدر ارفض "عمر" وقالتهالى وش كده ان مفيش بنت تقول ل "عمر" لأ .. بس أنا هقول لأ .. أنا وعمر مستحيل نكون لبعض .. ده آخر واحد ممكن أوافق انى أتجوزه
************************
توجه "عبد الحميد" الى مكتب "عمر" طرق الباب فسمه صوت "عمر" بالداخل :
- اتفضل
دخل "عبد الحميد" فهب "عمر" واقفاً واستقبله بابتسامه قائلاً :
- اتفضل يا عم "عبد الحميد" .. اتفضلى اعد
قال "عبد الحميد" فى وجوم :
- تسلم يا بشمهندس بس أنا جاى أقولك كلمتين وهمشى عشان ورايا شغل
وقفت "عمر" أمامه مبتسماً ونظر اليه قائلاً :
- خير .. اتفضل
تنهد "عبد الحميد تنهيدة حسرة وبدا متردداً وقال دون أن ينظر اليه :
- بنتى رفضتك يا بشمهندس
وقع الخبر كالصاعقة على رأس "عمر" .. اختفت ابتسامته شيئاً فشيئاً حتى تلاشت تماما .. صمت وهو يحاول استيعاب ما سمع .. فنظر اليه "عبد الحميد" قائلاً :
- أنا مش ممكن أغصبها مرة تانية .. جوازتها الأولى كانت غصب عنها .. وحلفت بعدها انى عمرى ما هعمل كده فى بنت من بناتى
صدم "عمر" للمرة الثانية فى أقل من دقيقة .. عندما علم أن زواج "ياسمين" كان رغماً عنها
نظر اليه "عبد الحميد" بأسف قائلاً :
- أنا آسف يا بشمهندس
ثم استدار وانصرف .. جلس "عمر" على أقرب مقعد وهو مازال تحت تأثير صدمة رفضها اياه.
*************************
حضر المأذون والشهود فى بيت "نهلة" .. لم يحضر أى من اخوتها .. فقط أمها وزوجها .. بدأ المأذون فى مراسم الزواج .. وهنا قال "مصطفى" للمرة الثانية :
- قبلتُ زواجها.
الفصل الثامن والعشرون من رواية مزرعة الدموع
دخل "عمر" الى بيته واجماً حزيناً .. سمع صوت المزاح والضحكات تتعالى من غرفة المعيشة .. توجه اليهم ليرى والدته ووالده و عمته و "ايناس" مجتمعون معاً .. هتفت "ايناس" بمجرد أن رأته :
- "عمر" تعالى .. السهرة نقصاك
دخل "عمر" الغرفة ووقف أمامهم .. قالت عمته مبتسمه :
- حقيقي يا "ايناس" انتى عامله جو تانى للمزرعة .. الأيام اللى فاتت مكناش بنلاقى حاجه تسلينا هنا .. أنا من زمان مضحكتش الضحك ده
قالت "كريمة" مبتسمه :
- "ايناس" طول عمرها دمها خفيف .. وبتعمل روح حلوة لأى مكان بتروحه
ضحكت "ايناس" وتنحنحت فى حرج مصطنع قائله :
- أحرجتونى بكلامكوا يا جماعة
التفتت الى "عمر" قائله فى مرح :
- وحضرة سمو الأمير رأيه ايه فيا .. رأيه برده زيهم انى مرحة ودمى وخفيف وعملالكوا جو حلو من ساعة ما جيت ؟
كان "عمر" مازال واجماً .. نظر الى كل العيون الى تطلعت اليه مبتسمه .. وقال بلهجة باردة خلت من أى انفعال :
- البنت اللى انتى كنتوا رافضين انها تدخل عيلتكوا .. هى اللى رفضت تدخلها
قال ذلك ثم غادر المكان وتوجه الى غرفته فى الطابق العلوى وأغلق الباب فى هدوء .. صمتوا وكأن على رؤسهم الطير .. كانت تعبيراتهم متباينه .. فـمدام "ثريا" ظهر على وجهها علامات الارتياح والإنتصار .. أما "ايناس" فلم تستطع أن تخفى ابتسامه الفرحه الممذوجه بالخبث التى تكونت على شفتيها .. أما "نور الدين" فبدا شارداً وكأنه يفكر تفكيراً عميقاً .. أما "كريمة" فكانت مشاعرها متباينه .. صدمة .. عدم تصديق .. ارتياح.. حزن .. حيرة ..مزيج عجيب تراه على وجهها .. نهضت من مكانها وهمت بأن تغادر الغرفة فأوقفها "نور الدين" قائلاً :
- سبيه دلوقتى يا "كريمة"
نظرت اليه قائله فى استنكار :
- لازم أطمن عليه
ثم خرجت وتوجهت الى غرفة "عمر" .. أما "ايناس" و والدتها فقد تبادلتا نظرة ذات معنى
طرقت "كريمة" الباب فلم تسمع صوتاً .. ففتحته ودخلت وأغلقته خلفها .. كان "عمر" يجلس فى الظلام على مقعد فى مواجهة شباك الغرفة وضوء القمر يتسلل الى غرفته ليلقى بأشعته الفضيه على وجهه .. حاولت اضاءه الغرفة لكنه التفت اليها قائلاً :
- لو سمحتى يا ماما سبيه مقفول
أغلقته كما طلب .. وتوجهت اليه .. جلست على المقعد المجاور له وعينيها تتطلعان الى وجهه تراقب انفعالاته .. سألته بصوت حانى :
- انت كويس يا "عمر" ؟
تنهد "عمر" وأغلق عينيه للحظة .. ثم نظر اليها قائلاً :
- ماما بجد أنا مش قادر أتكلم
قالت "كريمة" فى لهفة :
- عايزه أطمن عليك بس
قال بشئ من الحده :
- اطمنى .. بس لو سمحتى أنا فعلاً مش قادر أتكلم مع حد .. لو سمحتى سبيني مع نفسي شوية
ربتت أمه على رجله ثم نهضت وألقت عليه نظرة أسى قبل أن تخرج وتغلق الباب خلفها
كانت هناك مشاعر شتى تعتمل داخل صدر "عمر" .. كان يسأل نفسه سؤال واحد .. لماذا رفضته ؟ .. كان يبحث داخله فى حيره وألم عن اجابه لهذا السؤال .. ظل يبحث ويبحث الى أن تمكن التعب منه .. تعب ذهنى ونفسي .. شعر برغبه عارمه فى أن يذهب اليها الآن ويمسكها من ذراعيها ويهزها بقوة لتخبره بسبب رفضها اياه .. ود لو يقول لها أجننتى يا امرأة لا أستطيع العيش دونك .. أنت أصبحتى كل شئ فى عالمى .. فلماذا تطرديني من جنتك بلا رحمة أو شفقه .. أتظنين أن هذا سهلاً أتظنين أن حرمانى منكِ أمراً هيناً .. كلا .. انه كالموت بالنسبه لى .. كحرمانى من الهواء الذى استنشقه .. لماذا تفعلين هذا بي ؟
قضى ليلته ساهراً على هذا المعقد .. لم تذق عينيه غمضاً .. حتى أشرق الصباح .. كانت "كريمة" تعد الفطور على السفرة مع الخادمة .. عندما رأت "عمر" ينزل مسرعاً ويتوجه الى الباب ..حاولت اللحاق به .. لكنه خرج مسرعاً وأغلق الباب
توجه "عمر" الى مخزن العلف .. وجده مازال مغلقاً .. وقف أمامه واضعاً يديه فى جيب بنطاله كان يبدو عليه التوتر والتململ من الانتظار .. بعد قرابه الربع ساعه .. رأى "عبد الحميد" مقبلاً من بعيد .. فتوجه اليه ..نظر اليه "عبد الحميد" بدهشه .. وانتظر أن يتحدث .. نظر اليه "عمر" قائلاً :
- بنتك رفضتنى ليه يا عم "عبد الحميد"
تنهد "عبد الحميد" فى حسره ..ثم ربت على كتف "عمر" قائلاً :
- أنا عارف ان أفضالك علينا كتير يا بشمهندس .. وان لولاك كان زمانا الله أعلم بحالنا دلوقتى .. وخيرك مغرقنا و ....
قاطعه "عمر" قائلاً :
- مش ده سؤالى يا عم "عبد الحميد" ... سؤالى بنتك رفضتنى ليه ؟
جذبه "عبد الحميد" من كتفه وسارا معاً قليلاً قال له "عبد الحميد" :
- أنا زى ما قولتلك امبارح جوازتها الأولى أنا غصبتها عليها .. مكنتش مرتحاله .. ومكنتش عايزه تتجوز بسرعه .. بس أنا من خوفى عليها .. انى أموت وأسيبها فى الدنيا دى لوحدها هى وأختها .. والناس معدتش بترحم .. قولت أهى تكون فى عصمة راجل تتحمى فيه ويكون سندها .. لكنه طلع كلب ولا يسوى ..
ثم قال بحزم :
- عشان كده حلفت انى عمرى ما هغصب واحده فيهم على راجل هى مش عايزاه
صمت "عمر" وهو يستمع الى "عبد الحميد" .. شعر بالأسى على "ياسمين" التى اضطرت الى العيش شهر كامل مع رجل لا تريده .. شعر بالحنق والضيق والغضب لأجلها .. وشعر بالغيره تطعنه فى قلبه طعنات قاتله .. التفت الى "عبد الحميد" قائلاً بحنق :
- ياريتك ما غصبتها عليه
تنهد "عبد الحميد" بحسره قائلاً :
- اللى حصل بأه يا بشمهندس .. والحمد لله ان ربنا خلصها منه .. مع انها خلاص اتحسبت عليها جوازه
توقف "عمر" عن السير ونظر اليه قائلاً :
- برده ماقولتليش هى ليه رفضانى ؟
- ما قالتليش سبب الرفض .. قالتلى بس انها مش عايزاك .. وأنا محاولتش أضغط عليها
شعر "عمر" بالألم عندما سمع (مش عايزاك) .. أطرق برأسه فى صمت .. ربت "عبد الحميد" على ذراعه قائله :
- بص يا بشمهندس .. هى لسه يا دوب مطلقه .. ومصدقت انها خلصت من اللى ميتسماش .. أكيد البنت لسه مش على بعضها .. ولسه خايفه من طليقها ليأذيها .. وأكيد هى مش عارفه هى عايزه ايه ..اصبر عليها .. أنا عارف انها مش هتلاقى أحسن منك .. بس الموضوع محتاج صبر شوية
أومأ "عمر" برأسه .. ثم تركه وانصرف .. وعينا "عبد الحميد" تتابعه بحسره .
***********************
استيقظت "ياسمين" متكاسله .. أخذت تنظر الى ساعتها لتعلم انها تأخرت على عملها .. لكنه لا تشعر بأى رغبة للذهاب الى العمل .. أو حتى لمغادرة فراشها .. كانت تخشى أن تراه فتضعف مقاومتها .. ظلت تُفكر تُرى ماذا كان رد فعله عندم علم برفضها اياه .. طبعاً صُدم ابتسمت لنفسها بسخريه .. هو بالتأكيد غاضب ثائر الآن .. ليس لأنه خسرها .. بل لكرامته التى أُهدرت .. للصفعة التى أعطتها اياه .. وبالتأكيد عائلته سعيده الآن .. أنه ابتعد عن الفتاة التى يرونها غير لائقه لتصبح واحده منهم .. شعرت بالغضب يجتاح كيانها .. ويملأ نفسها .. ظلت تستغفر ربها .. لتحاول تهدئه نفسها .. ثم نهضت وتوضأت وصلت الضحى .. وارتدت ملابسها وخرجت للذهاب الى عملها
وقفت "نهلة" فى مطبخ بيتها الجديد .. بيت "ياسمين" سابقاً .. وأخذت تعد طعام الفطور وهى تدندن فى سعاده .. استيقظ "مصطفى" ودخل المطبخ فرآها وعلامات الفرح على وجهها .. شعر بالغيظ وقال لها :
- مكنتش أعرف انك بتقومى من النوم مزاجك رايق كده
التفتت اليه قائله بسخريه :
- وهتعرف منين .. انت كان كبيرك تشوفنى بالليل وتخلع
تركها وذهب الى الحمام .. أعدت السفرة وجلست فى انتظاره .. خرج وجلس يتناول طعامه فى صمت .. التفتت اليه قائله :
- كان رجل طيب
قال لها بدهشة :
- هو مين ده
قالت له بحده :
- اللى انت عامله حداد يوم صبحيتنا
ألقى الطعام من يده والتفت اليها وصاح بسخريه :
- صبحيتنا .. سمعيني تانى كده .. ليه انتى فاكره نفسك بنت بنوت ولا ايه .. ده احنا دفنينه سوا
قالت بنفس السخريه :
- ما هو عشان دفنينه سوا .. لازم تبقى العلاقة بينا أحسن من كده
قال بحده :
- عايزانى أعاملك ازاى ان شاء الله
قالت "نهله " :
- تعاملنى زى ما كنت بتعاملنى زمان ..فرق ايه زمان عن دلوقتى .. هى مجرد الورقة اللى كتبناها امبارح عند المأذون .. تخيل انها متكتبتش واحنا مع بعض زى ما احنا
قال بمراره :
- أتخيل ازاى انها متكتبش دى أنا حاسس ان الورقة دى سلسله ربطانى من رقبتى
نظرت اليه بحزن قائله :
- للدرجة دى يا "مصطفى" .. شايف ان جوازك منى سلسلة حوالين رقبتك
قال بقسوة :
- أيوة سلسلة خنقانى ولو أطول أخلص منها كنت خلصت
نهض وأخذ الجاكيت ارتداه وفتح باب البيت وخرج وأغلقه بقوة .. وترك "نهلة" خلفه ودموع الحزن تتجمع فى عينيها وقالت لنفسها ( ليك حق تعمل فيا أكتر من كده .. أنا اللى أهنت نفسى من البداية )
***********************
اتصل "كرم" بـ "ريهام" على الخط الداخلى وطلب منها احضار أحد الملفات الى مكتبه .. طرقت "ريهام" الباب فأسرع برفع سماعة الخط الخارجى .. دخلت "ريهام" فأشار اليها بيده أن تنتظر .. أمسكت الملف بكلتا يديها وانتظرت حتى ينهى مكالمته .. تحدث "كرم" وهو يرجع بظهره الى الوراء ويضع ساقاً فوق ساق :
- طبعا هو احنا عندنا أعز منك .. انتى عارفه معزتك عندنا كويس .. وعندى أنا تحديداً
ألقى نظره على "ريهام" الواقفة أمامه .. والتى لا تظهر أى انفعالات على وجهها .. لكن كانت بداخله تشعر بالضيق والحنق وودت لو أخذت منه سماعة الهاتف وحطمتها فوق رأيه .. أكمل "كرم" فى صوت هائم :
- مش هتيجي تنورينى فى المكتب .. يا سلام تعالى انتى بس وانتى تشوفى أنا هستقبلك ازاى .. بس ياريت القمر يحن وميتأخرش علينا .. عشان احنا مش حمل بعاده
كانت "ريهام" قد وصلت الى ذروة غضبها .. همت بالإنصراف لكنها لمحت على الأرض نهاية سلك الهاتف الذى يتحدث فيه "كرم" .. كانت عاملة التنظيف تتعثر فى الأسلاك .. كلما نظفت . فكانت تفصلها من مكانها .. وكانت "ريهام" تعيدها مرة أخرى قبل وصول "كرم" .. لكنها اليوم نسيت تركيب سلك الخط الخارجى ..
التفتت لتنظر اليه مرة أخرى وعلامات خبيثه ترتسم على وجهها .. أنهى "كرم" مكالمته ووضع السماعة مكانها وهو يختلس النظر الى "ريهام" التى قالت :
- اظاهر ان حضرتك كنت بتتكلم مع شخصية مهمة جدا
ابتسم "كرم" بخبث وتمطع قائلاً :
- فعلاً شخصية مهمة جدا .. تقدرى تقولى واحده مش عادية
نظرت اليه "ريهام" وعيونها تلمع فى مرح وخبث وقالت :
- اظاهر فعلاً انها واحده مش عاديه أبداً لدرجة انك سبحان الله تقدر تتكلم معاها من غير ما يكون فى حرارة فى التليفون
نظر اليها "كرم" وقد بُهت ..فأشارت برأسها الى سلك الهاتف الملقى على الأرض .. نظر "كرم" اليه وهو يتمنى أن تنشق الأرض وتبلعه فوراً .. تقدمت "ريهام" ووضعت الملف على المكتب .. وخرجت وهى ترسم ابتسامه خبيثه على شفتيها .. أما "كرم" فقد كان يشعر بحرج شديد من هذا المأذق السخيف الذى وضع نفسه فيه
**********************
- يعني هى قالتك هى رفضته ليه ؟
ألقى "أيمن" هذا السؤال على "سماح" وهما جالسان معاً يتناولان طعام الإفطار .. قالت "سماح" فى ضيق :
- بصراحة صحبك مينفعهاش
قال "أيمن" بإستغراب :
- ليه بأه ؟
- هما الاتنين مختلفين عن بعض فى كل حاجه .. الأخلاق الطباع التربية اسلوب حياتهم .. كل حاجه مختلفين فيها .. هما الاتنين مينفعوش بعض يا "أيمن" .. "ياسمين" طول عمرها عاقله وبتفكر بعقلها .. وبصراحة أنا معاها فى قرارها ده
- بس ده مكنش رأيك لما عرفتى ان "عمر" اتقدملها
قالت "سماح" بسرعة :
- لانى مكنتش شايفه الموضوع من وجهة نظر "ياسمين" بس بعد ما سمعتها امبارح فهمت وجهة نظرها .. وفعلاً معاها حق تخاف منه وترفضه ... متنساش يا "أيمن" انها مطلقه .. يعني أكيد مش عايزة تخوض تجربة فاشله للمرة التانية
قال "أيمن" بحده :
- ومين قالك انها هتكون تجربة فاشله .. انتى متعرفيش "عمر" بيحبها ازاى .. "عمر" صاحبي يا "سماح" عشرة سنين طويلة مش سنة ولا اتنين .. أنا عمرى ما شوفته متعلق بحد كدة .. حتى البنت اللى كان خطبها قبل كده .. مكنتش شايفه متعلق بيها كده
- أهو البنت اللى كان خطيبها دى أحد أسباب رفض "ياسمين" لـ "عمر"
قال "أيمن" بدهشة :
- ازاى يعنى .. هى رفضاه عشان كان خاطب ؟
- لأ طبعاً يا "أيمن" مش عشان خاطب .. عشان الانسانه اللى خطيبها دى .. هى سمعت كلام كتير عنها هنا فى المزرعة .. يعني اللى يخطب واحدة بالمنظر ده .. هيكون ايه يعني غير واحد تافه
قال "أيمن" بحزم :
- كانت غلطة .. ورجع عنها فى الوقت المناسب .. هنعلقله حبل المشنقة يعني
قالت "سماح" تحاول افهامه :
- يا "أيمن" أنا ما قولتش ان ده السبب الوحيد .. قولت ده أحد الأسباب .. وفى أسباب قوية جداً .. بس مش هقدر أقولك عليها .. لأن "ياسمين" مأمنانى ان الكلام مايوصلكش .. بس فعلاً هى معاها حق ترفض
قال "أمين" فى حيره :
- والله انتوا الاتنين أغرب من بعض .. انتى مش شرحالى الموضوع على بعضه عشان كده انا مش عارف أفهم أسباب رفضها .. بس الحاجه الوحيدة اللى أنا عارفها .. ان "عمر" بيحبها بجد .. و دى أول مرة أشوفه بيحب واحده كده
تأملته "سماح" قائله :
- انت واثق انه بيحبها بجد
أكد لها "أيمن" قائلاً :
- أيوة واثق
قالت فى حيره :
- معرفش بأه .. ربنا ييسرلها الخير وخلاص
***************************
كانت تقف وتولى ظهرها الى الباب .. تقرأ الملف الذى بين يديها وتضيف عليه ملاحظاتها .. التفتت لتجده أمامها .. يقف أمام الباب وينظر اليها فى صمت .. تسارعت خفقات قلبها .. شعرت بالإضطراب .. ودت الهرب .. لكنه واقف يسد المنفذ الوحيد للهرب .. هربت من عينيه .. وساد الصمت .. قال "عمر" بهدوء :
- ممكن أعرف انتى ليه رفضتيني
ازداد ارتباكها .. صمتت .. لا تدرى ما تقول .. أعاد سؤاله مره أخرى :
- ليه رفضتيني ؟
أيقنت أن لا مفر منه .. نظرت اليه قائله :
- أعتقد ان من حقى انى أقبل أو أرفض .. وأنا رفضت
تلاقت نظراتهما فى صمت للحظة .. نظرة عتاب منه .. ونظرة صد منها .. قال لها بهدوء :
- طبعاً من حقك تقبلى أو ترفضى .. لكن أنا بسأل عن أسباب الرفض
قالت ببرود :
- أفضل أحتفظ بيها لنفسي
قال بصرامة :
- لأ مش من حقك
احتدت عليه قائله :
- يعني ايه مش من حقي
قال "عمر" بنفس الصرامة :
- مش من حقك تحتفظى بأسباب الرفض لنفسك .. لازم أعرفها
تماسكت قائله :
- وأنا معنديش كلام أقولهولك .. رفضت وخلاص
ظهرت علامات الغضب على وجه "عمر" واقترب منها قائلاً :
- انتى ليه بتعملى كده
قالت بغضب هى الأخرى :
- ايه يا بشمهندس .. مضايق انى رفضتك .. ايه كنت فاكر ان مفيش بنت تقدر ترفضك
صمتت قليلاً ثم نظرت فى عينيه قائله بقسوة :
- لأ .. أنا رفضك .. تحب تسمعها تانى .. أنا رفضتك .. أنا مش زى البنات اللى انت تعرفهم واللي يتمنوا اشاره منك .. أنا مش زيهم .. أنا أبعد من أحلامك
قالت ذلك ثم انصرفت مسرعه .. لتترك "عمر" فريسه للشعور بالغضب
وقفت "ياسمين" فى المساء مع أختها فى شرفة غرفتهما .. قالت "ياسمين" بهدوء :
- احنا لازم نمشى من هنا .. معدش ينفع نستنى فى المزرعة
قالت "ريهام" بلوعه :
- ليه ؟ .. نمشى ليه ؟
نظرت اليها "ياسمين" قائله :
- نمشى بكرامتنا قبل ما "عمر" يطردنا
- تفتكرى "عمر" ممكن يطردنا
شردت "ياسمين" قليلاً ثم قالت :
- حتى لو مطردناش .. فده هيكون عشان خاطر "أيمن" بس .. لكن هو أكيد عايزنا نمشى من هنا بعد ما رفضته
نظرت اليها "ريهام" وقالت :
- انتى مش ممكن تغيري رأيك يا "ياسمين"
هزت "ياسمين" رأسها نفياً وقالت بضعف :
- لأ .. مش هغير رأيي
قالت "ريهام" :
- بس انتى ....
ثم قطعت كلامها .. نظرت اليها "ياسمين" قائله :
- حتى لو كنت كده .. ده مش كفايه بالنسبة لى .. عشان أوافق عليه
ثم نظرت الى أختها بألم قائله :
- "ريهام" عشان خاطرى مش حبه أتكلم فى الموضوع ده
ربتت "ريهام" على ظهرها فى حنو قائله :
- خلاص أفلى على الموضوع
ثم هتفت فى مرح فجأة :
- استنى هكيلك حاجة تضحكك
نظرت اليها "ياسمين" برجاء قائله :
- ياريت .. أنا فعلاً نفسي أضحك
قالت "ريهام" فى مرح :
- "كرم" النهارده عمل حتت موقف خلى شكله زباااااااااله
ضحكت "ريهام" .. فسألتها "ياسمين" مبتسمه :
- ليه عمل ايه ؟
أكملت "ريهام" ضاحكة :
- ندالى عشان أجيبله ملف وأول ما دخلت عمل نفسه بيتكلم مع موزه فى التليفون وهاتك يا تسبيل وهيام وكلام يحرق الدم ..وبعد ما قفل نبهته ان الفيشة بتاعة التليفون مفصوله .. حسيته كان هيموووووت
ضحكت "ياسمين" مع "ريهام" التى لم تتمالك نفسها هى الأخرى .. سألتها "ياسمين" وسط ضحكاتها :
- طيب هو ليه عمل كده
قالت "ريهام" بمرح :
- أنا عارفه .. حب يترسم أو يجس نبضى
سألتها "ياسمين" بإهتمام :
- يجس نبضك ازاى يعني
قالت "ريهام" بخبث :
- يعني يشوف رد فعلى ايه لما أمسعه بيكلم بنت بالشكل ده أدامى .. بس ايه أختك أسد ولا بينت أى حاجه على وشى .. واديتله الكلمتين وكسفته من نفسه وخرجت
قالت "ياسمين" بخبث :
- هو فى ايه بالظبط يا "ريهام"
ابتسمت "ريهام" قائله :
- يعني تقدرى تقولى كده فى شرارات خفيه .. بس احنا الاتنين عاملين فيها من بنها
قالت لها "ياسمين" بقلق :
- متلعبيش بالنار يا "ريهام" .. "كرم" صاحب "عمر" يعني ممكن يكون زيه
قالت "ريهام" بإستغراب :
- هو انتي ليه شايفه "عمر" وحش أوى كده .. أى راجل فى سنه ممكن يكون له أخطاء وماضى ..المهم انه يتوب ويبقى كويس
قالت "ياسمين" بحزم :
- وأنا مش عايزة أبداً راجل بالشكل ده .. أنا عايزه واحد أكون أنا الأولى فى حياته زى ما هو الأول فى حياتى
احتدت "ريهام" قائله :
- انت ليه بتتعاملى مع "عمر" أكنه "مصطفى" .. أكنه غلط نفس غلطة "مصطفى" ..
صمتت "ياسمين" فأكملت "ريهام" :
- انتى خايفه .. تجربتك مع "مصطفى" خلتك خايفه من أى راجل وحسه انه هيخونك فى أول فرصه
قالت "ياسمين" بأسى :
- معاكى حق .. وللأسف حياة "عمر" الغلط واللى ضد مبادئي مخوفانى أكتر .. ومخليانى مش قادرة أثق فيه
قالت لها "ريهام" بجديه :
- أنا واثقه ان "عمر" هيتغير علشانك يا "ياسمين"
- تفتكرى
- لو بيحبك هيتغير
رددت "ياسمين" فى مراره :
- ده لو بيحبنى فعلاً .. مش مجرد حاجه جديدة حابب يجربها ..بنت ممرتش عليه قبل كده جذبت انتباهه مش أكتر
رأت "ريهام" علامات الحزن على وجه أختها فقالت فى مرح
- انتى عاملة زى اللى اتلسع من الشربه ومن كتر خوفه يتلسع تانى عمال ينفخ فى الزبادى .. و"عمر" مش زبادى .. ده قشطة مخلوطه بحلاوة وعليهم صوص مربي .. متخيله الطعم
ابتسمت "ياسمين".. وأخذت تتأمل النجمات التى تلمع فوق رأسها فى شرود
******************
بعد عدة أيام من زواجهما .. كانا يجلسان معاً لمشاهدة التلفاز .. عندما التفت "مصطفى" اليها ونظر اليها ببرود قائلاً :
- انتى هتولدى امتى ؟
ظلت تنظر الى التلفاز دون أن تجيبه أو تلتفت اليه .. قال بحده :
- انتى .. مش بكلمك .. انتى فى الشهر الكام .. وهتولدى امتى ؟
لم تجيبه .. فأخذ الريموت بعصبيه وأغلق التلفاز .. التفتت اليه فى برود وفجرت قنبله فى وجهه :
- أنا مش حامل أصلاً
صمت للحظات وهو لا يعى ما قالت .. وعندما بدأ فى استيعاب الخدعة التى أوقعته فيها هب واقفاً ونظر اليها قائلاً بغذب هادر :
- نعم يا روح أمك .. يعني ايه مش حامل .. أمال أنا اتهببت واتجوزتك ليه
وقفت لتواجهه وقالت بحزم :
- اتجوزتنى عشان تصلح غلطتك اللى مرضتش تصلحها بمزاجك .. أديكى صلحتها ورجلك فوق رقبتك
أمسكها من شعرها بقسوة وصفعها بقوة على وجهها قائلاً :
- هموتك .. والله لموتك فى ايدي النهاردة يا تيييييييييييت
نظرت اليه وهتفت وهى تتألم قائله :
- موتنى عشان تدخل السجن طول عمرك .. أو يعدموك وتحصلنى يا "مصطفى"
توقف عن شد شعرها وهو ينظر اليها بغضب .. فأكملت قائله بقسوة :
- ادامك 3 حلول مفيش غيرهم .. اما انك تقتلنى زى ما بتقول وساعتها يا السجن يالاعدام .. والحل التانى انك تطلقنى وساعتها هتبقى سمعتك فى الأرض .. لانى تانى واحدة تتجوزها وتطلق فى شهر العسل .. ده غير ان الأولى فضحتك بما فيه الكفاية لما رفعت عليك قضية خلع يعني اكيد الناس هتقول ان المشكلة فيك انت .. واللى هيأكد ده ان التانية تطلق بعد كام يوم جواز .. أما بأه الحل التالت هو اننا نفضل مع بعض .. احنا الاتنين غلطتنا واحنا الاتنين بندفع تمن الغلطة دى .. يعني احنا الاتنين مضطرين نفضل مع بعض عشان نحافظ على سمعتنا وسط الناس .. يعني محدش أحسن من حد يا "مصطفى"
تركها "مصطفى" وقد أدرك صحة ما تقول .. هو مضطر للبقاء معها .. مضطر لدفع ثمن أخطائه .. مضطر أن يبقى مقيداً بذلك القيد الذى يطبق على أنفاسه .. مضطر لأن يبقى زوجاً لآخر فتاة كان يتمنى الزواج بها
**********************
تقدمت "ياسمين" الى مكتبه .. وقفت أمامه للحظات .. كانت هذه آخر مرة ستراه فيها .. سترحل وتترك المزرعة هى وأهلها .. كان من الممكن أن تترك مهمة اخباره بذلك الى والدها .. لكنها أرادت أن تخبره بنفسها .. لم تدرى لماذا تفعل ذلك .. هل لكى تشعر بإنتصارها أمامه ان استطاعت الخروج من المزرعة برغبتها ودون اراقة ماء وجهها .. أم لكى تراه لآخر مرة
وقفت للحظات ثم استجمعت شجاعتها وطرقت الباب .. كان بمفرده .. جالس يتأمل الورق الذى أمامه دون أن يرى منه حرفاً .. عندما رآها شعر بمزيج من الحب والألم يغزو قلبه .. فها هى حبيبته القريبة البعيدة .. لا يستطيع الاقتراب منها ولا الابتعاد عنها .. وقفت أمامه ثم قالت :
- أنا جايه أبلغ حضرتك اننا يومين وان شاء الله هنسيب المزرعة
أرجع ظهره وأسنده على الكرسى .. صمت لبرهه .. ثم نظر اليها ببرود قائلاً :
- كلامى فى الموضوع ده مش معاكى انتى .. مع والدك
نظرت اليه بدهشة فأكمل قائلاً :
- الموضوع ده القرار فيه لوالدك مش ليكي
قالت بحزم :
- ده قرار مشترك لينا احنا التلاته .. وأنا جايه أبلغ حضرتك بيه
قالت بنفس البرود :
- وأنا كلامك ده ملوش أى معنى عندى إلا اذا سمعته من والدك
ضهرت علامات الغضب على وجهها لماذا يتجاهلها وكأن رأيها لا يعنيه .. قالت بحده :
- بقول لحضرتك ده رأينا احنا التلاته ولو كلمت والدى هيقولك نفس الكلام
صمت قليلا ثم قال بهدةء :
- طيب هتكلم معاه .. اتفضلى على شغلك
ثم أمسك قلمه وشرع فى النظر الى الأوراق التى أمامه .. شعرت بالحنق والضيق وغادرت مكتبه فى عصبيه .. نظر "عمر" الى الباب الذى أغلقته خلفها ثم ترك القلم من يده وتنهد فى حزن .. قام من فوره وذهب الى عم "عبد الحميد" فى المخزن وسأله عما قالته "ياسمين" .. فقال "عبد الحميد" :
- أظن يا بشمهندس معدش ينفع نستنى هنا بعد كده
سأله "عمر" قائلاً :
- ليه يا عم "عبد الحميد" حد هنا ضايقكوا .. أنا صدر منى حاجه ضايقتكوا
قال "عبد الحمد" بسرعة :
- لأ طبعا يا بشمهندس .. أنا مشفتش فى ذوقك ولا فى أدبك واخلاقك
- أمال عايزين تمشوا من المزرعة ليه ؟
قال "بعد الحميد" بحرج :
- يعني بعد اللى حصل .. أظن انت اللى هتكون حابب اننا نمشى
نظر اليه "عمر" قائلاً :
- أظن احنا اتفقنا آخر مرة ان الموضوع محتاج صبر مش كده .. يعني الىل عايز أقوله أنا مفقدتش الأمل .. عارف ان الوقت مش مناسب بالنسبلها .. وهى ممكن يكون تفكيرها مضطرب .. وعشان كده رفضت .. وحتى لو موافقتش وأصرت على الرفض .. ده مش معناه انكوا تسيبوا المزرعة وتمشوا
قال له "عبد الحميد" :
- بس يا بشمهندس .....
قاطعه "عمر" قائلا :
عم "عبد الحميد" انت السنين اللى اشتغلتها فى الشغل الحكومى خليتك منظم زى الساعة بالظبط .. ومحدش قبلك مسك المخزن بإيد من حديد زيك كده .. يعني فعلا أنا محتاجك هنا .. وانت عارف ان الشغلانه دى مينفعش أحط فيها الا واحد أثق فيه .. من بعد ما عينت كذا واحد واكتشفت انهم كانوا بيسرقوا من العلف ويبيعوه برخص التراب .. يعنى مفيش حد غيرك أثق فيه وأسلمه مفاتيح المخزن ده .. يا ترى بأه بعد كل اللى قولتهولك ده لسه برده عايز تسيب المزرعة وتمشى
ابتسم "عبد الحميد" فى سرور وقد فرح لثقة "عمر" به وبعمله وقال :
- ده احنا نخدمك بعنينا يا بشمهندس
ابتسم "عمر" وربت على كتفه قائلاً :
- تسلم يا عم "عبد الحميد"
ثم تركه وانصرف
***************************
خرجت "ريهام" من المكتب بعد انتهاء عملها فى طريقها الى غرفتها .. عندما أوقفها "هانى" واعترض طريقها .. نظرت اليه فى حده قائله :
- أفندم ؟
ابتسم لها قائلاً :
- ازيك يا آنسه "ريهام"
تركته وأكملت طريقها فإعترض طريقها مرة أخرى .. فهتفت قائله :
- لو محترمتش نفسك أنا هشتكيك للبشمهندس "كرم"
اتسعت ابتسامته قائلاً :
- مش تعرفى الأول أنا عايزك فى ايه
قالت بحده :
- مش عايزة أعرف
وهمت بالسير مرة أخرى .. لكنه وقف أمامها قائلاً والابتسامه تعلو شفتاه :
- أنا عايز أتقدملك
بهتت ووقفت تنظر اليه فى دهشة قائله :
- نعم
أعاد ما قال :
أنا عايز أتقدملك
احمرت وجنتاها .. ونظرت اليه قائله :
- وانتى تعرفنى منين عشان تتقدملى
نظر اليها قائلاً :
- صحيح معرفكيش انتى لانك مش مديانى فرصة اعرفك .. بس اعرف اختك الدكتورة "ياسمين" وواضح انك انسانه محترمة زيها .. وعشانك كده عايز أتقدملك ونتعرف على بعض أكتر
شعرت بالإضطراب فقالت له :
- بعد اذنك
ثم غادرت بسرعة حتى لا يعترض طريقها مرة أخرى
كانت "ياسمين" عائدة الى مكتبها عندما رآها "هانى" واستوقفها قائلاً :
- دكتورة "ياسمين" لو سمحتى
التفتت اليه قائله :
- أفندم
شعر بالارتباك قليلا ثم قال :
- عايز أتكلم مع حضرتك فى موضوع
قالت بنفاذ صبر :
- اتفضل بس بسرعة عندى شغل
تنحنح قليلا ثم ابتسم قائلاً :
- أنا عايز أتقدم لأختك
نظرت اليه بدهشة قائله :
- "ريهام" ؟
اتسعت ابتسامته قائلاً :
- أيوة
سألته بإستغراب :
- وانت تعرفها منين ؟
- شوفتها كذا مرة وهى جيالك وكمان بشوفها كتير هنا فى المزرعة .. وبصراحة عجبانى
رآهما "عمر" واقفان معاً يتحدثات فى هدوء والابتسامه تعلو شفتى "هانى" .. فاشتعل قلبه بنيران الغيره واقترب منهما ووقف أمامهما فى صمت .. ظل الثلاثة ينظرون الى بعضهم البعض دون أن يتحدث أحدهم بكلمه .. قطع "هانى" هذا الصمت وتنحنح قائلاً:
- طيب يا دكتورة هبقى أتكلم معاكى فى موضوعنا فى وقت تانى
قال ذلك ثم غادر المكان .. نظر اليها "عمر" بحده قائلاً :
- موضوع ايه اللى عايز يكلمك فيه
قالت ببرود :
- موضوع ميخصش حضرتك
ثم همت بالإنصراف فاعترض طريقها بيده .. نظرت اليه بحده .. فقال بحزم :
- "ياسمين" .. اياكى أشوفك واقفه بتتكملى معاه تانى
تحولت نظرات "ياسمين" الى الدهشة وقالت :
- يعني ايه ؟
قال بحزم :
- يعني اللى سمعتيه .. متقفيش تتكلمى معاه تانى لأى سبب .. ومن بكرة هقول لدكتور "حسن" يشوف حد غيرك يشرحله الحالات
شعرت بالحنق والضيق فقالت :
- ليه بأه ممكن أعرف السبب
صمت قليلاً ثم قال ببرود :
- أحب أحتفظ بالأسباب لنفسي
قال نفس جملتها التى قالتها عندما سألها عن سبب رفضها اياه .. سالته قائله :
- انت مالك ومالى ؟
نظر اليها بنظرات شعرت بأنها تخترق أعماق روحها .. قال فجأة بصوت رخيم :
- انتى بتاعتى
ارتجف قلبها .. قالت وقد اعترتها الحيرة :
- ايه
تعمقت نظراته فى عينيها أكثر لتشل أى قدرة لها على المقاومة .. وقال بصوت خافت :
- زى ما سمعتى .. انتى بتاعتى
ثم أردف قائلاً بصوت هامس وعيناه تعانقان عينيها :
- مهما قولتى مش هسيبك .. لأنك بتاعتى خلاص .. ملكى أنا وبس .. لا هسمحلك تبعدى عنى .. ولا هسمح لأى حد انه يقربلك
قال ذلك وتركها خلفه وصدى كلماته يتردد فى أذنها .. تحاول استيعابها فى حيره .. وعلى الرغم من قدرتها على السيطرة على تعبيرات وجهها .. إلا أن قوتها لم تكفى لتسيطر على قلبها الذى أخذ يقفز فرحاً لكلماته .
↚
عاد "عمر" الى منزله كالعادة سلم على الجميع ثم صعد الى غرفته .. تركته أمه وشأنه طيلة الأيام الماضية ولم يقترب أحد منه .. قالت مدام" ثريا" بحده :
- ماله عامل كده أكن ميتله حد .. أحسن انه خلص منها أوام أوام .. بكرة يلاقى اللى أحسن منها مليون مرة
قامت "كريمة" وتوجهت الى غرفة ابنها دخلت وأغلقت الباب وجدته كما المرة الماضية يجلس فى الظلام شارداً حزيناً .. اقتربت منه لتجلس على المقعد بجواره .. نظر اليها فى صمت .. ثم عاود النظر الى تلك السماء أمامه التى تزينت باللون الأسود .. كالسواد الذى يشعر بأنه يغمر قلبه ويغرقه فيه .. نظرت اليه "كريمه" قائله :
- انت بتحبها أوى كده يا "عمر" ؟
تنهد بقوة .. وصمت دون أن يجيب .. سألته قائله :
- هى ليه رفضتك
رد بهدوء قائلاً :
- معرفش
- يعني محاولتش تتكلم معاها
- حاولت
- وقالتلك ايه
- مرضتش تريحنى وتقولى السبب
صمتت "كريمة" تفكر للحظات .. ثم نظرت الى ابنها قائله فى حنان :
- هى تستاهل ؟
تلألأت العبرات فى عين "عمر" خفق قلب أمه لرؤية تلك العبرات التى تعلم جيداً أنها لا تعلن عن ظهروها إلا إذا كان الخطب جلل .. أيقنت عندئذ أن ابنها غارق فى الحب حتى النخاع .. تمتم "عمر" فى خفوت :
- أيوة تستاهل
ابتسمت "كريمة" قائله :
- أكيد تستاهل .. طالما قدرت تأثر فيك كده يبقى أكيد تستاهل
نظر "عمر" الى أمه التى ابتسمت قائله :
- فاكر يا "عمر" لما كنت صغير وكان عندك قفص كبير أوى فيه عصافير .. كنت كل فترة تشترى عصفورة وتضمها للقفص الكبير .. كنت بتحبهم ومهتم بيهم أوى .. بس كان فى عصفورة كانت مميزة أوى بالنسبة لك .. وكنت بتحبها أكتر عن باقى العصافير اللى فى القفص .. الوحيدة اللى كنت تخرجها بره القفص وتفضل حضينها بإيدك .. وكنت كتير أتخانق معاك عشان بتسيب مذاكرتك وتلعب معاها
ابتسم "عمر" فى صمت لتلك الذكرى .. فأكملت أمه :
- و فى يوم العصفورة دى تعبت .. ونقلناها فى قفص صغير لوحدها .. انت زعلت عليها أوى لدرجة انك صممت اننا نشوفلها دكتور .. وعرفنا انها تعبانه وخلاص هتموت .. انت اتأثرت أوى لأنك كنت متعلق بيها جداً .. فضلت كل يوم تحطلها الدوا بنفسك فى المايه ..وتمسكها وتحطلها الأكل فى بقها .. فضلت مهتم بيها ومراعيها .. لدرجة انى كنت بدخل عليك بالليل ألاقيك حاطط القفص بتاعها جمبك على السرير وانت نايم .. وبعد اسبوع .. العصفورة رجعت تزقزق تانى .. وخفت وبأت كويسة يوميها انت كنت هتطير من الفرحه
ظلت الابتسامه مرسومه على شفتى "عمر" وقال :
- كنت مسميها "سمسمه"
وضعت أمه كفها على كفه .. فنظر اليها .. فأكملت بحزم قائله :
- ابنى مبيتخلاش أبداً عن حاجه بيحبها .. ولا بيسيبها تضيع من ايده .. وبيحارب عشان تفضل معاه .. طالما تستاهل
شعر "عمر" بأن كلمات أمه لمست وتراً حساساً فيه وبعثت فى قلبه الأمل والتفائل و .. الحب .. قام من فوره وأمسكها من يدها لتقف وعانقها قائلاً :
- ربنا يخليكي ليا يا أحسن أم فى الدنيا
اتبسمت "كريمة" ونظرت الى ابنها قائله :
- وربنا يخليك ليا يا أحسن ابن فى الدنيا
قال لها "عمر" بحماس وعيونه تلمع من الفرح :
- صدقيني هتحبيها .. أنا واثق انك لو عرفتيها هتحبيها
ربتت "كريمة" بكفها على وجنته قائله :
- طالما انت بتحبها يبأه أنا أكيد هحبها
عانقها "عمر" مرة أخرى وقد شعر بأنه اقترب خطوة أخرى .. بل قفزة أخرى .. اقترب بها من .."ياسميـــن"
دخلت "ريهام" المكتب .. ثم طبعت البريد وتوجهت به الى مكتب "كرم" وأعطته اياهم .. وقفت ليملى عليها "كرم" الرد وبعدما انتهى .. رسمت تعبيراً جاداً على وجهها ونظرت اليه قائله :
- بشمهندس "كرم" كنت عايزة أطلب من حضرتك حاجه
نظر اليها "كرم" مبتسماً وقال :
- ايه ده هو النهاردة العيد ولا ايه
سألته قائله :
- ليه ؟
قال بمرح :
- "ريهام" بجلالة قدرها هتتنازل وتتواضع وتطلب منى أنا طلب .. يبأه لازم يكون اليوم ده مميز
قالت "ريهام" بجديه :
- كنت عايزة أبلغ حضرتك انى احتمال آخد أجازة قريب .. بس مش أكيد لسه معرفش
ابتسم قائلاً :
- وهتاخدى الأجازة اللى مش أكيد ليه
نظرت اليه وقلت :
- لانى احتمال أتخطب
اختفت ابتسامة "كرم" .. ونظر الى الأوراق التى أمامه وكأنه انشغل بها فجأة .. فأكملت "ريهام" قائله بخبث :
- أنا بس حبيت أبلغ حضرتك عشان تكون عارف انى ممكن مكنش موجودة لفترة .. بعد اذنك
ثم استدارت لتنصرف وعلى ثغرها ابتسامه خبيثة .. تابعها "كرم" بعينيه حتى خرجت وأغلقت الباب خلفها .. جلس مكانه واجماً .. يفكر فيما قالته للتو .. وعن احتمالية خطبتها .. وجد نفسه يشعر بالحنق والضيق .. فزفر وقال لنفسه بضيق بصوت عالى :
- أنا مالى متتخطب ولا تتهبب أنا مضايق نفسى ليه
حاول العودة الى اكمال عمله .. لكن صدى كلماتها ظل يتردد فى أذنه ليشتت أفكاره .. ووجد نفسه يتساءل عن شكل وصفة ذلك الذى سيكون قريباً خطيبهـــا .
***********************
توجهت "ايناس" الى حيث اسطبلات الخيل وظلت تنظر حولها وكأنها تبحث عن شخص ما الى أن وجدت من يهتف من خلفها بمرح :
- ايه ده مش معقول "ايناس" بنفسها عندنا .. ايه النور ده
التفتت وابتسمت الى "مها" التى استقبلتها بالترحاب قائله :
- ازيك يا "مها" أخبارك ايه ؟
- تمام الحمد لله .. ايه الغيبة دى بقالك كتير مبتجيش المزرعة
قالت "ايناس" بنبره فيها تعالى :
- يعني .. كنت مشغولة شوية
قالت "مها" بحفاوة :
- بس بجد المزرعة نورت
قالت لها "ايناس" :
- انتى فاضية نتكلم شوية
- طبعاً فاضية وان مكنتش فاضة أفضالك
ابتسمت "ايناس" بترفع .. وسارتا معاً داخل المزرعة .. سألتها "ايناس" فجأة :
- تعرفى دكتورة بتشتغل هنا اسمها "ياسمين"
قالت "مها" بخبث :
- طبعاً أعرفها .. هو أنا بيخفى عنى حاجه برده .. عيب عليكي
ابتسمت ايناس قائله :
- أروبة طول عمرك .. أنا قولت برده ان انتى اللى هتجبيلى من الآخر
سألتها "مها" بإهتمام :
- انتى بتسألى عنها ليه ؟
- عايزة أعرف كل اللى تعرفيه عنها
ققالت "مها" بحماس :
- بصى يا ستى ..هى وأختها وأبوها .. البشمهندس "عمر" جبهم المزرعة هنا عشان يخبيها من جوزها
قالت "ايناس" بدهشة :
- يخبيها منه ؟
قالت "مها" وهى تشعر بالسعادة لإمتلاكها معلومات قيمة تصب بها فى أذن "ايناس" :
- أصل جوزها ده كان عايز يرجعها البيت بالعافية وهى رفعت عليه قضية خلع .. فالبشمهندس "عمر" جبها هنا يخبيها منه وشغلها هى وأختها وأبوها فى المزرعة .. ومن فترة صغيرة اتحكملها بالخلع .. وخلاص اطلقت منه
شردت "ايناس" قليلاً ثم قالت :
- ها وايه كمان ؟
- هما التلاته ساكنين هنا فى المزرعة فى سكن العمال
قالت "ايناس" بسخرية :
- سكن العمال ؟
سخرت "مها" هى الأخرى قائله :
- أيوة هى وأختها أعدين فى أوضة .. وباباها فى أوضة
- وايه كمان تعرفيه
قالت "مها" بخبث :
- اللى أعرفه كمان انها بتلف حولين البشمهندس "عمر" .. وأختها بتلف حلولين البشمهندس "كرم" .. عقربتين هما الاتنين بنات مش سهله
رفعت "ايناس" حاجبها قائله :
- يعني أختها كمان بتلف على "كرم"
قالت "مها" بحماس :
- أيوة دى مش عتقاه وبيفضلوا مع بعض بالساعات جوه فى المكتب بحجة انها السكرتيرة بتاعته .. وحتى "ياسمين" كل شوية تتحجج وتروح للبشمهندس "عمر" المكتب ..بس الشهادة لله هو مش مديها وش أبدا وعلى طول يطنشها
قالت "ايناس" بسخرية :
- اظاهر انك مش دريانه باللى بيحصل .. "عمر" عايز يتجوزها
ضربت "مها" بكفها على صدرها قائله :
- ايييييييييييه يتجوزها ؟
- آه شوفتى المصيبة .. يتجوز واحدة مطلقة ومش بس كده لا بتشتغل هى وأهلها عندنا وساكنين فى سكن العمال .. يعني فضيحة كبيرة جداً لعيلتنا
قالت "مها" بحقد :
- بنت التييييييييييييت .. عرفت تلعبها صح .. وقعته وجابت رجليه .. أنا من أول ما شوفتها وأنا قولت البنت دى مش سهله .. وطلع معايا حق
قالت "ايناس" بحده :
- انتى عبيطة يا بنتى .. انتى ليه مدياها أكبر من حجمها
- عرفت توقع البشمهندس "عمر" وتخليه هيتجوزها
هتفت "ايناس" بغضب :
- ومين قالك انه هيتجوزها .. كل الحكاية ان "عمر" هفت عليه نفسه يجرب حاجه جديده مجربهاش قبل كده .. هى حاجه لوكل أوى بس نفسه هفته عليها .. زى ما بتفضلى تاكل أكل نضيف كل يوم وفجأة نفسك تهفك على طبق كشرى .. هتتخطبلها يومين زى "نانسي" وتروح لحال سبيلها لما يعرف انه غلط غلطة عمره انه فكر فى واحده مش من مستواه
تركت "ايناس" "مها" تتخبط فى مشاعر الحقد والغضب الذى اشتغل بداخلها .. وذهبت الى حيث تعمل "ياسمين" .. أرادت رؤية تلك الفتاة التى اختارها "عمر" .. التقت بـ "ولاء" .. التى لم تعيرها أدنى اهتمام فإقتربت منها "ايناس" وسألتها :
- لو سمحتى يا دكتورة مشفتيش دكتورة "ياسمين"
نظرت اليها "ولاء" فى قلق ثم أشارت الى المكان الذى تقف فيه "ياسمين" وهى تعطى بعض الملفات الى دكتور "حسن" انتظرتها "ايناس" وعندما أقبلت "ياسمين" بإتجاهها .. نظرت اليها "ايناس" بسخرية كما فعلت والدتها من قبل ..توقفت "ياسمين" أمامها وقد شعرت بالدهشة الممزوجة بالغضب لنظرات تلك الفتاة الساخرة .. قالت لها "ايناس" بتعالى :
- تمام زى ما وصفتك ماما
تذكرت "ياسمين" تلك الفتاة .. انها نفس الفتاة التى استقبلها "عمر" على البوابة وألقت بنفسها بين ذراعيه وقبلته .. انها "ايناس" ابنة عمته .. وبالتأكيد أتت لتلقى على مسامعها بعض ما ألقته عليها والدتها من قبل .. شعرت بالحنق والضيق والغضب .. ألا يعلمون أنها رفضته .. فلماذا لا يتركوها وشأنها
قالت لها "ياسمين" بحزم :
- بعد اذنك
وهمت بالإنصراف .. لكن "ايناس" أوقفتها قائله :
- مش عايزه تعرفى أنا مين ؟
التفتت اليها "ياسمين" قائله ببرود :
- لأ ميهمنيش أعرف
قالت "ايناس" بترفع دون أن تلتفت لكلامها :
- أنا "ايناس" بنت عمت "عمر"
صمتت "ياسمين" ولم ترد .. فأكملت "ايناس" بتعالى :
- مش بنت عمته بس .. أنا كمان بشتغل معاه فى الشركة مديرة العلاقات العامة .. وغير كده أنا و"عمر" متربيين مع بعض من واحنا صغيرين ومكناش بنفترق أبداً
صمتت قليلاً ثم قالت بخبث :
- يعنى تقدرى تقولى أنا حب الطفوله والمراهقة بتاع "عمر"
قالت لها "ياسمين" بحزم :
- كل الكلام اللى حضرتك بتقوليه ده ميخصنيش فى حاجه .. بعد اذنك
والتفتت ودخلت الى مكتبها .. ظلت "ايناس" تنظر اليها بغل لبرهه ثم انصرفت
شعرت "ياسمين" بالغضب يعصف بداخلها .. لكنها كانت مصممه على ألا تدع أحداً يقلل من شأنها أو يحط من قدرها .. هى لن تتخلها عن ملابسها المحتشمة وحجابها لترضى من حولها أو ليقال عنها راقية .. فليقل من حولها ما يقولون طالما ترضى ربها ولا تعصيه .. فلا شئ آخر يعنيها .. كانت تثق بأن من أرضى الناس وأسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس .. لذلك كانت قاعدتها التى تضعها دائماً نصب عينها .. من وجد الله فماذا فقد ومن فقد الله فماذا وجد
************************
ذهبت "ياسمين" الى استراحة الغداء .. حاولت أن تتجنب النظر الى "شيماء" و "مها" حتى لا يطلبا منها الإنضمام اليهما .. ذهبت للجلوس برفقه "ولاء" وأصدقائها .. رحبت بها "ولاء" وعرفتها على الفتيات الثلاث الجالسات معها .. ظلت تستمع الى حديثهن المازح وتتشارك معهن فى الحوار والمزاح .. كانت سعيدة بصحبتهن للغاية .. أنهت غدائها وأثناء انصرافها وجدت "مها" توقفها قائله :
- مش كنتى تعرفينا يا عروسه .. عشان نفرحلك
نظرت اليها "ياسمين" بدهشة .. فقالت "مها" بتشفى :
- يا بنتى أنا مفيش حاجة هنا تستخبى عليا
قالت "ياسمين" بحده :
- عرفتى منين ؟
قالت "مها" مبتسمه :
- مصادرى الخاصه
قالت "ياسمين" بإندفاع وبدون تفكير :
- البشمهندس "عمر" هو اللى قالك ؟
صمتت "مها" قليلاً .. وشعرت بأنها تصيدت فرصة لتعكر صفو مزاجها فقالت :
- مش هريحك هسيبك على نارك كده
ثم تركتها وغادرت القاعة .. شعرت "ياسمين" بالحنق الشديد .. أ "عمر" من أخبرها .. ولماذا يخبرها .. لماذا أصلاً يتحدث فى هذا الموضوع .. ألم ينتهى برفضها اياه .. أحقاً يقصد ما قاله لها بأنه لن يتركها .. وبأنها أصبحت له وملكه .. أشعرتها تلك الكلمات بالقشعريرة .. حاولت نفض تلك الكلمات من رأسها .. وعادت فى طريقها الى المكتب .. لكنها لدهشتها دخلت لتجد "عمر" جالس فى مكانها يمسك بيده ميداليه مفاتيحها الموضوعه على المكتب يقلبها بين أصابعه .. رآته فتسمرت مكانها .. رآها فنهض ليقف فى مواجهتها .. ابتسم لها قائلاً :
- ازيك يا "ياسمين"
دخلت المكتب فأفسح لها الطريق .. جلست على مكتبها وأخرجت أحد الملفات وقلم وبدأت فى تدوين بعض الملحوظات دون أن تتحدث معه أو تنظر اليه .. استند بكفيه على المكتب وأخذ يتفحص وجهها .. والتعبيرات الغاضبة الواضحه عليه .. فسألها قائلاً :
- مالك فى حاجه ضايقتك ؟
نظرت اليه قائله :
- أيوة
-ايه اللى مضايقك
قالت بحده :
- انت
ابتسم لها ابتسامه أشاحت وجهها بسرعه حتى لا تقع تحت تاثير سحرها .. قال بصوت حانى :
- مضايقه منى ليه
هبت واقف فى مواجهته .. فاعتدل فى وقفته قالت بحده :
- أولا أنا مش حبه أبداً الاسلوب اللى انت بتكلمنى بيه لازم يبقى فى حدود بينا يا بشمهندس .. ثانياً كل شوية أشوفك أدامى أكن مفيش وراك حاجه فى المزرعة دى غيري .. ثالثا انت ليه قولت لـ "مها" انك اتقدمتلى ؟
قال "عمر" بهدوء :
- أولاً : أنا مش شايف انى تجاوزت حدودى معاكى فى الكلام .. ثانياً : أيوة ورايا حاجات كتير فى المزرعة بس انتى أول اهتماماتى .. ثالثاً : أنا مبتكلمش مع الدكتور "مها" أو غيرها عن حاجه تخصنى
قالت بإستغراب :
- أمال مين اللى قالها ؟
قال شارحاً :
- ممكن من "ايناس" بنت عمتى .. لأنهم يعرفوا بعض
شعرت "ياسمين" بالغضب يشتغل بداخلها مرة أخرى على ذكر "ايناس" تلك .. وعاودتها ذكرى رؤيتهما معاً متعانقان ..فقالت بشئ من الحده :
- طيب لو سمحت عرف قرايبك ان الموضوع انتهى .. لانى مش حبه ان حد يتكلم معايا في الموضوع ده .. ولا حبه ان حد فى المزرعة يعرف الموضوع ده
اقترب برأسه منها لينظر الى عينيها مباشرة .. فارتجفت .. كانت نظرته صارمه حازمه مصممه .. قال بصوت وكأنه أتى من مكان سحيق :
- "ياسمين" الموضوع منتهاش .. احنا لبعض .. دلوقتى ..بعد شهر .. بعد سنة .. ميهمنيش أستنى أد ايه .. المهم انك فى الآخر هتبقى ليا أنا
ارتجف قلبها .. فخرج صوتها مرتجفاً :
- انت ليه مصر الإصرار ده
قال وقد لمعت عيناه :
- انتى اللى عملتى فيا كده .. وخلتيني مش شايف غيرك .. لما ببصلك بحس ان فى حاجه قوية ربطانى بيكي .. وبتشدنى نحيتك .. مش عارف أتحرر منها
ابتسم ابتسامه عذبه قائلاً :
- ولا عايز أتحرر منها
ألجمتها كلماته .. واشتعلت النيران فى وجنتيها .. فغادرت مسرعة .. كالعادة .. لتهرب منه .. ومن نفسهـــا .
**********************
كانت "ريهام" فى مكتبها تضرب بأصابعها على لوحة المفاتيح أمام الكمبيوتر .. عندما شعرت بأحداً يقف بجانبها رفعت رأسها لتفاجأ برؤية "هانى" يقف بجوارها مبتسماً .. قائلاً :
- ازيك يا آنسه "ريهام"
قالت له ببرود :
- أفندم .. حضرتك عايز البشمهندس "كرم" فى حاجه
- لأ .. أنا كنت عايز أتكلم معاكى فى الموضوع اللى فتحته معاكى .. يعني عايز رقم والدك .. أو ولى أمرك
ابتسم بحرج قائلاً :
- يعني بصراحة أنا معرفش تفاصيل أوى عنك .. وحابب أعرف شوية حاجات
وقفت وقالت له بنفاذ صبر :
- دكتور "هانى" أنا مشغولة دلوقتى لو سمحت
وفجأة وجدت "كرم" يدخل الى المكتب يحمل ملف قائلاً :
- "ريهام" لو سمحتى عايز .......
قطع كلامه عندما وجد "هانى" فى المكتب وقف يتحدث الى "ريهام" .. شعر الحنق .. نظر اليه "هانى" قائلاً :
- ازيك يا بشمهندس "كرم" .. احنا اتعرفنا قبل كده
قال "كرم" بلا مبالاه :
- بجد ؟ .. مش فاكر
ثم التفت الى "ريهام" قائلاً ببرود :
- عايز نسختين من الملف ده .. دقيقتين وتجيبيه عندى فى المكتب
ثم ألقى نظره صارمه على "هانى" وخرج من المكتب .. بعد خمس دقائق دخلت "ريهام" المكتب تحمل الملفات المطبوعة وضعتهم أمامه وهمت بالإنصراف .. لكنه استوقفها قائلاً بحده :
- المكتب ده مفتوح للشغل مش لغرامياتك يا آنسه "ريهام" .. بعد كده عايزة تقابلى خطيبك يبأه مش فى المكتب عندك أماكن كتير فى المنصورة تخرجى فيها معاه
هتفت بغضب قائله :
- لأ استوب عندك .. أنا مسمحلكش انك تقولى الكلام ده .. أولا أنا مليش فى الغراميات وقلة الأدب .. ثانياً : حتى لو هو خطيبي فأنا مستحيل أخرج معاه .. ثالثا : أنا لسه موافقتش عليه يعني مسمحلكش انك تقول عليه خطيبي أصلاً ..رابعاً : لو اتكلمت معايا بالاسلوب ده تانى أو لمحت بأى تلميح مش محترم أنا هسيبلك الشغل وأمشى
ثم غادرت المكتب وأغلقت الباب خلفها فى عصبيه
*******************
أحاط "نور" زوجته بذراعيه من الخلف عندما وجدها واقفه شاردة فى شرفة غرفتهما التى تطل على الحديقة الخلفية للمنزل .. ثم قال لها مبتسماً :
- كنت عارف ان قلبك أبيض
ابتسمت قائله :
- أعمل ايه .. مبحبش النكد
ضحك قائلاً :
- ودى أكتر حاجه بحبها فيكي
اختفت ابتسامتها قائله :
- بس خايفه أوى .. خايفه "عمر" يكون مغشوش فى البنت دى .. وتكون مش كويسة
طمأنها قائلا :
- هو راجل ويقدر يعرف الناس كويس .. وكمان حاولى تتعرفى عليها وكونى رأى عنها على الواقع بدل التخمينات اللى فى راسك دى
- ازاى بس .. البنت أصلاً رفضته
فكر قليلاً ثم قال :
- ما قالكيش سبب الرفض ؟
- لأ .. بيقول مرضتش تقوله .. ودى كمان حاجه هتجننى .. مين مجنونه ترفض "عمر" .. إلا فى حالة واحده
- ايه هى ؟
- يكون فى حياتها حد تانى
تنهدت بقوة وقالت :
- أنا خايفه تكون بتحب واحد تانى .. ولا تكون لسه متعلقه بزوجها .. لو فعلاً كده "عمر" يا حبيبى هيتصدم .. ده بيحبها أوى يا "نور"
اقترح عليها زوجها قائلاً :
- طيب ما تتكلمى معاها انتى
قالت بإستنكار :
- ازاى يعني طبعا مينفعش
- طيب على الأقل حاولى تتعرفى عليها من بعيد لبعيد .. هى أصلا متعرفش شكلك .. حاولى على الأقل تشوفيها وتكونى ولو فكرة مبدئيه عنها
قالت وقد راقت لها الفكرة :
- هفكر فى الموضوع ده
*************************
دخلت "ريهام" غرفتها والغضب بادٍ على وجهها .. نظرت اليها "ياسمين" الجالسه على فراشها قائله :
- ايه مالك .. حد ضايقك ؟
قالت "ريهام" بحده :
- الباشا قالى كلمتين حرقوا دمى
قالت "ياسمين" بإستغراب :
- باشا مين ؟
قالت "ريهام" بنفاذ صبر :
- "كرم" يا "ياسمين" متركزى
- قالك ايه يعني
- سى بتاع اللي اسمه "هانى" ده جالى المكتب .. كان عايز رقم بابا .. و"كرم" دخل .. وبعد ما مشى .. سعمنى كلمتين سم .. قال ايه .. عايزة تقابلى خطيبك قابليه فى مكان تانى فى اماكن كتير فى المنصورة حلوة
قالت "ياسمين" بإستغراب :
- ومين قاله أصلاً ان "هانى" عايز يتقدملك .. "هانى" اللى قاله ؟
قالت بإرتباك :
- لأ مش "هانى" .. أنا اللى قولتله
- ليه بأه ؟
صمتت قليلاً ثم قالت بخبث :
- عشان يتحرك شويه
ثم عادت لتشعر بالضيق قائله :
- هو اتحرك فعلاً بس اتحرك فى الإتجاه الغلط
ابتسمت "ياسمين" قائلاً :
- أحسن وقعتى فى شر أعمالك
ثم استطردت قائلاً :
- انتى ناويه توافقى على "هانى" ؟
قالت "ريهام" بإستنكار :
- "هانى" مين ده اللي أوافق عليه ده حتت عيل
ضحكت "ياسمين" قائله :
- عيل ايه يا "ريهام" ده أكبر منك بسنه
قالت بإصرار :
- برده شيفاه عيل
قالت "ياسمين" بجديه :
- طيب لو افترضنا ان "كرم" اتحرك فى الإتجاه الصح .. انتى مش شايفه انه فرق السن بينكوا كبير شويه
سألت "ريهام" :
- ليه هو "كرم" عنده كام سنه ؟
- يعني 37 او 38 فى الحدود دى
قالت "ريهام" بدهشه :
- وانتى عرفتى منين
- ايه يا بنتى مش كان زميل "أيمن" زوج "سماح" فى الكليه
- آه صحيح
ثم أردفت "ريهام" :
- بس تعرفى شكله ميجبش 37 دى خالص .. شكله يدى أصغر
ثم هتفت فى مرح :
- وبعدين أصلا البنت أنضج من الولد اللى فى سنها بـ 3 سنين ..
ضحكت "ياسمين" قائله :
- يا سلام .. طيب برده لسه الفرق كبير
أكملت "ريهام" بمرح :
- و "كرم" يدى بتاع 33 سنة .. نخصم منهم ال 3 سنين النضوج بتوعى يبقى كده الفرق بينى وبين "كرم" نفس الفرق اللى بين "سماح" و"أيمن" .. ونفس الفرق اللى بينك انتى و "عمر"
قالت "ياسمين" بحده :
- لو سمحتى يا "ريهام" متحطيش اسمى مع اسم "عمر" فى جملة واحده
ضحكت "ريهام" بشدة وقالت :
- ثكر يا "ياسمين" ثكر .. حاضر هبقى أحط بينكوا فاصله بعد كده .. أو أقولك نقطة ومن أول السطر
قامت "ياسمين" وقذفتها بغيظ بالوسادة التى كانت تستند عليها
***********************
انتهى الإجتماع المنعقد للأطباء العاملين فى المزرعة مع كل من "عمر" و "كرم" و "أيمن" ... كان "عمر" طوال الإجتماع يختلس النظر الى "ياسمين" التى اختارت آبعد مقعد للجلوس عليه .. انفض الإجماع فكانت أول من غادر القاعه .. وجدت صوت خلفها :
- دكتورة "ياسمين" لو سمحتى
نظرت خلقها لتجد "هانى" مرة أخرى قالت فى نفسها بتأفف (ياربي مش هنخلص)
ابتسم "هانى" قائلاً :
- ازى حضرتك عامله ايه ؟
قالت بنفاذ صبر :
- خير يا دكتور في حاجه ؟
- أنا بس كنت عايز رقم والد حضرتك .. لان الآنسه "ريهام" اتكسفت تديهولى
صمتت "ياسمين" قليلاً لتتخير كلماتها ثم قالت :
- مفيش داعى انك تكلم والدى يا دكتور "هانى"
قال بإهتمام :
- ليه يا دكتورة
قالت بشئ من التردد :
- يعني بصراحه .. كل شئ نصيب
- يعني ايه ؟
وجدت فجأة من يقول من خلفها بحده :
- خير يا دكتور فى حاجه ؟
لم تلتفت لأنها تعرفت على صاحب الصوت .. "عمر" .. ها هو يتدخل فى أمورها مرة أخرى .. شعرت بالحنق .. متى سيتوقف عن ذلك ويتركها وشأنها .. قال له "هانى" بحده :
- موضوع بيني وبين الدكتورة "ياسمين" يا بشمهندس
قال "عمر" بحزم :
- أى حاجه تخص "ياسمين" تخصنى أنا كمان
التفتت اليه "ياسمين" بحده .. كيف يخاطبها أمامه هكذا بدون لقب .. وكيف يقول أن ما يخصها يخصه .. لكن "عمر" لم يلقى بالاً لنظرة الغضب فى عينيها .. نظر اليه "هانى" بسخريه قائلاً :
- ليه بأه كل اللى يخصها يخصك ؟
قال بهدوء :
- لأنى خطيبها
شهقت "ياسمين" بدهشة .. يا لجرئته .. بل يا لوقاحته .. كيف يجرؤ على قول ذلك .. نظرت الى "هانى" قائله وكأنها تنفى عن نفسها تهمه ألصقت بها :
- لأ مش خطيبي
نظر اليها "عمر" قائلاً بحزم :
- لأ خطيبك
التفتت اليه بحده قائله :
- لأ مش خطيبي
- لأ خطيبك
شعرت "ياسمين" بسخافة فى الوضع الذى وصلوا اليه فغادرت مسرعه .. أما "عمر" فقد رمق "هانى" وعيد ثم غادر هو الآخر .. وقف "هانى" مذهولاً يضرب كفاً على كف قائلاً :
- شكلى وقعت فى مزرعة شوية مجانين
دخل "عمر" الى مكتبه وتبعه "كرم" ثم "أيمن" .. قال "كرم" فجأة :
- أنا مش طايق أشوف أدامى الزفت اللى اسمه "هانى شاكر" ده
قال "عمر" بحده :
- ولا انا طايق أشوفه فى المزرعة كلها
قال "كرم" بحده :
- ما تطرده يا "عمر" ساكت عليه ليه
-هو بيشتغل هنا يا "كرم" عشان أطرده .. ده ابن عميل عندنا طلب انه يتدرب عندنا فى المزرعة
قال "كرم" بإنفعال :
- ما يشوفله أى خرابه تانية يغني فيها .. ده ايه الهم ده
سأله "أيمن" قائلاً :
- ليه عملك ايه عشان تضايق منه أوى كده ؟
قال "كرم" بضيق :
- أهو أنا كده مش طايقه من الباب للطاق
سأله "عمر" :
- أكيد فى سبب
- من غير سبب .. لما بشوفه بحس انى عايز أديله ألم أخلى أفاه أدام ووشه وره
ضحك "عمر" و "أيمن" .. فقال "كرم" بضيق :
- بتضحكوا .. بكره أخر ما هزهق هعملها وهتشوفوا
ثم صاح فى حنق :
- ده واد غتيت
ثم قام وانصرف .. سأل "أيمن" ضاحكاً :
- ماله ده
ابتسم "عمر" قائلاً :
- والله ما أعرف يا ابنى
- طيب انت مضايق من "هانى" ليه عملك حاجه ؟
ظهرت علامات الضيق على وجه "عمر" وقال بحده :
- كل شويه ألاقيه واقف يتكلم مع "ياسمين" ولما أسأله يقولى حاجه خاصه بينى وبينها .. أما خلاص قربت أعمل زى ما "كرم" كان بيقول من شويه
ضحك "أيمن" قائلاً :
- لأ ده انتوا الإتنين حالتكوا صعبه ميتسكتش عليها
ثم قام ليغادر قائلاً :
- أنا ماشى بأه .. آه على فكرة "ياسمين" معزومة بكرة عندنا على الغدا .. "سماح" عزماها
سأله "أيمن" بإهتمام :
- لوحدها ؟
ابتسم "أيمن" قائلاً :
- أيوة لوحدها .. ايه عايز ايه
ابتسم "عمر" بخبث قائلاً :
- بصراحة الأكل البيتى وحشنى أوى
ضحك "أيمن" قائلاً :
- انت هتصيع عليا .. اخطف رجلك لحد بيت المزرعة تلاقى الحاجه "كريمة" عملالك أحلى أكل .. هو فى زى نفس والدتك دى عليها أكل محصلش
ابتسم "عمر" قائلاً :
- "أيمن" خليك جدع واعزمنى بكرة على الغداء
ضحك "أيمن" ثانية :
- يا ابنى هتستفاد ايه .. حتى لو عزمتك هيبقى هما أعدين فى مكان .. واحنا أعدين فى مكان تانى
- ملكش انت دعوة
- طيب .. هقول لـ "سماح" انك جاى
قال "عمر" بسرعة :
- بس متخليهاش تقول لـ "ياسمين"
ابتسم "أيمن" :
- أموت وأعرف هتستفاد ايه .. بس ماشى هريحك .. يلا سلام
- سلام
انصرف وترك "عمر" غارقاً فى التفكير .
************************
كانت فى غرفتها "ياسمين" ساهره .. تقرأ احدى رواياتها عندما وجدت ورقه تُدس من تحت الباب .. قفزت من مكانها وأضاءت نور الغرفة .. كانت ورقة صغيره حمراء اللون .. مطوية نصفين .. أمسكتها ثم أغلقت النور وارتدت اسدالها وفتحت باب الشرفة وخرجت لتنظر منها .. ولدهشتها بعد لحظات وجدت "عمر" يخرج من باب المسكن .. ويسير فى اتجاه الطريق الذى فيه شجرتها .. كان يتهادى فى سيره وكأنه ليس فى عجلة من أمره .. خفق قلبها بشدة .. وأغلقت النافذة .. وأمسكت الورقة بين كفيها .. لا تجرؤ على فتحها .. لكن فى النهاية غلبها الفضول .. فتحت الورقة بيد مهتزه قليلاً وبقلب متلهف كثيراً .. لتجد مكتوب فيها :
متى ستعرفي كم أهواكِ يا أملاً أبيع من أجله الدنيا وما فيها
لو تطلبي البحر في عينيك أسكبه أو تطلبي الشمس في كفيكِ أرميها
انا أحبك فوق الغيم أكتبها وللعصافير والأشجار أحكيها
انا أحبك فوق الماء أنقشها وللعناقيد والأقداح أسقيها
انا أحبك... حاولي أن تساعديني
فإن من بدأ المأساة ينهيها
وإن من فتح الأبواب يغلقها
وإن من أشعل النيران يطفيها
تسارعت نبضات قلبها الذى أخذ يرقص فرحاً لوقع تلك الكلمات عليه .. كانت تشعر وكأن قلبها نبت له جناحان وأخذ يرفرف بهما داخل صدرها .. كانت تشعر بأن الورقة التى فى يدها هى أغلى هدية حصلت عليها يوماً .. وأغلى مما تمنت الحصول عليه .. أعادت قرائتها مرات ومرات والإبتسامه على شفتيها .. مررت أصابعها على الكلمات تتحسسها وكأنها تريد حفرها فى قلبها للأبد .. لا تدرى الى متى وقفت تعيد قرائتها ببط ورويه .. طوتها وحضنتها فى كفها .. فتحت باب الشرفه مرة أخرى تتنظر عودته .. فبالتأكيد سيعود من نفس الطريق لكى يصل الى بيته .. وقفت قرابه النصف ساعه .. ثم لاح طيفه من بعيد .. فوقفت تتخفى خلف الستاره حتى لا يراها .. ألقى "عمر" نظره على الشرفه فرجعت الى الوراء خشية أن يراها .. ثم أعادت النظر مرة أخرى لتجده يكمل طريقه الى بيت المزرعة همت بالدخول لولا أنها رأت خيال مقبل فى اتجاهه دققت النظر فوجدتها "ايناس" .. وقفت تراقب ما يحدث وهى مقطبة الجبين
تقدمت "ايناس" من "عمر" ووقفت أمامه قائله بإبتسامه :
- كنت هربان فين ؟
قال "عمر" وهو يهم بالإنصراف :
- كنت بتمشى شوية
أمسكت ذراعه لتوقفه .. شعرت "ياسمين" بالضيق وهى تراها ممسكة بذراعه على هذا النحو دون أدنى اعتراض منه .. قالت "ايناس" :
- استنى يا "عمر" عايزة أتكلم معاك شويه
قال بشئ من الضيق :
- مينفعش نأجل الكلام وقت تانى يا "ايناس"
قالت مبتسمه :
- لأ دلوقتى أحسن .. أنا شايفه ان المكان مناسب والوقت مناسب
نظر اليها بإهتمام قائلاً :
- خير فى ايه
اقتربت منه ووضعت كفها على صدره .. فنقل نظره منها الى كفها ثم نظر اليها فى دهشه .. فقالت بصوت هامس :
- انا بحبك يا "عمر"
كان غضب "ياسمين" وصل الى ذروته .. وهى تراهما مقتربان من بعض الى هذا الحد .. دون أى اعتراض منه .. دخلت وأغلقت باب الشرفة بعنف .. وصل الصوت الى "عمر" الذى التفت بسرعة ينظر الى الشرفة الخاليه .. سأل نفسه هل سمع حقاً باب الشرفة يُغلق أم أن الصوت مصدره شيئاً آخر .. هل "ياسمين" من فعلت ذلك .. هل استيقظت .. هل قرأت ورقته .. هل خرجت الى الشرفه لتراه .. كان يسبح فى بحر الأسئله عندما أخرجته "ايناس" من شروده وهى تمسك بذراعه لتجعله يلتفت اليها قائله :
- "عمر" مردتش عليا
التفت "عمر" لينظر اليها وكأنه نسى وجودها قائلاً بحده :
- "ايناس" ايه اللى انتى بتقوليه ده
نزع ذراعه من يدها .. وتركها وغادر المكان .. زفرت بضيق ونظرت بحقد الى الشرفة التى خمنت أنها لغرفة "ياسمين" ثم أعادت أدراجها الى بيت المزرعة.
استيقظت "ريهام" على صوت غلق باب الشرفة وأضاءت النور قائله :
- خير فى ايه .. انتى اللى رزعتى الباب كده ؟
لم تجبها "ياسمين" .. نظرت اليها "ريهام" فوجدت علامات الغضب على وجهها فسألتها بلهفه :
- فى ايه يا "ياسمين" ايه اللى حصل
التفتت لها "ياسمين" بأعين دامعه وقالت :
- فى ان أختك غبية جداً .. ومبتتعلمش من أخطائها ..
انهمرت عبرة على وجنتها فقامت "ريهام" واقتربت منها قائله صوت حانى :
- مالك ايه اللى حصل ؟
قالت لها "ياسمين" برجاء :
- "ريهام" مش قادرة أتكلم أرجوكى ..بس عايزة منك حاجه واحدة بس
- قولى يا حبيبتى
قالت بمراره :
- مش عايزاكى تجيبى سيره "عمر" أدامى أبداً .. مش عايزه أسمع أى حاجه عنه .. ولا حتى أشوفه .. لحد ما أقدر أقنع بابا اننا نمشى من هنا
قالت "ريهام" بقلق :
- طيب قوليلى فى ايه ؟
انحدرت دمعة أخرى على وجهها وقالت :
- فى انه واحد فاضى وبيلعب فى كل حته شويه .. بس أنا مش هكون لعبة فى ايده .. أنا مشاعرى أغلى من انى أديها لواحد زيه
قالت ذلك وتوجهت الى الباسكيت الموضوع فى أحد أركان الغرفة وأطبقت على الورقة فى قبضة يدها وألقت بها فى الباسكيت .. ثم دخلت الحمام وأغلقت الباب ورائها .. ذهب "ريهام" والتقطت الورقة التى رمتها "ياسمين" .. فتحتها وقرأتها .. ثم طوتها ووضعتها فى أحد الأدراج وهى تتنهد فى حسره.
↚
لم تستطع "ياسمين" النوم طوال الليل ظلت تفكر فيما رأته يوم أمس .. كان أكثر ما تخشاه هو أن يتم خيانتها للمرة الثانية .. وكل ما تراه من "عمر" يشعرها بالخوف والرغبة فى الهرب .. حياته مختلفه عن حياتها .. أفكاره مختلفه عن أفكارها .. حتى مبادئه وقوانينه وحدوده مختلفه تماماً عنها .. كانت تعلم أنه أعلن حرب ضاريه عليها .. وأنه مصمم أن يكسبها ويفز بقلبها .. لكنها ستواجهه وتحاربه وتجبره على أن يعود صفر اليدين .. يجر أذيال الهزيمة .. ستعلمه أنها ليست كغيرها .. ان أراد أن يتسلى فليبحث عن غيرها .. لأن قلبها ومشاعرها أغلى من أن تهدرهم مع رجل يريد خوض تجربه معها وتذوق شئ مختلف عما اعتاده .. نهضت من فراشها وهى مصممه على مواجهته .. وألا تدع له أى سلطان على قلبها ومشاعرها .. توضأت وصلت الضحى ثم ارتدت ملابسها وذهبت الى عملها
.. أنهت "ياسمين" عملها بالمزرعة واتصلت بـ "سماح" تخبرها بأنها أنهت عملها مبكراً وبأنها ستأتى لها الآن .. وأخبرتها "سماح" أنها بإنتظارها .. التفتت "سماح" الى زوجها قائله :
- هى جايه وفاكره ان انت مش موجود .. وطبعاً ما قولتلهاش ان "عمر" كمان هيكون موجود
قال "أيمن" :
- كويس كده
سألته "سماح" بإستغراب :
- نفسي أفهم "عمر" هيستفاد ايه من كده .. يعني احنا أصلا هنعد فى مكان وانتوا فى مكان
ابتسم "أيمن" قائلاً :
- "سماح" .."عمر" بيحبها وبيموت فيها .. وهى مش مدياله أى فرصه .. فمجرد وجوده فى المكان اللى هى موجوده فيه أكيد ده شئ يسعده
سألته "سماح" بشك :
- هو بجد "عمر" بيحبها ؟
قال "أيمن" مؤكداً :
- أيوة يا "سماح" .. بيحبها
تنهدت "سماح" فى حيره قائله :
- أنا مبقتش عارفه حاجه .. ربنا ييسرلها الخير .. لأنها مش حمل حد يجرحها أو يلعب بيها كفايه أوى اللى شافته لحد دلوقتى
قال "أيمن" بثقه :
- أنا واثق ان "عمر" بيحبها .. وهيعوضها عن كل اللى هى شافته فى حياتها .. هى بس توافق عليه وأنا واثق انها مش هتندم
بعد قرابة النصف ساعة أتت "ياسمين" .. أدخلتها "سماح" فى غرفة صغيرة بجانب المطبخ تحتوى على أريكة وتلفاز .. وجلستا معاً .. أغلقت الباب عليهما قائله :
- "أيمن" بره وفى واحد صاحبه معزوم على الغدا
قالت "ياسمين" بحرج :
- طيب ما قولتليش ليه كنت أجلتى عزومتى أنا ليوم تانى
- لأ وأنا مالى ومالهم أصلا كده أحسن كنت هبقى أعده لوحدى .. أدينا أعدين نسلى بعض .. يلا قومى ساعديني
دخلت "ياسمين" مع "سماح" المطبخ .. قالت "ياسمين" :
- ايه المكرونة واللبن ده انتى ناوية تعملى ايه ؟
قالت "سماح" :
- عايزة أعمل مكرونة بشاميل جمب الأكل
قالت "ياسمين" بإستغراب :
- ما شاء الله ايه كل الأكل ده يا "سماح" انتى عازمة جيش
ضحكت "سماح" قائله :
- يا ستى اللى يتبقى أشيله فى الفريزر أهو ينفع وقت ما الواحد يبقى طالبه معاه كسل
- طيب أساعدك فى ايه
اقترحت "سماح" قائله :
- انتى بتعملى المكرونة بالبشاميل تحفة .. اعمليها انتى وأنا أسوى الفراخ
عملت الفتاتان معاً .. الى أن رن جرس الباب .. فتح "أيمن" .. كانت "ياسمين" تعد السلطة .. تسمرت فى مكانها عندما سمعت "أيمن" يقول :
- اتفضل يا "عمر"
وما هى الا لحظات حتى سمعت صوته بالخارج .. نظرت الى "سماح" بدهشة .. فقالت "سماح" معتذره :
- هما اللى طلبوا منى انى مجبش سيره
قالت "ياسمين" بإستغراب :
- مش فاهمة .. هو فاكر اننا هنعد ناكل مع بعض
قالت "سماح" بسرعة :
- طبعاً لأ .. هو عارف نظام بيتنا
تذكرت "ياسمين" ما حدث الليلة الماضية ووقوفه مع "ايناس" واقترابه منها الى هذا الحد .. فعاودها غضبها من جديد .. لاحظت "سماح" تقطيبها لجبينها فسألتها قائله :
-انتى مضايقه انى ما قولتلكيش ان "عمر" جاى ؟
هزت "ياسمين" رأسها نفياً قائله :
- لأ مش كده
- أمال ايه ؟
نظرت "ياسمين" اليها قائله :
- نجهز الأكل وأحكيلك
جهزت "سماح" الطعام على السفرة .. رفضت "ياسمين" مساعدتها .. كانت تريد أن تقطع عليه أى طريق للتواصل .. إذا كان يمنى نفسه اليوم برؤيتها والتحدث معها خارج المزرعة فسوف تجعله يعود بخفي حنين .. التفت الصديقتان حول طاولة طعام صغيره فى المطبخ .. والتف الصديقان حول طاولة الطعام فى حجرة السفرة .. نظر "عمر" الى الطعام قائلاً :
- ما شاء الله دى وليمه
ابتسم "أيمن" قائلاً :
- احنا عندنا أعز منك يعني .. وبعدين مش انت قولت انك نفسك فى الأكل البيتي ولا كان كلام فى الهوا
ابتسم "عمر" وعندما هم بتناول الطعام .. لمعت عيناه بخبث ونظر الى "أيمن" قائلاً :
- هى "ياسمين" ساعدت "سماح" فى تحضر الأكل ؟
قالت "أيمن" وهو يبدأ فى تناول طعامه :
- أيوة هما مع بعض من الضهر فى المطبخ
ابتسم "عمر" بخبث قائلاً :
- طيب اسأل "سماح" ايه الأكله اللى "ياسمين" عملاها بإيدها ؟
ضحك "أيمن" قائلاً :
- نعم يا أخويا
قال "عمر" بجديه :
- "أيمن" قوم اسألها
نهض "أيمن" ونادى "سماح" خرجت من المطبخ فسألها مبتسماً :
- هى "ياسمين" عملت ايه فى الأكل ده
نظرت اليه مندهشه وقالت :
- اشمعنى يعني
- قولى بس
- عملت المكرونة بالبشاميل
- ساعدتيها فيها ؟
- لأ .. قولى اشمعنى
ابتسم قائلاً :
- معرفش "عمر" عايز يعرف
ضحكت بصوت خافت قائله :
- صحبك ده غريب
عادت "سماح" مبتسمه وجلست مرة أخرى على الطاوله سألتها "ياسمين" بفضول :
- فى حاجه ؟
ابتسمت "سماح" بخبث قائله :
- معرفش .. "عمر" بيسأل ايه الأكله اللى انتى عملاها
قالت "ياسمين" بإستغراب :
- اشمعنى يعنى .. وهو ماله
ضحكت "سماح" قائله :
- أنا أعرف يختي
عاد "أيمن" قائلاً :
- عامله المكرونة بالبشاميل يا سيدى .. ارتحت
ابتسم "عمر" قائلاً وهو يزيح الطبق من أمام صديقه ويضعه أمامه :
- تمام .. يبقى المكرونة اتصادرت يا باشا
ضحك "أيمن" قائلاً :
- نعم يا اخويا .. أنا عايز أكل مكرونه
- ابقى خلى مراتك تعملهالك
- والله انت بتهرج
قال "عمر" بجديه :
-ومش بس كده .. باقى صنيه المكرونة تتلف عشان هاخدها وأنا ماشى
ضحك "أيمن" قائلاً :
- صدق الواد "كرم" .. الحب بهدله فعلاً
- طب كل وانت ساكت
انتهى الجميع من تناول طعامهم .. أزاحت "سماح" الأطباق من السفرة وقالت لـ "أيمن" الذى كان يغسل يديه فى الحمام :
- الأكل زى ما هو .. "عمر" مكلش حاجه
ابتسم "أيمن" بخبث قائلاً :
- مرضاش ياكل إلا مكرونة بالبشاميل .. وممدش ايده على حاجه غيرها
ضحكت "سماح" بصوت خافت فأكمل "أيمن" :
- وبيقولك لفى باقى الصنية عشان هياخدها معاه وهو ماشى
ازدادت ضحكات "سماح" ودخلت المطبخ نظرت الى "ياسمين" التى ابتسمت وهى تنظر اليها بدهشه قائله :
- ما تفرحينا معاكى
قالت "سماح" بإبتسامه :
- والله الراجل ده مجنون
- مين ؟
- "عمر"
قالت "ياسمين" بلا مبالاة :
- ليه يعني
نظرت اليها "سماح" بخبث قائله :
- البشمهندس مرضاش ياكل غير الأكله الوحيدة اللى حضرتك عملاها بإيدك
احمرت وجنتا "ياسمين" وتلاشت النظر الى صديقتها .. فأكملت "سماح" بخبث :
- وكمان طالب باقى الصنية مش هيسمح لحد فينا يمد ايده عليها ومرضاش يخلى "أيمن" ياكل منها
هتفت "ياسمين" قائله وقد احمرت وجنتاها بشدة :
- بيهرج ده ولا ايه
ثم غيرت الموضوع قائله :
- يلا نعمل الشاى
كانت تشعر بداخلها بالحنق الشديد .. لأنه يستطيع وبطرقه الغريبه أن يلمس أوتار قلبها على الرغم من السدود والأسوار التى تبنيها حوله .. على الرغم من قرارها هذا الصباح .. إلا أنها لم تستطع ان تنكر أنها تشعر بسعاده خفيه مما فعل
**********************
- يعني ايه وافقتي ؟
قالت "ثريا" هذه العبارة بحده وهى جالسه فى الصالون مع "كريمه" يحتسيان الشاى الساخن .. قالت "كريمه" :
- "عمر" راجل يا "ثريا" منقدرش نفرض عليه مين يتجوزها ومين ميتجوزهاش
تركت "ثريا" كوب الشاى من يدها قائله بغضب :
- يعني انتى موافقه ان ابنك يتجوز البنت دى ؟ .. ابنك اللى تعبتى فى تربيته وتعليمه لحد ما وصل للمركز اللى هو فيه آخره صبرك تبقى واحدة زى دى لا ليها أصل ولا فصل وكمان متجوزه قبل كده
قالت "كريمه" بحزم :
- طالما "عمر" اختارها عشان تكون زوجه ليه .. يبقى أكيد هى بنت كويسة .. وأنا ميهمنيش أبداً اذا كانت غنية أو فقيرة
ابتسمت "ثريا" بسخريه قائله :
- طبعاً ميهمكيش .. انتى بالذات ميهمكيش وأنا وانتى عارفين السبب
شعرت "كريمه" بالحنق وقامت لتغادر المكان وعينا "ثريا" تتبعها بنظرات ساخره .. أمسكت كوب الشاى مرة أخرى .. ورشفت رشفه ثم قالت لنفسها بتصميم :
- أنا هعرف ازاى أمنع الجوازه دى .. وأرميها هى وأهلها بره المزرعة
ظلت تفكر وتفكر حتى تولد فى عقلها فكرة خبيثه
" عود كبريت مشتعل وسيجاره مشتعله بجوار الاسلاك العارية كافي لاشعال النار فى المكان وتحويله الى رماد "
*********************
سألت "سماح" "ياسمين" وهما جالستان معاً يتسليان بأكل اللب والسودانى :
- ها ماقولتيش ايه اللى كان مضايقك وانتى فى المطبخ وقولتيلى هحكيلك بعد ما نجهز الغدا
تنهدت "ياسمين" ولم تجب .. قالت "سماح" :
- ايه هو الموضوع صعب للدرجة دى
نظرت اليها "ياسمين" قائله بأسى :
- "عمر" ابارح جه عندى أوضتى وسبلى ورقة من تحت الباب
ابتسمت "سماح" قائله :
- بجد؟
أكملت "ياسمين" وعلامات الحزن باديه على وجهها :
- أيوة .. عرفت انه هو لانى فتحت البلكونه وشوفته
سألتها "سماح" بلهفه :
- فين الورقة معاكى ؟ وريهالى
قالت "ياسمين" بحده :
- رميتها فى الزباله
اندهشت "سماح" قائله :
- ليه ؟ .. طب قريتيها طيب ؟
قالت "ياسمين" بحرج :
- أيوة قرتها وكنت هحتفظ بيها كمان .. كان فيها شعر
ابتسمت "سماح" قائله :
- مكنتش أعرف انه رومانسي كده
التفتت اليها "ياسمين" بحده قائله :
- لأ ده رومانسي أكتر مما تتوقعى .. لدرجة ان الرومانسيه بتدلدق منه وهو ماشى وتغرق أى بنت تيجي جمبه
قالت "سماح" بإستغراب :
- قصدك ايه ؟
ظهرت علامات الحزن مرة أخرى على وجه "ياسمين" قائله :
- امبارح بعد ما قريت الورقة .. استنيته فى البلكونه .. لانه مشى فى طريق غير طريق بيته .. وبعد ما رجع لقيت بنت عمته جايه نحيته ووقفوا سوا .. ودمى اتحرق يا "سماح" حسيت انى غبية انى اتأثرت بالكلمتين اللى كتبهملى
- ليه؟ .. كانوا واقفين بيتكلموا عادى أكيد
قالت بحده :
- لأ مش عادى .. واقفين بمنتهى قلة الأدب .. ومقربين من بعض جدا .. شوية شوية كان هيحضنها .. والله أعلم أصلا حضنها ولا لأ أنا دخلت بسرعة ورزعت الباب ورايا
زفرت "سماح" قائله :
- المشكلة انه مش عارف انه بيعمل تصرفات تضايقك .. هو بيتصرف كده لانه اتربى ان ده عادى وانها زى أخته والكلام العبيط ده
احتدت "ياسمين" قائله :
- "سماح" انتى مشفتيهمش امبارح .. مكنتش أبداً واقفة واحد مع اخته .. بقولك شوية وكان هيحضنها
ثم أكملت بصرامة :
- اذا كان بالنسبه له الأمور دى عادى يبقى ميلزمنيش .. ده واحد أصلاً مش عارف يفرق بين الحلال والحرام .. وعمال سايح مع كل واحده شويه .. ملوش أى حدود ولا أى خطوط حمرا .. واحد زى ده سهل عنده أوى انه يخون .. و يقع فى الغلط .. لأن حياته أصلاً غلط .. وتجاوزاته مع البنات لا تعد ولا تحصى .. ده غير أصلاً ان فى بنات راميه نفسها عليه .. يعني ده واحد الحرام أدامه عيني عينك كده وعلى طبق من فضه .. لو مفيش خوف من ربنا فى قلبه .. وحدود بينه وبين البنات .. يبقى ايه يضمنلى انه ما يخونيش .. مفيش فرق بينه وبين "مصطفى" .. هما الاتنين بيستحلوا حاجه حرام .. وبيكابروا فى الغلط
صمتت قليلاً ثم أكملت قائله بسخريه :
- ده غير بأه انى كل شوية ألاقى حد من عيلته ناطط أدامى .. وبيتعاملوا معايا بكل غرور .. أكنى واحده من الشارع .. أكنى راميه نفسي عليه زى البنات اللى يعرفها
سألت "سماح" بإهتمام :
- حد كلمك تانى غير عمته ؟
قالت "ياسمين" بسخريه :
- أيوة بنت عمته .. اللي اسمها "ايناس" .. اللي كانت واقفه معاه امبارح .. وقال ايه بتقولى أنها حب الطفوله والمراهقة بالنسبة للبشمهندس
صمتت قليلاً ثم قالت بغضب مكتوم :
- خليها تشبع بيه
حاولت "سماح" التخفيف عنها قائله :
- طيب خلاص متضايقيش نفسك .. ولو حد فيهم حاول يكلمك بعد كده متعبريهوش
نهضت "ياسمين" ولفت حجابها وقالت لـ "سماح" وهى تحمل حقيبتها :
- أنا همشى بأه يا "سماح"
قالت "سماح" برجاء :
- خليكي أعده شوية يا "ياسمين" .. "أيمن" آعد مع "عمر" وأنا هفضل أعده لوحدى
قالت "ياسمين" بأسف :
- معلش يا حبيبتى نفسي أعد معاكى أكتر .. بس انتى عارفه بخاف أمشى بالليل خاصة انه طريق سفر
- فعلاً معاكى حق .. خلى بالك من نفسك وطمنين لما توصلى
قبلتها "ياسمين" وخرجت مسرعه دون أن تنظر للرجلان الجالسان فى الصالون .. أغلقت الباب خلفها فنهض "عمر" قائلاً :
- يلا أشوفك بكره
ابتسم "أيمن" قائلاً :
- متعد شويه يا ابنى
توجه "عمر" للباب قائلاً :
- زهقت منك .. يلا سلام
فتح "عمر" الباب ثم أغلقه مرة أخرى والتفت الى "أيمن" قائلاً :
- فين صنيه المكرونة بتاعتى
نظر له "أيمن" بدهشة قائلا :
- انتى هتاخدها بجد
قال له "عمر" بجديه وعيونه تلمع من المرح :
- أمال هسيبهالك .. يلا هاتها
دخل "أيمن" ليجد "سماح" التى كانت تستمع الى الحوار تمد يدها بالصنية المغلفة وهى تحاول كتم ضحكاتها .. عادر "أيمن" اليه وهو يضحك قائلاً :
- والله أنا أول مرة أشوف ضيف يجبر صاحب البيت انه يعزمه على الغدا .. ومش بس كده لأ ياخد باقى الأكل معاه وهو مروح
ابتسم "عمر" قائلاً :
- خلاص هتذلنى .. عليا ليك عزومة ان شاء الله
حمل "عمر" الصنية ونزل بسرعة .. رآى "ياسمين" واقفه تنتظر سيارة أجره .. فأسرع الى سيارته ووضع فيها ما يحمله .. نظرت اليه "ياسمين" بدهشة قائله فى نفسها (معقول خد الصنيه وهو نازل ده يبقى مجنون رسمي) .. أوقفت التاكى وركبت ثم ولدهشتها .. وجدت "عمر" يفتح الباب الأمامى ويأمر السائق أن ينطلق .. ألجمتها المفاجأة .. كان يعلم أنها ذاهبة الى موقف الدراسات لتركب سيارة أخرى الى المزرعة فاخبر السائق عن نفس المكان الذى ستذهب اليه .. وبهذا سار السائق فى طريقه .. كانت "ياسمين" تحاول استيعاب ما يفعله .. ولماذا يفعله .. اما هو فظل ينظر اليها فى المرآه الجانبيه وهو يبتسم بين الحين والآخر .. لكنها تحاشت النظر فى هذا الإتجاه تماما حتى لا تتلاقى عيناها بعينيه .. وصلا الى الموقف .. نزلت "ياسمين" لتبحث عن سيارة متوجهه الى مكان المزرعة .. وجدت بسهوله ركبت فى المقعد خلف السائق .. ولدهشتها للمرة الثانية وجدت "عمر" يصعد ليركب بجوارها .. نظرت اليه بدهشة ممزوجه بالغضب .. لكنه قابل نظرة الغضب فى عينيها بنظرة مرحه وابتسامه عذبه .. التفتت لتنظر الى النافذة وصممت أن تنظر منه طوال الطريق وألا تلتفت الي "عمر" أبداً .. وضعت حقيبتها بينهما .. أخذ ينظر الى الحقيبة ثم اليها .. نظرت اليه بتحدى .. فنظر اليها بمكر .. ووجدته يميل عليها قليلاً ويهمس قائلاً :
- لو بتعملى كده مع اى حد يركب جمبك .. فدى حاجه تبسطنى
التفتت لتنظر الى النافذة دون أن ترد عليه .. اكتمل العدد وانطلق السائق فى طريقه .. لم يعتاد "عمر" بالطبع على ركوب المواصلات العامة .. لذلك كان يجهل أن المعقد الذى اختاره تحديداً هو أسوأ موضع فى السيارة لأن الراكب فى هذا المقعد تصبح عليه مهمة اعطاء الأجره من الركاب الى السائق وباقى المال يعيده الى الركاب .. كل دقيقتين يجد من يربت على كتفه ليعطيه الأجرة وينتظر الباقى .. شعر بالحنق والضيق .. أما "ياسمين" فكانت سعيدة للغاية عندما التفتت اليه ورأت علامات الضيق على وجهه .. شعرت بأنها انتقمت منه بطريقه ما .. نظر اليها ليجدها تنظر الى الشباك مبتسمه .. فإبتسم وأمال برأسه تجاهها قائلاً بهمس :
- فداكى .. المهم انى آعد جمبك
تلاشت ابتسامتها .. وخفق قلبها .. تباً لك أيها القلب الذى لا تكاد تسمع صوته حتى تقفز ثائراً معلناً عن عصيانك لأوامري .. ظلت تنظر من الشباك .. بعد دقيقه أمال رأسه مرة أخرى قائلاً :
- تسلمي ايدك المكرونة عجبتنى أوى .. مكنتش أعرف انك شاطره كده
لم تبدى أى رد فعل فأكمل قائلاً :
- غرت ان حد ياكل منها غيري عشان كده خدتها معايا .. سبتها فى العربية
حاولت قدر الإمكان أن تصم أذنها عن كلماته .. وألا تتأثر بما يقول .. صمت قليلاً ثم أتاها صوته بشئ من الألم :
- نفسي أفهم حاجه واحده بس .. انتى ليه رفضانى
قطبت جبينها وهى تتذكر الأسباب الكثيرة التى تجعلها ترفضه
حثها قائلاً :
- مش هتريحيني وتعرفيني السبب ؟
صمتت ولم تجب .. أتى مكان نزولهما .. نزل أولاً ثم نزلت "ياسمين" كانت متوجه الى البوابه عندما اعترض طريقها قائلاً حزم :
- مش هسيبك تعدى إلا لما تقوليلى سبب واحد لرفضك ليه
نظرت اليه بحده وحاولت المرور لكنه سد عليها الطريق نظرت اليه غاضبه وقالت :
- لو سمحت عديني .. ميصحش اللى انت بتعمله ده
قال بتصميم :
- أسمع سبب واحد وساعتها هعديكي
قالت بتحدى :
- مش هتكلم
قال بتحدى مماثل :
- مش هعديكي
زفرت ونظرت حولها .. لم تجد من ينقذها من هذا المأذق .. قال "عمر" بنفاذ صبر :
- ها .. هنفضل واقفين كده كتير
ثم قال بخبث :
- وبعدين لو حد من جوه المزرعة شافنا واقفين مع بعض أكيد هيقولوا الموضوع فيه ان .. وانتى عارفه الناس هنا مبتسكتش
نظرت اليه بغضب قائله :
- طيب عديني
قال ببرود :
- قوليلي سبب واحد وأنا اعديكي
صمتت قليلا ثم قالت بحده :
- أنا وانت مننفعش لبعض لمليون سبب
قال بنفس البرود :
- اديني سبب واحد من المليون سبب دول
عضت على شفتيها ثم نظرت اليه قائله :
- انت فى طريق غير اللى أنا ماشية فيه .. فى مليون اختلاف بينى وبينك
ثم قالت بحده :
- ممكن بأه تعديني
صمت قليلاً ثم قال :
- هساعدك انك توصلى للطريق اللى أنا فيه وتمشى معايا فيه
قالت بحزم وكأن كلامه أهانها :
- أبداً .. متمناش أبداً انى أمشى فى الطريق اللى انت ماشى فيه
تأملها قليلا .. قالت فى نفسها لقد أغضبته الآن .. ولن يعاود التفكير فيها مرة أخرى .. حسناً هذا ما أردته .. وقد حصلت عليه .. أتاها صوت "عمر" الحانى وابتسامته العذبه لتصدمها قائلاً:
- لو انتى مش عايزة تمشى فى طريقي .. أنا هوصل للطريق اللى انتى فيه .. وأمشى معاكى فيه .. المهم عندى اننا نكون سوا
عانقها بعينيه للحظة قبل أن يبتعد جانباً ليفسح لها الطريق .. مشت ودخلت من البوابه .. وقبل دخولها ألقت عليه نظرة وهو يعاود أدراجه ليحضر سيارته التى تركها
***************************
- ممممممم نفسها فى الأكل حلو أوى .. لأ كده انا اطمنت عليك
قالت "كريمه" هذه العباره لإبنها وهما جالسان معاً على طاولة فى المطبخ
ابتسم "عمر" قائلاً :
- كويس أول الطريق خطوه .. دلوقتى حبيتى أكلها بكره تحبيها
ابتسمت "كريمه" قائله :
- بس انت رهيب يا "عمر" حد يتعزم عند واحد صحبه وياخد باقى الأكل وهو نازل
ضحك "عمر" بشدة قائلاً :
- نفس اللى قالهولى "أيمن"
قالت "كريمه" فى سرور :
- ربنا يسعدك يا حبيبى وينولك اللى فى بالك
قبل "عمر" يدها قائلاً :
- يارب يا ماما
**************************
فى صباح اليوم التالى وقفت "كرم" على باب مكتب "ريهام" .. كان قد تحاشى الذهاب الى العمل ورؤيتها منذ أن انفعلت عليه فى مكتبه بسبب كلماته .. وقف أمام المكتب فنظرت اليه ثم عادوت عملها فى صمت .. تنحنح وشعر بالحرج قليلاً هو يقول :
- أنا آسف على الكلام اللي قولتهولك آخر مرة فى مكتبي
نظرت اليه صامته .. فأكمل قائلاً :
- أنا مكنش قصدى أهينك أو أجرحك .. وأنا عارف وواثق انك بنت محترمه .. وفعلاً كلامى مكنش يصح أقولهولك
أومأت "ريهام" برأسها ثم عاودت مزاولة عملها :
تفرس فيها "كرم" قائلاً :
- يعني خلاص سمحتيني؟
نظرت اليه قائله :
- خلاص محصلش حاجه
ابتسم وقال قبل أن يغادر .. مستنى البريد فى مكتبي
أحضرت "ريهام" البريد وهى تبتسم فى نفسها
فجأة سمع الجميع أصوات هرج ومرج .. خرجت "ياسمين" من مكتبها لتستطلع الأمر .. وجدت أعد العمال يجري فى اتجاه .. وعامل آخر قادم مهرول من نفس الطريق فأوقفته "ياسمين" قائله :
- لو سمحت .. ايه اللى حصل ؟
قال الرجل وهو يلهث :
- عامل ايده اتحشرت فى ماكنه طحن الحروب .. جه البشمهندس "عمر" يساعده قامت الماكنه طايله ايده هو كمان
أصاب "ياسمين" الفزع وشعرت بقلبها يهوى على الأرض .. أسرعت "ياسمين" فى اتجاه مخزن الأدوية وأحضرت شنطة الإسعافات الأولية .. ثم ذهبت مسرعه فى الإتجاه الذى ذهب فيه العامل .. رأت عدة عمال متجمعين خارج المبنى وأحد العمال يقف على الباب يمنعهم من الدخول .. أسرعت وصرخت فيه قائله :
- عديني بسرعة
أفسح الرجل لها الطريق دخلت لتجد رجل نائم على الأرض وحوله رجلين .. بحثت بنظرها عن "عمر" فلم تجده .. ذهبت اليهم لتجد يد الرجل فى حاله يرثى لها .. فلقد أجهزت الماكينه على كفه .. والرجل فقد وعيه من شدة الألم .. خفق قلبها بقوة ترى ماذا أصاب "عمر" وأين هو الآن .. هل أصيب مثله .. جثت بجوار الرجل الفاقد الوعى وأخرجت من الحقيبه التى تجملها قماشة طويلة ربطت بها رسغه بقوة لكى تقلل من الدم الذى يفقده .. قال لها أحد الرجلين مش هتربطى كف ايده اللى بتنزف دى .. نظرت اليه قائله :
- لأن عظم كف ايده كله مكسور المفروض ميتحركش لحد ما الإسعاف تيجي تشيله زى ما هو كده
ثم قالت بلهفه :
- فين البشمهندس "عمر" ؟ .. جراله حاجه ؟
سمعت حركة خلفها نظرت لتجد "عمر" .. وقفت فى هلع وهى تنظر الى قميصه الأبيض الذى صبغ باللون الأحمر الدامى .. كان يمسك قطعه قماش ويضغط بها على كفه .. هتفت قائله بصوت مرتجف :
- انت كويس؟
نظر اليها يتأمل الخوف واللهفة على وجهها .. ونظرات عينيها الدامعه والتى تنتقل بسرعة ولوعه بين وجهه وكفه .. قال بصوت خافت :
- متخفيش
ازداد لمعان الدموع فى عينيها وكررت سؤالها وكأنها لم تسمع اجابته :
- انت كويس ؟ .. ايدك حصلها حاجه ؟
أزاح "عمر" قطعة القماش ليريها جرحاً صغيراً فى يده .. ونظر اليها قائلاً :
- الحمد لله ربنا سترها معايا ..
نظرت الى قميصه المبلل بالدماء وهى مازالت بعد تحت تأثير الصدمة وقالت :
- أمال ايه الدم اللى على قميصك ده
أجابها قائلاً :
- ده مش دمى .. ده دم العامل اللى اتصاب
فى تلك اللحظة حضرت سيارة الإسعاف ونقلوا العامل اليها وأمر "عمر" رجلين من رجاله بالذهاب مع العامل الى المستشفى ومتابعته بتفاصيل حالته
تعالت صوت سرينه سيارة الإسعاف وهى تبتعد لتغادر المزرعة التفت "عمر" الى "ياسمين" مرة أخرى يتفرس فى وجهها ويراقب كل خلجاته .. قالت له "ياسمين" وهى تحاول استجماع شتات نفسها :
- لازم تطهر الجرح وتربطه .. متستهونش بيه
لمعت عيناه وابتسم لها قائلاً بصوت هامس :
- خايفه عليا ؟
تحاشت النظر اليه وقالت :
- أنا هروح أكمل شغلى .. بعد اذنك
أوقفها قائلاً :
- عارفه .. أنا كنت بدأت أيأس .. وأحس انى مش ممكن هعرف أخليكي تحبينى
ثم ابتسم قائلاً :
- بس أنا دلوقتى اطمنت
شعرت بأن وجنتيها سارتا جمرتين مشتعلتين ونظرت اليه قائله بتوتر وبصوت مرتجف تدافع عن نفسها :
- لو كان أى حد مكانك كنت هقلق برده أما أشوف قميصه غرقان دم كده .. يعني مش حاجه خاصه بيك انت
أخفض رأسه قليلا ونظر فى عينيها مباشرة قائلاً :
- أنا مش صغير يا "ياسمين" .. أنا عارف كويس ايه اللى أنا شوفته فى عينيكي
شعرت بالإرتباك .. خفضت بصرها ثم سارت فى اتجاه الباب .. التفت "عمر" اليها قائلاً بصوت عالى :
- أيوة .. اهربى العادة
كانت بالفعل تعلم أنه محق .. محق فى الأمرين .. محق فيما رآه فى عينيها .. ومحق فى أنها تهرب.
********************
ذهب "عمر" فى اتجاه بيت المزرعة ليجد أمه مقبله عليه تهتف فى لوعه :
- "عمر" ايه اللى حصل .. ايه الدم ده
نظرت الى يده هاتفه :
- مالك يا ابنى ايه اللى حصل
مسح "عمر" على كتفها وطمأنها قائلاً :
- متحفيش عليا أنا كويس ده جرح بسيط
هتفت فى لوعه :
- جرح بسيط أمال ايه الدم ده ؟
قال شارحاً :
- ده دم العامل اللى اتصاب كنت بحاول أطلع ايده اللى اتحشرت فى الماكنه
قالت "كريمه" بقلق :
- وهو فين دلوقتى
قالت "عمر" بأسى :
- الإسعاف جم خدوه من شوية .. وأنا هطلع بس آخد شاور وأغير هدومى وأروحله على هناك
دخل "عمر" البيت ثم صعد الى غرفته .. دخلت "كريمه" البيت جلست على أحد المقاعد تلتقط أنفاسها وتهدئ من روعتها ثم صعدت الى غرفة "ثريا" التى كانت تجلس مع "ايناس" لتخبرهما بما حدث .. نهضت "ايناس" وطرقت باب غرفة "عمر" .. كان قد انتهى من ارتداء ملابسه .. فتح الباب ليجد "ايناس" أمامه .. سالته قائله بصوت ناعم :
- "عمر" انت كويس .. ايه اللى طنط بتقوله ده
قال "عمر" :
- محصلش حاجه .. الحمدلله
قالت "ايناس" بعتاب :
- وانت مالك ومال العامل .. كنت تخلى أى حد من الرجاله الموجودين يساعده .. افرض كانت الماكنة ضيعت ايدك انت كمان
قال "عمر" بنفاذ صبر وضيق :
- يعني أطلب من الرجاله الواقفين انهم يساعدوه وأنا مش راجل يعنى ؟ .. أقف أتفرج عليهم ؟
حاولت امتصاص غضبه قائله بصوت ناعم :
- أنا بس كنت خايفه عليك .. أول ما سمعت من طنط جيت على طول أطمن عليك
تمتم "عمر" :
- شكراً يا "ايناس"
أمسكت يده المصابه قائله :
- مش هتروح للدكتور يشوفهالك
نزع يده من يدها قائلاً :
- ان شاء الله .. يلا سلام
ثم نزل مسرعاً وتوجه الى المستشفى التى أخذوا العامل اليها .. استقبله أحد الرجال الذين ذهبوا فى سيارة الإسعاف بصحبة العامل .. فسأله "عمر" بإهتمام :
- ايه أخباره دلوقتى ؟
قال الرجل :
- بيقولوا محتاج عمليات كتير عشان ايده ترجع زى الأول .. وأهله جوه قالبينها مناحه
دخل "عمر" فوجد امرأة بسيطة ترتدى السواد تبكى أمام غرفة العمليات وبجوارها رجل كبير يرتدى جلباباَ ويبدو عليه البساطة هو الآخر وكان يبكى بحرقة ويتمتم بشفتيه بكلماته خافته .. قال الرجل الذى بصحبة "عمر" :
- ده أبوه .. ودى أمه
اقترب "عمر" من الرجل قائلاً :
- متقلقش يا حاج ان شاء الله هيقوم بالسلامه
قال الرجل :
- يارب .. يارب
هتفت الأم فى حسره وسط شهقاتها :
- يا عيني عليك يا ابنى .. ايدك راحت يا ابنى ..
التفت "عمر" اليها قائلاً :
- متقوليش كده يا حجه ان شاء الله هيبقى بخير
قالت له المرأة فى لوعه :
- ده بيقولولك محتاج عمليات أد كده وأدوية أد كده .. واحنا ناس على أد حالنا
وانفجرت فى بكاء شديد
ربت "عمر" على كتفها قائلاً :
- متقلقيش كل مصاريف العمليات والأدوية أنا هدفعهم ان شاء الله .. وكمان مرتبه هيوصل أول كل شهر مش ناقص منه حاجه .. لحد ما يقوم بالسلامة ان شاء الله
نظرت المرأة اليه غير مصدقه وتمتمت :
- انت مين يا ابنى وهتعمل معانا كده ليه ؟
قال "عمر" شارحاً :
- أنا "عمر الألفى" صاحب المزرعة اللى ابنك بيشتغل فيها .. وطالما اتصاب وهو بيشتغل فى المزرعة عندى يبأه أنا متكفل بكل مصاريف علاجه
أمسك الرجل يد "عمر" وقبلها بسرعة .. سحب "عمر" يده .. فقال الرجل باكياً :
- ربنا يكرمك ويكفيك شر طريقك ويباركلك فى صحتك وعفيتك يا قادر يا كريم
تأثر "عمر" للغاية من حالة والداه .. طلب من الرجل الذى بجواره أن يبقى فى المستشفى معهما و قام بحجز غرفة لهم كمرافقين للمريض
عاد "عمر" الى المزرعة .. خرج "عمر" من السيارة فأقبل عليه "أيمن" قائلاً :
- الحق يا "عمر" مخزن العلف ولع
صاح "عمر" فى فزع :
- ايه ؟ .. ولع ؟
قال "أسمن" شارحاً وهو ينهج :
- أيوة بس متقلقش الرجاله طفوه
أسرع "عمر" الخطى الى مخزن العلف ليجد جزء كبير من العلف المخزن احترق تماماً وتحول الى رماد .. نظر الى الرجال اللذين يحملون طفايات الحريق الصغيره وقال بلهفه :
- حد اتصاب ؟
قال له أحد الرجال :
- لأ يا بشمهندس متقلقش محدش كان فى المخزن
أقبل "أيمن" ليقف بجوار "عمر" فالتفت اليه "عمر" قائلاً :
- عم "عبد الحميد" فين ؟ .. مش المفروض يكون فى المخزن ؟
قال "أيمن" فى حيره :
- من ساعة الحريقه وهو مظهرش
قال "عمر" بإستغراب :
- غريبه
ضرب "أيمن" كفاً بكف قائلاً :
- سبحان الله حادثتين فى المزرعة فى يوم واحد
تركه "أيمن" وذهب ليبحث عن "ياسمين" لكنه قابل عمته وهى مقبله نحوه قائله :
- ايه اللى حصل يا "عمر"
قال "عمر" وهو يسرع بالإنصراف :
- هحكيلك بعدين يا عمتو
أمسكته من ذراعه لتوقفه وقالت بحنق :
- حرق المخزن وهرب مش كده
نظر "عمر" اليها وقال بدهشة :
- تقصدى مين ؟
قالت بحده :
- أقصد "عبد الحميد" اللى انت سلمته مفاتيح مخزن العلف ووثقت فيه بس عشان بنته تبقى حبيب القلب
شعر "عمر" بالغضب وحاول الانصراف قائلا :
- بعد اذنك يا عمتو
أوقفته مرة أخرى قائله :
- أكيد عمل كده لصالح أى مزرعة من المزارع المنافسه .. خاصة بعد ما عرفوا جودة العلف اللى بقينا بنستخدمه دلوقتى .. مش بعيد يكونوا ادوه رشوية عشان يحرقلنا المخزن .. وواحد جعان زى ده ما هيصدق طبعاً فرصة وجاتله لحد عنده
صمتت قليلاً ثم قالت بحزم :
- لازم تبلغ عن "عبد الحميد" عشان يتسجن
نزع "عمر" ذراعه من يدها ونظر اليها بصرامة ثم غادر دون أن ينطق بكلمة .
↚
ذهب "عمر" للبحث عن "عبد الحميد" لكنه وجد "ياسمين" تقف أمام مبنى سكن العمال وتتحدث فى هاتفها ويبدو عليها التوتر .. انهت مكالمتها .. اقترب منها قائلاً بإهتمام :
- فى ايه يا "ياسمين" .. والدك فين ؟
نظرت اليه قائله بتوتر :
- كلمته دلوقتى
قال لها "عمر" :
- ازاى .. هو معهوش موبايل
قالت "ياسمين" شارحه :
- "ريهام" معاه
سألها "عمر" بإهتمام :
- طيب هو فين ؟ وليه ساب المخزن ومشى ؟
ابتلعت "ياسمين" ريقها بصعوبه ونظرت اليه بحيره قائله :
- بيقول ان فى حد اتصل بيه على موبايل "ريهام" وقالها انك طلبت إن بابا يروحلك على المستشفى اللى فيها العامل اللى اتصاب .. "ريهام" كانت خلصت شغلها فراحت معاه
قال لها "عمر" بدهشة :
- أنا مطلبتش من حد انه يبلغ والدك بكده .. ولا طلبت انه يروحلى على المستشفى
قالت "ياسمين" فى دهشة :
- أمال مين اللى كلمه .. وعلى موبايل "ريهام" كمان .. يعني حد عرفنا
قال "عمر" فى حيره :
- أنا أصلاً معرفش رقم "ريهام"
قالت "ياسمين" فى ضيق :
- ايه اللخبطة دى بأه
هدءها "عمر" قائلاً :
- متقلقيش لما ييجى والدك هنفهم منه كل حاجه
هم بأن ينصرف لكن نظر اليها قائلاً فى حنان :
- تعالى اعدى عندنا فى بيت المزرعة لحد ما والدك وأختك يرجعوا
نظرت "ياسمين" اليه قائله بحرج :
- لأ شكراً .. أنا هطلع أوضتى أستناهم
أومأ برأسه قائلاً :
- طيب براحتك .. ولما ييجى والدك خليه يجيلى .. أنا هناك عند المخزن
أومأت برأسها فى صمت .. عاد "عمر" الى المخزن ليتفحص الأضرار التى لحقت به .. وجدت والده وعمته و "أيمن" و "كرم" هناك فى المخزن .. استقبله "كرم" قائلا :
- فين عم "عبد الحميد" .. لسه مظهرش ؟
قال "عمر" :
- جاى فى الطريق
قالت مدام "ثريا" بحنق :
- وكان فين حضرته وسايب المخزن ليه ومشى .. مش قولتلك يا "عمر" هو اللى ورا الموضوع ده
قال "عمر" بنفاذ صبر :
- لما ييجى هنعرف منه الحكايه
ما هى الا نصف ساعة وجاء "عبد الحميد" بصحبة "ريهام" .. الى مخزن العلف .. هتف "عبد الحميد" بمجرد أن رآى آثار الحريق فى المخزن :
- يا ستير يارب .. يا ستير يارب .. ايه اللي حصل ؟
نظرت اليه مدام "ثريا" بحزم قائله :
- المفروض حضرتك تقولنا ايه اللى حصل .. مش انت المسؤل عن المخزن
نظرت اليها "ريهام" بحده وقد شعرت بالضيق للطريقه التى تتحدث بها تلك المرأة مع والدها .. قال "عبد الحميد" شارحاً وهو مازال مذهولاً مما حدث :
- لقيت "ريهام" بنتى بتقولى ان فى واحد اتصل بهيا على الموبايل وقال ان البشمهندس "عمر" طلبنى أروحله على المستشفى اللى فيها العامل اللى اتصاب .. فقلت المخزن كويس و "ريهام" كانت خلصت شغلها خدتها معايا وروحت على المستشفى اللى الراجل ملى عنوانها لبنتى
قالت "ثريا" بسخريه :
- والله .. ايه الفيلم العربي ده
سأله "عمر" بإهتمام :
- انت واثق انك قفلت المخزن كويس قبل ما تمشى يا عم "عبد الحميد" ؟
اكد له "عبد الحميد" قائلاً :
- أيوة يا بشمهندس أنا قافل القفل بإيدي
ثم أشار الى "ريهام" قائلاً :
- مش انتى يا بنتى شوفتينى وأنا بقفله؟
أومأت "ريهام" برأسها قائله :
- أيوة يا بابا حضرتك قفلته أدامى
صاحت "ثريا" فى غضب :
- والله .. وهتشهد بنتك كمان .. ما هى أكدي هتشهد لصالحك .. أمال هتقول بابا كداب
صاحب "ريهام" بحده :
- لو سمحتى
أشار "عبد الحميد" بيده لـ "ريهام" كى تتوقف عن الحديث والتفت الى مدام "ثريا" قائلاً بكبرياء :
- أنا مش كداب يا هانم .. ومليش مصلحه فى أذية البشمهندس "عمر" .. ولا يمكن أفكر انى أأذيه فى أكل عيشه
قال "عمر" يطيب بخاطره :
- محدش قال انك كداب يا عم "عبد الحميد" .. أنا مصدقك طبعاً
التفتت اليه مدام "ثريا" بحده قائله :
- يعني ايه مصدقه ؟ .. هتسيبه يفلت من غير عقاب ؟
قال لها أخيها :
- "ثريا" مفيش داعى للكلام ده
قال "عمر" بصرامه :
- لو سمحتى يا عمتو مبحبش حد يتدخل فى ادارتى لشغلى
قالت عمته بسخريه :
- ده مش شغل يا بشمهندس .. انا وانت واللى واقفين دول كلهم عارفين انت بتعمل كده ليه .. عشان ست الحسن طبعاً
صاح "عبد الحميد" بغضب قالاً :
- لو سمحتى يا هانم .. كله إلا بنتى مقبلش ان حد يجيب سيرتها بكلمه
قال "عمر" بصرامة :
- ولا أنا أسمح ان حد يجيب سيرتها بكلمه
ثم نظر الى أبيه قائلاً :
- ياريت يا بابا حضرتك وعمتو تسبقونى على البيت أنا دقايق وجاى
أشار "نور" برأسه الى "ثريا" التى تبعته مضطرة وعلامات الحنق على وجهها .. نظر "عمر" الى "عبد الحميد" قائلاً :
- أنا بعتذر عن اللي حصل يا عم "عبد الحميد"
قال "عبد الحميد" فى إباء :
- حصل خير يا بشمهندس .. بس كده خلاص معدلناش قعاد هنا
قالت "ريهام" موافقه أبيها :
- معاك حق يا بابا .. كده كفاية أوى
صاح "كرم" قائلاً :
- ايه يا جماعه انتوا هتقلبوها درامه ليه .. خلاص سوء تفاهم واتحل .. و "عمر" بنفسه اعتذر
التفتت اليه "ريهام" قائله بحده :
- ده مش سوء تفاهم .. ده اتهام صريح .. واهانه لينا كلنا
التفت اليها "عمر" قائلاً :
- وأنا بعتذر تانى عن كل اللى عمتى قالته
ثم التفت الى "عبد الحميد" قائلاً :
- مش مكفيك اعتذارى يا عم "عبد الحميد"
قال له "عبد الحميد" فى حزم :
- يا بشمهندس "عمر" مش انت اللى غلطت عشان تعتذر .. وده مكنش سوء تفاهم .. الهانم واثقه ان أنا اللى دبرت الحريقه دى .. والله العظيم اللى حكيته هو اللى حصل بالظبط بدون زيادة أو نقصان
قالت له "ريهام" :
- بابا متحلفش .. اللي مش عايز يصدقك هو حر
التفت "كرم" الى "ريهام" قائلاً :
- ورينى الرقم اللى اتصل بيكي
قالت له "ريهام" وعيونها تشتعل من الغضب :
- حضرتك مش مصدقنى ؟
قال لها "كرم" بسرعه :
- طبعاً مصدقك .. بس عايز أشوف الرقم أكيد اللى عمل كده حد من هنا فى المزرعة .. أمال عرفوا رقمك ازاى
أخرجت هاتفها وأظهرت الرقم على الشاشة ثم أعطت الهاتف لـ "كرم" .. دون "كرم" الرقم على هاتفه ثم اتصل بصاحب الرقم .. وأشار لهم بالصمت :
- ألو
الصوت :
- ألو .. مين ؟
قال "كرم" وهو يشير لهم بأصبعه حتى لا يتحدث أحد :
- لو سمحت كنت عايز الأستاذ أحمد المحامى
- لا يا بيه الرقم غلط
- بس أنا واثق انه ادانى الرقم ده
- يا بيه بنقولك غلط .. أصلا ده رقم فى كشك الناس بتتكلم منه
- فين الكشك ده ؟
وصف الرجل المكان لـ "كرم" .. شكره "كرم" وأغلق الهاتف .. وقال لهم :
- الكشك فى البلد .. يعين قريب من هنا .. يعني اللى عمل كده حد من هنا من المزرعة
قال "أيمن" فى حيره :
- وايه مصلحتهم فى كده
أخذ "عمر" يفكر تفكيراً عميقاً .. ثم قال :
- وازاى وصلوا لرقم "ريهام" ؟
التفت "كرم" الى "ريهام" قائلاً :
- انتى اديتي رقمك لأى عامل من هنا فى المزرعة
قالت "ريهام" فى حيره :
- لأ وأنا أدى رقمى لعامل ليه
قال "كرم" بضيق :
- طب ادتيه للبتاع اللى اسمه "هانى شاكر" ده ؟
التفتت اليه بحده قائله :
- لأ طبعاً أديله رقمى بتاع ايه
التفت اليها والدها قائلاً :
- مين "هانى شاكر" ده يا "ريهام" ؟
نظرت الى "كرم" بغيظ .. فأسرع "كرم" لينقذها قائلاً :
- المهم دلوقتى نعرف الراجل ده وصل لرقم "ريهام" ازاى
قال "عمر" وأقد أرهقه التفكير :
- أنا هتجنن مين مصلحته انه يحرق المخزن
قال "أيمن" :
- احنا ملناش أعداء يا "عمر" لاننا الحمد لله بنراعى ربنا فى شغلنا .. فمعتقدش ان اللى عمل كده كان قاصد يأذيك انت .. وبعدين اللى عايز يأذيك هيحرق مكتلك بالملفات المهمة اللى فيه .. أو يحرق الزرع نفسه .. أو يحرق الزرايب والاسطبلات .. مش ييجى يحرق مخزن علف
التفت اليه "عمر" قائلاص :
- قصدك ايه ؟
قال "أيمن" بحزم :
- اللى عمل كده قصده انه يأذى عم "عبد الحميد" .. مش يأذيك انت
قال "عبد الحميد" بدهشة :
- ومين مصلحته انه يأذيني ؟
التفت "عمر" اليه قائلاً :
- ممكن يكون اللى اسمه "مصطفى" ده
قال "عبد الحميد" فى حيره :
- هو راجل شرانى وأتوقع منه أى حاجه .. بس ايه اللى هيعرفه مكاننا هنا
قال "كرم" :
- مين "مصطفى" ؟
قال "عمر" بضيق شديد :
- طليق "ياسمين"
هتف "كرم" قائلاً :
- اه صح .. ممكن يكون هو
قالت "ريهام" شارحه :
- و"مصطفى" هيجيب رقمى منين .. أصلاً الخط ده أنا غيرته من ساعة ما جيت المزرعة .. لانه كان ساعات لما يلاقى موبايل "ياسمين" مقفول يكلمها على رقمى .. فريحت نفسي وغيرته
قال "عمر" بتركيز :
- يبأه كده رجعنا لنقطة البداية واللى بتأكد ان اللى عمل كده حد من المزرعة هنا .. بس مين ؟
قال "أيمن" :
- أنا همشى بأه يا جماعة .. وبكرة ان شاء الله نشوف الموضوع ده .. يلا سلام
قال "كرم" لـ "عبد الحميد" :
- خلاص يا عم "عبد الحميد" روح انت .. وعشان الآنسه "ريهام" كمان تروح
التفت "عبد الحميد" الى "عمر" قائلاً :
- لو عندك يا بشمهندس شك ولو 1% انى .........
لم يدعه "عمر" يكمل كلامه وقاطعه قائلاً :
- معنديش حتى شك 0,1% .. وأنا اعتذرتلك عن كلام عمتى يا عم "عبد الحميد"
- طيب يا بشمهندس .. وربنا يكشف الحق وينصر المظلوم .. والظالم هيتفضح ان شاء الله .. السلام عليكم
- وعليكم السلام
رحل "عبدالحميد" و"ريهام" .. فالتفت "كرم" الى "عمر" قائلاً :
- كويس انك مبلغتش
نظر "عمر" اليه مستفهماً :
- لان أكيد لو بلغت كان أول واحد اتهموه هو عم "عبد الحميد"
قال "عمر" مؤكداّ :
- طبعا .. وكان زمانهم قبضين عليه دلوقتى
سأله "كرم" قائلاً :
- انا واثق ان مش هو اللي عمل كده .. وانت ؟ .. عندك شك ؟
رد "عمر" بسرعه :
- لأ طبعا .. انا واثق انه ملوش علاقة بالموضوع ده
ثم قال بسخريه :
- مش بدافع عنه عشان حبيبة القلب زى ما عمتو قالت .. بس فعلاً الراجل محترم ويعرف ربنا ومشفتش عليه أى حاجه وحشه
- امال مين ابن التيييييييييييت اللى عمل كده
- هتجنن يا "كرم" .. هتجنن
- خلاص روح انت دلوقتى وبكرة نبقى نشوف الحكاية دى .. وأنا كمان هروح على الفندق مليش نفس أروح فى حته .. يلا أشوفك بكرة .. سلام
- سلام
**************************
- حربايه صحيح
هتفت "ياسمين" بتلك العبارة فى غضب .. بعدما قصت عليها "ريهام" ما قالته مدام "ثريا" .. وقالت فى غضب :
- والإسم انها بنت عيلة محترمة .. هو فى ناس محترمة تتهم غيرها كده بدون دليل .. وتلقح بالكلام عليا كمان
قالت "ريهام" تهدئها :
- متخفيش "عمر" مسكتلهاش ووقفها عند حدها .. ومشاها كمان
ثم قالت "ريهام" فى حيره :
- هموت وأعرف مين اللى مصلحته انه يأذى بابا .. احنا ملناش أعداء غير "مصطفى"
ثم نظرت الى "ياسمين" قائله :
- تفتكرى "مصطفى" اللى عمل كده ؟
كانت "ياسمين" شارده تفكر تفكيراً عميقاً فنادهتها "ريهام" :
- "ياسمين"
أفاقت من شرودها قائله :
- أيوة
- ايه مالك روحتى فين
- بفكر
- فى اللى حصل ؟
أومأت برأسها قائله وقد شردت مرة أخرى :
- بفكر مين مصلحته ان بابا يتأذى ... أو ........
- أو ايه ؟
- أو انه يتخلص مننا
قالت "ريهام" بدهشة :
- ازاى يعني يتخلص مننا .. يقتلنا تقصدى
نظرت اليها "ياسمين" بغيظ قائله :
- يقتلنا مين انتى كمان
هتفت "ريهام" قائله :
- مش انتى اللى قولتى يتخلص مننا
- "ريهام" .. اسكتى يا "ريهام"
قمت "ريهام" وتركت "ياسمين" تفكير بعمق وتسأل نفسها سؤال واحد : من من مصلحته أن يأذى عائلتها ويتخلص منهم ؟
************************
دخل "عمر" غرفة المعيشة حيث اجتمعت العائله .. جلس على مقعد فارغ فبدأت مدام "ثريا" فى الهجوم :
- ممكن أفهم ايه التسيب ده اللى انت بتدير بيه المزرعة و بتتعامل بيه مع الناس اللى بيشتغلوا عندك ؟
نظر اليها "عمر" بصرامة قائلاً :
- ادارتى اللى حضرتك بتسميها تسيب بتدير عليا سنوياً أرباح بالملايين
قالت مدام "ثريا" بحزم :
- لو سبت اللى غلط بدون عقاب مش هتعرف تسيطر على العمال بعد كده .. وكل واحد يغلط زى ما هو عايز ما هو مفيش عقاب
قال "عمر" بحزم :
- لما أبقى أعرف مين المذنب مش هسيبه الا لما يتعاقب
هتفت بحده :
- هو انت لسه معرفتوش .. ولا الحب عامى عينك للدرجة دى
قام "عمر" غاضباً وقال :
- برده مصره تدخلى الخيوط فى بعضها .. احنا بنتكلم عن الحريقة اللى حصلت .. ايه دخل "ياسمين" دلوقتى فى الموضوع
قالت بغضب مماثل :
- ما هى اللى واكله عقلك .. وممشياك وراها يمين يمين .. شمال شمال
كظم "عمر" غيظه بصعوبه قائلاً بصوت هادر :
- أنا خارج أحسن ما أقول كلام يضايقنا احنا الاتنين يا عمتو
خرج مسرعاً وأغلق الباب خلفه بقوة .. هتف "نور" قائلاً :
- برده مفيش فايدة يا "ثريا" .. هو نفس اسلوبك الهجومى .. قولتلك 100 مرة "عمر" ما بيجيش بالاسلوب ده
التفت اليه قائله بحده :
- أمال عايزنى أتكلم معها ازاى وأنا شايفه البنت بتضحك عليه هى وأهلها
قالت "كريمه" :
- حرام عليكي يا "ثريا" مين قالك ان أبوها هو اللى عمل كده
التفتت اليها "ثريا" قائله بسخريه :
- أهلاً .. آدى محامى تانى لست الحسن وعيلتها
ثم غادرت الغرفة وذهبت الى غرفتها وأغلقت الباب خلفها بقوة
سار "عمر" فى تجاه سكن العمال .. كانت "ياسمين" واقفه فى الشرفة .. تلاقت نظراتهما فى صمت .. وقف قليلاً ثم ذهب فى اتجاه شجرته .. كان هناك الكثير مما يشغل عقله .. من فعل ذلك ؟ .. ولماذا فعل ذلك ؟ .. وكيف فعل ذلك؟ .. كان يشعر بالضيق من عمته بسبب تحاملها الدائم على "ياسمين" وأهلها .. و "ياسمين" نفسها والتى تهرب منه دائماً .. جلس على الجذع مهموماً حزيناً .. وفجأة وجدها أمامه .. واقفه تنظر اليه فى صمت .. قام من عل الجذع وتقدم بضع خطوات ووقف فى مواجهتها .. نظرت اليه "ياسمين" قائله :
- أنا عايزه أسألك سؤال واحد ؟
أومأ برأسه قائلاً :
- اسألى
صمتت قليلاً ثم قالت :
- انت مصدق ان بابا ملوش علاقه بالموضوع وان فعلا حد اتصل بيه وخلاه يسيب المخزن
صمت قليلا .. لحظات لكنها شعرت بأنها سنوات .. ثم رأت الابتسامه على محياه ورد قائلاً :
- أيوة مصدق
أومأت برأسها وقد ظهرت علامات الارتياح على وجهها .. ثم نظرت اليه قائله :
- مفيش غير شخص واحد من مصلحته انه يأذينا عشان نمشى من هنا
سألها "عمر" بإهتمام :
- مين الشخص ده ؟
نظرت اليه "ياسمين" بقوة قائله :
- الشخص اللى جالى وقالى انتى متناسبيش عيلة الألفى .. دورى على واحد من مستواكى .. بدل ما تطلقى للمرة التانية
نظر "عمر" الى عينيها بدهشة .. صمت .. طال صمتهما .. ثم قال بصوت هادر وقد اشتعلت عيناه بالغضب :
- مين اللى قالك كده ؟
قالت له بشئ من الأسى :
- عمتك
قالت ذلك ثم التفتت وغادرت المكان وتركته ونيران الغضب تشتعل بداخله
عاد "عمر" أدراجه الى البيت وصاح بصوت هادر :
- عمتو .. عمتو
دخل غرفة المعيشة ولم يجد بها أحداً .. صعد الى غرفة عمته وطرق الباب .. فتحت عمته .. والتى كانت "ايناس" عندها فى غرفتها .. قالت مدام "ثريا" ببرود :
- خير فى ايه .. أكيد مصيبه تانيه من مصايب الهانم وأهلها
نظر "عمر" اليها بغضب وقد كان فى قمة ثورته قائلاً :
- انتى قولتى ايه لـ "ياسمين" ؟
فتح والده باب الغرفة ليخرج هو ووالدته .. قالت "كريمه" :
- فى ايه بتزعق ليه يا "عمر"
ظل "عمر" ينظر الى عمته وسألها مرة أخرى بغضب :
- قولتى ايه لـ "ياسمين" يا عمتو ؟
اهتزت مدام "ثريا" قليلا لكنها تماسكت بسرعة وقالت :
- وأنا هقولها ايه يعني
عض "عمر" على شفتيه فى غيظ ثم قال :
- يعني ما قولتيلهاش انها مش مناسبه لعيلتنا ومش من مستوانا وانى لو اتجوزتها هتطلق للمرة التانيه ؟
شهقت "كريمة" ونظرت الى "ثريا" فى دهشة .. قال "نور" موجهاً كلامه لـ "ثريا" :
- الكلام ده صح يا "ثريا"
هتفت "ايناس" فى غضب :
- ايه فى ايه .. كلكوا عليها كده ليه .. هى غلطت فى مين يعني .. حتت بت مفعوصه فاكرة نفسها حاجه
التفت اليها "عمر" قائلا بحزم :
- خليكي انتى بره الموضوع يا "ايناس"
قالت له "ايناس" بسخريه :
- البنت اللى انت محموق عشانها أوى كده انت اصلا مش فى دماغها .. ولا تفرق معاها حاجه .. دى قالتلى بعضمة لسانها ان أى كلام عنك ميخصهاش .. يبأه ليه بأه انت حامق نفسك عشانها أوى كده
التفت "عمر" الى "ايناس" ببطء وقال لها بصرامه :
- نعم ؟ .. وانتى اتكلمتى معاها امتى انتى كمان ؟
بُهتت "ايناس" وقد شعرت فى نفسها بالحماقة لزلة لسانها تلك .. فصاح "عمر" بغضب شرس :
- انطقى قولتيلها ايه انتى كمان ؟
صاحت مدام "ثريا" بغضب :
- لأ كده كتير أوى .. احنا اتهزأنا بما فيه الكفاية فى بيتك يا "نور" .. شايف ابنك طايح فينا وساكت .. يلا يا "ايناس" حضرى شنطتك عشان نرجع القاهرة حالاً
قالت "كريمه" :
- استنى بس يا "ثريا"
هتفت "ثريا" قائله :
- أستنى ايه .. أستنى ما أتهزأ أكتر من كده
نظر اليها "عمر" ببرود قائلاً :
- انتى ليكى علاقة بحرق المخزن يا عمتو ؟
نظرت اليه "ثريا" بغضب قائله :
- ايه اللى انت بتقوله ده ؟
قال "نور" ل "عمر" :
- "عمر" متخليش غضبك يعميك .. مينفعش تقول لعمتك كده
قال "عمر" بنفس البرود :
- أنا متهمتش حد بحاجه .. أنا بسأل سؤال
قالت "ثريا" بغضب :
- مجرد انك تسأل سؤال زى ده .. دى حاجه مش مقبوله أبداً
نظر اليها "عمر" نظة كأنها سهم خارق قائلاً :
- هعرف الحقيقة يا عمتو .. سمعانى .. هعرفها
ثم تركهم وغادر البيت .. اتصل برئيس العمال قائلاً بصرامة :
- بكرة الصبح تجمعلى كل اللى شغالين فى المزرعة دي .. دكاترة عمال فلاحين .. كلهم تجمعهملى .. مفهوم
قال الرجل بسرعة :
- مفهوم يا بشمهندس "عمر"
قضى "عمر" ليلته ساهراً كان يشعر بغضب ثائر كالبركان بداخله .. كيف لعمته أن تقول مثل هذا الكلام لـ "ياسمين" .. كيف أمكنها أن تفعل به ذلك .. كيف أمكنها أن تكون قاسيه لهذه الدرجة .. شعر برغبته فى الذهاب حالاً الى "ياسمين" وأن يأخذها بين ذرعيه ويزيل كل المخاوف التى فى قلبها تجاهه .. لكنه قال لنفسه صبراً يا "عمر" ليس الآن .. فلتكتشف حقيقة حرق المخزن أولاً
أتى الصباح واجتمع جميع العاملون بالمزرعة فى ساحة كبيرة فلم تتسع القاعة لهذا العدد الكبير .. كان من ضمن الحضور "ياسمين" و "ريهام" و "عبد الحميد" وبالطبع "كرم" و "أيمن" .. وقف "عمر" وتحت فى مايك صغير ليصل صوته الى هذا الجمع وقال لهم بصرامة شديدة :
- طبعاً كلكم سمعتوا عن الحريق اللى حصل امبارح فى مخزن العلف .. اللى عايز أقوله انى هعرف اللى هعمل كده يعني هعرفه .. ولو وقع فى ايدي بجد مش هرحمه وهسلمه للبوليس بإيدي وهرفع عليه قضية بكل الخساير اللى حصلت فى المخزن
ساد الصمت وكان الأعين كلها مترقبة .. فأكمل "عمر" وهو ينظر اليهم :
- لكن لو اللى عمل كده .. جه واعترفلى وقالى مين اللى وزه .. مش هوصل الموضوع للبوليس ولا هطالبه بتعويض
نظر الجميع الى بعضهم البعض .. وأكمل "عمر" بلهجة تهديد :
- مفيش أدمك الا حلين اتنين يا تفضل ساكت وهجيبك يعني هجيبك مش هتفلت من تحت ايدي .. يا اما تيجى وتعترفلى بكل اللى حصل .. أدامك ساعتين من دلوقتى وبعدها اعتبر عرضى منتهى وهبلغ البوليس فوراً
قال ذلك ثم توجه الى مكتبه وتبعه "أيمن" و "كرم" وساد الهرج والمرج وتعالت الأصوات .. دخل الأصدقاء الثلاثه المكتب .. وقال "أيمن" :
- تفتكر اللى عمل كده هييجى يعترف فعلاً
زفر "عمر" بضيق قائلاً :
- مش عارف .. بس مكنش قدامى حاجه تانية أعملها غير كده
قال "كرم" بتفائل :
- أنا واثق انه هيعترف .. الناس هنا غلابه وعلى أد حالهم وأكيد هيخاف على نفسه وعلى أهله من الفضايح والشوشرة والسجن .. وهو عارف انك واصل وأكيد ليك معارف كبار .. أنا واثق انه هيعترف
ما هى الا لحظات وسمعوا طرقات على الباب .. نظر الثلاثة الى بعضهم البعض .. فتح "كرم" الباب ليدخل شاب صغير فى أوائل العشرينات .. كان يبدو عليه الخوف والإضطراب .. توجه الى المكتب نظر اليه "عمر" منتظراً أن يتحدث فقال لـ "عمر" بصوت خافت :
- انت فعلت يا بشمهندس لو حد جه اعترفلك مش هتسلمه للبوليس ؟
تبادل "أيمن" و "كرم" النظرات وقال "عمر" مؤكداً دون أن يرفع نظره عن الفتى :
- أيوة مش هسلمه للبوليس .. بس يقولى على كل حاجه
بلع الفتى ريقه بصعوبه وكان يبدو عليه التوتر الشديد .. قال له "عمر" :
- اعد
جلس الفتى .. صمت قليلاً ثم قال :
- أنا والله مكنت عايز أعمل كده .. بس هى اللى أغرتنى بالفلوس .. قولتلها لأ .. بس هى قالتلى ان محدش يعرف ان أنا اللى عملت كده
جلس "أيمن" قبالته .. ووقف "كرم" خلفه ينظرون الى الفتى الذى يتحدث وهو خائف مرتجف .. سأله "عمر" قائله :
- هى مين الى قالتك كده ؟ .. وقالتلك تعمل ايه بالظبط ؟
قال الفتى شارحاً :
- قالتلى اتصل برقم ادتهولى فى ورقة وقالتلى هترد عليا واحده أقولها البشمهندس عمر عايز عم "عبد الحميد" فى المستشفى واديها عنوان كانت كتبهولى فى الورقة
حثه "عمر" بلهفه قائلاً :
- ها وبعدين ؟
بلع الفتى ريقه ثم قال بتوتر :
- عملت كده .. وبعدها راقبت المخزن لحد ما الراجل اللى كان جوه خرج مع بنت .. وقفل المخزن بالقفل .. وهى كانت مديانى مفتاح القفل فتحته وولعت سجارة ورمتها جمب سلك عريته وولعت عود كبريت ورميته على العلف واتأكدت ان الناس مسكت فيه وبعدين خرجت
كان "عمر" يستمع فى ذهول ثم قال :
- مين هى اللى قالتلك تعمل كل ده ؟
بلع الفتى ريقه مرة أخرى وكان قد وصل الى قمة التوتر ثم نظر الى الرجال الثلاثة الذين تعلقت أعينهم به ثم التفت الى "عمر" قائلا :
- الدكتورة "مها"
اتسعت أعينهم من الدهشة وقال "أيمن" :
- الدكتورة "مها" بتاعة المعمل ؟
اومأ الفتى رأسه بالموافقه
شعر "عمر" بالدهشة لماذا تفعل "مها" ذلك ؟ ومن أين حصلت على مفتاح المخزن ؟
قال الفتى بقلق :
- مش هتبلغ عنى يا بشمهندس مش كدة
نظر اليه "عمر" قائلاً :
- لأ مش هبلغ عنك .. ومش هطالبك بتعويض
ثم قال بصرامة :
- لكن هتمشى من المزرعة
هتف الفتى فى لوعه :
- ليه كدة يا بشمهندس
قال "عمر" بقسوة :
- احمد ربنا انى هكتفى بطردك .. واحد غيريى كان رماك فى السجن مع كل الخساير اللى خسرتهالى .. بس أنا وعدتك وأنا كلمتى سيف على رقبتى .. بش لازم تطرد عشان اللى يخونى ملوش مكان عندى .. يلا اتفضل روح لرئيس العمال وأنا هقوله يديلك شهر مرتب لحد ما تلاقى شغل .. مع انك مستحقش
خرج الفتى مطأطأ الرأس .. أغلق "كرم" الباب والتفت اليهم قائلاً بدهشة :
- ايه الفيلم الهندى ده .. "مها" دى ايه مصلحتها انها تعمل حركة تييييييييييييييييت زى دى
قال "عمر" بحزم :
- أنا عندى تخمين بس هستنى لما أسمع من اللى اسمها "مها" دى بنفسي ..روح هاتها يا "كرم" بس ما تقولهاش حاجه
ذهب "كرم" الى المعمل وأحضر الدكتورة "مها" التى كانت تشعر بتوتر بالغ .. دخلت المكتب فوقف "عمر" فى مواجهتها قائلاً :
- جبتى منين مفتاح المخزن يا دكتورة ؟
ارتبكت "مها" وقالت :
- مخزن ايه يا بشمهندس مش فاهمة
صرخ "عمر" فيها قائلاً :
- انتى هتستعبطى .. لا مش أنا اللى يتعمل عليا الشويتين دول .. يا تقوليلى على كل حاجه من الألف للياء .. لهروح بنفسي دلوقتى وأعملك محضر فى القسم وشوفى بأه الفضايح اللى هتحصلك من ورا الموضوع ده
بكت "مها" ولم تستطع التحدث .. فهتف "عمر" بغضب :
- خلصيني .. مش هنعد طول اليوم فى النحنحه بتاعتك دى
ثم قال :
- مين اللى اداكى مفتاح المخزن وقالك تعملى كده ؟
قالت من بين شهقاتها :
- مدام "ثريا" هى اللى قالتلى أشوف عامل غلبان وأديه فلوس عشان يعمل كده .. وأهدده ان لو فتح بقه هيتسجن
كانت دهشة" كرم" و "أيمن" قد وصلت لذروتها .. قال "عمر" بإحتقار :
- مكنتش أتخيل ان واحدة متعلمة زيك والمفروض انها محترمة وبنت ناس تعمل كده .. فرقتى ايه ع نالمجرمين والبلطجية يا دكتورة .. اتفضلى من أدامى وما أشوفش وشك فى المزرعة دى تانى
نظرت اليه باكيه وقالت :
- بشمهندس "عمر" أنا آسفه .. أنا مكنش قصدى ..أنا .......
صرخ فيها "عمر" قائلا :
- بقولك اتفضلى اطلعى بره المزرعة .. سمعتى ولا سمعك تقل .. وابقى خلى عمتى تنفعك
خرجت "مها" تجز أذيال الخيبة .. ذهبت الى المعمل وأحضرت حقيبتها وخرجت وهى تحاول تمالك نفسها من البكاء الذى عصف بها
ضرب "أيمن" كفاً بكف قائلاً :
- انا مش مصدق اللى حصل .. ليه عمتك تعمل كده يا "عمر"
قال "عمر" :
- أنا عراف ليه عملت كدة
ثم نهض وتوجه الى بيت المزرعة .. دخل فوجد الجميع فى غرفة المعيشة كالعادة .. عندما دخل أشاحت عمته بوجهها ونظرت الى الجهه الأخرى فى تعالى .. فوقف أمامها قائلاً :
- العامل اللى حرق المخزن .. والدكتورة "مها" اللى وصلتله تعليماتك .. الاتنين اطردوا من المزرعة
بُهتت مدام "ثريا" حتى أن كوب الشاى الذى تحمله أخذ يتراقص بين يديها المرتجفة .. أكمل "عمر" قائلاً بإحتقار :
- كل ده عشان تبعديها عنى .. كل ده عشان تكرهيني فيها وفى أهلها .. زى ما روحتى تكرهيها فيا .. أنا مش عارف انتى ازاى عمتى ومن دمى
وقفت مدام "ثريا" دون أن تنطق بكلمة .. وخرجت من الغرفة مسرعة لحقتها "ايناس" .. جلس "عمر" فى مواجهة والديه وشرح لهم كل ما حدث .. شعر والداه بالأسف لما حدث .. ما هى إلا دقائق حتى نزلت "ثريا" و"ايناس" وقبل أن تغادر دخلت الى غرفة المعيشة وقالت بنبره متعاليه :
- أنا ماشية ولما تبقى تتعلم ازاى تتكلم مع عمتك أبقى آجى
ثم غادرت هى وابنتها .. ابتسم "عمر" فى سخريه وهز رأسه ..
انتشر خبر معرفة العامل الذى قام بحرق المخزن وتم تبرئة "عبد الحميد" أمام الجميع .. وكانت سعادته وسعاده بناته لا توصف ..
فى المساء وقفت "ياسمين" فى الشرفة مع "ريهام" والتى قالت بفضول :
- نفسي أعرف ايه اللى حصل .. وازاى اكتشفوه .. ولا هو اللى راح اعترف
قالت "ياسمين" بحيره :
- مش عارفه .. محدش عارف التفاصيل .. هما قالوا بس انهم عرفوا اللى عمل كده
قالت "ريهام" بتثائب :
- طيب أنا داخله أنام بأه سهرت كتير النهاردة
أومأت "ياسمين" برأسها
فقالت لها "ريهام" :
- مش هتنامى
- هقف شوية وبعدين هدخل أنام
دخلت "ريهام" وتركت أختها سابحه فى أفكارها .. تحاول تخمين ما حدث .. وكيف حدث .. ولما حدث ..
فى صباح اليوم التالى توجهت الى شجرتها .. وما ان وصلت حتى وجدت "عمر" جالساً هناك .. لم تعد هذه شجرتها .. أو شجرته .. بل أصبحت شجرتهما .. همت بالإنصراف .. لكنه أوقفها قائلاً
- استنى يا "ياسمين"
لم تتوقف أكملت طريقها فأسرع واعترض طريقها قائلاً :
- انتى كان معاكى حق .. عمتو فعلاً هى اللى ورا موضوع حرق المخزن
نظرت اليه بدهشة .. فأكمل قائلاً :
- وهى و "ايناس" سابوا المزرعة امبارح ورجعوا القاهرة
كانت مازالت تحت تأثير المفاجأه .. نظر فى عينيها وأكمل بصوت رخيم :
- عايز بس أفهمك حاجه
نظرت اليه فأكمل قائلاً :
- مش عايزك تخافى منى .. أو من حد من أهلى .. ماما وبابا موافقين .. وأنا ميهمنيش رأى حد غيرهم .. وأنا واثق لو اتعرفتى عليهم هتحبيهم وهيحبوكى
صمت قليلا ثم قال وعيناه تغوصان فى بحر عينينها :
- زى ما أنا بحبك بالظبط
شعرت "ياسمين" بحرارة تسرى فى جسدها كله .. أرادت الهرب لكنه سد طريقها ثانية قائلاً :
- والله العظيم بحبك .. ومش ممكن أسيبك أبداً .. "ياسمين" أنا لو اتجوزتك مستحيل أسيبك أبداً
نظرت اليه وبداخلها حيرة كبيرة تتخبط بها .. قال لها بصوت هامس :
- قوليلى خايفه من ايه تانى وأنا اطمنك .. قوليلى ايه تانى باعدك عنى وأنا أشيله من طريقنا
جف حلقها .. لم تستطع النطق .. حاولت الهرب للمرة الثالثه لكنه كان لها بالمرصاد .. ابتسم قائلاً برقه :
- مش هسيبك تهربى .. قوليلى ايه تانى بعدك عنى
نظرت اليه قائله بهدوء :
- رغم كل اللى انت قولته ده أنا مش عارفه أثق فيك .. لانك واحد مبادئك غير مبادئى .. انت فى حياتك حاجات كتير غلط أنا مش ممكن أقبلها .. ممكن لو سمحت تسيبنى أمشى .. لان مينفعش وقفتنا كده
صمت برهه .. ثم نظر اليها بتصميم قائلاً :
- وأنا هعرف ازاى أخليكي تثقى فيا .. لو هى مشكلة ثقه .. فأنا هعرف أخليكي تثقى فيا وهثبتلك انى أستاهل قلبك يا "ياسمين"
ثم قال هامساً وآشعة عينيه السوداوين تخترق أعماق روحها :
- لانى بحبك بجد .. ونفسي تكونى ليا زى ما أنا بقيت بكل ما فيا ليكي انتى .. ومِلكك انتى .. وراجلك انتى .. والله العظيم بحبــك انتى .
نظرت اليه وهى تشعر بالصدق فى كلماته .. وفى عينيه .. وفى صوته .. وأيقنت أنها أصبحت بكل كيانها .. عاشقــه لــه ..
↚
سارت الأيام التاليه فى المزرعة فى هدوء وسكينة .. مازالت "ياسمين" تعبش مشاعر الحيرة والتخبط .. بين نداء قلبها و نصائح عقلها .. كانت تشعر أنها ممزقة بينهما .. كل منهما يجذبها فى اتجاه مختلف تماماً عن الآخر .. كانت تتمنى شئ واحد فقط .. وهو أن يتفق قلبها وعقلها على شئ واحد .. أى ان كان هذا الشئ .. أما "عمر" فكل ما كان يفكر فيه هو كيف يكسب ثقة "ياسمين" وكيف يفز بقلبها .. الذى أيقن الآن تماماً بأنه جوهره غاليه جداً تستحق التعب للحصول عليها .. منذ أن رحت "ثريا" و "ايناس" من المزرعة لم تحاولان الاتصال .. ولم يحاول "نور" وزوجته مهاتفتها .. فضلوا ترك الأمور لتهدأ لبعض الوقت .. قبل فتح جلسة للعتاب والمصارحه ..
فى بيت المزرعة .. التفت الأسرة على طاولة الطعام .. عندما قالت "كريمه" :
- ازى أحوالك انت و "ياسمين"
نظر اليها "عمر" قائلاً :
- مفيش جديد
- هى لسه رفضاك ؟
فكر "عمر" قليلاً ثم قال :
- مش رفضانى .. ومش قبلانى
ابتسم أبوه قائلاً :
- فزورة دى
قال "عمر" فى شرود :
- لأ مش فزورة .. بس هى لحد دلوقتى موثقتش فيا .. أنا اللى مش قادر أفهمه هو ليه هى مش قادرة تثق فيا .. يعني مش قادر أفهم تحددياً ايه اللى مخوفها منى
نظرت اليه أمه قائله بخبث :
- ما يفهمش الست الا الست
قال "عمر" بإستغراب :
- يعني ايه ؟
ابتسمت "كريمه" قائله :
- يعني لو أنا اتكلمت معاها ممكن أقدر أفهم أسباب رفضها
ظهرت علامات السعادة على وجع "عمر" وابتسم قائلاً :
- بجد يا ماما .. هتتكلمى معاها
- أيوة يا حبيبى
قال "عمر" بحماس :
- تماما أوى .. أنا هعزمهم عندنا هنا هى وأختها وأبوها .. وفرصه الكل يتعرف ببعضه
قالت أمه بهدوء :
- أفضل ان أول مقابله تكون بيني أنا و"ياسمين" بس .. وبعد كده نبقى نعزمهم هنا
قال "عمر" بحيره :
- بس ما أعتقدش انها ممكن توافق تيجي هنا لوحدها
ابتسمت أمه قائله :
- خلاص مفيش مشكلة .. أروحلها مكتبها .. وكمان عشان أعتذرلها عن اللى "ثريا" و "ايناس" عملوه .. ده الواجب يا "عمر" عشان البنت تعرف ان كرامتها مصانه عندنا
قام "عمر" من فوره وتوجه الى أمه عانقها وهى جالسه وقبل رأسها قائلاً :
- بجد يا ماما ربنا ميحرمنيش منك .. فعلا ده اللى كان نفسي فيه بس خفت أطلب منك كده ترفضى .. "ياسمين" فعلاً لازم تحس اننا بنحافظ على كرامتها .. وان اللى حصل ده تصرف فردى من فرد واحد فى العيله لكن انتى وبابا حاجه تانيه .. وأنا فهمتها الكلام ده وقولتلها ان ميهمنيش رأى حد غيركوا انتوا الاتنين
قال "نور" :
- متقلقش ان شاء الله الموضوع هيتحل على خير
ثم التفت الى زوجته مبتسماً :
- طالما "كريمه" بنفسها دخلت فى الموضوع يبقى اعرف انه هيتحل ان شاء الله
نظرت اليهما "كريمة" قائله :
- ربنا يخليكوا ليا انتوا الاتنين
*********************
طلب "كرم" من "ريهام" الحضور الى مكتبه .. ذهبت اليه فأعطاها بعض التعليمات .. وقبل أن تغادر قال لها :
- استنى يا آنسه "ريهام"
توقفت .. فوقت ودار حول المكتب ليقف فى مواجهتها ..ظل ينظر اليها بصمت .. انتظرته أن يتحدث فلم يفعل .. شعرت بالخجل من نظراته فهربت بعينيها لتنظر الى شئ آخر .. فقال لها بهدوء :
- أنا كنت عايز أقولك خبر .. يعني بما انك سكرتيرتى .. وبقالنا فترة شغالين مع بعض يبأه أكيد هتفرحيلى
نظزرت اليه قائله بإهتمام :
- خير يا بشمهندس "كرم"
تفرس فيها لحظة ثم قال :
- أنا هخطب قريب
شعرت بقلبها يرتجف بين ضلوعها لكنها حاولت التماسك .. أكمل قائلاً وهو يتأملها :
- واحدة كنت أعرفها فى القاهرة
وقع قلبها أرضاً .. شعرت بغضه فى حلقها .. حاولت قدر الإمكان التماسك .. قالت بسرعة قبل أن تظهر العبرات فى عينينها :
ألف مبروك بعد اذنك
خرجت لتغادر المكتب .. ذهبت الى مكتبها .. جلست وهى تحاول استجماع شتاتها .. شعرت بالألم يغزو قلبها .. لم تدرى بنفسها إلا وهى تحمل حقيبتها وتغادر المكتب من فورها
عادت "ياسمين" من عملها لتجد "ريهام" جالسه على سريرها فى حالة يرثى لها .. اقتربت منها وجلست بجوارها قائله :
- مالك يا "ريهام" ايه اللى حصل ؟
أجهشت "ريهام" فى البكاء وألقت بنفسها فى حضن أختها قائله :
- كرم هيخطب يا "ياسمين"
قالت "ياسمين" وهى تربت على ظهرها :
- وانتى بتعيطى ليه ؟
رفعت "ريهام" رأسها لتنظر الى أختها .. نظرت "ياسمين" الى وجهها المبلل بالدموع ثم أدركت ما يعتمل فى قلب أختها .. قالت "ريهام" بأسى ودموعها تتساقط على وجنتيها :
- أنا بحبه يا "ياسمين" .. بحب "كرم"
نظرت اليها "ياسمين" بأسى قائله :
- الله يهديكي يا "ريهام" .. ليه تعلقى نفسك كده وتتعبى قلبك .. أكيد كان اليوم ده هيجيى .. ما هو لازم يخطب مش هيفضل كده على طول .. انتى ليه تعلقى نفسك بواحد .. اديكي انتى اللى تعبتى فى الاخر
قالت لها "ريهام" بحزن :
- مش بإيدي والله .. أنا معرفش اتعلقت بيه ازاى
ثم قالت بحزم :
- أنا مش هروح المكتب تانى .. خلاص كفايه كدة .. مش عايزة أشوفه بعد كدة
تنهدت "ياسمين" بحسره ونظرت الى "ريهام" قائله :
- ده فعلاً أحسن حل .. لان أكيد كل ما هتشوفيه هتتعبى
عانقتها "ياسمين" قائله :
- ربنا يريح قلبك يا "ريهام"
*********************
كانت "ريهام" متوجهه الى المكتب لتأخذ متعلقاتها وتخبر "كرم" برغبتها فى ترك العمل .. عندما وجدت "هانى" قبالتها ..تظاهرت انها لا تراه لكنه أوقفها قائلاً :
- لو سمحتى ثوانى
توقفت ونظرت اليه بنفاذ صير
فقال "هانى" ببرود :
- انتى وأختك اتعاملتوا معايا بإسلوب غريب جدا .. أكنى واحد جاى أشحت مش جاى أتقدم
ثم قال بترفع :
- أنا بس حبيت أقولك انى صرفت نظر عن الموضوع
قبل أن تفتح فمها للرد وجدت "كرم" خلفها يقول ل "هانى" بحنق :
- يلا يا ابنى من هنا معندناش بنات للجواز
نظر اليه كل من "ريهام" و "هانى" بإندهاش .. فاقت "ريهام" من دهشتها لتقول لـ "كرم" :
- وحضرتك ايه دخلك فى الموضوع ده
نظر "هانى " الى "كرم" قائلاً :
- أحب أعرفك يا بشمهندس "كرم" ان ده أخر يوم ليا فى المزرعة بصراحة مش حابب آجى هنا تانى بعد كل المعاملة اللى شوفتها منكوا هنا
قال "كرم" بحبور :
- والله يا ابنى تبقى ريحتنا وريحت نفسك .. بس اوعى تقطع الجوابات .. ولا أقولك اقطعها أحسن
رحل "هانى" وهو يتمتم فى غضب .. نظرت "ريهام" الى "كرم" بغضب قائله :
- ايه اللى حضرتك عملته ده .. ازاى تدخل كده فى حاجه تخصنى وتقوله معندناش بنات للجواز ؟
نظر اليها "كرم" قائلاً :
- هو عاجبك ؟
صمتت ولم تجب .. ظهرت علامات الجديه على وجه ونظر اليها مكرراً سؤاله مرة أخرى :
- الواد ده عاجبك ؟
نظرت اليه قائله وهى تحاول التماسك :
- ده شئ ميخصكش
نظر اليها بطريقة لم تعتادها منه .. احتارت فى تفسير معناها .. لكنها شعرت وكأن عينيه تحتويانها فى صمت .. كرر السؤال للمرة الثالثه .. لكن هذه المرة بصوت أقرب الى الهمس :
- الواد دع عجبك ؟ .. عايزاه ؟
كانت ترغب فى عدم الرد عليه وتتركه وتذهب .. لكنها لا تدرى لما قالت :
- لأ
ظهر المرح فى عين "كرم" وسألها قائلاً :
- لأ ايه
أجابت وهى تحاول التحدث بجديه :
- لأ مش عاجبنى .. ولأ مش عايزاه
ابتسم "كرم" ابتسامه ذاب لها قلبها وقال بمرح :
- أصلاً لو كنتى قولتى غير كده كنت قطمت رقبتك
شعرت بقلبها يخفق بقوة .. حاولت التحدث بحده قائله :
- وانت مالك انت يعجبنى ولا ميعجبنيش .. وايه قطمت رقبتك دى
قال وهو محتفظاً بابتسامته :
- لسه مفهمتيش ؟
شعرت بأنفاسها وقد بدأت بالتسارع .. ترى هل ما تظنه صحيح .. هل "كرم" على وشك .... هل هذا صحيح .. همت بأنه تتركه وتنصرف لكنه قال لها فجأه :
- أنا بحبك يا "ريهام"
نظرت اليه فى دهشة .. قلبها يخفق .. عقلها يدور .. بل الدنيا من حولها تدور .. لم تستوعب .. لم تصدق .. قال لها بابتسامته المرحه :
- بصراحة من أول يوم شوفتك فيه فى المكتب وانتى لفتى انتباهى بشكل كبير .. وكل يوم بعرفك بتعلق بيكي اكتر وبحترمك أكتر .. مكنتش متخيل انى ممكن ألاقى واحده زيي وشبههى .. أنا حاسس اننا متشابهيين فى حاجات كتير جدا ..
صمتت ولم تتحدث فأكمل قائلاً :
- كانت بس المشكلة اللى شاغله بالى هو فرق السن اللى بينى وبينك .. يعني خايف انك تشوفى دى حاجه تضايقك .. خاصه بعد الواد الغتت ده ما اتقدملك .. خفت بجد انك تختاريه ومبقتش طايق أشوف وشه فى المزرعة دى وعايز أمشيه منها بأى طريقه
كانت "ريهام" تشعر بسعادة غامرة وهى تسمع تلك الكلمات من كرم" الذى حلمت به وهى تعلم أنه حلم صعب المنال .. ظهرت تلك السعادة على وجهها لم تستطع مداراتها .. أكمل مبتسماً :
- حركة الخطوبة دى كنت بس حابب أعرف رد فعلك .. كنت عايز أعرف حاجه زى كده تضايقك ولا لاء .. كان وشك فعلا باين عليكي انك مضايقه ولما دخلت مكتبك ولقيتك مش موجوده بصراحة فرحت أوى .. وده اللى شجعنى انى أتكلم معاكى دلوقتى
ثم نظر اليها وقال بقلق :
- انا مش غلطان .. صح .. يعني .. انتى كمان .... صح ؟
تماسكت "ريهام" وأخفت بصعوبة ابتسامة الفرحة التى كادت أن تقفز الى شفتيها وقالت :
- بعد اذنك أنا مضطرة أمشى
قال "كرم" بلوعه :
- بتهرجى يا "ريهام" .. لأ بقولك ايه أنا مبحبش التوتر والقلق ده .. جاوبى على سؤالى .. أنا حسيت صح مش كده ؟ .. يعني انتى كمان حسه بحاجه نحيتى .. صح ؟
قالت له بجديه :
- لا والله .. عايزنى أقولك ايه يعني
قال بمرح :
- .. طيب بلاش سؤال مباشر طالما صعب .. هسألك سؤال تانى خالص ملوش علاقه بالسؤال الأول .. ها .. ملوش علاقة
نظرت اليه مترقبه .. فقال وعيناه تلمع فى مرح وابتسامه خبيثه على شفتيه :
- هو عم "عبد الحميد" فاضى اروح أتكلم معاه كلمتين كده ؟
احمرت وجنتاها وقد فهمت معنى سؤاله لكنها تظاهرت بالجديه وقالت :
- معرفش روح اسأله
- يعني انتى شايفه هو فاضى ولا مشغول ؟
ظهرت ابتسامه خفيفه على شفتيها وقالت وهى تتحاشى النظر اليه :
- أظن فاضى
اتسعت ابتسامة "كرم" قائلاً :
- لأ أنا مش عايز أظن دى .. انا عايز رد أكيد .. فاضى ولا مشغول ؟
اتسعت ابتسامتها قائله :
- فاضى
ثم تركته وغادرت مسرعة .. دخلت الى غرفتها أغلقت الباب ووقفت خلفه تتذكر ما قيل منذ قليل .. لا تصدق أن "كرم" اعترف أخيراُ بحبه لها .. ويرغب أيضاً فى الزواج منها .. شعرت بسعادة طاغية فى قلبها .. أخرجت هاتفها واتصلت بـ "ياسمين" قائله وهى تقفز فرحاً :
- "ياسمين" .. "كرم" قالى بحبك
صاحت "ياسمين" بدهشة :
- ايه .. بتقولى ايه
ضحكت "ريهام" قائله :
- بقولك "كرم" قالى بحبك
- بتهزرى .. هو مش هيخطب
- لأ طلع ابن اللذين بيعمل فيلم عليا .. "ياسمين" أنا فرحانه فرحانه فرحانه .. "كرم" قالى بحبك .. قالى "بحبك" يا "ياسمين"
ضحكت "ياسمين" قائله :
- برافو يا "كرم" أصلا البنت كان فى عقلها برج واحد سليم ودلوقتى جيت حضرتك قضيت عليه
قالت "ريهام" بمرح :
- أقولك خبر كمان ..قالى انه هيتقدم ويطلبنى من بابا .. هو مقلهاش صراحة بس معنى كلامه كده
صاحت "ياسمين" بفرح :
-بجد .. بجد يا "ريهام" .. فرحتيني .. أنا مش مصدقه
- أمال أنا اقول ايه .. بجد حسه انى بحلم .."كرم" قالى بحبك .. كرم قالى "بحبك" .. ومش بس كده ده كمان هيتقدملى
صمتت قليلا ثم صرخت بفرح :
- "ياسمين" "كرم" قالى بحبك وهيتقدملى
- "ريهام" صوتك واصل من الأوضة لعندى هنا .. اهدى شوية .. الله يسامحك يا "كرم"
- "ياسمين" عشان خاطرى خلصى بسرعة وتعالى عايزة أتكلم معاكى كتير .. عشان خاطرى متتأخريش
- طيب يا حبيبتى هخلص وأجيلك على طول
كانت "ياسمين" سعيدة للغاية من أجل اختها ... كانت جالسه فى مكتبها عندما رأت امرأة تتقدم وتدخل الغرفة .. نظرت "ياسمين" لهذه المرأة الأنيقة بملابس محتشمة وابتسامتها على ثغرها .. فابتسمت لها "ياسمين" قائله :
- أهلا بحضرتك اتفضلى
دخلت فوقفت "ياسمين" أمامها .. قالت "كريمه" :
- انتى اسمك ايه ؟
ابتسمت "ياسمين" قائله :
- أنا اسمى "ياسمين"
أومأت "كريمة" برأسها قائله :
- وأنا كريمه والدة "عمر"
اضطربت "ياسمين" من المفاجأة .. ولم تدرى ماذا تقول .. بعد برهه قالت "ياسمين" :
- اتفضلى حضرتك
جلست "كريمه" على أحد المقاعد .. وجلست "ياسمين" على المقعد المجاور لها .. نظرت اليها "كريمه" متفحصه .. شعرت "ياسمين" بالخجل فأطرقت برأسها .. ابتسمت "كريه" قائله :
- بصراحة أنا مصدومة شوية
خفق قلب "ياسمين" فهى ليست مستعدة أبداً لتكرار تجربتها مع عمته .. فقالت "كريمه" :
- أولاً "عمر" ما قاليش سنك فعشان كده كنت متخيلاكى أكبر من كده .. بس انتى شكلك بنوته صغيره .. ده غير ان باين عليكي هادية وخجوله .. يعنى بصراحة صورة غير اللى كنت رسماها فى خيالى
شعرت "ياسمين" بالضيق فهى لا تعرف هل هذا مدح أم ذم .. فقالت لها :
- اظاهر ان كل اللى بيشوفونى من عيلة البشمهندس "عمر" بيتصدموا
قالت "كريمة" وقد أنتبهت الى أن الفتاة مجروحه مما قالته "ثريا" سابقاً .. فقالت لها :
- أنا فضلت ان أنا اللى آجى ..لانى شايفه ان لازم حد مننا يعتذرلك عن الكلام والاساءه اللى اتوجهت ليكي
نظرت اليها "ياسمين" بإستغراب فأكملت "كريمه قالئه :
- بصى يا بنتى .. أنا أهم حاجه عندى ان ابنى يكون مبسوط ومرتاح .. وانه يختار بنت تعرف تحافظ عليه .. "عمر" ابنى ده أنا بحبه حب مش قادرة أوصفهولك .. لانى مخلفتش غيره .. فهو عندى بالدنيا .. ومفيش عندى حاجه أحب من انى أجوزه وأشوف ولاده بيتنططوا حواليا
ابتسمت "ياسمين" وقد شعرت بحنان و أمومة تلك المرأة الجالسه بجوارها .. أكملت "كريمه" قائله :
- وأنا شايفه ان ابنى متعلق بيكي أوى .. صحيح معرفكيش من فترة كبيرة .. بس أنا أول مرة أشوف "عمر" متعلق بواحده كده
شعرت "ياسمين" بالسعادة تغمر قربها لكلمات "كريمه" .. أكملت "كريمه" قائله :
- الحاجه الوحيدة اللى "عمر" بيتمناها دلوقتى هو انك تكونى زوجة ليه .. وأنا عرفت انك رفضيته .. فحابه اننا نتكلم مع بعض .. زى أم وبنتها .. ده لو طبعاً تحبي تعتبريني زى ماما
شعرت "ياسمين" بحنان تلك المرأة يغمرها .. وشعرت بالفعل بأن قلبها مال اليها فقالت لها بصدق :
- بجد كلام حضرتك وكون ان حضرتك تجيلى هنا دى حاجه كبيرة أوى عندى .. وأنا طبعا يشرفنر انى أتكلم مع حضرتك كلام أم وبنتها
ابتسمت "كريمه" قائله :
- اتفقنا .. يباه قوليلى بأه وبصراحة شديدة انتى ليه رافضه "عمر" .. هل لكلام "ثريا" ولا فى أسباب تانيه ؟
صمتت "ياسمين" قليلا ثم نظرت اليها قائله :
- أعتقد البشمهندس "عمر" قال لحضرتك عن ظروفى
أومأت "كريمه" برأسها فأكملت "باسمين" قائله :
- أنا حسه ان فى فروق كتير بينى وبينه وده مخوفنى .. خايفه منقدرش نتفاهم مع بعض .. خايفة ان الخلافات تكون جوهرية لدرجة انها تصدمنا بعد كده .. أنا مريت بتجربة قاسية أوى .. وخايفه بجد انى أختار غلط مرة تانيه .. مش عايزة أتجرح .. أنا بطبعى مش متردده .. وببقى عارفه أنا عايزة ايه .. بس يمكن التجربة اللى مريت بيها خلتنى خايفه .. خاصة وأنا شايفه الفروق اللى بينه وبين البشمهندس "عمر" .. مش بتكلم عن الفروق المادية بس .. لكن فى الطباع .. وفى الجو اللى كل واحد فينا اتربي فيه .. خايفه يحصل صدام بينا فى يوم من الأيام .. وعشان كده أنا متردده أوى
استمعت "كريمه" اليها .. ثم قالت :
- أولا أان بحترم فيكي انك واحدة عاقلة مش متسرعة .. يعني بنات كتير غيرك كانوا شافوا "عمر" فرصه بالنسبة لهم .. وما كانوش اترددوا أبدا .. بس ترددك ده دليل على انك انسانه جاده وعاقلة وفاهمة الجواز صح ..وأنا معاكى ان ممكن كيون فى فعلا فروق بينكوا .. أما هل الفروق دى ممكن تسبب صدام بينكوا ولا لاء دى حاجه انتوا الاتنين اللى تقدروا تقرروا مع بعض .. مش انتى لوحدك .. ومش هو لوحده .. لازم تعدوا تتكلموا مع بعض ونحطوا النقط فوق الحروف .. تعرفيه ايه اللى انتى خايفه منه .. وهو كمان اكيد عنده مخاوف يتكلم معاكى فيها .. وتحلوا الموضوع سوا .. وتقرروا اذا كنتوا مناسبين لبعض فعلا ولا لاء .. لكن الرفض بدون محاولة لفهم الشخص اللي أدامك ده أكبر غلط .. لانك ممكن بكده تضيعى على نفسك فرصه انك تكونى سعيدة معاه
صمتت "ياسمين" وهى تستمع الى لكلمات "كريمه"الى اخترقت علقها واستقرت به .. اكملت "كريمه" قائله :
- اللى أنا أقترحه عليكي .. وليكي طبعا حرية الموافقة او الرفض .. هو ان تتتعمل خطوبة .. وفترة الخطوبة اصلا معمولة عشان الاتنين يعرفوا بعض ويدرسوا شخصية بعض .. ويقرروا هل كل واحد شايف التانى شريك حياته المناسب ولا لاء .. فرأيي انكوا تاخدوا خطوة الخطوبة .. وبعدين تقرروا انتوا عايزين ايه
ابتسمت لها "ياسمين" قائله :
- بجد كلام حضرتك ريحنى كتير .. حسيت انك فهمانى فعلاً
ابتسمت "كريمه" فى حنان :
- وأنا عايزة أقولك انى ارتحتلك أوى .. وحسه ان "عمر" المرة دى اختار صح .. وأحبك أطمنك .. مش عشان أنا أمه .. بس "عمر" بجد راجل مش هتلاقى زيه .. وانتى بنفسك هتكتشفى ده
قامت "كريمه" .. فوقفت "ياسمين" هى الأخرى .. قبلتها "كريمه" على وجنتيها قائله :
- ربنا يقدملكوا اللى فيه الخير يا بنتى .. أستأذن أنا
كان لتلك المقابلة أثر السحر على نفس "ياسمين" شعرت بالراحة الشديدة لكلام "كريمه" وتفهمها لموقفها .. شعرت بالراحة والسكينة فى قلبها
***************************
عادت "كريمة" لتجد "عمر" فى استقبالها وعلامات اللهفة على وجهه قائلاً :
- ها .. ايه الأخبار
قالت "كريمه" بخبث :
- الحمد لله .. يلا أسيبك بأه عشان هطلع أنام شوية
وقف "عمر" أمامها قائلاً بمرح :
- لا ميدخلش عليا الكلام ده .. قرى واعترفى يا ماما باللى حصل بالتفصيل الممل
ضحكت "كريمه" قائله :
- طيب ممكن على الأقل أعد
أفسح "عمر" الطريق أمامها ومد يده بطريقة مسرحية قائلاً :
- طبعاً اتفضلى يا ست الكل
جلست "كريمة" على الأريكة وجلس "عمر" بجانبها قائلا بإهتمام :
- ها رأيك فيها ايه ؟
ابتسمت "كريمه" :
- بصراحة عجبتنى
ابتسم "عمر" وظهرت علامات السعادة على وجهها :
- مش قولتلك هتحبيها .. ها اتكلمتوا فى ايه .. وصلتوا لايه .. قالتلك كل الأسباب اللى مخلياها ترفض ؟
قالت "كريمة" بجديه :
- بصى يا "عمر" أنا شافيه ان البنت معاها حق تخاف وترفض .. البنت عايشة فى مستوى غير اللى انت عايش فيها .. وانت بالنسبة لها واحد غريب عليها متعرفش لا أخلاقه ولا طباعه .. ده غير تجربتها اللى زودت خوفها ده
فكر "عمر" قليلاُ ثم قال :
- طيب ما أنا حابب انى أقرب منها أكتر وأطمنها من نحيتى
- وده اللى أنا قولتهولها .. اقترحت انكوا تعملوا خطوبة .. وتحاولوا تفهموا بعض أكتر .. وتتكلموا مع بعض بصراحة
قال "عمر" بلهفه :
- ووافقت ؟
ابتسمت "كريمة" قائله :
- أنا سبتها تفكر .. بس احساسى بيقولى انها هتوافق .. الى حسيته يا "عمر" ان البنت دى بتحبك .. هى بس محتاجه انها تطمنلك
عانق "عمر" أمه قائلاً :
- ربنا يخليكي ليا يا أمى .. بجد ريحتى قلبي
نظرت اليه "كريمه" وقالت:
- بس ايه ده يا "عمر" .. يعني اختيار غير "نانسي" تماما ..بصراحة لما شوفتها اتصدمت شوية
قال "عمر" بجديه :
- وده اللى جذبنى ليها .. حاسسها مختلفة .. محافظة على نفسها جداً .. تصورى حتى مبتسلمش عليا بايدها .. لا أنا ولا غيري .. مبتسمحش لحد انه يتجاوز حدوده معاها .... وبتحط خطوط حمرا للى أدمها ومش مسموحله أبدا انه يعديها .. مبتسمحش لأى راجل انه يقرب منها مهما كان هو مين .. وده مخليني هتجنن عليها
- ربنا يجعلها من نصيبك يا "عمر"
- أيوة يا أمى ادعيلى الدعوة دى
**********************
رن جرس الهاتف .. اخرجه "مصطفى" من جيبه ليجد رقماً غريباً رد فأتاه صوت فتاة قائله :
- البشمهندس مصطفى معايا ؟
- أيوة أنا مين معايا
أنا واحدة متعرفهاش
ابتسم "مصطفى" قائلاً :
- وعايزة ايه ياللى معرفكيش
- اسمعنى للاخر وانت تعرف أنا عايزه ايه
- قولى يا موزه
- أنا أعرف طليقتك "ياسمين" وأهلها .. وأعرف هما أعدين فين دلوقتى
قال "مصطفى" بدهشة :
- انتى عرفتى رقمى منين
- باباها راجل غلبان أوى .. ومش صعب تاخد منه اى معلومة انت عايزها .. عرفت منه اسمك واسم الشركة اللى بتشتغل فيها .. كلمتهم فى الفرع الرئيسي وطلبت رقم فرع البحر الاحمر .. واتصلت بالموقع عندك ورد عليا واحد من حسن حظى انه صاحبك وادانى رقم موبايلك
- وايه اللفه الطويلة دى ؟
- اسمعنى للاخر وانت تعرف .. طليقتك اللى كانت مراتك .. طلبت الطلاق عشان يخللها الجو مع الراجل اللى بتحبه .. ولما انت ضربتها هاخدتها حجة عشان تعرف ترفع القضية وتطلق منك
قطب "مصطفى" جبينه قائلا :
- انتى بتقولى ايه ؟
- بقول انها كانت بتحب واحد وخباها فى بيته هو واهلها وشغلهم كمان .. ودلوقتى هيتجوزوا بعد ما "ياسمين" اديتك أكبر قلم وضحكت عليك
صاح بغضب :
- أنا مفيش حد يقدر يضحك عليا ده أنا تييييييييييييييييت هى وأهلها
- أيوة تعجبنى وانت حمش كده .. لو فعلا عايز تنتقم منها ومن عشيقها ده .. ومش بس كده تكسب انت كمان فأنا عندى خطة متخرش الميه
سألها بشك :
- وانتى هستتفادى ايه لما تساعديني ؟
- هاخد بتارى منهم هما الاتنين .. وكمان هبقى كسبتلى قرشين
- انتى عايزانى اعمل ايه بالظبط .. ومكسب ايه اللى هيكون ليا وليكي ؟
- فلوس .. ملايين بمعنى اصح
قال "مصطفى" بسخريه :
- انتى شكلك واحدة فاضية وبتهرجى
- لأ مش بهرج اسمعنى للآخر وانت تعرف انى جد .. وجد أوى كمان .. بس الموضوع محتاج راجل بجد .. يا ترى انت راجل بجد يا "مصطفى"
صاح قائلاً :
- ده انا أرجل من أرجل راجل عرفتيه .. قولىوسمعيني الكلام اللى عندك
**********************
- بصراحة يا "سماح" كلام مامته ريحنى أوى .. حستها فهمانى
ابتسمت "سماح" قائله :
- أنا فرحانه اوى بالتطورات دى .. كون أصلاً انها تجيلك لحد عندك وتعتذرلك عن اللى عمته عملته دى حاجه كويسة أوى .. وكمان كلامها مقنع .. انا كمان رأيي من رأيها ..وافقى على الخطوبة يا "ياسمين"
تنهدت "ياسمين" قائله :
عارفه يا "سماح" .. أنا عامله زى اللى عين فى الجنة وعين فى النار .. بجد حسه بحيرة وخوف كبير أوى جوايا .. عارفه ايه أكتر حاجه مخوفانى .. ان "عمر" ميكنش بالصورة الحلوة اللى أنا رسمهاله .. يعني بجد هتصدم أوى لو فى يوم قالى اقلعى حجابك .. أو لو قالى البسى زى ما بشوف البنات بتلبس .. بجد هحتقره أوى .. أنا مش قادرة أفهم لحد دلوقتى تفكيره .. انتى عارفه يا "ٍسماح" اننا اتربينا من صغرنا ان الحجاب ده جزء من البنت مينفعش تتخلى عنه أو تفرط فيه .. حاجه مهمة أوى فى حياتها .. خايفه أتصدم فى "عمر" .. وتكون الحاجة دى بالنسبة له مش مهمة ومحصله بعضها .. خايفه كل اللى أنا أكون شايفاه خطوط حمرا هو يشوفها خضرا ..ده غير اسلوبه مع البنات .. مستحيل أقبل ان جوزى يسلم بالايد على بنت عمته او على اى واحده ويسبها تبوسه وتحضنه كمان .. مش ممكن أقبل ده أبداً .. خايفة يحصل صدام بينى وبينه .. ويقولى أنا كده واتربيت كده وعيشتى كده .. لان أنا مش ممكن هقبل كده .. خايفة يكون بعيد عن ربنا أوى .. أنا حساه فعلا بعيد .. بس خايفه يكون بعيد اوى .. بعيد البعد اللى أفشل فى انى أقربه ..أنا لحد دلوقتى مش عارفه أفهمه .. خايفه يا "سماح" لو قررت فى يوم انى اسلم على صحابه وقرايبه الرجاله بايدي ألاقى ان ده عادى عنده ومش فارق .. خايفه لو قولتله فى يوم انى عايزة ألبس لبس مفتوح او ضيق يفرح بكده او يقولى عادى ومش فارقه .. خايفه محسش انه راجل وخايف عليا وبيغير عليا .. خايفه ميحسسنيش انه غيران عليا يا "سماح" .. خايفه أكون جذبه انتباهه بس عشان انا حاجه جديدة فى حياته .. بس بعد فترة يتعود عليها ويمل منها .. ويحن للبنات اللى يعرفهم .. خايفة أسيب قلبي يحبه ويتعلق بيه والآخر ألاقيه هو اللى سبنى .. خايفة أوى يا "سماح"
كانت "سماح" تنظر اليها وتستمع فى صمت .. أكملت "ياسمين" قائله :
- وفى نفس الوقت شوفت منه حاجات مطمنانى .. يعني مثلا عارف حدودى كويس ومش بيحاول يتعداها معايا .. ولما برفض حاجه بيبقى فاهم سبب رفضى .. شوفت اللى عمله مع العامل اللى اتصاب .. كان شجاع أوى وهو بيحاول ينقذ ايده .. ولما ساعد الست الغلبانة اللى طردوها .. ولما كان معايا وأنا بولد المهره .. وهو بيلبس الجلبيه الفلاحى .. حسيته أد ايه طيب ومش مغرور وحنين وقريب منى ومن طباعى
قالت "ياسمين" مبتسمه :
- تعرفى ان بابا لما راح المستشفى اللى فيها العامل هو و "ريهام" أهل العامل قالوله ان "عمر" دفع كل مصاريف علاجه وكمان مرتبه قالهم هيوصلهم كل شهر
- مكنتش أعرف .. "أيمن" ما قاليش
بجد متتصوريش اللى عمله ده خلانى حسه بايه .. بجد عجبنى أوى اللى عمله .. واحد غيره كان قال وأنا مالى .. بس هو كان فى الموقف ده راجل بجد .. حنيته دى بتجننى يا "سماح" .. أنا بحب أوى الراجل الحنين
ابتسمت "سماح" لصديقها فأكملت "ياسمين" بسعادة :
- أنا حسه انى بدأت أتعلق بيه أوى يا "سماح" .. وعشان كده نفسي فعلا أعرفه أكتر عشان أقدر أقرر صح .. أنا فعلا حسه ان كلام مامته صح .. وان المفروض نعمل خطوبة .. عشان نقدر نفهم بعض
هتفت "سماح" بفرح :
- يعني وافقتى ؟
أوقفتها "ياسمين" بيدها قائله :
- لأ استنى ما قولتش انى وافقت .. أنا قولت انى حسه ان ده المفروض يحصل .. بس لسه ما قولتش أيوة
صاحت "سماح" :
- يا ستى قولى أيوة بأه
ضحكت "ياسمين" قائله بدلع :
- هستخير الأول .. وبعدها هقول رأيي
رفعت "سماح" كفيها هاتفه :
- يارب يبقى أيوة يارب
***************************
عادت "ياسمين" من عند "سماح" ودخلت بوابة المزرعة لتسمع خلفها صوت سيارة "عمر" .. التفتت .. خفق قلبها لرؤيته أكملت طريها .. سار بسيارته مسرعاً وأوقفها أمام بيت المزرعة ثم نزل والتفت ينتظرها .. كادت أن تكمل طريقها لكنه أوقفها قائلاً:
- ازيك يا "ياسمين"
قالت بصوت خافت :
- الحمد لله
ابتسم قائلاً :
- كنتى فين ؟
- كنت عند "سماح"
اتسعت ابتسامته ونظر اليها بخبث قائلاً :
- شكلى هبتدى أغير من "سماح"
احمرت وجنتاها ومشيت خطوتين قبل أن يناديها قائلاً :
- "ياسمين" أستنى
التفتت اليه وقلبها يخفق بشده .. سألها بإهتمام :
- فكرتى فى اللى ماما قالتهولك ؟
أومأت برأسها .. فقال :
- وقررتى ايه ؟ .. موافقه ؟
شعرت بالارتباك لكنها نظرت اليه قائله :
- هستخير وبعدين أقول قرارى
نظر فى عينيها بحنان قائلاً بصوت شجى :
- وأنا هستنى قرارك .. بس متتأخريش عليا .. مبقتش مستحمل بعدك ده .. كفايه تعذيب بأه .. نفسي أحس انك ليا بجد .. وايدك دي يبأه فيها دبلتى .. والكل هنا يعرف انك بتاعت "عمر" .. بتاعته هو وبس.
شعرت بحنان عينيه يغمر قلبها .. وبكلماته تخترق أعماق روحها لتستقر بها .. أومأت برأسها .. ثم التفتت لتغادر وعلى ثغرها ابتسامه عذبه ..
↚
كانت سعادة "عبد الحميد" غامرة عندما زاره "كرم" فى مخزن العلف قائلاً :
- يشرفنى انى اطلب من حضرتك ايد الآنسه "ريهام"
قال له "عبد الحميد" فى سعادة غامرة :
- وأنا طبعاً يشرفنى انى أديك بنتى يا بشمهندس "كرم" .. بس لازم آخد رأى "ريهام" الأول
أومأ "كرم" برأسه قائلاً :
- طبعاً يا عم "عبد الحميد" خد وقتك ..بس ياريت بعد اذنك احنا مش محتاجين فترة خطوبة .. يعني احنا بنشتغل مع بعض من فترة .. والأفضل يبقى كتب كتاب على طول
صمت "عبد الحميد" قليلاً ثم قال :
- فى العجلة الندامة يا ابنى .. خليها فترة خطوبة الأول حتى لو فترة صغيرة وبعد كده لما تحبوا تكتبوا الكتاب مفيش مشكلة .. بس كل حاجه تيجى بالهداوه
أومأ "كرم" برأسه قائلاً :
- خلاص زى ما تشوف يا عم "عبد الحميد" .. بس زى ما حضرتك قولت فترة خطوبة صغيرة
ابتسم "عبد الحميد" فى فرح قائلاً :
- على خيرة الله
ذهب "عبد الحميد" الى غرفة بناته .. وبشرهم بالخبر .. نظر الى "ريهام" قائلاً :
- البشمهندس "كرم" طلب ايدك منى يا "ريهام" يا بنتى .. قولتى ايه ؟
حاولت "ريهام" كتم فرحتها بصعوبة .. كانت تشعر بالرغبة فى القفز فى الهواء .. لكنها تمالكت نفسها قائله بهدوء :
- وحضرتك قولتله ايه يا بابا ؟
- قولتله هسألك الأول وبعدين أرد عليه .. ها رأيك ايه
نظرت "ريهام" الى الأرض فى خجل وابتسامه واسعة مرسومة على شفتيها .. فتدخلت "ياسمين" قائله :
- قوله موافقه يا بابا .. بس متقولوش دلوقتى سيبه يومين كده
ضحك "عبد الحميد" قائلاً :
- والله الحريم دول عليهم حركات .. ما نريح الراجل ونقوله موافقه
قالت "ياسمين" بسرعة :
- لأ استنى يومين تلاته كده وبعدين قوله انها موافقه
خرج "عبد الحميد" وتعانق الأختان فى فرح .. قالت "ريهام" :
- أنا مش مصدقة يا "ياسمين" حسه بجد انى بحلم .. أنا مش بحلم صح ؟
ضحكت "ياسمين" قائله :
- لأ مش بتحلمى .. فوقى بأه ده انتى ضربتى خالص
- مش ليا حق .. أنا فرحانه أوى .. هاين عليا أنزل دلوقتى أروحله المكتب وأقوله "كرم" أنا موافقة يلا نتجوز
ضحكت "ياسمين" قائله :
- والله مجنونة وتعمليها
صمتت "ياسمين" قليلاً ثم قالت :
- بس احنا لسه معرفناش هو ناوى يعيش هنا فى المنصورة ولا هيرجع القاهرة
قالت "ريهام" وقد انتبهت للأمر :
- فعلاً معاكى حق .. النقطة دى مش واضحة بالنسبة لى
- لازم نعرف النقطة دى
قالت "ريهام" بسرعة :
- أى ان كان مش هتفرق بالنسبة لى المهم انى أعيش مع "كرومتى"
ضحكت "ياسمين" قائله :
- "كرومتك" ؟ ... تصدقى كرهتيني فى اسمه
قالت "ريهام" بخبث :
- آه "كرومتى" .. زى ما "عمر" "عمورتك "
ابتسمت "ياسمين" فى خجل .. فقالت "ريهام" بلهفة :
- يا ستى حنى على الراجل بأه .. هتفضلى تقلانه لحد امتى .. الراجل خلاص سخن واستوى على الآخر .. فاضلة تكه ويشيط الحقيه قبل ما يشيط أبوس ايديكى
ضحكت "ياسمين" قائله :
- عليكي تعبيرات تودى فى داهية
قالت"ريهام" بخبث :
- بالله عليكي أما بتشوفيه ما بتحسيش ان قلبك ده من كتير الدق صوته واصل لأسوان
قالت "ياسمين" بخجل :
- أيوة بحس بكده
تنهدت "ريهام" قائله :
- طيب بأه ارحمى قلبك وقلبه .. خلينا نعمل خطوبتنا فى يوم واحد أنا وانتى
نظرت اليها "ياسمين" قليلاً فى صمت .. ثم قائله :
- ربنا ييسر
صاحت "ريهام" قائله :
- "ياسمين" بجد انتى تشلى .. ربنا يكون فى عونك يا "عمر" .. ليك الجنة يا ابنى
قالت "ياسمين" بجديه :
- "ريهام" متنسيش انى مطلقة يعني أى حاجه أعملها محسوبة عليا .. مش عايزة أتسرع .. حاولى تفهميني
قالت "ريهام" :
- والله فهماكى .. ومتخفيش "عمر" انسان كويس
-عرفتى منين بأه انه كويس
ابتسمت "ريهام" قائله بـمرح :
- مش صاحب "كرومتي" لازم يبقى كويس
ثم نظرت لها بجديه قائله :
- استخيريى وشوفى ربنا هيختارلك ايه
أومأت "ياسمين" برأسها قائله :
- أنا بعمل كده فعلاً .. بستخير .. وراضة باللى ربنا يختارهولى
**********************
- يعني خلاص أخيراً قررت انك تتجوز
هتف "أيمن" بهذه العبارة أثناء جلوسه مع "كرم" فى "عمر" فى حجرة المعيشة بمنزل "عمر" .. قال "كرم" بمرح :
- أعمل ايه مكنتش عايز أتجوز أبداً .. بس جت اللى خدتنى على ملا وشى .. وقلبت حياتى من فوقها لتحلتها
ابتسم "عمر" قائلاً :
- أخيراً عشت وشوفت اليوم ده .. "كرم" قرر يتجوز أنا لسه لحد دلوقتى مش مصدق
قال "أيمن" :
- لأ ومش أى بنت .. "ريهام" اللى هتطلع عليه القديم والجديد ان شاء الله
ضحك "عمر" قائلاً :
- يستاهل .. بصراحة هما الاتنين يستاهلوا بعض
قال "كرم" :
- آه غنوا أصاد بعض انتوا الاتنين
ابتسم "عمر" قائلاً بفرح :
- بجد والله فرحتلك أوى يا "كرم"
قال "أيمن" :
- يلا شد حيلك انت كمان يا "عمر" .. وممكن تعلموا انتوا الاتنين خطوبتكوا مع بعض
قال "عمر" بلهفه :
- ياريت بجد يا "أيمن"
قال "كرم" :
- لا اطمن .. أنا حاسس ان خلاص فاضل على الحلو زقه
صاح "عمر" :
- ما تحترم نفسك يا ابنى انت .. ايه حلو دى ؟
ضحك "كرم" قائلاً :
- خلاص يا باشا غلطة مطبعية
- لأ ابقى خد بالك بعد كده
- حاضر يا عم الحمش
أقبلت "كريمة" ومعها الخادمة حاملة صنية بها عصير وبعض أطباق الحلوى .. قالت "كريمه" بسعادة :
- ألف مبروك يا "كرم" .. بجد فرحتلك أوى ..ربنا يتمملك على خير
قال "كرم" بمرح :
- شوفتى يا طنط .. أخرة صبرى آخد أخت خطيبة "عمر" .. يعني "عمر" ورايا ورايا حتى فى جوازى مش عايز يعتقنى
ضحكت "كريمة" قائله :
- ربنا يخليكوا لبعض
ثم نظرت الى ثلاثتهم قائله :
- بجد يا ولاد صداقتكوا دى عملة نادرة دلوقتى .. انتوا ربنا أنعم عليكوا بنعمة كبيرة ناس كتير أوى محرومة منها .. صداقتكوا دى كنز بجد .. انتوا من سنين وانتوا مع بعض أكتر من الاخوات .. واقفين جمب بعض فى الحزن قبل الفرح .. بجد انتوا فى نعمة بكيرة أوى حافظوا عليها .. وعلموا ده لوالدكوا وقربوهم من بعض عشان يكون بينهم الصداقة الجميلة اللى بينكوا دلوقتى .. واوعوا تبعدوا عن بعض أبداً مهما حصل .. سبحان الله الطيور على أشكالها تقع وانتوا التلاته متتخيروش عن بعض .. ربا يعلم ان معزتك يا "كرم" انت و "أيمن" من معزة "عمر" ابنى وبعتبركوا ولادى زيه بالظبط
كان الأصدقاء الثلاثة ينظرون لها بتأثر فأقبل "عمر" عليها وقبل رأسها قائلاً :
- ربنا ما يحرمنى منك يا أمى ولا من نصايحك الغالية
خرجت الأم لتترك الأصدقاء الثلاثة ينعمون بصحبة يعضهم البعض
***************************
قال "مصطفى" لذلك الصوت الأنثوى عبر الهاتف :
- لأ الفلوس هتتقسم على 3 مش 2 ؟
الصوت بضيق :
- ليه بأه 3
- عشان هجيب واحد محتاجه معايا فى المهمة دى
- واحد مين ان شاء الله .. بقولك ايه احنا مش عايزين عك
قال "مصطفى" بعصبيه :
- بقولك محتاجه معايا .. افرض حصلت أى ظروف أحتاج فيها لحد جمبى .. وطبعا حضرتك مش هتساعديني لو احتجتك
- أنا دورى فى الخطة دى معروف ومش هعمل أكتر من اللى اتفقنا عليه .. وكفاية ان أنا اللي خطت لكل العملية دى
- وعشان كده محتاج واحد معايا وقت التنفييذ .. لأن وقت التنفيذ الله أعلم ايه اللى ممكن يحصل .. وكمان هو بيفهم فى الحاجات دى كويس وأكيد هيفيدنى كتير بدل ما الدنيا تتعك فوق دماغنا
- خلاص مفيش مشكلة بس طالما الفلوس هتتقسم على 3 يبأه نطلب أكتر
- ازاى ؟
- يعني بدل ما كنا هنطلب 2 مليون نطلب 3 وبكدة حصة كل واحد فينا تفضل زى ما هى
قال "مصطفى" :
- تمام كده
- بس قولى اللى هتجيبه ده واثق فيه ؟
- أيوة متقلقيش .. أمان
- طيب .. بس خلى بالك .. حركة واحدة غلط وهنروح فى ستين داهية
قال "مصطفى" بنفاذ صبر :
- قولتلك متخفيش
- امتى التنفيذ
قال "مصطفى" وهو يضيق عيناه :
- بكرة
*************************
توجهت "ياسمين" الى مكتب "عمر" لإعطائه ملف التقارير الاسبوعية .. فتحت الباب لتجد والدته جالسه معه فى المكتب على أريكة جانبيه ..ابتسمت "كريمة" قائله :
- ازيك يا "ياسمين"
بادلتها "ياسمين" الابتسامه قائله :
- الحمد لله ..ازى صحة حضرتك
- بخير يا حبيبتى الحمد لله
ثم نهضت قائله :
- أسيبكوا بأه تشوفوا شغلكوا
غادرت ثم أمسكت الباب وأغلقته خلفها .. توترت "ياسمين" .. ولدهشتها وجدت "عمر" يتجه الى الباب ويفتحه مرة أخرى ثم يتقدم منها ويقف أمامها مبتسماً .. لاحت ابتسامه صغيره على شفتيها و خفضت عينيها فى خجل قائله :
- اتفضل يا بشمهندس التقرير الاسبوعى .. الدكتور "حسن" راجعه ومضى عليه
أخذ منها الملف قائلاً :
- عارفة أنا نفسي فى ايه ؟
صمتت .. فأكمل بحنان قائلاً :
- نفسي أسمع "عمر" بدل بشمهندس
شعرت بالخجل فنظر اليها بدفء :
- تعرفى انك عمرك ما نطقتى اسمى أبداً .. حتى ما بتقوليليش بشمهندس "عمر" .. بتقولى بشمهندس بس .. نفسي أسمع منك "عمر" .. أكيد اسمى هيبقى له طعم تانى لما أسمعه منه
قالت بسرعة لتتهرب من تأثير كلماته عليها :
- بعد اذنك
ثم غادرت مسرعة وخفقات قلبها تتعالى وابتسامة شفتيها تتسع .. حتى أن "ولاء" لاحظت السعادة البادية على محياها فاقتربت منها قائله :
- خير .. مش عادتك يعني الابتسامه اللى من الودن للودن
حاوت "ياسمين" اخفاء ابتسامتها قائله :
- عادى يعني
ابتسمت "ولاء" قائله :
- لأ مش عادى .. لما أشوف والدة "عمر" جيالك المكتب وتعد معاكى وقت طويل يبأه مش عادى .. وانتى تبقى الفرحة مش سيعاكى يبقى مش عادى
نظرت اليها "ياسمين" وهى تشعر بالحيرة أخبرها .. أم لا تخبرها .. أخرجتها "ولاء" من حيرتها قائله بإبتسامه :
- من غير ما تقولى واضح جداً اللى بيحصل .. انتى بنت طيبة وتستاهلى كل خير
قالت "ياسمين" بخجل :
- أنا لسه موافقتش
قالت "ولاء" بنفس الابتسامه :
- أهم حاجه استخيري كويس واسألوا عليه كويس .. وأى حاجه تسمعيها عنه ناقشيه فيها وشوفى رده عليها ايه .. يعني اللى أقصد أقولهولك لما تعرفى عنه حاجه متكبريش دماغك منها .. لأ لازم تعرفى أصل وفصل الحكاية منه .. عشان تبقى على نور من الأول .. وتكونى متأكدة من أخلاق الراجل اللى هترتبطى بيه
أومأت "ياسمين" برأسها قائله :
- معاكى حق .. أى حاجه اشاعه أسمعها عنه لازم أتأكد هى صح ولا لأ
- ربنا يتمملك على خير يا "ياسمين" لو كان فيه خير ليكي
ابتسمت "ياسمين" قائله :
- تسلمي يا ولاء .. وعقبالك انتى كمان
****************************
جلست "كريمه" مع زوجها على شرفة غرفتهما قائله :
- بصراحة اتصدمت لما شوفتها .. لانها مختلفه عن "نانسي" .. وقولت الكلام ده ل "عمر"
قال "نور" :
- بصراحة اللى اسمها "نانسي" دى أنا مكنتش مرتحلها خالص .. بس انتى عارفه انى مبحبش أفرض رأيي على "عمر"
قالت "كريمه :
- البنت لبسها محتشم أوى و محجبة وهادية وخجولة وكمان عاقلة وذكية وحسيتها كمان طيبة أوى
ضحك "نور" قائله :
- كل ده عرفتيه عنها من مقابلة واحدة
ابتسمت "كريمه" :
- انت عارف انى بقدر أفهم الناس بسرعة .. والبنت فعلاً مريحه .. تعرف يا "نور" محستش أبداً انها واحدة كانت متجوزة قبل كده .. يعني تحسها بنوته صغيرة .. ولما اتكملت عن جوازتها الأولى وانها كانت تجربة قاسية عليها .. بصراحة صعبت عليا أوى .. حسيت ان البنت دى اتظلمت كتير .. وشايله فى قلبها كتير .. وده سبب خوفها من الارتباط مرة تانية
- حبتيها يعني
- بصراحة أيوة .. لما أعدت واتكملت معاها حستها انسانه ناضجة .. مش واحدة بتجرى ورا المظاهر وخلاص .. واحدة شايفه "عمر" عريس لقطة بالنسبة لها .. لأ البنت بتفكر فى كل حاجه .. لأنها مش عايزة تختار غلط .. ومش مهتمة بالمظاهر .. أد ما هى مهتمة بشخصية "عمر" وبأخلاقه .. البنت دى لو حبت "عمر" هتحبه من كل قلبها .. وهتحبه عشانه هو .. عشان "عمر" .. مش عشان هو مين وابن مين
ثم أكملت قائله :
- وبعدين واضح انها مؤدبة ومتربية كويس .. مراعية حدودها فى الكلام معايا وبتتكلم بإحترام وبأدب .. بعكس "نانسي" اللى لما كنت بحاول أنصحها عشان مصلحتها هى و "عمر" كانت بتسمعنى كلام ميصحش بنت متربية تقوله لواحده فى سن والدتها .. بصراحة "ياسمين" دخلت دماغى
ابتسم "نور" قائلاً :
- فرحتيني بكلامك ده .. ومن كلامك عنها واضح انى هحبها أنا كمان
أكدت "كريمه" قائلاً :
- هى فعلاً تتحب .. حسه ان "عمر" المرة دى اختار صح
************************
- طيب نتفق كده من الأول الكلمة كلمتى واللى هقوله يتنفذ بالحرف .. يا كده يا مش داخل اللعبة
نطق "بسطويسي" هذه العبارة .. كان رجل طويل القامة عريض المنكبين له هيئة مرعبة منفرة والشرر يتطاير من عينيه .. تشعر وأنت تنظر اليه بعدم الارتياح .. رد عليه "مصطفى" قائلاً :
- ماشى يا "بسطوسي" اتفقنا .. بس بشرط مش عايز البنت تتأذى يعني عمليه نضيفه من غير نقطة دم
قال بصوت أجش :
- اتفقنا يا برنس .. امتى التنفيذ
- بكرة
- قشطة .. ونصيبي ؟
- مليون جنية زى ما اتفقنا
- حلو الكلام .. يلا بأه تعالى اعد عشان نتفق على التفاصيل
************************
قامت "ياسمين" فزعة من نومها مردده ثلاث مرات :
- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
استيقظت "ريهام" على صوتها قائله :
- خير فى ايه ؟
لم تستطع "ياسمين" التحدث فقامت "ريهام" وجلست الى جوارها تتفحصها قائله :
- مالك فى ايه ؟
قالت "ياسمين" بصوت مرتجف :
- معرفش حسيت ان فى حاجة طابقه على نفسي أوى
قالت لها "ريهام" :
- استعيذى بالله
أزاحت "ياسمين" الغطاء ونهضت .. سألتها "ريهام" :
- راحة فين
قالت "ياسمين" وهى تحاول استماع شتات نفسها :
- هقوم أتوضى وأصلى قيام باقى ساعة على الفجر .. توضأت "ياسمين" وصلت حتى آذان الفجر .. كانت كلما شعرت بالخوف لجأت الى الصلاة التى تريح قلبها وتطمأنه .. أيقظت "ريهام" لصلاة الفجر .. ثم عادت الى مصلاها ورددت أذكار الصباح التى تحافظ عليها كل يوم وتذكرت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل يوم: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات فيضره شيء " ... ثم أمسكت مصحفها وأخذت تقرأ فيه حتى الشروق
كان يوم عمل عادى بالنسبه الى "ياسمين" .. أنهت عملها وأوشكت على التوجه الى غرفتها عندما وجدت رقماً غريباً يتصل بها ردت فوجدت من تقول :
- ازيك يا "ياسمين" أنا الدكتورة "مها"
شعرت "ياسمين" بالدهشة .. لماذا تتصل بها .. خاصة بعدما عملت "ياسمين" من "سماح" بدور "مها" فى قصة حريق مخزن العلف .. قالت "ياسمين" ببرود :
- خير يا دكتورة ؟
قالت "مها" :
- محتاجة أتكلم معاكى شوية
قالت "ياسمين" بنفس البرود :
- مفيش أى حاجه بينى وبين حضرتك نتكلم فيها .. مع السلامه
قالت "مها" بسرعة :
- الحاجة دى عن البشمهندس "عمر"
توقفت "ياسمين" لتسمعها .. فأكملت "مها" قائله :
- أنا مش هاخد من وقتك أكتر من خمس دقايق بس
قالت "ياسمين" :
- اتفضلى سمعاكى
قالت "مها" على الفور :
- لأ مش هينفع فى التليفون الأفضل أكلمك وجهاً لوجه أنا واقفه أدام باب المزرعة من بره لو سمحتى اطلعى نتكلم شوية لانى مش هينفع أدخل المزرعة بعد اللى حصل
صمتت "ياسمين" قليلاً فألحت عليها "مها" قائله :
- مش هاخد من وقتك أكتر من خمس دقايق .. بس بجد المعلومات اللى عندى مهمة جداً ولازم تعرفيها .. أنا منتظراكى أدام البوابة .. سلام
أغلقت الخط وتركت "ياسمين" تتخبط من الحيرة .. أنهت "مها" المكالمة لتتصل بـ "مصطفى" قائله :
- أنا كدة عملت اللى عليا الدور عليك بأه .. نفذ اللى مطلوب منك صح
قالت ذلك ثم أغلقت .. ترددت "ياسمين" فى الذهاب ثم أخيراً عزمت أمرها وتوجهت الى البوابه .. فتح لها الغفير وخرجت .. نظرت يميناً ويساراً فلم تجد أحداً .. سارت قليلا فى اتجاه الأشجار التى تقع على أحد جانبي المزرعة .. لتجد فجأة من يطبق عليها من الخلف ويكمم فمها وأنفها بقطعة قماش .. وما هى إلا لحظات وفقدت "ياسمين" الوعى اثر المادة المخدرة الموضوعه فى القماش .
جرها الرجل فى اتجاه السيارة التى أخفاها فى شارع جانبي بجوار المزرعة ثم حملها ووضعها فى صندوق السيارة ودخل وجلس بجوار "مصطفى" وقال له :
- يلا بسرعة
انطلق "مصطفى" بالسيارة الى المكان الذى اتفقا عليها من قبل .. فقد مسحا المنطقة المجاورة للمزرعة جيداً واختارا أنسب مكان لاخفاء "ياسمين" به .. وصلوا الى المكان ونزل الرجلا وحملا "ياسمين" الى الداخل ووضعاها على الأرض وأخذ "مصطفى" يربط يديها خلف ظهرها وربط قدمها وكمم فمها ووضع عصبة على عينها .. ثم أشار له "بسطويسي" بالخروج فخرجا معاً وأغلقا الباب ووقفا بجانب السيارة .. قال له بسطويسي :
- زى ما اتفقنا فتشها كويس وخد منها موبايلها وأى حاجه معاها ومتخليهاش تشوف وشك ولا تسمع صوتك ..
ثم أعطاه قناع قماش للوجه وقال له:
- والبس دى كمان كل ما تيجي داخل عندها
قال له "مصطفى" :
- ألبسها ليه هى أصلا عينها متغميه ومش شيفانى
صرخ فيه "بسطويسي" بغضب قائلاً :
- انت سمعت أنا قولت ايه .. اللى أقولك عليه يتنفذ بالحرف الواحد بدون ما تناقشنى فيه .. سمعت
قال "مصطفى" بشئ من الخوف :
- ماشى
قال "بسطويسي" بلهجة آمره :
- يلا البسه وادخلها جوه .. وأنا هروح أعمل اللى اتفقنا عليه
انطلق "بسطويسي" بالسيارة وأرتدى "مصطفى" القناع وفتح الباب ودخل .. اقترب من "ياسمين" التى ترقد على الأرض وجثا بجوارها وأزاح ربطة عينها و فمها لينظر اليها بسخريه قائلاً بصوت خافت :
- قولتلك مش هعتقك
أخذ "مصطفى" يفك حجابها ويلقيه على الأرض .. راوده شيطانه للحظة للإنتقام منها والثأر لكرامته ولرجولته .. لكنه وجدها تتحرك وقد بدأت فى الإفاقه فأسرع بربط عصبة عينها وكمم فمها .. دقائق وقد بدأت "ياسمين" فى استعادة وعيها بالكامل .. حاولت التحرك و الوقوف .. فما كان من "مصطفى" إلا أن صفعها على وجهها صفعة قوية .. شعرت بالرعب والألم وجهشت فى بكاء شديد .. جلست ساكنة للحظات ثم حاولت القيام مرة أخرى فصفعها مرة أخرى بقوة .. سقطت على الأرض تبطى من شدة الخوف والألم الذى آلم وجهها .. جلست فى مكانها تبكى لا تفهم شيئاً .. لا تعى شيئاً .. خائفة من أن تتحرك فتتلقى لطمة أخرى على وجهها .
***********************
سمع "عبد الحميد" طرقات متواليه على باب غرفته .. نهض ليفتح الباب فوجد "ريهام" تقول فى لوعه :
- بابا الحقنى ياسمين مش موجودة فى المزرعة ومش بترد على موبايلها
صاح "عبد الحميد" بفزع :
- يعين ايه مش موجودة فى المزرعة .. كلمتى "سماح"
قالت "ريهام" وهى تشعر بالفزع :
- أيوة كلمتها قالتلى مجتلهاش ومتكلموش أصلاً النهاردة .. أنا خايفه أوى .. مش من عادتها انها تختفى كده ومتردش على موبايلها
خرج "عبد الحميد" و "ريهام" وبحثا عنها مرة أخرى فى مكان عملها وفى المزرعة كلها وسألا عنها كل من يقابلانه .. لكن لا أثر لـ "ياسمين" .. توجها الى مكتب "عمر" ليجداه وقد غادر .. ونفس الكلام مع "كرم" و "عمر" .. قال "عبد الحميد" :
- تعالى نروح بيت البشمهندس "عمر" يمكن يكون عارف عنها حاجه
توجها الى بيت المزرعة وطرقا الباب .. فتحت الخادمة فطلب منها "عبد الحميد" أن يتحدث الى البشمهندس "عمر" .. دخلت الخادمة ونادت "عمر" الذى كان يجلس مع والداه .. قام من فوره وتوجه الى الباب وقال بإهتمام :
- عم "عبد الحميد" .. اتفضل ادخل .. اتفضلى يا آنسه "ريهام"
قاطعه "عبد الحميد" قائلاً بلهفه :
- ماشوفتش "ياسمين" يا بشمهندس
نظر "عمر" اليه بحيره قائلاً :
- لأ مشوفتهاش النهاردة
أخذ "عبد الحميد" يضرب كفاً بكف قائلاً :
- لا حول ولا قوة الا بالله أمال راحت فين بس يا ربي
أجهشت "ريهام" فى البكاء بصوت خافت وحاولت الإتصال باختها مرة أخرى دون جدوى .. قال "عمر" بإهتمام :
- متخفش هى ممكن تكون عند "سماح" صحبتها أو هنا فى المزرعة
صاح "عبد الحميد" قائلاً :
- قلبنا عليها الدنيا هنا فى المزرعة .. و "سماح" بتقول مرحتلهاش النهاردة .. ومبتردش على موبايلها .. أنا هتجنن البنت دى راحت فين بس
شعرت "عمر" بالقلق فخرج معهما قائلاً :
- تعالوا ندور عليها فى المزرعة تانى
ذهب "عمر" الى شجرته حديث تنفرد "ياسمين" بنفسها .. لم يجدها هناك .. بحثوا فى كل مكان بالمزرعة دون أدنى أثر لها .. آخر من رآها كان الغفير الذى قال لـ "عمر" :
- فتحتلها البوابة وخرجت ومجتش من ساعتها
قال له "عمر" بلهفه :
- ما قالتش راحه فين .. فى حد كان مستنيها بره ؟
قال الغير :
- والله ما أعرف يا بشمهندس مخدتش بالى .. وهى ما قالتليش حاجه
كان الخوف قد تمكن من "عمر" .. كان يشعر الحيرة والخوف والإضطراب .. اتصل بـ "أيمن" و "كرم" اللذان كانا فى مهمة بالمنصورة فعادا أدراجهما الى المزرعة مرة أخرى تجمع الجميع فى بيت "عمر" الذى قال :
- هتكون راحت فين بس .. هى متعرفش أى حد هنا
قالت "ريهام" باكيه :
- هى أصلاً مبتروحش فى مكان من غير ما تقولى أنا أو بابا .. وكمان عمرها ما سابت موبايلها كده ومتردش علينا .. أكيد حصلها حاجه
قفز قلب "عمر" من مكانه عند سماع تلك الكلمات .. اقترب "كرم" من "ريهام" قائلاً بحنان :
- "ريهام" هدى نفسك شوية ان شاء الله هنلاقيها
أجهشت فى البكاء مرة أخرى فأمسك كوب الماء الموضوع على الطاولة وأعطاها لها قائلاً :
- طب اشربي واهدى
أخذت منه الكوب ورشفت رشفتين ثم أعطته له .. قالت "كريمه" بحنان :
- اطمنى يا حبيبتى ان شاء الله هى بخير ..وشوية وهنلاقيها هنا
قال "نور" :
- طيب خلونا يا جماعة نفكر تفكير عملى .. مثلاً لا قدر الله لما خرجت من البوابة ممكن تكون مشيت على الطريق وعربيه خبطتها وأكيد خدوها على المستشفى يبأه اللى نعمله دلوقتى اننا نتصلى بكل المستشفيات اللى فى المنصورة ونسأل عنها
أغمض "عمر" عيناه فى ألم وهو يشعر بالخوف الشديد قام من فوره فقال له والده :
- على فين
قال دون أن ينظر خلفه :
-رايح المكتب اتصل بكل المستشفيات اللى فى الدليل
اتصل "عمر" بجميع المستشفيات واقسام الطوارئ دون جدوى .. شعر بالحنق والغضب الشديد .. والخوف والفزع فى آن واحد
أخذ مفتاح سيارته وتوجه الى الخارج .. أسرع "كرم" و "أيمن" خلفه .. قال له "أيمن" :
- على فين يا "عمر"
لم يجيبه "عمر" وفتح باب سيارته .. فأشار "أيمن" لـ "كرم" بالركوب فركبا الاثنان مع "عمر" دون سؤاله .. انطلق "عمر" بسيارته يشق طريقه خارج المزرعة .. نظر اليه "كرم" الجالس بجواره فوجد علامات التوتر على وجهه .. كان يسير بسيارته على غير هدى فى المناطق حول المزرعة .. كانت عيناه تبحثان عنها فى لهفة .. قالت له "أيمن" الجالس فى الخلف :
- متقلقش يا "عمر" ان شاء الله هنلاقيها
لم يجبه "عمر" .. بل لم يسمعه أصلاً .. كل ما كان يسيطر على تفكيره .. أين هى "ياسمين" .. وماذا حدث لها .. أى بحاله جيده .. هل أصابها سوء .. كان قلبه ينزف فى لوعه .. ظل يبحث ويبحث دون جدوى .. مرت ثلاث ساعات لم يتوقف فيها لخظه .. بحث كان يخرج من شارع ليدخل فى آخر .. وعيناه تبحث على الجانبين فى لهفه .. قال له "كرم" :
- مفيش فايده من اللى بتعمله ده
هتف "عمر" فى غضب :
- أمال عايزنى أعمل ايه .. أعد فى البيت حاطط ايدي على خدى وأنا مش عارف هى فين ولا ايه اللى حصلها
هدئه "كرم" قائلاً:
- مش قصدى أضايقك يا "عمر" بس احنا بقالنا أكتر من 3 ساعات عمالين نلف ومفيش فايدة قال "عمر" بضيق بالغ :
- طب أعمل ايه .. لو روحنا بلغنا هيقولولنا استنوا 24 ساعة .. اعمل ايه .. اعمل ايه
اقترح "أيمن" :
- طيب تعالوا نرجع المزرعة تانى وندور فيها تانى .. يمكن تكون مثلاً تعبت وهى أعده فى مكان وأغمى عليها مثلاً .. تعالوا ندور تانى
صاح "عمر" بغضب :
- بقولك الغفير شافها وهى خارجه من المزرعة .. يعني هى مش هناك
سكت "كرم" و "أيمن" حتى لا ينفعل "عمر" أكثر من ذلك .. كان من الواضح أن الغضب قد بلغ من همبلغه .. لذلك آثرا الصمت .. رن هاتف "أيمن" فرد قائلا :
- أيوة يا "سماح"
تعلقت به عينا "عمر" بلهفه فى المرآه .. قال "أيمن" :
- لأ مفيش جديد .. حاضر هعرفك .. سلام
قال "عمر" بلهفه :
- ايه
- مفيش بتسأل عرفنا حاجه ولا لاء
ضرب "عمر" بقبضته بقوة على مقود السيارة قائلاً :
- هتكون راحت فين بس
**************************
ظلت "ياسمين" تبكى وتبكى .. كانت تخشى أن تتحرك من مكانها فيضربها ذلك الرجل الذى لا تراه .. وأخيراً سمعت باب يفتح ثم وقع أقدام تقترب .. ثم تنصرف مرة أخرى .. شعرت بوجود أكثر من شخص معها .. ثم خرجوا وأغلقوا الباب خلفهم .. قال "مصطفى" لـ "بسطويسي" :
- كله تمام خدت منها موبايلها ومعهاش أى حاجه تانية
مد يده بالموبايل الى "بسطويسي" الذى أخرج الشريحة وكسرها ثم هشم الموبايل تحت أقدامه .. قال له "مصطفى" بدهشة :
- ليه عملت كده ؟
قال "بسطويسى" بسخرية :
- متعرفش ان الموبايلات ممكن يتتبعوا اشارتها ويعرفوا المكان اللى الموبايل موجود فيه
هتف "مصطفى" :
- آه عشان كده خلتنا نسيب موبايلاتنا فى القاهرة
- أيوة
ابتسم "مصطفى" قائلاً :
- أحبيبي يا "بسطويسى" من غيرك كنت هضيع
قال "بسطويسي" بسخريه :
- صحيح انت بشمهندس ومعاك شهادة .. لكن الدنيا بتعلم أكتر من المدارس يا هندسه
ابتسم "مصطفى" قائلاً :
- ده انت اللى هندسه
ثم قال بجديه :
- قولى بأه هنعمل ايه بعد كده .. مش هنتصل بيهم
قال "بسطويسي" :
- اتقل .. كله بأوانه
*************************
بعد ساعتين أخرتين من السير والبحث .. عاد "عمر" بسيارته الى المزرعة مرة أخرى .. فتح باب البيت ليقوم "عبد الحميد" مسرعاً قائلاً بلهفه :
- فى جديد يا بشمهندس ؟
هز "عمر" رأسه نفياً .. فوضع "عبد الحميد" يده على رأسه قائلاً :
- بنتى ضاعت .. بنتى ضاعت
قال له "عمر" بصرامة :
- لأ مضعتش .. هنلاقيها .. "ياسمين" مضعتش هنلاقيها .. سليمة وكويسة
توجه "عمر" الى أقرب مقعد وتهالك عليه .. أسد رأسه بيديه وأغلق عينيه فى ألم .. اقتربت منه امه قائله بشفقه :
- انت كويس يا "عمر"
أومأ برأسه دون أن يتحدث .. مسحت أمه على شعره .. ثم التفتت الى "ريهام" قائله :
- تعالى يا بنتى ارتاحى فوق .. انتى هلكتى نفسك من العياط
قالت "ريهام" بوهن :
- لأ شكراً يا طنط أنا هروح أوضتى عشان لو "ياسمين" رجعت
قالت "كريمه" بحنان :
- طيب يا بنتى وربنا يطمننا عليها .. لو فى جديد بلغونا ولو فى جديد هنبلغكوا ..
ثم أعطت "ريهام" رقم هاتفها وأخذت رقم "ريهام"
غادرت "ريهام" مع "عبد الحميد" عائدان الى غرفة "ياسمين" ينتظرونها
ثم قامت وغادرت مع "عبد الحميد" الى غرفتهما .. لحظات ووجد "عمر" هاتفه يرن .. وجد رقماً غريب رد ليجد رجلاً يقول جملة واحدة :
- "ياسمين" عندى لو شميت ريحة البوليس فى الموضوع هقتلها وأبعتلك جثتها هدية لحد عندك .. استنى منى تليفون بعد يومين
قال ذلك ثم أغلق وترك "عمر" فى حالة من الخوف والرعب والفزع .. والحيرة
↚
قامت "ريهام" وغادرت مع "عبد الحميد" الى غرفتهما .. وغادر "أيمن" و "كرم" للبحث مرة أخرى فى المزرعة .. لحظات ووجد "عمر" هاتفه يرن .. وجد رقماً غريب رد ليجد رجلاً يقول جملة واحدة :
- "ياسمين" عندى لو شميت ريحة البوليس فى الموضوع هقتلها وأبعتلك جثتها هدية لحد عندك .. استنى منى تليفون بعد يومين
قال ذلك ثم أغلق وترك "عمر" فى حالة من الخوف والرعب والفزع .. والحيرة
هب "عمر" واقفاً وحاول الاتصال بالرقم مرة أخرى .. رد عليه رجل فقال له "عمر" على الفور :
- انت مين؟
فقال له الرجل :
- انت اللى مين
انفعل عليه "عمر" قائلاً :
- بقولك انت مين ؟ .. ورقم مين ده ؟
صاح الرجل فى غضب :
- ما تحترم نفسك يا جدع انت بتزعق كده ليه .. موبايل محطوط فى المكتبة عندى الزباين بيتصلوا منه
هدأ "عمر" قليلا ثا قال :
- مين الراجل اللى اتصل دلوقتى من الموبايل
صاح الرجل فى غضب :
- أنا عارفلك أهو واحد جه خد الموبايل يتصل أقوله هاتلى بتاقتك أعرف انت مين .. حاجه غريبه يا جدع
وأغلق الهاتف فى وجه "عمر" .. قال له والده :
- خير يا ابنى
نظر "عمر" اليه وهو مشتت الفكر قائلاً :
- واحد اتصل بيا وقالى ان "ياسمين" عنده ومبلغش البوليس .. وهيكلمنى كمان يومين
أكمل "عمر" بصوت مرتجف :
- قالى لو بلغت البوليس هيقتلها ويبعتلى جثتها
شهقت "كريمه" وغطت فمها بيدها .. صاح "عمر" فى غضب :
- ابن التييييييييييييييييت .. مين اللى يعمل حاجه زى كده .. واشمعنى "ياسمين" .. وعايز ايه منها
قال والده :
- اهدى يا "عمر"
التفت الى والده قائلاً :
- اهدى ازاى يا بابا بقولك خطفوها وهددونى يقتلوها
ثم قال بحيره وألم :
- أنا مش فاهم هو عايز منها ايه
قال والده بجديه :
- هو مش عايز منها هى .. هو عايز منك
التفت اليه "عمر" قائلاً :
- ازاى يعني .. مش فاهم
- يعني ايه اللي يخلى واحد يخطف بنت بسيطة زى "ياسمين" وأصلا مش من البلد دى ومتعرفش حد هنا .. وكمان اللى خطفها يكلمك انت .. مش يكلم أهلها .. اللي خطفها عارف كويس هو بيعمل ايه وبيتعامل مع مين .. عارف ان أهلها ناس غلابه مش هيقدروا يدفعوا فديه عشان يرجعوها .. لكن الراجل اللى بيحبها غنى ويقدر يدفعلهم
قال "كريمه" بحيره :
- ومين اللى يعرف ان "عمر" بيحب "ياسمين" أو ان فى حاجه بينهم
قال "نور" :
- أنا واثق ان اللي عمل كده حد بيراقبنا كويس أوى .. وعارف كل حاجه عننا .. يعني مش ضربة حظ .. والدليل انهم اتصلوا ب "عمر"
قال "عمر" بلهفه :
- طيب أنا أعمل ايه دلوقتى .. مش هقدر أستنى يومين .. و"ياسمين" مخطوفه وتحت رحمتهم
سأله والده :
- عايز تبلغ البوليس
مسح "عمر" بيده على شعره قائلاً :
- لأ مش هقدر أخاطر .. خايف يعملوا فيها حاجه .. و لاد التيييييييييييت دول
اقتربت منه أمه قائله :
- هدى نفسك يا "عمر"
أخرج "عمر" هاتفه واتصل بالأستاذ "شوقى" وقص عليه ما حدث .. نصحه الأستاذ "شوفى" بتنفيذ مطالبهم وعدم الإتصال بالشرطة خوفة من أن يصيب "ياسمين" الأذى .. عاد "كرم" و "أيمن" من الخارج وصدموا عندما علموا بأن "ياسمين" مخطوفة وبأن خاطفها تحدث الى "عمر" وهدده بقتلها
مرت الليلة صعبة للغاية على "عمر" .. كان يشعر بألم غائر فى قلبه .. ألم تمكن منه حتى كاد أن يخنقه .. لم ينم طيلة الليل ظل ساهراً على مقعد فى مكتبه .. لاح نور الصباح .. نهض وتوجه الى حيث تختلى "ياسمين" بنفسها .. جلس على الجذع الذى تجلس عليه دائماً .. تحسسه بيده وهو لا يصدق أن حبيبته مفقودة .. ومعرضة للخطر .. وهو لا يستطيع أن يفعل شيئاً .. سوى الإنتظار .. أغمض عينيه لتتساقط عبره منهما .. عبره اختلطت بتراب المزرعة الذى سبق واختلط بعبرات "ياسمين" وفى نفس المكان ..
***********************
باتت "ياسمين" ليلتها على الأرض الباردة .. تبكى .. دون حتى أن تستطيع اخراج صوتها بسبب فمها المكمم .. ظلت تبكى حتى تعبت وانهارت .. ظلت تدعو ربها بقلبها بدعاء ذى النون " لا إله الا أنت سبحانك انى كنت من الظالمين " .. الدعاء الذى أنقذها من "مصطفى" عندما تهجم عليها فى منزلهما .. ظلت تدعو وتستغفر .. ودت فقط لو علمت .. من الذى خطفها .. ولماذا خطفها .. وماذا ينوى أن يفعل بها .. كانت تشعر بأنهم أكثر من رجل .. كانت تسمع الخطوات حولها .. دون أن يتحدثا أمامها .. فجأة سمعت صوت الباب يُفتح شعرت بالذعر .. قامت لتجلس فى مكانها .. كانت كل حواسها منتبهه .. وجدت من يقترب منها .. صرخت صرخة مكتومة وحاولت أن تبعد جسدها عن يديه .. فك الرجل وثاق الرابط على فمها .. حاولت أن تصرخ فكمم فمها بيد واقترب من أذنها قائلاً :
- لو سمعت صوتك تانى متلوميش الا نفسك
كانت لهجته باردة مرعبة .. فامتثلت لكلامه .. خشت أن يقتلها .. أو يفعل ما هو أسوأ من القتل
قالت بصوت مرتجف :
- انت مين وعايز منى ايه ؟
سمعته يضحك ضحكة ساخرة قائلاً :
- متخافيش مش هنعملك حاجه .. احنا بس مستضيفينك عندنا يومين لحد ما ناخد فلوسنا
قالت بدهشة :
- فلوس ايه ؟
ثم فهمت الأمر .. انه خطف مقابل فديه .. فقالت فى ألم :
- لو فاكر انى واحدة غنية واقدر أدفعلك فلوس بتقى غلطان .. وأهلى كمان ميقدروش يدفعوا فلوس عشان يخلصونى
قال بسخريه :
- عارف يا حلوة .. بس حبيب القلب معاه ويقدر يدفع
قالت بدهشة :
- حبيب القلب مين ؟
- "عمر" باشا "الألفى" .. مش برده هو حبيب القلب
امتقع وجه "ياسمين" .. اقترب الرجل منها حتى استنشقت رائحه أنفاسه الخبيثه فالتصقت بالحائط أكثر وبدأت فى البكاء .. قال لها :
- متخفيش لو حبيبك متهورش احنا كمان مش هنتهور
هم بالإنصراف ..فأوقفته قائله :
- لو سمحت
قال بصوت خشن :
- أفندم
قالت "ياسمين" بحرج :
- ممكن لو سمحت .. يعني ... أدخل الحمام
ضحك بسخرية قائلاً :
- وماله
أمسكها من ذراعها ليوقفها مشت معها ..شعرت بأنه يدخلها غرفة فى داخل الغرفة التى كانت فيها .. ثم قال لها :
- اتفضلى
صاحت بحنق :
- أتفضل ازاى يعني وايدي مربوطة ورجلى مربوطة وعيني مربوطة
ضحك ضحكة عايله أثارت حنقها ثم اقترب وفك وثاق يديها وعينيها .. التفتت لتنظر اليه فوجدته يضع قناعاً على وجهه .. اذن فهو ليس هاو .. ويعرف جيداً ماذا يفعل .. وجدت نفسها فى حمام صغير كل شئ ملون باللون الاسود ورماد ملقى على الأرض .. صاح الرجل فى غلظة :
- يلا خلصيني
التفت اليه قائله :
- اخرج الأول
خرج وأغلق الباب .. تأكدت "ياسمين" من الباب المغلق .. ثم التفتت لتتفحص ما حولها .. كل شئ محترق .. وكأن النار اندلعت فى هذا المكان من قبل .. لا يوجد شئ على الجدران .. ولا يوجد شئ على الأرض سوى الرماد .. شعرت بالدهشة .. ما هذا المكان الغريب .. هل هى قريبه من المزرعة .. أم يعيدة عنها .. ماذا يفعل والدها الآن .. و "ريهام" .. بالتأكيد هم قلقون للغاية عليها فقد باتت ليلتها خارج المنزل ولا يعلمون مكانها .. و "عمر" ماذا يفعل الآن .. هل يبحث عنها ؟ .. هل يشعر بالخوف عليها ؟ .. تنهدت فى حسرة .. انتهت من قضاء حاجتها وحاولت فتح الباب .. دخل الرجل ووقف خلفها ليعيد ربط يديها خلف ظهرها ألقت نظرة على الغرفة التى باتت ليلتها فيها .. نفس الشئ جدران محترقه .. رماد على الأرض .. سرير ودولاب محترق .. ولا شئ آخر فى الغرفة
انتهى من ربط يديها خلف ظهرها وأعاد العصبة على عينيها مرة أخرى .. ودفعها .. حاولت قدر الإمكان تلاشى الاحتكاك به .. أمسك بذراعها وأجلسها فى نفس المكان الذى باتت فيه ليلتها .. خرج من المكان ودخل الى السيارة التى يجلس فيها "مصطفى" .. فنظر له "مصطفى" بشك قائلاً :
- اتأخرت كده ليه
نظر اليه "بسطويسي" ضاحكاً ثم قال :
- متخفش مكلتش التورتة لوحدى
ثم انفجر فى الضحك مرة أخرى .. قال له "مصطفى" :
- أصلا هى متهمنيش فى حاجه .. بس مش عايز مشاكل أنا عايز الفلوس مش أكتر من كده
قال له "بسطويسي" :
- أنا مش غبي يا هندسة .. حاجة زى كدة تسيب دليل وأنا أحب الشغل على نضافه .. يعني ما أسبش أى دليل ورايا .. فاهم
أومأ "مصطفى" برأسه وقال بحنق :
- كان لازم تقوله يومين .. كنا طلبنا الفلوس دلوقتى وخلصنا
قال "بسطويسي" شارحاً :
- خليه يستوى على الآخر .. اليومين دول هيجننوه ويشعللوه .. ده لو هيا فعلا تهمه زى ما قولتلى
قال "مصطفى" بثقه :
- أيوة تهمه .. ده خباها منى لحد ما تطلق .. يبأه أكيد تهمه
- قشطة يا معلم
ثم أخرج لفتين من جيبه وأعطى احداها ل "مصطفى" قائلاً :
- خد بأه اضرب دى وادعيلى
صاح "مصطفى" بحنق :
- الله يخربيتك حشيش
لكمه "بسطويسي" فى كتفه قائلاً :
- خد ومتبقاش خرع .. خلى قلبك ميت .. وبعدين الحشيش ده مش مخدرات
- يا سلام أمال ايه
- ده أعشااااب .. أعشاب طبيعيه .. زى العلاج الطبيعي كده
قال "مصطفى" بسخريه :
- والله انت دماغك لسعه .. وشكلك هتودينا فى ستين داهية .. ايه علاقة المخدرات بالأعشاب بالعلاج الطبيعي .. التلاته ملهمش علاقة ببعض
قال "بسطويسي" بضيق :
- ده انت صحيح راجل تقل المزاج
فتح باب السيارة فسأله "مصطفى"قائلاً :
- رايح فين
- هروح أشربها فى مكان تانى بدل كلامك اللى يقلب الدماغ ده
مشى أمامه فزفر "مصطفى" بضيق قائلاً :
- على آخر الزمن أتعامل مع الأشكال التيييييييييييت دى
***************************
مر اليومين على الجميع بشكل صعب للغاية .. كانت "ريهام" لا تتوقف عن البكاء .. أما "عبد الحميد" فكان يمضى وقته فى الصلاة والدعاء وعيناه تتضرع الى الله عز وجل بأن يحفظ له ابنته ويردها اليه سالمه .. أما "عمر" فكان حاله يرثى لها .. كان ينام فى مكانه ليستيقظ فزعاً من أقل صوت منادياً اياها .. ظلت الكوابيس تراوه كلما أغمض عيناه .. كاد أن يجن .. لم يترك شبراً الا وبحث فيه عنها .. نزل الى المنصورة وأمضى الساعات فى البحث عن "ياسمين" فى شوارعها .. دون جدوى .. كان يعلم أن ما يفعله لن يثمر عن شئ .. فلابد أن مختطفيها يخفونها فى مكان مغلق .. لكنه لم يستطع أن يجلش هكذا مكتف اليدين .. شعر بالشوق والحنين اليها .. افتقد حبيبته القريبة البعيدة .. ها هو لا يعرف مكانها .. لا يعرفه ما يفعله هذا الرجل بها .. هل أذاها .. هل لحق بها سوء .. كاد أن يجن ويفقد عقله من كثرة التفكير .. وفى المساء كان الجميع جالس فى منزل "عمر" وكأن على رؤسهم الطير .. فى انتظار اتصال ذلك الرجل .. رن هاتف "عمر" قفز "عبد الحميد" من مكانه ووضعت "ريهام" يدها على قلبها فى خوف .. تعلقت أعين الجميع بـ "عمر" الذى رد قائلاً :
- ألو
قال الصوت :
- 3 مليون جنيه تحطهم فى 3 شنط هاند باج .. كل شنطه فيها مليون جنيه .. وهتصل بيك بكرة الصبح أقولك على مكان التسليم
قال "عمر" قبل أن يغلق الرجل الخط :
- عايز أتكلم مع "ياسمين"
صمت الرجل قليلا ثم قال :
- دقيقة وهتصل تانى
أغلق "بسطويسي" وتوجه الى "ياسمين" شعرت بالخوف لاقترابه منها فك وثاق فمها .. ثم اتصل بـ "عمر" ووضع الهاتف على أذن "ياسمين" .. قال "عمر" :
- ألو
عرفته "ياسمين" .. فأجهشت فى البكاء .. صاح "عمر" بلوعه :
- "ياسمين"
صاح "عبدالحميد" :
- "ياسمين" بنتى
قال "عمر" بلهفة :
- "ياسمين" ردى عليا .. انتى كويسة ؟
قالت من بين شهقاتها :
- أنا خايفة
سحب "بسطويسي" الهاتف وأعاد تكميم فمها .. ظل "عمر" يردد :
- ألو .. "ياسمين" .. ردى عليا .. ألو
خرج "بسطويسي" وأغلق الباب وقال ل "عمر" :
- سمعتها ؟
صاح "عمر" بصوت هادر وكأن بحرغاضب ثائر :
- لو لمستها هقتلك وأشرب من دمك
قال "بسطويسي" بغلظة :
- نفذ اللى أنا بقولك عليه وأنا أرجعهالك صاغ سليم .. أدامك لحد بكرة تكون جهزت الفلوس .. واستنى اتصال منى
قال ذلك ثم حطم الهاتف تحت قدميه وأخرج الشريحه وحطمها هى الأخرى
***************************
تعلقت أعين الجميع بـ "عمر" الذى قال بصوت مرتجف :
- كلمتنى .. قالتى انها خايفه
صاح "عبد الحميد" :
- ربنا ينتقم منهم .. حسبي الله ونعم الوكيل
قالت "كريمه" بلهفه :
- وقالولك عايزين ايه يا "عمر"
قال بهدوء :
- 3 مليون
أجهشت "ريهام" فى البكاء فهى تعلم جيداً أن والدها لا يستطيع تأمين ألف واحد من هذا المبلغ
نظر اليها "كرم" واقترب منها قائلاً :
- متعيطيش يا "ريهام" .. ان شاء الله هترجع
قال له والده :
- وهتعمل ايه لوقتى ؟
نظر اليه "عمر" بجديه قائلاً :
- هدفعهم طبعاً ..حتى لو طلب أكتر من كده انا مستعد ادفعهم
أقبل "عبد الحميد" عليه وهو يبكى قائلاً :
- الهى ربنا يكرمك يا ابنى وما يوقعك فى ضيقه أبداً
ربت "عمر" على كتفه قائلاً :
- متقلقش يا عم "عبد الحميد" .. ان شاء الله "ياسمين" هترجع سليمة
ثم خرج مسرعاً وهو يقول :
- لازم أرتب المبلغ وأجهزه .. لانه هيتصل بيا بكرة عشان يقولى مكان التسليم
*******************************
كان "مصطفى" يجلس واجماً داخل السيارة .. دخل "بسطويسي" وجلس بجواره .. وقال اليه :
- ايه مالك يا هندسه .. خايف ولا ايه
قال "مصطفى" بشرود :
- لأ مش كده .. بس بفكر
- فى ايه ؟
التفت الى "بسطويسي" قائلاً :
- الراجل مستعد يدفع 3 مليون عشان خاطر البنت اللى أعده جوه دى
- مش فاهم
قال "مصطفى" بإستغراب :
- يعني ده واحد قدامه نسوان أشكال وألوان .. والبت دى مفيهاش أى حاجه مميزة .. بت عادية زى أى واحدة .. ايه اللى يخليه يدفع فيها مبلغ زى ده
ابتسم بخسريه قائلاً :
- البت مش وحشة برده .. وبعدين كل واحد ومزاجه
- أنا ما قولتش وحشة .. قولت عاديه .. يعني ميدفعش فيها مبلغ زى ده .. ده لو جوزها كنا قولنا ماشى .. لكن ده واحد مبيربطهوش بيها أى حاجه
قال "بسطويسي" بمزاح :
- شكله كده واقع لشوشته
هتف "مصطفى" قائلاً :
- ما هو ده اللى أنا مستغربله .. ايه اللى عجبه فيها
صمت قليلاً ثم قال :
- بنت التيييييييييييت كانت عاملة نفسها الخاضرة الشريفة .. وأهى دلوقتى عايشة مع الراجل ده فى الحرام
صاح "بسطويسي" :
- يا ابنى النسوان كلهم تيييييييييييت وعايزين تيييييييييييييت و تيييييييييييييييييت و تيييييييييييييييييت
ضحك "مصطفى" قائلاً :
- والله معاك حق يا "بسطويسي" .. تصدق انت راجل بتفهم
ضحك "بسطويسي" قائلاً :
- مش قولتلك مش بالشهادات يا هندسه .. بده
وأشار الى عقله
صمت "مصطفى" قليلاً ثم قال :
- طيب مش هنأكلها .. من ساعة ما جت هنا واحنا مدينهاش أى أكل ولا حتى مايه
قال "بسطويسي" بحده :
- ايه قلبك رق .. محدش بيموت من الجوع يا هندسه .. وبعدين كده أحسن زمانها دلوقتى مهبطه ومش قادرة حتى تتحرك من مكانها بدل ما تتعافى علينا ونضطر كل شوية نخدرها .. وبعدين اهو كلها يوم وترجع تانى لأهلها
جهز "عمر" المبلغ المطلوب بالمواصفات المطلوبة .. كانت هذه هى الليلة الثالثه التى تنامها "ياسمين" عند هذا الرجل .. كان عقل "عمر" يعمل دون توقف .. كان قلبه يحترق ألماً .. وخوفاً .. ولوعة .. حبيبة فى قبضة هذا المجرم .. تذكر صوتها وهى تبكى قائله (أنا خايفة) .. شعر بغضب رهيب بداخله .. شعر بأنه كالعاجز لا يستطيع أن يأخذها بين ذراعيه ويطمأنها .. لا يستطيع أن يبث الأمل فيها ويقول .. لا تخافى حبيبتى انا هنا ولن أتخلى عنكِ مهما حدث .. ظلت تراوده أفكاراً كثيره سوداء .. شعر بأنه جالس على جمر من نار .. وبداخلة حمم بركانيه تحرق روحه وتعذبها .. كان يتمنى شئ واحد .. أن يراها الآن ويأخذها بين ذراعيه ولا يتركها أبداً .. مهما طلبت منه أن يتركها .. لن يتركهاً أبداً .. أيقن الآن أنه لن يستطيع العيش دونها .. حى حبه الأول والأخير .. هى امرأة أحلامه .. هى التى يتمنى أن يعيش معها حاضره ومستقبله .. ما ان يراها حتى يدخلها سجنه .. السجن الذى صنع قضبانه من ضلوعه .. ولن يخرجها منه أبداً .. ستظل حبيسه قلبه .. سيعلمها كيف تحبه .. وتهواه .. وتعشقه كما يعشقها .. سيجعلها تدمنه كما أدمنها .
حانت اللحظة الحاسمة .. اتصل الرجل ب "عمر" قائلاً :
- هتيجي لوحدك بعربيتك ومعاك ال 3 شنط .. وتقف فى المكان اللى هقولك عليه .. الساعة 8 بالليل .. تيجي لوحدك .. ولو لقينا حد معاك انت عارف اللى ممكن نعمله فيك وفيها
أعطاه عنوان لمنطقة شديدة الزحام فى المنصورة .. وأغلق الهاتف ثم حطمه كالعادة .. وأخرج من جيبه صورة ل "عمر" مقصوصة من أحد المجلات وظل يتأمل فيها ويطبع وجهه فى ذاكرته
فى ساعة الصفر توجه "عمر" الى سيارته .. وجد "كرم" و"أيمن" يلحقان به فهتف بهما :
- خليكوا عندكوا .. قالى أروح لوحدى
صاح "أيمن" :
- بس يا "عمر" نضمن منين انه مايعملش فيك حاجه
قال "عمر" بحزم :
- قولتلكوا هروح لوحدى .. مش هخاطر انه يعمل حاجه فى "ياسمين"
ركب السيارة ووضع الحقائب فى الخلف وانطلق فى طريقه .. اتفت "كرم" الى "أيمن" قائلا :
- اركب بسرعة
ركبا سيارة "كرم" الذى انطلق خلف سيارة "عمر" .. قال "كرم" :
- مجنون لو فكر اننا ممكن نسيبه يروح لوحده
قال "أيمن" بقلق :
- بس أنا خايف المجرم ده ياخد باله
هتفت "كرم" بحده :
- أصلا الغبي ده اختار منطقة زحمة جدا يعني لو فى مليون عربية ورا "عمر" هو مش هياخد باله انهم تبعه
حافظ "كرم" على مسافة بينه وبين "عمر" حتى لا ينتبه له .. وصل "عمر" الى المكان .. وجد مكان صغير فركن به و انتظر .. وفجأة وجدت من يركب بجوار وهو يضع قناعاً على وجهه ويامره بأن يدخل فى شارع ضيق .. امتثل "عمر" لأوامره ودخل الشارع .. أمره الرجل بالنزول .. نزل "عمر" من السيارة .. حرك "بسطويسي" لسيارة ووضعها بعرض الشارع ثم حمل الحقائب الثلاث بسرعة ودفع "عمر" الى احدى الدراجات النارية وارتدى الخوذة فوق القناع وانطلق فى طريقه .. دخل "كرم" الشارع ليجد سيارة "عمر" موضوعة بالعرض وتسد الطريق فصال بغضب :
- ابن التييييييييييييييت
قال "أيمن" بضيق شديد :
- واضح انه واحد عارف هو بيعمل ايه بالظبط
طلب "بسطويسي" من "عمر" هاتفته فأعطاه اياه فألقاه "بسطويسي" وهو يسير بالدراجة النارية بسرعة واحتراف بين السيارات
وصلوا الى منطقة مهجورة فأوقف "بسطويسي" الدراجة والتفت الى عمر ووضع عصبه على عينيه وألبسه خوذة أخرى .. ثم انطلق فى طريقه .. كان "عمر" مغمض العينين لا يدرى الى أين يأخذه هذا الرجل .. لكنه متأكد من شئ واحد .. أنه ذاهب الآن حيث توجد "ياسمين" .. ولا شئ يريده غير ذلك ..
كانت "ياسمين" جالسه فى مكانها تدعو ربها أن ينقذها مما هى فيه .. سمعت صوت الباب يُفتح ويُغلق .. سمعت وقع أقدام تقترب منها .. شعرت بالخوف .. التصقت أكثر بالحائط خلفها .. شعرت بشخص يقترب منها بشدة .. حاولت ابعاد وجهها عنه .. وجدته يتحسس ذراعها فأجهشت فى البكاء والصراخ المكتوم بسبب فمها المكمم .. ظلت تصرخ وتصرخ .. وهو يحاول الاقتراب منها أكثر وتلمس جسدها .. دفعته بقدمها بقوة فصرخ قائلاً :
- يا بنت التييييييييييت
توقفت "ياسمين" عن الصراخ وعن الحركة
هذا الصوت .. انها تعرفه جيداً .. تعرفه تمام المعرفة .. وقف "مصطفى" وأخذ ينظر اليها .. تباً لقد عرفته .. بالتأكيد عرفته .. شعر بالتوتر .. والإضطراب .. لم يدرى ماذا يفعل .. حرر فمها .. كانت صامته .. ثم صاحت بصوت متقطع مبحوح من كثرة البكاء :
- "مصطفى"
تباً لذلك .. ماذا يفعل الآن .. عرفت من يكون .. بالتأكيد ستبلغ الشرطة عنه .. لن يتركوه .. سيمسكون به .. سيدخل السجن .. سيضيع مستقبله .. سمع صوت الدراجة النارية بالخارج .. فأسرع يغارد المكان ويغلق الباب .. وصل "بسطويسي" مع "عمر" على الدراحة النارية .. أشار له "مصطفى" بأنه يريد أن يتحدث معه .. أخذ "بسطويسي" .. فى تقييد يدا "عمر" وقدماه .. وقال له بصوت هادر :
- لو عملت أى حركة هنقتلك انت والمزه بتاعتك
فتح "بسطويسي" الباب ليدخله فى المكان الموجود به "ياسمين" .. شعرت "ياسمين" بالخوف من أصوات الأقدام حولها .. انزوت فى مكانها أكثر .. قام "بسطويسي" بتقييد "عمر" بسلسلة وربطه بحلقه موضوعه على الأرض ثم تركه وانصرف
كانا كلاهما معصوب العينين .. سمع "عمر" صوت شهقات بكائها فصاح قائلاً :
- "ياسمين"
سمعت "ياسمين" صوته .. فتوقفت عن البكاء .. صاح "عمر" بلهفه :
- "ياسمين" .. "ياسمين" ردى عليا
كانت "ياسمين" مكممه الفم لم تستطع الرد عليه إلا بالبكاء .. ازداد صوت بكائها
شعر وكأن روحه رودت اليه مرة أخرى .. لأنه أصبح قريباً منها .. خفق قلبه بشدة .. حاول التحرك فى اتجاه صوتها لكن السلسلة قيدته الى الأرض .. فقال بلهفه :
- انتى كويسه .. عمل فيكي حاجه ؟
أجهشت "ياسمين" فى البكاء .. فشعر وكأن صوت بكائها هو طعان توجه الى قلبه المكلوم .. أعاد سؤاله مرة أخرى :
- بالله عليكي طمنينى .. عمل فيكي حاجه ؟
استمرت فى بكائها .. كانت مفزوعة خائفة .. خشت أن يعاود "مصطفى" الكره .. لم تستطع أن تخبره بأنها مككمه الفم .. وهو لا يستطيع أن يراها
فى الخارج كانا الرجلين قد دخلا فى شجار حامي .. قال "بسطويسي" بغضب :
- انت أصلا تيييييييييييييت .. قولتلك متخليهاش تعرفك .. لا تشوفك ولا تسمع صوتك .. أعمل فيك ايه دلوقتى
قال "مصطفى" وقد أصابه خوف شديد :
- والحل دلوقتى يا "بسطويسي" .. أعمل ايه .. أكيد هتبلغ عنى
- أنا أصلا مليش شغل مع العالم التييييييييييييت اللى زيك
صاح "مصطفى" وقد نفذ صبره :
- هتفضل تشتم كده كتير .. قولى على حل
صمت "بسطويسي" قليلا وأخذ يفكر ثم قال بحزم :
- مفيش الا حل واحد
قال "مصطفى" بلهفه :
- ايه هو ؟
- البت دى لازام نخلص عليها
ساد الصمت لحظات .. ثم قال "مصطفى" :
-ايه .. يعني ايه .. نقتلها
قال بقسوة:
- مفيش حل تانى .. هى خلاص عرفتك وهتبلغ عنك .. ولو بلغت عنك ورجلك جت فى الموضوع أنا كمان رجلى هتيجى فى الموضوع .. لأنك راجل تييييييييت ومع أول قلم هتعترف .. يعني مفيش أدامى الا حل من اتنين .. يا أقتلك يا أقتلها
بلع "مصطفى" ريقه بصعوبة .. فصاح "بسطويسي" :
- ها .. قولت ايه ؟ .. أقتلك ولا أقتلها ؟
نظر ايله "مصطفى" وقد أسقط ما بيده .. فبالتأكيد هو لن يضحى بنفسه من أجل "ياسمين"
دخل "بسطويسي" وجذب "ياسمين" الذى تعالت صرخاتها المكتومة فصرخ "عمر" :
- انت بتعمل ايه ؟ .. سيبها متلمسهاش
قال له "بسطويسي" :
- معلش بأه يا هندسة كان نفسي أسملهالك سليمة .. بس الظروف حكمت
ثم قال لـ "ياسمين" التى حاولت الافلات من قبضته :
-لا خليكي حلوة عشان مزعلش منك
خرج وهو يدفعها بيده .. و"عمر" يصيح :
- والله لقتلك وأشرب من دمك لو عملت فيها حاجه .. سمعنى .. "ياسمين" .. "ياسمين"
سار الرجلان معها يدفعها "بسطويسي" بيده .. ساروا بين الأشجار والزرع لا يخترق سكون الليل الا صوت شهقات "ياسمين" .. ظلت تردد الشهادتين بقلبها وهى تعلم أن الموت قادم لا محاله .. ظلت تستغفر وتدعو ربها ألا تتألم .. ظلت تفكر فى الموت .. كيف ستشعر به بعد لحظات .. كيف تفارق روحها جسدها .. هل ستتألم .. هل ستصرخ .. هل ستقوى على الصراخ .. أين سيكون مصيرها بعد الموت .. الجنة أم النار .. ظلت تسترجع شريط ذكرياتها .. وأعمالها .. وأخطائها .. تمنت العودة للوراء .. لإصلاح تلك الأخطاء .. لكن .. الوقت أزف .. ولا عودة الى الوراء .. بعد دقائق .. وربما لحظات .. ستلقى ربها وتقف بين يديه .. كان مرعوبة خائفه .. تُرى سيف ستكون ضمة قبرها التى لن ينجو منها أحد .. هل ستكون ضمة حانية كضمة الأم لوليدها .. أم ضمه تهشم معها جسدها وتختلط فيها عظامها .. شعرت بالخوف .. بل بالرعب .. بل بالفزع .. ما مصير "عمر" .. هل سيلقى نفس مصيرها .. هل سيقتلوه مثلها .. خافت عليه .. أين سيكون مصيره .. جنة أم نار .. الى أن ستوصله أعماله .. كانت خائفه عليه .. وعلى نفسهــا .
حاول "عمر" تحرير نفسه .. كادت يده أن تتمزق .. بل تمزق رسغه بالفعل وسال دمه .. كان يجاهد ليخرج يده من قيدها .. لينقذ "ياسمين" .. حبيبته .. ونور عينه ..استطاع تحرير يده والدماء تنزف منها ..أزاح عصبة عينه .. وأخذ يحاول تحرير قدمه كانت السلسلة مثبته بحلقة الى الأرض .. لن يستطع نزعها .. نظر حوله .. لا يوجد شئ .. الا الرماد .. ما هذا .. هذا المكان .. انه يتذكره جيداً .. هذا المنزل القديم المحترق .. هذا المكان .. دخله من قبل .. يعرفه .. تلك الغرفة الصغيرة .. هذا الفراش المحترق .. نعم انه يعرفه .. نعم هو نفسه .. أسرع وأخرج هاتفاً صغيراً كان قد أخفاه فى حذائه .. فتحه واتصل بـ "كرم" قائلاً بلهفه :
- أيوة يا "كرم" أنا "عمر"
- "عمر" انت فين وايه اللى حصل
قال "عمر" بنفاذ صبر :
- اسمعنى كويس .. أنا فى مكان جمب المزرعة هوصفلك توصله ازاى .. اطلب البوليس وتعلالى على هناك بسرعة
أعطاه "عمر" وصف المكان .. ومن حسن حظه أن "كرم" و "أيمن" كانا قد عادا الى المزرعة بعدما فقداه فى المنصورة .. ما هى الا دقائق .. ودخل "كرم" البيت المحترق .. استطاع الاثنان تحرير "عمر" الذى قال بلهفه :
- اطلبوا البوليس بسرعة .. وكل واحد فيكوا يدور فى جهه .. الراجل اللى خطف "ياسمين" خدها عشان يقتلها
انطلق "عمر" فى اتجاه الأشجار والذى ظن أنه الاتجاه الذى ذهب فيه الرجلان حيث الأرض الشاسعة التى تخلو من البشر فى مثل هذا الوقت .. ظل يرقض وينادى بعلو صوته :
- "ياسمين" .. " ياسمين"
نظر ليجد على بعد أمتار وتحت ضوء القمر رجلين أحدهما يقوم بالحفر فى الأرض والآخر يقف بجوار فتاة منهارة على الأرض .. شعر بقلبه يهوى .. أخذ يلف ويدور فى المكان حتى أمسك شيئاً حاداً .. وتوجه الى حيث الرجل الذى يقف بجوار "ياسمين" وجده يوجه اليها مسدساً صغيراً .. التف حوله ببطء وحاول أن يلفت انتباهه .. وساعده على ذلك الأشجار التى تحيط بالمكان .. وفجأة هوى بما يمسك بيده على رأسه لتنفجر الدماء من رأس "بسطويسي" ويسقط أرضاً .. صرخت "ياسمين" وهى ترى دماء الرجل المنهار بجوارها .. أسرع " عمر" وأمسك المسدس الذى سقط من الرجل على الأرض واقترب من "ياسمين" التى نهضت مسرعة ووقف أمامها وصوب المسدس الى الرجلين .. كان "عمر" يجهل طريقة استخدام المسدس .. لذلك لم يستطع اطلاق النار .. لكنه وقف مهدداً اياهم قائلا :
- اللى هيقرب منى أو منها هموته
سُمعت صوت سرينة سيارات الشرطة قريبة من المكان .. شعر "مصطفى" بالفزع وقد أيقن هلاكه .. لكن "بسطويسي" الجالس على الأرض قلب الموازين عندما أمسك فجأة حجراً وألقى به فى اتجاه "عمر" ..فأصابه فى ذراعه التى تحمل المسدس .. تأوى "عمر" من الألم .. وصاحت "ياسمين" بلوعه :
- عمررررررررررر
أسرع الرجلين بالهرب من بين الأشجار .. يجريان خوفاً من لحاق الشرطة بهما .. لم تستطع "ياسمين" تحمل بكاء وعذاب وارهاق الثلاث أيام .. فهوت جالسه على الأرض تستند الى صخره .. كان "عمر" حائرا أيجرى خلف الرجلين أم يبقى معها .. قرر البقاء معها ..نظر الى ملابسها الممزقة .. لم تعد تجد فى نفسها القدرة على البكاء .. كانت تشعر الإنهيار التام .. اقترب منها وعلامات الألم على وجهه .. جثا بجوارها ونظر اليها قائلاً :
- "ياسمين" .. انتى كويسة
لم تجيبه أغلقت عينها وهى تسند برأسها الى الصخرة .. لم تجد فى نفسها القدرة على الكلام
تلألأت العبرات فى عين "عمر" ومسح بيده على شعرها .. فتحت عينيها والتفتت اليه تحاول ابعاد رأسها فى ضعف .. مسح بأصابعه على وجنتها قائلاً :
- حبيبتى انتى كويسه .. حد فيهم عملك حاجه
نظرت اليه لتتأمل تلك اللهفة على وجهه .. حركت رأسها مرة أخرى لابعاد وجهها عن أصابعه .. اقترب بوجهه منها ومسح على شعرها .. قائلاً بألم :
- حبيبتى ردى عليا .. "ياسمين" حد فيهم عملك حاجه
هزت رأسها نفياً .. فما كان منه إلا أن هوى بشفتيه على جبينها بث فيها كل خوفه وهلعه واشتياقه وخوفه ولهفته وفرحته بنجاتها وعثورة عليها .. كانت تشعر بوهن فى جسدها كله .. حاولت أن تبتعد عنه .. فنظر اليها بحنان وعيناه تحتويان عينيها .. وقال بدفء :
- عارف انك عايزانى أبعد .. بس أنا مش قادر أبعد
جذبها بين ذراعيه .. يضمها الى صدره فى قوه ممزوجه بالحنان .. لف ذراعيه حولها ودفن وجهه فى شعرها يستنشق عبيره .. حاولت دفعه عنها .. لكنها كانت الريشه التى تحاول ازاحة جبل من مكانه .. قال لها بصوت خافت :
- وحشتينى أوى .. كنت هموت من خوفى عليكي
لحظات وسمع صوت "كرم" آتى فى اتجاههما .. قام "عمر" من فوره .. وأسرع ليلاقيه قائلاً :
- "كرم" خليك مكانك متجيش هنا
سأله "كرم" :
- ليه ؟ .. لقيتها
أومأ "عمر" برأسه قائلاً :
- أيوة لقيتها .. بس خليك مكانك ثوانى
كانت "ياسمين" جالسه خلف الصخرة التى تستند عليها فلم يراها "كرم" .. عاد "عمر" اليها .. فنظرت اليه بأعين مندهشه وهو يخلع الجاكت الذى يرتديه ثم جثا على ركبتيه ليلبسها اياه فى رقه كأنها طفل صغير .. لم يظهر من جسدها الا بعض من ذراعها بسبب ذراع بلوزتها الممزق .. لكنه أخفى تلك الرقعات الصغيرة بالجاكيت الذى ألبسها اياه وأغلقه .. ثم ولدهشتها وجدته يخلع قميصه ثم يمسح على شعرها بيده يرتبه الى الخلف ويضعه بداخل الجاكيت الذى ترتديه ثم يطوى قميصه نصفين ويضعه على شعرها المنساب ليخفيه تماما .. نظر فى عينيها برقه أذابت قلبها .. وانتقل الدفء من عينيه الى جسدها كله .. ابتسم لها ابتسامه عذبه وهمس قائلاً :
- بغير عليكي
ساعدها على النهوض .. حاولت قدر الإمكان أن تبتعد عنه وتسير بمفردها .. لكنها شعرت بدوار شديد فتهاوت .. كانت لا تستطيع حتى الوقوف على قدميها .. حاول أن يحملها فقالت بوهن وبصوت مبحوح من كثيرة الصراخ والبكاء :
- لأ
قال "عمر" بحزم :
- انتى مش عارفه حتى تقفى على رجلك
حملها بين ذراعيه دون أى يأبى لاعتراضها .. وسار بها وهو ينظر اليها .. أسندت رأسها على كتفه فى وهن .. كانت تشعر بجوع شديد مزق أحشائها وألم فى كل عظام جسدها الضعيف وبدوار يعصف برأسها .. لكن وسط كل تلك الآلام شعرت بالراحة وهى بين ذراعيه .. شعرت بالأمان وهو بجوارها وهى تعلم أنه لن يسمح لأحد بأن يؤذيها .. حاولت أن تقاوم وتبقى عينيها مفتوحتين .. لكنها لم تستطع كانت طيلة الأيام الماضية تخشى النوم .. فيصيبها أحد الرجلين بمكروه .. لكنها الآن لا تخشاه .. لأنها بين يدين تعرف أنهما ستحميانها .. أغمضت عينيها لتغرق فى سبات عميق أقرب الى غيبوبة
نظر اليها "عمر" فى حنان وهو سائر بها .. شعر بأنه يحمل قلبه بين ذراعيه .. كان سعيداً ورأسها موضوع فوق قلبه .. وهى سليمه .. لم يصبها سوء .. وعادت اليه .. ولن يتركها تفلت منه أبداً .. أدخلها سيارة "كرم" وجلس بجوارها .. انطلق "كرم" بالسيارة فى طريقه الى المستشفى .. نظر "كرم" اليهما فى المرآه قائلا :
- هى كويسه ؟
أومأ "عمر" برأسه .. وأخذ ينظر الى وجه حبيبته النائمه فى حضنه .. قائلاً بقلق :
- أنا مش عارف هى نايمة ولا أغمى عليها .. بس هى بتتنفس
قال "كرم" :
- ربع ساعة بالكتير وهتكون فى المستشفى .. متقلقش هو أكيد ده بسبب تعب اليومين اللى فاتوا كفايه الرعب اللى شافته
نظر اليها "عمر" مرة أخرى فى حنان .. لف ذراعيه جيداً حولها وكأنه لا يريد قيد شعره أن تفصله عنها .. أزاح قميصه قليلا عن شعرها ليطبع عليه قلبه حانيه هامساً :
- حبيبتى .. مش هسمحلك تبعدى عنى أبداً
أغمض عينيه عن كل ما يراه ليشعر فقط بحبيبته التى بين أحضانه .. بأنفاسها الساخنه التى تلفح وجنته .. وصوت تنفسها المنتظم .. ودقات قلبها التى يشعر بها على صدره.
↚
أوقف "كرم" سيارته أمام احدى المستشفيات الخاصة .. نزل "عمر" من السيارة وهو يحمل "ياسمين" ويلقى نظرة عليها بين لحظة وأخرى .. توجه الى مكتب الإستقبال فأدخلوهم أحد الغرف .. وضعها "عمر" على السرير برفق .. اقتربت منها الممرضة فتراجع "عمر" قليلاً للخلف ينظر الى "ياسمين" بقلق .. قامت الممرضة بتمديدها وتغطيتها وقالت :
- ثوانى هروح أنادى للدكتور
التفت "عمر" الى "كرم" قائلاً :
- روح انت يا "كرم" اتصل بـ "أيمن" وشوف وصل لايه مع البوليس .. وروح هات والدها وأختها من المزرعة ..
أومأ "كرم" برأسه وهم بالخروج .. لكن "عمر" أوقفه قائلاً :
- معلش يا "كرم" عارف انى تاعبك معايا وشاغلك بمشاكلى
قال "كرم" بسرعة :
- عيب عليك يا "عمر" هو احنا مش اخوات ولا ايه .. أنا لو كنت مكانك عارف انك هتعمل عشاني أكتر من اللى أنا بعمله
ربت "عمر" على كتفه شاكراً اياه .. خرج "كرم" فإلتفت "عمر" الى "ياسمين" الممده على الفراش ..اقترب منها ومسح بظهر أصابعه على وجنتها .. لحظات وعادت الممرضة بصحبة الطبيب .. وقف الطبيب مكان "عمر" الذى رجع قليلا الى الوراء وهو يتابع ما يحدث ..التفت الطبيب الى "عمر" قائلاً :
- ايه اللى حصلها بالظبط
قال "عمر" بحزن :
- كانت مخطوفه التلات أيام اللى فاتوا .. ولما لاقيتها كانت كويسه .. وفجأة نامت .. أنا معرفش هى نامت ولا هى أغمى عليها .. جبتها وجيت بها على هنا على طول
أومأ الطبيب برأسه .. ثم التفت الى "ياسمين" .. فتح سوسته الجاكيت الذى ألبسها اياه "عمر" ثم شرع فى فك أزرار بلوزتها حتى يدخل سماعته الطبيه لتفحص تنفسها .. شعر "عمر" بالإختناق وبالنيران تشتعل بداخله وهو يرى أصابع الطبيب تفتح أزرار ملابسها واحد تلو الآخر .. اقترب منه فجأة وأمسكه ذراعه بحزم قائلاً :
- لو سمحت .. مفيش دكتورة فى المستشفى دى ؟
التفت اليه الطبيب قائلاً بدهشة :
- أيوة فى
قال "عمر" بحزم :
- طيب لو سمحت خلى الدكتورة هى اللى تفحصها
نظر اليه الطبيب بحده قائلاً :
- وايه المشكلة يعني لو كشفت عليها أنا
قال "عمر" ببرود :
- لأ .. عايز دكتورة .. يا إما هاخدها مستشفى تانيه
نظر اليه الطبيب بحنق .. ثم أمر الممرضة بإحضار الطبيبة المناوبة وغادر الغرفة .. اقترب "عمر" منها مرة أخرى .. مسح بأصابعه حبات العرق التى تكونت على جبينها وهو ينظر اليها فى حنان .. لحظات وحضرتك الطبيبة .. رجع "عمر" للخلف ليفسح لها المجال .. أشاح "عمر" بعينيه عما كشفته الطبيبة من جسدها .. أنهت الطبيبة فحصها ثم التفتت الى الممرضة وطلبت تعليق محلول لها .. وأعطتها بعض التعليمات الأخرى .. نظر "عمر" الى الطبيبة قائلاً بقلق :
- هى كويسه ؟
أومأت الطبيبة برأسها قائله :
- أيوة متقلقش .. هى بس واضح انها مرهقة أوى .. وكمان عندها هبوط وضغطها واطى .. متقلقش هنعلقلها محاليل وهتبقى كويسة ان شاء الله .. هى محتاجه راحه مش أكتر
قال "عمر" بلهفه :
- يعني هتفوق امتى
ابتسمت قائله :
- انت جوزها
هز "عمر" رأسه نفياً :
- لأ خطيبها
- متقلقش زى ما قولتلك هى محتاجه راحه .. وهتفوق امتى على حسب .. هى من الواضح انها محتاجه للنوم أكتر من أى حاجه تانية .. ممكن تفوق على بكرة وتبقى كويسه ان شاء الله
شكر "عمر" الطبيبة التى غادرت بعد أن أعادت التعليمات على الممرضة مرة أخرى .. أنهت الممرضة تعليق المحلول .. وحقنت به الأدوية التى وصفتها الطبيبه .. وأزاحت قميص "عمر" من على رأسها وأعطته اياه فإرتداه .. ثم خرجت من الغرفة وأغلقت الباب خلفها .. اقترب "عمر" من فراشها وجلس بجوارها .. يتأملها وهى نائمة .. شعر بحنان جارف تجاهها .. أرادها أن تستيقظ وتفتح عينيها ليطمئن أنها بخير .. لكم اشتاق لرؤية عينيها .. أمسك كفها الموضوع به الكانيولا ووضعه بين كفيه .. تحسس بأصابع يده الأخرى العروق التى ظهرت حول الكانيولا .. كان يبدو عليها الضعف الشديد .. رق قلبه لها .. لكم قاست وتعذبت فى الأيام الماضية .. بل وقبل ذلك أيضاً .. أراد أن يعوضها عن كل ما قاست .. وكل ما عانته من قبل .. ظل يتحسس كفها ويتأملها حتى سمع طرقات على الباب نهض وما كاد يصل الى الباب حتى فتح والدها الباب وبصحبته "ريهام" .. أقبل الاثنان عليها فى لهفة .. قال والدها فى هلع :
- بنتى حبيبتى .. "ياسمين" .. ايه اللى حصلها؟
طمأنه "عمر" :
- متقلقش هى كويسه .. الدكتورة قالت انها نايمه من التعب وممكن تصحى على بكرة
جلست "ريهام" بجوارها تبكى فى صمت .. ثم خرجت من الغرفة .. التفت "عبد الحميد" الى "عمر" قائلاً :
- ايه اللى حصل بالظبط
تنهد "عمر" فى حسرة قائلاً :
- لسه معرفش أنا خدتها وجيت على هنا على طول .. وسبت "أيمن" هناك مع البوليس
عادت "ريهام" حاملة معها بونيه للرأس .. ألبستها اياه لتخفى شعرها المنساب .. نظر "عمر" الى "ريهام" مبتسماً .. ثم خرج من الغرفة ليجد كل من "كرم" و "أيمن" .. اتجه اليه "أيمن" قائلاً :
- ها ايه الأخبار ؟
أومأ "عمر" برأسه وقال بوهن :
- كويسه الحمد لله .. قولى انت عملت ايه
قال "أيمن" :
- قبضوا على واحد من الاتنين .. والتانى هرب بس بيدوروا عليه
سأله "عمر" :
- عرفوا هما مين ؟
هز "أيمن" برأسه نفياً ثم قال :
- لا لسه هما خدوه على القسم عشان يبدأوا التحقيق .. وعلى فكرة الفلوس معايا فى العربية .. وكمان جهز نفسك عشان تروح القسم لأن أكيد هيطلبوا أقوالك .. وكمان أقوال "ياسمين"
قال "عمر" :
- بكرة ان شاء الله هروح القسم .. لكن النهاردة مش هقدر أمشى من المستشفى واسيبها .. وكمان هتصل بالأستاذ "شوقى" يجيلى الصبح ان شاء الله .. لازم اللى عمل كده ياخد جزاءه .. مش هرتاح الا لما يتسجنوا هما الاتنين
قال "كرم" مطمئناً اياه :
- متخفش ان شاء الله هيتسجنوا .. القضية لبساهم لبساهم
رن هاتف "عمر" فرد قائلاً :
- أيوة يا ماما
قالت "كريمه" بلهفه :
- أيوة يا "عمر" طمنى على "ياسمين"
- بخير يا ماما الحمد لله .. هى نايمه دلوقتى والدكتورة طمنتنى عليها
قالت بإرتياح :
- الحمد لله .. بكرة ان شاء الله أنا وباباك هنيجى نزورها
- ان شاء الله يا ماما
- هتبات عندك ولا هترجع
- لأ هبات مش هقدر أسيبها فى المستشفى وآجى
- باباها وأختها عندك مش كده ؟
- أيوة
- طيب يا حبيبى لو احتجت حاجه كلمنى .. وعلى فكرة حسابي معاك بعدين عشان روحت لوحدك لمجرم زى ده من غير ما تعرفنى
- ماما نتكلم بعدين فى الموضوع ده
- ماشي يا "عمر" .. وخلى بالك من نفسك .. وابقى طمنى عليها
- ماشى يا ماما مع السلامة
- مع السلامة
قضت "ريهام" ليلتها بجوار أختها .. أما "عبد الحميد" و "عمر" جلسا على مقاعد الإنتظار خارج الغرفة .. كان "عمر" على تواصل طيلة الليل مع "كرم" و "أيمن" اللذان يحضران التحقيقات بقسم الشرطة و بالمكان الذى تم اختطافها فيه
فى الصباح .. ذهب "عبد الحميد" لإحضار قهوة له ولـ "عمر" .. فجأة فتحت "ريهام" باب الغرفة ونظرت الى "عمر" قائله :
- بابا فين ؟
قال "عمر" بلهفه :
- ثوانى وراجع .. هى فاقت ؟
أومأت برأسها ايجاباً وقالت :
- أيوة .. هروح أنادى للدكتوره
دخل "عمر" ليجد "ياسمين" وقد فتحت عينيها تنظر من نافذة الغرفة .. اقترب منها .. أحست بوجوده .. نظرت اليه .. تلاقت نظراتهما فى صمت .. كان "عمر" ينظر اليها بشوق ولهفه وحنان و .. حــب .. أما هى فكانت تتذكر ما فعله من أجلها الليلة الماضية .. كيف خاطر بحياته .. كيف قدم ماله .. كيف حماها .. كيف أنقذها .. شعرت بقلبها يخفق لهذا الرجل الواقف أمامها ..وجدته يقترب أكثر .. جلس بجوارها .. فانتبهت وأشاحت بوجهها قائله بحرج بصوت خافت ومبحوح من أثر تعب الليلة الماضية :
- لو سمحت مينفعش كده
تجاهل ما قالت .. نظر اليها بحنان قائلاً :
- انتى كويسه .. كنتى خايف عليكي أوى
أعادت ما قالت بحرج أكبر وهى تحاول أن تبتعد عنه :
- لو سمحت بجد مينفعش كده
قام من مكانه ووقف بجوارها ونظر اليها وابتسم بخبث قائلاً :
- ايه المشكلة يعني ما انتى كنتى فى حضنى امبارح
احمرت وجنتاها بشدة ونظرت اليه نظرة صارمه .. ضحك "عمر" قائلاً :
- لأ كده اطمنت عليكي .. الدم رجع ينور وشك تانى
صمت برهه ثم قال وهو ينظر اليها نظرة متوعده :
- اعملى حسابك .. أنا مش هقدر أستحمل الوضع ده كتير .. أنا سبتك تدلعى بما فيه الكفايه .. بس خلاص صبرى نفذ
نظرت اليه بإستغراب قائله :
- يعني ايه ؟
لمعت عيناه بشوق قائلاً بإبتسامه عذبه:
- يعني خلاص معدتش قادر أبعد عنك لحظة .. لولا انك تعبانه والظروف اللى انتى فيها أنا كنت جبت المأذون وكتبت عليكي حالاً
خفضت عيناها وتلون وجهها مرة أخرى .. تأملها مبتسماً .. لحظات ودخل "عبد الحميد" واقترب منها قائلاً :
- "ياسمين" .. عامله ايه دلوقتى
ابتسمت له قائله :
- الحمد لله يا بابا .. اطمن
مسح على رأسها وجلس بجوارها مردداً :
- الحمد لله والشكر لله .. الحمد لله والشكر لله
حضرت الطبيبة وطمأنتهم على حالها ثم دعت لها بالشفاء وخرجت .. حضرت "ريهام" ومعها طرحه وساعدت "ياسمين" على ارتدائها .. سألها "عمر" بإهتمام :
- احكيلى اللى حصل بالظبط يا "ياسمين"
تنهدت "ياسمين" ثم قصت عليهم كل شئ بدءاً من مكالمة "مها" .. وحتى وجدها "عمر" .. صاح "عمر" بحنق :
- يعني اللى اسمه "مصطفى" ده كان واحد من اللى خطفوكى
أومأت برأسها وقالت بمراره :
- أيوة .. وعشان كده كانوا عايزين يقتلونى ..لانى عرفته من صوته
قل "عبد الحميد" بغضب :
- لا حول ولا قوة الا بالله .. ده طلع بجد شيطان .. يارب يقبضوا عليه ويعدموه عشان نخلص منه
نظر "عمر" الى علامات الألم على وجهها ..احتار فى تفسيرها .. جاءت الشرطة لأخذ أقوالها وأقوال "عمر" .. خرج عم "عبد الحميد" و "ريهام" واستمع الظابط لرواية "ياسمين" .. كانت تقص عليه ما حدث بالتفصيل وهو يقاطعها بالأسئله .. حتى سألها :
- وازاى عرفتى انه طليقك .. انتى قولتى انهم كانوا مغميين عنيكي ومكنش حد فيهم بيتكلم أدامك
قالت بإرتباك :
- هو اتكلم فى مرة فسمعت صوته وعرفته
سألها الظابط :
- اتكلم قالك ايه ؟
توترت أكثر ثم قالت بصوت خافت :
- شتمنى
- ليه ؟
صمتت قليلاً وهى تتجنب النظر الى "عمر" الذى يراقبها بإهتمام .. ثم قالت :
- عشان زقيته برجلى ووجعته
قال الظابط :
- ليه هو حاول يتهجم عليكي ؟
أومأت برأسها وهى تنظر الى أسفل .. انفجرت الدماء فى وجه "عمر" واشتعل غضباً .. فأكمل الظابط قائلاً :
- على العموم احنا مسكنا شريكه .. وجارى البحث عن طليقك .. وكمان جبنا اللى اسمها الدكتورة "مها" أنكرت كل حاجه فى الأول خاصة ان الخط اللى كلمتك منه مش خطها ومش بإسمها .. بس لما شدينا عليها اعترفت خاصه لما أوهمناها ان عندنا أدلة ضدها .. وان شاء الله قريب هنمسك طليقك هو كمان
أومأت برأسها فى صمت .. أعطاها المحضر لتمضى عليه هى و"عمر" .. انصرف الظابط ومن بصحبته .. فالتفت اليها "عمر" قائلاً بحزم :
- متقلقيش لو معرفوش يوصلوله أنا هلاقيه وأخليه يندم على اليوم اللى اتولد فيه
نظر والى التصميم على وجهه .. فأكمل قائلاً :
- أنا هعرفه ازاى يتعرض لمراتى
خفق قلبها لكلمته .. نظرت اليه مندهشة فوجدته ينظر اليها بحنان مبتسماً :
- أيوة مراتى
دخلت "ريهام" وأعقبها والدهما .. بعد فترة جاءت "كريمه" و "نور" و "سماح" لزيارتها والإطمئنان عليها .. سعدت "ياسمين" للغاية بتلك الزيارة وبإلتفاف كل من تحبهم حولها .
***************************
فى نهاية اليوم سمحت الطبيبة لـ "ياسمين" بالمغادرة .. عاد الجميع الى المزرعة .. بقيت "سماح" مع صديقتها فى غرفتها في حين كان "أيمن" و "كرم" فى منزل "عمر" .. جلست "سماح" بجوار "ياسمين"على السرير قائله :
- قلقتينى عليكى .. كنت حسه انى هموت من الرعب
ابتسمت "ياسمين" فقالت "ريهام" :
- كنت حسه انى عايشة فيلم رعب .. أختى مخطوفه واللى خطفها طالب فديه .. حاجه ولا فى الأحلام .. دايماً بقرأ الحوادث دى فى الجرايد بس عمرى ما تخيلت انها تحصل معانا
قالت "ياسمين" :
- الحمد لله انها جت على أد كده
قامت "ريهام" قائله :
- هروح أطمن على بابا .. اليومين اللى فاتوا الضغط على عليه أوى
شعرت "ياسمين" بالأسف .. لأنها سبب تعب والدها .. نظرت اليها "سماح" قائله :
- أكيد التجربة كانت صعبة عليكي أوى
تنهدت "ياسمين" بأسى قائله :
- جداً .. كنت مرعوبة .. مكنتش فى الأول عارفه هما عايزين منى ايه .. ولا هما مين .. وبعد ما عرفت اترعبت أكتر
ثم قالت بألم :
- أكتر حاجه ألمتنى .. لما اكتشفت ان "مصطفى" واحد منهم .. بجد مكنتش متخيله ان الانسان ده جواه السواد ده كله
قالت "سماح" بتقزز :
- بجد حسبي الله ونعم الوكيل فيه .. ربنا ينتقملك منه
قالت "ياسمين" بصوت متألم :
- تخيلى لو كنت لسه مراته لحد دلوقتى .. كان زمانى كرهت نفسي .. الحمد لله انى خلصت منه
- الحمد لله .. فعلاً ربنا خلصك منه
ساد الصمت قليلا .. ثم قالت "سماح" مبتسمه :
- "أيمن" قالى ان "عمر" كان هيموت من خوفه عليكي .. أول ما طلبوا الفدية مترددش انه يدفعها .. كان أهم حاجه عنده انك ترجعى سليمه
ابتسمت "ياسمين" فى خجل قائله :
- عمرى ما هنسى اللى عمله معايا .. كان خايف عليا أكتر من خوفه على نفسه .. كان شجاع جداً وهو بيواجههم وواقف أدامى يحميني ..لما سمعت صوته فى الأوضه أول ما دخلوه اطمنت أوى .. حسيت ان مجرد صوته بيطمنى .. ولما خدونى عشان يقتلونى .. كنت حسه انى خايفه عليه .. وأعدت أفكر هيأذوه ولا لأ
ثم استطردت قائله بتأثر :
- تعرفى يا "سماح" انه لما لقى هدومى اتقطعت و شعرى مكشوف قلع الجاكيت والقميص بتوعه وغطى جسمي وشعرى بيهم
ابتسمت "سماح" .. فأكملت "ياسمين" :
- متتصوريش أنا كنت حسه بإيه .. فاكرة أخر مرة كنت عندك لما قولتلك انى مش عارفه طباعه وخايفه يخليني اقلع الحجاب او يلبسنى مكشوف او ميغرش عليا .. لما عمل كده حسيت ان مخاوفى دى راحت .. أنا عارفه انه عمل كده غيره .. يعني مش عشان حلال وحرام .. بس الغيره اللى عنده دى بتديني أمل ان جواه حاجه كويسه .. هو بس ملقاش اللى يوجهه .. عارفه مخلاش حتى "كرم" يقرب منى ويشوفنى وأنا فى الحالة دى
أكملت مبتسمه :
- تعرفى ان الممرضة اللى كانت معايا قالتلى خطيبك ده بيحبك أوى وبيغيرعليكي أوى .. استغربت .. لقيتها بتقولى انه مرضاش يخلى الدكتور يكشف عليا وأصر انهم يجيبولى دكتورة .. وقالهم لو مجبتولهاش دكتورة أنا هخدها مستشفى تانيه .. متتصوريش لما قالتلى كده أنا حسيت بإيه .. بجد على فى نظرى أوى أوى .. وحسيته راجل بجد
صمتت قليلاً ثم قالت وابتسامة جميلة فى عينيها وعلى شفتيها :
- أنا بحبه أوى يا "سماح"
ضحكت "سماح" قائله :
- الله أكبر .. بركاتك يا "عمر" .. كان لازم تتخطفى يعني عشان نسمع الإعتراف ده
ضحكت "ياسمين" فى خجل قائله :
- أنا كنت شكه بس خلاص دلوقتى اتأكدت .. أنا فعلاً بحبه يا "سماح" .. واللى حصل ده كله خلانى أشوفه راجل بجد .. وحسه انه بشوية توجيه ممكن حاجات كتير فى حياته تتغير
ابتسمت "سماح" قائله بخبث :
- طبعاً عشانك يا قمر ممكن كل حاجه فى حياته تتغير
عادت "ريهام" لتنظر اليهما قائله فى مرح :
- ايه مش تضحكونا معاكوا .. والا الاكتئاب والعياط لـ "ريهام" .. والابتسامه اللى من الودن للودن لـ "سماح"
قالت "سماح" بمرح :
- أخيراً أختك اعترفت وقالت : بحبه يا "سماح"
زغرطت "ريهام" قائله :
- أخيراً .. يا فرحة قلبك يا "عمر" يا ابن طنط "كريمة" .. أخيراً نلت الرضا السامى و "ياسمين" بذات نفسها قالت انها بتحبك
قالت "ياسمين" بدلع :
- بصراحة بعد اللى عمله دخل مزاجى
قالت "ريهام" فى مرح :
- دخل مزاجك بس .. ده المفروض يدخل عقلك وقلبك وشرايينك وكل حته فيكي .. يعني المفروض لو عملنالك تحليل شامل نلاقى "عمر" جواكى عمال ينتشر وتوغل ويتسرب ويستمر ويستمر ويستمر
ضحكت "سماح" .. نظرت اليهما "ياسمين" مبتسمه :
- انتوا في ايه مالكوا .. ياريتنى مكنتش فتحت بقى أنا غلطانه أصلاً
"ريهام" بمرح :
- لأ أبوس ايدك .. احنا طلعت عنينا عشان ناخد منك الإعتراف ده .. اوعى ترجعى فى كلامك .. خلى الدنيا تمشى حلو بأه .. ونعمل خطوبتى وخطوبتك فى يوم واحد
ابتسمت "سماح" وقالت :
- حد كان يصدق ان احنا التلاته ناخد 3 صحاب
ابتسمت "ياسمين" :
- لأ بصراحة عمرى ما كنت أتخيل
"ريهام" مبتسمه :
- ولا أنا .. سبحان الله
ثم نظرت الى "ياسمين" قائله :
- أنا من أول يوم وأنا بقولك انى حسه انى البلد دى وشها حلو علينا وهنطلع منها بفردتين .. ادينا خدنا أحلى فردتين فى البلد
لم تتمالك "سماح" و "ياسمين" نفسهما من الضحك .. قالت "سماح" :
- آه لو يسمع "كرم" موضوع الفردتين دول مكنش عتقك يا "ريهام"
نظرت "سماح" اليهما قائله :
- احم احم فى خبر كده عايزة أقولكوا عليه
نظر اليها كل من "ريهام" و "ياسمين" .. فإبتسمت قائله :
- أنا حامل
صاحت الفتاتان فى فرح .. قالت "ياسمين" :
- بجد يا "سماح" .. ألف ألف مبروك
قالت "ريهام" فى سعادة :
- مبروك يا "سماح" ربنا يتمم حملك على خير يارب
قالت ضاحكة :
- الله يبارك فيكوا .. أنا عرفت فى اليوم اللى "ياسمين" اتخطفت فيه .. والحمد لله أهى رجعت وسطينا تانى قولت أبشركوا بالخبر ده
قالت "ياسمين" بسعادة :
- بجد ده أحلى خبر سمعته .. ياه بقالى فترة طويلة مفرحتش كده .. يعني هبقى أخيراً خالتو
عانقتها "سماح" قائله :
- طبعاً يا "ياسمين" انتى أكتر من أختى
***************************
صاح "كرم" بمرح :
- وأخيراً هنشوف ابن واحد مننا .. أنا كنت بدأت افقد الأمل خلاص
قال "عمر" لـ "أيمن" بسعاده :
- ألف ألف مبروك يا "أيمن" .. بجد فرحتلك أوى
قال "أيمن" مبتسماً :
- ربنا يكرمك يا "عمر" .. يلا اتجدعنوا انتوا كمان خلونا نفرح بيكوا بأه بدل أعدتكوا كده .. بأه شكلكوا وحش
ضحك "عمر" .. صمت قليلاً ثم قال :
- أنا عايز أكلم أبوها تانى .. بس خايف يفتكر انى بستغل الموقف
قال "أيمن" :
- لأ الموضوع مفيهوش استغلال فرص ولا حاجه .. يعني ده جواز
قال "عمر" بقلق :
- خايف يفتكر انى بضغط عليهم عشان يعني اللى عملته مع "ياسمين"
قال "كرم" مؤكداً :
- لأ محدش هيظن كده .. المهم "ياسمين" نفسها انت مالى ايدك منها المرة دى ولا هترفض زى المرة اللى فاتت
فكر "عمر" قليلاً ثم قال :
- بصراحة مش مالى ايدي أوى
ثم ابتسم بخبث قائلاً :
- بس برده ايدي مش فاضيه
قال "كرم" بمرح :
- يبأه على خيرة الله .. توكل على الله وكلم أبوها تانى
ابتسم "عمر" قائلاً :
- بس المرة دى أنا مش هتكلم فى خطوبة
صاح "كرم" قائلاً :
- الله .. اشمعنى انت .. أنا كمان مش عايز خطوبة
قال "أيمن" بمرح :
- الله الله أهو هو ده الكلام .. يلا عشان نخلص منكوا انتوا الجوز مرة واحدة
اتصل "أيمن" بـ "سماح" ونزلت من عند صديقتها ليعودا الى منزلهما .. سألته عن تطورات التحقيقات فأجابها قائلاً :
- "بسطويسي" و "مها" اتقبض عليهم .. والبوليس بيدور على "مصطفى" متخفيش أيام ويتقبض عليه ان شاء الله
قالت "سماح" بحنق :
- ربنا ينتقم من اللى اسمه "مصطفى" ده .. ده هيكون عبرة ان شاء الله ولسه عقابه عند ربنا .. ده بجد انسان ظالم أوى
نامت "ريهام" .. وظلت "ياسمين" ساهره .. تفكر فى كل ما حدث لها .. وفيما قاسته منذ وفاة والدتها رحمها الله .. ثم وصلت بتفكيرها الى "عمر" .. عندما تذكرته ابتسمت .. نعم لقد أحبته .. دخل قلبها رغم الأسوار العالية التى بنتها حوله .. ملك مشاعرها وكل كيانها .. برجولته وغيرته وخوفه عليها .. التفتت الى هاتفها لتراه يضئ فى صمت .. نظرت فوجدت رقماً لا تعرفه .. تعجبت من الذى يتصل بها فى هذا الوقت .. ظنت بأنه ربما يكون "مصطفى" .. شعرت بالخوف .. لم ترد .. اتصلمرة أخرى .. غلبها الفضول ففتحت الخط دون أن ترد .. ولدهشتها سمعت صوت "عمر" يقول :
- ازيك يا "ياسمين"
صمتت ولم تجب .. كانت مندهشة من اتصاله بها .. أكمل "عمر" بصوت حانى :
- كنت قلقان عليكي وحبيب بس أسمع صوتك
صمت قليلاً ثم قال :
- وحشتيني أوى
خرجت "ياسمين" من صمتها قائله :
- أنا آسفة مضطرة أقفل
قال بصوت دافئ :
- ماشي .. أنا بس كنت حابب أسمع صوتك .. ممكن أطلب منك طلب
صمتت .. فأكمل قائلاً :
- أنا واقف تحت البلكونه .. ممكن بس تبصيلي .. وحشتيني الساعتين دول .. عايز بس أشوفك
شعرت بسعادة غامرة .. لكنها قالت بخفوت :
- أنا أسفه مش هينفع
طال صمته ثم تنهد قائلاً :
- طيب خلى بالك من نفسك .. لو احتجتى أى حاجه ده رقمى سيفيه عندك .. تصبحى على خير يا حبيبتى
خفق قلبها بشدة عندما سمعت منه "حبيبتى" .. أغلقت .. وقامت تفتح باب الشرفة بهدوء .. وقفت خلف الستارة .. رأته بالفعل .. كان ينظر بإتجاه الشرفة .. وقف قليلاً ثم انصرف عائداً الى بيته .. تابعته "ياسمين" بعينيها والإبتسامه على شفتيها
فى اليوم التالى ظلت "ياسمين" حبيسة غرفتها .. التزمت بتعليمات الطبيبة براحة وعدم ارهاق نفسها .. فى منتصف النهار .. رن هاتفها لتجد رسالة من "عمر" فتحتها لتجد مكتوب فيها :
وحشتينى .. على قدر ما فى المنام تأتينى
وحشتينى .. على قدر ما فى الأحلام تزورينى
وحشتينى .. على قدر الحب الذى بيه وهبتينى
ومنه حرمتينى .. واليه ارجعتينى .. وحشتينى
حبيبتى .... ببعدك لا تزيدينى .. فأنتِ بداخلى وفى تكويني .
شعرت بسعادة لذيذة تجتاح كل كيانها .. تسللت الابتسامه الى شفتيها .. ضمت هاتفها الى صدرها تعانقه .. نظرت الى كلماته مرة أخرى .. قرأتها مرات ومرات .. والابتسامه لا تفارق شفتيها .. وقلبها لا تهدأ سرعة ضرباته .
بعد المغرب .. قال "نور" لـ "كريمة" و "عمر" :
- ما تيجوا يا جماعة نخرج شوية .. نتعشى بره فى أى مكان
قالت "كريمه" بسعادة :
- والله فكرة .. حتى تغيير جو .. قولت ايه يا "عمر"
فكر "عمر" قليلاً ثم قال :
- لأ روحوا انتوا يا ماما
قالت "كريمه" تحثه :
- وتعد لوحدك فى البيت ليه تعالى معانا تغير جو .. الواحد أعصابه تعبت اليومين اللى فاتوا
- لأ معلش يا ماما روحوا انتوا .. وكمان عندى شغل كتير متراكم عليا .. الأيام اللى فاتت انتوا عارفين أنا مكنتش بهتم بالشغل خالص ..وفى حاجه كتير لازم تخلص
- خلاص يا حبيبتى ربنا يعينك .. على العموم لو غيرت رأيك كلمنا
خرج والداه وركبا السيارة وانطلقا الى المنصورة .. ذهب "عمر" الى مكتبه .. ليبدأ عمله .. كان ينظر الى هاتفه كل فتره .. وكأنه ينتظر اتصالاً أو رسالة منها .. يعلم بأنها لن تفعل ذلك .. لكنه بقى متأملاً
شعرت "ياسمين" بالملل .. فنزلت لتتمشى قليلاً فى المزرعة .. ظلت تمشى لساعات وسط الطبيعه الخلابه .. لم تجرب السير فى المزرعة ليلاً .. وجدت له مذاقاً خاصاً .. والنسمات المنعشة أفادتها كثيراً .. أخذتها قدماها قرب بيت "عمر" ألقت نظرة على البيت وابتسمت .. أخرجت هاتفها وأعادت قراءة الرسالة مرة أخرى .. ثم أكملت طريقها .. عندما همت بالعودة .. نظرت لتجد قرب البوابة عند الأسلاك الشائكة .. رجل يحاول اقتحام المكان والتسلل من بين الأسلاك .. دب الخوف فى أوصالها .. شعرت الرعب .. خافت أن تتقدم أكثر فيراها الرجل .. دققت النظر تحت ضوء القمر .. لتجد أن للرجل هيئة كهيئة "مصطفى" .. لم تستطع رؤية ملامح وجهه جيداً بسبب الظلام .. لكن كان نفس الهئية والجسم .. كان قد اقترب بالفعل من الدخول من بين الأسلاك .. فزعت .. خافت أن تجرى فى اتجاه حجرة الغفير فيراها "مصطفى" ويسرع بالإمساك بها .. شعرت بأن تفكيرها قد شُل من الخوف .. جرت فى الإتجاه الآخر .. ثم وجدت نفسها تلقائياً تصعد الدرجات الى بيت المزرعة .. أخذت تطرق الباب بسرعة منادية :
- "عمر" .. "عمر"
تجمعت الدموع فى عينيها وهى تطرق الباب بقوة .. وتنظر يميناً ويساراً خشية من أن يلحق "مصطفى" بها .. ويمسكها وينتقم منها .. فهى الشاهدة الوحيدة عليه .. "عمر" لم يرى وجهه .. ولم يتعرف صوته أحد غيرها .. وهى تعلم أنه لن يتردد لحظة فى قتلها اذا سنحت له الفرصه .. لينقذ نفسه من السجن .. طرقت الباب بهلع وأخيراً فتح "عمر" .. نظر اليها بلهفة قائلاً :
- "ياسمين" مالك فى ايه ؟
قالت "ياسمين" بصوت مرتجف وبأنفاس متقطعه :
- "مصطفى"
سألها بهلع :
- هو فين ؟ .. عملك حاجه ؟
ابتلعت ريقها وقالت بأعين دامعه :
- شوفته بيحاول يدخل من السلك اللى جمب البوابة
جذبها "عمر" من ذراعها بقوة وأدخلها البيت وقال بحزم :
- خليكي هنا واقفلى الباب كويس من جوه ومتفتحيش لحد غيرى
أغلق الباب خلفه .. فتأكدت من غلقه جيداً .. ثم توجهت الى احدى النوافذ القريبه تستطلع الأمر منها .. رأت "عمر" يسير بإتجاه البوابة .. خافت عليه بشدة .. خافت أن يهاجمه "مصطفى" .. خافت أن يكون "مصطفى" حاملاً للسلاح ويتهور ويطلق النار على "عمر" .. شعرت بالخوف والفزع .. ليتها لم تأتى اليه .. ليتها لم تأتى اليه .. ليتها لم تقحمه فى الأمر وجرت بإتجاه البوابة الى حيث غرفة الغفير .. وقفت فى نافذة أخرى فلم ترى شيئاً .. اختفى "عمر" من أمام ناظريها وأعاقتها الأشجار عن متابعة ما يحدث .. تساقطت العبرات على وجنتيها .. هى آمنه فى الداخل .. وهو فى الخارج تحت رحمة هذا المجرم .. أخرجت هاتفها وحاولت أن تتصل به .. رن الهاتف ثم سمعت طرقات على الباب .. انتفضت .. أغلقت الهاتف وتوجهت الى الباب .. سمعت الطرقات مرة أخرى .. قالت بصوت مرتجف :
- مين ؟
أتاها صوته :
- افتحى يا "ياسمين" أنا "عمر"
شعرت بالخوف .. ماذا لو كان "مصطفى" معه .. ماذا لو كان يهدده .. قالت بشك بصوت مضطرب :
- انت لوحدك ولا "مصطفى" معاك ؟
صمت قليلاً ثم أتاها صوته فى حنان :
- متخفيش أنا لوحدى .. "مصطفى" مش موجود متخفيش
مازالت تشعر بالخوف .. قالت له فى حيرة وألم :
- طيب ما ممكن يكون "مصطفى" بيهددك بالسلاح دلوقتى عشان تقولى انه مش معاك وأفتح الباب وهو يدخل
طال صمته .. ثم أتاها صوته الدافئ وهو يقول :
- لو فعلاً ده حصل و "مصطفى" أو غيره هددنى عشان أديكي الأمان وتفتحى الباب .. فأنا أفضل انه يقتلنى ولا انه يطول شعره منك .. مش ممكن أسمح لحد انه يأذيكي يا "ياسمين" .. حتى لو فيها موتى أنا
شعرت بكلماته الصادقة تخترق قلبها وتستقر به .. فتحت الباب ببطء .. ابتسم ونظر اليها وعينيه تغمرانها بحنانه .. لكم تحب تلك العينين والرسائل التى ترسلانها اليها .. رسائل حب وعشق صامته ..
سألته بقلق :
- لقيت "مصطفى" ؟
طمأنها قائلاً :
- متخفيش مش هو
قالت بإستغراب :
- أمال مين
- ده عامل شغال هنا فى المزرعة فضل يخبط على البوابة بس الغفير نام ومسمعوش .. فحاول يدخل من بين الأسلاك
أومأت "ياسمين" برأسها وشعرت بالحمق لأنها أزعجته بدون داعى .. تقدمت لتخرج فوجدت وقف أمام الباب ليمنع خروجها .. نظرت اليه بدهشه .. فنظر اليها بخبث قائلاً :
- تعملى ايه لو حبستك هنا
شعرت بالخجل فخفضت بصرها وقالت :
- لو سمحت عديني
قال بمرح وعينا تلمعان بخبث :
- لأ مش هعديكي .. وهحبسك هنا لحد ما تستسلمى تماماً
وفجأة دخلت سيارة والده الى المزرعة .. اضطربت "ياسمين" بشدة ونظرت الى "عمر" بعتاب فلو كان سمح لها بالذهاب لما كانت ستتعرض لهذا الموقف .. ابتسم لها "عمر" وهو يراقب علامات الارتباك على وجهها .. نزل والده ووالدته من السيارة ليروا "عمر" واقف على باب المنزل من الخارج و "ياسمين" واقفة على الباب من الدخل ..شعرت بالخجل الشديد من هذا المأذق الذى وجدت نفسها فيه .. اقتربت "كريمه" منها قائله بإبتسامه :
- ازيك يا "ياسمين" حمدالله على سلامتك يا حبيبتى
قالت "ياسمين" بتوتر :
- الله يسلمك
تقدم والد "عمر" وسلم عليها هو الآخر .. كانت تتمنى أن تنشق الأرض وتبلعها أصحاب البيت واقفون على الباب من الخارج وهى تقف من الداخل .. لا تدرى كيف تشرح ما حدث .. أنقذها "عمر" قائلاً :
- "ياسمين" كانت بتتمشى واتخضت لما شافت راجل بيحاول يدخل من الأسلاك اللى جمب البوابة جتلى عشان أشوف مين اللى بيحاول يدخل ودخلتها البيت لحد ما أرجع
قالت له أمه بإهتمام :
- وطلع مين ؟
- عامل من اللى ساكنين فى سكن العمال .. الغفير كان نام ومسمعش خبطه على البوابه
قال "نور" موجهاً حديثه الى "ياسمين" :
- متخفيش يا "ياسمين" محدش يقدر يدخل المزرعة هنا .. أكيد طليقك هيخاف ييجى هنا
شعر "عمر" بالحنق عندما سمع لفظ "طليقك" .. كان يحاول قدر الإمكان تناسى بأنها متزوجه من قبل .. لأن هذا الأمر .. يؤلمه أشد ألم .. أفسحت "ياسمين" الطريق ليمر والداه .. دخلوا الى المنزل .. حاولت الخروج فسد "عمر" الباب بجسده مرة أخرى وابتسم بخبث .. صاحت بضيق :
- لو سمحت مينفعش كده .. كفايه اللى حصل .. لو كنت خلتنى أمشى مكنش زمانى اتحطيت فى الموقف ده .. لو سمحت عديني
قال "عمر" بمرح دون أن يتخلى عن ابتسامته :
- فعلاً معاكى حق شكلنا بأه بايخ أوى .. وكمان أنا ليا سمعه لازم أحافظ عليها
اقترب برأسه منها ونظر فى عينيها قائلاً:
- لازم تصلحى غلطتك وتتجوزيني
حاولت كتم ابتسامتها بصعوبة وقالت بجديه :
- لو سمحت عديني
هتف وهو يتظاهر بالجديه :
- وسمعتى اللى ضاعت على اديكي .. وأهلى اللى شافونى واقف معاكى على عتبة بيتنا .. خلاص كده مفيش بنت هترضى تبص فى وشى .. لازم تتجوزيني وتسترى عليا يا "ياسمين"
لاحت ابتسامه صغيره على شفتيها لكنها أخفتها سريعاً وهتفت بجديه :
- خليني أمشى يا إما هنادى لطنط "كريمه" وأقولها انك مش راضى تعديني
قال بتحدى :
- نادى طنط "كريمه" بتاعتك وأنا أقولها على اللى عملتيه في العربية
قالت بدهشة :
- انا .. عملت ايه ؟
نظر اليها بخبث وهو يقول :
- كل ما أحاول أبعدك عنى .. تقوليلى لا يا "عمر" متسبنيش وفضلتى لازقه فى حضنى طول الطريق مش عارف أتحرك منك
احمرت جنتاها بشدة وهتفت قائله :
- والله ما حصل .. أنا معملتش كده
قال بتحدى :
- لأ عملتى كدة و "كرم" شاهد كمان
صاحت بضيق :
- بطل تهريج أنا معملتش كده .. صحيح أنا مش فاكرة اللى حصل بس أكيد معملتش اللى انت بتقوله ده
قال وهو يتظاهر بجديه :
- بصى يا بنت الناس .. يا توعديني انك تصلحى غلطتك وتتجوزيني يا اما مش هطلعك من البيت وهجيب المأذن وأكتب عليكي بالعافية .. ها قولتلى ايه .. تختارى ايه ؟
قالت بجديه :
- عديني لو سمحت
قال بتحدى :
- خلاص انتى حرة انتى اللى اخترتى
ثم هم بالدخول فإبتعدت .. كاد أن يغلق الباب فقالت بسرعة :
- خلاص .. خرجنى
لمعت عيناه وابتسم قائلاً :
- يعني خلاص هتتجوزيني ؟
تحاشت النظر فى عينيه وتضرجت وجنتاها خجلاً .. فحثها قائلاً :
- ها .. مش هفضل مستنى كده كتير .. هتتجوزيني ؟
ابتسمت دون أن تنظر اليه .. فنظر اليه بحب قائلاً بهمس :
- كفاية الإبتسامه الحلوة دى .. هعتبرها بدل كلمة موافقة
قالت بصوت خافت وهى لا تستطيع أن ترفع عينيها فى عينيه :
- ممكن لو سمحت تعديني
أومأ برأسه قائلاً وعيناه تغوصان فى بحر عينيها :
- ماشى هعديكي بس عايزك تعرفى حاجه .. مش هسيبك سمعانى .. أنا خلاص لا عاد ينفعنى خطوبة ولا كتب كتاب .. أنا هكلم باباكى ونحدد معاد الفرح .. لأنى مش هقدر أصبر أكتر من كده .. عايزك فى حضني فى أقرب وقت .. عايز أفتح عيني كل يوم عليكي وأغمضها عليكي .. انتى حته منى وبعدك عنى تاعبنى .. ومعدتش قادر أستحمل بعدك ده .. لازم نبقى مع بعض بأه .. أنا تعبان من غيرك يا حبيبتى .. حبيبك محتاجلك أوى .. ومشتاقلك أوى .. وبيتعذب من غيرك .. حسي بيه .. ومتبقيش قاسيه عليه
ازداد احمرار وجهها .. لم تستطع حتى النظر اليه .. أفسح لها الطريق .. فخرجت مسرعه .. وعيناه تتابعانها .. تحسست وجنتاها لتجد الحرارة تنبعث منهما .. عادت الى غرفتها وعلى شفتيها ابتسامة تشى بسعادة لم تشعر بها من قبل .. وقلبها قد جن وأخذ يخفق فى جنون .. وضعت يجها على صدرها لعلها تبطئ من سرعة دقاته .. ها هى أحلامها أوشكت أن تصبح حقيقـــة.
فى اليوم التالى تحدث "عمر" ووالداه و "كرم" الى "عبد الحميد" واتفقوا جميعاً على كتب كتاب الأختين بعد ثلاثة أيـــام فى نفــس اليــوم .. كانت سعادة الرجليــن غامرة .. وكذلك الفتاتيـــن .
↚
عمت أجواء البهجة فى المزرعة بعدما تم اعلان يوم كتب كتاب كل من "عمر" و "كرم" .. كان الجميع فرح لهذين الرجلين وهاتين الفتاتين .. فالجميع مشهود له الطيبة وحسن الخلق .. وان وجد داخل البعض مزيج من الغيرة والحسد .. فالكل يعلم ان الفتاتين تعملان فى المزرعة وأنهما من أسرة بسيطة .. ولا يميزهن جمال صارخ .. يخطف عقول الرجال .. فأثار ذلك بعض مشاعر الغيره والحسد لدى الفتيات العاملات بالمزرعة .. كانت "ياسمين" فى منتهى السعادة تعد مع أختها ومع "كريمه" و "سماح" ترتيبات هذا اليوم .. قرروا أن يتم الإحتفال بهذا اليوم فى المزرعة .. التى شهدت ميلاد حبهم .. كان "عمر" يكاد لا يصدق نفسه من فرط السعادة .. فهاهى أخيراً حبيبته ستصبح زوجته .. وكذلك "كرم" و "ريهام" كانا سعيدين للغاية .. قام "نور" بدعوة أخته "ثريا" وابنها "علاء" و ابنتها "ايناس" ..
لكنها رفضت الحضور بعدما حدث فى آخر زيارة لها فى المزرعة .. فمازالت غاضبة من "عمر" لأنه وقف أمامها من أجل حبيبته وأهلها .. كان "عمر" يشعر بالإرتياح لعدم حضور عمته .. لأنه كان يخشى أن تفعل هى أو ابنتها ما يعكر صفو هذا اليوم .. ذهبت الفتاتان مع "كريمه" و "سماح" لاختيار الفساتين لهذه المناسبه .. أما الرجلين فإهتما مع "أيمن" و "نور" و "عبد الحميد" .. بتنظيم كل شئ .. ليخرج اليوم فى أبهى صورة ..قرروا أن تكون الحفلة صغيرة عائلية . على أن يعقبها العرس بفترة صغيرة ويكون احتفالاً كبيراً فى القاهرة ..
قالت "ريهام" ل "ياسمين" فى غرفتهما :
- الحمد لله اطمنت ان أنا وانتى هنعيش مع بعض في القاهرة .. كنت خايفة "كرم" يقرر نعيش فى القاهرة و "عمر" يقرر انكوا تعيشوا هنا
ابتسمت "ياسمين" قائلاً :
- "عمر" قال ان مكاننا الأساسى هتكون فيلة أهله فى القاهرة .. بس ده ميمنعش اننا هنيجي هنا المزرعة وقت ما نحب .. بصراحة أنا بحب المكان ده أوى ومتعلقة بيه اوى .. أصلا مش عارفه ممكن أعيش ازاى فى مكان تانى غير هنا
ابتسمت "ريهام" قائله :
- أما أنا بأه لازم أرجع لان خلاص امتحاناتى على الأبواب
ضحكت "ياسمين" قائلاً :
- حلو أوى يعني هتقضى شهر العسل فى المذاكرة والإمتحانات
قالت "ريهام" بمرح :
- آه بس لازم "كرم" يعوضنى ونسافر زيك انتى و "عمر" .. صحيح ما قولتيش هتسافروا فين ؟
قالت "ياسمين" بسعادة :
- مش عارفه مامته ما قالتليش .. قالتلى انه عملهالى مفاجأة
- ان شاء الله تبقى أحلى مفاجأة
قالت "ياسمين" بشئ من الحزن :
- صعبان عليا بابا هنسيبه هنا لوحده
- نعمل ايه يا "ياسمين" هو اللى مش راضى يرجع معانا .. حب الشغل هنا والعيشة هنا وبأه له صحاب هنا .. ومش حابب يبعد عن المزرعة
طمأنتها "ريهام" قائله :
- وبعدين زى ما انتى قولتى اكيد هتيجى هنا انتى و"عمر" .. وهنبقى نيجى معاكوا أنا و "كرم"
أومأت "ياسمين" برأسها قائله :
- ان شاء الله
صفقت "ريهام" بمرح :
- بصى بأه احنا مش عايزين نفكر فى أى حاجه تضايقنا .. عايزين نفكر فى الحفلة وبس .. وان بعد أقل من 3 أيام هبقى أنا مدام "ريهام" .. وانتى مدام "ياسمين"
قالت "ياسمين" بنبرة حزينه :
- أنا أصلاً مدام .. ولا نسيتي
ضحكت "ريهام" وقالت بخبث :
- لا مش مدام .. أنا وانتى عارفين اللى فيها .. مش متخيله صدمة "عمر" لما يعرف .. أكيد هتبقى أحلى صدمه فى حياته
ابتسمت "ياسمين" بسعادة .. فأكملت "ريهام" :
- الراجل هيتجنن عليكي وهو فاكر انك اتجوزتى .. أمال لو عرف هيعمل ايه ..
أطلقت "ياسمين" ضحكات مرحة اشتاقت لمساع صداها فى أذنيها طويلاً
************************
فى الصباح ذهبت "ياسمين" و "ريهام" مع "كريمه" فى السيارة لشراء بعض الأغراض .. وعند عودتهم توقفت السيارة أمام بيت المزرعة .. أصرت "كريمة" على الفتاتين الدخول معها والجلوس قليلاً .. دخلت الفتاتين .. فرأت "ياسمين" بيت المزرعة لأول مرة .. فالمرة السابقة كانت فى حالة خوف ولم تراه جيداً .. كان بيتاً مريحاً له طابع كلاسيكي .. ولكنه يتميز أيضاَ بالبساطه .. بعث فى نفسها الراحه .. وأحبته .. كما أحبت المزرعة .. رأت على أحد الجدران صوراً معلقة لرجال ونساء .. تضايقت "ياسمين" قليلاً فهى تعلم أن الملائكة لا تدخل بيتاً به صوراً .. وقفت أمام احدى الصورة .. كانت صورة لرجل له هيبه لا تخطئها العين .. كانت شاردة عندما اقتربت منها "كريمه" قائله :
- ده والد زوجى .. جد "عمر" .. كانت روحه فى "عمر" .. هو اللى حببه فى المزرعة وفى الزراعة .. عشان كده "عمر" قرر انه يدخل كلية الزراعة .. وحضر فيها وخد الماجستير والدكتوراه كمان
نظرت اليها "ياسمين" بدهشة .. فهذه هى المرة الأولى التى تسمع فيها تلك المعلومات عن "عمر" .. شعرت بأنها مازالت لا تعرف ذلك الرجل جيداً ..الرجل الذى ستصبح زوجته .. بعد أقل من يومين .. جلس ثلاثتهم يحتسون أقداح من الشاى الساخن ..
جلست "كريمه" بجوار "ياسمين" وابتسمت :
- حبيبتى أنا مبسوطه أوى انك أخيراً قدرتى تاخدى قرارك .. صدقيني "عمر" ابنى مفيش زيه .. مش عشان هو ابنى .. بس بجد عمرك ما هتلاقى حد يخاف عليكي ويبقى حنين عليكي زيه .. أكتر صفة بعشها فى جوزى هى حنيته .. و"عمر" ورث حنية أبوه .. ربنا يسعدكوا انتوا الاتنين لان انتى كمان باين عليكي طيبه وحنينه
ابتسمت "ياسمين" قائله :
- بجد أنا فرحانه ان بينى وبين حضرتك علاقة كويسة .. كنت دايماً بتمنى ان أنا وحماتى نكون متفقين مع بعض
اتسعت ابتسامه "كريمة" قائلاً :
- أنا بأه مش عايزة أكون حماتك .. عايزاكى تعتبريني مكان ماما الله يرحمها .. ينفع ؟
اغروقت عينا "ياسمين" بالدموع ونظرت اليها قائله :
- أكيد طبعاً
- خلاص يبقى من النهاردة انتى و "ريهام" تقولولى يا ماما "كريمه" .. لانى بعتبر "كرم" كمان ابنى
ابتسمت "ريهام" قائله :
- أكيد .. دى حاجة تفرحنى
نظرت اليهما "كريمة" قائلاً :
- أنا كان نفسي أخلف بنات بس ربنا ما أردش .. بعد ما ولدت "عمر" ربنا ما أرادليش الخلفة مرة تانية وأنا اكتفيت بيه وحمدت ربنا على النعمة اللى رزقنى بيها مع انى كان نفسي أخلف كمان بنت .. بس الحمد لله ربنا عوضنى بيكوا انتوا الاتنين
فجأة دخل "عمر" الى المنزل ليجد "ياسمين" و "ريهام" .. اتسعت ابتسامته .. واقترب منها قائلاً :
- ازيك يا "ياسمين" .. ايه النور ده
ابتسمت بخجل قائلاً :
- الحمد لله
ثم نظر الى "ريهام" قائلاً :
- ازيك يا "ريهام" أخبارك ايه
- الحمد لله
قالت "كريمه" :
- مكنوش راضيين يدخلوا .. مع ان خلاص احنا بقينا عيلة واحدة
نظر "عمر" الى "ياسمين" بتحدى قائلاً بإبتسامه :
- هى مش هتقتنع إلا لما القسيمة تبقى فى ايدى .. هانت كلها يومين .. وكل حاجه بعد كدة هتبقى زى ما أنا عايز
صمتت قليلا ثم نظرت اليه قائله :
- شغل سي السيد وأمينه يعنى
انفجر "عمر" ضاحكاً .. ثم نظر اليها قائلاً :
- متخفيش أنا مش ديكتاتور .. لو كنت عايز أأمر ومراتى تنفذ وخلاص .. كنت اتجوزت أى واحدة مكنتش هتفرق .. لكن أنا عايز واحدة تشاركنى حياتى وأشاركها حياتها .. زى الطيارة .. ليها كابتن ومساعد كابتن .. لا ينفع الكابتن من غير المساعد ولا ينفع المساعد من غير الكابتن
ثم نظر اليها بحنان قائلاً بمرح :
- ماشى يا مساعد ؟
قالت بخفوت مطرقه برأسها والابتسامه على ثغرها :
- ماشى يا كابتن
اتسعت ابتسامته .. والتمعت عيناه بنظره حب وشوق .. فهربت بعينيها الى "ريهام" و "كريمة" اللاتان تتابعانهما بإبتسامه صامته .. فشعرت بالخجل .. وقف "عمر" أمامها ليحجب عنها الرؤية .. رفعت نظرها اليه مندهشة فقال لها :
- جهزى نفسك النهاردة انتى و "ريهام" عشان هنروح كلما نجيب شبكتكوا انتو الاتنين .. احنا اتفقنا مع عم "عبد الحميد" .. وان شاء الله كلنا هنروح سوا ..
أومأت برأسها فى خجل .. ظل واقف أمامها يراقب تعبيرات وجهها والحمرة التى تملأه .. ضحكت أمه ونظرت اليه قائله :
- بطل غلاسه هى بتتكسف
قال لأمه فى مرح :
- انا عملت حاجه أنا ببصلها بس
ازداد خجل "ياسمين" .. فقالت أمه :
- "عمر" بجد .. متضايقهاش
نهضت "ياسمين" وتحاشت الاقتراب منه .. وقالت لـ "كريمه" :
- احنا هنمشى بأه عشان ورانا حاجات كتير بنجهزها ..
قامت "ريهام" من فورها .. وقالت "كريمه" مبتسمه :
- خلاص يا حبيبتى أشوفكوا بالليل ان شاء الله
خرجت "ياسمين" و "ريهام" من المنزل .. لحظات وخرج "عمر" ورائها منادياً اياها :
- "ياسمين"
توقفت .. أقبل عليها ووقف أمامها قائلاً :
- استنى عايز أقولك حاجه
ثم نظر لـ "ريهام" قائلاً :
- "ريهام" ممكن ثوانى
ابتعدت "ريهام" قليلاً .. نظرت اليه "ياسمين" بحرج قائله :
- خير ؟
نظر اليها وأخرج من جيبه علبة قطيفة صغيرة .. نظرت اليه بإستغراب .. فتحها لتجد سلسلة صغيرة بها قلادة على شكل قلب وبداخل القلب محفور اسمه "عمر" .. نظر اليها قائلاً بحنان :
- السلسلة دى تلبسيها ومش عايزك تقلعيها أبداً مهما حصل
ثم أخرج ميداليه وأراها القلب الصغير الذى يشبه القلب فى السلسلة لكن القلب الذى معه يحمل اسمها "ياسمين" .. ابتسم لها قائلاً :
- انا كمان مش هشيل القلب ده مهما حصل .. انتى معاكى قلبي وأنا معايا قلبك .. اتفقنا
أومأت برأسها وأخذت منه العلبة .. قبل أن تغادر همس لها بشغف قائلاً :
- كلها يومين وتبقى بتاعتى بجد .. ومعدتيش هتعرفى تهربي مني
صعدت الفتاتان الى غرفتهما .. أخذت "ياسمين" تتفحص القلب مبتسمه .. ثم التفتت الى "ريهام" قائله :
- أنا خايفه يا "ريهام" أوى
- خايفه ليه
قالت "ياسمين" بوجوم :
- خايفه الحب اللى أنا شيفاه من "عمر" ده يتغير بعد الجواز
هتفت "ريهام" :
- يا ستى هتقدرى البلا قبل وقوعه ليه .. ما الراجل لذيذ وزى الفل أهو
قالت "ياسمين" بلهفه :
- أنا مش عايزاه يتغير يا "ريهام"
- ده فى ايدك على فكرة
قالت "ياسمين" بثقه :
- صح معاكى حق .. أنا طول عمرى بقول ان ده فى ايد الزوجة .. هى اللى تقدر تخلى زوجها متعلق بيها .. وبيحبها .. وميقدرش يستغنى عنها
ثم ابتسمت قائله :
- بحبه أوى يا "ريهام" .. ومش قادرة أصدق ان أخيراً الدنيا هتمشى زى ما أنا عايزة
فى المساء ذهب الجميع لاختيار الشبكة .. "عمر" ووالداه .. "كرم" .. "أيمن" .. "سماح" .. "عبد الحميد" .. "ريهام" .. "ياسمين" .. كانت سعادتهم غامرة بتلك المناسبة .. وأكثر من دمعت عيناه فرحاً هو "عبد الحميد" الذى لم يصدق زواج ابنتاه وفى يوم واحد .. من رجلين تتمناهما الكثير من الفتيات .. شعر بأن الله أهداه بهدية كبيرة جداً .. سجد شكراً لله بعد عودته .. وظل يحمده ويشكره على ما أعطاه هو وبناته .. فى اليوم التالى .. وجدت "ياسمين" .. "ولاء" تتصل بها لتخبرها بوجود رجل يسأل عنها فى مكان عملها .. استغربت "ياسمين" بشدة .. قالت "ولاء" :
- راجل كبير فلاح .. من القرية بتاعتنا .. مصر جداً انه يتكلم معاكى .. ولما قولتله اتكلم مع البشمهندس "عمر" اتخض وقالى أبوس ايديكى متجيبيلهوش سيرة .. أنا عايز الست"ياسمين"
قالت "ياسمين" بدهشة :
- عايز ايه ده أنا مش فاهمة
- بقولك معرفش مش راضى يقولى وآعد جوه فى المكتب .. شوفى أقوله ايه أمشيه ولا ايه ؟
صمتت "ياسمين" قليلاً ثم فكرت بصوت عالى :
- يمكن واحد شاف حادثة الخطف بتاعتى وعارف مكان "مصطفى"
ثم قالت :
- استنى يا "ولاء" أنا نازلاله خليه آعد فى المكتب
ارتدت "ياسمين" ملابسها وهى تدعو الله أن يرشدها الرجل الى مكان "مصطفى" الذى مازال هارباً حتى الآن .. دخلت المكتب لتجد رجلاً كما وصفته "ولاء" .. كبير فى السن .. فلاح بسيط .. خرجت من المكتب مرة أخرى وذهبت الى "ولاء" قائله :
- "ولاء" تعالى معايا مش عايزة أعد معاه فى المكتب لوحدى
ذهبت معها "ولاء" دخلت الفتاتان فقالت "ولاء" للرجل :
- هى دى الدكتورة "ياسمين" يا حاج
قام الرجل وهو ينظر الى "ياسمين" بشك ثم قال :
- انتى الدكتورة "ياسمين" اللى هتتجوز البشمهندس "عمر"
قالت "ياسمين" بترقب :
- أيوة أنا
نظر الرجل الى "ولاء" ثم الى "ياسمين" قائلاً :
- عايز أكلمك على انفراد يا ست الدكتورة
قالت "ياسمين" بحزم :
- آسفة .. حضرتك قول اللى عايز تقولهولى .. الدكتورة "ولاء" مش هتمشى
ظهر على الرجل التردد ثم سألها :
- يعني انتى واثقه فيها ؟
تبادلت الفتاتان نظرات الحيرة ثم نظرت اليه "ياسمين" قائله :
- أيوة واثقة فيها .. اتفضل اتكلم .. خير عايزينى فى ايه ؟
صمت الرجل قليلاً ثم قال :
- بصى يا دكتورة .. أنا راجل غلبان وبجرى على أكل عيشي .. وعندى بنات فى سنك كدة .. واللى مرضهوش لبناتى مرضهوش لبنات الناس
كانت "ياسمين" و "ولاء" يستمعان اليه فى اهتمام فأكمل قائلاً :
- الراجل اللى انتى هتتجوزيه ده واحد عايش فى الحرام
بهتت "ياسمين" وفتحت فمها فى دهشة .. كيف يجرؤ هذا الرجل على أن يتحدث عن "عمر" بهذا الشكل .. كانت "ولاء" تنظر اليه بإهتمام وقالت :
- يعني ايه وضح كلامك
تنهد الرجل قائلاً :
- من كام شهر كان فى المزرعة غفير اسمه "عويس" كان شغال هنا هو والجماعه بتوعه
تبادلت "ياسمين" نظرة مع "ولاء" وقد تذكرت تلك الإشاعة التى أخبرتها بها "ولاء" من قبل .. فأكمل الرجل :
- "عويس" والجماعة بتوعه اختفوا ومحدش يعرف هما راحوا فين ولا ايه اللى مشاهم
صمت قليلاً ثم قال :
- بس أنا عارف هما مشوا ليه
كان التوتر قد وصل الى ذروته فى نفس "ياسمين" فقالت له بحده :
- قول اللى انت عايز تقوله مرة واحدة لو سمحت
أكمل الرجل :
- فى يوم وأنا ماشى فى البلد وراجع بيتي متأخر .. اليوم ده فاكره كويس لأنه يوم فرح ابن أخويا فى القرية اللى جمبنا .. قابلت "عويس" واخد فى وشه وطالع يجرى حاولت أوقفه وأنادى عليه لكن مرضيش يقف وفضل يجرى .. مشيت فى طريقي لقيت نار قايده فى بيت مهجور فى القرية .. البيت ده مطرف ومفيش حواليه غير الشجر .. وأنا بيتي قريب منه .. جريت أشوف النار اللى قايده .. لقيت جوه البيت راجل وست .. واقفين على الباب ومش عارفين يخرجوا والنار واكله البيت كله .. لقيت جردل على الأرض فضلت أملاه مايه من الترعة وأحاول أطفى بيها النار اللى ماسكه فى الباب عشان يعرفوا يخرجوا .. الوقت كان متأخر والمنطقة مكنش فيها صريخ ابن يومين .. محدش ساعدهم غيري .. الراجل نط وسط النار اللى قايده فى الباب وشد الست معاه وطلعها .. أول ما الست خرجت عرفتها على طول .. "صفية" مرات "عويس" .. ولما بصيت للراجل عرفته هو كمان
صمت الرجل فسألته "ياسمين" :
- مين الراجل ؟
قال الرجل بتردد :
- البشمهندس "عمر"
نظرت اليه "ياسمين" بدهشة .. تحاول استيعاب ما قال .. صمتت ثم قالت بحده :
- وايه يعني اللي انت بتقوله .. ما يمكن كان هو وهى فى البيت لأى سبب تانى .. و"عويس" كان معاهم .. و"عمر" بعته مشوار .. أى حاجه يعني ليه ظنيت فيهم ظن وحش ؟
قال الرجل بثقه :
- اسمعيني وبعدين احكمى يا دكتورة
أكمل الرجل قائلاً :
- لما عرفت "صفية" قولتلها ايه اللى حصل يا "صفية" وايه اللى ولع فى البيت وليه "عويس" كان بيجرى كأن حد بيجرى وراه .. ساعتها بصتلى "صفية" وهى مرعوبة وقالتى هو "عويس" كان هنا .. قولتلها أيوة شوفته بيجرى وحاولت أوقفه مسمعليش .. لقيتها أعدت على الأرض وفضلت تلطم على وشها وتقول "جوزى عرف انى بخونه وهيفضحنى ويفضح أهلى يبأه هو اللى ولع فى البيت " .. وفضلت تلطم وتندب لحد ما البشمهندس "عمر" قالها "خلاص بطلى عياط عشان نعرف نشوف حل فى المصيبة دى" .. ولقيته بيبصلى ويقولى "اللى حصل ده مش عايز أى حد يسمع عنه كلمه" وخرج فلوس من جيبه وادهالى وأكد عليا انى أستر على اللى حصل ومجبش سيرة لحد عشان الفضايح اللى هتحصل لو حد عرف بالموضوع خاصة ان أهل "صفية" لو عرفوا هيقتلوها ومش هيسبوها .. وجت المطافى بعد ما البشمهندس "عمر" كلمهم وطفوا الحريقة اللى كانت فى البيت وكمان البشمهندس طلب عربية اسعاف لانه مكنش هيعرف يروح المستشفى لوحده كانت ايدي مكسورة والايد التانيه طالتها النار
قفز قلب "ياسمين" من مكانه وهى تتذكر الحرق الموجود على يد "عمر" .. أكمل الرجل :
- يعد ما كل حاجه هديت .. بأت الناس تسأل فين "عويس" و "صفية" .. بس لحد دلوقتى محدش يعرف عنهم حاجه .. وآخر مرة شوفت "صفية" كان لما ركبت عربية الاسعاف مع البشمهندس "عمر" بعد كدة مشفتهاش لا هى ولا جوزها
كانت "ياسمين" تحت تأثير صدمة شديدة لا تعرف كيف تشعر أو ماذا تقول أو ماذا تصدق .. قال الرجل :
- أنا يا بنتى فضلت محافظ على السر ..مش عشان الفلوس اللى خدتها .. لا .. عشان أستر على أهل الوليه دى .. رغم انها بنت تييييييييت ومتستاهلش .. بس لو الكلام انتشر أهلها معدوش هيرفعوا عينهم فى وش حد من البلد .. عشان كدة فضلت ساكت .. لكن لما عرفت انه هيتجوز .. وسمعنا عنك كل خير .. مرضتش أفضل ساكت كده .. لانى زى ما قولتلك يا بنتى عندى بنات فى سنك .. وربنا يستر عليهم وعليكي
قال الرجل قبل أن يغادر :
- ياريت متجبيش لحد سيرة يا بنتى خاصة البشمهندس "عمر" .. أنا عملت فيكي خير ما تقابليهوش انتى بالشر .. أنا مضمنش ممكن يتصرف ازاى معايا لو عرف انى فضحت سره
غادر الرجل .. ليترك "ياسمين" واقفة جامدة .. لا تنطق .. لا تتحرك .. لا تفكر .. لا تشعر .. تقف كالتمثال .. نظرت اليها "ولاء" فى أسى .. لحظات وبدأت العبرات تتجمع في عيني "ياسمين" .. وتتساقط على وجنتيها فى صمت .. جذبتها "ولاء" وأجلستها على الأريكة .. ثم ذهبت وأحضرت كوب ماء وأغلقت الباب عليهما .. قدمته ل "ياسمين" التى شربت منه قليلاً :
نظرت اليها "ولاء" بقلق قائله :
- "ياسمين" .. انتى كويسة
قالت "ياسمين" ودموعها تتساقط وعيينها تتحركان بحيره وألم :
- قوليلى ان الراجل ده بيكدب .. قوليلى انه بيكدب
تنهدت "ولاء" قائله :
- مش عارفه أقولك ايه
نظرت اليها "ياسمين" بألم قائله :
- مش قادرة أصدق ان "عمر" يعمل كده .. مش قادرة أصدق .. بس الراجل ايه مصلحته يكدب عليا
فكرت "ولاء" قليلاً ثم قالت :
- لازم نتأكد من اللى قاله
سألتها "ياسمين" بأسى :
- هو فى تأكيد أكتر من حرق ايده .. ومن الغفير ومراته اللى اختفوا .. فى دليل أكتر من كده
قالت "ولاء" :
- أيوة لازم نتأكد ان هو اللى كان معاها جوه البيت .. مش يمكن واحد تانى والراجل غلط وافتكره "عمر"
قالت "ياسمين" بهلفه :
- أيوة صح .. ممكن ميكنش "عمر" .. أكيد مش "عمر" صح ؟
- الله أعلم يا "ياسمين" .. أنا بقول يمكن الراجل اختلط عليه الأمر .. وشاف واحد شبه "عمر" وافتكره هو
مسحت "ياسمين" دموعها قائله :
- طيب ونتأكد ازاى انه شاف "عمر" فعلاً مش واحد شبهه ؟
فكرت "ولاء" طويلاً ثم قالت :
- الراجل بيقول ان الاسعاف جت خدتهم هما الاتنين صح ؟
أومأت برأسها قائله :
- أيوة صح
أكملت "ولاء" بحماس :
- يبأه أكيد أخدوهم على قسم الطوارئ فى المستشفى .. لو وصلنا لسجلات المستشفى فى اليوم ده هنقدر نعرف اسم الاتنين اللى جم فى حادثة حرق البيت
صمتت "ياسمين" لتفكر فى كلام "ولاء" ثم قالت :
- بس يا "ولاء" احنا ازاى هنعرف الاسعاف أخدتهم على انهى مستشفى ؟ .. المستشفيات كتير
قالت "ولاء" شارحه :
- انتى مش عارفه نظام المستشفيات فى المنصورة .. بصى يا ستى نظام الطوارئ عندنا ماشى بجدول .. يعني معروف يوم السبت فى مستشفى كذا ويوم الأحد فى مستشفى كذا هكذا طول أيام الاسبوع .. والراجل اللى كان هنا من شويه قال انه فاكر اليوم كويس لانه يوم جواز ابن أخوه .. احنا نعرف منه اليوم ونشوف فى الجدول بتاع المستشفيات .. الطوارئ فى اليوم ده كانت فى انهى مستشفى .. وأنا أعرف دكاترة كتير فى مستشفيات كتير فى المنصورة يارب تطلع مستشفى أكون عارفه حد فيها ونقدر نوصل لسجلات الاستقبال فى اليوم ده
قالت "ياسمين" بلهفه :
- بس الراجل مشى هنوصله تانى ازاى
قالت "ولاء" :
- متقلقيش انتى ناسيه ان أنا كمان من نفس البلد الراجل ده انا عارفاه وعارفه بيته
قالت "ياسمين" بإهتمام :
- طالما عارفه بيته يبأه أكيد تعرفى البيت اللى بيتكلم عنه مش كده ؟ .. لأنه قال انه قريب من بيته
أومأت "ولاء" برأسها قائله :
- أيوة عارفه البيت اللى يقصده
قامت "ياسمين" قائله :
- طيب يلا بينا نروح من الراجل نعرف منه تاريخ الحادثة وبالمرة نعدى على البيت ده عايزة أشوفه
خرجت "ولاء" مع "ياسمين" وذهبتا الى منزل الرجل وعرفتا منه تاريخ تلك الواقعة .. صدمت "ياسمين" بعدما رأت المنزل المحترق .. تعرفته .. هو نفس البيت الذى أختطفت فيه .. يا الله .. هل لـ "عمر" علاقة بخطفها .. نفضت تلك الفكرة السخيفه من رأسها .. وأخذت تستغفر ربها حتى لا يتملك الشيطان منها ويسمم أفكارها .. التفتت الى "ولاء" قائله :
- "ولاء" أنا هستنى الأخبار على نار .. بكرة كتب كتابى يا "ولاء" لازم أعرف الحقيقة النهاردة .. أو بكرة بالكتير
طمأنتها "ولاء" قائله :
- متخفيش أنا هنزل حالاً على المنصورة وهتابعك بالتليفون
قالت "ياسمين" بأسى :
- منتظره اتصالك .
عادت "ياسمين" الى المزرعة وهى تشعر بأن الأرض تميد بها .. تهالكت فوق سريرها .. ألقت برأسها على وسادتها .. أغمضت عينيها لتسقط منهما عبره حائرة .. أخذت تدعو الله أن يكون الرجل مخطئاً .. وأنه رآى شخصاً يشبه "عمر" .. دعت الله أن يكون الأمر قد اختلط عليه .. لا يمكن أن تُصدم فى حبيبها .. ثانى رجل يدخل حياتها .. لا يمكن أن تُصدم فيه هو الآخر .. ظلت تفكر فى "عمر" .. أخلاقه .. مواقفه معها .. نعم هو شخص جرئ .. بل جرئ للغاية .. لكن هل من المعقول أن يصل به الأمر لـ ... لم تستطع حتى أن تردد تلك الكلمة حتى مع نفسها .. نفضت تلك الأفكار من رأسها .. قالت لنفسها .. لن أظلمه .. سأنتظر حتى أتأكد .. انا واثقه أن الرجل مخطئ .. الوقت كان ليلاً .. لقد رآى مع المرأة رجلاً آخر غير "عمر" .. قامت وتوضأت وصلت .. وأمسكت مصحفها .. بيد مرتجفة .. وقلب قلق .. أخذت تقرأ فى كتاب الله لعلها تُهدئ من نفسها .. مدت يدها الى رقبتها وأمسكت بيدها القلب .. الذى يحمل اسم "عمر" .. ضمته بقوة بين أصابعها .. ظلت تقرأ فى المصحف بأعين دامعه .. لم تترك القلب لحظة من يدها .. رن الهاتف فردت فى وجل :
- أيوة يا "ولاء"
- أيوة يا "ياسمين"
- وصلتى لحاجه
- أيوة .. عرفت المستشفى اللى كانت فيها الطوارئ يوم الحادثة .. والحمد لله طلعت أعرف 3 دكاترة هناك .. أكيد حد فيهم هيساعدنى .. أنا كلمت واحدة منهم ولسه اتنين
قالت "ياسمين" بلهفه :
- "ولاء" لازم أعرف قبل بكرة
- متقلقيش والله .. أنا بحاول أوصل للورق ده بأقصى سرعة .. متقلقيش لما أوصل لحاجه هكلمك .. بس صعب أوى أوصل لحاجة النهاردة .. بس بكرة الصبح ان شاء الله هرجع تانى على المستشفى وهطمنك متقلقيش
************************
فى صباح اليوم التالى لم تتحمل "ياسمين" التوتر الذى كانت تشعر به .. نزلت تتمشى فى المزرعة .. أما "ريهام" فكانت فى غرفتها ترتب أغراض هذا اليوم .. عندما رن هاتفها .. رقم لا تعرفه ردت قائله :
- السلام عليكم
- وعليكم السلام
عرفت صوته على الفور .. قال "كرم" :
- ازيك يا "ريهام"
قالت بصوت خافت :
- الحمدلله .. جبت رفمى منين
ضحك قائلاً :
- ايه مش عايزانى أعرف رقم مراتى ولا ايه
قالت بخجل :
- لسه مبقتش مراتك .. أنا هقفل .. سلام
قال بلهفه :
- استنى بس .. ما خلاص كلها ساعات ونكتب كتابنا
ابتسمت بخبث قائله :
- لما نبقى نكتبه .. انا هقفل
- طيب يارب صبرنى .. طيب مش هتقوليلى أى كلمة حلوة تصبرنى الكام ساعة دول
ابتسمت قائله :
- أنا هقفل يا "كرم"
- ماشى بس عايز أعرفك انى كلمت باباكى واتفقت معاه اننا بعد ما نكتب الكتاب هنعد نحتفل معاهم شوية وبعدها نخرج نحتفل لوحدنا عشان أعرف استفرد بيكي .. قصدى عشان أعرف اتكلم معاكى .. أتكلم بس .. اوعى تفهميني صح
كتمت "ريهام" ضحكتها بيدها قائله :
- مع السلامه يا "كرم"
**************************
أخذت "ياسمين" تتمشى فى المزرعة .. رن هاتفها أخرجته فى لهفه .. لكنها تضايقت عندما وجدت "ريهام" المتصله :
- السلام عليكم أيوة يا "ريهام"
- وعليكم السلام .. انتى فين يا عروسة ؟
قالت "ياسمين" بتوتر :
- مفيش بتمشى شوية
قالت "ريهام" بحده :
- ده وقت تمشيه .. خلاص الكوافيرة جايه فى الطريق ولازم عند ماما "كريمه" انتى عارفه ان الكوافيرة هتجيلنا عندها
قالت "ياسمين" بنفاذ صبر :
- روحى انتى وأنا هحصلك يا "ريهام"
قالت "ريهام" بقلق :
- فى حاجه يا "ياسمين" ؟ شوفتك مش عاجبنى
- لأ مفيش حاجه .. روحى انتى وأنا هحصلك .. يلا سلام
أغلقت قبل أن تتحدث "ريهام" مرة أخرى .. لحظات ووجدت "ولاء" تتصل بها ..ردت بلهفه :
- أيوة يا "ولاء"
- أيوة يا "ياسمين"
- وصلتى لحاجه
- أيوة .. عرفت المستشفى اللى كانت فيها الطوارئ يوم الحادثة .. والحمد لله طلعت أعرف 3 دكاترة هناك .. أكيد حد فيهم هيساعدنى .. أنا كلمت واحدة منهم ولسه اتنين
قالت "ياسمين" بلهفه :
- "ولاء" لازم أعرف قبل بكرة
- متقلقيش والله .. أنا بحاول أوصل للورق ده بأقصى سرعة .. متقلقيش لما أوصل لحاجه هكلمك .. بس صعب أوى أوصل لحاجة النهاردة .. بس بكرة الصبح ان شاء الله هرجع تانى على المستشفى وهطمنك متقلقيش
************************
فى صباح اليوم التالى لم تتحمل "ياسمين" التوتر الذى كانت تشعر به .. نزلت تتمشى فى المزرعة .. أما "ريهام" فكانت فى غرفتها ترتب أغراض هذا اليوم .. عندما رن هاتفها .. رقم لا تعرفه ردت قائله :
- السلام عليكم
- وعليكم السلام
عرفت صوته على الفور .. قال "كرم" :
- ازيك يا "ريهام"
قالت بصوت خافت :
- الحمدلله .. جبت رفمى منين
ضحك قائلاً :
- ايه مش عايزانى أعرف رقم مراتى ولا ايه
قالت بخجل :
- لسه مبقتش مراتك .. أنا هقفل .. سلام
قال بلهفه :
- استنى بس .. ما خلاص كلها ساعات ونكتب كتابنا
ابتسمت بخبث قائله :
- لما نبقى نكتبه .. انا هقفل
- طيب يارب صبرنى .. طيب مش هتقوليلى أى كلمة حلوة تصبرنى الكام ساعة دول
ابتسمت قائله :
- أنا هقفل يا "كرم"
- ماشى بس عايز أعرفك انى كلمت باباكى واتفقت معاه اننا بعد ما نكتب الكتاب هنعد نحتفل معاهم شوية وبعدها نخرج نحتفل لوحدنا عشان أعرف استفرد بيكي .. قصدى عشان أعرف اتكلم معاكى .. أتكلم بس .. اوعى تفهميني صح
كتمت "ريهام" ضحكتها بيدها قائله :
- مع السلامه يا "كرم"
**************************
أخذت "ياسمين" تتمشى فى المزرعة .. رن هاتفها أخرجته فى لهفه .. لكنها تضايقت عندما وجدت "ريهام" المتصله :
- السلام عليكم أيوة يا "ريهام"
- وعليكم السلام .. انتى فين يا عروسة ؟
قالت "ياسمين" بتوتر :
- مفيش بتمشى شوية
قالت "ريهام" بحده :
- ده وقت تمشيه .. خلاص الكوافيرة جايه فى الطريق ولازم عند ماما "كريمه" انتى عارفه ان الكوافيرة هتجيلنا عندها
قالت "ياسمين" بنفاذ صبر :
- روحى انتى وأنا هحصلك يا "ريهام"
قالت "ريهام" بقلق :
- فى حاجه يا "ياسمين" ؟ شوفتك مش عاجبنى
- لأ مفيش حاجه .. روحى انتى وأنا هحصلك .. يلا سلام
أغلقت قبل أن تتحدث "ريهام" مرة أخرى .. لحظات ووجدت "ولاء" تتصل بها ..ردت بلهفه :
- أيوة يا "ولاء" .. بتصل بيكي موبايلك مقفول
- لا دى شبكة يا "ياسمين" .. أنا على الطريق راجعه على المزرعة
- عملتى ايه فى المستشفى .. وصلتى لحاجه ؟
- استنيني فى المكتب هجيلك على هناك
- طيب طمنينى يا "ولاء"
- عشر دقايق وهكون عندك يا "ياسمين" استنيني فى المكتب
أسرعت "ياسمين" بالذهاب الى مكتب .. جلست على الأريكة فى توتر .. أخرجت السلسة .. نظرت اسم اسم "عمر" المنقوش على القلب .. وحضنته بين أصابعها .. أغمضت عينيها وظلت تدعو ربها .. وتستغفر .. فتحت "ولاء" الباب وأغلقته خلفها .. هبت "ياسمين" واقفه وقالت بلهفه :
- خير طمنيني وصلتى لحاجه
رأت نظرت الأسى فى أعين "ولاء" .. فقالت بحده :
- "ولاء" ردى عليا
تنهدت "ولاء" وأخرجت من حقيبتها ورقتين أعطتهما الى "ياسمين" قائله :
- دى بيانات الحالات اللى استقبلتها المستشفى اللى كان فيها قسم الطوارئ شغال فى اليوم ده
أخذت "ياسمين" الورق بيد مرتجفة .. نظرت الى "ولاء" بأعين دامعه وقالت بصوت مرتجف :
- موجود فيها اسمه ؟ ... موجود اسم "عمر" ؟
نظرت اليها "ولاء" دون أن تجيب .. فتحت "ياسمين" الورق وقرأت بيانات الحالتين الوحيديتين فى هذا اليوم .. "صفية الدمرداش" .. و ... "عمر الألفى" .. سقطت منهارة على الأريكة تنظر الى الورقة غير مصدقة فقالت "ولاء" شارحه :
- تقرير الحالتين هتلاقيهم مكتوب عندك .. جم المستشفى مصابين بحروق .. الست كان فى حروق متفرقه فى ايديها ورجليها وباقى جسمها حروق من الدرجة التانية .. وأعدت اسبوع فى المستشفى وبعدها كتبولها على خروج ..
ثم قالت بتردد :
- الحالة التانية حالة "عمر" وجه معاها فى نفس الحادثة وفى نفس التوقيت واصابته كانت حرق فى ايده اليمين ومشى فى نفس اليوم
تساقطت العبرات من أعين "ياسمين" وهى مازالت ممسكة بالورق فى يدها تنظر اليها بأعين دامعه .. صمتت .. طال صمتها .. ثم قالت :
- يعني "عمر" فعلا اللي كان مع الست دى فى البيت .. والراجل مغلطش .. هو فعلاً اللى كان معاها
ثم نظرت الى "ولاء" قائله :
- يعني "عمر" .. و الست دى .. كانوا .....
لم تستطع اكمال جملتها وانفجرت باكية .. جلست "ولاء" بجوارها وأخذتها فى حضنها وتنهدت قائله :
- حبيبتى احمدى ربنا انك اكتشفتى الموضوع ده قبل كتب الكتاب .. أنا عارفه انه صعب عليكي .. معلش ربنا يصبرك ويبرد نارك
هبت "ياسمين" واقفة وقالت من بين شهقاتها :
- لو سمحتى يا "ولاء" مش عايزة حد يعرف حاجه عن الموضوع ده
وقت "ولاء" قائله :
- أكيد .. متخافيش
خرجت "ياسمين" .. لا تدرى أين تذهب .. كانت تشعر بالإختناق .. وكأن شيئاً يجثم فوق صدرها .. ذهبت الى حيث شجرتها .. جلست على الجذع .. انفجرت فى بكاء مرير لم تستطع السيطرة عليه .. شعرت بأن قلبها هو الذى يبكى .. هو الذى ينزف .. تساقطت عبراتها لتختلط بتراب المزرعة .. تذكرت أول مرة جلست فيها على هذا الجذع .. كانت تشعر الفرحة .. والراحة .. والسكينة .. في هذا المكان .. لكن الآن .. ضاقت الأرض بها .. لم تعد تحتمل البقاء هنا .. لم تعد تشعر بالراحة .. أو السكينة .. بل تشعر بالخيانة .. والغدر .. والألم .. تشعر بأن قلبها قد تمزق أشلاءاً من شدة الألم .. تشعر بأن عقلها قد شُل من كثرة الصدمات التى تعرضت لها .. لماذا يحدث لها ذلك .. لماذا لا تتم لها فرحة .. وكأن الحياة تستكثر عليها فرحتها .. بكت ألمها .. بكت حبها .. الذى فقدته قبل أن تحصل عليه .. تعبت عينيها من كثرة البكاء .. تعب قلبها كثرا وامتلأ ألماً
ناجت ربها .. الى متى يا رب .. الى متى .. لم أعد أستطيع التحمل .. تعبت .. متى سأرتاح .. صبرت الى أن تعب الصبر من صبري .. لا أعترض على قضاءك .. لكنى تعبت .. أشعر بأن نفسي ممزقه لأشلاء .. أشعر بطعنات الألم منغرسه فى كل جوارحى .. لن أتحمل العيش معه .. لن أقبل العيش مع رجل زانى .. هو كمصطفى .. لا فرق بينهما .. كلاهما زانى .. كلاهما ارتكب أكبر الفواحش .. كلاهما ينتهك حرماتك .. كلاهما لا يبالى بغضبك .. كلاهما يعصيك .. ويتباهى بعصيانك .. لن أعيش معه .. حبه فى قلبي انقلب الى كره واحتقار .. لن أقبل العيش مع زانى .. حتى لو كنت أحبـــه .. لأن من خانك يومـاً .. سيخوننى ألـف يــوم .. شعرت بالقشعريرة تسرى فى جسدها عندما تذكرت أنها كانت ستصبح زوجته اليوم .. حمدت الله أن أنجاها منه
رن هاتفها .. كانت "سماح" وصلت الى بيت المزرعة ولم تجدها .. وصفت لها "ياسمين" مكانها عند الشجرة .. أتت "سماح" لتجد صديقتها فى أسوأ حال .. قالت بهلع :
- "ياسمين" .. مالك .. بتعيطى ليه
بدأت "ياسمين" فى البكاء مرة أخرى وألقت نفسها فى حضن صديقتها التى ربتت على ظهرها قائله :
- حبيبتى قوليلى مالك .. ايه اللى حصل .. "مصطفى" كلمك ؟
رفعت "ياسمين" رأسها ونظرت الى "سماح" قائله :
- لأ
قالت "سماح" بلهفه :
- أمال ايه اللى حصل بتعيطي ليه
قالت "ياسمين" من بين شهقاتها :
- "عمر" زنى بواحدة متجوزة
هتفت "سماح" فى عدم تصديق :
- ايه .. بتقولى ايه ؟
قالت "ياسمين" بصوت مرتجف :
- أنا متأكده .. اتأكدت بنفسي .. اتكلمت مع الشاهد الى شافه واتعرف عليه واللى عمر دفعله رشوة عشان ميتكلمش .. وشوفت الدليل بعيني .. مش دليل واحد دول اتنين .. "عمر" زنى بواحدة متجوزة
قصت عليها "ياسمين" كل ما حدث بالتفصيل .. ساد الصمت طويلاً .. ثم قالت "سماح" :
- أنا مكنتش أتوقع كده منه أبداً .. أيوة عارفه ان فى حياته تجاوزات كتير .. وكان فيه حاجات غلط كتير جداً بينه وبين خطيبته .. بس متصورتش انه ممكن يعمل حاجه زى كده
قالت "ياسمين" بمرارة :
- قولتلك قبل كده .. اللى يعمل الغلطة الصغيرة بدون ذرة ندم .. يعمل الغلطة الكبيرة
نظرت اليها "سماح" بأسى قائله :
- هتعملى ايه دلوقتى ؟
قالت "ياسمين" بإحتقار وهى تمسح دموعها بأصابعها :
- هرجعله شبكته .. أنا مش ممكن أتجوز راجل زانى
دمعت عيناها مرة أخرى وهى تقول بألم :
- ده أسوأ من "مصطفى" يا "سماح" .. الست كانت متجوزة .. وهو عارف انها متجوزة
جهشت فى البكاء مرة أخرى .. حاولت "سماح" تهدئتها .. مضى الوقت .. حتى هدأت واستعادت رباطة جأشها .. ثم همت بالانصراف .. قالت لها "سماح" :
- على فين ؟
ردت "ياسمين" بحزم :
- راحة أخلص منه وأمسحه تماماً من حياتى
مشت بسرعة فى طريقها الى بيت المزرعة .. اتصلت بـ "عمر" الذى رد عليها قائلاً بصوت حانى :
- حبيبتى .. كأنك حسه بيا .. كان نفسي أسمع صوتك
قالت بحزم :
- انت فين ؟
ضحك "عمر" قائلاً :
- ايه هنبتدى من أولها .. مش بدرى شويه على السؤال ده .. عامة أنا فى مكتبى اللى فى البيت .. حبيبتى فين بأه ؟
ردت بحدة :
- أنا جيالك
ثم أغلقت .. شعر "عمر" بالقلق .. نهض من مكانه ليستقبلها على الباب .. نظر الى وجهها و عيونها الباكية .. ثم قال بلهفه :
- حبيبتى انتى كنتى بتعيطى
وقفت "ياسمين" تنظر الى عينيه وهى تقول فى نفسها .. ازاى قدرت تخدعنى .. ازاى مكنتش شايفه السواد اللى جواك .. بالظبط زى ما "مصطفى" خدعنى .. ومكنتش قادرة أشوف السواد اللى جواه .. بكرهكوا انتوا الاتنين .. انتوا الاتنين زى بعض .. كرر "عمر" سؤاله بإهتمام :
- حبيبتى .. مالك .. ايه اللى مضايقك
نظرت اليه بحده قائله بصوت هادر :
- أنا آسفة غيرت رأيى .. مش هقدر أتجوزك
نظر اليها بدهشة قائلاًً:
- بتقولى ايه ؟
"ياسمين" بقسوة :
- مش عايزاك
صمت "عمر" وهو يحاول استيعاب ما تقول .. ثم قال :
- بتقولى ايه ؟
"ياسمين" بنفس القسوة :
- بقولك مش عايزاك .. مش عايزاك
"عمر" بحده :
- ليه هو كان لعب عيال .. كتب كتابنا النهاردة
قالت "ياسمين" ببرود :
- مفيش كتب كتاب .. ومفيش جواز
شعر "عمر" بالغضب يزداد بداخله .. فما كان منه إلا أن مسك كلتا ذراعيها وقربها منه بشدة ونظر اليها قائلاً بغضب :
- انتى بتلعبى بيا يا "ياسمين" .. يعني ايه مش عايزاك ؟
حاولت أن تفلت نفسها منه لكنه كان يطبق على ذراعيها بشدة .. حاولت أن تبتعد عنه فلم تستطع .. هتف بحده :
- انطقى يعني ايه اللى انتى بتقوليه ده
قربها منه للغاية .. فتلامس جسدهما .. شهقت "ياسمين" بالبكاء والعبرات الساخنه تتساقط من عينيها ونظرت له قائله :
- عشان أنا وانت مننفعش لبعض .. انت واحد كل حياتك حرام .. كل تصرفاتك حرام .. قربك منى بالشكل ده حرام .. مسكك ليا بالطريقة دى حرام .. لمسك ليا كده حرام .. بس انت واحد ما بيفرقش معاك الحرام
ثم أغمضت عينيها وأخفضت رأسها فى ألم وهى مازالت تبكى .. نظر "عمر" اليها .. يحاول فهم ما تقول .. يحاول استيعاب ما يحدث .. أبعدها عنه قليلاً .. وترك ذراعيها .. فابتعدت عنه ورجعت للخلف بسرعة .. أخذت تمسح بكفيها على ذراعيها وكأنها لا تطيق لمسته .. شعرت اتجاهه بالاحتقار .. شعرت بالقشعريرة من مجرد لمسه اياه .. ولقربها منه.. لكم تتمنى أن تبتعد عنه .. أكبر مسافة ممكنه .. لا تريد أن تراه .. أو تقترب منه بعد اليوم .. تريد أن بتتعد عنه بأقصى سرعة .. بقدر ما أحبته .. بقدر ما سقط من نظرها الآن .. هم "عمر" بالتحدث معها مرة أخرى .. وفجأة قاطعه دخول والده قائلاً :
- الحق يا "عمر" .. عم "عبد الحميد" وقع فجأة وحاولت أفوقه مش راضى يفوق ..
صرخت "ياسمين" :
- بابا
هرع "عمر" ووالده و "ياسمين" الى الخارج حيث "عبد الحميد" ملفى على الأرض .. أخذت "ياسمين" تحاول تحسس نبضه وهى تبكى :
- بابا .. بابا مالك .. بابا رد عليا
حمل "عمر" ووالده .. "عبد الحميد" الى السيارة وركبت معهم "ياسمين" وانطلقوا الى المستشفى .. كانت "ياسمين" منهارة على الكرسى بجوار الغرفة والأطباء يفحصونه فى الداخل .. وقف "عمر" أمامها بأسى :
لا يدرى ماذا حدث لها وكيف انقلبت عليه فى لحظات .. كان يريد أن يأخذها فى حضنه ويخفف عنها ولكنه يعلم بأنها بالتأكيد سترفض ذلك .. خرج الطبيب .. وأنبأهم بأن حالته الصحيه حرجه .. بسبب ارتفاع ضغط الدم لديه .. بالإضافه الى مشاكل فى عضلة القلب .. انهارت "ياسمين" مرة أخرى باكيه وظلت تردد " اللهم اجرنى فى مصيبتى واخلف لى خيراً منها " .. منع الطبيب الزيارة الى أن تستقر حالته الصحية .. بعد قرابة الساعة أتت "ريهام" الى المستشفى بصحبة "كرم" و "أيمن" و "سماح" و "كريمه" .. تعانقت الأختان واختلطت دموعهما .. انتظروا حتى المساء ومازال الطبيب يمنع الزيارة .. عاد الجميع الى منازلهم فيما عدا "ياسمين" و "ريهام" .. وبالطبع "عمر" و "كرم" ..
كانت الفتاتان فى حالة انهيار تام .. حاولت "ياسمين" التماسك من أجل أختها .. لكن خوفها على أبيها ملأ قلبها .. ظل "عمر" يراقبها والألم يعتصر قلبه .. اقتبر منها وجلس بجوارها قائلاً بحنان :
- "ياسمين" هدى نفسك شوية .. ان شاء الله هيبقى كويس
نظرت اليه "ياسمين" بنظرة حادة .. ثم قامت ووقفت بجوار باب غرفة والدها وأسندت رأسها عليه وأغمضت عينيها لتسقط منها عبرة حزينه مكلومه
فى اليوم التالى .. سمح الطبيب بزيارة خفيفة نظراً لخطورة حالته الصحية وعدم استقرارها .. دخلت الفتاتان .. حاولت "ياسمين" تمالك نفسها قدر الإمكان حتى تبث الطمأنينه فى نفس والدها وقفت بجوار سريره مبتسمه بصعوبه ومسحت على رأسه قائلاً :
- بابا حبيبى عامل ايه دلوقتى
قال بصوت أجش :
- الحمد لله .. نعمه وفضل من ربنا
سقطت عبره من عين "ريهام" فنظرت اليها "ياسمين" نظره محذره .. قالت "ريهام" وهى تقف على الجانب الآخر من الفراش :
- حمدالله على سلامتك يا بابا
قالت "ياسمين" وهى تحاول رسم ابتسامه على شفتيها :
- الدكتور طمنا عليك وقالى يومين وهتبقى كويس أوى وهتخرج من هنا على طول
أغمض "عبد الحميد" عينيه للحظة ثم قال بصوت خافت :
- انا حاسس ان خلاص نهايتي قربت
بكت "ياسمين" قائله :
- بابا متقولش كده .. ان شاء الله هتبقى كويس .. أنا و "ريهام" محتاجينك .. بابا أنا محتجاك أوى
نظر اليها قائلاً :
- أنا عايز أطمن عليكوا يا بنتى قبل ما أموت .. ياريت كان حصلى اللى حصل ده بعد كتب كتابك انتى وأختك .. لكن ربنا أكيد له حكمة ان ده يحصل قبل كتب الكتاب .. الحمد لله على كل حال .. انت يارب عارف اللى فيه الصالح
نظرت اليه "ريهام" بأعين دامعة وقالت :
- ان شاء الله يا بابا هتقوملنا بالسلامة .. هو بس شوية تعب وهتبقى كويس
أمسك "عبد الحميد" كف "ياسمين" بيد .. و كف "ريهام" فى يده الأخرى وقال :
- لو فعلاً عايزين تريحوا قلب أبوكوا .. نادولى "عمر" و "كرم" ووافقوا على اللى أنا هقوله ليهم ..
نظرت "ياسمين" و "ريهام" الى بعضهما البعض .. قالت "ياسمين" :
- نوافق على ايه يا بابا؟
قال "عبدالحميد" وهو مازال ممسكاً بكفهما ويجاهد ليخرج صوته المتعب :
- بتحبونى وعايزين تريحوا قلبي ولا لأ
-أكيد يا بابا
- طبعاً يا بابا
نظر الى "ريهام" قائلاً :
- روحى نادى لـ "عمر" و "كرم"
ذهبت "ريهام" وفعلت كما طلب والدها .. ثم عادت الى مكانها ممسكه كف والدها .. وقف "عمر" و "كرم" بجوار "ياسمين" .. نظرت "ياسمين" لتجد "عمر" بجانبها .. شعرت بالقشعريرة تسرى مرة أخرى فى جسدها .. يالله .. لكم تكره قربه منها .. انزوت بجسدها مبتعدة عنه .. وكأنه مرض خبيث تخشى أن يصيبها بلمسه منه .. نظر "عبد الحميد" الى الرجلين قائلاً :
- أنا خلاص .. حاسس ان دى نهايتي .. وكل أملى فى الدنيا دى انى أطمن على بناتى قبل ما أموت .. وأسيب كل واحدة فيهم فى عصمة راجل يحميها ويكون جمبها طول العمر
بكت الفتاتان فى صمت .. قال "كرم" :
- ربنا يديك الصحة يا عم "عبد الحميد" وتعيش وتجوز بناتك
نظر الى "كرم" قائلاً :
- انت شارى بنتى "ريهام" يا بشمهندس "كرم"
نظر "كرم" الى "ريهام" ثم قال فى دهشة :
- طبعاً يا عم "عبد الحميد" انت عندك شك فى كدة
ثم نظر "عبد الحميد اللى "عمر" قائلاً:
- وانت يا بشمهندس "عمر" شارى بنتى "ياسمين" ؟
التفت "عمر" الى "ياسمين" الواقفة بجواره .. صمت .. طال صمته .. ثم قال بصوت خافت :
- أيوة شاريها
قال "عبد الحميد" وهو ينظر الى الأعين المتعلقة به :
- يبقى تجيبوا المأذون وتكتبوا الكتاب دلوقتى حالاً
نظرت اليه "ياسمين" بدهشة قائله :
- بابا حضرتك بتقول ايه
صاحت "ريهام" :
- بابا ازاى يعني .. وحضرتك تعبان كده
سعل "عبد الحميد" بشدة .. أتت الممرضة وطلبت من الجميع الخروج .. شد "عبد الحميد" كفيه على كفى بداته قائلاً بصوت خرج بصعوبة :
- محدش هيخرج من هنا .. وانتوا لو بتحبونى وعايزين تريحوا قلبي هتنفذوا اللى أنا طلبته
التفت الى "عمر" و"كرم" قائلاً :
- قولتوا ايه .. شاريين بناتى ولا لأ
قال "كرم" :
- أكيد طبعاً ومعنديش مانع أبداً انى أكتب الكتاب هنا لو ده هيريحك يا عم "عبد الحميد"
نظر "عبد الحميد" الى "عمر" منتظراً رأيه .. قال "عمر" بثقه :
- وأنا كمان شاريها وشاريها أوى .. ومعنديش مانع انى أكتب عليها هنا .. دلوقتى
وقفت "ياسمين" تتابع ما يحدث وكأنها تمثال .. بدون أن تُظهر أى تعبيرات على وجهها .. بدون أى رد فعل .. ذهبت "ريهام" بصحبة "كرم" و "عمر" لاحضار الأوراق المطلوبة والتى كان قد تم تحضيرها بالفعل .. وقفت "ياسمين" بجوار والدها .. كالتمثال .. عينيها تسبح فى فضاء الغرفة .. شعرت بأنه تفكيرها قد شُل .. ومشاعرها قد تجمدت .. لم تشعر الا بشئ واحد .. كف والدها التى تمسك بيدها فى اصرار .. دخل الطبيب لفحص "عبد الحميد" مرة أخرى .. ثم نظر الى "ياسمين" بشئ من الأسف وخرج من الغرفة .. بعد ساعة حضر الجميع .. تابعت "ياسمين" ما يحدث بأعين لا ترى .. وبأذن لا تسمع .. تشعر بأنها ترى مشهداً مكرراً .. شعرت بأنها عاشت هذا المشهد من قبل .. لكن أين .. ومتى .. وكيف .. أفاقت على كلمة واحدة نطق بها "عمر" :
- قبلتً زواجهــا
عندها تذكرت أين ومتى عاشت هذا المشهد .. انه هو نفس المشهد .. ونفس الإحساس .. ونفس نبضة قلبها الحزينه .. للمــرة الثانيــة .. تتــزوج برجــل لا تريــــده .
بعد ساعتين خرج الطبيب من الغرفة ونظر للجميع بأسف قائلاً : البقـــاء لله
↚
خيم الحزن على المزرعــة .. التى أصبحت مرتعاً للأحزان .. افتقدت الفتاتان أباهما بشدة .. ساعد الجميع فى اجراءات الجنازة والدفن .. دُفن فى القاهرة فى المقابر التى دُفنت فيها زوجته .. مرت الأيام على الفتاتان ببطء شديد .. وكأن عقارب الساعة قد أصابها عطل ..فتوقفت أو كادت .. كانت "كريمه" تشفق على حالهما كثيراً .. كانت تزورهما فى غرفتهما .. التى أصرا على المكوث فيها .. وترسل لهما الطعام مع الخادمة كل يوم .. وقف "كرم" بجوار "ريهام" فى محنتها .. كان دائم الإتصال بها والإطمئنان على حالها .. أما "عمر" فلم تتوقف اتصالاته لـ "ياسمين"التى لم تجب على أى منها .. حتى أضطرت الى غلق هاتفها ..
كان "عمر" يشعر بالحيرة .. لماذا انقلبت عليه فجأة .. هل هو التوتر الذى يسبق الزواج .. هل عادت الى مخافها مرة أخرى .. لماذا لا تعطيه وتعطى لنفسها فرصة .. هل تجربتها المريرة ستظل تقف حائلاً بينهما .. كاد أن يجن من كثرة التفكير .. لم يجد حلاً إلا فى التحدث مع والدته .. علها تريح قلبه .. قال "عمر" :
- أنا بس نفسي أعرف ليه هى قالتلى كده .. كلمتها وجعتنى أوى .. عارفه يعني ايه حبيبتى ويم كتب كتابنا تقولى (مش عايزاك) .. وكده بدون أسباب
استمعت أمه الى حديثه كاملاً .. وعن تفاصيل آخر لقاء له مع "ياسمين" صبيحة يوم كتب الكتاب .. ثم قالت فى هدوء :
- بص يا "عمر" .. كتير بنات بتخاف لما الموضوع بيدخل فى الجد .. يعني بتخاف انها تكون اختارت غلط .. بتخاف انها لسه مش عارفه كويس الراجل اللى هى هتبقى مراته .. تعرف آخر مرة كانت "ياسمين" عندنا هنا .. قبل كتب الكتاب بيومين .. جت سيرة الماجستير والدكتوراه بتوعك .. لقيتها مندهشة .. يعني حتى مكنتش تعرف عنك المعلومة البسيطة دى .. هى فعلاً يا "عمر" لسه البنت متعرفش حاجات كتير عنك .. وده أكيد مخوفها .. دى مخاوف أى بنت عادية .. ما بالك بأه بواحدة مطلقة .. وكانت متجوزة واحد أستغفر الله زى طليقها ده راجل معندوش ضمير .. متخيل حجم المخاوف اللي جواها عاملة ازاى .. خاصة ان والدها قال ان طليقها ده مكنش باين عليه كل اللى عمله ده وكان باين عليه واحد محترم وابن ناس .. اللى عايزة أقوله ان رغم انى مش معاها فى انها تهرب زى ما بتهرب دايماً .. ولازم تواجه كل اللى مخاوفها .. بس برده مقدرة ان البنت ممكن تكون مخاوفها سيطرت عليها لدرجة خلت تفكيرها يتشل .. لدرجة خلتها مترددة وبتفكر فى الحاجة ألف مرة .. وكتر التفكير بيفتح مجال للشيطان انه يدخل ويوسوس براحته
تنهد "عمر" قائلاً :
- يعني أنا أعمل ايه دلوقتى ؟
- بص يا حبيبى .. دلوقتى هى بتمر بحالة نفسية صعبة بسبب موت والدها .. وبسبب جوازها المفاجئ بعد ما جتلك وقالتك ان الجواز ملغى .. فكل اللى مطلبو منك هو انك تفضل جمبها فى أزمتها .. وتتحملها لحد ما تخرج منها .. على فكرة يا "عمر" الست بتقدر أوى الراجل اللى يقف جمبها وتحسن انه سند ليها .. الست لما بتلاقى راجل بيحبها وخايف عليها وواقف جمبها حتى وقت الخلاف بينهم لازم غصب عنها تعشق التراب اللى بيمشى عليه .. "ياسمين" خلاص بأت مراتك .. وانت جوزها .. وكمان البنت ملهاش أى حد غير أختها الأصغر منها .. يعني انت كل عيلتها دلوقتى يا "عمر"
أومأ "عمر" برأسه وقد شعر بالراحة للحديث مع أمه .. فقد أجابت على الأسئلة التى كانت تعتمل داخل عقله وقلبه .. قرر أن يقف بجوار حبيبته فى محنتها .. ولن يتخلى عنها أبــداً .
حاول أن يتصل بـ "ياسمين" مرة أخرى .. لكن هاتفها مازال مغلقاً .. فخرج من منزله وتوجه الى غرفتها فى سكن العمال .. طرق الباب .. بعد فترة .. فتحت "ريهام" مرتدية اسدال الصلاة .. نظرت اليه بإستغربا .. فقال لها :
- ازيك يا "ريهام" أخبارك ايه ؟
- كويسه الحمد لله
-"ياسمين" موجودة ؟
أومأت برأسا .. فقال :
- طيب لو سمحتى قوليلها انى عايزها
دخلت "ريهام" .. دقيقتين وخرجت "ياسمين" مرتدية اسدال الصلاة هى الأخرى .. نظر اليها يملى عينيه برؤياها التى حُرم منها لأيام .. كانت ضعيفة ذابله .. دامعة العينين .. رق قلبه لحالها .. اقترب منها قائلاً بحنان :
- حبيبتى انتى كويسه ؟
أومأت برأسها وتحاشت النظر اليه .. رفع يده ليمرر ظهر أصابعه على وجنتها قائلاً :
- أفله تليفونك ليه .. وليه مبترديش عليا
أبعدت وجهها عن أصابعه ..فسحب يده وظل ينظر اليها فى صمت .. وهى مازالت تتحاشا النظر الى وجهه .. طال الصمت بينهما .. نظر اليها قائلاً :
- ماشى هسيبك براحتك .. بس لو سمحتى افتحى تليفونك عشان لما أحب أطمن عليكي .. بدل ما كل شوية تلاقيني جايلك هنا .. أنا سبتك الكام يوم اللى فاتوا برحتك .. بس قدرى انى قلقان عليكي وحابب أسمع صوتك وأطمن عليكي
صمت برهه ثم قال :
- ماشى يا "ياسمين"
أومأت برأسها .. فقال :
- لو احتجتى حاجه كلمينى
غادر "عمر" وعادت الى سريرها تلقى بنفسها عليه .. اعطت "ريهام" ظهرها حتى لا ترى العبرات التى تتساقط من عينيها فى صمت .. سألت دموعها .. لماذا تسقطين يا دموعى .. أبسبب موت أبي .. الرجل الوحيد الذى أثق به فى هذه الدنيا .. أم تسقطين بسبب حالى وما يحدث لى .. كفى يا دموعى عن السقوط .. لم أعد أحتمل حرارتك على وجهى .. ألا تجفين أبداً .. لماذا تذكرينني دائماً بطعمك المالح فى فمى .. أريد أن أنسى طعمك يا دموعى .. لماذا تذكريني بكِ دائماً وتخرجين من عيناى بكل اصرار وكأنك تتحديني .. وكأنك تتعندين أن تؤلميني .. لماذا يا دموعى لا ترحميني ..!
اقتربت منها "ريهام" وجلست بجوارها على الفراش .. التفتت "ياسمين" اليها وجلست .. قالت "ريهام" بأسى :
- وحشنى أوى يا "ياسمين"
اغرورقت عينا "ياسمين" بالدموع قائله :
- وأنا كمان وحشنى أوى
ثم قالت :
- عايزين نعمل صدقة جارية ليه
أومأت "ريهام" برأسها قائله :
- زى ايه ؟
- مش عارفه لسه بفكر .. بس عايزين نعمله أكتر من حاجه عشان ثوابه يكون أكبر
ثم تساقطت عبرة من عينيها وهى تقول بصوت مرتجف :
- الانسان لما بيموت .. الحاجة الوحيدة اللى بيستمر ياخد عليها ثواب هى ان ولاده يدعوله ويعملوله صدقة جاريه .. وعايزين نعمل لماما كمان
أومأت "ريهام" برأسها وأسندتها على كتف أختها قائله :
- ماشى أنا هديكي كل الفلوس اللى أنا محوشاها من مرتبي وانتى شوفى هتعملى بيها ايه
قالت "ياسمين" :
- لأ مش هاخدهم كلهم .. احنا لسه منعرفش احنا هنعيش ازاى .. خلاص كدة معاش بابا الله يرحمه اتقطع عننا لاننا اتجوزنا .. يعني ملناش أى مصدر رزق نعيش منه الا شغلنا هنا .. وأمورنا دلوقتى اتلخبطت
رفعت "ريهام" رأسها ونظرت اليها قائله :
- ايه اللى هيحصل دلوقتى يا "ياسمين" .. أقصد بعد ما كل واحدة فينا اتكتب كتابها .. وبعدين .. ايه اللى هيحصل .. طبعاً الفرح لازم يتأجل .. بس هل هنفضل نشتغل عندهم زى ما احنا .. ولا لأ .. ولو مشتغلناش هنصرف على نفسنا منين
نظرت "ياسمين" الى "ريهام" قائله :
- ربنا موجوده .. مش هيسبنا .. اطمنى يا "ريهام" .. ربنا قادر يبعتلنا الحل لكل مشاكلنا
فتحت "ياسمين" أحد الأدراج بجانبها وأخرجت مصحفاً وفتحته وأسندت ظهرها الى الوسادة خلفها وبدأت فى القراءه .. رجعت "ريهام" بظهرها للخلف وأسندت رأسها على كتف أختها تستمع الى تلاوتهــا .
***************************
فى اليوم التالى .. خرجت "ريهام" من الحمام لتجد أختها ترتدى ملابسها فسألتها :
- انتى خارجه ؟
قالت "ياسمن" شارحه :
- أيوة .. هروح أشوف موضوع الصدقة الجارية اللى اتكلمنا عنه امبارح
- آجى معاكى
- لا يا حبيبتى مفيش داعى خليكي
خرجت "ياسمين" .. توجهت الى الطريق المؤدى للبوابة .. كان "عمر" يقف أمام البوابة يتحدث الى رجل داخل سيارته .. نظر الى "ياسمين" فتجاهلت نظراته .. أنهى "عمر" كلامه مع الرجل الذى انطلق بسيارته خارج المزرعة ثم توجه اليها يقطع طريقها قائلاً :
- "ياسمين" .. راحه فين؟
نظرت اليه .. يالله .. لكم تؤلمنى رؤيته .. وتذكرنى بكل ما أريد نسيانه .. أعاده سؤاله :
- راحه فين يا "ياسمين" .. قالت بهدوء :
- نازله المنصورة
- تعملى ايه فى المنصورة
قالت بشئ من نفاذ الصبر :
- هشترى شوية حاجات
قال وهو يهم بالإنصراف :
- طيب ثوانى هجيب العربية وآجى
قالت بسرعة :
- مفيش داعى .. أنا هروح لوحدى
نظر اليها بحنان قائلاً :
- ازاى يعني أسيب مراتــى تركب فى المواصلات وأنا موجود
خفق قلبه عندما سمعت منه كلمـة (مراتــى) .. تلك الكلمة التى تحاول أن تتناساها .. لكنها واقع .. وأمر مفروغ منه .. لم تعد تستطيع الهــرب .. عاد "عمر" و أحضر سيارته أوقفها أمام "ياسمين" وفتح لها الباب .. شعرت بإحساس غريب .. هو مزيج من خوف وحيرة وتردد .. للمرة الأولى تركب سيارة رجل غريب بمفردها .. ذكرت نفسها .. ليس غريباً يا "ياسمين" .. بل هو زوجــك .. زوجك الذى فُرض عليكِ فرضاً .. زوجك رغــم أنفــك .. اهربي منه فى عقلك كما تريدين .. لكنك لن تستطيعي الهرب من الواقــع أبــداً .
ترددت لحظات فى الركوب .. نظر اليها "عمر" يراقب ملامح التردد على وجهها .. ركبت بجواره .. بجوار زوجهــا .. شعرت بالرهبة .. تنهدت وحاولت السيطرة على خفقات قلبها .. هى حتى لا تعلم مما هى خائفه .. سار "عمر" فى طريقه الى المنصورة .. يلقى نظرة عليها كل فترة .. نظر اليها قائلاً :
- عايزه تروحى فين ؟
صمتت لتفكر .. ثم قالت :
- عايزة أروح أى مكتبة اسلامية
قال بإستغراب :
- مكتبة اسلامية
أومأت برأسها فقال :
- ليه ؟
قالت بهدوء :
- عايزة أشترى مصاحب عشان أحطها فى المسجد اللى فى القرية .. صدقة جارية لبابا وماما الله يرحمهم
شعر "عمر" بحنان جارف تجاهها .. لاحت ابتسامه على شفتيه .. ونظر الى يدها الموضوعة بجانبها على المقعد .. مد يده ليحتضن كفها .. فنزعت يدها بسرعة .. وكتفت ذراعيها أمام صدرها .. تضايق "عمر" .. لكنه أخفى ضيقه .. مراعاة لمشاعرها وللظروف التى تمر بها .. توقف أمام المكتبة .. نزل معها .. وواختارت ما تريد .. وعندما همت بفتح حقيبتها وجدت "عمر" يسبقها ويخرج محفظته .. فقالت بسرعة :
- لأ أنا اللى هدفع
نظر اليها "عمر" نظرة محذرة .. نظرة صارمة .. دون أن يتكلم .. كم اخافتها نظرته فألجمت لسانها .. يا لهاتين العينين .. هما قادرتان على غمرها بالحنان تارة .. وعلى اخافتها تارة أخرى .. دفع "عمر" المبلغ للرجل وحمل المصاحف ووضعها فى صندوق السيارة .. وتوجه الى باب "ياسمين" وفتحه لها .. ركبت "ياسمين" .. وركب "عمر" وانطلق فى طريقه .. ساد الصمت .. قطعته "ياسمين" وهى تخرج .. المال من حقيبتها وتعده .. ثم تعطيه له فى حده قائله بحزم :
- اتفضل
ألقى "عمر" نظرة على المال ثم عليها .. صمت للحظات بدون رد فعل .. ومازالت يدها ممدودة بالمال .. ثــم .. أخذه منها ووضعه بإهمال على تابلوه السيارة .. نظرت أمامها .. قال "عمر" بهدوء لكن بحزم :
- تانى مرة لما أكون معاكى فى مكان .. أوعى تفتحى شنطتك وتحاولى انك تحاسبي .. أنا راجل مش قفص جوافة
قالت "بهدوء :
- الحاجة دى بتاعتى وأنا اللي لازم أدفع تمنها
قال بحزم دون أن ينظر اليها :
- ده يبقى بينى وبينك .. مش أدام الناس
ثم نظر اليها قائلاً :
- اتفقنا ؟
نظر اليه .. تلاقت نظراتهما .. هى تحاول قراءة عينيه وهو يحاول قراءة عينيها .. أومأت برأسها ثم عادت لتنظر أمامها فسألها :
- عايزة تروحى مكان تانى ؟
قالت بتردد :
- لو مش هعطلك .. عايزه أروح أى دار أيتام هنا
فكر "عمر" قليلً ثم قال :
- ماشى
ثم نظر اليها وابتسم ابتسامه عذبه قائلاً :
- حبيبتى تأمر وأنا أنفذ
اختلج قلبها لابتسامته الجذابه .. وكلماته الرقيقة .. فأشاحت بوجهها .. وذكرت نفسها بكل ما علمته عنه .. وبكل ما تكرهه فيــه .
**************************
سمعت "ريهام" طرقات على الباب فقامت لتفتح ظناً منها أنها "ياسمين" .. لكنها وجدت "كرم" أمامها .. ابتسم لها قائلاً :
- وحشتيني جيت أشوفك
ابتسمت "ريهام" بخجل وقالت :
- احنا كنا لسه أفلين مع بعض من شوية
قال فى مرح :
- انتى فاكرة ان صوتك كفاية يعني .. ده أنا لما بتكلم معاكى فى التليفون بحس انك بتوحشيني أكتر
سألها بخفوت :
- "ياسمين" جوه ؟
- لأ .. خرجت راحت المنصورة
ابتسم "كرم" قائلاً :
- كويس
ولدهشتها وجدته يدفعها ويدخل ويغلق الباب .. قالت بدهشة :
- "كرم" انت بتعمل ايه
قال بجديه :
- عايز أتكلم مع مراتى .. ايه فيها حاجه
أشارت الى الباب المغلق قائله :
- بس مش كدة .. مينفعش كده
ضحك قائلاً :
- يا بنتى انتى مراتى
جذبها من ذراعيه ليضمها الى صدره .. فدفعته عنها قائله بخجل :
- انت بتهرج على فكرة
ابتسم قائلاً :
- أموت فيك وانت مكسوف كده .. طيب أنا بس عايز أتكلم معاكى فى موضوع
قالت بتوتر :
- طيب اتكلم بسرعة
نظر اليها بجديه قائلاً :
- حبه جد بأه عشان فى موضوع مهم فعلاً عايز أكلمك فيه
رأت ملامح الجدية على وجهه فشعرت بالقلق وقالت :
- خير ؟
قال "كرم" بجديه :
- أنا خلاص معدش ينفع أستنى هنا أكتر من كده .. الشغل كتير فى القاهرة وفى حاجات لازم أعملها بنفسي .. يعني لازم أرجع القاهرة فى أقرب وقت
صمتت "ريهام" قليلاً لا تدرى ما تقول فأكمل "كرم" :
- لازم تيجي معايا القاهرة يا "ريهام" .. يعني أقصد تعيشي معايا .. تبقى دخله يعني
نظرت اليه وقالت بدهشة :
- انت بتقول ايه يا "كرم" .. ازاى أعمل فرح وأبويا لسه ميت ؟
قال "كرم" بسرعة :
- مش لازم نعمل فرح .. بس أنا مضطر أرجع القاهرة ومش عايز أسيبك هنا .. عايزك معايا يا حبيبتى .. وبعدين انتى ناسية الإمتحانات بتاعتك .. انتى نفسك لازم ترجعى القاهرة عشان امتحاناتك
فكرت "ريهام" بتمعن ثم قالت :
- وازاى أسيب "ياسمين" لوحدها ؟
- "ياسمين" مش لوحدها .. جوزها هنا .. "عمر" .. وكمان طنط "كريمه" هنا
أخذت تفكر .. ثم قالت له فى حيرة :
- مش هقدر أمشى من هنا يا "كرم" إلا بعد ما أطمن ان "ياسمين" هى كمان هتبقى مع "عمر" فى بيته .. ومش هتعد هنا لوحدها
قال "كرم" مطمئناً :
- متقلقيش أنا واثق ان "عمر" هو كمان هيعجل بموضوع الدخله .. عشان الوضع كدة مش مظبوط .. يعني مينفعش تعدوا انتوا الاتنين لوحدكوا .. وفى سكن عمال طالعه نازله .. وكل واحدة متجوزة راجل يسد عين الشمس
نظرت اليه قائله :
- خلاص .. شوف انت "عمر" ناوى على ايه .. بس أنا مش همشى من هنا طول ما "ياسمين" أعده .. مش ممكن هسيب أختى لوحدها .. وفى ظروفنا دى .. احنا خلاص بقينا لوحدنا وملناش الا بعض
اقترب منها "كرم" ومسحها على وجنتها فى حنان قائلاً :
- وأنا روحت فين .. انتى مش لوحدك يا "ريهام" .. أنا معاكى .. ومش عايز تقلقى من حاجه طول ما أنا معاكى
ابتسمت بخجل وقالت :
- عارفه يا "كرم" .. تعرف انت اللى كنت بتصبرنى الأيام اللى فاتت .. كنت بفرح لما كنت بتكلمنى كل شوية وبتطمن عليا .. خلتنى أحس ان مش لوحدى
ابتسم قائلاً :
- طبعاً مش لوحدك
حاولت جذبها من ذرعيها مرة أخرى الى حضنه .. فدفعته عنها بخجل .. تركها قائلاً بمرح :
- ماشى برحتك .. بكرة تبقى فى بيتى يا جميل .. أنا وانت وتالتنا الشيطان
ضحكت "ريهام" وقالت وهى تكتم ضحكاتها :
- "كرم" اطلع بره
ابتسم قائلاً :
- ماشى .. هطلع .. ليك يوم يا جميل
ثم نظر اليها بفرحه قائلاً :
- بس عارفه كويس انى جيت .. على الأقل شوفت ضحكتك الحلوة دى
نظرت اليه بحب وقالت مبتسمه :
- ربنا يخليك ليا يا "كرم"
نظر اليها بحنان .. ثم فتح الباب وقبل أن يخرج .. التفت بسرعة ليطبع قبلة سريعه على وجنتها ثم خرج مسرعاً وهو يضحك .. قالت "ريهام" بغيظ بصوت منخفض :
- ماشى يا "كرم"
*************************
دخلت "ياسمين" الى دار الأيتام بصحبة "عمر" .. توجهوا الى مكتب المديرة وتبرعت "ياسمين" بمبلغ لمساعدة الأطفال .. كصدقة جارية لوالدها ووالدتها رحمهما الله .. كان "عمر" يراقبها بعينين حنونتين وهى تتحدث مع المديرة .. رق قلبه لتلك الفتاة التى أمامه والتى كلما رآها شعر بقلبه كعصفور صغير يرفرف بجناحيه داخل صدره .. شعر بسعادة غريبة تسري فى كيانه كله وهو ينظر اليها والى أفعالها الطيبة .. حانت التفاته منها وتلاقت أعينهما .. كانت نظرته شغوفه حنونه تشى بحب واضح لا يمكن أن تخطئ فى تفسيره .. أشاحت بوجهها فى خجل .. أخذتهم المديرة الى حجرة بعض الأطفال وأخذت تتحدث عن المجهودات التى تبذلها الدار لعلاج أولئك الأطفال الذين فقدوا زويهم .. نظرت "ياسمين" الى الأطفال البريئة التى تلعب فى مرح .. ترقرقت عيناها بالعبرات .. حمدت ربها أن أمد فى عمر أبويها حتى ربوها وكبورها هى و أختها
أما هؤلاء الأطفال المساكين معظم لم يروا زويهم .. وتربوا بدونهم .. وسيكبرون بدونهم .. شعرت بالعبرات تندفع من عينيها كالشلال وهى تنقل بصرها من طفل لآخر وضعت كفها على فمها لتكتم شهقات صغيرة كادت أن تفلت منها .. نظر اليها "عمر" و خفق قلبه .. رفع ذراعه وأحاط كتفيها وقربها منه .. و .. قبل رأسها .. انتبهت "ياسمين" لقربها منه .. فرفعت عينيها الدامعتين اليه فى خجل لتصطدم بنظرة حنان فى عينيه .. ثم تبتعد عنه .. مسحت دموعها .. اقترب "عمر" من أحد الأطفال .. كان طفلاً صغيراً فى الثالثه من عمره .. يمسك لعبة مكونه من جزءين فشل فى تركيبهما فأخذ يبكى .. أمسك "عمر" منه اللعبة وركبها و ابتسم الى الصغير وأعطاه اياها ومسح على شعره .. وقف مرة أخرى بجوار "ياسمين" ينظر للطفل الذى يلعب بلعبته فى مرح .. نظرت اليه "ياسمين" قائله :
- تعرف انك خدت ثواب كبير أوى باللى انت عملته ده
التفت اليها بدهشة قائله :
- عملت ايه ؟
قالت شارحه :
- مسحت على راس طفل يتيم .. اللمسه دى ثوابها كبير
نظر اليها بشغف قائلاً بصوت هامس :
- كويس يعني معايا كنز حسنات .. مش هشيل ايدي من عليه أبداً
احمرت وجنتاها وتحاشت النظر اليه .. قبل انصرافهم توقف "عمر" وأخرج دفتر شيكاته وكتب شيكاً وأعطاه الى مديرة الدار .. لم تعرف "ياسمين" الرقم المكتوب لكنها رأت علامات الفرحة على وجه المرأة ونظرت اليه قائله :
- ربنا يباركلك يا ابنى ويحفظك من كل سوء .. ده أكبر مبلغ حد يتبرع بيه من يوم ما فتحنا الدار ..
أخذت "ياسمين" تنظر اليه وهى تتسائل فى نفسها .. تــُرى أفعل هذا لينال أجــراً .. أم ليفكر عن ذنبـــاً .. التفت "عمر" اليها فوجدها تنظر اليه نظرة غريبه أخفتها سريعاً .. انهوا زيارتهم و ركبوا السيارة .. نظر "عمر" اليها مبتسماً :
- تحبي تروحى فين تانى ؟
- شكراً .. أنا كده خلصت اللى كنت عايزه أعمله .. لو راجع المزرعة وصلنى فى طريقك لو سمحت
رفع حاجبيه بتحدى قائلاً :
- ولو مش راجع ؟
قالت بإرتباك :
- مفيش مشكلة ممكن توصلنى الموقف وأنا هركب عربية توصلنى المزرعة
نظر الى ساعته قائلاً :
- فى الوقت ده .. الساعة 9 .. تركبي عربية لوحدك وتمشى على طريق سفر
ازداد ارتباكها وقالت :
- أنا مش هكون لوحدى فى العربية .. معايا ركاب .. وكمان أنا مضطرة يعني مفيش أدامى حل تانى
أمسك وجهها بكفه وجعلها تلتفت اليه .. اقترب منها لتتلاقا نظراتهما .. قال لها :
- "ياسمين" أنا جوزك .. فاهمة .. جوزك .. متتعمليش معايا كأنى راجل غريب .. انتى دلوقتى مراتى ومسؤله منى .. ياريت تفهمى ده كويس
صمتت .. وأبعدت وجهها عن يده .. اعتدل فى مقعده وانطلق فى طريقه .. توقف أمام احدى المطاعم والتفت اليها قائلاً بإبتسامه :
- أنا جعت .. ممكن ننزل ناكل مع بعض وبعدين نرجع المزرعة
اعتذرت قائله :
- معلش أنا أسفه أنا عايزة أرجع المزرعة عشان سايبه "ريهام" لوحدها
صمت .. وانطلق فى طريقه الى المزرعــة .. أوقف السيارة أمام سكن العمال .. التفتت اليه "ياسمين" قائله :
- ممكن لو سمحت تفتحلى الشنطة عشان آخد المصاحف
قال لها "عمر" :
- لأ خليهم فى العربيه وبكرة هوصلهم بنفسي لمسجد القرية
علمت أنها لو اعترضت لن تجدى منه رجا .. فإستسلمت ونزلت من السيارة .. نزل "عمر" هو الآخر والتف حول السيارة .. نظرت اليه قائله :
- شكراً
همت بالإنصراف فوقف أمامها .. نظر اليها قائلاً :
- على فكرة الوضع ده مش هينفع يستمر كتير
نظرت اليه بعدم فهم .. قائله :
- يعني ايه ؟
قال بهدوء :
- يعني مش هسيب مراتى عايشه لوحدها فى سكن العمال
قالت له بحده :
- أنا مش لوحدى أنا معايا "ريهام"
- "ريهام" هتسافر القاهرة مع جوزها يا "ياسمين"
نظرت اليه بدهشة فأكمل قائلاً :
- "كرم" مضطر يرجع القاهرة عشان الشغل .. وقالى انه عايز مراته معاه
ثم نظر اليها نظرة ذات معنى :
- زى ما أنا عايز مراتى معايا
كانت "ياسمين" تشعر بالغضب يشتغل بداخلها .. غضب وحنق و قلة حيله .. أهذه هى نهاية المطاف .. ستصبح زوجة فعليه لهذا ...... لهذا الزانــى .. ارتجف قلبها عندما ترددت الكلمة بداخلها .. يا لها من كلمة بغيضة مقززه .. لا تحتمل النطق بها .. فكيف ستحتمل من قام بها .. نظرت اليه وقالت بحزم :
- مفيش مشكلة "ريهام" تسافر مع "كرم" وأنا أفضل هنا فى السكن
قال "عمر" بحده :
- قولتلك مش هسيب مراتى عايشة لوحدها فى سكن العمال يا "ياسمين" .. الوضع ده غير مقبول بالنسبه لى .. لازم تعرفى انك دلوقتى مراتى .. وليا حقوق عليكي
شعرت بغصة فى حلقها .. شعرت وكأنها تختنق .. تجمعت العبرات فى عينيها .. صاحت وعيناها تشتعلان غضباً وكرهاً :
- انت ايه معندكش احساس .. على الأقل استنى لحد ما أفوق من صدمتى فى موت أبويا وبعدين ابقى اطلب منى حقوقك
صمت "عمر" .. طال صمته وهو يتطلع اليها .. الى تعبيرات وجهها الغاضبة .. الى الألم والدموع فى عينيها .. ثم اقترب منها .. رجعت الى الخلف محاولة الابتعاد عنه لتصطدم بالسيارة خلفها .. اقترب أكثر وقال بصرامة وقوة :
- انا لما قولت حقوقى .. قصدك حقى فى ان مراتى تكون جمبي .. وتعيش معايا فى نفس البيت .. ما قصدتش غير كده
غزت حمرة الخجل وجهها .. فأكمل "عمر" وفى عينيه نظرة حاده :
- انا مش "مصطفى" يا "ياسمين"
ارتجف قلبها .. أكمل بغضب مكتوم :
- أنا مش حيوان زيه
أخفضت نظرها وقد شعرت بالخجل لأنها أخطأت تفسير كلماته .. زفر "عمر" ليهدئ من نفسه .. نظرت اليه "ياسمين" قائله :
- أنا آسفه
نظر اليها "عمر" قائلاً بهدوء :
- أنا عذرك لأنك لسه معرفتنيش يا "ياسمين" .. بس صدقيني أنا مش ممكن أبداً أعمل حاجه تجرحك
رأيت "ياسمين" الصدق فى عينيه .. وسمعته فى صوته .. ابتسم لها .. ابتسمت له فى خجل .. خفضت بصرها .. لترتطم نظراتها بالحرق على يده .. شعرت بغصه فى حلقها .. رفعت نظرها اليه .. حائرة .. مترددة .. متألمة .. ابتلعت ريقها وقالت بصوت حاولت أن يبدو طبيعياً :
- الحرق اللى فى ايدك ده من ايه ؟
شعر "عمر" بالسعادة .. فهذه هى المرة الأولى التى تسأله عن شئ يخصه .. قال لها :
- شكله مضايقك ؟
قالت بإرتباك :
- لأ .. مش كده .. أنا .. أنا بس بسأل عادى .. من زمان الحرق ده ؟
ظهر الضيق على وجه .. ثم قال :
- لأ مش من زمان أوى .. وموضوع مش حابب أفتكره
خفق قلبها بشدة .. قالت تحاول معرفة اجابه لسؤالها :
- حصل هنا فى المزرعة ؟ .. ولا فى القاهرة ؟
نظرت اليه تراقب تعبيرات وجهه .. نظر اليها ..بدا متردداً .. ثم قال :
- حقيقى يا "ياسمين" مش حابب أتكلم فى الموضوع ده
اقترب منها وأمسك يدها قائلاً :
- خلينا نتكلم عننا أحسن
سحبت "ياسمين" يدها من يده وقالت ببرود :
- أنا اتأخرت على "ريهام" .. بعد اذنك
ثــم غادرت الى غرفتهــا .. استقبلتها "ريهام" قائله :
- عملتى ايه
قالت "ياسمين" وهى شارده :
- كويس
- هو ايه اللى كويس .. عملتى ايه اشتريتي ايه للصدقه بتاعة بابا و ماما
التفتت "ياسمين" اليها وقالت بنفاذ صبر :
- "ريهام" أرجوكى سبيني دلوقتى .. مش قادرة أتكلم فى أى حاجة
دخلت "ياسمين" الحمام ووقفت تنظر الى نفسها فى المرآة .. لماذا تهرب من اجابة سؤالها .. لماذا ظهرت علامات الضيق على وجهه عندما ذكرت ذلك الحرق .. كل الشواهد تؤكد ما توصلت اليه بنفسها .. نعم هو مذنب .. نظرت الى نفهسا بسخريه .. ماذا توقعتى أن يجيبك .. أيقول لكِ لقد أرتكبت جريمة شنعاء وكان جزائي أن أصيبت يدي .. أكنتى تظنين بأنه سيعترف لكِ بماضيه .. هذا الماضى الأسود الذى بنى بينك وبينه آلاف الأسوار العالية .. بالتأكيد سيكذب .. بالتأكيد سينكر .. من يرتكب جريمة بشعة مثل الزنــى .. سيكون الكذب لعبة سهله بالنسبه له .. أغمضت عيناها فى ألم .. انتظرتها "ريهام" حتى خرجت .. ثم قالت :
- "ياسمين" .. "كرم" جالى النهاردة .. وقالى انه مضطر يسافر القاهرة عشان شغله .. و ...
صمتت قليلاً ثم قالت :
- وعايزنى أسافر معاه .. يعني طبعا مش هنعمل فرح عشان بابا الله يرحمه .. بس هو عايز خلاص نتجوز ونعيش مع بعض
صمتت "ياسمين" ولم تجب .. فأكملت "ريهام" :
- أنا قولتله مش هينفع .. إلا بعد ما أطمن على "ياسمين"
قالت "ياسمين" بدهشة :
- تطمنى عليا ازاى يعني
- يعني نشوف "عمر" ناوى على ايه .. هو مكلمكيش فى حاجه
زفرت "ياسمين" بضيق .. ثم قالت :
- "ريهام" ملكيش دعوة بيا .. سافرى مع "كرم" .. وأنا مش صغيرة عشان معرفش أعيش لوحدى
قالت "ريهام" بحزم :
- مستحيل .. مش هسافر مع "كرم" إلا لما انتى تروحى بيتك
قالت "ياسمين" بأسى :
- بيتى ؟
أومأت "ريهام" برأسها قائله :
- أيوة بيتك .. بيت "عمر"
قالت "ياسمين" بضيق وهى تتوجه الى فراشها :
- خلينا نتكلم بكرة يا "ريهام" .. أنا تعبانه دلوقتى وعايزة أنام
قضت "ياسمين" ليلتها والكوابيس تؤرق مضجعها .. أفاقت على احدى كوابيسها تصرخ .. استيقظت "ريهام" على صوتها .. ذهبت وجلست بجوارها لتجد "ياسمين" جالسه تبكى .. قالت "ريهام" بلهفه :
- "ياسمين" ايه اللى حصل .. حلمتى حلم وحش ؟
قالت "ياسمين" من بين شهقاتها :
- مش طيقاه .. مش طايقه أشوفه .. ولا طايقه أسمع صوته .. ولا طايقه انه يلمسنى
قالت "ريهام" بدهشة :
- مين ؟ .. "عمر" .. ؟
- أيوة
- ليه يا "ياسمين" .. ايه اللى حصل بينكوا .. انتوا اتخانقتوا
قالت "ياسمين" بألم :
- من غير ما يحصل حاجه .. أنا مش طايقاه وخلاص
أخذتها "ريهام" فى حضنها لتهدئها .. فى الصباح ذهبت "ريهام" الى مكتب "كرم" .. دخلت وأغلقت الباب خلفها .. قام فوراً واتجه اليها قائلاً بمرح :
- والله وبقينا نقفل الباب
ابتسمت "ريهام" قائله بلؤم :
- لو عايزنى أفتحه معنديش مانع
ابتسم قائلاً :
- لأ خليه مقفول أحسن نستهوى
قالت "ريهام" بجديه :
- "كرم" .. مش هينفع أسافر معاك .. أنا اتكلمت مع "ياسمين" وهى مش حبه تروح بيت "عمر" دلوقتى
قال "كرم" بإستغراب :
- ليه مش حبه
هتفت بحده :
- ايه اللى ليه مش حبه .. مش حبه وخلاص انا ايش عرفنى
قال "كرم" بضيق :
- يعني هسافر لوحدى .. أنا فى بلد ومراتى فى بلد
نظرت اليه "ريهام" بأسف قائله :
- معلش يا "كرم" مش بإيدي ..بس مقدرش أسيب أختى لوحدها
تنهد "كرم" قائلاً :
- خلاص بس مش هنعدوا فى سكن العمال .. هأجر شقة فى المنصورة وتعدوا فيها انتوا الاتنين .. لحد ما نشوف الموضوع هيرسى على ايه
قالت "ريهام" :
- معلش يا "كرم" عارفه انك مضايق .. بس قدر ان دى أختى ومينفعش أسيبها
أومأ "كرم" برأسه قائلاً :
- مقدر يا حبيبتى .. ولا يهمك .. وعامة أنا واثق ان "عمر" مش هيتحمل الوضع ده كتير .. "عمر" غيور جداً ومش هيسيبها عايشة فى المنصورة لوحدها بعد ما بقت مراته
صمت قليلاً ثم قال :
- وامتحاناتك هتعملى فيها ايه
قالت شارحه :
- ما أنا هفضل هنا لحد معاد امتحاناتى .. ويارب ساعتها تكون "ياسمين" فى بيتها .. عشان أعرف أسافر وأنا مطمنه
************************
- انتى بتهرجى يا "ريهام"
قالت "ريهام" بجديه :
- لأ مش بهرج ده اللى حصل واللى اتفقت عليه مع "كرم"
قالت "ياسمين" بغضب :
- يا بنتى وانتى مالك ومالى .. سافرى ما جوزك وعيشي حياتك بأه .. وملكيش دعوة بيا
- ازاى يعني مليش دعوة بيكى .. ما هو انتى لو تريحيني وتقوليلي ليه مش عايزة الدخله دلوقتى كنت ارتحت .. انتى عارفه ان وضعنا صعب .. ومفيش حل غير كده
شعرت "ياسمين" بالإختناق .. أخذت نفساً عميقاً .. بدت متردده .. ثم قالت :
- خلاص
- خلاص ايه ؟
قالت بشئ من الأسى :
- خلاص موافقه .. كدة كدة التأجيل مش هيفيد بحاجه
قالت "ريهام" بقلق :
- نفسي أفهم ايه اللى تاعبك .. ليه مش مبسوطه
اغرورقت عيناها بالدموع وقالت :
- مفيش .. بس لسه ما فوقتش من صدمة وفاة بابا الله يرحمه
قالت "ريهام" بأسى :
- الله يرحمه هو و ماما
- اللهم آميــن
اتفق الجميع على اليوم الموعــود .. ستسافر "ريهام" مع "كرم" .. وتنتقل "ياسمين" الى بيت المزرعة .. وأصرت "كريمه" و "نور" على العودة الى القاهرة مع العروسين .. ليتابع "نور" أعماله التى تراكمت من بعد عطلته الطويلة فى المزرعة .. أتــى اليــوم الموعــود .. كانت "ريهام" تستعد فى غرفتها وتجهز حقائبها عندما سمعت طرقات على الباب .. فتحت لتجد "كرم" .. ابتسم لها فى سعادة قائلاً :
- ممكن الجميل يسمحلى أدخل
ابتسمت وأفسحت لها الطريق .. دهشت عندما وجدته يعطيها باقى ورد كان يخفيها خلف ظهره .. أخذتها منه مبتسمه .. قال لها فى رقه :
- أحلى ورد لأحلى وردة فى المزرعة
ابتسمت "ريهام" فى سعادة .. ولدهشتها وجدتها يحمل حقيبة كبيرة من الأرض كان قد وضعها بجوار الباب .. ثم دخل ووضعها على السرير .. نظرت اليه فى دهشة وهى تغلق الباب .. ثم اقتربت قائله :
- ايه ده
فتح "كرم" سوستة الحقيبة وأخرج منها فستان زفاف فائق الروعة والجمال .. نظرت اليه "ريهام" بإنبهار .. ثم نظرت الى "كرم" قائله :
- ايه ده
ابتسم "كرم" قائلاً :
- احنا اتفقنا ان مفيش فرح .. بس مش معنى كدة ان مفيش فستان فرح
اغرورقت عيناها بدموع السعادة واقتربت لتتلمس الفستان والتطريز فى فرحه .. سألها "كرم" :
- عجبك ؟
قالت بحماس :
- جداً يا "كرم" .. جداً .. شكله حلو أوى
اتسعت ابتسامة "كرم" وهى ينظر الى سعادتها البادية على وجهها .. قالت "ريهام" بلهفة :
- بس خايفة ميطلعش مقاسى
ضحك "كرم" قائلاً :
- لأ متخفيش هيطلع مظبوط عليكي بالمللى
- ازاى يعني .. وانت عرفت مقاسى منين
غمز بعينيه قائلاً :
- استعنت بصديق .. أختك جبتلى فستان من دولابك وخلتهم يعملوا الفستان بنفس المقاسات .. يعني ان شاء الله هيطلع مظبوط عليكي
ترك الفستان على السرير واقترب منها وقبل جبينها قائلاً :
- مبروك عليكي يا أحلى عروسة
ابتسمت "ريهام" فى سعادة
أخرج "كرم" من الحقيبة علبة الشبكة وألبسها اياها قطعة قطعة واستغرق وقتاً طويلاً حتى قالت "ريهام" :
- "كرم" كل ده بتلبسنى السلسلة ؟
- بحب الاتقان يا "ريهام"
ضحكت وهى تنظر اليه قائله :
- مش وقت اتقان يا "كرم" الكوافيرة على وصول
أدارها "كرم" وألبسها دبلتها وألبسته دبلته .. أمسك كفها ورفعها ليقبله قائلاً :
- مبروك يا أحلى عروسة فى الدنيا
ابتسمت بخجل قائله :
- الله يبارك فيك
قال بخبث :
- بقولك ايه متلغى معاد الكوافيرة وتعالى ألبسك السلسلة تانى
دفعته بإتجاه الباب قائله :
- يلا يا "كرم" من غير مطرود
خرج وابتسم لها وأرسل قبله فى الهواء .. فضحكت ولوحت له بيدها ثم أغلقت الباب .. خرجت "ريهام" فى أبهى حله بفستانها الأبيض وحجابها الأبيض .. وقفت "ياسمين" أمامها تنظر اليها قائله :
- انا حسه انى فرحانه أوى .. طالعه زى القمر يا "ريهام" .. ما شاء الله
التفتت اليها "ريهام" :
- حبيبتى يا "ياسمين" .. كان نفسي أوى بابا و ماما يكونوا معانا اليوم ده
كادت العبرات أن تتدافع الى عين "ياسمين" لكنها سيطرت على عواطفها قائله بصوت مرتجف :
- ربنا يجمعنا بيهم فى الجنة
خرجت "ريهام" ونزلت ليستقبلها عريسها .. وهمس لها :
- زى القمـر .. ممكن أبوس
قالت بجدية وهى تنظر للناس حولها :
- لو عملت كدة هتبقى ليلتك مش فايته يا "كرم"
ضحك "كرم" قائلاً :
- لا الطيب أحسن
عانق "كرم" صديقيه يودعهما قائلاً :
- فى أقرب وقت تجولى القاهرة ان شاء الله ونتجمع كلنا مع بعض .. اتفقنا
قالت "عمر" مبتسماً :
- اتفقنا
قال "أيمن" بسعادة :
- ألف مليون مبروك يا "كرم"
عانقت "ياسمين" "ريهام" عناق طويل .. كانت هذه هى المرة الأولى التى تفترق فيه الفتاتان عن بعضهما البعض .. غرورقت عيناهما بالدموع .. قالت "سماح" :
- "ريهام" بطلى عياط بأه
قالت "ريهام" بتأثر :
- هتوحشينى أوى يا "ياسمين" .. وانتى يا "سماح" هتوحشونى أوى
اقتربت منهم "كريمه" قائله :
- حبيبتى متقلقيش كلها فترة صغيرة و "ياسمين" و "عمر" هينزلوا القاهرة ان شاء الله
شعرت "ياسمين" بالإضطراب .. كانت طيلة الأيام الماضية تتجاهل وضعها .. صممت على ألا تفكر فى شئ إلا فى أختها ومستقبلها .. أما الآن فهى مضطرة أن تواجه كل ما كانت تهرب منه .. رحل العروسان وخلفهما سيارة "نور" و "كريمة" .. وعاد "أيمن" و "سماح" أدراجهما فى اتجاه بيتهما .. لتبقى "ياسمين" واقفه مع "عمر" أمام بوابـة المزرعــة
طال الصمت بينهما .. شعرت بالتوتر .. نظر اليها قائلاً :
- متقلقيش .. "كرم" أخويا وصاحبي .. مش هتلاقى أحسن منه لـ "ريهام" .. انا واثق انه بيحبها و هيحافظ عليها
أخطأ "عمر" فى تفسير سبب قلقها وتوترها .. لم تكن "ياسمين" قلقه على "ريهام" بل قلقه على نفسها .. أمسكها "عمر" من ذراعها ونظر اليها بحب قائلاً :
- مش يلا احنا كمان على بيتنا
خفق قلبها لكلمة (بيتنا) .. تساءلت فى نفسها .. تُرى أهو بيتى حقاً .. هل من الممكن أن أعتبره يوماً بيتي .. هل من الممكن يوماً أن أتقبل وضعى كزوجة لهذا الرجل .. قالت بتوتر :
- هروح الأوضة الأول ألم حاجتى فى الشنطة
ابتسم قائلاً :
- تحبي أساعدك
- لأ
- طيب تحبي أبعت معاكى واحدة تساعدك
- لأ .. أنا أصلا حاجتى مش كتير
أسرعت لتهرب من أمامه وعادت الى غرفتها .. أغلقت الباب وجلست على فراشها .. لكم تتمنى أن تستيقظ الآن فتجد أن كل هذا مجرد حلم وسينتهى .. لا .. يكفى هروباً هذا ليس بحلم .. افيقي يا "ياسمين" .. واجهى واقعــك .. جمعت كل أغراضها .. وجلست على فراشها .. لا تعرف ماذا تنتظر .. وماذا تنوى أن تفعل .. اتصلت "سماح" .. ردت "ياسمين" بلهفه :
- "سماح"
- "ياسمين" انتى كويسه
- أيوة كويسة
- شكلك مكنش مظبوط النهاردة
- "سماح" انتى قولتى لـ "أيمن" حاجه
- لأ طبعا انتى حلفتيني ما أقولش
تنهدت "ياسمين" قائله :
- أيوة متقوليش
ثم قالت بأسى :
- "سماح" أنا تعبانه أوى .. ومحتارة أوى .. أنا تعبانه أوى يا "سماح"
قالت "سماح" بحسرة :
- "ياسمين" لو مش عايزة تتجوزيه ......
قاطعتها "ياسمين" بمراراه :
- انا خلاص اتجوزته يا "سماح" .. عايزانى أطلق للمرة التانية .. وبعدين .. هعمل ايه .. هروح فين .. وبعدين أنا خايفه أوى .. لانى عارفه انى لو طلبت الطلاق من غير سبب قوى دى حاجه عقابها كبير أوى عند ربنا .. عقابها ان الجنة تتحرم عليا .. وأنا مش عارفه هل السبب اللى عندى ده كافى انى أطلق ولا لأ .. مش عارفه محتارة وحسه انى ضايعه .. حسه انى حتى مش عارفه أحس .. كل اللى حساه .. ان جوايا ألم وخوف .. أنا مش قادرة أتعامل معاه كزوج .. مش قادره أتخيل ده
صمتت قليلا ثم قالت :
- ساعات بحس انى بحبه .. وبحس انى مطمنة أوى وأنا معاه .. وبحس انى مش عايزة أبعد عنه .. بس لما بفتكر اللى عمله بحس انى مش طايقاه .. بحس انى خايفه منه .. بحس انى قرفانه منه .. بحس انى عايزة أبعد عنه .. حسه انى مش ممكن أبداً هقدر أسامحه .. مش ممكن أبداً أتقبل جوازى من واحد عمل جريمة بشعة كده .. مش ممكن أفضل أحافظ على نفسي طول عمرى عشان فى الآخر أتجوز واحد زانــى .. أنا حسه بحاجتين عكس بعض والحاجتين دول بيدمرونى كل حاجه فيهم بتشدنى نحيتها .. لحد ما حسه انى خلاص بتقطع من جوه
قالت "سماح" :
- احنا محتاجين نعد ما بعض يا "ياسمين" مش هينفع كلام فى التليفون ولازم الموضوع ده نعرف أصله وفصله .. ومحتاجه أسمع منك كل التفاصيل عشان نقدر نفكر مع بعض
قالت "ياسمين" بإستسلام :
- ماشى وأنا فى أقرب وقت هجيلك .. لانى فعلا محتاجه أتكلم معاكى
أغلقت "ياسمين" مع صديقتها وتمددت على سريرها .. تركت لعبراتها العنان .. تلك العبرات التى كانت تحبسهم منذ أيام .. حتى لا تتأثر "ريهام" بها وبحالها .. قالت فى نفسها .. يارب الحاجه الوحيدة اللى مصبرانى .. هى انى عارفه ان كل حاجه فى حياتى هى من اختيارك انت .. يارب انت عالم الخير فين .. وأنا فعلاً محتارة .. يارب ساعدنى .. يارب ريح قلبي .. يارب خرجنى من حيرتى .. وقويني على نفسي .. يارب أنا بحسن الظن بيك .. يارب أنا واثقة انك هتختارلى الخير .. أنا راضية بكل اللى انتى تختاره .. يارب ريح قلبي .. أنا حسه انى ضعيفة أوى .. حسه انى وحيدة أوى .. مليش غيرك يارب ..
لم تشعر بالوقت وهى نائمة ممده على فراشها .. غفلت .. استيقظت على طرقات الباب .. نهضت مفزوعه .. قامت لتفتح .. وجدت "عمر" امامها .. قال لها بحنان :
- كنت واثق انك نمتى .. كان باين عليكي الارهاق النهاردة
حاولت استجماع أفكارها ثم قالت :
- معلش نمت غصب عنى
ابتسم لها قائلاً :
- ولا يهمك يا حبيبتى .. عارف انك عايزة تنامى ..بس مش حابب انك تنامى هنا لوحدك وبيتك على بعد خطوتين منك
شعرت بالإضطراب .. دخل "عمر" دون دعوة وأمسك بحقيبها قائلاً :
- ليكي حاجه تانيه هنا
- لأ
- طيب يلا
نزلت "ياسمين" معه تسير فى اتجاه بيت المزرعة وهى تشعر بأن الشئ الوحيد الذى تتمناه الآن هو .. الهــرب .
دخلت "ريهام" بيتها الجديد .. وقفت تنظر اليه فى بهجة .. التفتت تنظر الى "كرم" .. الى زوجهــا الذى يبتسم لها فى سعادة .. نظرت اليه نظره بثت فيها سعادتها وفرحها وشوقها وخجلها ...
دخلت "ياسمين" الى بيتها الجديد .. البيت الذى دخلته مرات قليله من قبل .. وها هو وقد أصبح بيتها .. استدارت لتنظر الى الرجل الواقف خلفها بعدما أغلق عليهما باب بيتهمــا .. تبــاً لتلك المشاهد التى تتكرر بإستمرار .. نفس المشهد .. نفس الاحساس .. نفس خفقات قلبها المتسارعة .. نفس الحزن .. نفس التوتر .. نفس الرغبة فى الهــرب .. نفس الإحساس بالضيـــاع .. لكن شئ واحد هو المختلف .. نظـراتهـــا .. لم تكن هذه المـرة تنظر الى زوجها بنظرات تحمل الخــوف فقط .. بــل حملت نظراتهــا أيضــاً الكثيــر من الألـــــــم.
↚
دخلت "ياسمين" الى بيتها الجديد .. البيت الذى دخلته مرات قليله من قبل .. وها هو وقد أصبح بيتها .. استدارت لتنظر الى الرجل الواقف خلفها بعدما أغلق عليهما باب بيتهمــا .. تبــاً لتلك المشاهد التى تتكرر بإستمرار .. نفس المشهد .. نفس الاحساس .. نفس خفقات قلبها المتسارعة .. نفس الحزن .. نفس التوتر .. نفس الرغبة فى الهــرب .. نفس الإحساس بالضيـــاع .. لكن شئ واحد هو المختلف .. نظـراتهـــا .. لم تكن هذه المـرة تنظر الى زوجها بنظرات تحمل الخــوف فقط .. بــل حملت نظراتهــا أيضــاً الكثيــر من الألـــــــم.
اقترب منها "عمر" ببطء .. كانت تشعر بشعور مختلط .. كانت متوترة .. شاردة .. اقترب منها ووقف أمامها .. ابتسم لها .. لم تبادله الابتسام .. نظرت الى الباب خلفه تود الهرب .. لكنها تعلم ألا مجال للهرب .. كان "عمر" يراقب الانفعالات على وجهها .. ونظرات عينيها الفارغة .. توترها .. اضطرابها .. والأهم حزنهــا .. ابتسم لها قائلاً :
- نورتى بيتك
لم تجب .. بدا عليها التعب والإرهاق .. كانت كعصفور صغير كُسر جناحيه .. فلم يعد يقوى على الطيران .. أمسك يدها بيده فأجفلت .. واضطربت .. صعد بها السلالم وتوقف امام احدى الغرف .. شعرت يقلبها يدق بشدة .. فتح الباب ..لم تدخل ولم تنظر حتى الى الغرفة .. أشاحت بوجهها .. وهى تحاول اخفاء تعبيرات الألم الموجودة على وجهها .. يارب ماذا أفعل .. هل أرضى بالأمر الواقع .. وأنا يتيمة وحيدة ضعيفة .. أم أثور على هذه الزيجة التى أرفضها .. ماذا أفعل .. تأملها "عمر" قائلاً :
- ياه .. كل ده جواكى
نظرت اليه فى دهشة .. مستفهمه عن معنى ما قال .. فقال برقه :
- انتى ليه خايفه منى ؟ .. ايه غيرك من نحيتي ؟ .. نظراتك بقت غريبة .. أكنى جرحتك .. أو هجرحك .. ليه بتبصيلي كده .. ليه مش مبسوطه انك معايا ؟
صمتت "ياسمين" ولم تجب .. فأكمل :
- أنا عارف ان ممكن يكون موت والدك مأثر عليكي .. وكمان عارف انك شوفتى فى حياتك كتير .. بس مش عايزك تخافى طول ما انتى معايا .. لانى بحبك أوى يا "ياسمين" ومش ممكن أسمح لاى حاجه انها تضايقك أو تأذيكي
نظرت اليه .. التمست الصدق فى كلامه .. ليس لديها ذرة شك فى حبه لها .. هى تعلم أنه يحبها .. بل يعشقها .. لكن مشاعرها هى المضطربة .. غير مستقرة .. اقترب منها فجفلت .. أمسك برأسها وقبل جبينها قائلاً :
- يلا ادخلى
شعرت بالخوف .. نظرت الى غرفة النوم فى وجل .. حبست أنفاسها .. اقترب منها مرة أخرى وقبلها فى جبينها وقال بحنان :
- دى أوضتك انتى
رفعت عينيها اليه فى دهشة وقالت :
- أوضتى أنا ؟
ابتسم وأشار الى الغرفة المجاورة قائلاً :
- ودى أوضتى
لم تصدق "ياسمين" ما تسمع .. ماذا يقصد .. أخرجها من حيرتها وهو ينظر الى عينيها المندهشه بحنان وقال :
- أنا مقدر كل اللى انتى فيه .. ومستعد استناكى الوقت اللى تحبيه .. أنا عارف ان جوازنا جه بسرعة بالنسبة لك
نظرت اليه غير مصدقه ما تسمعه .. فقال لها بحنان :
- أنا بحبك جداً يا "ياسمين" .. و قولتلك قبل كده مش ممكن أجبرك على حاجة واضح جداً عليكي انك مش عايزاها
نظرت اليه "ياسمين" وكأنها تتعرف عليه لأول مرة .. ابتسم لها .. فبادلته ابتسامه خجوله .. استغربت .. كيف نجح فى ازاله التوتر بداخلها .. كيف أشعرها بالراحة وبالأمان .. أشار الى الغرفة برأسه قائلاً بحنان :
- يلا ادخلى .. غيري هدومك وانزلى عشان نتعشى سوا
قالت بحرج :
- معلش أنا اسفه بس بجد تعبانه ومحتاجه أنام
قال "عمر" بإهتمام :
- طيب أجبلك الأكل فى اوضتك
قالت بسرعة :
- لأ ..شكراً .. بس أنا بجد جعانه نوم
تأمل "عمر" وجهها المتعب ثم قال بحنان :
- ماشى يا حبيبتى ولا يهمك .. ادخلى نامى .. تصبحى على خير
ثم انحنى ليطبع قبله دافئه على وجنتها التى احمرت من الخجل .. دخلت الغرفة .. كانت غرفة جميلة .. جيدة الأثاث .. لها طابع كلاسيكى كما هو الحال فى الأسفل .. أخذت دشاً وتوضأت وصلت .. وارتدت بيجامتها ثم دخلت الى فراشها واستسلمت للنوم ..
***********************
بعد عدة ساعات من النوم شعرت "ياسمين" بحركة غريبه فتحت عينيها فجأة لتجد "عمر" واقف بجوارها .. شعرت بالفرع .. طمأنها قائلاً :
- متخفيش أنا دخلت بس أطمن عليكي .. لقيتك مش متغطية كويس فعدلت الغطا
نظرت الى الغطاء الملتف حولها جيداً .. همت بالجلوس لكنه أوقفها قائلاً :
- لأ متقوميش .. كملى نوم .. أنا خارج
نظرت الى الساعة بجوارها قائله بصوت ناعس :
- أنا كده كده لازم أصحى عشان باقى نص ساعة على الفجر
نظر اليها بحنان قائلاً :
- مش مهم .. صليه لما تقومى الصبح
رمقته "ياسمين" بنظرة حاده .. وشعرت بإنقباض فى قلبها .. ثم قالت دون أن تنظر اليه :
- لأ هصلى الفجر فى معاده
صمت "عمر" .. ظلت جالسه فى الفراش .. تتمنى انصرافه حتى تستطيع النهوض .. خجلت أن يراها بالبيجاما .. استدار "عمر" وفتح الباب وانصرف ..كانت تشعر بالضيق لهذه البداية الغير موفقه بينهما .. فهى لم تترك صلاة الفجر يوماً .. إلا فى حالات مرضها الشديد .. لكنها ظلت ومنذ نعومة أظافرها معتادة على أداء الصلاة فى وقتها وهذا شأن البيت كله .. وكانت تشعر بالبركة فى يومها عندما تستيقظ وتصلى الفجر وتظل تدعو الله و تقرأ وردها وأذكارها حتى الشروق .. نظرت الى نفسها فى المرآة وابتسمت بسخرية قائله .. وماذا توقعتى غير ذلك منه يا "ياسمين" .. هل توقعتى أن يهتم بالمحافظة على الصلوات فى وقتها !
توضأت وصلت و أنهت أذكارها .. لم ترغب فى النوم مرة أخرى .. وعندما أشرق نور الصباح خرجت الى شرفة غرفتها تستنشق تلك النسمات المنعشه .. كانت غرفتها تطل على الحديقة الخلفيه والتى اقل ما يقال عنها أنها رائعة .. تسلل عبير الأزهار المنعش اليها .. فأغمضت عينيها لتستمتع بتلك الرائحة الخلابه .. سمعت طرقات على باب غرفتها دخلت وفتحت الباب لتجد "عمر" واقفاً أمامها .. ابتسم قائلا :
- لمحت النور من تحت بابك عرفت انك صاحيه وفاتحه البلكونه .. يلا عشان نفطر سوا
همت بالخروج فاعترض طريقها وأشار الى الاسدال الذى ترتديه قائلا :
- هتفطرى كده
نظرت الى الاسدال ثم قالت :
- أنا كنت لابساه لانى كنت واقفه فى البلكونه
ابتسم قائلاً :
- متخفيش أنا ادينك أوضه بتطل على الجنينه اللى ورا ودى محدش بيدخلها مفتاحها معايا
أومأت برأسها .. فقال :
- هستناكى تحت
خلعت اسدالها .. وارتدت عباءة للبيت محتشمة .. جمعت شعرها للخلف .. كانت تشعر بالخجل من رؤياه اياها بدون حجاب .. ثم تذكرت أنه بالفعل رآها هكذا من قبل .. ابتسمت وهى تتذكر حنانه ورقته ولهفته عليها يوم أن خطفت .. هى تعلم جيداً بانه يحبها .. لا تشك لحظة فى ذلك .. فتحت باب الغرفة .. وشعرت وكأنها غريباً يتلمس طريقه فى مكان يجهله .. نزلت الدرج .. وبمجرد أن وصلت لنهايته وجدت "عمر" يخرج من احدى الغرف ثم يمسك يدها ويجذبها .. أجلسها على طاولة الطعام وجلس بجوارها .. نظرت الى كل الطعام المعد بدهشة قائله :
- ايه ده كله
ابتسم قائلاً :
- أول مرة ناكل مع بعض .. وبعدين انتى متعشتيش امبارح
ابتسمت قائله :
- على أساس انى هاكل كل الأكل ده يعني .. أنا أصلا أكلتى ضعيفه أوى
وضع كفه على كفها الموضوع على الطاولة .. فإضطربت .. وسحبت يدها .. لم يعر ذلك انتباها وأكمل مبتسماً :
- لا .. لازم تهتمى بأكلك .. وتبطلى أكل العصافير بتاعك
شرعا فى تناول الطعام .. كانت "ياسمين" تنظر لما حولها تتعرف على المكان .. وقع نظرها على الحرق فى يده .. فأشاحت وجهها عن يده .. حاولت أن تتناسى الأمر لكن هيهات .. لاحظ "عمر" اضطرابها وتوقفها عن الأكل فقال :
- فى حاجه .. الأكل مش عاجبك
قالت بسرعة :
- لأ بالعكس ..
هنا حضرت الخادمة لتضع أمامهم ابريق الماء .. نظرت اليها "ياسمين" من رأسها على أغمص قدميها .. كانت فتاه جميلة ذو ملامح هادئة ترتدى جلباب فلاحى وعصبه على رأسها .. نظرت الى "عمر" مبتسمه وقالت :
- تؤمر بحاجة تانى يا بشمهندس
هز "عمر" رأسه دون أن ينظر اليها وقال :
- لا شكراً
خرجت الخادمة .. وظلت "ياسمين" ساهمه .. نظرت الى "عمر" قائله :
- هى البنت دى بتشتغل هنا ؟
- أيوة
بدا عليها التردد .. كان "عمر" يرد بلامبالاة وكأن الأمر لا يمثل له أى أهمية .. فنظرت اليه وقالت :
- يعني انت وهى عايشين فى البيت ده لوحدكوا ؟
نظر اليها "عمر" وبدا مستغرباً سؤالها ثم قال :
- أيوة
ترددت قليلاً ثم قالت :
- هى جديدة هنا ؟
- لأ شغاله هنا من شهور
- كان فى واحدة شغاله قبلها ؟
بدا شارداً ثم قال بضيق :
- أيوة كان فى قبلها "صفية"
شعرت "ياسمين" بالغضب يتصاعد بداخلها .. وتوقفت عن الأكل .. نظر اليها "عمر" بدهشه قائلاً :
- مالك .. مش بتاكلى ليه
حاولت تمالك أعصابها وقالت بهدوء :
- مفيش شبعت
تفرس فى وجهها .. ثم قال :
- شكلك مضايق .. ايه اللى ضايقك
نظرة اليه نظرة حادة .. ثم قالت وهى تنهض :
- بعد اذنك أنا طالعه أوضتى
تركته .. ودخلت غرفتها .. جلست على السرير وعينيها تشعان بغضب مكتوم .. بحثت عن هاتفها واتصلت بـ "سماح" التى قالت بدهشة :
- فى عروسة تتصل بصحبتها يوم صباحيتها على الصبح كده
قالت "ياسمين" بحده :
- لا أنا عروسة .. ولا دى صبحيتي
قالت "سماح" مستفهمه :
- ايه اللى حصل شديتوا مع بعض
قالت "ياسمين" بحزن :
- أنا كنت واثقة اننا مننفعش لبعض .. كان قلبي حاسس .. احنا عمرنا أبداً ما هنقدر نفهم بعض .. ولا نعيش بإسلوب بعض
- طيب اهدى وفهميني اللى حصل
صمتت "ياسمين" قليلاً .. كادت أن تقص عليها أمر الخادمة التى تبيت ليلها فى نفس البيت مع "عمر" بمفردهما .. وهو لا يرى بأساً فى ذلك .. ويرى الأمر عادى جداً .. لكنها أحجمت وقالت بصوت خافت :
- مش هقدر أحكيلك يا "سماح" .. مهما كان هو جوزى دلوقتى .. ومينفعش اتكلم عنه وحش مع حد
قالت "سماح" :
- خلاص براحتك .. طيب نتكلم فى المشكلة القديمة اللى أنا عارفاها .. موضوع الحريق ومرات الغفير .. انتى حسه بإيه دلوقتى بخصوص الموضوع ده
قالت "ياسمين" بحيرة :
- مش عارفه
قالت "سماح" :
- "ياسمين" ليه متحطيش احتمال ان البنت اللى اسمها "ولاء" دى بتحاول توقع بينك وبين "عمر" عشان تمنع جوازتكوا
قالت "ياسمين" بحيره :
- وهى ايه مصلحتها فى كده .. هتستفاد ايه لما تمنع جوازنا
- تستفاد انها تخرب عليكي يا "ياسمين" .. مش هى كانت بتحب "عمر" .. ممكن أوى تكون غارت منك وعملت الفيلم ده عليكي عشان متتجوزيش حبيبها .. "ياسمين" مش كل الناس طيبة زيك .. فى ناس مؤذية جداً وعايشة على أذية الناس .. زى "مصطفى" .. وزى اللى اسمه "بسطويسي" ده .. وزى "مها" .. مش كل الناس طيبة وتعرف ربنا يا "ياسمين"
صمتت "ياسمين" تفكر قليلاً ثم قالت :
- والورق اللى جابتهولى من المستشفى والراجل اللى شهد
قالت "سماح" :
- سهل أوى لو ليها حد معرفة فى المستشفى تخليه يضربلها الورق أو هى بنفسها تاخد منه ورقة فاضية وتضرب التقرير .. مش هى دكتورة يعني تعرف كويس عن اصابات الحروق .. وتكتب تقرير مية مية وتديهولك على انه التقرير اللى جابته من الاستقبال .. أما بالنسبة للراجل .. ممكن يكون اتلخبط بين "عمر" وبين واحد تانى .. أو هى قالتله انه يقول ان الراجل اللى كان مع مرات الغفير يبقى "عمر" .. لكن "عمر" ملوش علاقة بالموضوع أصلاً
قالت "ياسمين" :
- طيب والحرق اللى فى ايده .. واللى مرضاش يقولى سببه ؟
- ممكن يكون اتحرق من أى حاجه مش شرط نفس الحريقة دى .. يعني ممكن اصلا يكون الحرق ده فى ايده من قبل موضوع حرق البيت .. و"لاء" استغلت الحرق اللى فى ايده عشان تقنعك انه له دور فى حكاية مرات الغفير
فكرت "ياسمين" فى كلام "سماح" قليلاً ثم قالت :
- لازم أتأكد بنفسي
- ازاى ؟
قالت "ياسمين" فجأة :
- متعرفيش محامى كويس هنا ؟
- محامى ؟! .. عايزاه ليه
- تعرفى بس ولا متعرفيش
- أعرف محامية كويسة .. مرات صاحب "أيمن" عرفنى عليها وهى ست كويسة أوى وشاطرة
قالت "ياسمين" بلهفة :
- كويس أوى .. أنا عايزاكى تخلى المحامية دى تحاول توصل للورق اللى فى المستشفى وأنا هديكي اسم المستشفى واليوم اللى حصلت فيه الحريقه .. وهى محامية يعني أكيد لها طرق توصل بيها للورق ده كمستندات أكيد بتحتاجها فى القضايا بتاعتها .. وشوفى أتعابها وأنا هدفعهالها
قالت "سماح" بشك :
- مش عارفه .. طيب ما تواجهى "عمر"
قالت "ياسمين" بيأس وسخرية :
- أواجهه أقوله ايه ؟ .. أقوله انت زنيت بمرات الغفير اللى كان بيشتغل عندك .. وهو طبعاً هيقولى أيوة .. ويخرب بيته بإيده .. ويهد جوازه بنفسه .. وهو عارف وواثق انى لو عرفت حاجه زى كدة مستحيل أكمل معاه !! .. أكيد طبعاً هينكر يا "سماح" .. انتى مشفتيش "مصطفى" لما والدى كان بيواجهه بخيانته .. فضل يحلف بالله انه مظلوم وان البنت بتفترى عليه .. لحد ما بابا قاله على المحادثة اللى شوفتها بينه وبين البنت دى ساعتها مقدرش ينكر .. لان كان فى معايا دليل.. أنا لو روحت واجهت "عمر" وكان فعلاً هو مذنب .. أكيد هينكر .. ومش بعيد يخفى الشاهد زى ما خفى مرات الغفير .. وساعتها عمرى ما هعرف أوصل للحقيقة أبداً .. وهعيش طول عمرى شاكه فيه
قالت "سماح" :
- طيب خلاص هكلم المحامية
- بس خليها تعجل الموضوع يا "سماح" عايزة أعرف فى أقرب وقت الورق اللى نسخته معايا ده حقيقى ولا مزور
- حاضر .. بس أنا واثقة انه مزور
قالت "ياسمين" بلهفه :
- ياريت يا "سماح" .. ياريت يكون مزور
سمعت طرقات على الباب فأنهت الاتصال مع "سماح" .. فتحت لتجد "عمر" .. قال لها بهدوء :
- ممكن أدخل
ترددت .. لكنها أفسحت لها الطريق .. دخل وأغلق الباب خلفه .. جذبها من يدها وأجلسها بجواره على السرير .. شعرت بالتوتر .. رفع وجهها لتنظر اليه ثم قال :
- بصى يا "ياسمين" .. ده أول يوم جواز لينا وعايزين نتفق على حاجات معينه .. عشان لسه أدامنا طريق طويل مع بعض
استمعت له "ياسمين" بكل حواسها .. أكمل :
- انتى فى حاجه ضايقتك واحنا بنفطر .. ولما سألتك اتهربتى .. وطلعتى أوضتك .. اللى عايزين نتفق عليه .. هو ان اللى يضايق من التانى فى حاجه لازم يصارحه بيها .. لكنه لو سكت وكتم فى قلبه الأمور هتتعقد مش هتتصلح .. لازم يكون فى بينا وضوح .. بيوت كتير بتتخرب بسبب كده .. يعني كل واحد شايل من التانى فى نفسه وساكت .. مع انه لو اتكلم ممكن أوى المشكلة تتحل بسهولة
صمت قليلاً ثم قال :
- اتفقنا .. اللى هيضايق من التانى فى حاجه يصارحه بيها على طول ؟
أومأت برأسها .. فسألها :
- ايه اللى ضايقك واحنا بنفطر ؟
طال صمتها وهى تحاول تخير الكلمات المناسبة .. وهو لم يتعجلها .. بل انتظر ردها .. وأخيراً قالت :
-أعادك فى البيت لواحدك مع واحدة حتى لو كانت الخدامة .. مش شايف ان دى حاجه غلط ؟
بدا وكأنه يفكر فى كلامها .. ثم قال :
- أنا معظم اليوم بره البيت .. وهى مبشوفهاش الا وقت ما بتحطلى الأكل .. أو وقت ما بكون عايز أطلب منها حاجه .. البنت دى غلبانه ويتيمه .. وملهاش حد فى البلد وعشان كدة خليتها تعد فى أوضة جمب المطبخ ..
قالت "ياسمين" بهدوء :
- حتى لو كان الوضع زى ما انت بتقول .. مينفعش تعيش معاك فى البيت وانت لوحدك
ابتسم قائلاً :
- خلاص مبقتش لوحدى
لم تبتسم .. فقال بجديه :
- أنا مكنتش شايف الموضوع زى ما انتى شيفاه .. أنا اتعاملت مع الأمر ده بطريقة عمليه .. مش أكتر من كده
ثم اقترب منها وقال بخبث:
- هو حبيبى بيغير عليا ولا ايه ؟
شعرت بالخجل لإقترابه منها فوقفت .. فوقف هو الآخر وقال :
- لو تحبي أمشيها وأجيب بدالها واحدة كبيرة فى السن مفيش مشكلة
نظرت اليه قائله :
- مش عايزة اكون السبب فى قطع عيشها
طمأنها قائلاً :
- مش هتكونى السبب فى قطع عيشها ولا حاجه .. هخليها تشتغل مع البنات اللى بيشتغلوا فى الأرض و أديها أوضة فى سكن العمال
سعدت "ياسمين" لهذا الإقتراح .. وسعدت أكتر لأنه اهتم بما يضايقها .. ابتسمت له .. فقال بمرح :
- أخيراً الدنيا نورت .. كنتى مضلماها عليا على الصبح
قالت بخجل :
- معلش أنا لسه مش متعودة على الوضع الجديد .. وفى حاجات كتير أنا مستغرباها ومش متعودة عليها
اقترب منها وأمسك كتفيها .. لم تبتعد هذه المرة .. نظر الى عينيها بحب قائلاً :
- وأنا نفسي تتعودى بسرعة على وضعك الجديد
أفلتت نفسها من يده فإبتسم .. ثم قال بتحدى :
- طيب لو قولتلك دلوقتى أنا مش حابب الوضع ده وعايزك معايا فى أوضتى وجوزنا يبقى حقيقي هتعملى ايه
قالت "ياسمين" دون تردد ودون أن تنظر اليه :
- انت دلوقتى جوزى وأنا مضطرة أعمل اللى انت عايزه
سألها "عمر" :
- حتى لو كان الى أنا عايزه انتى مش عايزاه ؟
فقالت بجديه :
- أيوة لان انت دلوقتى جنتى ونارى .. والمفروض انى أطيعك طالما مش بتطلب منى حاجة تغضب ربنا
ابتسم يطمئنها قائلاً :
- وأنا مش هعمل حاجه انتى مش عايزاها
ثم قال:
- طيب ممكن ننزل بأه نكمل فطارنا
نزلا معاً وتناولت معه الفطار هذه المرة وهى تشعر بإرتياح أكبر.
بعد الفطار أخذها "عمر" ليريها أرجاء المنزل .. واتفق مع الخادمة أمامها على عملها الجديد .. كانت "ياسمين" سعيدة و هى ترى زوجها يفعل ذلك لإرضائها .. انبهرت بكل شئ فى البيت الكبير .. وحكا لها "عمر" قليلاً عن تاريخ عائلته .. وعن جدوده .. وكيف وصلوا من الحضيض الى القمة .. كانت "ياسمين" مبهورة بما تسمع وأعجبت للغاية بتاريخ كفاح جدوده .. وبدا "عمر" معتزاً بجدوده وهو يتحدث عنهم .. لمست جانباً جديداً فى زوجها .. وفرحت أن الحديث قربها منه خطوة أخرى
دخلت غرفتها تلك الليلة وهى تشعر براحة أكبر من الليلة الماضية .. رأت حقيبتها التى مازالت لم تفرغها موضوعه على الأرض بجوار السرير .. فحملتها ووضعتها على السرير وفتحتها .. أخرجت ملابسها وفتحت الدولاب لتضعه فيه لكنها شهقت فى دهشة .. وجدت فستان عرس أبيض اللون .. مرصع ومطرز .. كان شكله يخطف الأبصار .. تركت ما بيدها وتلمسته كان ناعماً للغاية .. أخرجته من الدولاب ونظرت اليه فى دهشة .. كم حلمت بإرتداء هذا الفستان الذى حرمت نفسها منه فى زواجها الأولى .. لأنها لم تكن تشعر ببهجة العرس .. وضعته مرة أخرى فى الدولاب وأنهت افراغ حقيبتها ثم استسلمت للنوم وابتسامة صغيرة مرسومة على ثغرها
***********************
فى اليوم التالى اتصلت "كريمه" بـ "عمر" الذى استيقظ من نومه على صوت جرس الهاتف قالت :
- مبروك يا حبيبي عليك انت وعروستك
- الله يبارك فيكي يا ماما
- فين "ياسمين" اديهالى أكلمها
توتر قليلا ثم قال :
- هى مش جمبي دلوقتى .. شوية وهخليها تكلمك
- طيب يا حبيبى .. أنا بس كنت عايزة أقولك اعملوا حسابكوا انى هعملكوا حفلة كبيرة هعزم فيها صحابنا وحبايبنا .. شوفوا انتوا المعاد اللى يناسبكوا
قال "عمر" بدهشة :
- حفلة ليه
- ايه اللى حفلة ليه ؟ .. انت تسمع اللى أن بقولك عليه مش كفاية جوزت ابنى الوحيد سكيتي
- خلاص يا ماما زى ما تحبي .. بس مش دلوقتى يعني سبينا شوية كده
- أنا قولت ان انتوا اللى هتحددوا المعاد اللى يناسبكوا .. بس متتأخروش عايزينها بسرعة عشان كل اللى يعرف انك اتجوز يزعل مننا .. ويفتكر اننا عملنا فرح ومعزمنهوش
- حاضر يا ماما هشوف "ياسمين" ونحدد معاد
خرج "عمر" من غرفته واتجه الى غرفة "ياسمين" .. طرق الباب كثيراً ولم تجب .. فتح الباب فلم يجدها فى غرفتها .. نزل لم يجدها فى المنزل .. أخبرته الخادمة الجديدة والتى كانت سيدة فى العقد الخامس من العمر أنها قالت انها تتمشى قليلا فى المزرعة .. صعد "عمر" وارتدى ملابسه وخرج .. علم أنه سيجدها هناك .. عند شجرته .. وكان مصيباً .. رأته فابتسمت .. اقترب منها بإبتسامه قائلاً :
- عرفت انى هلاقيكي هنا
أشارت الى الشجرة قائله :
- دى خلاص بقت شجرتى
قال بمرح :
- نعم ؟ .. دى شجرتى أنا .. شجرتك منين
قالت بمرح ممثال :
- أيوة شجرتى عندك شجر كتير فى المزرعة .. لكن دى حبيتها من أول ما جيت المزرعة ومش بحب أعد الا فى ضلها
جلس بجوارها على الجذع وقال :
- على فكرة بأه أنا اللى زرعت الشجرة دى
قالت بعدم تصديق :
- يا سلام .. بجد؟
- أيوة والله أنا اللى زرعتها .. اتأكدتى بأه انها بتاعتى ؟
قالت بعند مازحه :
- مليش دعوة برده دى شجرتى
- طيب وأنا مستعد أخليكي تشاركيني فيها .. زى ما بتشاركيني حياتى
ابتسمت ونظرت اليه قائله :
- انا شوفت فى دولابي فستان .. فستان فرح
- أيوة ده فستانك ..
ابتسمت قائله :
- وعرفت مقاسي منين ؟
- من فستان "ريهام" اللى اديتيه ل "كرم" .. انتى وأختك نفس الطول ونفس الوزن تقريباً .. لو مش مظبوط عليكى قوليلى وأنا أجيب واحدة تعدلهولك
قالت بصوت خافت :
- ما قستوش
قال بهمس :
- وأنا مشتاق أوى انك تلبسيه وأشوفه عليكي
أكمل هامساً :
- أنا بحبك أوى
تسارعت ضربات قلبها مرة أخرى .. اقترب منها أكثر .. فجأة رن جرس هاتفها ليقطع سحر تلك اللحظة .. نهضت من على الجذع والاحمرار يغزو وجهها وقالت بسرعة دون أن تنظر اليه :
- دى "ريهام" هروح أكلمها من البيت
مشت فى اتجاه المنزل وهى تحاول تنظيم ضربات قلبها .. ردت على أختها :
- "سمسمة" حبيبتى صباح الخير
- صباح النور يا "ريهام"
- ايه أخبارك النهاردة
- تمام الحمد لله
- مال صوتك .. متوترة كدة ليه .. اخانقتوا ولا حاجه
ابتسمت "ياسمين" قائله بصوت مضطرب :
- لأ .. لأ .. متخانقناش .. عادى يعني
ضحكت "ريهام" قائله :
- عيني عليكي بارده
- "ريهام" بطلى
- طيب أنا حبيت أطمن بس مكنتش أعرف انى بتصل فى وقت مش مناسب
"ياسمين" بغضب :
- "ريهام" لو مبطلتيش هقفل
استمرت "ريهام" فى الضحك قائله :
- أنا اللى هقفل أنا مش فضيالك .. يلا سلام
توجهت "ياسمين" الى المطبخ .. لتعد مع الخادمة طعام الغداء .. أرادت أن تطبخ بيدها .. لترى رأسه فى طعامها .. عاد "عمر" ليجدها فى المطبخ نظر اليها بخبث وغمز يعينه .. احمرت وجنتاها مرة أخرى وتجاهلت النظر اليه .. فقال :
- بتعملى ايه
- بحضر الغدا
اقترب منه مبتسماً :
- يعني هتأكليني من ايدك النهاردة
أومأت برأسها مبتسمه .. فابتسمت الخادمة وخرجت من المطبخ .. فنظر اليها "عمر" وهى تغادر ثم التفت الى "ياسمين" قائلاً بمرح :
- ست ذووووق مفيش بعد كده
سألته :
- ليه ؟
طبع قلبه على وجنتها قائلاً :
- عشان سابتنى أستفرد بيكي براحتى فى المطبخ
حاول معانقتها فهربت منه وقالت :
- لو سمحت اطلع بره .. خليني أركز
- هو انا يعني مشتت تركيزك
- أيوة مشتت تركيزى
- طيب هخرج .. ماما هناك وانتى هنا .. وأنا اللي كنت بتريق على بابا لما ماما تطرده من المطبخ .. طلعت مراتى زى أمى
ابتسمت قائله بتحدى :
- بره لو سمحت
قال بلهجة مسرحيه :
- أوامر معاليك يا باشا
خرج .. عادت الخادمة .. فشعرت "ياسمين" بالخجل من نظراتها .. فتمتمت :
- ربنا يخليكوا لبعض .. ويحببكوا فى بعض كمان وكمان
وجدت نفسها تردد بقلبــها : آميــن
*****************************
- يعني ابن أخويا يتجوز وأنا آخر من يعلم
هتفت "ثريا" بتلك العبارة بغضب فقال "نور" يهدئها :
- الموضوع جه بسرعة يا "ثريا" .. ووالد البنت توفى يعنى مكنش ينفع يتعمل فرح
أكملت "ثريا" بغضب وكأنها لم ستتمع اليه :
- يعني عشان هى مطلقة ما يتعملش فرح .. طيب ذنبه ايه "عمر" ودى أول مرة يتجوز فيها .. ذنبه ايه يتجوز من غير فرح
قالت "كريمه" :
- أنا قولتله اننا هنعمله حفلة كبيرة لما يرحعوا ان شاء الله ونعزم الناس كلها
قالت "ثريا" بحده :
- بعد ما دخلوا خلاص هنعمل حفلة .. ما كان من الأول .. ولا الهانم كانت متسربعه على الجواز .. ايه مش قادرة تستنى لما دمعتها على باباها تنشف .. ايه ملها ملهوفة على الجواز كده
قال "نور" بنفاذ صبر :
- يا "ثريا" قولتلك 100 مرة ان "عمر" هو اللى أصر على الدخله وان مراته تبقى فى بيته
ثم نهض قائلاً :
- انا قايم اشوف شغلى عن اذنكوا
كان يعلم بأن الحوار مع أخته وهى غاضبه هو ضرب من العبث .. قالت "ايناس" بحقد :
- بكرة يزهق منها ويعرف انه عمل أكبر غلطه فى حياته .. ويطلقها زى ما اللى قبله طلقها
****************************
أصرت "ياسمين" على أن تعد طاولة الطعام بنفسها .. أنهت اعدادها وطرقت باب المكتب .. كانت تنتظر أن يأذن لها "عمر" بالدخول لكنها وجدته يفتح الباب بنفسه مبتسماً .. ابتسمت له قائلاً :
- السفرة جاهزة
توجها الى غرفة الطعام وجلسا معاً .. نظرت اليه لتراقب تعبيات وجهه .. نظر بسعادة الى كل ما أعدته وقال بدهشة :
- انتى ساعدتى فى كل الأكل ده
قالت بمرح :
- قصدك هى اللى ساعدتنى
نظر اليها بإعجاب قائلاً :
- ده طلعت مراتى شاطرة أوى و أنا معرفش .. أنا قولت أخرك صنية المكرونة بالبشاميل
ضحكت قائله :
- آه اللى خدتها من بيت صاحبك وانت نازل
ضحك قائلاً :
- على فكرة ماما كلت منها معايا وعجبتها جداً ..رغم ان ماما مبيعجبهاش بسهوله أكل حد
ابتسمت بسعادة وقالت :
- كويس يعني ماما "كريمه" عجبها أكلى
قال وقد تذكر فجأة:
- صحيح كلمتك النهاردة وسألت عنك .. بس كنت لسه صاحى من النوم وقولتلها انك هتكلميها
- خلاص بعد الغدا هكلمها ان شاء الله
قال "عمر" بلهفه :
- طيب يلا لانى واقع من الجوع وريحة الأكل فتحت نفسى على الآخر
راقبته "ياسمين" بسعادة وهو يأكل من طعامها بنهم ويشيد به
استيقظت "ياسمين" فى اليوم التالى قبل أذان الفجر كالعادة .. توضأت وصلت قيام وانتظرت الفجر .. وقفت فى الشرفه .. تراقب الحديقة فى الليل .. ابتسمت وهى تتذكر مداعبات "عمر" ومرحه معها .. بعد الفطار جلسا يحتسيان الشاى فى الشرفة .. كانت "ياسمين" شارده فسألها "عمر" :
- بتفكرى فى ايه
انتبهت من شرودها على سؤاله فقالت بتأثر :
- "ريهام" وحشتنى أوى .. طول عمرنا واحنا مع بعض وعمرنا ما افترقنا أبداً
راقب "عمر"تعبيرات وجهها الحزينه ثم قال فجأة :
- تحبي نروح لـ "سماح" و "أيمن" النهاردة
نظرت اليه فى دهشة غير مصدقه وقالت :
- بجد ؟ .. ينفع نروحلهم النهاردة
ابتسم وقرب كرسيه منها قائلاً :
- أيوة طبعا ينفع .. أنا عارف ان "سماح" هى أقرب صاحبه ليكي .. وانك بتعتبريها زى "ريهام" أختك .. أكيد لما تشوفيها هتخفف عنك شويه بعد "ريهام"
نظرت اليه "ياسمين" بنظرة امتنان وسعادة ممزوجة بـ .. الحـــب .. بادلها نظرتها قائلاً بلهفه :
- لو كنت أعرف ان اقتراحى هيخليكي تبصيلى كده .. كنت اقترحته عليكي من زمان
انتبهت "ياسمين" فأشاحت بوجهها بخجل .. فقال "عمر" مؤنباً نفسه بمرح :
- ياريتنى مكنتش اتكلمت .. أهو دايماً كده أقطع اللحظة الحلوة بالكلام اللى ملوش لازمه ده
نظرت اليه ضاحكة .. كانت تشعر بأنها استطاعت فى اليومين الماضيين أن تقترب منه أكثر .. وتتآلف معه أكثر .. وهذا الأمر أسعدها للغاية .. كانت تشعر بالراحة والسكينة وهى معه .. كان قلبها يخفق بجنون كلما اقترب منها .. نظرت اليه وهو يتحدث الى هاتفه وهى تبتسم بسعادة وتشعر بان قلبها سار ينبض بحبه
ارتدت ملابسها وخرجت مع "عمر" .. وتوجها الى بيت "أيمن" و "سماح" .. توقف بالسيارة أما البيت وقبل أن تنزل أمسك يدها قائلاً :
- "ياسمين" .. مش عايزين نطول أوى .. ماشى .. عشان حابب نخرج سوا ونتعشى بره
ابتسمت له وأومأت برأسها .. جلست الفتاتان فى غرفة أغلقت "سماح" الباب ثم نظرت لعلامات السعادة على وجه صديقتها وقالت بسعاده :
- ايه اللى أنا شيفاه ده .. عيني عليكي بارده
ضحكت "ياسمين" قائله :
- انتى هتعملى زى "ريهام"
ابتسمت "سماح" .. ثم اختفت ابتسامتها وكأنها تذكرت شيئاً .. قالت "ياسمين" :
- ايه مالك ؟
قالت "سماح" محاولة الاتباسم مرة أخرى :
- لأ مفيش حاجة
قالت "ياسمين" بقلق :
- النونو كويس ؟
مسحت "سماح" على بطنها وابتسمت قائله :
- اها كويس الحمد لله
- امال مالك .. وشك اتغير فجأة
بدا على "سماح" بعض التردد ثم قالت :
- لأ متاخديش فى بالك
تفرست "ياسمين" فى صديقتها ثم قالت :
- "سماح" أنا عارفاكى كويس أوى .. فى حاجه انتى مخبياها عنى
تنهدت "سماح" وقالت :
- يا بنتى متوهميش نفسك .. أنا بس حسيت بالتعب شوية
قالت "ياسمين" فجأة :
- كلمتى المحامية
نظرت "سماح" الى صديقتها وصمتت .. حثتها "ياسمين" قائله :
- "سماح" ردى عليا .. كلمتى المحامية صحبتك
قالت "سماح" بإستسلام :
- أيوة
- ووصلت لحاجة ؟
بدا عليها التردد مرة أخرى ثم قالت :
- أيوة
قالت "ياسمين" بحده :
- "سماح" قوليلى بلاش تعب الأعصاب ده
قامت "سماح" وخرجت .. ثم عادت بورقتين وأعطتهم لـ "ياسمين" .. نظرت "ياسمين" الى الورق فى يدها .. هو نفسه الورق الذى أعطتها "ولاء" نسخه منه
قالت "سماح" :
- قالتلى ان الورق موجود فعلا فى ملفات المستشفى وجبتلى النسخة دى .. وكمان ورق متابعة الحالتين شافته بنفسها
كانت "ياسمين" تنظر الى الورق بأعين متجمده .. أكملت "سماح" بأسى :
- أنا كنت ناويه اتصل بيكي وأقولك على الله وصلتله .. بس لما شوفتك داخله عليا فرحانه وباين عليكي انك مبسوطه اترددت أقولك
نظرت اليها "ياسمين" وهى تغالب دموعها قائله :
- ليه اترددتى تقوليلى ..
نظرت "ياسمين" الى الورق الذى بيدها .. وقد تجمعت الدموع بعينيها وقالت بصوت مرتجف :
- الورق ده ميثبتش حاجه .. يعني .. عادى .. "عمر" كان ماشى .. ولقى الحريقه .. وحاول يساعد الست انها تخرج .. والراجل شافه وافتكره كان معاها فى البيت .. لكن "عمر" ملوش دعوة بالبيت ده .. وملوش دعوة بالقصة دى
ثم اكملت بلحماس وبشفتين مرتجفتين :
- "عمر" بيحب يساعد الناس ..انتى ناسيه اللى عمله مع العامل اللى ايده اتحشرت فى الماكنة .. هو على طول بيحب يساعد الناس .. هو حاول يساعدها .. بس مش أكتر من كده
ثم نظرت الى "سماح" بعينين دامعتين قائله :
- صح ؟
نظرت "سماح" الى نظرة الرجاء فى عين صديقتها والتى ترجوها الى موافقتها على كلامها حتى لو بالكذب .. ورغم الشك الذى كان يساور "سماح" الى أنها استجابت للرجاء فى أعين صديقتها الدامعه وقالت :
- صح .. أكيد الموضوع زى ما انتى قولتى
أومأت "ياسمين" برأسها وهى تحاول أن تغالب دموعها ونظرت الى الورق ثم مزقته .. ثم نظرت الى صديقتها قائله بحزم :
- خلاص الموضوع ده اتقفل ومش هيتفتح تانى
- ماشى
حاولت "سماح" التحدث فى أمور مختلفة مع "ياسمين" التى جاهدت بدورها للإندماج مع "سماح" وتناسى الموضوع تماماً
خرجت "ياسمين" مع "عمر" وركبا السيارة .. نظر اليها يراقب انفعالاتها قائلاً :
- حبيبتى فى حاجه ضايقتك
رسمت ابتسامة على شفتيها ونظرت ايه قائله :
- لا أبداً
- كنت فاكرك هتكونى مبسوطة لما تشوفى "سماح"
- أنا فعلاً مبسوطة .. مبسوطة أوى
ابتسم قائلاً :
- حبيبتى تحب تروح فين ؟
قالت مبتسمة :
- انا معرفش أماكن فى المنصورة .. ومخرجتش فيها قبل كده .. يدوبك باجى لـ "سماح" بس
أوقف "عمر" سيارته على النيل ونزل الإثنان معاً ينعمان بنسمات الليل المنعشة .. ابتسمت "ياسمين" تراقب القمر فوقهما .. شعرت بالخجل عندما ارتطمت بنظرات "عمر" المتفحصة وقالت :
- انت على طول بتبصلى كده
- أيوة وهفضل أبصلك كده
قالت بمرح :
- عادى كل الرجالة بتقول كدة فى الأول وبعد فترة من الجواز بيتحولوا للنسخة المصريه المعتمده للزوج المصري
ضحك "عمر" حتى دمعت عيناه وقال :
- والله ده فى ايد حضرتك .. لو متحولتيش للنسخة المصريه المعتمده للزوجة المصرية فأنا أكيد مش هتحول
ابتسمت قائله :
- قصدك ايه بأه يا بشمهندس بالنسخة المعتمدة للزوجة المصرية
قال بمرح :
- قصدى بأه انك تتحولى لكائن هلامى غير معلوم تفاصيله وتضاريسه بوضوح
ضحكت "ياسمين" بشدة فأكمل قائلاً :
- وأفتح باب البيت ألاقى بتصرخي صرخة طرزان وبتجرى ورا الولاد
ازدادت ضحكاتها فأكمل :
- والكبيرة بأه ألاقيكي ناسيه اسمى وبتندهيلى وتقوليلى بابا زى ما الولاد هيقولولى .. ساعتها هروح شايلك انتى وهما و ........
نظرت اليه بتحدى .. فإبتسم وأشار لقلبه قائلاً :
- وأحطكوا جوه قلبي
قالت متظاهره بالجديه :
- خلاص وأنا موافقة .. أنا مش هتحول مقابل ان انت كمان متتحولش
اقترب بوجهه منها بشدة قائلاً :
- اتفقنا
ذهبا معاً لتناول الطعام فى أحد المطاعم الهادئة المطلة على النيل .. كانت "ياسمين" تشعر بسعادة بالغة وهى جالسه بجوار زوجها .. ترك هاتفه و ميدالية مفاتيحه على الطاولة وذهب الى حمام .. أمسكت الميداليه وتفحصتها .. ابتسمت عندما وجدت القلب الذى يحمل اسمها .. نظرت حولها وأعادت الميداليه مكانها بسرعة قبل أن يعود .. عاد "عمر" ليجدها مبتسمه و احد الرجال على الطاولة المجاورة ينظر اليها .. شعر بغيرة شديده .. تابعته "ياسمين" بدهشة وهو يذهب ويقف أمام الرجل قائلاً :
- فى حاجه ؟
التفت الرجل اليه قائلاً :
- فى ايه حضرتك
ارتفع صوت "عمر" قليلا وقال بغضب :
- أصلك بتبص لمراتى أوى .. فحبيت أعرف يعنى فى حاجه ؟
شعر الرجل بالحرج وقال :
- انا مبصتلهاش
كانت أعين "عمر" تشعان غضباً ورمق الرجل بنظره صارمة ثم توجه الى طاولتهم وجذب "ياسمين" من يدها وجلسوا على طاولة أخرى بعيدة عن هذا الرجل .. طال الصمت بينهما .. ثم فتح "عمر" المنيو قائلاً بهدوء :
- تحبي تاكلى ايه
نظرت اليه تحاول معرفة ما يفكر فيه .. وجدت نفسها تقول بتلقائيه :
- أنا مبصتهلوش على فكرة .. ومكنتش واخده بالى انه بيبصلى أصلاً
نظر "عمر" اليها لتتلاقى نظراتهما .. مرت لحظات .. ثم أمسك كفيها بين كفيه قائلاً بهدوء :
- هو انا قولت انك بصتيله
قالت شارحه :
- لأ بس أنا خفت تكون افتكرت كده
ابتسم قائلاً :
- "ياسمين" انا عارف كويس أنا متجوز مين
زاد من ضغط كفيه على كفها فابتسمت له فى خجل وقد أسعدها ثقته بها .. طلبا الطعام .. ظلا يتحدثان معاً .. حتى أخذهم الحديث حول قضية الاختطاف .. قال "عمر" بضيق :
- مش هرتاح إلا لما يمسكوه
أكدت "ياسمين" قائله :
- أكيد هيمسكوه ان شاء الله
ثم قالت بقلق :
- بس خايفة ميقدروش يثبتوا التهمة عليهم
قال "عمر" بثقه :
- لأ هيقدروا يثبتوها ان شاء الله .. وأصلاً هما أغبية جداً كانوا مكممينك ومغميين عينيكى على أساس متتعرفيش عليهم .. لكن كانوا بيتعاملوا من غير جوانتى .. يعني بصماتهم ماليه البيت
قالت "ياسمين" وهى تفكر :
- بس مش ممكن يوصلوا للبيت ده ويمسحوا بصماتهم
قال "عمر" شارحاً :
- البويس رفع البصمات خلاص .. يعنى حتى لو مسحوها هى خلاص اتثبتت فى المحضر .. وكمان البيت أنا أفلته كويس وغيرت الباب لباب حديد يعني محدش يقدر يدخله
انتبهت "ياسمين" لكلماته وقالت بإستغراب :
- ازاى يعني غيرت الباب وأفلت البيت .. وصحاب البيت لما يرجعوا أكيد هيعملولك مشاكل عشان غيرت باب بيتهم
قال "عمر" وهو يكمل طعامه :
- لأ محدش هيعملى مشاكل
بلعت ريقها وقالت بقلق :
- ازاى تضمن انهم مش هيعملولك مشاكل
صمت قليلاً .. وبدا وكأنه يفكر .. ثم نظر اليها ليفجر قنبلة فى وجهها :
- لأن انا صاحب البيت
شعرت بقلبها وقد توقف عن الخفقان .. وبرئتها وقد شلت على الحركة .. لحظات .. ثم عادت أجهزتها للعمل مرة أخرى لكن بصورة جنونيه .. قالت بصوت حاولت أن يبدو طبيعياً :
- يعني البيت ده بتاعك ؟ .. ملكك ؟
رد بهدوء وهو يبدو شارداً :
- أيوة ملكى .. بس مبروحوش كتير .. روحته كام مرة بس
راقبت وجهه لترى عليه تعبيرات غريبة كمن يتذكر شيئاً يضايقه .. ثم هذ رأسه وكأنه يحاول نفض تلك الذكرى من رأسه .. استأذنت لتذهب الى الحمام .. دخلت الى الحمام وهى ترتعش .. وقفت أمام المرآه تنظر الى وجهها المضطرب .. ونظراتها الشاردة المتوترة .. بيته .. ملكه .. هو صاحب البيت .. البيت الذى زنت فيه زوجة الغفير مع رجل .. ظنت أن "عمر" ليس له علاقة بالبيت وما حدث فيه .. لكنه صاحب البيت .. ومالكه .. لماذا يشترى رجلاً مثله مثل هذا البيت الموجود على أطراف القرية والذى لا يحتوى إلا على فراش ودولاب وبضع الأوانى البسيطة .. ماذا يفعل رجلاً مثله فى هذا البيت الذى قال انه زاره مرات .. لم يذهب اليه الا لسبب واحد .. لكى يلتقى فيه بعشيقته بعيداً عن أعين زوجها .. وبعيداً عن أعين الخدم .. لكم تمنت أن يكون برئياً .. لكم حاولت تناسى تلك الحادثة وتجاهلها وكأنها شيئاً لم يكن .. لكنه أثبت لها .. أنه هو نفسه الرجل الذى زنى بزوجة الغفير فى هذا البيت المحترق .. نظرت الى نفسها فى المرآه لتقسط من عينيهــا دمعــة حزينــة .. يعقبها شلالاً من الدمـــوع الصامتـــة
↚
- أيوة ملكى .. بس مبروحوش كتير .. روحته كام مرة بس
راقبت وجهه لترى عليه تعبيرات غريبة كمن يتذكر شيئاً يضايقه .. ثم هذ رأسه وكأنه يحاول نفض تلك الذكرى من رأسه .. استأذنت لتذهب الى الحمام .. دخلت الى الحمام وهى ترتعش .. وقفت أمام المرآه تنظر الى وجهها المضطرب .. ونظراتها الشاردة المتوترة .. بيته .. ملكه .. هو صاحب البيت .. البيت الذى زنت فيه زوجة الغفير مع رجل .. ظنت أن "عمر" ليس له علاقة بالبيت وما حدث فيه .. لكنه صاحب البيت .. ومالكه .. لماذا يشترى رجلاً مثله مثل هذا البيت الموجود على أطراف القرية والذى لا يحتوى إلا على فراش ودولاب وبضع الأوانى البسيطة ..
ماذا يفعل رجلاً مثله فى هذا البيت الذى قال انه زاره مرات .. لم يذهب اليه الا لسبب واحد .. لكى يلتقى فيه بعشيقته بعيداً عن أعين زوجها .. وبعيداً عن أعين الخدم .. لكم تمنت أن يكون برئياً .. لكم حاولت تناسى تلك الحادثة وتجاهلها وكأنها شيئاً لم يكن .. لكنه أثبت لها .. أنه هو نفسه الرجل الذى زنى بزوجة الغفير فى هذا البيت المحترق .. نظرت الى نفسها فى المرآه لتقسط من عينيهــا دمعــة حزينــة .. يعقبها شلالاً من الدمـــوع الصامتـــة
شعرت "ياسمين" وكأن الدنيا قد توقفت من حولها ولا يوجد سوى تلك الحقيقة المره .. وقفت تنظر فى المرآه وهى متألمه مجروحه حائرة لا تدرى ماذا تفعل .. وكيف تتصرف .. أتواجهه .. أتسامحه .. أتبتعد عنه .. لا تدرى ماذا ستفعل .. ليست واثقه من أى شئ .. الشئ الوحيد الذى تثق به .. هو أن زوجها الجالس فى الخارج أجرم فى حقه نفسه وفى حقها وفى حق ربه بجريمة بشعة للغايه .. كفكفت دموعها وغسلت وجهها وعادت الى الطاوله .. تفرس فيها "عمر" .. ثم قال بإهتمام :
- مالك يا "ياسمين"
قالت بصوت مبحوح :
- مفيش
قال بحزم :
- لأ فى .. انتى كنتى بتعيطى صح ؟
لم تستطع التأكيد أو الانكار .. صمتت .. أمسك يدها بين يديه الاثنين واقترب منها قائلاً :
- حبيبتى ادعيله ربنا يرحمه هو وماما
نظرت اليه .. ليتك تعلم سبب دموعى يا "عمر" .. ليس أبي سببها .. بل أنت .. أنت من قهرنى وجرحنى .. قالت "ياسمين" وقد بدا عليها الضيق :
- معلش ممكن نمشى .. عايزة أروح
ركبا السيارة .. وظلت صامته طوال الطريق .. و"عمر" لم يحاول مضايقتها بالحديث .. لكنه ظل يلتفت اليها .. ويتفرس فيها وفى تعبيرات وجهها الحزين .. وصلا الى البيت صعدا معاّ .. توقفا أمام باب غرفتها .. اقترب منها "عمر" وقبل جبينها ثم قال :
- تصبحى على خير يا حبيبتى .. لو مجالكيش نوم واحتجتى تتكلمى أنا سهران فى المكتب
دخلت "ياسمين" غرفتها وألقت بنفسها على الفراش بملابسها وانفجرت فى بكاء صامت .. بكاء يبكى فيه قلبها قبل عينيها ..لم تدرى كم جلست تبكى .. لكنها لم تتوقف الا عندما لم يعد لديها القدرة على البكاء .. قامت بتثاقل وتوضأت وصلت .. بكت كثيراً فى سجودها وهى تتضرع الى الله عز وجل أن ينير لها طريقها .. ويلهمها حسن التصرف .. أنهت صلاتها وجلست على فراشها تفكر .. هى الآن تشعر بأن "عمر" بالفعل مذنب بهذا الجرم .. وأنه أخطأ مع تلك المرأة .. وترى "ياسمين" الآن انه ليس لديها الا طريقين اثنين لا ثالث لهما .. ويجب عليها أن تختار أحدهما .. الطريق الأول هو أن تواجهه ثم تنفصل عنه وتبتعد عنه تماماً .. الطريق الثاني أن تخفى ما عرفته .. وتسامحه .. وتغفر له ما فعل .. لكن السؤال الآن .. هل حبها له كافى لأن يغفر تلك الغلطة .. هل حبها له كافى لأن ترمى هذا الأمر خلف ظهرها وألا تفكر فيه مرة أخرى .. هل حبها له كافى لأن تساعده على التغيير للأفضل وتأخذ بيده وتجعله يسير معها فى طريقها .. أم أن حبها له أضعف من أن يتحمل تلك الغلطة التى سبقت معرفته بها .. وقلبها لن يستطيع أن يغفر له أبداً .. هى تعلم أن الحب كلمة لها معانى كثيرة .. من بين تلك المعانى .. التسامح .. وغفران الزلات .. وكلما كان الحب أكبر .. كلما كان التسامح أكبر .. وكلما كان الاحتواء أعمق .. فهل حبها بالفعل كبير ؟ وقوى .. ؟ .. حتى يقف فى وجه تلك العاصفه التى تحاصره من جميع الجهات .. ؟
مكثت فى غرفتها الى ما بعد الظهر .. كانت تحاول أن تتحاشي الاجتماع به .. خرجت من غرفتها ومرت بجوار باب غرفته المغلق فأسرعت السير حتى نزلت الدرج .. ليس من المعقول أن يظل "عمر" نائماً لهذا الوقت فليس هذا من عادته .. لكنها لا تجد أثراً له فى المنزل .. ذهبت الى الخادمة فى المطبخ وسألتها عنه فقالت انها لا تعرف مكانه .. حضرت له الفطار فى الصبح ولم يطلب منها شيئاً آخر .. على قدر ما كنت تشعر بالراحه لعدم رؤياه حتى لا تتذكر ألمها منه .. على قدر ما كانت تشعر بالقلق عليه .. غلبها قلقها .. اتصلت به .. رد عليها قائلاً :
- صباح الخير يا حبيبة قلبي
- السلام عليكم .. صباح النور
- وعليكم السلام
- انت فين .. صحيت لقيتك مش موجود
أتاها صوته الدافئ :
- وحشتك ؟
خفق قلبها .. وصمتت .. فقالت :
- مستخسره حتى تقوليهالى
لم ترد .. فاكمل :
- اما أنا فمش بستخسر فيكي حاجه .. وحشتيني .. وبتوحشيني على طول .. ولولا الشغل اللى فى ايدى كنت طرت لحد عندك
أغمضت عينيها وقد آلمتها كلماته .. آلمها حبه الكبير لها .. وهى لا تستطيع أن تبادله حباً بحب .. أرادت أن تسأله ان كان فى مكتبه أم خارج المزرعة .. لكنها وجدت نفسها تسأله سؤال آخر تماما :
- "عمر" .. انت بتحبنى بجد ؟
لم تمسع صوتاً .. بل انقطع الخط .. تركت الهاتف من يدها .. وأنبت نفسها على سؤالها .. تمنت أن يكون الخط قد انقطع قبل أن يستمع الى سؤالها .. والذى لا تعلم لماذا سألته أصلاً .. جلست تقرأ احدى المجلات عندما سمعت صوت الباب يُفتح وقفت لتجد "عمر" يدخل ويقف أمامها .. قالت بإستغراب :
- "عمر"
كانت نظراته تحمل كل معانى الحب والشوق واللهفة .. قال :
- جيت عشان أرد أرد على سؤالك
تبادلا النظرات لبرهه ثم جذبها الى حضنه .. استسلمت فترة لأحضانه .. ثم حاولت ابعاده عنها .. رفع رأسه ونظر اليها مبتسماً .. قال بصوت حانى :
- عرفتى اجابة سوالك ؟
احمرت وجنتاها وأخفضت بصرها .. حاول رفع وجهها بكفه .. فوقع نظرها على الحرق .. فشعرت بغصه فى حلقها .. سألته بصوت مضطرب قليلاً :
- من ايه الحرق ده؟
نظر "عمر" اليها يتفرس فيها قائلاً :
- دى تانى مرة تسأليني عنه
"ياسمين" وهى تحاول أن يبدو صوتها طبيعياً :
- فضول مش أكتر
قال "عمر" بحزم :
- مش هقولك
نظرت اليه قائله :
- ليه ؟
صمت .. طال صمته .. بدا عليه الضيق .. وأخيراً قال :
- لأنك بعيده عنى بما فيه الكفايه .. ولو عرفتى هتبعدى أكتر
ارتجف قلبها لكلماته التى تؤكد ما عرفته .. أومأت برأسها وحاولت رسم بسمه على شفتيها قائله :
- يلا عشان متتأخرش على شغلك .. وأنا هستناك على الغدا
سألها بإهتمام :
- فطرتى
- لأ لسه
قال بحزم :
- حالاً .. تفطرى حالاً
- حاضر
ابتسم قائلاً :
- قوليها تانى
- ايه هى ؟
- حاضر
ابتسمت قائله :
- حاضر
- مش هتأخر عليكي .. لو احتجتى حاجة كلميني
ابتسمت له حتى انصرف .. ثم اختفت الابتسامه من شفتيها لتحل محلها عبره فى عينيها.
************************
جلست "سماح" مع "أيمن" فى شرفة منزلهما .. بدا على "سماح" التفكير .. قالت لـ "أيمن" :
- "أيمن" عايزة أسألك سؤال
- خير
بدا عليها وكأنها تحاول تخير كلماتها بعنايه .. ثم سألته :
- هو الحرق اللي فى ايد "عمر" .. قديم ولا جديد
التفت اليها ورفع حاجبه قائلاً :
- نعم ؟ .. وانتى ايه دخلك بالموضوع ده
اضطربت قليلاً ثم قالت :
- عادى يعني .. فضول .. "ياسمين" كانت عايزة تعرف
نظر الى عينيها بحزم قائلاً :
- مراته عايزة تعرف يبقى تسأله .. لكن انتى متسأليش سؤال زى ده عن واحد صحبى
قالت تحاول تلطيف الجو :
- ده سؤال عادى يا "أيمن" يعني مش سؤال شخصى
قال بحزم :
- لأ مش عادى .. متسأليش اى حاجه عن أى راجل .. حتى لو كان صحبي .. انت ايه دخلك بالحرق الى فى ايده .. وكمان بتسأليني أنا
ابتسمت قائله :
- هو انت بتغير ؟
نظر اليها بعتاب قائلاً :
- يعني مش عارفه ان أنا بغير .. بغير من مجرد كلامك عن راجل تانى .. وسؤالك عن حاجه تخصه
ضحكت قائله :
- خلاص يا عم مكنش سؤال ده
*********************
فى المساء دخلت "ياسمين" الى غرفتها .. استأذنت من "عمر" لتنام مبكره عن كل يوم .. فى الحقيقة لم ترغب فى النوم .. بل كانت ترغب فى الإنفراد بنفسها .. والتفكير .. لم تصل حتى الآن الى قرار .. لا تعرف ماذا تختار .. لا تعرف سوى شئ وحد .. أنها كل يوم تزداد قرباً منه وتعلقاً به .. فإن كانت ستأخذ قرار الإنفصال عليها ان تأخذه الآن .. لأن كل يوم يمر عليها معه .. بل كل لحظه .. تربطها به أكثر .. سقطت عبره من عينيها .. لم تكن تلك العبرة حزينه كباقى العبرات .. بل عبرة شوق .. شوق لزوجها الذى لا يفصلها عنه سوى جدار .. لكم تتمنى ان تلقى بنفسها بين أحضانه .. وتخبره بكل ما يحزنها .. كان حنوناً للغاية .. وهذا جعلها متعطشه للمزيد من هذا الحنان .. دعت ربها أن يكون قد تاب بالفعل .. تمنت أن تشعر بذلك .. بتوبته .. وبصدقها .. ويعزمه على عدم تكرار ما فعل .. عندها ربما تتمكن من مسامحته .. ربما تتمكن من نسيان ما حدث .. تنهدت ونهضت لتغير ملابسها .. كانت شاردة .. تعاملت مع سوسته العباءة بعنف حتى كسرتها .. زفرت فى ضيق .. حاولت فتحها فلم تستطع كانت قوية للغاية .. نظرت للقطعة المقطوعة فى يدها بضيق .. خرجت ونزلت الدرج لتقابل "عمر" وهو صاعد الى غرفته .. قال لها :
- انتى لسه منمتيش
قالت بإرتباك :
- أيوة .. هنام دلوقتى
سألها بعتاب :
- طالما كنتى سهرانه مجبتيش أعدتى معايا ليه
صمتت لم تجد ما تقول .. قال بضيق :
- براحتك .. تصبحى على خير
صعد الى غرفته .. نزلت وذهبت الى المطبخ للبحث عن الخادمة .. لم تجدها .. نظرت الى باب غرفتها المغلق .. تُرى هل نامت أم لا .. كادت أن تطرق عليها الباب لكنها أشفقت عليها أن توقظها بعد يوم متعب من أجل سوسته العباءة .. صعدت فى ضيق الى غرفتها وظلت تحاول فتحها دون جدوى .. حاولت البحث عن مقص فلم تجد .. خرجت لتنزل للبحث عن مقص .. لم يكن أمامها حل الا قص العباءة .. قابلت "عمر" مرة أخرى وهو يدخل غرفته ويحمل كوب من الشاى .. قال بإستغراب :
- مالك فى ايه ؟
قالت بإضطراب :
- مفيش
همت بأن تنزل الدرج لكنها التفتت اليه لتقول :
- مفيش عندك مقص ؟
قال بإستغراب :
- اه عندى .. عايزاه ليه
قالت بنفاذ صبر :
- عايزاه وخلاص
ابتسم وقال :
- مش هجيهولك الا اذا قولتيلى عايزاه ليه
قالت بضيق :
- قولتلك عايزاه وخلاص
- كنت بهرج معاكى .. لا مفيش مقص
زفرت بضيق .. نظر اليها .. حزمت امرها وقالت بسرعة وكأنها تخشى أن تتراجع :
- "عمر" ممكن تفتحلى السوسته
لمعت عيناه بخبث .. فقالت بتوتر :
- اتكسرت وبقالى ساعة مش عارفه اغير هدومى .. نزلت لقيت الست اللى بتشتغل هنا نايمة وصعبت عليا أصحيها
قال بهدوء :
- وأنا روحت فين ؟
دخل غرفته وضع كوب الشاى ثم خرج والتف حولها .. التفتت تنظر اليه وقالت بجديه :
- افتحها فتحه صغيره وأنا هكملها
ضحك قائلاً :
- ماشى حاضر
رفع يده فالتفتت مرة أخرى تنظر اليه محذره :
- حته صغيره
كتم ضحكته بصعوبه وهتف :
- اللى يسمع كده يقول انك جايبه واحد من الشارع يفتحلك السوسته .. صبرنى يارب
طال انتظارها .. قالت :
- ها خلصت
- لأ لسه .. انتى قفلتيها ازاى .. قفلتيها على القماش .. وكمان قطمتيها
قالت بنفاذ صبر وهى تحاول ان تبتعد :
- خلاص مش مشكلة هقصها
لم يسمح لها بالابتعاد وقال :
- استنى هحاول تانى
أثناء محاولته .. وقع نظره على السلسله فى عنقها .. لمسها بيده وأخرجها .. التفتت تنظر اليه .. ابتسم عندما رآى القلب معلق فى نهاية السلسله .. نظر اليها بحب قائلاً :
- لبساها من يوم ما اديتهالك ؟
أومأت برسها قائله :
- أيوة
ظل ممسكاً بالقلب وهو ينظر اليها .. شعرت بالتوتر حاولت أن تبتعد .. لكنه كان يطبق على السلسلة بقوة .. نظرت اليه .. غاصت فى بحر عيناه اللاتان تحتويانها فى صمت .. اقترب منها أكثر .. ولدهشتها لم تعترض ..شجعه هدوئها على الاستمرار .. لاحت لها صورة أفزعتها .. صورة زوجها فى احضان امرأة أخرى .. وألقى الشيطان بأسئله مقزز فى عقلها .. تُرى هل كان يقبل تلك المرأة بالطريقة التى يقبلها بها .. هل كان شغوفاً بتلك المرأة مثلما تراه شغوفاً بها الآن .. كم استمرت علاقتهما .. هل كان يحبها أم كانت مجرد علاقة عابرة .. فتحت عينيها لعل تلك الصورة تختفى .. لكن هيهات .. فالصورة لم تكن فى عينيها .. بل فى عقلها .. شعرت بالقشعريرة تسرى فى جسدها وهى تتخيل زوجها فى أحضان اخرى .. أخرى متزوجه تخون زوجها معه .. أبى الشيطان الا وأن يبث سمومه فى قلبها .. انتفضت .. وانزوت بنفسها تحاول أن تبتعد عن يده .. انتفض قلبه لانتفاضتها.. نظر اليها نظر دهشة ممزوجة بالألم والغضب .. ثم قال :
- للدرجة دى مش طيقانى ؟
نظرت اليه بألم قائله :
- أنا أسفه
ابتعد عنها وقال فى غضب :
- قولى انك مش قادرة تنسيه .. مش قادرة تنسي "مصطفى"
شعرت بكلماته وكأنها خنجر يطعن قلبها المكلوم .. التفت ونزلت الدرج بسرعة .. وتوجه الى مكتبه ثم سمعت صوت الباب يغلق بقوة .. عادت الى غرفتها وجلست على فراشها .. كانت حزينه حائرة متألمة .. ترغب فى مسامحته .. لكن الأمر شاق عليها .. كيف تمنع عقلها من التفكير فيما فعل .. مضت أكثر من ساعة جالسه مستغرقة فى التفكير .. أكثر ما آلمها هو أنه غضب منها .. تعلم جيداً انها لا يجب أن تنام وزوجها غاضب عليها .. تعلم جيداً ان من تمنع نفسها عن زوجها بغير عذر تظل الملائكة تلعنها حتى تصبح .. ارتجفت لقساوة تلك الكلمات التى تعرفها جيداً
فتحت باب الغرفة وخرجت تبحث عنه .. لم يكن ما يحركها هو خوفها من لعن الملائكة فحسب .. بل حبها له .. وحزنها لأنها أغضبته .. نظرت الى باب غرفته المفتوح .. وكوب الشاى الذى برد .. علمت أنه فى المكتب لم يخرج .. نزلت ببطء .. طرقت باب المكتب بهدوء .. لم تسمع صوتاً يدعوها للدخول .. وقفت .. ترددت .. لكنها أخيراً عزمت أمرها وفتحت الباب .. أطلت برأسها لتجد "عمر" جالساً على احدى الأرائك وبيده ألبوم صور .. رفع رأسه ليلقى عليها نظرة لا مباليه وكأن وجودها لا يعنيه ثم عاد ليقلب صفحات الألبوم .. دخلت "ياسمين" وأغلقت الباب خلفها .. جلست على الأريكة التى يجلس عليها لكنها تركت بينهما مسافة .. لم تعرف ماذا تقول .. هرب منها الكلام .. كانت تشعر بأحاسيس كثيره متناقضة .. كان مازالت يطالع الألبوم فى يده .. قالت دون ان تنظر اليه :
- أنا مبفكرش أبداً فى "مصطفى"
نظر اليها بغضب وحده .. نظرت اليه وأكملت :
- أنا أصلا مكنتش بحبه يا "عمر" .. عمرى ما حبيته أبداً
رقت نظراته قليلاً فأكملت :
- أنا مكنتش أعرفه قبل الخطوبة .. هو شافنى واتقدملى .. كانت أول مرة أشوفه يوم ما اتقدملى .. واتخطبنا على طول .. واتجوزنا على طول
ترك الألبوم من يده واعتدل فى جلسته .. ساد الصمت لفترة .. ثم قطعه قائلاً :
- يعني عمرك ما حسيتى بحاجه ناحيته
هزت رأسها بقوة قائله :
- لأ
تفرس فيها قائلاً :
- ولا مرة ؟
قالت بثقه :
- ولا مرة
أكملت قائله :
- لما بفتكره مش بفتكره على انه جوزى خالص .. بفتكره على انه واحد غريب .. عمرى ما قدرت أفهمه .. ولا عايزه أفهمه
أومأ برأسه وقد فهم ما قالت .. قال بهدوء :
- أنا اسف على اللى قولته
قالت بأسى :
- وأنا اسفة على اللى عملته
نظر اليها بصمت فأكملت قائله :
- "عمر" .. أنا كنت طول عمرى فى حالى .. عمر ما كان ليا علاقات بحد .. حتى صحابي أيام الكلية كانوا معدودين على الصوابع .. لانى مش برضى أصاحب أى حد .. مبصحبش غير البنت اللى بثق فيها وبحس انها شبهى .. ومفيش منهم غير "سماح" هى اللى علاقتنا متقطعتش من أيام الجامعة ..
نظرت اليه بألم وحيرة قائله :
- يعني اللى عايزة أفهمهولك .. انى معنديش خبرة فى أى حاجه .. وحسه ان فى حاجات كتير أول مرة أتعرضلها .. ومش قادرة أحكم على مشاعرى صح .. حتى أفكارى حساها مشوشة
اقترب منها وجذبها الى حضنه .. ثم قال :
- أنا آسف انى اتسرعت
رفعت رأسها لتنظر الى عينيه قائله :
- لأ انت متسرعتش .. بس فى حاجات كتير جوايا محتاجه أظبطها الأول
أمسك كفيها بيده وقال :
- طيب ليه ما تتكلميش معايا فى الحاجات اللى جواكى دى .. ونظبطها سوا
ابتسمت قائله :
- اوعدك .. انى هحاول أعمل اللى انت بتقوله .. وانى فعلا أقولك على كل اللى جوايا .. أنا بس محتاجة وقت
تبللت عيناها بالدموع ونظرت اليه برجاء قائله بصوت أوشك على البكاء :
- المهم بس انت متزعلش منى .. أنا مش عايزاك تزعل منى يا "عمر" .. انا عارفه انى تعباك معايا .. بس حاول تفهمنى ومتزعلش منى
أمسك وجهها وقبل جبينها قائلاً بجديه :
- طيب ممكن تبطلى عياط .. مش عايز أشوف دموع فى عنيكي أبداً .. وأنا مش زعلان منك .. ومش ممكن أزعل منك .. الحاجة الوحيدة اللى تزعلنى منك هى بعدك عنى .. لكن طالما انتى معايا خلاص .. هصبر لحد ما انتى اللى تقوليلي أنا بحبك يا "عمر"
ابتسمت له .. وقالت وهى تنظر الى عينيه :
- انت حنين أوى على فكرة
ابتسم لها .. فأكملت :
- وطيب أوى .. ومريح أوى .. وراجل أوى .. وشهم أوى ..
اقترب برأسه منها حتى أسند رأسه على جبينها قائلاً :
- طيب اسكتى بأه بدل ما تشوفيني مجنون أوى
تلاقت أعينهما وابتسامتهما .. اعتدلت فى جلستها قائله :
- بما انها جلسه مصارحه فأحب أسألك سؤال
أجاب مبتسماً :
- اسألي
قالت بهدوء :
- يعني انا عارفه انك كنت خاطب قبل كده
صمتت لتراقب تعبيرات وجهه الساكنه .. ثم أكملت :
- يعني اللى سمعته انها كانت مختلفة عنى .. حتى ماما "كريمه" قالتلى كده
أومأ برأسه دون أن يتكلم .. فأكملت :
- ليه ؟
- ايه اللى ليه ؟
- ليه اخترتها ؟
صمت وبدا عليه التفكير .. ثم نظر اليها قائلاً :
- اخترتها لانى كنت فاكر انى ممكن أغيرها .. بس هى كانت بعيده أوى أوى عنى .. بعيده بعد صعب انى أقربه .. خطوبتى ليها كانت من اكتر الحاجات اللى ندمت عليها فى حياتي
تفرست "ياسمين" فى وجهه تراقب تعبيراته وقالت :
- فى حاجات كتير ندمت عليها ؟
بدا ليه التفكر ثم قال :
- مش كتير أوى .. بس أى انسان عنده غلطات قاتله أكيد بيندم عليها
شعرت بالألم يغزو قلبها .. اقتربت منه .. اندهش عندما وجدها تمسك يده بيدها .. نظر اليها فقالت بحنان :
- المهم اننا نندم فعلاً على الغلطة دى ونستغفر ربنا كتير عشان يغفرهالنا .. ومنكررش أبداً تانى مهما حصل
قال بهدوء :
- صح كلامك مظبوط
سألته بلهفه:
- يعني انت ندمت على الغلطات دى
أومأ برأسه :
- أيوة ندمت
ابتسمت .. شعرت بالراحة تسرى فى كيانها .. قالت له بحماس وبأعين دامعه :
- ان شاء الله ربنا هيغفرلك .. اللى بيتوب بجد ربنا بيغفرله ويمسح الذنب ده من صحيفته يوم القيامه
رق قلبه وهو يرى دموعها المتساقطه .. مسحها بأصابعه ونظر اليها بحنان جارف وقال بصوت مرتجف :
- انتى حبيبتى بجد .. أنا بحبك أوى .. عمرى ما تخيلت ان واحده تعيط من خوفها عليا بسبب ذنوبى .. انتى حنينه أوى يا "ياسمين" .. أنا بحبك أوى
***************************************
استيقظت "ياسمين" من نومها على صوت جرس الهاتف الذى تضبطه على صلاة الفجر .. نهضت لتجد نفسها فى غرفتها ومدثرة بغطائها .. كيف صعدت الى هنا .. ابتسمت وهى تتخيل نفسها محموله بين ذراعى "عمر" .. نهضت من فراشها وتوضأت .. ذهبت الى غرفته وطرقت الباب .. وقت طويلاً .. أخيراً فتح الباب وهو ناعس العينين قائلاً بمرح :
- فى واحدة محترمة تخبط على باب أوضة جوزها الفجر
ضحكت وقالت :
- أه عشان تصحيه يصلى الفجر
ابتسم وهو يفتح عينيه بصعوبه قائلاً :
- ماشى هعديها المرة دى ..
نظر الى ما كانت ترتديه ثم قال بخبث :
- هو انتى لسه مفتحتيش السوسته
ابتسمت بخجل قائله :
- لأ ولا لاقيه مقص
قال وكأنه يفكر :
- مممممم طيب وهنعمل ايه فى المشكلة دى
- عادى بكرة هسأل الست اللى بتشتغل هنا على مقص
نظر اليها قائلاً :
- طيب تعالى أحاول تانى
قالت بسرعة :
- لأ
ضحك بشدة قائلاً :
- يا بنتى هحاول أفتحتلك السوسته
قالت باسمه :
- لأ هتصرف أنا
قال بعند :
- طيب محدش فتحهالك غيري
اقترب منها ولفها .. دقيقه وكانت المشكلة قد حُلت .. فالتفتت بسرعة قائله :
- خلاص كفاية .. هكمل أنا
اتسعت ابتسامته ونظر اليها وعيناه تلمعان من البهجه .. قالت بإهتمام :
- متنساش تصلى قبل ما تنام .. تصبح على خير
تابعها بنظره قائله :
- وانتى من أهل الخير يا حبيبتى
دخلت وأغلقت الباب و ابتسمت بسعادة وقد أيقنت أنها أصبحت تحب زوجهــا بشــدة .. بـل تعشقه بجنــون ..
************************
فى الصباح سمعت طرقات على باب غرفتها .. نهضت وفتحت الباب لتجد الخادمة تخبرها بأن "عمر" ينتظرها فى الأسفل لتفطر معه
دخلت الحمام وأخذت دشاً .. احتارت فيما ترتدى .. هل ترتدى عباءة كما هى عادتها .. أم .. اختارت فستان طويل .. مثل الدريل .. بنصف كم .. لم تربط شعرها للخلف هذه المرة بل تركته حراً .. كان لديها شعر أسود اللون فاحماً .. ذو مظهر صحى جذاب .. به موجات تعطيه انسيابيه رائعه .. وضعت أيضاً حكلاً .. وبرفيوم تحبه .. نظرت الى نفسها فى المرآه .. ثم نزلت .. دخلت غرفة الطعام وهى تشعر بالخجل من التغيير الذى أحدثته فى نفسها .. نظر "عمر" اليها متأملا لا يرفع عيناه عنها حتى جلست قائله :
- صباح الخير
ابتسم وقال :
- صباح النور .. هو احنا ملنا حلوين أوى النهاردة كده
ابتسمت بخجل و قالت :
- يلا عشان نفطر عشان متتأخرش على شغلك
اقترب منها هامساً :
- انا مستعد ألغى الشغل خالص على فكرة
ضحكت .. سعد "عمر" للغاية من التغيير فى مظهرها أولا .. ومن ابتسامتها العذبة التى ظلت محتفظة بها طيلة جلوسها .. فى المساء انشغلت "ياسمين" بسقى الزرع فى الشرفة فى حجرة المعيشة .. اقترب منها "عمر" قائلاً :
- انا طالع انام .. هتسهرى
التفتت قائله :
- لأ .. هسقى الزرع ده بس وأطلع انام
قبل خدها قائلاً :
- تصبحى على خير
هم بالانصراف ثم التفت قائلاً :
- متنسيش تصحينى الفجر
ابتسمت له .. فصعد الى غرفته .. بعدما أنهت "ياسمين" عملها صعدت هى الأخرى الى غرفتها .. اقتربت من فراشها لتجد على وسادتها ورقة وزهرة ياسمين .. أمسكت الزهرة واستنشقت عبيرها المنعش .. وفتحت الورقة والابتسامه على ثغرها .. لتجد "عمر" كاتبً فيها :
كـم هي صعبـة تلـك الليالـي
التي أحـاول أن أصـل فيها إليــكِ
أصل إلى شرايينــك
إلى قلبــك
كـم هي شـاقـة تلـك الليالـي
كـم هي صعبـة تلـك اللحظـات
التي أبحـث فيهـا عن صـدركِ ليضـم رأسـي
خفق قلبها واضطربت نبضاته .. أشعرتها تلك الكلمات كم هى قاسيه على حبيبها .. على زوجها .. ارتجفت أصابعها التى تمسك بالورقة .. قرأتها مرة أخرى وقد تأثرت بها بشدة .. تركت الورقة والزهرة وتوجهت الى غرفته .. طرقت الباب .. لحظات قليله وفتحه .. نظر اليها .. وعلامات التأثر على وجهها .. قالت بصوت مضطرب :
- أنا آسفة
قبل جبينها قائلاً وبسمة حانية على ثغره:
- ولا يهمك يا حبيبتى
↚
نظر اليها "عمر" نظره صارمة باردة خاليه من أى شعور وقال بصوت هادر :
- احنا لازم نتطلق يا "ياسمين"
صدمت عندما سمعت تلك الكلمة التى فكرت فيها مراراً .. لكن عندما خرجت من فمه علمت كم هى كلمة مريرة .. تجمعت الدموع فى عينيها وهى تنظر اليه بحسرة وألــم .
*******************
( فلاش باك قبل يومين )
فى الصباح تقابل الاثنان على طاولة الطعام .. جاءه اتصال من "كريمه" قائله :
- اعمل حسابك اننا منتظرينكوا النهاردة .. "علاء" جه من السفر .. وعمتك زعلانه منك جداً عشان مستقبلتوش
قال "عمر" بنفاذ صبر :
- هى عمتو مش عارفه ان أنا عريس ولا ايه
قالت "كريمه" بهدوء :
- ما هنا بيتكوا برده يا "عمر" وانتوا ليكوا فى الفيلا جناح خاص بيكوا يعني أكنكوا عايشين لوحدكوا برده .. ومتنساش انك اتجوزت من غير ما هى تكون موجودة .. معلش يا حبيبى تعالى بس طيب خاطرها بكلمتين ولو عايزين تسافروا تانى سافروا ..بس بعد الحفلة اللى هنعملهالكوا ان شاء الله
- امتى الحفلة دى
- بعد 10 أيام بالظبط ان شاء الله
- ماشى خلاص هتكلم مع "ياسمين" وان شاء الله هكلمك أأكد عليكي يا ماما
أنهى "عمر" مكالمته والتفت الى "ياسمين" قائلاً :
- ماما عيزانا ننزل القاهرة عشان عمتو وكمان ابن عمتو جه من السفر .. ده غير الحفلة اللى قولتلك انها عايزه تعملهالنا .. ايه رأيك ؟
قالت "ياسمين" :
- مفيش مشكلة .. نسافر النهاردة لو تحب
ابتسم قائلاً :
- حابب كمان أوريكى المكان اللى هنعيش فيه .. وبعدين ممكن بعد الحفلة نسافر أى مكان انتى تختاريه .. قولتى ايه
ابتسمت قائله :
- تمام .. اتفقنا
أنهيا طعامهما وأخذها "عمر" الى المنصورة .. لشراء ملابس جديدة وبعض الأغراض لها .. رغم اعتراضها لكنه أصر توقف بسيارته أمام احد المولات قائلاً :
- مش عايزك تعملى فرق بينى وبينك دلوقتى انتى مراتى وملزمة منى .. بلاش الحساسية الزايدة دى يا "ياسمين" لو سمحتى
قالت بحرج :
- مش حساسية ولا حاجه بس أنا عندى لبس كتير
- وايه المشكلة .. وبعدين انتى عروسة .. ولازم تلبسي جديد
قالت بحرج وضيق :
- المفروض انا اللى أشترى لنفسي .. وبعدين أنا عندى هدوم كتير بتاعة جهازى سيباها فى القاهرة لما نروح هناك ....
ققاطعها "عمر" بغضب مكبوت :
- الهدوم دى تولعى فيها .. ترميها .. تتبرعى بيها .. لكن مش عايزك تلبسيها أبداً
نظرت اليه وقد فهمت سبب غضبه .. غيرته .. فقالت :
- خلاص مفيش مشكلة هتبرع بيهم
قال وقد هدأ قليلا :
- طيب يلا عشان نخلص بسرعة ونرجع نجهز الشنط عشان منسافرش متأخر
****************************
ركبت "ياسمين" فى السيارة وانتظرت "عمر" الذى يحضر الشنط من البيت .. التفتت فوجدته وقد أحضر شيئاً يبدو كفستان طويل مغلف .. ركب بجوارها فقالت له :
- ايه اللى انتى حطيته فى الشنطة دة ؟
ابتسم وقال :
- فستان فرحك
قالت بدهشة :
- بس يا "عمر" الفستان مكشوف خالص مستحيل ألبسه أدام حد ولا حتى هعرف ألبسه أدام ستات
نظر فى عينيها واقترب منها قائلاً :
- مش هتلبسيه أدام حد .. هتلبسيه ليا أنا
ابتسم كل منهما للآخر وانطلق فى طريقه الى القاهرة .. ذكرته "ياسمين" قائله :
- متنساش تقول دعاء السفر
صمت "عمر" قليلا ثم نظر اليها قائلاً :
- انتى حفظاه ؟
- أيوة
- طيب قوليه وأنا هقوله وراكى
وصلا الى القاهرة بعد ثلاث ساعات .. عبر "عمر" بسيارته بوابة الفيلا .. شعرت "ياسمين" بالإنبهار .. نعم كانت تعلم مدى ثراء زوجها وأهله .. لكن الأمر فاق تصورها .. شعرت بالإضطراب والرهبة .. ألقت نظرة على زوجها الذى يقود بهدوء لا يدرى شيئاً عما يدور بداخلها .. نزلت من السيارة لتلقى نظرة على الفيلا من الخارج وعلى الحديقة المحيطة بها .. قطبت جبينها وهى تشعر بمشاعر كثيرة مختلطه .. أمسك "عمر" بيدها وتفرس فيها قائلاً :
- فى حاجة ضايقتك
قالت بسرعة :
- لا أبداُ
- أمال مكشرة ليه ؟
حاولت الابتسام :
- لأ مش مكشرة ولا حاجه .. يمكن بس تعبت شوية من السفر
قال بحنان :
- متقلقيش هنسلم عليهم ونطلع أوضتنا ترتاحى شويه
دخلا الفيلا .. فإزداد انبهارها واضطرابها .. كانت رائعة التصميم .. شعرت بضآلتها وسط كل هذا الترف .. وهذا الشعور ضايقها للغاية .. حاولت ازالة تعبير الضيق من وجهها .. استقبلتهما "كريمه" بالترحاب قائله :
- حمدالله على السلامة نورتوا القاهرة
عانقتها "ياسمين" .. كم تحب هذه المرأة الطيبة .. كانت تشعر معها بالراحة وكأنها تعرفها منذ زمن .. قالت "ياسمين" :
- الله يسلمك يا ماما .. أخبار حضرتك ايه
- بخير يا حبيبتى الحمد لله .. يلا يا "عمر" خد مراتك تغيروا هدومكوا وترتاحوا شوية على ما باباك وعملتك ييجوا ونجهز السفرة
صعدت "ياسمين" مع "عمر" وهى تنظر الى كل ما حولها برهبة .. أمسك "عمر" بيدها فإطمئنت قليلاً .. التفت اليها قائلاً بحنان :
- الجناح بتاعنا ده محدش هيدخله غيرنا يعني تقدرى تعتبريه مملكتك الصغيرة .. مملكتى أنا وانتى وبس
أدخلها "عمر" وتركها تتفحص ما حولها بعينيها ثم سألها قائلاً:
- ها عجبك ؟
أومأت برأسها قائله :
- طبعا عجبنى
خطرت فى بالها سؤال فقالت :
- انت جهزت كل دة امتى
صمت قليلاً وبدا متردداً ثم قال :
- أنا كنت مجهز كل حاجه من زمان .. يعنى ....
صمت .. ففهمت .. جهزه من أجل خطيبته الأولى .. شعرت ببعض الضيق ..لاحظ "عمر" ذلك فقال بسرعة :
- لو تحبي نغير كل الأثاث وكل الديكور معنديش مشكلة .. أحنا جوازنا جه بسرعة وملحقتش آجى هنا وأغيرلك كل حاجه
قالت له بصوت خافت :
- انت اللى اخترت الديكور والعفش ولا اخترتوه سوا ؟
قال بسرعة :
- لأ أنا اللى اخترته .. حتى هى مشافتوش
شعرت بالارتياح فإبتسمت له قائله :
- خلاص طالما ذوقك مفيش مشكلة
- متأكدة
- أيوة متأكدة
أخذت "ياسمين" دشاً وارتدت ملابسها .. واستعدت مع "عمر" للنزول للأسفل .. نزلا ليجدا مدام "ثريا" قد وصلت بصحبة ابنها "علاء" و ابنتها "ايناس" .. كان الترحيب بها بارداً جافاً .. وهى أيضاً لم تظهر الحماس فى السلام عليهم .. لكنها فوجئت بإيناس تندفع اتجاه "عمر" قائلاً :
- "عمر" حبيبى وحشتنى أوى
أشاحت "ياسمين" بوجهها وهى ترى تلك المرأة مقبلة الى أحضان زوجها .. لكنها دهشت عندما سمعت "عمر" يقول :
- ميصحش كده يا "ايناس"
التفتت "ياسمين" لتجده ممسكاً بذراعيها يبعدها عنه
وقفت "ايناس" قائله بغيظ :
- ما طول عمرنا بنسلم على بعض كده
قال بحزم :
- معدش ينفع
ألقت "ايناس" نظرة حقد على "ياسمين" فتجاهلتها "ياسمين" تماما
جلس الجميع الى طاولة الطعام .. ضايقها جلوس "علاء" فى مواجهتها .. وذلك بسبب تفرسه فيها .. وشعرت بالحرج من أن تطلب من "عمر" تغيير مكان جلوسها .. فالجميع يراقب حركاتها وسكناتها .. لم تستطع تناول شئ أمام نظرات هذا الرجل المتفصحه .. لم تشترك معهم فى الحديث لكنها كانت تجيب اذا ما وجه اليها "نور" أو "كريمه" سؤالاً .. قال "علاء" فجأة :
- انت مكلتيش حاجه من ساعة ما أعدتى .. عماله بس تلعبى بالمعلقة فى طبقك
شعرت بالضيق من كلماته التى تشى بمراقبته لها كما كانت تشعر .. شعر "عمر" كذلك بالضيق .. أكمل "علاء" موجهاً كلامه اليها :
- على فكرة احنا زمايل مهنة واحدة .. أنا كمان دكتور بيطرى .. بس مليش فى شغل الفيلد زيك
لم تتكلم .. ولم تنظر اليه .. قالت "ايناس" بخبث وحقد وهى ترمقها بنظرات غير مريحه :
- شتان ما بينك وبين "نانسى" يا "ياسمين" .. انتى مشوفتيش "نانسي" قبل كده صح ؟ .. كانت مزه وزى القمر
نظر اليها "عمر" بصرامة .. شعرت "ياسمين" بالتوتر والضيق .. قال "عمر" بحزم :
- ايه لزمة الكلام ده يا "ايناس" ؟
قالت ببرود :
- عادى يا "عمر"
قال بغضب :
- لأ مش عادى .. السيرة دى مش عايزها تتفتح تانى
شعرت "ياسمين" بمزيج من الغضب والحرج .. وما زاد الطين بله .. أن "علاء" نظر اليها بجرأة وقال :
- هو "عمر" اختياره المره دى مختلف .. بس بصراحه يدخل المزاج
هنا هب "عمر" واقفاً وأزاح الكرسي بعنف .. كان "علاء" لا يترك فرصة إلا ويستفز فيها "عمر" .. بسبب شعوره تجاهه بالغيره منذ الصغر .. وكان قد فعل بالمثل مع "نانسي" التى أعجبها اطراءه .. أما "ياسمين" فرد فعلها كان مختلفاً .. ظهر على وجهها علامات الغضب والضيق .. التفت "عمر" الى "علاء" قائلاً :
- لما تبقى تعرف تتكلم بإحترام مع مراتى هبقى أعد معاك على سفرة واحدة
وأمسك "ياسمين" من يدها وجذبها وصعدا الى غرفتهما .. قال "علاء" بغرور :
- ماله ده حد جه جمبه
قال "نور" بغضب :
- انت مش شايف ان اللى انت عملته ده ميصحش يا "علاء" .. يعني ايه تقولها كده .. وانت عارف ابن خالك غيور أد ايه
قالت "علاء" بحنق :
- هو اللى معقد زيادة عن اللزوم .. أنا قولت كلمة عادية ومكنش قصدى بيها حاجه
نهضت "كريمة" وذهب المطبخ لتطلب من الخدم ارسال الطعام الى "عمر" و "ياسمين" بالأعلى .. نظرت "ياسمين" الى "عمر" الغاضب .. اقتربت منه وحاولت امتصاص غضبه قائله :
- متضايقش نفسك يا "عمر"
نظر اليها وجذبها من يدها وأجلسها بجواره على الأريكة وقبل جبينها قائلاً :
- انا اللى آسف انى عرضتك لكلامه ده .. وانتى أعدتك أدامه على السفرة .. معلش غلطة ومش هتتكرر
اقتربت أكثر من زوجها وابتسمت وقالت :
- عارف .. أنا بحب غيرتك دى أوى
التفت اليها وقد اختفت علامات الغضب من وجهه لتحل محلها نظرات حب وشغف فى عينيه وقال :
- يعني غيرتى دى مش بتضايقك ولا بتخنقك
قالت مؤكدة :
- بالعكس .. أنا أحب ان جوزى يبقى غيور عليا كدة
أوشك على تقبيلها عندما سمع طرقات على الباب .. وجد الخادمة وقد أحضرت الطاعم .. التفت الى "ياسمين" قائلاً :
- حماتك مهنش عليها ننام جعنين
قالت بمرح :
- ماما "كريمه" دى مفيش زيها
سألها بإهتمام :
- يعني حبيتيها
قالت بحماس :
- جداً .. بجد حبيتها أوى .. بحس انها طيبة أوى وحنينه .. بحس فيها كتير من ماما الله يرحمها
- الله يرحمها .. يعني مش مضايقه اننا هنعيش معاها هنا
قالت "ياسمين" بثقه :
- لأ طبعا .. انت بتعمل كده عشان تبر أهلك ودى حاجه تفرحنى جدا .. وكمان أنا وماما "كريمه" متفاهمين مع بعض جدا وان شاء الله مش هتحصل بينا أى مشاكل .. وأكيد ست زيها أنا هتعلم منها كتير
نظر اليها بتقدير واعجاب وقبل جبينها .. تناولا طعامهما ودخلت الحمام لتجهز نفسها للنوم .. احتارت فيما ترتدى .. وفى النهاية اختارت بيجاما وردية اللون .. خرجت لتتبعها نظرات "عمر" النائم على فراشه .. حاولت تجنب نظراته واقتربت من الفراش ووقفت أمامه متوترة .. فضحك "عمر" قائلاً بخبث :
- هنا مفيش الا أوضة واحدة لينا احنا الاتنين
ابتسمت بخجل وأزاحت "ياسمين" الغطاء ونامت على الطرف وأولته ظهرها .. اقترب منها وقبل وجنتها وهمس فى أذنها :
- تصبحى على خير يا حبيبتى
- وانت من أهل الخير
استيقظت على آذان الفجر .. والتفتت الى "عمر" توقظه بهدوء :
- "عمر" اصحى .. الفجر أذن
قال وهو يغالب النعاس :
- سبيني النهاردة يا "ياسمين" مش هقدر أقوم
التفتت اليه وأزاحت الغطاء وقالت بعند :
- لأ مش هسيبك .. قوم يلا بلاش كسل
فتح عينيه بصعوبة قائلاً :
- هصليه لما أصحى
قالت بحزم :
- لما تصحى هيبقى اسمه صبح مش فجر
قام متكاسلاً ثم نظر اليها وقال :
- ده انتى لحوحه
قامت وقالت مبتسمه :
- يلا الصلاة
توضأ الاثنان وصليا معاً .. أنهى "عمر" صلاته وعاد الى فراشه .. أما "ياسمين" فأحضرت مصحفها وجلست على سجادة الصلاة تقرأ وردها .. نداها "عمر" :
- "ياسمين"
قطعت القراءة قائله :
- أيوة يا "عمر"
- بتعملى ايه
- بقرا فى المصحف
- طيب تعالى اقرى هنا
قامت ودخلت الى الفراش وجلست تقرأ فى مصحفها .. ظل "عمر" ينظر اليها وهى تقرأ بشفتيها .. قاطعها قائلاً :
- انتى متعودة تقرى كل يوم ؟
التفتت قائله :
- أيوة بقرأ وردى .. بحدد كل يوم جزء وبقراه قبل ما أنام أو بعد ما أصلى الفجر
عادت لتكمل القراءه .. ظل ينظر اليها .. قاطعها مرة أخرى قائلاً :
- ممكن تقرى بصوت عالى
نظرت اليه واستغربت طلبه .. لكنها فعلت وقرأت بصوت شجى للغاية .. بل تكن قرائتها عذبه فقط بل كانت مجودة أيضاً .. فأضافت القراءة الصحيحة للحروف الى صوتها المزيد من العذوبه .. اقترب "عمر" منها وأسند رأسه الى ذراعها ونظر معها الى المصحف وهو يستمع اليها حتى انتهت .. نظر اليها قائلاً :
- انتى بتقرى حلو أوى .. وصوتك كمان حلو أوى
ابتسمت لاطراؤه .. فسألها بإهتمام :
- انتى ازاى بتقرى كده
- أنا كنت بروح المسجد من وأنا صغيرة واتعلمت التجويد وعشان كده بعرف أقرا فى المصحف صح
نظر اليها فى اعجاب قائلاً :
- سهل ولا صعب ؟ يعني اقصد سهل انك تشرحيه لحد ولا لازم حد متخصص يشرحه
قالت بحماس :
- أكيد الأفضل ان حد متخصص يشرحه .. بس أنا عارفه كل الأحكام ودرستها
صمتت تراقب وجهه ثم قالت :
- تحب أشرحهالك
ابتسم وقال :
- تقدرى تخليني أقرا زيك
قالت بحماس :
- ايوة طبعا اقدر .. ايه رايك كل يوم اشرحلك حاجة ونطبقها سوا
قال بحماس مماثل :
- اتفقنا
تبادلا الابتسام .. فقال بحنان :
- بكرة عايز أشوفك بالفستان الأبيض .. اتفقنا
قالت مبتسمه :
- اتفقنا
************************
فى الصباح استيقظت "ياسمين" متأخره على غير عادتها .. لم تجد "عمر" بجوارها .. نهضت وأخذت دشاً وارتدت ملابسها وحجابها ونزلت كانت تبدو الفيلا فارغة .. وقفت فى منتصف الردهة الواسعة بالأسفل وهى تنظر الى ما حولها برهبه .. مازلت لا تستطيع استيعاب أن هذا المكان هو منزلها وبيتها .. شعرت بالتوتر والاضطراب .. حتى أنها لا تتذكر مكان غرفة الطعام أو غرفة المعيشة .. كانت تبدو كالضائعة .. أتاها صوت "كريمه" من خلفها قائلاً:
- أنا كمان أول مرة آجى فيها الفيلا دى كنت حسه زيك كده
التفتت "ياسمين" لتبتسم لها .. فأكملت "كريمه" :
- تعالى معايا المطبخ لو ده مش هيضايقك .. أنا كمان لسه مفطرتش تعالى نفطر سوا وأقولك بعض أسرارى المطبخيه
ابتسمت "ياسمين" وتبعتها .. كانت تبدو كإمرأة بسيطة .. تعاملت فى المطبخ و كأنها تدخله آلاف المرات .. لم تكن تراها كإمرأة من طبقة ارستقراطية .. كما قالت من قبل تشعر بأنها أقرب الى والدتها .. لاحظت "كريمه" نظراتها فقالت لها :
- على فكرة فى حاجه متعرفيهاش عنى .. والحاجه دى هى اللى مخليه "ثريا" مبتحبنيش .. يعني عشان لو لاحظتى أى خلاف بينا تكونى فاهمة السبب .. وأنا من جهتى بحاول على أد ما أقدر محتكش بيها او أعمل حاجه تضايقها
جلست بجوارها على الطاولة وقالت :
- أنا زيك يا "ياسمين" من أسرة بسيطة .. مش مولوده وفى بقى معلقة دهب يعني
شعرت "ياسمين" بالدهشة من هذا التصريح فأكملت "كريمه" :
- بس انا كانت ظروفى أصعب منك شوية .. أنا كنت عايشة فى القرية اللى فيها المزرعة .. ومكنش ليا غير أب مات وسبنى فى الدنيا دى لوحدى .. اشتغلت فى بيت المزرعة ...
صمت قليلاً ثم قالت :
- كنت بشتغل خدامه
اتسعت عينا "ياسمين" من الدهشة .. فلم تتخيل أن تلك المرأة الجميلة والأنيقة التى تجلس بجوارها كانت خادمة فى بيت المزرعة .. اكملت "كريمه" :
- كنت بشتغل عند جد "عمر" وجدته .. ومن هنا اتعرفت على "نور" جوزى .. ماتعرفيش ايه اللى حصل .. بس هو النصيب انه اختارنى دون عن أى بنت تانية .. حبينا بعض جداً .. واتجوزنا .. ومش هقولك على المشاكل اللى واجهتنا فى الأول من معاملة أهله السيئة .. بس بعد ولادة "عمر" كل شئ اتغير وحمايا اللى هو جد "عمر" حبه جداً ورضى أخيرا عنه وعنى وعن ابنه .. وكمان حماتى قلبها رق
صمتت قليلاً ثم اكملت :
- مفيش الا "ثريا" هى اللى مكنتش متقبله جوازى من أخوها .. وعشان كدة كانت بتحارب جوازك من "عمر" .. انتى صحيح وضعك أحسن منى بكتير .. بس هى دايماً بتحب المظاهر .. وعشان كدة مش قادرة تفهم انك زوجة ممتازة لـ "عمر" .. وانه اختار صح
سعدت "ياسمين" للغاية لهذا الإطراء الذى سمعته من أم زوجها .. أكملت "كريمه" :
- أنا عارفه انك حسه دلوقتى انك غريبه بس متقلقيش بكرة تتعودى على عيشتنا وتحسى انه بيتك
ابتسمت "ياسمين" وقالت بتأثر :
- بجد حضرتك طيبة أوى .. حسه انك فهمانى وحسه بيا .. وده من أول يوم اتكلمنا فيه مع بعض لما حضرتك جتيلى المكتب .. من يومها وأنا حسه بكده
قالت "كريمه" مبتسمه :
- وأنا كمان من اليوم ده وأنا حبيتك أوى .. معرفش يمكن عشان شوفت نفسي فيكي
صمت برهه ثم قالت بتردد :
- بصراحة الحاجة الوحيدة اللى كانت مضايقانى هى موضوع جوازك الأولانى .. يعني أى أم تتمنى ان ابنها يتجوز بنوته مسبقلهاش الجواز .. بس تمسك "عمر" بيكي و اعجابي بشخصيتك .. خلونى اتغاضى عن الأمر ده
صمتت "ياسمين" .. بدا عليها التفكير .. فقالت "كريمه" :
- اوعى يكون كلامى ضايقك .. أنا بس حسيت اننا قربنا من بعض فحبيت أفتحلك قلبي ونتكلم بصراحة
نظرت "ياسمين" اليها قائله بشئ من الخجل :
- لأ مضايقتش وأنا حبه ان أنا وحضرتك العلاقة بينا تكون كويسة كدة .. وأنا حسه فعلاً ان حضرتك طيبة وحنينة ومعوضانى عن ماما الله يرحمها .. بس فى حاجه بس أحب أقولهالك عشان أطمنك شوية
- خير يا حبيبتى
قالت بتوتر :
- يعني بخصوص جوازى الأولانى .. يعني .. أنا متجوزتش .. يعني هو ملمسنيش
نظرت اليها "كريمة" بدهشة ثم قالت :
- ازاى .. "عمر" قال انكوا اتجوزتوا شهر تقريباً
- أيوة .. هو أعد معايا خمس أيام بس وبعدين سافر .. وأنا كنت ... يعني.. المعاد مكنش مناسب ليا
اتسعت ابتسامة "كريمة" ووقفت تأخذها فى حضنها وقالت بحماس :
- حبيبتى .. متتصوريش أنا فرحت ازاى بكلامك ده .. وفرحت أكتر عشان "عمر"
ابتسمت "ياسمين" للسعادة البادية على وجه "كريمه" وحمدت الله أن وفق بينها وبين أم زوجها .. جلست المرأتان مرة أخرى وتناولا الفطار معاً وهما منسجمتان فى الحديث .. حتى قالت "ياسمين" :
- ممكن أسأل حضرتك سؤال يا ماما
-اسألى يا حبيبتى
- هو الحرق اللى فى ايد "عمر" ده قديم ولا جديد
قالت "كريمه" وهى شارده :
- لأ جديد من يوم ما سافر المزرعة آخر مرة .. سألته عليه بس كان رده غريب أوى
قالت "ياسمين" بإهتمام :
- رد قال ايه ؟
ردت "كريمه" بإستغراب :
- رد وقالى انه عقاب من ربنا
لاح الحزن على وجه "ياسمين" فأكملت "كريمه" :
- معرفش كان يقصد ايه .. وساعتها انشغلنا بالأحداث اللى حصلت فى المزرعة ومسألتوش تانى
نظرت "كريمه" الى "ياسمين" التى شردت وقالت بإهتمام :
- ليه فى حاجه ؟
قالت "ياسمين" بسرعة :
- لا أبداً أنا بسأل بس .. فضول مش أكتر
تنهدت "ياسمين" وهى تحاول طرد الأفكار السوداء من رأسها .
****************************
كانت "ياسمين" تتمشى فى الحديثة أثناء انشغال "عمر" فى الحديث مع والده فى المكتب عندما اقترب منها "علاء" .. فجفلت لرؤيته همت بمغادرة المكان لكنه أوقفها قائلاً :
- ايه رايحه فين .. خليكي نتكلم شوية
قالت دون أن تنظر اليه :
- عن اذنك
همت بأن تنصرف فإعترض طريقها مرة أخرى قائلاً :
- شكلك خايفه من "عمر" .. معلش هو ابن خالى كده معقد وبيعقدها على الناس اللى حواليه
شعرت "ياسمين" بالغضب لتحدثه بهذه الطريقة عن "عمر" فقالت له :
- لأ جوزى مش معقد ولو سمحت عديني
أفسح لها الطريق وقال بلهجة ساخرة :
- اتفضلى
مشت فى طريقها بسرعة فالتقت بـ "عمر" الذى أقبل اتجاهها وقفت أمامه .. ألقى نظرة على "علاء" الذى يغادر .. ثم عليها وقال :
- فى حاجه يا "ياسمين"
قالت بتوتر :
- لأ مفيش حاجه
ألقى على "علاء" نظرة أخرى ثم قال :
- حد ضايقك
نظرت لها قائله :
- لأ محدش ضايقني يا "عمر" .. متقلقش
تنهد "عمر" وقال بضيق :
- "ياسمين" .. لو "علاء" حاول يكلمك مترديش عليه .. هو كدة طول عمره يشوف ايه اللى بيضايقني ويعمله .. وهو عارف انى بغير عليكي وعشان كده بيتعمد يستظرف ويستخف دمه
ابتسمت ونظرت له بحب قائله :
- متقلقش مش هديله فرصة يتكلم معايا
كانت تشعر بالسعادة كلما لمست غيرة "عمر" عليها
جاءت "كريمه" وجهت حديثها اليهما قائله :
- يلا بينا عشان نعد مع بعض ونتكلم فى تفاصيل الحفلة
بعد الغداء صعدت "ياسمين" الى غرفتها لتغير ملابسها .. فتحت دولابها ونظرت الى فستان العرس بسعادة .. ذلك الفستان الذى تنوى ارتدائه تلك الليلة .. ارتدت ملابسها وحجابها كم تمنت رحيل "علاء" لتسطيع الجلوس معهم بدون حجاب .. أثناء اتمامها على ملابسها وجدت "عمر" يدخل الغرفة فالتفتت اليه قائله بمرح :
- جيت أغير هدومى ونازلة لماما "كريمه" فى المطبخ قالتلى هتعلمنى طريقه أكله انت بتحبها
بدا "عمر" واجماً .. فاختفت ابتسامتها واقتربت منها قائله :
- فى حاجه يا "عمر"
قطب جبينه قائلاً :
- انتى سألتى ماما عن الحرق اللى فى ايدي ؟
اختلج قلبها وقالت بصوت خافت :
- أيوة
- ليه ؟ .. ليه مصرة تسألى عن سبب الحرق
بلعت ريقها وقالت :
- هى ماما قالتلك ايه
- قالتلى الحرق اللى فى ايدك من ايه .. قولتلها اشمعنى ايه اللى فكرك بيه دلوقتى .. قالتلى "ياسمين" سألتنى عنه النهارده
كانت "ياسمين" تهرب من تلك المواجهه .. بل لا تريدها على الإطلاق .. لم تكن تريد لزوجها أن يعلم بما عرفته عنه .. حتى يظل متأكداً من أن صورته لم تتغير فى عينيها .. لكن ها هى المواجهه حانت ولا مفر .. كانت تلك الذكرى تؤلمها .. ولا تعرف كيف تتخير كلماتها .. سألها "عمر" :
- انتى ليه مهتمة بموضوع الحرق يا "ياسمين"
أخذت نفس "عميق" وتحاشت النظر الى عينيه ووجه وقالت :
- أنا عرفت كل حاجه عن البيت المحروق وعن علاقتك بصفية مرات الغفير
ساد الصمت طويلاً بينهما .. كانت تتحاشى النظر الى وجهه .. لكن الصمت طال .. فرفعت نظرها اليه لترتطم بتعبيرات وجهه المتجمده .. سألها بصوت رخيم :
- عرفتي ايه بالظبط ؟
شعرت بغصة فى حلقها وبنار فى قلبها .. قطبت جبينها وقالت بصوت لا يكاد يسمع :
- عرفت انك كنت على علاقه بيها وجوزها عرف وحرق البيت وانت وهى جواه .. وان الراجل اللى انقذكوا اديته فلوس عشان يتستر عليكوا ..
نظرت اليه مرة أخرى .. مازال وجهه خالى من أى تعبير .. سألها بهدوء :
- عرفتى منين كل ده
- الراجل جالى قبل كتبت الكتاب بيوم وقالى الكلام ده .. وأنا اتاكدت ان اسمك واسمها موجود فى ملفات المستشفى فى يوم الحادثة
قال ببرود :
- عشان كده قولتيلى يوم كتب الكتاب انك مش عايزانى
أومأت برأسها ايجاباً .. ساد الصمت مرة أخرى .. رفعت رأسها تنظر اليه قائله بصوت مرتجف :
- أنا سامحتك يا "عمر" .. وبحاول أنسى اللى انت عملته .. لانى حسه انك اتغيرت .. وانك بقيت انسان كويس .. أنا سامحتك
صمت .. لم يتحدث .. لم يتحرك .. اقتربت منه لتلمس ذراعه قائله :
-"عمر"
ولدهشتها نفض ذراعه ليبعده عن يدها .. وأخيراً ظهرت تغيرت تعبريات وجهه المتجمدة .. ولكن لدهشتها تحولت الى غضب هادر .. لم ترى عينيه تشعان بهذا الغضب من قبل .. قال بصوت هادر :
- يعني طول الوقت ده وانتى عايشه معايا وفاكرة انى واحد سافل
نظرت الى غضبه بدهشة وحيرة .. فأكمل بغضب :
- عايشة معايا فى بيت واحد وانتى فاكرة انى كنت على علاقة بواحدة متجوزة .. ومش كده وبس .. جوزها بيشتغل عندى .. وكمان دفعت رشوى عشان أتستر على علاقتى بيها
اقترب منها وامسك بذراعها بقوة حتى ألمتها قائلاً :
- مش كده يا "ياسمين" .. هى دى الصورة اللى انتى راسماها ليا .. ان أنا واحد منحط وحقير بالشكل ده .. هه ردى
كانت قبضة يده تؤلمها بشدة قالت بألم :
- "عمر" دراعى
انتبه لقبضته فترك ذراعها .. فركت ذراعها بيدها وهى تنظر اليه نظرة حيرة ودهشة .. كانت مازالت نظراته غاضبة نارية .. صاحت قائله :
- انا عارفه كويس اللى حصل يا "عمر" وأنا اتاكدت بنفسى من سجلات المستشفى .. ومن كلامك انت شخصياً .. من اجاباتك على كل اللى بيسألك عن الحرق ده .. وانا قولتلك انى سمحتك .. فمفيش داعى تكدب عليا وتفهمنى انك برئ
بدا وكأن غضبه تضاعف وازداد احمرار وجهه غضباً قال بصرامة وحزم :
- اللى حصل كالتالى عايزة تصدقى صدقى مش عايزة انتى حره .. الست دى فعلا كان بتخون جوزها بس مش معايا .. مع مهندس كان شغال فى المزرعة قبل "أيمن" .. واستمرت علاقتهم حتى بعد ما مشى من المزرعة وكانوا بيتقابلوا فى البيت القديم
هتفت بغضب :
- البيت اللى هو ملكك
- أيوة ملكى .. وهو معنى انه ملكى يبأه أنا اللى كنت معاها فيه
رفعت حاجبيها وقالت بصرامة :
- ايه اللى يخلى واحد زيك يشترى بيت قديم زى ده .. بيت مهجور .. ومبهدل .. ومفيش فيه اى حاجه تصلح ان الواحد يعيش فيه .. ايه اللى يخليك تشتريه
قال بصرمة ببرود :
- عشان أمى
نظرت اليه بدهشة فأكمل قائلاً :
- ده بيت أمى القديم اللى كانت عايشة فيه مع أهلها .. لما اهلها ماتوا باعت البيت وجت عاشت فى بيت المزرعة واشتغلت فيه .. كان البيت ده بيمثل ليها ذكريات جميلة مع اهلها وكان نفسها تحتفظ بيه بس مكانش صحابه الجداد راضيين يبيعوه لحد من 6 شهور جالى صاحب البيت وباعهولى واشتريته عشانها
نظرت اليه "ياسمين" بأعين متحجرة وشلت الصدمة لسانها
أكمل بقسوة وبصوت هادر :
- مش انا اللى كنت معاها فى البيت يا مدام .. انا كنت راجع من عند "أيمن" من المنصورة وشوفت النار قايده فى البيت .. وقفت العربية على الطريق وجريت نحية البيت لقيتها جوه ومش عارفه تخرج .. بعد ما الراجل اللى كان معاها سبها وهرب .. دخلت أحاول اخرجها بس كانت ايدي متجبسه وقتها معرفتش أشيلها وهى كانت خايفة تخرج فى النار لان النار كانت محاوطه البيت كله .. لحد ما الراجل اللى جالك .. شفنا وجه يساعدنا .. وهى لما عرفت ان الراجل شاف جوزها انهارت وعرفت انه عرف بخيانتها وانه هو اللى حرق البيت .. اول ما سمعتها بتقول كده ادام الراجل طلعت فلوس واديتهاله عشان يتستر عليها هيا مش عليا انا
شعرت وكأن قلبها قد توقف عن الخفقان .. أكمل بنفس القسوة :
- ولما روحنا المستشفى حكتلى على كل حاجة وعن علاقتها بالبشمهندس "محمد" .. خرجت من المستشفى فى نفس اليوم وروحت لـ "محمد" بيته .. واتخانقت معاه .. واترجانى انى اتستر عليه عشان مراته وولاده لان مراته لو عرفت والخبر وصلها أكيد هتطلق منه.. وعيط أدامى وأقسملى انها غلطة ومش هتتكرر وان هى اللى أغوته وخلانى أقسمله انى متكلمش فى الموضوع مع حد .. وعشان كده مجبتش سيره لحد
تجمعت الدموع فى عينيها وهى تشعر بدوار بسبب صدمتها مما تسمع .. فأكمل بغضب مكتوم :
- بعد ما صفية طلعت من المستشفى خافت ترجع لاهلها عشان جوزها ميعرفش انها لسه عايشه ويرجع يقتلها .. اديتلها فلوس وقولتلها تسافر اى بلد تانية تعيش فيها
قالت بصوت مرتجف مضطرب مبحوح وبأعين حائرة :
- ليه قولتلى انى لو عرفت سبب الحرق هبعد عنك وليه قولت لمامتك انه عقاب ربنا
زفر بقوة ثم قال بغضب :
- لانى كنت عارف انها مش مظبوطه .. وكانت تصرفاتها مش عجبانى ومع ذلك سكت وسبتها .. لو كنت من الاول مشتها هى وجوزها مكنتش قدرت توصل ل "محمد" ومكنتش علاقتها بيه استمرت لحد دلوقتى .. ومكنش حصل ده كله
ألجمها بكلامه .. لم تستطع أن تتحدث .. نظرت اليه واقتربت منه .. لكنه ابتعد عنها ورجع الى الخلف وفى عينيه نظرة قاسية وقال :
- من أول يوم جواز قولتلك لازم نبقى صرحا مع بعض .. واللي مضايق من التانى فى حاجه يقولها
نظرت الى الأرض وقطبت جبينها وقد شعرت بحجم ذنبها .. فأكمل قائلاً :
- لكن انتى عمرك ما كنتى صريحه معايا .. وعمرك ما وثقتى فيا .. وعمرك ما عرفتيني صح
ثم قال :
- وعمرك ما حبتيني
نظرت اليه فى ألم .... نظر اليها "عمر" نظره صارمة باردة خاليه من أى شعور وقال بصوت هادر :
- احنا لازم نتطلق يا "ياسمين"
صدمت عندما سمعت تلك الكلمة التى فكرت فيها مراراً .. لكن عندما خرجت من فمه علمت كم هى كلمة مريرة .. تجمعت الدموع مرة أخرى فى عينيها وهى تنظر اليه بحسرة وألــم .
تجمدت فى مكانها وأخذت العبرات تتساقط من عينيها .. بدت نظراته وقد لانت للحظة .. لكنه عاد ونظر بصرامه وقال :
- هنستنى لحد ما الحفلة تخلص ونرجع المزرعة وبعدين ننفصل
قال ذلك وتركها وحدها فى الغرفة تكاد قدماها تحملانها بصعوبة من هول الصدمة.
↚
نزلت "ياسمين" بعد ساعة .. تبحث عن "عمر" .. لم تجد له أثراً فى الفيلا .. فقالت لها "كريمه":
- قالى انه هيخرج وهيرجع متأخر ما أستناهوش على العشا .. هو ما قالكيش رايح فين ؟
قالت "ياسمين" بسرعة :
- أصل هو خرج من الأوضة قبل ما نتكلم مع بعض .. أنا كنت طالعه أغير هدومى
خرجت "ياسمين" لتتمشى فى الحديقة .. اختلت بنفسها على أحد المقاعد وتركت لعبراتها العنان .. كانت تشعر بندم كبير بداخلها .. ندمت لأنها ظلمته .. وندمت لانها لم تثق به .. وندمت لانها لم تواجهه من البداية بما تعرف .. ندمت لأنها تركت شكوكها ووساوسها تتلاعب بها وتتحكم بها .. ندمت لأنه أشعرها بأنها لا تحبه ..
أجهشت فى بكاء صامت .. كيف يقول بأنها لا تحبه .. فحبه متغلل داخل قلبها .. أخرجت هاتفها من جيبها ومسحت عبراتها بظهر يدها واتصلت به .. لم يرد .. أعادت اتصالها عشرات المرت .. ونفس النتيجة لم يرد .. شعرت بأنها قد أضاعته من يدها .. أخذت تتساءل هل سيطلقها فعلاً .. هل كرهها .. هل سيهون عليه فراقها .. ألن يسامحها يوماً .. كيف ستحتمل العيش بدونه .. لن تستطع التحمل .. حل المساء .. ظلت ساهرة فى غرفتها .. واقفة فى الشرفة .. تنتظر حضوره .. حتى رأت سيارته تقف أمام الباب .. انتظرته ان يصعد الى الغرفة لكنه لم يصعد .. طال وقت انتظارها .. حتى فتح باب الغرفة أخيراً وجدها واقفه أمام باب الشرفة فى انتظاره .. غلق الباب وفتح الدولاب يبحث عن بيجامه يرتديها .. اقتربت منه قائله :
- "عمر"
لم يجب .. دخل الحمام .. جلست على طرف فراشها تنتظر خروجه .. خرج وتوجه الى الفراش وحمل أحد المخدات و أحد الأغطية وفرشه على الأرض بجوار السرير ونام عليه وأولاها ظهره .. فهمت بأن الخطب جلل .. صعدت الى الفراش وتدثرت بالغطاء وظلت تنظر الى زوجها النائم بجوارها على الأرض والذى يوليها ظهره .. تساقطت العبرات من عينيها وبللت وسادتها .. لكم تشتاق الى حضنه الدافئ وكلماته الحانية .. ظلت العبرات تبلل وسادتها فى صمت وعيونها معلقة به .. تقلبت فى فراشها وكأنها تنام على جمر .. جلست وهى تنظر اليه فى أسى .. حتى غلبها النعاس .
استيقظت على آذان الفجر .. نظرت الى مكان زوجها النائم توجهت اليه ونادته بهدوء :
- "عمر" .. "عمر" .. اصحى
استيقظ ونظر اليها فقالت مبتسمه :
- يلا عشان تصلى الفجر
نهض وتوضأ وعاد ليجدها فى انتظاره لتصلى معه جماعة مثل كل يوم .. صلى بها .. حاولت التحدث معه :
- "عمر" .. ممكن نتكلم
قال بخشونه :
- لأ
ثم توجه الى مكان نومه ونام .. ونامت هى وعيونها معلقه به .. فى الصباح استيقظت على صوت غلق الدولاب .. وجدته وقد ارتدى ملابسه .. اعتدلت بسرعة فى فراشها قائله :
- "عمر"
لم يجيبها توجه الى باب الغرفة فأسرعت ونهضت من فراشها وأمسكت ذراعه قائله بأسى :
- استنى .. "عمر" .. أنا آسفة .. أنا آسفة أوى .. أنا عارفه انى ظلمتك أوى .. "عمر" مش هقدر أعيش بعيد عنك
لم ينظر اليها .. فأكملت بألم وبصوت مرتجف وعينين دامعتين :
- لو انت عايز تطلقنى عشان تعاقبنى .. أنا موافقة يا "عمر ".. عاقبنى .. وطلقنى ..
تساقطت عبراتها وهى ترجوه :
- بس ردنى تانى يا "عمر" .. عشان خاطرى ردنى تانى
صمت ولم يجب .. بل ولم يلتفت اليها .. وفتح باب الغرفة وخرج .. وقفت لا تدرى ماذا تفعل وعلامات الألم مرسومة على وجهها .. رن جرس هاتفها .. فأتاها صوت "ريهام" قائله :
- حبيبتى يا "ياسمين" .. احنا جاينلكوا النهاردة أنا و "كرم" .. حماتك اتصلت الصبح وعزمتنا على الغدا
قالت "ياسمين" بوجوم :
- لو انتى مكنتيش جيتي النهاردة كنت انا هجيلك لانك وحشانى اوى اوى
- مش اكتر منى يا "ياسمين" .. احنا قولنا نسيبكوا ترتاحوا اليومين اللى فاتوا .. بس خلاص كدة لازم أشوفك
- خلاص يا حبيبتى منتظراكى ان شاء الله
تناول الجميع طعام الافطار معاً .. وقالت "كريمه" :
- على فكرة "ثريا" كمان هتيجيى النهاردة .. وكمان "ايناس" و "علاء"
تضايقت "ياسمين" عندما سمعت بإسمها .. وتذكرت ما قالته المرة الماضية عن الفرق بينها وبين خطيبة "عمر" القديمة .. وعندما قالت انها حب "عمر" فى الطفولة والمراهقة .. شعرت بنيران الغيرة تشتغل فى قلبها .. نظرت الى زوجها الجالس بجوارها دون أن يعيرها أدنى اهتمام .. كانت حزينه واجمه فسألها "نور" :
- مالك يا "ياسمين" فى حاجه مضايقاكى
قالت بسرعة :
- لا يا عمو .. يمكن بس متأثره شوية انى هشوف "ريهام" لانها وحشتنى أوى
ابتسمت "كريمه" قائله :
- ربنا يخليكوا لبعض
*****************************
جلست "نادين" فى حديقة فيلتها تحتسى كوباً من الشاى .. التفتت فرأت "نانسي" وهى توقف سيرتها وتنزل منها فنادتها قائلاً :
- "نانسي" تعالى شوية
جاءت "نانسي" وقالت :
- خير
- تعالى اعدى
- لا قولى اللى عايزاه بسرعة عشان عايزة أنام
صاحت "نادين" بغضب :
- طبعا رجعه الضهر من بره وطول الليل سهرانه كالعادة
قالت بتأفف :
- أوف انتى ناديتيلى عشان تسمعينى المحاضرة دى .. فكك .. أنا مصدعة وعايزة أنام
التفتت لترحل فقالت "نادين" :
- عرفتى ان "عمر" هنا هو مراته
التفتت الى أمها بحده قائله :
- انتى عايزة تحرقي دمى يعني
ابتسمت أمها بتشفى وقالت :
- عرفت الفلاحه تخطفه منك وتتجوزه
قالت "نانسي" بحده :
- عرفتى منين انهم هنا
- "جيهان" ما انتى عارفه انها صاحبة "ثريا" عرفت منها
ثم قالت بسخرية :
- لأ وايه .. حاجه كدة لوكل .. تصورى مرضتش تخلى "عمر" يسلم على "ايناس"
- ازاى يعني
- الهانم بتغير باين .. ولا ده عبط متعرفيش
رفعت "نانسي" حاجبها بخبث وقالت بحقد :
- بتغير .. جميل
التفتت لتدخل الفيلا فقالت "نادين" بحده :
- انت لحد امتى هتفضلى سارحه مع اللى اسمه " عماد" ده .. يا بنتى طول ما انتى مدوقاه العسل ومقدماله كل حاجه على طبق من فضه عمره ما هيفكر يتجوزك
صاحت "نانسي" بغضب :
- ملكيش دعوة بيا حياتى وأنا حرة فيها .. متركزيش معايا .. ركزى مع جوزك النسوانجى أحسن
تركتها لتدخل الفيلا .. وملامح "نادين" تختلط فيها الحســرة بالألـــم.
*************************
التف لجميع حول طاولة الطعام .. "نور" .. "كريمة" .. "ثريا" .. "علاء" .. "ايناس" .. "عمر" .. "ياسمين" .. "كرم" .. "ريهام" .. اندمج الجميع فى الضحك والمزاح ماعدا اثنان بدا عليهما الوجود .. "عمر" بدا وكأنه غير مهتم بالحديث الدائر .. أما "ياسمين" فبدت حزينه تتطلع الى "عمر" بين الحين والآخر وتراقب تعبيرات وجهه لتتبين فيما يفكر .. لم يوجه اليها حرفاً واحداً .. كان يمسك الملعقة بيد .. ويده الأخرى وضعها على قدمه .. نظرت الى الجميع لتجدهم مشغولون بالحديث .. و .. مدت يدها ولمست كف يده .. توقف "عمر" عن تناول الطعام ونظر الى يدها التى تمسك بيده .. ثم أبعد يده عنها ووضعها فوق المائدة .. شعرت "ياسمين" بالألم يغزو قلبها .. نهضت واعتذرت من الجميع متعلله بصداع أصابها .. كادت أن تتوجه الى غرفتها لكنها شعرت بالإختناق وارادت السير فى الهواء الطلق .. خرجت من الفيلا وتمشت فى الحديقه .. تبعتها "ريهام" قائله :
- "ياسمين" قومتى ليه
حاولت "ياسمين" الابتسام قائله :
- مفيش حسيت انى مصدعة شوية .. وكمان شبعت
-فى حاجه مضايقاكى
- لا أبداً .. بس لسه مش متعودة على الوضع هنا
عانقتها "ريهام" قائله :
- حبيبتى يا "ياسمين" وحشتينى اوى .. أنتى الحاجة الوحيدة اللى بتصبرنى على فراق ماما وبابا الله يرحمهم
تأثرت "ياسمين" بكلامها وبكت . قالت "ريهام" وهى دامعة العينين :
- أنا كمان وحشونى أوى .. بس ان شاء الله ربنا يجمعنا بيهم فى الجنة .. ربنا يخليكي ليا يا "ياسمين"
قالت لها "ياسمين" بعينين دامعتين :
- ويخليكي ليا يا "ريهام"
انتهى اليوم ورحلت "ريهام" و "كرم" .. وبقيت "ثريا" وأبنائها لاكمال السهرة .. استأذنتهم "ياسمين" وصعدت الى غرفتها .. كانت تشعر بألم حاد فى بطنها .. دخلت الحمام لتخرج متأففه :
- ده وقته
ارتدت ملابسها وصعدت الى الفراش وتدثرت وهى تتلوى من الألم .. شعرت بالحرج من الذهاب الى "كريمه" لتبحث لها عن دواء .. كما أنها لم تكن تقوى على الحركة .. بعد قرابة النصف ساعة .. وجدت "عمر" يفتح باب الغرفة .. أرادت أن تقوم للتحدث معه .. لكنها لم تستطع من الألم ..نظر "عمر" اليها ليجدها مغمضة العينين مقطبة الجبين وتضم الغطاء بقوة الى صدرها ويبدو على ملامحها الألم .. اقترب منها قائلا:
- انتى كويسه ؟
فتحت عينيها وهى لا تصدق أنه اخيراً تحدث معها .. ودت لو قامت تتحدث معه لكنها لم تستطع .. قالت بصعوبة :
- أيوة كويسة
تركها وخرجه .. نظرت الى الباب المغلق بحسرة وألم .. لكم تشتاق الى وجوده معها والى حديثها معه .. دقائق ووجدته يدخل مرة أخرى حاملاً كوب تتصاعد منه الأخبرة وحبة دواء .. نظرت اليه بإستغراب .. مد يده بالحبة .. فجلست وأخذتها .. ثم أعطاها الكوب قائلاً:
- اشربي ده .. ولو لسه حسه بالألم قوليلى وأنا أجبلك حباية تانية
شعرت بالحرج الشديد أخذت منه الحبة والكوب دون أن تنظر الى وجهه .. تمنت ان يرحل لكنه ظل واقفاً ينظر اليها .. أرادت أن تتحدث لكنه أوقفها بيده قائلاً بحزم :
- اشربي ونامى
ثم تركها وخرج ..
بعد عدة ساعات سمعت صوت الباب يفتح .. فتظاهرت بالنوم .. شعرت به وهو يغير ملابسه ثم يقترب منها ويمسح حبات العرق على جبينها بظهر يده ..يلفها بالغطاء جيداً .. ثم .. يحمل وسادته وغطائه ويفرشهم على الأرض وينام
استيقظت على آذان الفجر .. وقامت لتوقظه لكنه لم تجده نائماً .. بل وجدته واقفاً يصلى .. تابعته بعيناها حتى أنهى صلاته وتوجه الى مكانه على الأرض ونام .. شعرت بالحنق والضيق .. نظرت اليه لتجده يغط فى سبات عميق .. كانت تتألم من هذا البعد .. لم تعتد على بعده عنها بهذا الشكل .. قامت على فور وحملت وسادتها وغطائها وفرشتهم على الأرض بجواره .. ونامت وهى تتطلع الى وجهه
فى الصباح شعرت بيده توقظها .. فتحت عينيها فوجدته نيظر اليها بحزم قائلاً :
- ايه اللى منيمك على الأرض هنا
قالت بضعف :
- كده عشان انت نايم هنا
أمرها بحزم :
- الارض ساقعه وانتى تعبانه قومى اطلعى نامى على السرير
امتثلت لأوامره .. وهى تشعر بالحنق والضيق .. قام وغير ملابسه ثم خرج دون ان يتفوه بكلمه
***********************
بعد عدة أيام كانت "ياسمين" جالسه مع "كريمة" فى الحديقه
قالت "كريمه" :
- "نور" سافر النهاردة الصبح
قالت "ياسمين" :
- هيرجع امتى ؟
- كمان يومين سافر فى شغل مهم .. و"علاء" كمان مش هيكون موجود النهاردة لانه مسافر .. بس ناوية أعمل سهرة حلوة فى الجنينة
شردت "ياسمين" قليلاً ثم قالت :
- يعني مش هيكون فى رجالة موجودة النهاردة
- أيوة .. "عمر" بس
- كويس
- اشمعنى
قالت بثقه :
- عشان أرد القلم
قالت "كريمه" بإستغراب :
- مش فاهمة قلم ايه
ابتسمت "ياسمين" :
- هتعرفى النهاردة
****************************
فى المساء .. أخرجت "ياسمين" أحد الفساتين الذى أصر "عمر" على شراءه يوم أن كانا معاً فى المول لشراء ملابسها .. كان رقيقاً للغاية ومتناسقاً مع بشرتها الخمرية .. ارتدت حذاء ذو كعب وصففت شعرها لأعلى وتركت بعض الشعيرات التى تتساقط على وجهها برقة .. كانت قد تعلمت الكثير من "سماح" عن وضع المكياج فإستعانت بخبرتها وبأدوات الزينة التى تزين التسريحة فى غرفة نومها .. كان مكياجها يتسم بالرقة والبساطة .. كانت راضية تماماً عن شكلها .. كانت تشعر بالخجل من الظهور بهذا المظهر أمام الجميع وخاصة "عمر" .. لكنها تشجعت ونزلت الدرج بعدما رأتهم من شرفة غرفتها وقد تجمعوا معاً فى الحديقه استعداداً لتمضية الأمسية بها .. خرجت الى الحديقة وقلبها يرتجف .. لكنها حاولت رفع رأسها والسير بإتزان دون أن يبدو عليها التوتر .. أول من لمحتها هى "كريمه" التى هتفت بدهشة :
- "ياسمين" !
ازدادت ضربات قلبها عندما وجدت أنظار الجميع تلتفت اليها .. لمحت نظرات التعالى فى عين "ثريا" وهى تفحصها من رأسها الى أخمص قدميها .. أما "ايناس" فكانت نظراتها تتسم بالحقد والغيرة .. كانت "ايناس" متحررة فى ملبسها .. وفى وضع الزينة .. لكن "ياسمين" تفوقت عليها بحسن اختيارها لما يناسب لون بشرتها وطبيعة جسدها .. فلم تفعل مثل "ايناس" وتحاول تغيير لون بشرتها بإضافة المزيد من مستحضرات التجميل والتى جعلتها تبدو كتمثال صب من الشمع فبدت مصطنعه الى حد كبير .. بل زينت ماهى عليه بالفعل .. فبدت أكثر رقة وأكثر شفافية وأكثر جمالاً ..
أما نظرات "كريمه" فكانت تتسم بالفرح والاعجاب والحنان .. لكم تعشق تلك المرأة الحنون الطيبة .. جلست ثم .. التفتت لتتطلع الى "عمر" .. خفق قلبها بجنون عندما ارتطمت بنظراته الشغوفة التى تتأملها بصمت .. شعرت بقلبها وكأنه سيقفز من مكانه .. ودت لو نهضت وارتمت بين ذراعيه
شعرت بالسعادة تسرى بداخلها وقد أيقنت بأنها أصابت عصفورين بحجر واحد ..
تعمد "عمر" طوال السهرة ألا ينظر اليها وألا يوليها أى انتباه .. ظلت تراقبه بطرف خفى .. اقترحت "كريمه" فجأة :
- "عمر" قوم ارقص مع "ياسمين"
توترت "ياسمين" .. لم ترد احراج "كريمه" .. لكنها قالت بخفوت :
- معلش يا ماما بس مش بسمع موسيقى
فقالت "ثريا" بحده :
- ليه بأه ان شاء الله .. رجز من عمل الشيطان
لم تجاريها "ياسمين" .. لأنها شعرت بأن المرأة تبغى شجاراً .. نهض "عمر" ومد يده الى "ياسمين" بصمت .. نظرت اليه أسلمت كفها له ونهضت معه .. سار بها قليلاً فقالت بصوت مضطرب :
- أنا مش بسمع موسيقى يا "عمر"
قال ببرود :
- محدش قال ان أنا هشغل موسيقى
أوقفها أمامه فقالت بدهشة :
- هنرقص من غير موسيقى ازاى
قال ببرود :
- نحاول .. أحسن من الحرب اللى كانت هتحصل من شوية بينك وبين عمتو
أخذ يتحرك بها يرقصان بحركات يتقنها "عمر" جيداً .. كان صوت نبضات قلبها عالياً يصم آذانها .. شعرت بالسعادة لقربها منه .. ظلت تنظر اليه .. لكنه بدا بعيداً عنها
نهضت "كريمه" بصحبه "ثريا" الى الداخل .. اقتربت منهما "ايناس" ووضعت يدها على ذراع "عمر" قائله :
- "عمر" تعالى نرقص سوا
شعرت "ياسمين" بالغضب والحنق والضيق ونظرت الى يدها الموضوعه على ذراع زوجها بنظرات نارية .. أبعد "عمر" ذراعه عن يدها قائلاً بهدوء :
- مش هينفع يا "ايناس"
شعرت "ايناس" بالضيق .. وعادت مرة أخرى الى مقعدها وهى تشتعل غضباً
نظرت له "ياسمين" هامسه :
- "عمر"
لم يجبها .. ولم يلتفت اليها
تطلعت اليه بعينين حزينتين قائله :
- طيب أعمل ايه عشان تسامحنى .. قولى أعمل ايه وأنا أعمل
ظل متمسكاً بصمته .. فشعرت بالألم يغزو قلبها .. التفتت لتجد "ايناس" تنظر اليها بشماته .. وقد بدأت "ايناس" تشعر بوجود خلاف بينها وبين "عمر" .. وانتبهت للوجوم البادى على وجه كل منهما .. تلاقت نظرات المرأتين فى تحدى صارخ .. تبادلتا نظرات نارية .. نظرات "ايناس" تقول : لن تملكيه أبداً لن يكون لكِ .. ونظرات "ياسمين" تقول : هو ملكى بالفعل وهو لى وحدى .. اشتعلت نظرات التحدى بينهما .. وفجـــأة .. لا تعلم "ياسمين" كيف أتتها الجرأة لتفعل ذلك .. لكنهــا .. نظرت الى "عمر" ألقت براسها فوق صدره .. أمام عيني "ايناس" التى ضاقت من الغضب .. وقامت فى عصبية لتغادر المكان
قال "عمر" بصوت خافت :
- ايه اللى انتى عملتيه ده
رفعت رأسها وقالت له بعند وثقه :
- انت بتاعى يا "عمر" .. مش هسمحلك تبعد عنى
قالت له هامسه :
- أنا اسفه .. سامحنى بأه
لم يقطعهما سوى صوت "كريمه" الآتى من الفيلا وهى تنادى على "عمر" .. همس اليها "عمر" وهو يوصب تجاهها نظرات حنونه :
- خليكي هنا .. هشوف ماما عايزة ايه وأرجعلك
ابتسمت له و أومأت برأسها .. بدا وكأنه لا يريد مفارقتها .. وقفت "ياسمين" تنتظره وقد وضعت يدها على قلبها وارتسمت ابتسامه على ثغرها .. فجأة شعرت بمن يطوقها بذراعه من الخلف ويضع كفه على فمها .. حاولت التخلص منه فلم تستطع .. حاولت الصراخ .. فجاء صراخها مكتوما .. شعرت بأنه يجرها فى اتجاه سور الحديقه التفتت اليه وهى تحاول التخلص منه لتفاجأ بوجه "مصطفى" .. نظر اليها بعينين تشعان كرهاً وقال :
- حياتى قصاد حياتك يا ياسمين .. انتى اللى عملتى كده فى نفسك .. لو مكنتيش هربتى منى مكنش ده كله حصل
حاولت التحرر منه لكنه كان يطبق عليها بقوة .. فجأة صرخ من الألم عندما تمكنت من عض يده التى تكمم فمها حتى سال الدم منها .. أفلتت منه وأخذت تجرى فى اتجاه الفيلا وهى تصرخ :
- "عمر" .. "عمر" الحقنى
جرى "عمر" فى اتجاهها وتلقاها بين ذراعيه باكيه وهى تشير الى اتجاه السور وتقول :
- "مصطفى" .. "مصطفى" هنا
جرى "عمر" فى الاتجاه الذى أشارت منه "ياسمين" .. أسرع "مصطفى" بالجرى وتسلق سور الفيلا وقفز من فوقه الى الجانب الآخر بسرعة .. لم ينتبه الى تلك الدراجة النارية التى أتت فى اتجاهه وتسير بسرعة جنونية .. ارتطمت به لتدفعه بقوة عدة أمتار قبل أن يسقط على الأرض والدماء تنفجر من رأسه التى ارتطمت بالأرض بشدة .. ليسقط جثة هامدة.
*******************************
رحلت الشرطة بعدما أخذوا أقوال "ياسمين" التى بدت مضطربة للغاية .. جلست "ياسمين" على احدى الأرائك وهى مازالت لا تستطيع ايقاف رجفة جسدها .. جلس "عمر" بجوارها ولف ذراعيه حولها وقبل رأسها .. قالت "كريمه" بأسى :
- آدى آخرة الظلم .. ضيع حياته على الفاضى .. هيقابل ربنا يقوله ايه دلوقتى
قالت "ثريا" بضيق :
- كان ملنا ومال المشاكل دى .. ما كنا فى حالنا
نظر اليها "عمر" بحده .. وجذب "ياسمين" من يدها واستأذن من الجميع وصعدا الى غرفتهما .. ألقت "ياسمين" بنفسها فى حضنه وطوقت رقبته بذراعيها بشدة .. أحاطتها بذراعيه وطمأنها قائلاً :
- خلاص يا "ياسمين" .. متخفيش
قالت بصوت مرتجف :
- خفت أوى لما شوفته .. ولما كتفنى .. معرفش كان ناوى يموتنى ولا كان ناوى يعمل ايه
قال "عمر" بحنان :
- خلاص انسى متفكريش فى الموضوع ده تانى .. خلاص مات ومعدش هيقدر يأذيكي تانى
جذبها "عمر" قائلاً :
- يلا نامى انتى .. وأنا هروح أشوف الثغرة اللى فى السور اللى عرف يدخل منها .. عشان أأمنها وميحصلش حاجة زى كده تانى
قالت بلهفه :
- لازم تروح دلوقتى
- أيوة معلش .. عشان أبقى مطمن
أومأت برأسها ..خرج .. دخلت الى الفراش وقد شعرت بأنها مرهقة للغاية .. حاولت السهر لتنتظره لكنها لشدة تعبها استسلمت لنوم عميق
***********************
فى اليوم التالى زارتها أختها للإطمئنان عليها .. كانت "ياسمين" أفضل حالاً .. قالت "ريهام" :
- سبحان الله فى ناس كده بتعيش مؤذية وتموت مؤذية
قالت "ياسمين" بخفوت :
- ربنا يرحمه بأه ويغفرله
- الحمد لله ان ربنا حماكى امبارح ونجاكى منه
- الحمد لله
رحلت "ريهام" بعدما اطمئنت على أختها .. جاءت الخادمة لتخبر "ياسمين" أن هناك من يتصل بها على تليفون المنزل .. استغربت بشدة .. فمن يعرفها سيقوم باللإتصال بها على الموبايل مباشرة .. كمان أنها لم تعطى أحداً تليفون المنزل بل هى نفسها لا تعرفه .. أخذت الهاتف من الخادمة .. كانت تقف فى الردهة الواسعة بالأسفل .. قالت بإستغراب :
- السلام عليكم
أتاها صوت انثوى :
- هاى .. انتى "ياسمين"
- أيوة أنا .. مين حضرتك
- أنا "نانسي" .. خطيبة "عمر"
شعرت "ياسمين" بمزيج من الدهشة والغيظ .. فهى ليست خطيبته بل خطيبته السابقة .. قالت "ياسمين" ببرود :
- أفندم .. حضرتك عايزانى فى ايه
قالت "نانسي" بغِل :
- عايزة بس أقولك حاجه يا مدام "ياسمين" .. اذا كنتى فاكره ان "عمر" نسانى تبقى غلطانه .. عمر مستحيل ينسانى انتى متعرفيش ايه اللى حصل بينى وبينه فى بيت المزرعة
صمتت "ياسمين" للحظة ثم قالت بغضب :
- مسمحلكيش تتكلمى عن جوزى بالطريقة دى
حاولت "نانسي" بث سمومها مرة أخرى فقالت :
- حتى لو قولتلك انى عندى دليل على اللى أنا بقوله
قالت "ياسمين" بثقه وبدون تردد :
- أنا واثقة فى جوزى جداً وفى أخلاقه .. وميهمنيش الدليل اللى بتقولى انه معاكى لانى مستحيل أصدقك .. حتى لو "عمر" قالى الكلام ده بنفسه مش هصدقه .. لو سمحتى متتصليش ببيتي تانى .. يا إما هعملك مشاكل انتى مش قدها
قالت ذلك وأنهت المكالمة وهى تشعر بالحنق .. وقفت تستعيد هدوءها للحظات .. ثــم .. التفتت لتجد "عمر" فى مواجهتها .. تبادلا نظرة طويلة صامته .. كانت ملامحه خاليه من أى تعبير ولم تستطع فهم نظرته .. قال:
- مين اللى كان بيتكلم
قالت بصوت خافت :
- "نانسي"
- قالتلك ايه
ابتلعت ريقها قائله :
- كانت بتحاول تقنعنى ان فى حاجه حصلت بينكم فى بيت المزرعة
نظر اليها قليلاً .. ولكن بصمت .. ثــم تركها ودخل مكتبه حيث كان ينتظره والده فى الداخل .. اندمجا معاً فى العمل .. وقضت "ياسمين" يومها بصحبة "كريمة" .. كانت "ياسمين" تفكر فى مشكلتها مع "عمر" .. ترى هل سيسامحها يوماً .. هل سيلغى فكرة الطلاق من رأسه أم مازال مصر عليها .. كانت حائرة مشتتة .. لكنها لم تخبر "كريمة" أو أختها أو حتى "سماح" لوجود مشكلة بينها وبين "عمر" .. فى المساء بعد العشاء استأذنت "ياسمين" وقالت أنها متعبة وتريد النوم .. قالت "كريمة" :
- هتنامى بدرى كده .. مش عادتك
قال "نور" بإهتمام :
- تعبانه ولا حاجه يا "ياسمين"
قالت بسرعة :
- لا يا عمو أنا كويسة بس حسه انى عايزة أريح شويه
قالت "كريمه" بحنان :
- طيب يا حبيبتى تصبحى على خير
- تصبحى على خير
قبل أن تغادر ألقت نظرة على "عمر" الجالس فى مكانه والذى بدا عليه الضيق لكنه لم يعيرها أى انتباه .. بعد ساعتين .. صعد "عمر" الى غرفتهما .. لم يجدها بالداخل وسمع صوتاُ فى الحمام .. توجه الى الشرفة وفتحها ووقف فيها .. فجأة شعر بحركة خلفه .. استدار لتتسع عيناه من الدهشة .. أسند ظهره الى السور .. كانت "ياسمين" ترتدى فستان زفافها .. وهى بكامل زينتها .. كانت تبدور كأميرة .. بل كملكة متوجة .. أحسنت وضع زينتها .. فكانت فى أبهى صورة .. وقفت على باب الشرفة .. تطلع اليها "عمر" وعيناه تلمعان اعجاباً وانبهاراً .. لكنه بقى صامتاً كما هو ... لم يوجه اليها كلمة .. ولم يقترب منها .. أتعبها هذا الصمت الذى طال .. فإقتربت وقفت على بعد خطوتين منه .. قطعت هذا الصمت وهى تتطلع اليه قائله :
- أنا آسفة يا "عمر" .. عارفه انك زعلان منى أوى .. بس أنا آسفة
قطع صمته وقال بهدوء :
- أنا مش زعلان منك يا "ياسمين" .. أنا مجروح منك
نظرت اليه برجاء وقالت :
- انت قولتلى انى مكنتش صريحة معاك وده صح فعلا .. وقولتلى انى مكنتش واثقة فيك وده صح فعلا انا مكنتش بثق فيك زى ما أنا بثق دلوقتى .. بس انت قولتلى انى محبتكش .. انت غلطان يا "عمر" ..
ثم قالت بصوت متهدج :
- انا بحبك أوى يا "عمر" .. ازاى مش حاسس بيا
قال بهدوء وهو مازال بعيداً عنها :
- انا مشفتش منك حاجه تدل على الحب ده يا "ياسمين" .. أنا اللى كنت طول الوقت بقربلك وانتى اللى كنتى بتبعدى
نظرت اليه بألم وقالت :
- آسفة بجد .. اتصرفت غلط .. سامحنى بأه يا "عمر"
اقتربت منه خطوة ونظرت الى فستانها وتطلعت الى عينيه قائله بهمس :
- "عمر" .. أنا أول مرة ألبس فستان فرح .. أنا لابساه عشانك انت .. عشان انا عروستك
قال بدهشة :
- يعنى ملبستيش فستان فرح قبل كده
- لأ
- ليه ؟
- مكنتش حسه انى عايزة ألبسه
لانت ملامحه قليلاً وهو يتطلع اليها .. فعلمت أنها حققت هدفاً .. اقتربت منه أكثر وتطلعت اليه بحب قائله :
- متقنعنيش انك معدتش بتحبني لانى مش ممكن أصدق
لم يستطع الاستمرار فى غضبه منها .. والذى تبدد بالفعل .. ارتسمت ابتسامه واسعه على شفتيه .. فابتسمت له بسعادة وهى تتطلع الى عينيه التى لم تفارق عينيها لحظه
بدأ حياتهما وقد تعاهدا على المصارحة فى كل امور حياتهما
______________________________
فى صباح اليوم التالى أيقظها "عمر" بطريقته الخاصه .. ثم تركها وفتح الدولاب وأخرج منه علبة قطيفه وعاد الى جوارها .. ألبسها شبكتها ودبلها وألبسته دبلته .. ضحكت قائله :
- أول مرة فى حياتى أشوف عروسة بتلبس شبكتها فى السرير
- الحفلة بعد تلت أيام ان شاء الله .. لو تحبي ألبسهالك تانى فى الحفلة مفيش مشكلة
ابتسمت قائله :
- لأ هتكسف تلبسهالى أدام الناس دى كلها .. وبعدين انت خلاص لبستهالى
لمس السلسلة التى لا تخلعها من رقبتها أبداً وقال :
- أيوة كده خليكي لبساها على طول .. مش عايزك تقلعيها خالص
قالت بدلال :
- حاضر يا حبيبى
مسح بيده على شعرها وهو ينظر اليها بحنان قائلاً :
- ليه ما قولتليش
نظرت اليه وقد فهمت ما يرمى اليه فابتسمت .. فضمها الى صدره فى حنان
**************************
حضرت عمته .. فنزل "عمر" و "ياسمين" التى كانت تبدو مختلفة .. فرحة سعيدة .. مبتهجة .. كانا يشبكان أصابعهما ببعضها البعض .. ألقت عليهما "ايناس" نظرة حقود ثم أشاحت بوجهها فى عصبيه .. أيضاً "ثريا" كانت ترمقهما بنظرات غير مريحة .. قالت "ثريا" ساخرة :
- ايه عروستك وخداك مننا ولا ايه
تنهدت "ياسمين" فى ضيق فقال "عمر" :
- ايه لزمته الكلام ده يا عمتو .. ما انا معاكوا أهو
التفتت اليها "ثريا" وقالت بنبرة ساخرة :
- اللى يشوف كدة يقول عروسه جديده
احمرت وجنتاها خجلاً وغضباً فى آن واحد .. قال "عمر" بتحدى :
- هى فعلاً عروسة جديدة
نظرت اليه "ثريا" قائله :
- آه عروسه فرز تانى
كادت "ياسمين" أن تغادر .. لكن "عمر" أوقفها ولف ذراعيه حولها وقربها منه .. ثم نظر الى عمته قائلاً بتحدى :
- يعني ايه فرز تانى
- يعني يا حبيبى كانت متجوزة قبل كده ..
قال "عمر" بحزم :
- لأ مكنتش متجوزة قبل كده
رفعت "ياسمين" نظرها الى "عمر" قائله :
- "عمر" خلاص
حاولت التحرر من بين ذراعيه لكنه أطبق عليها بشدة وقال لعمته :
- الأولانى ده ملمسهاش .. يعني "ياسمين" كانت بكر لما اتجوزتها
نظرت اليه عمته بدهشة وقد ألجم لسانها .. أما "ايناس" فقد شعرت بحقد فوق حقد .. فأكمل "عمر" بصوت هادر :
- يعني مفيش داعى لكلامك وتلميحاتك كل شوية .. هى متفرقش حاجه عن أى بنت تانية بتتجوز لأول مرة .. لأ مش بس كده .. هى أفضل من بنات كتير أوى بتتجوز لأول مرة .. مراتى مش زى أى بنت .. هى بنت غالية أوى وعالية أوى وقيمتها عندى كبيرة أوى .. لانها عاشت طول عمرها تحافظ على نفسها من مجرد لمسة ايد ممكن تغضب ربنا .. عاشت وهى بتبص للحلال والحرام وتميز بينهم .. حافظت على نفسها لجوزها وبس .. وأنا معرفتش ان ربنا بيحبنى الا بعد ما رزقنى بيها .. لان الطيبون للطيبات .. ومش عايز الموضوع ده يتفتح تانى أبداً
ابتسمت "كريمه" التى كانت تشفق على "ياسمين" من معاملة "ثريا" .. شعرت "ياسمين" بالسعادة ودمعت عيناها فرحاً وهى ترى زوجها .. يرفع من شأنها أمام أهله .. ويتحدث عنها بتلك الطريقة .. لم تبالى بنظرات أحد وألقت برأسها على صدره .. قبل "عمر" رأسها ومسح على شعرها .. فقامت "ايناس" لتغادر مع "ثريا" التى تعللت بأن لديها بعض الأعمال الهامة .. وما هى الا حجه بعدما أفلست وألجم لسانها ولم تجد ما تقوله من كلمات
**************************
أتى يوم الحفل .. فى صباح اليوم .. بدا الجميع مهتماً بتفاصيل اعداد الحفل .. كانت "ياسمين" مع "ثريا" و "ريهام" فى غرفة المعيشة يتناقشون حول بعض تفاصيل الحفل .. عندما أتى "عمر" قائلاً :
- "ياسمين" .. فين البدلة بتاعتى ؟
التفتت اليه قائله :
- فى الدولاب يا "عمر"
- لأ .. تعالى شوفيها
قالت بدهشة :
- أنا واثقه انها فى الدولاب
قال بإصرار :
- طيب تعالى شوفيهالى
صعدا معاً الى غرفتهما وكادت أن تتجه الى الدولاب لكنها أوقفها وأطبق ذراعيه حولها قائلاً :
- وحشتيني
ابتسمت قائله :
- كنت بتستدرجنى يعني
ابتسم بخبث ومرح وقال :
- أيوة الله ينور عليكي .. كنت بستدرجك .. ودلوقتى انتى وقعتى أسيرة فى ايدي
ابتسمت بسعاده ... و ... بعده فترة .. قالت :
- ممكن ننزل بأه ماما "كريمه" على أعصابها من امبارح
ابتسم وقبلها قائلاً :
- ماشى يلا ننزل .. أنا عارف ماما وقت ما بيكون فى حفلة .. طول عمرها دقيقة وبتحب كل حاجة تكون مظبوطه
بعد ساعة خرجا معاً الى غرفتها وهما ينزلان على الدرج أوقفها قائلاً :
- بقولك ايه متيجي نهرب من الحفلة دى .. وأخدك ونطلع على المزرعة
قالت بجديه وهى تحاول أن تبتعد عنه :
- "عمر" ماما "كريمه" زمانها على نار .. اتصلت بينا أكتر من مرة يلا انزل
تركها على مضض قائلاً :
- يلا انزلى روحى لماما "كريمه" بتاعتك ابقى خليها تنفعك
قالت "كريمه" وهى تصعد الدرج :
- آه ما شاء الله انتوا الاتنين واقفين تتسايروا مع بعض .. وأنا ملبوخه لوحدى تحت .. يلا يا "عمر" شوف الناس اللى بيظبطوا الترابيزات والزينه بره .. وانتى يا "ياسمين" يلا تعالى معايا عايزاكى
نزلت "ياسمين" معها واندمج كل فى عمله .. فى المساء خرج الحفل بشكل رائع .. حضر جميع أصدقاء ومعارف العائله .. وتعرفت عليهم "ياسمين" .. أحبت البعض وتحفظت تجاه البعض .. وشعرت بسعادة غامرة عندما رفض "عمر" بأدب أن يسلم على النساء فى الحفل بيده .. وأجاب بطريقه مرحه :
- معلش أصل المدام بتغير
كانت واقفه تتحدث الى احدى السيدات .. عندما اقترب منها "عمر" فابتسمت المرأة وقالت لـ "عمر" :
- ازيك يا "عمر" .. ألف ألف مبروك عروستك عسوله أوى
ابتسم "عمر" قائلاً :
- الله يبارك فى حضرتك
استأذن "عمر" وجذب "ياسمين" من يدها .. قال وهو ينظر ليها بحنان :
- أنا النهارده حاسس بفرحه غير عاديه
ابتسمت قائله :
- اشمعنى النهاردة
قال وهو ينظر اليها بحب :
- عشان ايدي فى ايد مراتى أدام الناس كلها
توقف قائلاً بحنان :
- انا بحبك أوى يا "ياسمين" .. انتى غيرتى فيا حاجات كتير .. غيرتيها للأحسن .. أنا بجد كنت محتاج لوجودك فى حياتى أوى
ابتسمت قائله :
- أنا كمان كنت محتاجة وجودك فى حياتى أوى يا "عمر"
نظرا بحب وشوق الى بعضهما البعض وابتسما وكل منهما يشبك أصابعه بأصابع الآخر.. وكأنه لا يريد أن يفارقه أبداً.
*************************
بعد سبعة أشهر ...
استيقظت "ياسمين" وأيقظت "عمر" قائله :
- "عمر" الحقنى .. "عمر"
استيقظ فرعاً وقال :
- فى ايه
قالت وهى تتألم :
- بسرعة يا "عمر" شكلى بولد
هب "عمر" واقفاً وأحضر ملابسها سريعا وصراخها يتعالى .. ألبسها بسرعة وقال :
- متخفيش يا حبيبتى متخفيش
قالت وهى تتألم بشدة :
- مش قادرة يا "عمر" .. مش قادرة
حملها وخرج بها مسرعاً وقال :
- قولتلك بلاش نروح المزرعة دلوقتى انتى اللى اصريتي
قالت وهى وسط صرخاتها المتألمه :
- وأنا كنت أعرف يعني انى هولد فى السابع
جرى "بها "عمر" وأدخلها السيارة وانطلق بها الى المستشفى .. تعالت صرخاتها فقالت الطبيبة بعد فحصها :
- لسه شوية
فقال "عمر" وهو ينظر الى زوجته بأسى :
- مينفعش تديها حاجه تخفف الألم شوية
التفتت له قائله ببرود :
- متقلقش كل ده طبيعى وأنا أفضل انها متاخدش حاجه
قالت "ياسمين" بغيظ وهى تصرخ :
- أنا أفضل آخد .. هو أنا اللى هولد ولا انتى
خرجت الطبيبة وهى تعطى تعليماتها للمرضة .. التفتت "ياسمين" الى "عمر" قائله بغضب :
- انت السبب .. انت اللى عملت فيا كده
ضحك قائلاً :
- هو انا غصبتك على حاجه ما كله كان برضاكى يا "ياسمين"
ضحكت الممرضة مرة أخرى .. فنظرت اليها "ياسمين" نظرة قاتله فخرجت فوراً من الغرفة .. اقترب "عمر" منها وجلس بجوارها وأمسك بيدها .. ووضعه يده الأخرى على رأسها وظل يقرأ ما حفظه فى الشهور الماضية من القرآن
بعد نصف ساعة فى غرفة العمليات سمع أصوات الرضيعه .. خرجت الممرضة تعطيها له وهى تلفها .. حملها بين ذراعيه ونظر اليها .. خفق قلبه بشدة واغرورقت عيناه بالدموع .. أمسك كفها الصغير بأصابعها الصغيره الرقيقة وطبع عدة قبلات حانيه عليها .. وأذن فى أذنها .. وقبل جبينها .. ثم التفت الى الممرضة وسألها بلهفه :
- "ياسمين" كويسة
ابتسمت تطمئنه :
- أيوة كويسة شوية وهتخرج
اجتمع الجميع فى المستشفى وحضرت "ريهام" و "كرم" .. و "سماح" و"أيمن" وابنهما الرضيع "مازن" .. و"كريمة" و "نور" .. كانت سعادة الجميع غامرة بتلك الصغيره التى تبادلوا حملها فى سعاده .. اقتربت "ريهام" من "ياسمين" قائله :
- "ياسمين" هى الولادة دى حاجه صعبه
نظرت "ياسمين" الى "سماح" قائله :
-اسألى "سماح"
ضحكت "سماح" وقالت :
- لا بلاش أنا بالذات .. أنا فضحت الدنيا يوم ولادتى
قالت "ريهام" بقلق :
- انتوا هتقلقونى ليه بأه
وضعت "سماح" يدهل على بطن "ريهام" المنتفخة قليلا وقالت :
- انتى لسه بدرى عليكي .. متقلقيش نفسك من دلوقتى
هتفت "ريهام" :
- ده انا هموت من القلق .. وانتوا بترعبونى اكتر
قالت "ياسمين" ضاحكة وهى تغمز لـ "سماح" :
- لأ متخافيش .. ده زى شكت الدبوس بالظبط
كتمت "سماح" ضحكتها وقالت :
- آه صح .. شكت دبوس
وقف الأصدقاء الثلاثة معاً فى الخارج .. قال "كرم" الذى يحمل الصغيرة :
- دى صغيره أوى يا "عمر" .. ده أنا حتى خايف أشيلها
ضحك "عمر" قائلاً :
- معلش بكرة تكبر يا "كرم"
ابتسم "أيمن" قائلاً :
- يلا عقبالك انت كمان .. ربنا يرزقك ببنوته زيها
هتف "كرم" :
- لا أنا مش عايز بنات .. كفايه عليا واحدة فى البيت .. اذا كان واحدة ومطلعة عيني .. مش هقدر انا على اتنين حريم فى البيت .. أنا عايز ولد عشان نبقى اغلبيه ساحقه و "ريهام" تحس انها أقليه
ضحك "أيمن" و "عمر" الذى قال :
- أغلبيه ايه واقليه ايه يا ابنى هو برلمان
قال "كرم" بمرح :
- ما انتوا متعرفوش اللى بيحصل فى صاحبكوا .. أنا قولت من الأول مالى ومال الجواز
قالت له "ريهام" الواقفه خلفه :
- بتقول حاجه يا "كرم"
التفت اليها بسرعة قائلاً :
- كنت بقول ل "عمر" و "أيمن" .. ما أحلى الجواااااز .. نعيم نعيم نعيم
رفعت حاجبها قائله :
- آه .. ماشى
رحل الجميع الى بيت المزرعة .. وعاد "أيمن" و "سماح" وابنهما الى بيتهم
دخل "كرم" و "ريهام" الى احدى الغرف ببيت المزرعة .. وقفت "ريهام" تغير ملابسها فاقترب منها "كرم" التفتت اليه قائله :
- مخصماك على فكرة
ابتسم قائلاً :
- ليه يا حبيبتى
قالت بدلع :
- عشان اللى قولته لصحابك فى المستشفى .. ماشى يا "كرم" مكنتش أعرف انك ندمان على جوازك منى بالشكل ده
لفها اليه ونظر فى عينيها قائلاً :
- انتى مجنونة .. أنا اندم انى اتجوزتك .. ده انتى حب حياتى .. ده انتى كل حاجة حلوة فى حياتى يا "ريهام"
ابتسمت قائله :
- بجد يا "كرم"
- بجد يا حبيبة قلب "كرم" "ريهام"
ابتسمت له وتلاقت أعينها فى سعادة .
جلس "عمر" بجوار "ياسمين" على السرير وابتسم وهو يراها ترضع الصغيره وقال :
- مش قادرة أصدق .. القمر دى تبقى بنتى
ابتسمت "ياسمين" قائله :
- أموره أوى صح .. وصغنونه أوى
أمسك "عمر" أصابعها الصغيره ولفهم على اصبعه وقبلها .. التفت الى "ياسمين" وقبل رأسها قائلاً :
- ربنا يخليكوا ليا انتوا الاتنين وتفضلوا منورين حياتى على طول
نظرت اليه "ياسمين" قائله :
- هنسميها ايه .. أنا احترت .. لسه ما استقرناش على اسم
قال "عمر" :
- لأ أنا خلاص اخترت اسمها
- ايه هو ؟
نظر اليها بشك قائلاً :
- خايف ميعجبكيش
ابتسمت وقالت :
- طالما انت اللى اخترته يا "عمر" أكيد هيعجبنى
نظر فى عينيها قائلاً :
- نفسي أسميها "عائشة"
نظرت اليه :
- اشمعنى "عائشة"
نظر الى الصغيرة وهو يمسح وجهها بأصابعه وقال :
- على اسم أم المؤمنين عائشة .. لما قرأت عنها حبيتها أوى .. وحبيت انى أسمى بنتي بإسمها
ثم نظر الى "ياسمين" وقال :
- عجبك ؟
انحن لتطبع قبلة على وجنته وقالت :
- طبعاً عجبنى
نظر "عمر" اليها قائلاً :
- انت عمرى يا "ياسمين" .. ربنا يقدرنى وأحافظ عليكوا انتوا الاتنين
قالت بحنان :
- بحبك أوى يا أحن "عمر" فى الدنيا
ابتسمت ونظرت الى زوجها وابنتها بسعادة .. لم تنسى أن تحمد الله على ما رزقها .. وعلى ما عوضها به عن كل ما قاست فى حياتها فكان جزاء صبرها تلك السعادة التى بين يديها .. ودعت لوالديها بالرحمة والمغفرة .. نظر "عمر" الى ابنته الصغيره والى زوجته .. وقبل جبين كل منهما ولف ذراعيه حولهما وهو يعاهد الله عز وجل على أن يحافظ على تلك الأمانة التى ائتمنه عليها .. تبادلا نظرات صامته تشى بحب كل منهما للآخر وتمسك كل منهما بالآخر .. ورغبة كل منهما فى اسعاد الآخر .. والتقت العيون لتمضى عهداً بالحب والمودة والرحمة والتسامح والمشاركة .. طــوال العمــــر