طرقات على الباب جعلت كيان وشهد ينظرون لبعضهما بتوجس وهم يجلسوا حول سفرة العشاء يشاركهم والدهم عثمان الذي هتف عابساً.......
يأمرهم بغضب...
"ما واحده فيكم تقوم تتزفت....... تفتح الباب...
اومات شهد بانصياع ناهضة... ثم اتجهت الى
الباب وفتحته....
اتسعت عينا شهد وهي تبصر اخيها يقف أمامها.. ينظر لها نظرات مبهمة غير مقروءه......مما جعلها
تتقدم منه هامسة بخوف.....
"اي اللي جابك هنا ياحمزة..... انا اتصلت بيك الصبح وقولتلك ان ابوك في البيت......"
رد حمزة بحسم.....
همست شهد من جديد بحنق أشد.....
"انت ناوي على مشاكل يعني..... مانت عارفه..."
انتبهت شهد أخيراً لمن تقف خلف ظهر اخيها..
تسمرت مكانها مشدوهة.... عاقدة الحاجبين فاغرت الفم.... ثم زاحت اخيها جانباً وهي تبصر الفتاة الواقفة خلفه بدقة أكبر.... همست وهي تتفحصها
بعيناها من أول رأسها حتى اخمص قدميها وقد انتبهت أيضاً للحقيبة بين يداها مما جعلها
تسأله ببطئ.......
ببرود....
" ماهو ده اللي جبني.... وسعي خليني اعدي...
عشان نعرف كلنا مين دي........ "
فهم....
"من ابوكي....... ماهي دي تبقا قمر بنت عمتك اللي
انا معرفش اسمها إيه لحد دلوقتي....."أشار حمزة على قمر التي اخفضت راسها بحرج ممزوج
بالصدمة من كونهم أولاد خالها عثمان !!...
صدرت من شهد صيحة استنكار...
زم حمزة شفتاه مستهيناً.....
"ياريت.... حتى الصدمة تكون اخف من كده....."
بشكلاً مسرحي ساخر.......
"اتفضلي ياقمر وقفة ليه... دلوقتي هتقابلي عثمان الدسوقي.... أبونا.... اللي هو خالك زي ما بتقولي
بحرج وشعور الرهبة والاضطراب يموج بحلقها يكاد يخنقها......
اسفل أسنانها.....
"فهمني لقتها فين دي... وبنت عمتنا إزاي....."
ثم القت نظرة عابرة على قمر معقبة بشك.....
"وبعدين مين عمتنا دي... احنا ملناش عمات.....
لوى حمزة شفتاه هازئاً.....
"يعني لو نصابة هتطلب تقابل ابوكي بالاسم.. ونفرض انها نصابة.... هتاخد إيه مننا....."
مجدداً نظرت اليها وعادت الى اخيها مضيفة
بعدم ارتياح.......
"معرفش بس مش مطمنة.... يعني إيه بنت عمتنا..."
"دلوقتي هنعرف اتقلي......" قالها حمزة وهو يغلق الباب ويشير لقمر بتقدم....
ظهر عثمان الدسوقي أمامهم.......وواجه ابنه بغضب
وبنظرة سوداء وكانه من الد اعدائه.......
"اي اللي جاب هنا يالا....انا مش طردتك...."
بنظرة عدائية قال حمزة.......
"انا جايب اسلم الامانه لأهلها...وماشي علطول...."
"امانة إيه......ومين دي......"أشار عثمان على قمر
باستعلاء.....
فالقت شهد نظرة على اخيها تأكد حديثها السابق
عن قمر.........بينما خرجت كيان وهي تقترب من
شهد هامسة بتسأل......
"في اي ياشهد....ومين دي......"
ردت شهد ممتعضة.....
"دي واحده نصابة..... بتقول انها بنت عمتنا....."
تشدقت كيان بصدمة وهي تنظر للفتاة
بقوة.... "عمتنا مين ؟!...."
هزت شهد كتفيها بحيرة وهي تتابع مايحدث....
أخيراً رفعت قمر عينيها وتوجهت للحديث لعثمان
الدسوقي والتي قابلته عدت مرات في صغرها
وفي فترة المراهقة....وآخر مرة راته بها كانت
منذ خمس سنوات في عزاء والدها.....
"انا قمر سلامة ياخالي.... بنت وفية الدسوقي... أختك..... معقول مش فاكر أختك....."
تاملها عثمان بدقة أكبر...فقفزت صورتها القديمة
في ذاكرته......فكان غير مرحب وهو يقول....
"قمر... آه..... افتكرتك......وامك عاملة اي ياقمر..."
1
بلعت غصة مختنقة بالبكاء وهي تجيب
بانكسار.......
"أمي...... امي ماتت من تلات شهور ياخالي....."
ادعى الدهشة وتأثر ببراعة مردداً....
"بجد...... الله يرحمها....."
3
شعرت قمر بوخزة في قلبها وهي تقول
بحزن......
"انا كلمتك وقتها وعرفتك... بس حضرتك مجتش حتى تاخد عزاها......"
ردد عثمان مبرراً......
"مشاغل ياقمر.... مانتي عارفه الدنيا مشاغل...."
2
نظروا الاشقاء الثلاثة لبعضهما ثم عادوا يتابعوا
هذا المشهد المخزي والمؤثر.......والذي زاد
بغضهما على ابيهم....بل نزل من أعينهما أكثر مقاماً
واحتراماً........
احتد صوت قمر تدريجياً بعد أسلوبة المجرد
من الانسانية ونظراته الخالية من اي تعاطف
معها او حزن لأجلها......
"كان الله في العون ياخالي..... بس حتى المشاغل
دي منعتك تاخد عزاها... ونفس المشاغل خلتك تبطل تبعتلها الشهرية بتاعتها.... حصتها من العمارتين اللي ورثتوهم سوا من جدي الله يرحمه......."
اتسعت اعين الأشقاء الثلاثة بصدمة.....
فقال عثمان ببرود.....
"بطلت ابعت الشهرية لانها باعت حقها ليا من
عشر سنين....."
1
صاحت قمر مهاجمة.......
"محصلش... امي لا باعت ولا اشترت منك حاجة...
وانا معايا الاوراق اللي تثبت ده......"
1
تافف عثمان هاكماً.....
"هو انتي جايه لحد هنا عشان تطلبيني بورث أمك......."
اومات براسها بصلابة.....
"دا حقها وحقي من بعضها....... وصاحب الحق
على حق......"
سالها عثمان بنظرة سوداوية..... "يعني إيه......."
قالت مهاجمة بنظرات كاسحة....
"يعني انا عايزة ورث امي الشرعي في العمارتين..."
قال عثمان ببرود.....
"وان قولت ملكيش حاجة عندي....."
1
قالت قمر....بعيون تقدح شرراً وصوتٍ مهدداً......
"هرفع عليك قضية وهتهمك بتزوير ..... لانك كاتب العمارتين بأسمك ومزور بيع حق امي فيهم... ودا اقدر اثبته بسهولة...... لاني معايا صورة بالأوراق الأصلية..... دا غير المحامي اللي هيترفعلي عن القضية واللي معاه كل الأوراق اللي هيحتاجها
ولي بيها هيجبلي حقي ويسجنك.... "
1
انقلبت ملامح عثمان مائة وثمانون درجة ببراعة
وهو يقطع المسافات بينهما قائلاً بتملق......
"تسجني خالك ياقمر......اخص عليكي......"
اندهشت قمر ونظرت اليه بتوجس....لتجده يتابع
حديثه وهو يعانقها بحفاوة......
"فلوس إيه وورث إيه......انا أهم حاجة عندي اني شوفتك واطمنت عليكي....تعالي ياحبيبتي في حضني تعالي......."
ثم أمر بصوتٍ حاني وهو يربت على ظهر
قمر.....
"شهد....حضري العشا لبنت عمتك.....دي جايه من سفر..........اكيد جعانه......"
ثم ابعدها عن احضانه برفق قائلاً بتملق....
"انتي تاكلي دلوقتي وتغيري هدومك دي وتدخلي
تستريحي وبكرة ان شاء الله هنتكلم تاني...عشان
اعرف اللي ليكي ولي عليا اتفقنا......"
1
ثم استدار ناظراً الى ابنه قائلاً بإبتسامة
مصطنعة....
"أدخل ياحمزة انت كمان......كل مع بنت عمتك...وبات
في اوضتك...وبلاش سرمحة......الدنيا ليل يابني..."
ابتعد عثمان الدسوقي داخلا غرفته مغلق على نفسه
بهدوء...تارك العيون تحملق في الفراغ والكل يشعر
بالقلق من هذا التغير الجذريّ....والذي يُدعى للريبة
من القادم ؟!.....
همست شهد شاردة...... "هو في ايه بظبط......"
مالت عليها كيان وقالت بشك....
"ابوكي اتجنن........او بيخطط لحاجة......"
نظرة شهد للفتاة بشفقة....
"أكيد بيدبر حاجة للبنت الغلبانه دي......"
همست كيان بهجوم....
"غلبانة ؟!......دي سهونة...شوفتي فضلت سكته قدامنا إزاي وعملت فيها مكسورة الجناح واول ما شافت ابوكي طلعت فيه....البت دي مش سهلة لازم
نتجنبها لحسان تكون ناوينا على نية...."
4
هزت شهد راسها معترضة بطيبة
قلب.....
"لا ياكيان....حرام عليكي...شكلها غلبانه....."
اصرت كيان وهي ترمق اختها بجزع....
"ولله مافي حد اهبل وغلبان غيرك....اسمعي مني النوع ده بيفضل يتمسكن لحد مايتمكن...انا عرفاهم......."
2
تململت شهد زافرة.....
"ماعلينا.....انا هروح احطلها تاكل دي مهم كان ضفيتنا......"
دلفت شهد للمطبخ....ودخلت كيان الصالون تشاركهم
الجلسة......فكانت قمر تتوسط الاريكة بينما حمزة
يجلس على المقعد المجاور يفرق في عيناه
بضيق......جلست كيان جوار قمر وقالت
بإبتسامة صفراء.....
"منورة يابنت عمتي......."
1
ردت قمر بحياء...... "بنورك........."
عرفت كيان عن نفسها والباقية
بعفوية...
"انا كيان أصغر واحده فيهم وده حمزة اكبرنا
وشهد اختي الوسطانية......"
اومات قمر بإبتسامة هادئة ولم
تعقب.....فسالتها كيان بتطفل....
"هو انتي معندكيش أخوات....."
هزت راسها بنفي..... "لا معنديش......"
سالتها كيان مجدداً..... "طب وابوكي فين....."
2
ببحة حزينة اجابتها..... "مات من خمس سنين......."
ارجعت كيان رأسها ثم ازداد فضولها......
"البقاء لله.......هي عمتي كانت حلوة زيك كده...."
ابتسمت قمر بحزن...... "احلى كمان......."
اومات كيان قائلة.....
"ااه ربنا يرحمها...كان نفسي اشوفها وقعد معاها....
يلا النصيب........"
تدخل حمزة بملل وهو يرفع عيناه
عليهم......
"بطلي رغي ياكيان...وقومي شوفي أختك
بتعمل إيه......."
برمت كيان شفتيها ناهضة على مضض ثم سألت
قمر سريعاً متذكرة....
"ماشي.......قولتيلي اسمك إيه......."
اجابتها بهدوء........ "قمر......"
اردفت كيان بنظرة مستهينة.....
"قمر ؟!......مش اوي يعني........"
7
عندما ابتعدت هزت قمر رأسها باستياء
معقبة....
"هو انتوا كلكم كده......."
سالها حمزة بعدم فهم....... "كلنا إيه....."
ردت مقتضبة..... "خفاف الدم........"
اوما ممتعضاً.... "وراثه....... ورثناها اباً عن جد...
عقبالك.... "
لم ترد بل سالته بهمساـ... "هو ابوك راح فين........"
رد بملل...... "دخل اوضته....."
"ليه......"
بملل أكبر..... "معرفش روحي اسأليه......"
مطت شفتيها واكتفت بالصمت.....
"شكراً......"قالتها بخجل......
فسالها حمزة..... "على إيه......"
ابتسمت بحزن...قائلة بامتنان.....
"على كل حاجة عملتها معايا لحد دلوقتي......بس صدفة غريبة.......ان اللي ينجدني في طريق مقطوع
زي ده هو نفسه....يبقا ابن خالي....."
"الصدفه بتيجي مرة واحده....ساعات حلوة
وساعات......"
ترك كلامه مفتوح مما جعلها تساله
منزعجة...."تقصد إيه......."
بعينين شاخصة سالها وهو يستشف الإجابة
من بنيتاها المنطفئ بريقها......
"ولا حاجة.......بس انتي فعلاً معاكي أوراق تثبت
انك ليكي ورث في العمارتين......"
اكدت بثبات.... "ايوا طبعاً يعني بضحك عليه......."
من زوايا واحده ابتسم حمزة قائلاً بغرور.....
"انتي تقدري تضحكي على الناس كلها إلا اتنين..
انا وهو..........."
تدخلت شهد قائلة بعد ان ظهرت
امامهما....
"العشا جاهز..........اتفضلي ياقمر......يلا ياحمزة
انا حطتلك معاها..... "
نهضت قمر من مكانها واقتربت منها
بحرج.... "شهد مش كده....."
اكدت شهد وهي تمد يدها لها
بترحيب...
"آه......نورتينا ياقمر......"
بادلتها قمر السلام معتذرة لها وحدة....وهي تشعر بالارتياح والالفة معها عكس كيان وحمزة
المتحاملا عليها بزيادة من أول لقاء بينهما....
"بنورك....معلش أزعجتك في وقت زي ده....."
ربتت شهد على كتفيها قائلة بمحبة......
"حبيبتي دا بيت خالك...يعني بيتك.....يلا لحسان الأكل يبرد......."
انها طيبة وتشع ذوق ورقي....وكانك تقف امام ملكة
محبوبة......تحب ذاك وتعطف على هذا......وترضي
ذلك....من نظرة واحدة وعدة كلمات تشعر إنك
تعرفها منذ زمن........
قالت قمر باعجاب وهي تجلس على مقعد حول سفرة الطعام........
"ريحت الاكل حلو اوى تفتح النفس....."
جلس حمزة كذلك وافصح بمحبة.....
"انتي مش بتاكلي من ايد اي حد...انتي بتاكلي
من ايد الشيف شهد الدسوقي......."
ابتسمت قمر بدهشة سائلة....
"بجد.....انتي طباخة.........عندك مطعم......"
اجابتها شهد ببسمة لطيفة....
"آآه حاجة بسيطة كده......اكيد هورهولك
في يوم........"
"وانتي بقا معاكي شهادة إيه......"وضع حمزة معلقة من الأرز وهو يسالها هذا السؤال.....
فقالت قمر بحرج.....
"معايا دبلوم.......وكنت شغالة في مكتبه...."
جلست شهد جوارها
قائلة بود...
"شكلك مثقفة وبتحبي القراءة....."
قالت قمر بجذل ممزوج بالحرج....
"اوي أوي بحب الأدب و روايات الرومانسيه عموماً....وكنت مبسوطه بشغلي في المكتبه.....بس النصيب خلاني اسيبها واجي هنا....عشان ادور
على حقي... "
تغيرت ملامح شهد قليلاً وكذلك امتقع وجه
حمزة فبلعت قمر ريقها قائلة بحرج.......
"هو انتوا زعلانين اني جايه اخد حق امي....."
هزت شهد راسها سريعاً بنفي...
"لا طبعاً.......انتي لسه قايله ده حقك......"
لمعة عينا قمر بتمني وقالت......
"انا محتاجة الفلوس أوي.....نفسي افتح مكتبه وديرها بنفسي........"
تدخل حمزة متحدثاً بقتامة.....
"كلنا محتاجين الفلوس مش انتي بس...الفرق بينا وبينك انك معاكي الكارت اللي تلعبي بيه.....ام إحنا
فاحنا قعدين نتفرج وبس......"
1
سالت قمر بحاجب معقود
ببراءة...
"مش فاهمة قصدك..... "
تدخلت شهد بينهما بعدم رضا.....
"حمزة.....مش وقته الكلام ده....احنا على الأكل..."
نهض حمزة من مكانه متشنجاً.....
"انا شبعت....تصبحوا على خير......."
تابعت قمر ابتعاده عنهم بعينين مشدوهتين
بينما سألت شهد........ "هو ماله......."
ردت شهد باختصار...... "مشاكل مع أبوه......"
قالت قمر بريبة.....
"واضح ان خالي عثمان صعب......"
بابتسامة باهته اجابتها....
"بكره تعيشي وسطنا وتعرفي....."
هزت قمر راسها معتذرة......
"لا انا مش هطول هنا....انا هاخد حقي وهرجع
مكان ما جيت......."
7
غمغمت شهد متيقنة من القادم.....
"ياريتها سهله كده......"
سالتها قمر.... "بتقولي حاجة......"
هزت شهد رأسها ....
"لا ولا حاجة........كملي أكلك بالف هنا......."
.......................................................................
زفرة كيان بغل وهي تمسك بين يداها وسادة ولحاف.....
"انا مش فاهمة اشمعنا انا اللي حكمتوا عليا
اديها اوضتي........."
تنهدت شهد قائلة برزانة......
"أهدي ياكيان دي فترة مؤقته....لحد مانشوف
ابوكي هيعمل معاها إيه......."
قالت كيان بغيظ.....
"واشمعنا انا ياشهد......ماتاخد اوضتك أنتي....."
اتجهت شهد الى الفراش بعد ان بدلت
ثيابها..... بقميص قطني مريح......
"اوضتك صغيرة وسريرك كمان.....لكن هنا الاوضة اكبر وسرير كبير وهياخدنا احنا الإتنين......"
هزت كيان راسها بتزمت....
"مش موافقة اسيب اوضتي واجي ابات معاكي هنا......."
اقترحت شهد بملل.....
"تحبي اخرج انام على الكنبة...وتنام انتي هنا...."
تاففت كيان..... "يسلام وتنامي في البرد....."
ابتسمت شهد وهي تهز راسها بتعب....
"انا تعبت معاكي.......تعالي نامي جمبي وسكتي.. "
استقلت كيان جوارها على الفراش..... وقد خلعت شهد السماعة وارتاحت على الفراش واطفأت النور........ "شهد......"
1
سمعت شهد كيان تتحدث بصوتٍ يصل لها
بشكلاً منحفض جداً....
"تفتكري ابوكي هيعمل إيه معاها......"
ردت شهد بفتور....
"هيديها قرشين ويمضيها على تنازل......"
تشدقت كيان في الظلام.....
"قرشين إيه....العمارتين ويساوى ملايين....."
هزت شهد رأسها مؤكده وهي تقول بيقين.....
"عارفه.......بس تفتكري ابوكي هيديها حقها...كان ادانا
ورث أمك.....اللي مطولناش منه حاجة.....كان صرف
علينا ولبى احتيجاتنا زي اي اب مقتدر بيعمل مع ولاده....ابوكي سبنا يامولايا كما خلقتني......وادينا
اهوه كل واحد فينا الدنيا عماله تلطش فيه يمين وشمال......."
قالت كيان بريبة......
"انا مش مطمنة للجاي......وخايفة من حمزة...لو ابوكي ادى لقمر حقها احتمال حمزة يوقفلهم
ويطالب بحقنا في ورث أمك........وتبقا مجزرة.. "
قالت شهد بقلق أكبر.....
"ربنا يستر.....انا كمان قلقانه من ناحية حمزة... خصوصاً ان جوازته اتفركشت بسبب انه مقدرش يجيب الشقة...... "
صمت الاثنين معاً في الظلام الكاحل.... فقطعت
كيان الصمت مجدداً........ "شهد....."
اصدرت شهد همهمات بسيطة....فقالت كيان بفضول....
"هو اي حكايتك مع عاصم الصاوي....."
خفق قلب شهد في لحظة.....وتلعثمت بوجهاً أحمر
يختفي في الظلام........" حكاية ايه......"
قالت كيان بتطفل......
"حكاية الأوردر اللي بعتهوله بنفسك....مش
قولتي انك هتحكيلي......"
ضحكت شهد....... "لسه فكرة...."
"دي حاجة تتنسي....احكيلي مخبي ايه عني...."هزتها
كيان في كتفها......
قالت شهد بنفي........ "ولا حاجة....."
صاحت كيان مجدداً....
"طول عمرك لئيمة......احكيلي... "
تذكرت جملة عاصم فضحكت وهي تسأل
أختها... "كيان هو انا فعلاً لئيمة......."
ضحكت كيان معها....
"هو في حد لاحظ ده غيري......."
"لا انا بسألك بس......"
قالت كيان بمراوغة.....
"أحياناً بتستهبلي بمكر كده......فده يدل على انك لئيمة سيكا......."
قالت شهد ببراءة... "سيكا.......يعني مش أوي......"
سالتها كيان...."مين قالك انك لئيمة هو......"
لكزتها شهد بحنق..... "بس بقا......"
أضاءت كيان المصباح مصممة.....
"والله أبداً لازم تحكيلي......."
قالت شهد ضاحكة بوجها مختضب
بالحمرة...
"هحكيلك إيه يامجنونة.....كلام جاب كلام مالك..."
اتسعت عينا كيان بلؤم وهي تبتسم....
"مالك ؟!....انا اللي مالي....ولا انتي اللي مالك.....
من امتى شهد بتكلم مع حد...... "
تجاهلتها شهد عن عمد فلكزتها كيان
مجدداً...."ها من إمتى......"
حركت شهد كتفيها ببراءة....وقالت بمواربة...
"عادي......يعني مضطرة اتعامل معاه لانه صاحب المطعم اللي بشتغل فيه......"
هتفت كيان..... "يالئيمة........"
عبست شهد بحنق.... "متقوليش الكلمة دي......."
قالت كيان غامزة... "واضح ان الصنارة غمزت........"
3
وضعت شهد راسها على الوسادة قائلة بشفاه
مقلوبة.......
"وحتى لو صح....انا مش فاضية للهبل ده.....انا جاية
اشتغل أشتغل وحقق اللي نفسي فيه....بس.....ونامي
بقا وبطلي رغي........"
اومات كيان براسها باستياء منها... واطفأت
النور....
وبعض لحظات من الصمت في الظلام نادت شهد
تلك المرة.... "كيان......."
همهمت كيان بخبث...... فسالتها شهد بحيرة....
"هو انا بجد لئيمة......"
ابتسمت كيان وادعت التهكم.....
"نامي وطلعيه من دماغك.....مش قولتي انك مش فاضية للهبل ده......."
اكدت شهد بثبات على المبدأ....
"آآه مش فاضية......"
قالت كيان بضحكة ذات مغزى....
"طيب تصبحي على خير يالئيمة......"
3
"بس يارخمة........"لكزتها شهد بضيق ثم اغمضت عينيها وعلى محياها ابتسامة خاصة.....
.......................................................................
على الجانب الآخر من الغرفة المجاورة...تفحصت قمر بعينيها الغرفة التي ستقيم بها الأيام المقبلة كانت
غرفة لطيفة بحيطان وردية اللون بها سرير صغير
وتسريحة وخزانة ملابس......واريكة بيضاء بالفراء تقبع جانباً وهناك بعض الدمى المتنوعة مرصوصة على الفراش والاريكة الصغيرة....وكانها دخلت غرفة طفلة في السابعة من عمرها...
لكن لم تندهش كثيراً فـ(كيان) رغم طريقتها الجافة معاها إلا انها أمرأه تشع طفولة وبراءة....نوعاً يعشقه الرجال وأصبح نادراً هذه الأيام.........
بعد ان بدلت ثيابها باخرى مريحة استلقت
قمر على الفراش وعلقت عينيها على السقف وهي
لا تعرف...... مالذي ينتظرها الايام المقبلة....
لم تشعر بالالفة بينهما حتى خالها كان بارد... مصتنع
المشاعر عندما قامت بتهديدة... ولولا هذا لكان طردها برا باب منزله فوراً.......
الوحيدة التي تشعر بدفئها ومحبتها شهد.... رائعة شخصيتها هادئة لينة التعامل عكسهم.... لها عينين
جميلتين تشعان رحمةٍ بالغير..... عكس اخيها هذا
العدائي والمتحامل عليها بزيادة لمجرد انها
تطالب بحقها في ورث أمها......
عينيه العسلية حادة لكن بريقها الاجرامي ياخذ
العقل عند النظرة الأولى !!.....شعره الأسود الناعم بخصلاته المتناثرة قليلاً على جبهته......ملامحه الرجولية الصلبة......قامة طولة....جسده الصلب وصدره العريض ، ذراعه القويتين.....هدوءه رغم اشتعال عيناه.....وحديثة المحمل بالف معنى....
شخصاً له جوانب كثيرة عندما يبصرها المرء
يقف مشدوهاً عقلاً وقلباً......
4
اغمضت عينيها وهي تحاول طرده من عقلها....
وتتنظر الغد باحداثه القادمة......
في الصباح....
فتحت عينيها وهي تسمع صوت الأذان ييقظها
من غفوتها ظنت انه الفجر...فمسكت هاتفها ورات الساعة تشير للثانية عشر.......فانتفضت جالسة في مكانها وهي تنظر حولها والى المكان الغريب الذي تبيت فيه....
غرفة وردية واريكة بيضاء بالفراء...هل تبيت في
شقة باربي !!....
حكت في رأسها وهي تسترجع أحداث الأمس رويدا
رويدا........حتى نهضت بعد لحظات.......وهي ترجع شعرها الغجري للخلف.....متجهة الى الخارج وهي تنظر حولها بتراقب........
لتجد المكان خالي منهم.....بل وهادئ أيضاً......حانت منها نظرة على سفرة الطعام لتجد ورقة بخط يد انثوي مكتوب بها.....
(قمر...... معلش انا محبتش اصحيكي بدري اقولك ان
احنا ريحين الشغل....قولت اسيبك تنامي وترتاحي
احنا كلنا روحنا شغلنا بدري...حتى خالك نزل بدري
وانا عملتلك فطار قبل ما نزل وجهزته في المطبخ عندك....انا ان شآء هرجع بعد العشا..... وكيان
هترجع الساعة أربعة العصر.......شهد......)
ابتسمت قمر بحزن.... وهي تطوي الورقة... ثم بدأت تفتش عن دورة المياة....... حتى تغتسل وتنزل هي
أيضاً.........
.......................................................................
دلف عاصم من باب المطعم فوجدها منهكة في العمل
هي وبعض الفتيات المراهقات التي يواظبوا على العمل معها...... للمساعدة وتقديم الطلبات.....
عندما ابصرته لانت شفتيها في إبتسامة جميلة تخصه واحده..... فابتسم لعينيها وسلاما الى
عينيها الذائبة في الشهد الحلو كاسمها عند
النطق.....
1
وضعت الاطباق على الطاولة ثم اتجهت اليه تقطع المسافة بينهما وهي تحتضن الصنية تلقائياً بخجل كتلميذة تعانق كتابها وهي في أول موعد غرامي !.....
"صباح الخير......."
انهال من جمالها ولعينيها روى ألف قصيدة شوق قبل ان يخبرها بصوتٍ أجش........ "صباح الشهد......"
13
اطرقت براسها محمرة الوجه وهي
تقول.....
"جاي متأخر نص ساعة.... انا قولت انك نسيت
تعدي علينا........"
1
خفق قلبه مع الشوق المتبادل بينهما..فقال
بعذوبة........
"الطريق زحمة.... وبعدين انا انسى كل حاجة إلا معاد الساعة عشرة......أصله مهم عندي اوي.... "
8
لم ترد بل ازداد خجلها... فمال براسه قليلاً....
"ولا انتي اي رأيك......ياشــهــد... "
كفاك عبث رجاءاً.......ثم سألت.....
"في إيه بظبط......"
تبرم عاصم...... "بطلي بقا......"
1
نظرت اليه بعدم فهم..... "ابطل إيه....."
قال بصراحة........ "لؤم واستهبال......."
5
اتسعت عينيها وهتفت تلقائيا تحذره....
"عااااصم......."
14
جن القلب بين اضلعه فسالها بدهشة ممزوجة بالفرح........ "إيه....."
5
أسبلت جفنيها بتوتر..... "قصدي استاذ عاصم......."
كشر عن انيابه تلك المرة قائلاً بغيظ....
"استاذ في عينك....انا اسمي عاصم....عاصم وبس..
زي مابقولك ياشهد....تقوليلي ياعاصم......"
9
كبحت ضحكة خائنة وقالت بثبات...
"مينفعش......"
سارت عيناه على قسمات وجهها بتأني
سائلاً....
"ليه مانتي لسه قايلهالي ......"
قالت بحياء.....
"لا يعني........ دي طلعت غصب عني......."
رد بعيون ذائبة في شهدها
الخالص....
"يارب تطلع علطول غصب عنك........"
4
نظرت اليه وحاولت الهروب من عيناه وكلماته
لذا اشارت له على أحد الطاولات
قائلة.....
"تعالى قعد......هتفضل واقف كده......."
1
"انا جاي متأخر وعندي شغل.....بس ماشاء الله...."
ثم نظر على عدد الزبائن الموجود بالمطعم
وقال...
"الزباين بدات تهل.....مبروك......."
3
ابتسمت شهد وقالت بمناغشة...
"بجد فرحان........دانا قولت انك هتزعل انك
خسرت الرهان......."
طاطا براسه ضاحكاً....
"لسا فاكره يـاشـهــد ؟!..... انا كمان فاكر الهدية...."
سالته باستفسار...... "هدية إيه......"
ذكرها محاولا اعتناق الصبر عند النظر
لعينيها......
"أول مرة شوفتك فيها هنا...قولتلك لو مشروعك
نجح ليكي عندي هدية حلوة......"
6
اومات براسها متذكرة وهي تجيبه....
"بس هو لسه منجحش.......دي البداية......"
رد ببساطه وهو ينظر في اتجاه
آخر.....
"يبقا استنى شوية....اهو أكون عملتهالك......"
ابتسمت باندهاش..... "عملتهالي....مش فاهمة....."
8
رد بإختصار....... "بكرة تفهمي....."
"صحيح.......كويس انك فكرتني......"اخرجت شهد من جيب المريول الذي ترتديه مبلغ من المال.......
فسالها عاصم عاقد الحاجبين...... "اي ده......"
وضعته على الرخامة والوقفين بينها......
"ده الإيجار.....احنا داخلنا في الشهر الجديد....ودا
إيجار الشهر اللي فات....."
أزاح المال ليكن امامها مجدداً.....
"شيلي الفلوس ياشهد......"
5
سالت متعجبة...
"ليه.....دا حقك......لازم تاخدها....."
رفض بتزمت شديد..... "مش وقته.........مرة تانية......"
رفضت شهد تخبره بتلقائية....
"لا ونبي لحسان يدخل في اي حاجة ويتصرف..."
رد عاصم ببساطه.. "طب ما تصرفيها اي المشكلة......"
اتسعت عيناها ذاهلة....
"انت بتقول إيه......دا حقك......."
رد عاصم بعدم إهتمام.....
"انا مستغني عنه الشهر ده......."
3
سالته باستفهام......
"طب ليه...مانا معايا الحمدلله والأمور ماشيه
تمام....."
اخبرها عاصم بهدوء.....
"خلي بس معاكي.....مش وقته......"
اومات برأسها ووضعته مجدداً في جيبها...فقال
عاصم......
"على فكرة انا كلمت الحاجه عنك...وهي مستنياكي آخر الاسبوع ده....عشان تتفقوا سوا على الاصناف
اللي هتتعمل يوم السنوية......"
عضت شهد على باطن شفتيها قائلة
بتردد......
"ليه عملت كده....يعني انا لحد دلوقتي مكلمتش
حد ولا اتفقت مع حد......."
نظر لها وقال.....
"لسه في وقت تكلمي وتتفقي......"
اتت خلود بصنية فطار صغيره ووضعتها على الرخامة امامهم.....ثم شكرتها شهد قبل ان
ترحل.....
"تسلم ايدك ياخلود.... تحب تفطر معايا....."
نظرت لعاصم.....فقال ممتنعاً........
"فطرت من بدري......انتي ليه طالعة من غير
فطار.... "
هذا الاهتمام وتلك النظرة.....تذكرها باستمرار
انها تغرق معه في أعمق مكان داخلها حيثُ ان
طوق النجاة منه يعد انتحاراً !!........فاجابته
بفتور.......
"انا مبحبش أفطر أصلا.....بس مضطرة عشان
أقدر أشتغل وقف على رجلي........"
اوما برأسه فبدأت هي تضع أول لقمة في فمها
امام عيناه الثاقبة والتي تسجل أقل حركة
تصدر منها......بلعت القمة بصعوبة وهي
تساله بتردد..... "بتبصلي كدا ليه......."
3
نظر لها عاصم طويلاً.... ثم لم يلبث الى ان قال
بعذوبة.......
"إمبار نسيت اقولك ان عنيكي حلوة أوي......"
11
صوته جعل قلبها يخلتج بين اضلعها فتركت
القمة من بين أصابعها... وهي تئن بعذاب
حقيقي منه....
"وبعدين معاك......."
اقترح عاصم بهدوء....
"ينفع نتقابل في نفس المكان مرة تانيه......"
2
واجهت عيناه الصقريتين بتساؤل....
"ليه........ في حاجة نسيت تقولها عن الشغل...."
رد مؤكداً....... "في حاجات......"
10
لم ترد بل ظلت تنظر اليه بتردد.....فقال
هو حاسماً....
"هستناكي اخر النهار ياشـهـد....."
تلجلجت قليلاً.... "مش هينغع ياعاصم......"
4
سلب قلبها برجاءٍ حاني.....
"حاولي ياشهد....... حاولي نص ساعة بس
مش هأخرك....."
اومات برأسها كالمنومة مغناطيسياً..... ثم شعرت ان
نظرة الاحتواء في عيناه تعانقها دون ان تلمسها...
لتجده بعدها يغادر وتغادر خفقات قلبها معه....
....................................................................
وقفت على الرصيف في نفس المكان الذي صادفها
به أمس.........بثوبها الربيعي الأنيق وحقيبتها
الصغيرة.....وشعرها التي جمعته خلف ظهرها
تاركه خصلاتها القصيرة كالعادة تغطي جبهتها...
ظهرت سيارته سريعاً في الوقت المتفق عليه
واوقفها قائلاً بهمساً لا يسمعه سواهم....
"على البحر ياسطا......"
4
فلتت ضحكة حلوة من بين شفتيها....ثم اقتربت
من السيارة وصعدت جواره قائلة.....
"آه على البحر......."
سحب أكبر قدر من عطرها الطيب وهو يؤما برأسه
منطلق بسيارة بسعادة لا توصف...شاعراً بانه لا
يسير على الأرض بل يطير....يطير معها.....مع
(سيدة الحُسن...)
لم يتحدثا الاثنين عن شيء طوال الطريق...ظل
الصمت قائم بينهما والمشاعر تهفو حولهما....
كيف فعلتها تسنكر جرأتها....ومجارتهُ....ماذا لو علم
حمزة او والدها كيف سيكون وضعها وهي تقف أمامهم كالمذنبة......
أصبحت في عمر السابعة والعشرون ولم تتلقى
دعوة شاب......لم تحب....او تهتم......او تنبهر
بأحد........رغم انها كانت جذابة وجميلة كما
يمدحها كل من رآها.......
فكانت لا تهتم تهرب من كل شيءٍ يضعف عزمها.....ويجرح كبرياؤها.......الحب....سلاح ذو حدين...ام الموت منه او النجاة به........وهي لا
تحب المجازفة في قصص عاطفية بائسة ؟!...
حانت منها نظرة على عاصم الصامت والذي يعطي كامل تركيزة للطريق أمامه......
وسيم لا تنكر.......يشع هيبة ورجولة طاغية.....ونظر لعيناه يضعف الفؤاد ويخلق فوضى غير قابلة للاصلاح........فماذا عن الإهتمام الزائد وكلامه المعسول المبطن ، ونظرة عيناه التي تحتويها
بدفء لم تستشعره إلا معه........
تغرق...... والله تغرق في بحر عاصم الصاوي.....
والمشاعر تزداد تعلقاً يوماً بعد يوم !!...
3
"وصلنا ياشهد......"
فاقت من شرودها على صوته الخشن....
فنظرت اليه للحظات ثم للخارج و ترجلت من السيارة بعدها...لتقف أمامها..... ففعل هو المثل
..ونظرا معاً للجو البديع المعطر بالبحر المالح......
سالته شهد بعد لحظات.... "ليه جبتني هنا......"
رد بصراحة.... "حابب اتعرف عليكي أكتر......"
"ليه....."
قال تلك المرة بمرواغة....
"يعني قدريها.....عشان الشغل اللي بينا...والمطعم اللي مأجراه مني.......أهو اعرف مين هي شهد
عثمان الدسوقي.....اللي بعتت اخوها يأجر مني المطعم بأسمه.... مع انها هي اللي هتشتغل فيه... "
ضحكت شهد..... "قلبك اسود أوي......"
اخرج عاصم تنهيدة حانقة.....
"أول واحده تضحك عليا....وتشتغلني هي واخوها..."
برمت شفتيها ببراءة جميلة...أحبها بشدة....
"كنا مضطرين.... وبعدين مانت كشفتنا من أول يوم.....ملحقناش نشتغل حتى..... "
"مانتوا مش مأجرين من اي حد برضو......"رد
بزهوٍ اضحكها فقالت......
"ياسلام على التواضع.......تمام.....عايز تعرف
انا مين صح......"
اتى صوته بلهفة رغم ملامحه
الهادئة.... "ياريت....."
سحبت شهد نفساً طويلاً ثم اخرجت إياه على مهل
معرفة عن نفسها دون النظر لعيناه......وكانها تبتلع
مرارة الأحلام المعلقة في السماء كالنجوم البعيدة...وكانها تخفي خيبتها من شقاء وتعب
ومعافرة مع السنوات ولم تجني من الأحلام إلا
مطعم إيجار في شارع الصاوي مهددة بتركة في
اي لحظة !.....وكان الأحلام تخسف بنا وتستهزء بسعينا ؟!.......
"شهد عثمان الدسوقي سبعة وعشرين سنة....خريجة سياحة وفنادق.....بقالي فترة طويلة بشتغل على نفسي في مجال الطبخ ...خدت دورات تعليميه كتير واشتغلت في فنادق 5استار.....وكسبت خبره كويسة فبدأت أعمل اوردرات من البيت عن طريق الانترنت لما بدأ اسمي يتعرف قررت أفتح مطعم.....ويكون أول خطوة لنجاحي...باني يعني يبقا عندي مطعم باسمي في أحسن مكان في اسكندرية......دي كل حكايتي.. او دي احلامي اللي لسه هحققها..... "
سالها عاصم.... "وأهلك...امك ابوكي...اخواتك....."
قالت بغصة مختنقة......
"عندي اخ واختك....حمزة أكبر مني وكيان اصغرنا...
امي ماتت من عشر سنين........وبابا عايش متجوز....ومستقر في حياته......"
سألها عاصم متعجباً....
"يعني إيه مستقر....مش بيشوفكم وتشوفوا....."
"آآه طبعاً لازم يشوفنا ونشوفوا......"اكدت بسخرية مريرة......
اتى السؤال الأهم بنسبة له.....
"عمرك حبيتي ياشهد......."
نظرت اليه مستنكرة.... "ودا ليه علاقة بالشغل؟!....."
"دا ليه علاقة بيا....حبيتي قبل كده او ارتبطي... "
قالها بصدق وهو يزفر بتعب بينما عيناه تطوف
على ملامحها الجميلة المستنكرة...........
5
ردت باقتضاب...... "لا......"
نداها بطريقته الخاصة..... "شهد......."
فقالت بامتناع جاد لأبعد حد.....
"عاصم.... بلاش تسرع...... انا معرفكش كويس ولا انت كمان......سيب الامور تمشي ببساطه....."
جفل قليلاً وهو ينظر إليها بصدمة......فأسبلت
اهدابها قائلة بعقلانية وبصوتٍ موسيقي.....
"انا عارفة ان الحياة بنسبالك اخد وعطا.... بس في حاجات مينفعش تاخد ولا تدي فيها... غير لما تتأكد
انها تستحق......"
حل الصمت بينهما ولم تنظر اليه....ظنت انه نفر منها
وسيتركها الآن ويذهب بعد ردها الفظ....فمن الغبية
التي ترفض رجلا مثله......
لم تتوقع انه أحب ردها.....أحب انها عكس من قابلهم
لم تمسك بالفرصة الجيدة.....والميزات الحسنة به...
بل تمسكت بشخصه......بالشخص التي ستعاشره
وستبني حياتها معه...لم تفكر بما يمتلك... وبمن
يكون......لم تكن مثلهن لذلك سلبت عقله من النظرة
الأولى واليوم تسلب قلبه بردها دون ان تدرك.....
تمتم عاصم بعذاب...... "انتي طلعتي ليا منين........"
أرتاح قلبها فنظرت اليه متبسمة بمرح....
"انت اللي جيت بنفسك....... محدش نداك...."
قال عاصم ببساطه...... "منير نداني......."
اندهشت سائلة..... "منير ؟!......"
ذكرها بعينين صقريتين.....
"الأغنية اللي كنتي بتسمعيها ساعة مادخلت
المطعم أول مرة......."
ضحكت شاهقة وهزت راسها ذاهلة.....
"انت غريب أوي.... انا علطول أسمع ان الرجالة
مش بتحب التفاصيل ولا بتهتم بيها......"
اوما براسه مؤكداً باجابة سلاسة....
"صح.... بس لما التفاصيل دي تكون عن حاجة شدانا....... لازم نهتم......."
عقدت ساعديها امام صدرها ورفعت رأسها إليه
سائلة بترفع..... "وانا شداك......."
أكد بتكبر لا يقل عنه....
"وجودك معايا هنا بياكد ده......."
1
شعرت بالخجل فقد انتصر عليها بجملة واحدة...لتجده يسألها........ "وانتي......"
نظرت اليه مدعية عدم الفهم....... "وانا ايه....."
قال ببساطه وعيون لا ترحم.....
"انتي كمان وجودك هنا بياكد انك مشدودة ليا..."
ازداد انعقاد ساعديها وهي تهز كتفيها
بنفي...
"مش حقيقي.... انا جيت هنا عشان افتكرت انك هتكلم في الشغل....."
نداها بتململ......متذوق الاسم كما يحب..... "شــهــد......"
زفرة بنفاذ صبر مهتجة.....
"ممكن تبطل تناديني بطريقة دي......"
جفل سائلاً...... "اي طريقة....."
قالت بتبرم ممتنعه عن النظر إليه....
"انت عارفها......"
حك في ذقنة مفكراً..... "مش واخد بالي......"
2
نظرت اليه قائلة بحنق شديد......
"بتنادي بطريقة وكانك أول مرة تنطق إسمي.. وكانك
مستغربة معداش عليك ولا تعرفه....."
رد عاصم ببراءة استفزتها.....
"دي حقيقة.... انا عمري ماقبلت واحده أسمها شهد......"
قالت مستنكرة بوجهاً عابس.....
"طب مانا عمري ماقبلت واحد اسمه عاصم وبناديك عادي......مش بطريقتك....."
لانت شفتاه مصرحاً.....
"بالعكس انتي بتنادي بنفس الطريقة بس مش بتاخدي بالك......"
"لا طبعاً......انت اللي غريب... "
تلك المرة نظر لها منزعجاً....
"بلاش الكلمة دي عشان بتحسسني اني جاي
من كوكب تاني......."
"فريسكاااااااااااا... "
نظر عاصم الى البائع المتجول بصندوق الحلوى
على كتفه.......فعاد لعينيها مقترحاً بحنان
أبوي........
"اجبلك فريسكااا......"
16
عندما اومات برأسها بالموافقة اتجه الى الرجل سريعاً وجلب لها نوع من كل صنف يحمله في
الصندوق......
ثم اتى إليها....فقالت ذاهلة....
"كل ده مين هياكله......"
"مين غيرك......."
"بس دا كتير.....خلينا ناكلوا سوا......."
تشاركا معاً بصمت وسط المنظر الرائع والنسيم المنكه بالبحر المالح.......
قالت شهد متلذذة...... "حلوة أوي......."
ثم نظرت اليه قائلة بتذكر....
"صحيح..... انت نسيت تديني العنوان عشان
أقبل جدتك......"
رد عاصم بهدوء.....
"انا هوصلك بنفسي...أليوم اللي هتروحي فيه..."
رفضت بشدة......
"لا طبعاً.... ملهاش لازمة اديني العنوان... وانا
هروح لوحدي......"
اقترح بقلة صبر....
"طب مانا معايا عربية هوصلك......"
رفضت بتزمت شديد..... "لا بقولك......"
احتدت عيناه غاضباً....
"هو اي عِند وخلاص......."
لم ترد بل امتقع وجهها بعدم رضا... مما جعله أمام
عيناها العابسة ووجهها المكفهر..... يراضيها....
"خلاص بلاش تقلبي وشك.... زي ماتحبي.....بس
قبل ماتيجي قوليلي قبلها.... "
سالته بحاجب معقود..... "ليه يعني...."
"عشان استناكي......."
رده جعل قلبها يجن بين اضلعها....لذا هربت من
عيناه قائلة......
"احنا اتاخرنا أوي....... ينفع نرجع......"
1
اتجها معاً الى السيارة......ثم بعد ان احتل عاصم مقعد القيادة سألها ببعضٍ من الضيق والتعجب
كذلك......
" بس مش غريبة شوية إنك مسألتنيش سؤال
واحد مع اني اديتك الفرصة اكتر من مرة....
انتي مش حبا تعرفي حاجة عني ؟! ......"
قالت شهد مختصرة نظرتها للحياة وللعلاقات بالمجمل.........
"انا احب أعرف الشخص بعدد الايام والسنين مش من شوية كلام........لانها بتبقا أوضح واصدق...
من اي كلام هيجامل نفسه بيه.....فهمتني... "
4
اصابت الهدف مجدداً فتافف وهو يدير محرك السيارة....... "طلعتي ليا منين ياشهد....."
1
إبتسمت وهي تشعر بكل جزءاً داخلها يتجاوب
معه بمحبة........
"قولتلك انك انت اللي جتلي بنفسك......محدش نداك.... "
رد بمناكفة...... "وانا قولتلك منير نداني......"
2
هزت راسها يائسة......
"واضح اننا هنفضل نلف في نفس الديرة المقفولة........."
قال مستاءاً...... "انتي اللي عايزة كده......"
........................................................................
"دي صدفة عجيبة اوي ياخي.... معقول ده.... "
قالها سلطان وهو منهمك في تقطيع شيء
بالمنشار الحاد.......
هتف حمزة بتهكم والذي يستند على باب الورشة
يمسك سجارة بين اصبعه يدخن بها بشراهة.....
"مش معقول ليه هستنا إيه من واحد... حارم عياله
من ماله ومال امهم ومتبرتع هو فيه... وسيبنا احنا
ننحط في الصخر......"
قال سلطان برفق....
"ادعيلوا بالهداية ياحمزة دا مهم كان أبوك..."
مط حمزة شفته هازئاً....
"ابويا.....عدا وفات...... غير الموضوع...."
"مش لم تقولي الأول هتعملوا إيه مع بنت
عمتكم...." ساله سلطان وهو يمسح يداه
بقماشة مهترية.....
رد حمزة مستهجناً......
"وانا مالي صاحب المال هو اللي هيعمل... يرجعلها حقها.... ينصب عليها... ميخصنيش....."
اقترب منه سلطان بعدم رضا.......
"إزاي ياجدع دي مهما كان بنت عمتك... يتيمة وملهاش حد... دا انت لسه قايله ده بعضمة
لسانك......"
رد حمزة متململاً نافراً من الامر برمته......
"عايزني اعمل إيه.... احجر عليه مثلاً....هو حر
بشوقه بقا..... يعمل اللي يعلموا معاها... هما قرايب
يتصفوا سوا......"
تمتم سلطان بوجوم.... "غشيم وهتتعبني معاك....."
القى حمزة السجارة أرضا ودعسها بجذاءه
قائلاً بملل......
"انا جاي قعد معاك شوية... متقفلنيش منك...."
"ماشي ياسيدي ادينا سكت......"
ليقول حمزة بجنون..... "بقولك إيه انا ماشي......"
مسكه سلطان من ذراعه بتعجب....
"اي الجنان ده يابني انت راكبك عفريت......"
لم يرد حمزة بل ظل على حالة غاضباً يائساً...
مما جعل سلطان يناكفة قائلاً......
"جرالك إيه..... هي بنت عمتك حلوة لدرجادي..."
احتدت نظرات حمزة موبخاً.... "وانت مال أهلك....."
جز سلطان على أسنانه.....ورد عليه
بتحذير......
"احترم نفسك عشان مقلش منك......"
خبط حمزة على صدره متوعداً بشراسة....
"طب أحفظ لسانك......ومتلبخش....."
هز سلطان راسه مبتسماً بهزل....
"يابني انا اعرفها منين عشان البخ.... انا بسألك
انت..... اصل شكلك مش على بعضك كده وانت بتحكي عنها هي الصنارة غمزت......" اكتفى سلطان بغمزة ماكرة.....
فمط حمزة شفتيه متاففاً بقرف......
"غمزت أوي.....سيبني الله يخليك ياسلطان انا لسه مفركش وقرفان من صنف الحريم كلوا...... سلام...."
"ياجدع استنى اشرب كوبية الشاي حتى......"
لم يرد عليه بل استقلّ سيارته وانطلق بها سريعاً...
فضرب سلطان كف بكف متعجباً من حالة صديقة
والحالة التي تلبسته.........
.......................................................................
اثناء طريقة للرجوع وبالقرب من المنزل على طريق البحر......القى سجارته من النافذة جواره..... فانتبه
لمن تقف على الشاطئ تطعم الصغار من علبة حلوى
أوقف السيارة يتأكد من وجودها فهو ميزها بشعرها
الغجري الطويل......وبالفعل عندما مالت قليلاً برأسها
وهي تضحك ظهر وجهها بوضوح......
تافف حمزة وهو يخرج من السيارة ويسبها
بداخله....
على الشاطئ..... لوحت قمر بيدها للصغار ثم عادت جالسة على الرمال بثوبها الطويل الابيض والمطبع
عليه ورود من اللون الارجواني ......وضعت علبة الحلوى على ثوبها وبدأت تاكلها وهي تنظر الى
البحر وبينها وبينه مسافة لا بأس بها......
"هو انتي مش عندك حساسية برضو من الماية الملحة......." قالها حمزة وهو يجلس جوارها...
نظرت قمر اليه بدهشة ثم تلاشت دهشتها
بتدريج وقالت بحنق........
"شايفني بعوم انا قاعده على الشط......"
نظر لها حمزة بوجهاً مكفهر.....
"اي اللي خرجك من البيت أصلا...."
بررت قمر ببساطه.....
"زهقت...... يعني هقعد استناكم كله ده....."
صاح عليها بغضب مكتوم.....
"ما تتنيلي تستني...... تطلعي ليه انتي أصلا....."
احتدت قمر امام هذا التسلط الذكوري....
"ماتلم لسانك شوية انا بعرف أرد على فكرة...."
أردف حمزة هازئاً......
"ومردتيش عليهم ليه وهما سحلينك على
الأرض....."
قالت شهد بحمائية.....
"مين دول اللي سحلني انا محدش يقدر يسحلني......وبعدين انت كل شوية هتفكرني..."
اوما حمزة باستفزاز......
"لازم افكرك عشان تعرفي اللي ليكي ولي عليكي..."
تشدقت بقرف....... "يعني إيه....."
نظر لها شزراً......
"يعني تحترمي نفسك وتردي عدل ...."
احترق فتيل صبرها فحاولت تعنيفُ ....
"انا محترمة غصب عنك الـ......"
اوقفها بملل...... "ما خلاص انتي بلعه راديو......"
ثم نظر خلفها على الصغار الذين يلعبوا بالكرة
على الشاطئ.......
"كنتي لمه العيال دي حوليكي ليه.... بتفرقي حلاوة......"
ضحكة باستخفاف مشيرة للعلبة على
حجرها....
"هاهاها....... لا بديهم لقمة القاضي......"
"طب مفيش واحده للقاضي....."ابتسم حمزة وقد راقهُ المنكفة معها.....
2
هزت راسها بعناد...... "لا مفيش......"
مط شفتيه بقرف...... "هتطفحيه لوحدك......"
1
اومات ببرود...... "آآه عندك مانع......."
رفع حمزة حاجبٍ متعجباً...وتحدث بغيظ
مكتوم وهو يجز على أسنانه......
"انتي باردة كدا ليه يابت.... انتي قمر انتي... دانتي المفروض تتسمي سراب.... هلاك..... ضلمة... اي
يابت الرخامة دي......."
5
"والله مافي حد رخم غيرك.....".قالتها ببرود وهي تضع في فمها واحده من الزلابية بتحدي.....
ضرب حمزة على ركبته نادماً......
"والله انا غلطان....غلطان يارتني..... يارتني ماوصلتك... وسبتك على الطريق تغني ظلموه......"
مطت شفتاه بقرف....
"حاجة متوقعه من واحد زيك......"
نظر لها بزهوٍ قائلاً......
"مالوا اللي زي..... انتي تعرفي تقابلي زي تاني.. فوقي
ياضلمة انتي.... حمزة واحد بس......."
1
هتفت شاكرة..... "دا الحمدلله انه واحد بس......."
"هاتي واحده..... بقولك هاتي واحده......"حاول
حمزة اخذ العلبة بمناكفة....
1
فضربت قمر يده قائلة...
"قولتلك هاكلها لوحدي........"
أثناء المشادة بينهما وقعت العلبة على الرمال
جوارها وتغطت قطع الزلابية بالرمال........
"كده...... عاجبك كده......" نظرت قمر الزلابية
بحسرة....
قال حمزة متبرماً.....
"خلاص كُليها مش عايز......"
1
ترقرقت الدموع في عيناها....
"نعم.... بعد مانزلت عفي الرملة......."
نظر حمزة لها فوجدها عابسة الوجه...وعلى وشك البكاء بعد ان عكر صفوها......فقال بمشاكسة...
"خلاص بقا انتي هتعيطي......."
لم ترد عليه بل كتفت ذراعيها وظلت على صمتها
الحزين.....مما جعل حمزة ينهض من مكانه مشيرا
لها برحيل......
"طب قومي معايا......."
نظرت له بضيق...... "على فين ان شاء الله......."
قال بعبث...... "هصلح غلطتي......"
برقة عيناها بحدة....... "نعم........"
ابتسم وهو يخبرها بغمزة شقية.....
"هو اي اللي نعم..... قومي هاكلك أحلى لقمة قاضي
فيكي ياسكندرية.... دا حتى القاضي ذات نفسه
ملكلهاش......."
هزت راسها وهي تنظر للشاطئ باقتضاب.....
"مش عايزة......شكراً... "
زفر حمزة بقلة صبر.....
"قومي ياسراب... متقطعيش بعيشك......"
القت عليه نظرة عدائية......فضحك لعينيها
ودللها بصعوبة......
"بهزر........ قومي ياقمراية..... حلو كده....."
4
نهضت معه على مضض قائلة ببرود....
"ايوا كده كويس......."
اشار لها فسارت أمامه....فغمغم حمزة
بملل.....
"تموتوا في النفاق........."
7
بعد لحظات كانت تجلس في السيارة في انتظاره.... امام أحد المطاعم الشهيرة التي تعد افضل الحلويات الشرقيه... والذي كان مزدحم بشدة وقد اختفى
حمزة داخل الزحام.....
من كثرة الملل حاولت فتح المذياع ولكنها بالخطأ
اتكات على زر فتح درج معين بداخل الدرج رأت
صورة فضولها قادها لرؤيتها....
وكانت الصورة عبارة عن عروس جميلة ترتدي ثوب خطوبة تعانق ذراع حمزة بيدها وهي تبتسم للكاميرا بينما هو ينظر إليها بهيام وقصائد من العشق تروى من عيناه.........
اعتقدت بانها خطيبته.......لذلك وضعت الصورة مكانها واغلقت الدرج..... وهي تنظر من النافذة
لتجد حمزة يخرج من الزحام.... بشعر مشعث
وقميص مجعد ... وكانها خرج من معركة للتو...
نظر لعينيها بقوة فاجفلت...... الم تقل ان بريق عيناه
أخذ.......والأخذ يسلب كل شيء في طريقة !!.....
استقل مقعد القيادة واعطاها العلبة قائلاً.....
"عاجبك كده...... اديني اتبهدلت عشان خاطرك....."
ضحكت قمر وهي تفتح العلبة.. ثم أخذت
واحدة من الزلابية لتهمهم باعجاب....
"ممم....... الله دي حلوة أوي.......تاخد... "
رفض حمزة وهو ينطلق
بسيارة.....
"لا بتلزق ايدي مش عايز......."
حركت حدقتاها بملل....ثم مسكت واحدة
من الزلابية.......
"ياربي على الدلع..... افتح بؤك ياخفيف....."
فتح فمه بخبث........ "فتحنا......"
وضعته قطعة في فمه سريعاً...فمضغها حمزة
وهو يكشر عن أنيابه عابساً........
"انتي اتهبلتي بتاكليني في بؤي......."
لوت قمر فمها باستهانه.... "كُل وانت ساكت......"
نظر لها حمزة بقوة قائلاً بسطوة.....
"لا فوقي ياقمراية.... انا اكل واسكت بمزاجي مش بمزاجك انتي..... وبعدين انا مش عايز كُلي انتي
ونقطينا بسُكاتك......"
مضغت الزلابية باستمتاع وقالت...
"قطعت بعيشك......"
......................................................................
وصلت شهد للبيت مبكراً.....وعندما فتحت لها كيان
الباب قالت سريعاً....
"قمر مش موجودة......."
انصدمت شهد وهي تدلف للشقة....
"بجد..... مشيت....."
اجابتها كيان بشك....
"معتقدش......شنطتها موجودة جوا......."
سالتها شهد بتعجب....
"طب هتكون راحت فين يعني......."
هزت كيان كتفيها بحيرة..... "معرفش......"
في تلك اللحظات فتح الباب بالمفتاح...ودلف
حمزة وقمر خلفه....فتمتمت شهد بذهول....
"حمزة.....قمر....... كنتوا فين......"
رد حمزة وهو يضع المفاتيح جانباً.....
"شوفتها صدفة وهي قاعده على البحر فروحنا سوا......."
قالت كيان بغيرة...... "واي اللي في ايدها ده بقا....."
ردت قمر عليها بخجل..... "دي لقمة القاضي......"
ادعت كيان الصدمة وهي تسالها
بلؤم....
"بجد لقمة القاضي......ومين اللي جابهالك بقا......"
1
ردت قمر ببساطه..... "حمزة......"
مما جعل كيان تحتد تدريجياً وهي تنظر الى
اخيها والغيرة تحرق صدرها........
"ياحنين......بقالي اربعة وعشرين سنة معاك عمرك
جبتلي لقمة القاضي........ماشاءالله عليكي ياقمر
سرك باتع من أول يوم كده......"
تافف حمزة بتهكم......
"كيان بلاش هلفطه بالكلام انا داخل اغير هدومي......"ثم اتجه الى غرفته واغلق الباب خلفه.......
دبت كيان بقدميها بدلال.....
"مش قبل ماتجبلي زيها ياحمزة....اشمعنا هي...."
ضحكت شهد وهي تقترح بلطف.....
"ياكيان اهدي... لو نفسك فيها اوي كده هعملهالك
واحسن من برا كمان......"
دوى صوت الزغايد من خلف باب الشقة... فسالت
قمر بفتور..... "اي صوت الزغاريط دي......"
ردت شهد بابتسامة مغتصبة.....
"دي نجلاء جارتنا خطوبتها قربت.......فعشان
كده بيهيسوا.........عقبالك... "
بادلتها قمر الابتسامة ولم تعقب....فبادرة كيان
تقول بلؤم........
"نجلاء دي كانت خطيبة حمزة....بس سابوا بعض...
بس كانوا بيحبوا بعض اوي أوي على فكرة....."
سالتها قمر بهدوء...
"بجد.......طب وليه سابوا بعض...
اجابت شهد وهي ترمق اختها
بتوبيخ.........
"يعني محصلش بينهم نصيب......"
ثرثرة كيان كالعادة دون داعي.....
"بتبصيلي ليه ياشهد... ماتقوللها عادي مش بنت عمتنا...... هو سبها عشان مش معاه يجيب شقة.....وهي وامها مستعجلين..... "
علقت قمر متعجبة.....
"ازاي....دا خالي يملك عمارتين.....معقول ده.. "
اومات كيان بسخرية....
"معقول......يعني بكره تعرفي انه معقول...."
نظرت شهد لاختها نظرة قوية اخرستها....
ثم قالت لقمر..... "هدخل اجهز الغدى....."
قالت قمر بحرج......
"انا ممكن اساعدك....لو عايزة...."
اشارت لها شهد بابتسامة مرحة بان
تتقدم.........
"طبعا عايزة ......تعالي ساعديني لحسان انا هلكت في شغل المطعم........"
بدأوا يحضروا الطعام وهم يتحدثا في أشياء كثيرة
تخص حياتهم السابقة كنوع من التعريف عن الذات....وقد انضمت اليهم كيان رغم امتعاضها
من قمر.....إلا ان فضولها يقودها لتعرف كل شيء
عن ابنة العمة المجهولة.....والتي جعلت اخيها
من اليوم الأول يشتري لها الحلوى وينساها
هي !.......
في الغرفة ......
كان يقف حمزة امام النافذة يدخن السجارة بشراهة وصوت الزغاريد من الأسفل كان يصم اذنيه ويذبح
قلبه.....كان يجعل جسده ينتفض بغضب هائل...
بكرهٍ سائد....
يشمئز من كل لحظة خاصتها وحدها....من كل
حلم كان لأجلها......من كل لهفة كانت لها
وحدها.....من كل خفقة قلب كانت بقربها........
من كل لمسة يد كانت تشتهي جسدها......جسد
باع وقلب خان لأجل الفرصة الافضل......
فسلاماً على من باع الهوى ، فالهوى منهُ اكتفى....وسلاماً على من فر من الحب....فالحب
منهُ استنكرا.....وسلاماً على من استعبد قلوبنا
ثم هجرها....فـالـهجر منهُ تحرُراً.........وسلاما
سلاما دون رجعة يامؤذُونَ بإسم الحب...
........................................................................
بدأت تستدير يميناً ويساراً امام المرآة تتفحص عبائتها.... ثم رفعت الوشاح أعلى رأسها لتغطي
شعرها وتبدأ بلفها كما تفضل....
2
"جنة اي رأيك......"
قالت جنة بمحبة وهي تقف جوارها.....
"قمر ياديدا......خديني جمبك الف الطرحة......"
دخلت أميرة الغرفة عليهم....."خلصتوا يابنات....."
اومات داليدا برأسها وهي تستدير لها.....
"ايوا يلا بينا............."
فقالت أميرة وهي تخرج من الغرفة.....
"اسبقوني انتوا طيب لحد.....ماجيب شنطتي...."
تأبّطت داليدا ذراع جنة وخرجا للشارع وهم في
غاية السعادة.......فلفح الهواء وجه داليدا
فابتسمت بجذل.........وهي تنظر للسماء......
"تعرفي ياجنة انا بقالي قد ايه مشفتش الشارع.....
تقريباً من ساعة ماتجوزت..... "
قالت جنة بشفاة مقلوبة.......
"انا كل يوم في الشارع محاضرات من تمانية الصبح
مش حاجة عدله يعني......الحمدلله امي حنت عليا
ووفقت على طلعت المول ده......روحتي قبل كده..."
هزت داليدا راسها بنفي.... "أول مرة....."
همست جنة بخبث.....
"انا روحتوا مع صحابي.......من ورا أمي.... "
مطت داليدا شفتيها........ "ونعم التربية......"
5
لكزتها جنة ضاحكة...... "خليها في سرك......."
"في بير ياختي....."
ثم حانت من جنة نظرة على ورشة سلطان
فوجدته يقف مع امرأة امام باب الورشة.......
"هي مين اللي وقفة مع خالو سلطان دي....."
"دي ام دنيا......"قالتها داليدا باقتضاب وهي تنظر للمرأة بنظرة مقيمة.......كانت امرأة في منتصف
الثلاثينات من عمرها.......مكتنزة الجسد قليلاً
طويلة القامة عنها......ترتدي عباءة سوداء ووشاح
ملقي على شعرها الأسود الطويل باهمال.....فيظهر
نصف شعرها منه.......تلون وجهها بمساحيق
تجميل مبالغ بها.......لجذب انتباه أحدهم....وهي تعلم من هو.....فمن نظرتها نحو سلطان علمت انها تود الإيقاع به.........
فمن تلك التي قادرة على مقاومة رجلا مثله....بهالة الرجولة المحيطة به وجسده الرياضي الضخم...
والوسامة المشعة منه..... مؤكد يحرك مشاعرها....
ويدغدغ الاعماق بقربه.......
فكان سلطان يقف أمامها ببنطال مهتري.....وفنالة حمالات داخليه من اللون الكحلي.....تبرز ذراعيه
القويتين السمراء وصدره العريض بشعيراته السوداء......
بلعت داليدا ريقها بخجل...وكانها لا تنظر لزوجها
بل تنظر لرجل غريب لأول مرة تراه......حسناً انها
لم تتأمله يوماً بهذا الشكل...حتى عندما كانت
تزوره بالورشة كأبنة عمه الصغيرة المدللة.....
سمعت جنة تهتف بتجهم......
"ومالها عماله تدلع عليه كدا ليه.......انتي
هتسكتي.... "
نظرت الى جنة بدهشة...... "هعمل إيه يعني......"
هتفت جنة بغيظ وهي تدفع نظارتها
الطبية على عينيها أكثر......
"تعملي اي دا جوزك....دشملي يادليدا......"
نظرت الاخرى بتعجب..... "يعني إيه....."
هتفت جنة بحمائية......
"اي يابنتي انتي نرم كدا ليه.........دشملي يعني
اكسفيها.... اقصفي الجبهة خليها تحس على دمها
وتغور في داهية......."
ضيقت داليدا حاجبيها باستعداد بعد ان
اشتعل صدرها فجأه.... "انتي شايفه كده......"
قالت جنة بتوهج.....
"أمال إيه......هو انتي مش غيرانه ولا إيه....دا
جوزك.......دشملي يادليدا......"
3
قالت داليدا وهي تعطيها حقيبتها لتحملها
بدلاً منها......
"ادشمل....مادشملش ليه....اتفرجي بقا......
وتعلمي مني..... "
"قشطة......"قالتها جنة بابتسامة شيطانية
نظر سلطان للمرأة قائلاً......
"ان شاء الله هتكون جاهزة في اقرب وقت
ياست أمال...."
بصوت متغنج وبعينين مداعبتين.... قالت...
"متحرمش منك ياسطا سلطان........انت عارف انا بحب شغلك قد إيه......بس شرط اساسي...انت اللي تركبلي الدولاب بنفسك.....اصلي مضمنش.....حد
من صبيانك بصراحة........انت عرفني بقلق
بسرعه....
."
اوما سلطان بتفهم....
"لا متقلقيش انا اللي هاجي بنفسي اركبة...."
ثم نظر خلف أمال ليجد داليدا اتيه عليه
بوجه مكفهر....
"داليدا.... "
استدارت أمال تنظر الى داليدا بازدراء
مغمغمة بغل......
(بقا العيلة الهبلة دي.....تبقا مراتك انت......سيد الرجاله....... يتجوز حتة عيلة زي دي......اخييه....)
اقتربت داليدا من سلطان ووقفت بينهما فمسك سلطان كفها بحنو......
"مالك وشك مقلوب كده ليه..... انتوا خرجين
دلوقتي......"
"أيوا......" اجابة داليدا وهي تنظر الى أمال
بطرف عينيها ثم قالت باقتضاب.....
"أهلا يام دنيا........"
مطت امال شفتيها وهي ترمقها
باستهانة......
"أهلاً ياعروسة.......نسيت اقولك الف مبروك....."
عانقت داليدا ذراع سلطان وكما كانت جوار جحمه
الضخم..... امرأة صغيرة.....كأبنة شقية....او تليمذة مشاغبة......ثم قالت داليدا بوقاحة.....
"انتي لسه فاكرة..... دا احنا قربنا نجيب عيال...."
2
مالى سلطان عليها هامساً....
"مين دول اللي هيجيبوا عيال؟!......"
7
جزت على اسنانها قائلة.... "اسكت انت......"
أحمر وجه أمال بالحقد فقالت بابتسامة
صفراء.... "اهيه بجد.....طب الف مبروك......."
قالت داليدا بخبث......"الله يبارك فيكي......"
ثم نظرت الى سلطان قائلة بدلالٍ....
"سلطان ياحبيبي....انت نزلت الصبح وانا نايمة...
ليه مصحتنيش عشان احضرلك الفطار......"
رفع سلطان حاجباه بدهشة.....
"فطار؟!...... من امتى......"
مررت داليدا اصابعها على ذراعه قائلة
بتدلل.......
"اخص عليك ياسلطان....دا انا كل يوم بعملك
الفطار وباكلك بايدي......."
اوما سلطان ساخراً......
"لا والله.....بجد....وعلى كده كنت بأكل......"
4
جزت داليدا على اسنانها بغيظ من عدم مجارته
لها.... "طبعاً ياحبيبي بقولك من أيدي......"
استئذن سلطان من أمال وسحب داليدا
جانباً.....وقفا الإثنين داخل الورشة في
أحد الزوايا.....
"انتي بتهببي إيه ياكدابة........"
هدرت داليدا بغضب.....
"الولية دي مالها بيك.... بتبصلك كدا ليه....."
اجابها بقرف..... "ميخصكيش......"
هاجت وهي تهتف بغيرة.....
"ميخصنيش؟!... انا مراتك على فكرة وليه
حق عليك....."
نظر لشفتيها الشهية بغيظٍ ثم قال
متهجماً.....
"وانا كمان ليا حق عليكي....ولحد دلوقتي مخدتوش.....فبلاش نتكلم عن الحقوق عشان
محدش فينا قد للتاني حاجة......."
اشتعلت وجنتيها وهي تفهم مغزى حديثة....فغمغمت
بحزن....."بقا كده ياسلطان......."
اجاب بعناد....... "ايوا كده ياداليدا......"
لكزته في صدره بحرقة......
"واضح ان عجبك اللي بيحصل....عجباك صح...."
اوما لاغاظتها....... "أوي.......اوي بصراحة..... "
برقة عينيها بغضب وهتفت....
"اشبع بيها اولعه في بعض......"
حذرها بنفاذ صبر وبملامح تنبأ بشرٍ.......
"أقسم بالله كلمة كمان يادليدا وهحلف عليكي مانتي خارجة وهرجعك الشقة تاني وهقفل عليكي ويبقا حد يدخل بينا....... اي رأيك......."
"ماشي ياسلطان.....ماشي......"اخرجت انفاسها بعصبية مفرطة.....
فقال بخشونة امراً......
"متتاخريش.....سامعة.....تجيبي اللي عيزاه وترجعي......."ثم اخرج من جيب بنطالة مبلغ
مالياً وقال برفق......
"خدي دول......"
نظرت للمال ثم قالت ممتنعة.... "معايا فلوس......"
سحب يدها ووضع المبلغ بكفها واغلق عليه بيده
قائلاً.......
"عارف.... بس يمكن الفلوس تقصر معاكي... خليهم زيادة......"
اومات براسها على مضص.....فقال برفق.....
"إشتري اللي نفسك فيه ولو عوزتي حاجة كلميني......وفردي وشك ده......"
1
مسك ذقنها.... فابعدت يده عنها حانقة....
"ملكش دعوة بيا....."
نظر خلفها ثم عاد إليها قائلاً....
"طب يام بوز....... يلا عشان اميرة بتشرولك........"
بدأ يجذب اطراف حجابها قليلاً من الإمام
حتي يغطي برزو نهديها...الذي يظهر من اسفل العباءة بحياء.......ابعدت داليدا يدهُ قائلة
بخجل....
"بتعمل إيه ياسلطان........ "
نظر لها بملامح مكفهرة.....قائلاً بنخوة....
"ليه مش مطولة الطرحة عن كده....."
نظر داليدا للوشاح ثم عادت إليه
باستياء....
"دا آخرها......وبعدين العباية واسعة.... زي
ماطلبت..... "
سحب مجدداً أطراف الوشاح....فقالت داليدا
هاربة منه.......
"بس بقا أختك وقفه......سلام......"
نظرت اليه نظرة اخيرة ثم ابتعدت....اما هو فظل واقفاً يلاحقها بعيناه حتى اختفت عن مرمى
ابصاره......
عندما وصلت الى اميرة وابنتها......استقبلتها
اميرة حافلة......
"كل ده رغي.... بتحبوا في بعض.... يلا اتأخرنا......."
قالت داليدا بسخرية مريرة....
"معلش اصل احنا بنموت في بعض....."
سارا معاً في الشارع جوار بعضهم.....فقالت أميرة
لها بمحبة.......
"ياختي ربنا يخليكم لبعض.......ويزود محبتكم
لبعض كمان وكمان..... "
اكتفت داليدا بابتسامة عابرة بينما داخلها
غمغمت سراً....... "اكتر من كده هنموت بعض......"
....................................................................
في المساء.....
2
في غرفة النوم والتي يبيت فيها سلطان...
وقفت امام مرآة الزينة فهي تفضلها لكبر حجمها
عن المرآة الموجودة بغرفة الأطفال......
لانت شفتيها في إبتسامة تشع زهوٍ وسعادة وهي تجرب احد قمصان النوم الحريرة...والتي اصرت
أميرة ان تشتريهم لها من ضمن المشتريات
الكثيرة التي اقتنتها.......
كان القميص قصير من اللون الأبيض الامع كالقمر في تمامه تضوي معه......يكشف عن الكثير ويخفي مفاتنها
باغراء........تترك شعرها الكثيف الطويل ينسدل
على ظهرها بنعومة........
بدأت تمرر يداها على خصرها المنحوت راسمه بعينيها جمال جسدها بهذ القميص القمري......
لم تنتبه قط...للباب الذي فتح والضيف الذي اقتحم
غرفته ينادي عليها بملل......
"داليدا....... الآكل انا جعااان......داليـ.... "
توقفت باقي الكلمات في حلقه وقد تبدلت ملامحه المتجهمة دوماً الى اخر شديدة التعجب...وكانها
اثارت دهشته.....بهذا القميص......
شعرت انها عارية امام نظراته المشدوهة والمثبتا عليها.....فبلعت ريقها وهي تبحث بعينيها عن شيءٍ
يسترها لكنها لم تجد....مما زاد توترها......
تكلم سلطان أخيراً وعيناه ضائعة في تلك الفتنة المتحركة أمامه...والتي تفتن قديس دون تردد
وآحد........فماذا عنه هو !!......
"انتي بتعملي إيه هنا......."
تلعن حظها الأسود وهذا الموقف بأكمله.....
"أنا....انا كنت بغير الهدوم اللي جبتها....مراية التسريحة هنا اكبر واحسن..."
انتظرت رداً منه...انتظرت كثيراً لكنه لم يرد ولم يرحم خجلها ظلت نظراته القوية قائمة بينهما...بل
وتبدلت بومض غريب....لأول مرة تراه في عيناه...
فتلجلجت قليلاً لتقول...وهي تنوي
الفرار منه.........
"انا هغير هدومي وهحضرلك الغدى......"
اقتربت خطوتين فتقدم هو أربعة خطى حتى وقف
أمامها ولفح وجهها بانفاسة الساخنة.....
انتفض قلبها بين اضلعها وازدردت ريقها عدت مرات
بتوجساً وهي ترفع عينيها بتردد.......
2
"لسه زعلانه......."
فغرت داليدا شفتيها بعدم استيعاب وهي لا تفهم ماذا يقصد........
فمد سلطان يده يرجع خصلاتها باصابعه وكانه يختلق اي شيءٍ ليلمسها !!.....
"انا كنت بتكلم معاها في الشغل......"
هتفت داليدا بتوجس بينما حدقتاها تسير مع اصابعه المتسللة بين خصلاتها... "طالما شغل خلاص.... "
ازدادت ملامسته الى وجنتها الطرية وعنقها
الناعم.... "يعني مش زعلانه......."
2
قالت بتلعثم محاولة الهرب....
"لا...... انا هروح ا..... احضرلك الغدى......"
همس بحرارة....... "مش جعان......."
سارت حدقتاها مع اصابعه بخوف......
"بس انت لسه قايل انك جعان......"
"شبعت......"
بلعت ربقها وهي ترى اصابعه تسير على خطوط شفتيها ترسمها كما كان يرسم وجهها وعنقها منذ ثواني......همست داليدا بضعف......
"سلطان........"
مالى عليها هامساً برجاء حار....حارٍ جداً...متأجج
بجنون........
"عايز اخدك في حضني....عايز المسك ياداليدا..."
اغمضت عينيها وقد ذأبت... ولم تتوقع ان يذوب جسدها وقلبها مع طلبه....
لتجده يحيط خصرها الغض بكفيه الصلبتين القويتين... ثم قربها أكثر اليه حتى تلامست اجسادهما لتجده يميل عليها ويدفن وجهه
في عنقها يشتمها بقوة ويضمها اليه أكثر من ذي قبل......وكأنه يود مزجها مع اوردته..... وكانه
يريدها ان تلامس قلبه النابض بجنون الان
بقربها...
يراها آخر وردة في أرض قاحلة.....يراها اخر نسمة
هواء تمر في صيفٍ حار......يراها آخر قطرة ماء
تمر على جوف ظمئاً......... يراها الحياة...سقاء
آلروح..........
ضمها اكثر اليه يمرمغ وجهه في جيدها مشتم عطر
الجوري من خلالها.... يبرهن الآن انها امرأة معجونة بالورد !!.....
"سلطان......."
همست داليدا بضعف وهي تجد يداه تنحدر لمفاتنها تلمسها بتأني وكانها تكتشفها بطريقة اخرى....
"سلطان... ابعد عني......."
ابعد وجهه عن جيدها بصعوبة... ثم.... ثم نظر اليها
وعيناه تحمل ألق جديد وهو ينظر الى شفتيها
برغبة متأججة داخله منذ ان أصبحت زوجته
وحلالاً له.....
"سلطان....." قالتها داليدا بخوف وهي ترى عيناه
متعلقه بشفتاها الشهية......
"انا...... انا عايزك يادليدا......"
وقبل ان تترجم ماذا يريد...... وجدت شفتيها تختفي
بداخل فمه........ لتشعر بدفئ يسيري في جسدها
بينما انفاسه تعانق انفاسها فاغمضت عينيها ولم تقاوم او تعترض... وكانه خدر حواسها وهزم اي مقاومة داخلها.......
حتى ازدادت قبلاته نهم ولمساته جرأة لم تعهدها
منه يوماً....... وهي لم تقاوم لم تعترض فقد كانت في حالة من النشوة المستجدة معه........
لتجد ظهرها يرتاح على الفراش وهو معها يتذوقها
بنهم....... تسير شفتيه على ملامحها بشغف وكأنه
يرسمها بشفتيه....... بلسانه... باسنانه التي تدغدغ
عنقها بين الحين ولاخرى......فكان يداعبها
بحبٍ....فتذوب معه برضا تام...وكانها ليست
مرتهما الأولى....وكأنهم فعلاها قبل ان يأتي
للحياة......
لا تعرف لكنها شعرت انهم ليسوا اغراب....ليسوا مختلفين ولا حتى يجمعهما خلاف واحد....
كانوا في الفراش متفاهمين يكملون بعضهما...وكانه
الكمال الافضل على الإطلاق.........
شعرت انها تضيع اكثر من الازم.... فالقبلات والملمسات ستتحول الى علاقة كاملة..... وهي
غير مستعدة وهو غير واثق مما يحدث بينهما
ربما رغبات تحركهما تدمغ اجسادهم ببعضها
بجنون..... لكن من المستحيل ان تتبدل النقطة السوداء داخلهما لأبيض قمري........كالقميص
الذي هزم كلاهما وجمعهما في فراش
واحد.....
لا تعرف كيف دفعته وهربت الى غرفتها تغلق بابها
عليها بخوف بينما صدرها يعلو ويهبط بجنون وكانه
في سباق لا نهاية له..
اطرق سلطان على باب الغرفة بجنون وهو يهتف
بصوتٍ متحشرج......
"افتحي ياداليدا.....افتحي نتكلم......."
قالت داليدا بصعوبة....
"لا مش هفتح ياسلطان........وابعد عني......"
ضرب سلطان الباب بغضب.....
"داليدا انا جوزك وليا حقوق عليكي......"
سالته بحنق...... "يعني إيه......."
"يعني انا عايزك.... محتاجك......أفتحي......"قالها بحرارة فشعرت بان الجملة تلامس جسدها الذي ارتجف بتجاوب........
مما جعلها تدعي الغضب قائلة.....
"لا انا مش آلة للمتعة.......وبعدين انت مش قولت
انك قرفان مني سبني في حالي......."
ضرب على الباب مجدداً بغضب
متأجج...
"إفتحي ياداليد....عشان مكسرش الباب على دماغك......."
هتفت داليدا بتوعد........
"والله لو عملت كده هصوت... وخلي اهلك بقا
يطلعوا على صوتنا....وقولهم انت عايز إيه......"
ضرب سلطان على الباب عدت مرات
بغضب...
"ماشي ياداليدا.....ماشي......."
1
عندما شعرت ان تهديدها اتى بنفع وقد ابتعد بالفعل عن الباب.......اغمضت عينيها بتعب وتركت جسدها يهوى أرضاً خلف الباب المغلق......
....................................................................
كانت ممدة على أحد المقاعد امام مسبح الفيلا الخاص بوالدها.... ترتدي ثوب السباحة وتغطي
ساقيها بالمنشفة...... تقوم بدهن كريم على كتفيها
وذراعيها وهي تسمع احد الأغاني الغربية الصاخبة والتي تسب في الحبيب الخائن.....
هذا الذي لفت انتباه (شادي)ابن خالتها..والذي اتى للتو من الخارج في زيارة سريعة لها...وقد رآها
على هذا الحال ، منزعجة عابسة تسمع موسيقى صاخبة تتضمن كلمات حاقدة غاضبة.....
"مين دي يابيبي اللي خانك معاها......"
انتبهت ايتن اليه من أسفل نظارتها السوداء...
والتي نزعتها بعبث.....
"شادي.... امتى جيت......"
"من شويه مالك ياتوتا.....مش في المود يعني...."
جلس شادي في المقعد المقابل لها....وكان شاب وسيم الى حد ما يتمتع برفاهية المطلقة...والتي تظهر من خلال ملابسة العصرية ، ببنطالة الجينز الساقط عن خصره قليلاً....و الكنزة ذات الازرار المفتوحة مستعرضاً صدره..... وسلسال ذهبي
معلق في عنقه .... وقصة شعر غريبة الاطوار
...وحاجبين تم رسمهما بمهارة كالنساء.....ومع
كل ذلك وشوم مبالغ بها على عنقه وعلى ذراعه برسمات مريبة......
6
علينا ان نقول انه شخصاً يتمتع بحرية الاغراب
تلك الحرية التي ينفر منها كل شخصاً سوي....
هربت ايتن من عيناه قائلة......
"ا No....عادي...I'm fine........(انا بخير..) "
زاد الالحاح وهو ينظر اليها.....
"مش باين.......هو سليم زعلك ولا إيه......"
زفرة بضيق وهي تخبره على مضض....
"حسى انه مشغول بالبنت اللي شغاله معاها في المكتب.......شكا فيهم ياشادي......."
سالها بحاجب ماكر....... "هي حلوه......"
"ا...No....." ثم نظرة لشادي قليلاً....ثم قالت
باختناق........
"ا yes.....حلوة.....وشكلها بتحاول تاخده مني....."
ابتسم شادي هازئاً......
"ارسي على بر يابيبي بتحاول تاخده منك...ولا في حاجة بينهم......."
نظرت للسماء وهي تشعر انها تحترق كلما
فكرت بوضعهما........
"مم I don't know ياشادي.......دا اللي هيجنني...
بس سليم متغير معايا أوي........"
لوى شادي شفتيه وبنظرة مزدرية أخبرها.....
"واي الجديد ماهو علطول متغير.....دا راجل معقد
مينفعكيش يايتن.....جوازك منه هيحرمك من كل
متع الدنيا.....وقريب اوي هيبعدك عني وعن صاحبنا
فكري يايتن....سليم ده قفل وبيئة.......وانتي كتير
عليه........."
اومات براسها وهي تتنهد بولة.......
"عارفه بس انا بحبه....شادي بليز... بليز....I want to help....."
4
نظر اليها مقطباً بتساؤل....
"مش فاهم اساعدك ازاي......"
مالت ايتن عليه تمسك يده قائلة بدهاء.....
"تحاول تقرب من البنت دي....وتبعدها عن سليم...
بليز ياشادي.......انت شاب وسيم وكول...غني..
والبنات اللي من النوعيه دي بيجروا ورا الشباب
اللي زيك.... "
ابتسم شادي بدناءة قائلاً بتطوع......
"اوكي يايتن انا موافق اهو اتسلى شوية.... بس اشوف صورتها الأول يمكن متعجبنيش....."
"استنى....هي عند سليم من الفريند....."مسكت ايتن هاتفها سريعا تبحث عن صفحة كيان عبر الفيسبوك.......
وعندما وجدتها اعطاته الهاتف قائلة
بسرعة....."اهي ياشادي هي دي......."
اخذ شادي منها الهاتف سائلاً.... "إسمها إيه......"
قالت بتململ........ "كيان....."
نظر شادي للصورة بأعجاب.....
"واووو..... اسمها مميز....... وشكلها يفتح النفس..."
ابتسمت ايتن بارتياح وهي تومأ براسها
ببساطه.....
"اعمل اللي انت عايزة.... المهم تبعدها عن سليم..."
أبتسم شادي بلؤم وهو يعطيها هاتفها....
"اوكي... اعتبريها معايا.. وحلال عليكي حبيبك
القفل .... وحلال عليا كوكي........"
2
اومات ايتن بابتسامة شيطانية وهي تمد
كفها له......... "اتفقنا......."
1
فبادلها شادي الابتسامة بمنتهى الثقة والمكر.....
ثم بادلها المصافحة.......بإتفاق موثق بينهما.......
.......................................................................
نظراته تلاحقها بقوة.... تشعرها بأنها عصفورة جميلة من فصيلة نادرة.... ترفرف حولة بخفة بين الحين والاخر فتجذب الأنظار إليها اينما ذهبت......
وضعت ( كيان) فناجين القهوة على سطح المكتب وهي تتجه امام عيناه الثاقبة الى المكتبة الكبيرة لتاخذ أحد الكتب القانونية التي تستعين بها عند الوقوف عن حل قضية معينة يكلفها بها( سليم).....
فقال أحد الموكلين المشارك سليم الجلسة....
"احضرينا يا استاذة......."
استدارت له كيان وهي ترتدي نظارة طبية عند القراءة...... فاحياناً الخط في الكتب صغير وغير
واضح........
رفعت نظارتها فوق شعرها وتقدمت منه بخطوات هادئة وكانت ترتدي طاقم عملي غاية في الأناقة
عليها....... وتعقد شعرها للخلف في كعكة رغم فوضويتها الا انها جذابة جداً عليها......
جلست امام الرجل سائلة... "خير يا وفيق بيه......."
قال الرجل الذي يشع ثراء......سواء بالحلة الفخمة
او ساعة اليد ذات الماركة الغالية......
"عامل ياستي حفلة على شرف المتر... بمناسبة القضية اللي كسبهالي....... فعامل يماطل... ومش راسي على حل......." تابع مبتسماً.......
"عايزك تقنعيه.... لانك انتي كمان معزومة معاه..."
فغرت كيان شفتيها ثم قالت ممتنعة....
"انا.... لا مش هينفع خالص......."
نظر الرجل لها بتعجب.....
"جرالك ايه ياستاذه... دا انا بقول انتي اللي
هتقنعيه... تقومي انتي كمان تقولي لا....."
تدخل سليم قائلاً بصوتٍ رخيم.....
"سيبنا نفكر ياوفيق بيه.....ويومين بظبط
وهرد عليك..... "
نهض وفيق واغلق أزرار السترة قائلاً....
"هكون مبسوط لو وفقت....دا مش هيبقا اخر
تعامل بينا......"
بادله سليم السلام قائلاً... "ان شاء الله شرفتنا......."
ثم نظر لكيان قائلاً.......
"وصلي وفيق بيه ياكيان......."
اومات كيان بانصياع...فرفض الرجل برفق....
"خليكي مكانك ياستاذة...انا عارف السكه
سلام عليكم........"
خرج الرجل من المكتب....فجلست كيان في
مكانة تسأل سليم بدهشة.....
"انت فعلاً هتروح الحفلة...ولا بتقول كده
وخلاص...."
عبث في القلم بين أصابعه.....قائلاً بوجوم.....
"فيه حاجة في الشغل اسمها كده وخلاص...هو
احنا بنلعب........"
توسعت عينيها فازداد بريق فيروزيتاها وهي
تساله.... "ايوا يعني انت هتروح......."
"اكيد وانتي هتيجي معايا......"هز رأسه بينما
عيناه تلتقط كل تغيرات ملامحها...فسبحان
الخالق وجهها يعبر قبل ان تصرح بما يجول
بداخلها........
قالت كيان بامتناع......
"مستحيل ياستاذ......محدش في البيت هيوافق..."
بصوتٍ رخيم اخبرها........
"حولي تقنعيهم.....اهو نغير جوا.......اي رأيك...."
قالت ببراءة متمنية......
"هو انا نفسي أروح حفلة....زي اللي كنت بشوفها
في المسلسلات التركي والكوري...بس......"
توقفت عن الحديث..... فتافف سليم سائلا
بفضول.......
"يادي المسلسلات اللي لحست مخك....بس إيه...."
مطت شفتيها....... "مش هيوفقوا......"
قال بحاجب معقود..... "هو انتي لسه قولتلهم........."
هزت راسها قائلة بثقة.....
"من غير ماقولهم.....انا عارفه حمزة وشهد...مش هيرضوا......"
"وانا قولتلك حولي مش هروح من غيرك....."قالها
باصرار شديد........جعلها تخجل عنوة عنها.....
وقالت بتلعثم......
"ليه انت ممكن تروح مع ايتن خطبتك....على
الأقل هي فاهمه في الحاجات دي أحسن مني....."
تعمق في النظر لفيروزية عينيها وهو يقول
بجدية شديدة.......
"بس هو معزمش ايتن....هو عزمني انا وانتي...
وبعدين الحفلة دي اكيد هيكون فيها شغل وتعاملات
ولازم تكوني موجوده....اهوه تكسبي خبرة.....في التعامل مع الطبقات دي......."
ثم رجع بظهره لاخر المقعد قائلاً باعجاب.....
"انا متنبأ انك هتكوني محامية شاطرة ياكيان...."
ابتسمت كيان ابتسامة تقطر عسلا....
"بجد يااستاذ........ دي شهادة اعتز بيها......"
بادلها الإبتسامة قائلاً بحزم.......
"اعملي حسابك هنروح الحفلة سوا.....حاولي
تقنعي اخوكي واختك......"
اسبلت اهدابها بقلب يخفق بشدة.....
"هشوف يارب يرضوا......."
......................................................................
ترجلت من سيارة الاجرة في حي سكني راقي......
وامام منزل كبير يحاط بحديقة داخلية.....
وقفت امام الباب فاوقفها البواب المخصص
لحراسة هذا المكان....
"عايزة مين ياست........."
نظرت له شهد بهدوء قائلة....
"الحاجة نصرة... في بينا شغل.... وهي كانت مستنياني النهاردة عـ......"
اوقفها الرجل قائلاً بتذكر..... "انتي الست شهد......."
اومات براسها بنعم.... ففتح الرجل البوابة الكبيرة مشيراً لها بدخول.....
"اتفضلي ياست شهد..... الحاجة مستنياكي من بدري......"
خطت شهد بقدمها اليمنى عتبة الباب الحديدي... وهي تخفض عينيها لترى أول خطوة من هذا البيت
ارضية مصقولة...... ممتده الى بوابة البيت
الزجاجية بافرع حديدية مزخرفة....
سارت في الحديقة وعيناها تتفحص المكان... كانت ساحةٍ خضراء جميلة تسر العين بها بعض الأشجار
ورقعة أرض بعيدة تحتوي على الأزهار.......
رغم جمال الحديقة إلا ان اصحابها كانوا مهملين بها
فالزرع وخضار العشعب ليس بحالة جيدة...كان
باهتاً لا حياة به........
ابتسمت بحزن لطالما تمنت في صغرها ان تحظى بحديقة مثل تلك ترعى الزرع وتسقي الورد
وتقص الأشجار.......كانت تحب السلام والهدوء من يومها لكنهما لم يحبوها أبداً فعاشت العكس...حتى
تهشم قلبها قبل ان يحيا كالجميع.....
اصطحبها البواب الى داخل المنزل..... فقالت في سرها......
"ما شاء الله......."
وكانها بداخل سرايا الملوك..... كان المنزل رائع فخم
واسع يلمع من شدة جماله...... عكس الحديقة الباهته
يبدوا ان الاهتمام الأكبر للمنزل الضخم........
انتبهت بانها في الردهة حيثُ ابواب كثيرة وسلم ممتد امامها بسور خشبي يلمع بشدة..... مؤكد انه يوصل لغرف النوم كما ترى في المسلسلات
العربية الاصيلة......
أسبلت جفنيها ثم عادت الى الرجل الذي اتى
عليها قائلاً....
"انا بلغت الست الكبيرة بوصولك..... وهي جايه
حالاً....."
ثم تركها تقف مكانها في منتصف الردهة !....
فوقفت مكانها متخشبة........تحرك حدقتاها يميناً ويساراً.... متأمله سراية المماليك.......
"اهلا وسهلاً....أهلا وسهلاً......"
حركت شهد راسها نحو الصوت المنبعث من
الجهة اليمنى.......لتجد امرأة قاعدة على مقعد
متحرك اكتروني.......ترتدي عباءة بيضاء ووشاح
مماثل...تشع بشاشة ونقاء وايمان تراه من النظرة
الاولى......من يراها هكذا يظن انها عادت من
مناسك الحج للتو لذلك وجهها مشع بالإيمان
والرضا..........
سريعاً فهمت انها (الحاجة نصرة...)جدة عاصم الصاوي.....لذلك تقدمت منها قائلة بحياء....
"أهلا بيكي ياحاجة.....انا شهد......"
نظرت لها نصرة بحنان وقالت باعجاب.....
"بسم الله ماشاء الله..... تبارك الخالق.......اسم على مسمى......عاملة اي ياشهد......"
اومات شهد بحرج وهي تمسك حزام حقيبتها كنوع
من استمداد القوة بعد تعليق السيدة...... الذي اخجلها
بشدة........ يبدوا ان عائلة الصاوي صريحة في
التعبير عمَّ يرون.......
"الحمدلله.... ازي حضرتك......"
"بخير يابنتي تسلمي.....تعالي نقعد جوا... عشان نتكلم براحتنا......."
اتجهت السيدة بمقعدها المتحرك الى الصالون ورفقتها شهد....التي شعرت بالحرج والتوتر بشدة
فهي لم تقدم على زيارة الغرباء والدخول الى
منازلهم........
جلست شهد على الاريكة واخرجت من حقيبتها
دفتر وقلم وسألت السيدة.....
"اي الاصناف اللي حبا تعمليها في اليوم ده....."
انعقد حاجبي نصرة بتعجب... وقالت بتمهل...
"انتي مستعجلة كدا ليه..... انا لسه مسالتكيش.... تشربي ايه......."
رفضت شهد بحرج...... "لا..... ولا حاجة......"
اقتحم عاصم المكان قائلاً بخشونة....
"إزاي ولا حاجة انتي مفكرانه بُخله ولا إيه...."
الأمر لا يحتمل وجودك أيضاً...... الرحمة.....
5
خفق قلبها بشدة وهي ترفع عيناها عليه تلقائياً....
فابتسم وهو يتأملها.... فكانت مختلفة أليوم عن
كل يوم قابلها فيه.....
كانت ترتدي بنطال جينز وقميص أزرق وتلملم
شعرها للخلف على شكل ذيل حصان.....دون ترك
اي خصلات متناثر على جبهتها......
4
أخيراً راى الجبهة المشدودة ناصعة البياض... فاكتملت ملامحها لعيناه...... جميلة سواء الان او قبل ذلك حقيقةٍ كل شيء يليق بها يلائمها بشدة وكانه خلق لها وحدها....
حتى شهد نظرت اليه نظرة خاطفة... فكان وسيم
بشدة بطاقم الرياضي البيتي....... والذي برز عضلاته وصلابة جسده......باستثناء قامة جسده فهي واضحة دوماً وتربكها بشدة.....كان مصفف شعره الاسود الغزير للخلف.......فكان يلمع بشدة......
رجل نظيف يلمع ويليق بأن يكون مالكاً لسراية الملوك الواقفين على ارضها الآن.....
انتبهت نصرة لنظرات حفيدها المشعة بالهفة والسعادة لرؤية الطباخة.... الاتية عن
طريقة !!....
كيف وقع بهذه السرعة... وهي التي ظنت انه
سيعود الى رُفيدة عن قريب ؟!.....
"قولها ياعاصم.......لحسان انت عرفني مبحبش
أعيد كلامي مرتين..."
اقترب عاصم منها فنهضت شهد سريعاً فمد يده
لها قاصداً السلام.......
"نورتي المكان......."
بلعت ريقها وهي تنظر لكفه ثم....للجدة التي تتابع مايحدث بفضول.....
فعدت شهد من واحد لخمسة بقلة صبر ثم
وضعت يدها بيده..... وعند الملامسة ارتجفت
فأبتسم.....وتبدلا النظرات....
قالت نصرة بخبث....
"برضو مقولتيش تشربي إيه ياشهد......"
سحبت يدها من كفه المطبق عليها...ثم نظرت
للسيدة قائلة......
"ممكن شاي......"
تدخل عاصم مهتماً......
"شاي إيه....إحنا يعتبر لسه على الصبح...هجبلك عصير....ماشي....تحبي نوع معين....."
عضت على باطن شفتيها وهي تخبره
بصعوبة.... "لو في برتقان تمام........"
ابتسم مداعبها بالكلمات.......
"لو مفيش نجيبوا......دا انتي أول مرة تدخلي بيتنا......"ثم نظر للجدة التي تتابع ما يحدث
بفم مفتوح......
"ولا اي ياحاجة......."
4
قالت نصرة سريعاً......
"طبعاً طبعاً.....احنا لازم نكرم ضيوفنا.....هنية
هنية......."
اتت الخادمة سريعاً بعد النداء.... ثم ووقفت
امامهم قائلة باحترام.....
"اوامرك ياست الحاجة......"
اشارت نصرة وسبحة بين يدها......
"اعملي عصير برتقان.......وقدمي للضيفة......"
اومات الخادمة وهي تسأل عاصم بأدب....
"اجيب حاجة ليك يابيه مع العصير....."
"لا...هاتي العصير فرش......"ثم نظر لشهد
سائلا بحنان......
"تحبي اجبلك تفطري......"
اتسعت عينا شهد وكذلك نصرة...فقالت شهد
ممتنعه بسرعة.......
"لا طبعاً.... انا فطرت الحمدلله......"
1
أومأ عاصم باستياء من خجلها المبالغ فيه....
ثم قال للخادمة.......
"خلاص خليها عصير بس.......بسرعة ياهنيه...."
"من عنيا يابيه....."ثم هرولت الخادمة للخارج
تلبي طلبه.........
عادت شهد جالسة مكانها بحمرة خجل صارخة....
بينما جلس عاصم جوارها على الاريكة تاركاً مسافة بينهما.. فانكمشت شهد بحياء....وشعر هو برجفة جسدها دون ان يلمسها.......
فتمالكت شهد اعصابها المشدودة...ومسكت الدفتر
والقلم وعادت تسأل الجدة مجدداً.....
"لسه معرفتش اي الاصناف اللي حضرتك عيزاها...
ينفع تعرفيني عشان اسجل كل حاجة هنا ومنساش........"
"برضو مستعجلة......."قالتها نصرة وهي تنظر الى حفيدها بلؤم لتجده ضائع مع الجميلة مشدوهاً...
فالواقع كان مشدوهاً ولكن ليس لأجل جمالها فهو مشدوهاً من أول يوم وقعت عيناه عليها.....
بل هو مشدوهاً الآن بما رآه في اذنها اليمنى الجالس بالقرب منها......والتي يراها بوضوح دون خصلات متناثرة تجحب عنه الرؤيه.....
لذلك كانت كانت تغطي جبهتها واذنيها بتلك
الخصلات المتناثرة ؟!........
لا يعرف مالذي حدث له...لكن قلبه.....قلبه احترق...
المه بشدة....كيف لهذا الجمال ان يكون ناقصاً....
2
وكيف ترى هذا مانع للجواز.......فهو الان بدأ في
ربط الاحداث ببعضها.....مستنتجاً رفضها
المبهم منذ أيام........
ظن ان المانع هو ضرر بسيط في الأذن لا يعرف ان العيب ضرر كبير في آلروح وان ماتراه العين صورةٍ
مشوشة.......
نظرت اليه شهد وقد انتبهت لنظراته فشعرت بالحرج
وهي تخفي اذنها باصابعها بحركة عشوائية بلهاء.....
اتت الخادمة بالعصير ووضعته على الطاولة
أمامها.......
فقالت شهد للجدة مجدداً وهي تستعد للكتابة...
" فكرتي حضرتك بالوصفات اللي عيزاها.... "
أكدت نصرة قائلة بإبتسامة......
"آه طبعاً...... اكتبي عندك......"
سحب عاصم الدفتر منها والقلم ثم مسك كوب العصير قائلاً.......
"اشربي العصير الأول وبعد كده يحلها الف
حلال....."
4
احتدت نظرات شهد عليه وقد خرجت عن
صمتها....
"ممكن تديني القلم والدفتر.... لو سمحت....."
أمرها عاصم...... "اشربي العصير الأول....."
جزت على اسنانها..... "مش عايزة هو بالعافية......."
تدخلت بينهما نصرة بطيبة.....
"جرالكم إيه ياولاد هتتعركوا سوا... عاصم عنده حق ياشهد اشربي عصيرك وبعدين نتكلم....."
صدح الهاتف الارضي فاتجهت اليه نصرة بمقعدها
ثم رفعت السماعة على اذنها وقالت بعد ثواني بسعادة........ "دي علا......"
قال عاصم بابتسامة دافئة.... "سلميلي عليها......"
اندمجت نصرة في الحديث مع حفيدتها...
فقال عاصم بضيق......
"هتفضلي تبصيلي كتير....."
نظرت له شهد بغيظٍ.....
"انا مبحبش حد يتحكم فيه... او يغصبني على حاجة......"
مط عاصم شفتيه وهو يشعر انه يجاهد لاقتحام
قلب صنع من حجر صلب........
"وفين الغصب ده...دي كوباية عصير..... امال لو قولتلك نتغدى سوا النهاردة...."
امتنعت بتزمت..... "مستحيل طبعاً....."
قال برفق وهو ينهال من عسليتاها....
"مش هنا..... يعني في اي مكان برا... اي رأيك...."
رفضت مجدداً...... "لا..... ياعاصم......"
سألها بعتاب...... "ليه ياشهد.......انتي بتقفليها ليه
في وشي...."
قالت شهد متعجبة من سرعة مايحدث
بينهما....
"انت متعرفنيش غير من شهر واحد......"
رد عليها بجدية شديدة......
"في حاجات لا بتتقاس بعدد الأيام ولا الساعات..."
ردت ممتعضة.... "أمال بتتقاس بأيه...."
"طالما سألتي....يبقا الإجابة ملهاش لازمة.. " قالها وهو يبتعد عن عيناها حانقاً.....
فعندما رأت عيناه متجهمتين....مسكت الدفتر والقلم مجدداً وخطت بيدها شيءٍ ثم اشارت اليه كي ينظر الى دفترها......فنظر وجدها كتبت ببساطه.....
(انا خايفة......)
اخذ القلم منها وكتب دون تردد.......بخط
الرقعة المميز........
(انا جمبك ياشهد.......)ثم اسفلها كتب.....
4
(اديني فرصة.......)
نظرت للورقة ثم لعيناه فوجدته يطوف في فضاء
عسليتاها قائلاً بصوتٍ أجش.....
"قولتي ان الحياة بنسبالك اخد وعطا....بس فيه حاجات مينفعش ندي وناخد فيها غير لما نتأكد
انها تستحق.......انا شايف انك تستحقي....اكتر
بكتير من اللي ممكن اقدمه ليكي......."
سارت رعشة لذيذة في عمودها الفقري.... ثم
خفقه مؤلمة من قلبها جعلتها تهمس بتوله...
"عاصم......."
2
الطرب في صوتها ايقاع مميز يلامس القلب
متفاعلاً معه بقوة.......فابتسم عاصم
بجاذبية لعيناها قائلاً......
"اهو عاصم من بين شفايفك.....يساوي
عمر بحالة......"
أسبلت اهدابها بقلب يخفق بشدة...فانهت نصرة المكالمة وانضمت اليهما....فتحدثا قليلاً في العمل
ثم بعض الدردشة في اموراً عادية...لا تخلو من مشاكسة عاصم........واهتمامه الفطري بها.....
وقد أحبت نصرة كثيراً شهد......وقد شعرت بالالفه معها اكثر من الهام ورُفيدة......
فكانت شهد نقية نقاء يرى من أول لقاء...عزيزة النفس.......راسية الحديث......على وجهها
القبول والمحبة......
فاحبتها نصرة وتمنت ان يكون ما رأته في أعينهما
صحيح.....فوقتذاك ستكون أسعد انسانه على وجه
الأرض فقد عوض الله حفيدها بامرأة حسناء
مهذبة.... نقية آلروح......هل ستتمنى أكثر من
ذلك.......
دخلت في تلك الأوقات الصافية إلهام التي خطت بحذاءها العالٍ الصالون لترى هذا المشهد....
1
شابة قصيرة الشعر عسلية العيون تجلس بجوار
عاصم وتبتسم وهو يضحك بقوة كما لم يضحك
من قبل وكانها اطلقت دعابة حصرية له وحده..
جزت على اسنانها وهي تشم رائحة لم تفضلها
مما جعلها تتقدم منهما صادرة صوت طقطقات
بكعبها العالٍ حتى وصلت إليهما...فقالت بود
مصتنع.......
"اهلاً وسهلاً...اي دا ياماما...هو احنا عندنا
ضيوف ولا إيه....."
اومات نصرة على مضض.....
"ايوا يالهام....دي الشيف شهد..... اللي هتطبخ في الوليمة ان شاء الله......"
شملتها الهام بنظرة مقيمة.... ثم قالت
باستعلاء.... "الطباخة يعني.....اهلاً........"
رفعت شهد عينيها عليها...بينما عرفت نصرة
عنها...
"دي ياشهد...... الهام مرات ابني مسعد......."
وكانها اصيبت بصاعقة مفاجئة شلت تفكيرها
وجسدها للحظات...
جحظت عيون شهد بعدم تصديق...وان كانت شكت في وجهة الشبه بينهن فالاسم أكد انها هي......
9
لم تتغير رغم السنوات لم تتغير كثيراً.... مزالت هي المرأه القادرة... المستحوذة على العقول... القادرة على شبك القلوب بالهوى السام.....
هي من كانت السبب في فتح بابٍ من أبواب
جحيم والدها عليهم للأبد........
هي من تسببت في مرض امها من شدة الحسرة بعد نفور زوجها المستمر نحوها رغم سعيها لتبدل
الحال.......
هي من جعلت من حمزة رجلاً بلا مستقبل....
هي من جعلتها تفقد الأمان والثقة فاي رجل....
هي من بسببها عاشوا سنوات من القسوة والجفاء
هي من كانت سبباً في فقدان اذنها اليمنى.... وما
اتى بعد ذلك.....
لماذا الان ترى الماضي امامها يحيا بسلام حراً
طليق.... دون ان يصاب بأي آذى...... وهم يعانوا
كل دقيقة وكل يوم ينخفض بريق الحياة داخلهما
حتى أصبحت الأيام مكررة والمشاعر مهشمة...
هما يموتوا كل يوم... وهيا تحيا مرفهة كل دقيقة
فأين عدالة السماء ؟!......
6
مدت الهام يدها إليها قائلة بإبتسامة صفراء...
"اهلاً ياشهد........"
نهضت شهد من مكانها ودون ان تبادلها السلام
حملت حقيبتها قائلة......
"انا لازم امشي اتاخرت......."
ارجعت إلهام يدها وهي تنظر لشهد بدهشة وغضب........
حتى عاصم استقام واقفاً ينظر اليها
باستفهام.....
"تمشي؟!.....بسرعة دي........."
قالت شهد بوجوم وهي تحمل الحقيبة على
كتفها.......
"انا خلصت شغلي...وكتبت الوصفات اللي هعلمها
واتفقنا على كل حاجة......"ثم نظرة للجدة
مستفسرة.......
"مش كده ياحاجة نصرة.......يعني لو فيه اي
حاجة ناقصة عرفيني.... "
هزت نصرة راسها بنفي وهي تقول بحنو.....
"لا يابنتي كله تمام....بس يعني قعدي اتغدي معانا.....اهو يكون عيش وملح بينا......."
"مرة تانيه.....عن اذنكم........"قالتها شهد وهي
تخرج من الصالون نحو الخارج........
لحق بها عاصم وهو يناديها بلهفة...... "شهد........شهد........."
استغربت إلهام بشهد قلة ذوق تلك الفتاة...وتعجبت
وغضبت من عاصم الذي يركض خلفها بلهفة...وكانها
اخر نساء العالم.......جزت على اسنانها وهي تسب أختها باقذع الكلمات.........
مسكها عاصم بقوة من ذراعها وادارها اليه حتى
وقعت على صدره....فقال بانفاس عالية......
"انت بتجري كدا ليه.....انا مش بنادي عليكي..."
نظرت لعيناه القوية ومزال يطبق على ذراعها لكن
أرخى مسكته قليلاً.......سألها وعيناه تجري على
قسمات وجهها الشاحب......
"مالك ياشهد.....وشك مخطوف كدا ليه......"
قالت بشفاه ترتجف......
"عاصم انا عايز أروح........ينفع توصلني......"
خفق قلبه فانصاع لامرها......
"زي ماتحبي.....بس ينفع أعرف مالك......."
اخفضت بصرها وهي تنزع ذراعها عن
يده برفق.....
"تعبانه شوية......وعايزة أروح......"
هتف بقلق...... "تحبي نروح للدكتور......"
رفضت وهي تهرب من تلك العيون الدفئة... التي تحتويها من نظرة واحده......"لا لأ....انا كويسه......."
لم تكن تعرف يوماً ان الظلام دافئ إلا عندما
تنظر لعيناه......
ما الحكمة فان تكون تلك المرأه زوجة عمك....
هل هذا إنذار للابتعد عنك.........
3
اقسم بأنني لم انوي الاقترب منك باي شكلا من الاشكال.......
المزعج بانك من تلاحقني ، وانا لا أجد سبب لردعك
....لكن يبدو ان الحجة انتهت هنا..وأصبح هناك سبب قوي للابتعد عنك........
فأنا لا اطيقها.....ولن اطيق اي شخصٍ من طرفها
حتى ان كان انت.....
12
انتهينا ؟!!............. يتبع
متنساش ان الرواية موجودة كاملة في قناة التلجرام والواتساب
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
↚
محق من قال ان الصدمات قادرة على ان تفتك بنا فتكاً ذريعاً فنقع الوقعة الكبرى….
تلك الوقعة التي لا تحتاج للمساعدة…بل تحتاج لنا
ان ننهض شامخين دون مواساة……دون استفسارات
كثيرة……
الوقعة التي لا يجوز فيها البكاء…فمن يبكي ينتظر عطفاً من الغير………او ينتظر ان تصلح الدموع
مآسية……..
من وقت ان عادت من الخارج وهي تغلق باب غرفتها
عليها…..تتلوى على الفراش بوجع…. اتتها النوبة
الصراع مع الماضي…. من قسوة وجفاء وظلم
واحداً تلو الاخر… في الماضي تجرعته كالماء كل ساعة وكل يوم…….
الهواء ينسحب من بين رئتاها…. وكانها تشعر بوالدها
يقبض على عنقها بقوة كما كان يفعل عندما يثور عليها غاضباً…….
جسدها يتعرق…… رأسها ستنفجر من شدة الصداع…
قلبها يؤلمها بشدة….. وجسدها كله في حالة تشنج رهيب……….
لم تاتيها تلك النوبة منذ سنوات……
سنوات عديدة تعتكف الهدوء السلام…… الوجهة الباردة للحياة…….حتى تحافظ على نفسها من تلك النوبات شديدة القسوة على جسدها…..
تتسارع الأفكار داخلها اكثر من الازم تهلك عقلا
يعاني دون مبالغة………
صدرها يضيق تختنق……..والماضي يلاحقها…..
في السابق وفي أحد الأيام وصلت لسن الخامسة عشر وكان سناً يلائم المواجهة بنسبة لها…….وقتذاك دخلت على أمها الغرفة وكانت امها تصارع الموت على الفراش لسنوات من شدة الحسرة والقهر والذل التي ذاقته على يد زوجها……والعذاب الذي راوه
أولادها الثلاثة على يديه…….من ضرب لظلم
لتعنيف…لشتائم…….لأهانة…..لحياة أشبه
بسجن مشدد شديدة البرودة والجفاء….
دخلت شهد الى أمها والدموع تبلل وجنتيها
سالتها بانفعال…….
(انا عايزة اعرف هو بيكرهنا اوي كدا ليه…وليه
بيعملني كده…….انا حسى اني مش بنته…..هو
ابويا فعلاً ولا انتي بتضحكي عليا……)
لم ترد امها بل ظلت تنظر اليها بعجز…….فقالت
شهد بتشنج وهي تبكي أكثر……..
(ساكته ليه….ردي….لو كنتي بتحبينا…..كنت اطلقتي
منه و خدتينا معاكي……وبعيدنا عن هنا……..ليه قبلتي
الاهانة……ورضيتي لينا بالذل……ليه يا ماما…….)
لم تكن تتحمل عتاب ابنتها…فهي تجلد نفسها لسنوات نادمة على عمراً ضاع في المحاولات
والامال الكاذبة…..
(عندك حق كله ده بسببي……حقكم عليا……سامحيني
ياشهد….انا فاضل بيني وبين الموت خطوة…..)
جلست شهد على حافة الفراش وقالت بغصة مختنقة…….
(متقوليش كده….انا بحبك ياماما….ومليش في الدنيا
غيرك…….بس فهميني……اي اللي يخلي الست تقدم التنازلات دي كلها……….)
قالت كريمة بمرارة……….(الحب…….)
نظرة لها شهد بعدم فهم……(إيه…..)
فتابعت والدتها مرارة الكلمات كالعلقم في
حلقها……..
(ساعات بنتنازل عشان بنحب…وبنسامح في حقنا وبنغفر عشان بنحب……وبنشوف ان الحب أول
واهم حاجة بينا…..بس مع الوقت…..بيتقلب
الحب للعنه…..لعنة بتتحول لكره…..والكره بيبقا
ندم…….والندم بيوصل للمرض…..والمرض يعني
موت….وانا قربت من الموت……)
كانت شهد غير مستوعبة بعض كلمات امها….
فمسكت امها يدها قائلة بضعف……..
(اوعي تقدمي تنازلات……حتى لو بتحبي……اوعي
ياشهد……..)
سحبت شهد يدها وهي تسأل امها بغصة
مريرة……..
(ليه بيكرهنا…….وليه مش بيطقني……وطالما مش بيحبك زي مابتقولي……ليه كمل…..)
قالت والدتها بصعوبة…….
(انتي اللي خلتيه يكمل….انتي اللي عجزتيه…..
وبعدتيه عن الست اللي حبها ….)
انتفضت شهد بصدمة…..
(انا إزاي ياماما………ومين الست دي……..)
قالت والدتها بعيون دامعة……
(إلهام……..واحده اسمها إلهام…..كانت جارتنا زمان….وكانت صاحبتي كان سري معاها…وكنت بدخلها بيتي أأكلها وشربها وتساير معاها…….كنت بعملها زي اختي الصغيرة……..)
ثم اخذت نفساً متعباً متابعة سرد القصة منذ البداية……..
(ابوكي من يومه قاسي…..لكن عمره مامد ايده عليا ولا طول لسانه…..لكن لم شافها وقرب منها….ووقعته
في شبكها……اتغير اتغير أوي…….حصلت مشاكل
كتير بسببها……خانة العيش والملح…..بعد ما تاكدت
انهُ حبها ومستعد ينفذ كل طلبتها…..كان أول طلب
منها ان يطلقني ويرميني في شارع……..)
ابتسمت بسخرية مريرة متابعة…..
(وابوكي مقالش لا….آه مقالش لا….اصله حبها…حبها اكتر مني ومن ابنه اللي كان لسه تلات سنين
مصعبتش عليه رغم اني كنت حامل فيكي ساعتها….وعلى وش ولاده……)
مسحت دمعة فارة من عينيها……
(الناس ادخلت بينا…وابويا الله يرحمه حاول يصلح بينا….. كان راجل كبير ورجله والقبر…. كان خايف اتبهدل من بعضو بالعيلين الي رجعالوا بيهم… دا
غير كلام الناس اللي مبيرحمش…….)
قالت بابتسامة موجوعة…….
(ابوكي متهزش…. ورمى عليا اليمين…. يومها وقعت
من طولي…….. وجت ساعة والادتك…… وجيتي لدنيا
ساعتها الناس كلت وشه…. مراتك جابت بنت هترميها
في شارع….. لِم عرضك وعيالك وتقي الله…. عيالك
محتاجينك………)
نزلت دموع والدتها فلم تمسحها وتابعت بقهر كبير
فقد وقع عليها ظلم كبير ضرب كرامتها
وكبرياؤها عرض الحائط……
(قالهم ساعتها انه بيحب واحده وعايز يتجوزها….
قالولوا اتجوز الشرع حلالك أربعة…… ومراتك ملهاش
دعوة طالما هتعدل مابينهم……)
(قدام بصة ابويا وكلام الرجالة اتكتمت……كان مغلوب على أمري….ومكنتش عايزة أطلق..خفت
عليكم من البهدلة………)تابعت بنفساً متحشرج….
(ساعتها راحلها وطلب ايدها….رفضته وطردته من بيتها………وقالتلوا انا مدخلش على ضرة…يانا يا
هي….ولانه قدا كلمة قصاد الرجالة مقدرش يرجع
فيها….ورجعني تاني على ذمته……وعاش معايا
غصب عنه….معاملة وحشة واهانه وضرب…وكل ماكنت اشتكي لحد من قريبي…..يقولولي عيشي
واسكتي عشان خاطر عيالك……..)
مسحت شهد دموعها وهي تسأل امها
بحسرة……
(وانتي شايفه انك كده ضحيتي عشانا….انتي رمتينا
ورميتي نفسك في النار…….دا مش حب دا مرض
خبيث…..اذاكي واذانا……..ولسه بيكمل علينا…..)
ثم سالتها بكره……..
(وياترى بقا الست ديه فين دلوقتي……لسه مكملة
في خراب بيتنا…..اكيد لسه بتقويه علينا……)
هزت امها راسها وقالت……..
(الهام اتجوزت ياشهد….اتجوزت ابن تاجر دهب كبير
أوي……..وخلفت منه كمان……..اللي عارفنها كويس…. جم وبلغوني…..إلهام خرجت من حياتنا….بس مخرجتش من قلب ابوكي………)
زمجرت شهد بكرهاً شديد…….
(اللي زي ده معندوش قلب….مش فاهمه…حبتيه إزاي؟!……..)
قالت امها بوهن…….
(في حاجات مكتوبه……لازم تحصل….حتى لو ندمنا
عليها بعد كده………كان لازم تحصل…….)
تتردد جملة امها الاخيرة في اذانها تقصف داخلها كالرعد…..فتبكي…..وتنهار…….ويزادد وجعها…فتظل
تتلوى وكانها اصيبت بمسٍ لا علاج له……
……………………………………………………………..
من يصدق انها هكذا منذ ثلاثة أيام…تغلق الباب على نفسها تنام كثيراً بغرض الهروب….. تذهب للحمام
عند الغرض ثم تعود وتغلق الباب عليها…لم تأكل
إلا القليل بأصرار شديد من حمزة وكيان واحيانا قمر….
والذين لم يتوقفوا عن السؤال بقلق عن الحالة
التي وصلت اليها……
لكنها لا تجيب…….تكره تلك النوبة…..التي تنقلب لاكتئاب حاد وانعزال عن العالم بأكمله……..تكره الضعف وتلك النوبة تجعلها هزيلة ضعيفة…تفقدها صبرها وقوتها واهدافها……….
قد اغلقت هاتفها وتركت خلود تفتح المطعم وتباشر العمل مع الفتيات….وتهتم بكل شيء……
ياتي عاصم للمطعم يومياً ولا يجدها……ويسأل
خلود عنها فتخبره انها متعبة واخذت فترة راحة…..
ثم ستعود قريباً….يتصل بها كثيراً لكن الهاتف دوماً
مغلق……
قلبه مشغول عليها وعقله ليس على ما يرام……..فقد أصبح هو ايضاً مشوش من ابتعادها المفاجئ والذي
لا يعرف لهُ سبب……..
لو كان يملك من الجرأة قدر أكبر من ذلك لآتى لمنزلها
وطمئن عليها بنفسه….لكن مع لأسف….هو مُقيد…
وهي قاسية عليه……تحرق قلبه بنار مستعارة……
في اليوم الرابع صباحاً في تمام التاسعة…..استيقظت من النوم………وهي تشعر انها كرهت هذا الفراش وحيطان غرفتها الباهته…….كرهت الظلام ورائحة
الغرفة المكتومة……
فاتجهت الى النافذة وفتحتها…. فلفح وجهها الهواء والشمس داعبت عينيها……. فسالت نفسها بدهشة
كيف تحملت الحياة دون نسمة هواء وشعاع
شمس لمدة ثلاثة أيام…….
كفاها انعزل وبكاء وغضب….. يجب ان تعود لعهدها
وتلقي كل شيءٍ خلف ظهرها……
ستتابع عملها في المطعم وستنهي الوليمة المتفق عليها… والتي تقاضت جزء من أجرها……
ستنهي كل شيءٍ وستحذف أحداث الشهر السابق والمشاعر الغبية التي كانت تلاحقها وقتذاك…. ستنسى وتسير كما تريد…. دون الالتفات لاي
رجلاً مهما كان………
خرجت شهد من غرفتها….فوجدت قمر تنظف غرفة الصالون……فقالت شهد بتجهم…..
“بتعملي ايه ياقمر…….”
رفعت قمر عينيها بدهشة…فهي لم تسمع صوتها منذ ثلاثة أيام…….يبدوا انها افضل الآن فقد عاد وجهها
للحياة بعد ان كان شاحب شحوب الأموات…..وقد عادت عينيها الى طبيعتهما بعد ان كانوا حمروان
من شدة البكاء المستمر………
لكنها فقدت وزنها بشكلاً ملحوظ….مما جعلها هزيلة
توجع قلب من يراها !……..
“انتي مش جايه هنا خدامة….سيبي اللي في
ايدك ده…….”
هزت قمر كتفها متحيرة….
“ليه بتقولي كده…..اهو اي حاجة بدل قعدتي دي…….”
قالت شهد بملامح جامدة…..
“انا جعانه أوي….هحضر فطار…تفطري معايا…..”
ابتسمت قمر قائلة بمزاح……
“سبقتك والله….بس انا طفسه…ممكن قعد معاكي وفتح نفسك على الأكل…….”
بادلتها شهد الإبتسامة بمكر…..
“وانا استغلاليه وهقولك تعالي ساعديني…..”
“يسلام انتي تأمري…..”لحقت بها قمر بتودد…….
عندما وقفا الفتيات معاً في المطبخ…..كانت قمر تقطع الطماطم جانباً…بينما شهد تدحرج البيض
في المقلاه…….
قالت قمر بابتسامة حنونة……
“الحمدلله بقيتي أحسن من الأول……”
اومات شهد بفتور….. “آه…… الحمدلله……”
تساءلت قمر بفضول……
“بس انتي كان اي اللي تعبك اوي كده……….”
ردت شهد على مضض…. “مشاكل في الشغل…….”
اتسعت عينا قمر وقالت مستنكرة…..
“شغل إيه اللي يخليكي تعملي في نفسك كده…انتي
مشوفتيش نفسك ولا إيه….دا اخواتك كان هيموتوا من الخوف عليكي…..”ثم إضافة بعدم رضا…..
” لا بجد ياشهد انتي غلطانه…..بلاش تاخدي كل حاجة على صدرك كده….دانتي تروحي فيها….”
رمشت شهد بعينيها عدت مرات ثم استدارت لها
قائلة…. “الاعمار بيد الله……قطعتي الطماطم…….”
“آآه خدي…….”اعطاتها قمر الطبق…..فتابعت شهد
ماتفعله…..حتى سألت قمر بعد لحظات……
“اي رأيك في القعده معانا…….”
ابتسمت قمر مجيبة بملل….
“كويسة….لكن الصراحه انا زهقت وعايزة ارجع وكل ما كلم خالي يتحجج….ويقولي انه مش فاضي….”
افرغت شهد محتوى المقلاه في طبق وهي
تقول بملاطفة……
“مصيرك هترجعي ياستي…واديكي قعده معانا شوية……وبعدين انا فوقتلك خالص…يعني هنرغي كتير ونخرج كمان…….وفرجك على اسكندرية
حته حته ها اي رأيك……..”
ازدادت ابتسامة قمر حتى شملت وجهها ثم
صرحة بمحبة….
“تعرفي اني حبيتك من أول ماشفتك…….”
ادعت شهد الغرور…….
“عارفه….مش أول حد يقولي كده…..واضح
اني اتحب……..”
اكدت قمر بود…….
“اوي والله…..ربنا يحميكي….ويفرح قلبك…..”
شعرت شهد بالحنين لأمها فقالت…..
“فكرتيني بماما…..كنت دايما تدعيلي الدعوتين دول………” ثم حملت صنية الإفطار…..
“يلا بينا نفطر………”
وضعت شهد صنية الافطار على السفرة
وقالت بمرح…….
احلى حاجة ان البيت هادي وكله في شغل…. وانا اجازة كمان…. يعني هنرغي براحتنا… وهتحكيلي
عنك أكتر…..يلا بسم الله ….. ”
جلست شهد وكذلك قمر…….
ثم غمست شهد اللقمة في الجبنة ووضعتها
في فمها…….
وكانت أول لقمة تشعر بمذاقها……ورغم انها كانت تأكل لقيمات صغيرة بألحاح من شقيقيها إلى انها لم
تستطعم مذاقهما أبداً…….ربما تأثير الحزن والبقعة
السواء التي وقعت بها لثلاثة أيام متتالية……
بعد ثلاث ساعات……قد اغتسلت شهد وغيرت ملابسها ببجامة أنيقة….ثم ربطة شعرها بضفيرة قصيرة ترتاح على ظهرها……….
جلست مع قمر امام التلفاز…..وهي تمسك هاتفها تفتحه قليلاً متفحصه شبكة التواصل الإجتماعي
فوجدت ان هناك عدد كبير من الطلبات التي اتتها
ولم تجيب عليها…….وهناك من حظرها لعدم مصدقيتها…وسوء الخدمة…..
اغلقت الهاتف والقته جوارها بغضب….فسالتها
قمر برفق……
“مالك ياشهد……..بترزعي التلفون كدا ليه….”
قالت شهد مقتضبة……
“مفهوش حاجه عدلة….كلها حاجات تحرق الدم…”
أنارة شاشة الهاتف فخفق قلبها دون ان تلتقط عيناها اسمه…….. مسكت الهاتف وظلت تنظر اليه بحيرة
ام ان تجيب او تهرب كما فعلت الأيام السابقة…
كانت تتابع قمر مايحدث بحاجب مرفوع… ثم لم تلبث إلى وقالت……
“هتفضلي تسيبي تلفونك يرن كتير…… ماتردي…”
نظرت لها شهد ثم للهاتف…لذا اقترحت قمر
بدهاء…….
“تحبي أرد مكانك….. وقول للي بيتصل انك
نايمة…..”
هزت شهد راسها وهي تنهض من مكانها….
“لا انا هرد…….شوية وجاية… ”
اومات وهي تراها تدلف لغرفتها… فعادت لمتابعة التلفاز متنهدة بملل…….
في منتصف الغرفة وقفت مشدودة الأعصاب..وبدون تقهقر أكثر فتحت الخط وهي تسحب نفساً عميقاً
“الو…….سلام عليكم……”
(شـهـد…..)اللهفة في صوته جعلت قلبها يخلتج
بين اضلعها…….
تسمرت مكانها للحظات وتلجمت غير مدركة من
اين تبدأ…….
فقال عاصم بصوتٍ حنون يبث الدفء
والطمأنينة لجسدها المنهار….
(شهد انتي كويسة…. قفله تلفونك ليه… ومش
بتيجي المطعم ليه…… خلود بتقول انك تعبانه
عندك اي ياشهد…….طمنيني…)
ظلت متسمرة مكانها بقلب يخفق باضطراب……في محاولة منها لإيجاد رداً مناسباً ومقاطعاً……..
“شوية برد……… انا كويسة…. شكراً على السؤال.. ياستاذ عاصم……”
(أستاذ…….)رددها بعدم فهم….ثم لم يلبث الا
واخذ نفساً خشن قائلاً بحزم…..
( شهد انا عايز اتكلم معاكي ينفعي تنزليلي…..)
سالته بعينين متسعتين…..
“نتكلم في ايه….. ثواني ثواني هو يعني إيه انزليلي…”
رد رداً قاطعاً….
(يعني انزليلي ياشهد…… انا واقف تحت …..)
فغرت شفتيها مستنكرة…..
“واقف تحت؟!………اي اللي بتعملوا ده…..”
نظر امامه مقطباً بعينين متجهمتين ليقول…..
(انتي اللي عملتي مش انا…. عيزاني اعمل إيه
وانا مش عارف اوصلك…..وبقالي تلات ايام… بلف
حولين نفسي……انتي اختفيتي فجأه…..زي
ماظهرتي فجأه…….)
اشتعل صدرها وهي تقول بتشنج….
“معناه اي كلامك… ساحرة انا ولا إيه…. عاصم روح لو سمحت انا مش هنزل….. حمزة زمانه جاي مش عايزه مشاكل…….. وبعدين انا بنت عمتي قاعده معايا… اسبها إزاي ونزل…….”
هتف عاصم بصلابة…..
(اتصرفي ياشهد…. لازم اشوفك دلوقتي……)
سارت في الغرفة بخطوات
هائجة….
“بلاش تحكمات…. قولتلك مش هنزل……”
(يبقا هطلعلك أنا…..)قالها بتهور…
فصاحت متأوه بغضب….
“عاااصم……”
تمتما هو من بين أسنانه…….
(يحرق عاااصم….. ياطلعلك ياتنزلي اختاري……)
قالت بانزعاج شديد……
“دا مش كلام ناس عاقلا…. احنا مش صغيرين على الكلام ده……”
هتف عاصم هاكماً…..
(قولي الكلام ده لنفسك ياللي بتهربي وبتختفي…)
“انا حرة……”من بين اسنانها المطبقة قالتها بانفعال
شديد… مما جعله يقول ساخراً…….
(وعشان انتي حرة تعملي فيا كده….)
خفق قلبها فجأة…. لذا تاوهت بأسمه قائلة
برجاء…. “عاصم……”
لم يتنازل بل أصر بصلابة قائلاً….
(اختاري ياطلعلك…. ياتنزلي….. المهم اشوفك….)
ظلا صامتا لدقائق كل مابينهما أنفاس غاضبة
واخرى مضطربة…. حتى قالت شهد بانهزام..
“خمس دقايق ونزلالك…….”
سحبت شهد سترة بيضاء تصل لفوق الركبة ارتدتها فوق بجامتها…… ثم التقطت مفاتيح الشقة وخرجت من الغرفة…..
استقبلتها قمر واقفة بتعجب…..
“لبسه كدا ليه….. انتي سقعانه ولا إيه……..”
اهتزت حدقتاها ورمشت عدت مرات وهي
تخبرها بتلعثم…..
“هنزل اجيب لبن…. من عند البقال…….”
“بس فيه لبن في التلاجة…..”قالتها قمر بحاجب معقود……..
تلجلجت شهد قليلاً…….
“ااه صح…. بس في نوع معين… حلو أوي…
بحب اجيبوا…..”
اقترحت قمر بلطف…. “تحبي اجي معاكي…..”
“لا…. لا…. خليكي انا مش هتأخر دقايق وجايه….”
اتجهت شهد سريعاً الى باب الشقة وخرجت واغلقته
خلفها ثم وضعت يدها على صدرها متنفسة الصعداء……..
بالاسفل كان يقف عاصم بانتظارها يقف على غير هدى…..متضخم الصدر بينما النفس في صدره
قد تحول الى آتونٍ مشتعل يغلي…….شوقا
اليها وقلق عليها……
وكانه قد وقع تحت تأثير تعويذة مُعقدة لا نجاة منها ولا أمل في فكاك طلاسمها….
بدأ قلبها يخفق بهيسترية كأرنب مذعور وهي تخرج من باب العمارة….لتجده يقف امام سيارته ينفث من سجارته بشراهة في انتظارها……
وعندما التقت أعينهما ببعضها…..سريعاً مرتا عيناه
على جسدها بنظرة متفحصة …ثم لم تلبث الى وتجهمة ملامحه…..وهو يلقي السجار أرضاً داعس
عليه بحذاءه……..
امام عيناه المكتسحة…..ارتبكت بشدة…واقتربت
بوجل…..حتى وقفت امامه محتقنة الوجه
وبنظرات عنيفة ضمة ساعديها امام صدرها….
“اديني نزلت زي مانت عايز….خير ياعاصم…..”
راقب العنفوان على ملامحها المستاءة والحزن المحمل بين بؤرةِ عينيها…….وجسدها الهزيل…حتى عينيها فقدت صفاء عسليتهما……..فأصبحت اشد قتامة وحزناً……….
“انتي بتهربي مني لي ياشهد……”
تاففت بصوتٍ عالٍ وهي تدير وجهها….
“اي اللي هيخليني أهرب….قولتلك كُنت تعبانه……”
قال عاصم بحزم…… “وليه قفلتي تلفونك……”
ردت بضيق أكبر…… “عشان مش قادرة اتكلم…….”
تافف وهو يستغفر في سره ثم عاد لعينيها
غاضباً…..
“انا مش عايز اكلمك…..انا كنت عايز اطمن عليكي…”
قالت بجمود…… “واديك اطمنت انا كويسة…….”
شعر بالحنق من ردها البارد…فقال بانفاسا
متهدجة………
“بصي انا هسالك سؤال….وتجوبيني بصراحة…”
فكت ساعديها منتظرة السؤال بثباب……فسألها
عاصم بعينين تكتسحان ككلماته……
“انتي تعرفي مراة عمي…….اتقبلتوا قبل كده….”
بلعت ريقها وهي تسأله بوجل…..
“ليه بتقول كده……”
تضخم صدره بمشاعر سوداوية قائلاً
بقتامة…
“عشان وشك اصفر أول مشوفتيها وفضلتي مبرقه
شوية…وبعدين خدتي بعدك بسرعة ومشيتي….
وبعدها قفلتي على نفسك….ومعرفتش اوصلك…”
تحولت عينيها الى كورتين من الجليد
العسلي….فقالت بنزق….
“مفيش حاجة بيني وبينها…انا معرفهاش…انا
صدعت فجاه ومشيت…وبعد كده الصداع قلب
بدور برد…..دي كل الحكاية…….”
لم يرد بل ظل ينظر لعيناها بصمت والغضب
يأبى ان يستباح….لذا قالت شهد بصلابة…..
“وحبى اطمنك اني هكون موجوده يوم السنوية والفلوس اللي خدتها هدفعها اجرة للبنات اللي هتيجي معايا…….”
نظر لها بضيق….وهز راسه بابتسامة ساخرة
مُرة……
“وانتي فاكرة اني جاي هنا عشان السنوية والفلوس……انتي قلبتي عليا كدا ليه….في
إيه انا مش فاهم……..”
صاحت شهد تلك المرة بقسوة على قلبها
وقلبه………
“لازم تفهم…ان كل اللي بينا شغل….مش أكتر……”
ارجع راسه للخف جافلا بينما السهم السام اخترق صدره………فتبدلا النظرات لبرهة حتى أبعد
عاصم عيناه عنها قائلاً بتجهم………
“تمام…….. الرسالة وصلت……..”
“حمزة…….”
تفوهت بها شهد بعد ان انتبهت لسيارة حمزة التي
صفت جانباً وخرج منها وقد انتبه لوجودها
هي وعاصم……….
مما جعل حمزة يتقدم منهما بحاجب مرفوع وبوجه
مكفهر سائلا بعد ان وقف بينهما…..
“اي اللي موقفك كده……”
ثم نظر لعاصم بعينين مشتعلتين غير
متهاونتين…..
“خير يامعلم عاصم……. في حاجة…….”
نظر عاصم لحمزة ثم لشهد التي وقع قلبها أرضا
بخوف شاعره بالارض تدور بها بعد هذا الموقف
المحرج……..
………………………………………………………………
في منتصف صالة المنزل…كان يقف حمزة في مواجهة أخته….بينما تقف قمر بينهما على بعد
ثلاثة خطوات تتابع مايحدث بدهشة….
صاح حمزة بغيرة بعسليتين مشتعلتين…….
“انا عايز افهم….اي اللي كان موقفك تحت مع
عاصم…….وقفين سوا ليه….اي بينك وبينه….”
هزت شهد رأسها باستياء ثم عادت اليه
قائلة بهدوء……..
“هيكون بيني وبينه إيه….ممكن تديني فرصة اشرحلك……”
وضع يده في خصرة يهدأ من انفاسة المتلاحقة بغضب…….. “اتنيلي اشرحي……..”
مررت قمر عينيها عليه باشمئزاز وتدخلت في
الحوار ممعتضة منه…..
“اي الاسلوب المعفن ده….ماتكلم مع اختك عدل….”
نظر لها حمزة بقوة وهتف بصرامة……
“اتقلي………. اتقلي انتي كمان دورك جاي……”
فغرت قمر شفتيها ذاهلة……
“اسم الله…..ليه بقا ان شآء الله……..”
لم يرد عليها بل عاد لاخته ومزال في حالة
اهتياج لا مرد له….”انا سامعك اتكلمي……”
رمشت باهدابها عدت مرات ثم بللت شفتيها وقالت
بهدوء مراقبة لتغيرات ملامحه……
“في بينا شغل…….هو كان مكلفني بشغلانه…..”
مرر حمزة يده على وجهه بنفاذ صبر متمتماً….
“اه شغلانه…….انا معرفش عنها حاجة أصلا..طب كملي اي هي الشغلانة……..”
قالت بتلعثم وهي تهرب من عيناه الغاضبة…..
“جدته بتعمل سنوية جده كل سنة…بتعمل وليمة
وبتعزم فيها الناس الغلابة……وهو كلمني عشان
اطبخ في اليوم ده…وروحت قبلت جدته واتفقت معاها….وخدت منها عربون كمان…….اجرة البنات
اللي هيشتغلوا معايا……”
جفل بصدمة وبدأ يعد على أصابعه ماحدث
من خلفه ظهره بمنتهى الانفعال……
“روحتي بيتهم…وتفاقتي معاهم….وخدتي فلوس….وكل ده من ورا ضهري……كنتي
هتقوليلي امتى ياشهد….”
“كنت هقولك والله في أقرب وقت…….”قالتها
وهي ترفع سبابتها مبررة….
ابتسم حمزة ساخراً بغضب…..
“اللي هو إمتى….لم تخلصي خالص مش كده…”
ادعت شهد الثبات وهي تهز رأسها….
“مانت مكنتش هتوافق ياحمزة….وبصراحة المصلحة
دي فيها قرشين حلوين……”
رفع حاجبه بشك أكبر……
“آه مصلحة……ومن امتى شهد بتحسبها كده……”
اكدت شهد مستنكرة……
“في الشغل بحسبها كده…..ولعلمك انا مينفعش
إرجع في كلامي انا اديت للست كلمة…وخدت
منها فلوس……”
برق حمزة بعيناه صائحاً……
“لا هترجعي في كلمتك والفلوس هترجع…عشان متعمليش حاجة من ورايا تاني……”
دبت شهد بقدميها راجية…..
“لا ياحمزة ونبي متصغرنيش……”
احتد عليها صارخاً……
“مين فينا اللي صغر التاني انا ولا انتي……”
كانت ستبكي وهي ترجوه… “ياحمزة افهمني…….”
قاطعها بصرامة……
“خلصنا ياشهد مش هتروحي…..ولا هتدخلي بيتهم تاني….”
قالت بنبرة مجهدة…….
“قولتلك مش هبقا لوحدي فيه اكتر من خمس بنات
هيكونوا معايا….. ياحمزة حرام عليك متقطعش
برزقي ورزقهم…….”
اندهش من الألحاح المستمر فعقب
متعجباً….
“الله؟!…. انتي ملهوفه اوي على الشغلانه دي كدا ليه…”
كانت في أوج الهدوء وهي تجيب بسلاسة…..
“لاني خدت مبلغ يعتبر كبير وصرفته اجره للبنات
ومش معقول هاخده منهم ورجعوا….حرام عليك…”
تافف حمزة وهو يميل بوجهه للناحية
الأخرى…. “انتي بتعجزيني ياشهد……”
هزت شهد راسها قائلة بصدق…..
“والله ما قصد…بس دي الحقيقة…….خلود اتفقت معاهم إمبارح…وخدت مني الفلوس ودتها ليهم..
انا مش كدابة…….”
برقة عينا حمزة بغضب كلما تذكر وقوفها مع
هذا العاصم…
“وبتاع ايه يجيلك لحد هنا……بتاع إيه.. ”
وضعت شهد يدها على رأسها لبرهة بتعب
من كثرة الجدال معه…… ثم اجابته بعدها
باختصار شديد…….
“لاني بطلت اجي المطعم…وهو عايز يعرف…..
هاجي زي ماتفقت مع جدته ولا غيرت رأيي…..”
ضيق حمزة عيناه وهو يشعر بشيء
مريب……..
“انا شامم ريحة كدب…..في حاجة غلط……”
لم ترد شهد بل فضلت الصمت فهي تعبت
من كثرة الجدال……..فنظر حمزة لقمر الواقفه
بينهما عن بعد تتابع بصمت……
“وانتي سبتيها ليه تنزل…تكونيش بداري عليها…”
جفلت قمر بصدمة وهي ترتعد للخلف
خطوة…. فهدر حمزة بعصبية عليها هي
الاخرى…
“ماتردي……ساكته ليه”
فارة الدماء في عروق قمر فلوحت بيدها اليه متشنحة….. “بتجعر كدا ليه……مابراحة…….”
اتسعت عينا حمزة مردد الكلمة….. “انا بجعر…….”
ابتسمت شهد واخفضت وجهها….فنظر لها
حمزة بحنق……
“انتي بتضحكي ياشهد…….”
اومات شهد وهي تنظر لعينا اخيها بمرح….
“عندها حق ياحمزة…….”
“عندها حق….. كسر حوقها……..”ثم نظر لقمر بملامح
مكفهرة قائلاً بتحذير …….
“انتي يابت انتي لمِ لسانك عشان انا على أخري
منك…”
قربت قمر راسها منه بحدة….
“اي بت دي اسمي قمر…….”
قرب هو أيضاً راسه منها قائلاً بسماجة…..
“أمر بستر ياختي…..مش مبلوعه….اسمك مش
نزلي من زور……..كله نفاق وكدب……”
ابعدت راسها للخلف وهي تدعي الضحك
بحنق……
“هاها….خفيف الدم أوي……ضحكتني… ”
تافف حمزة بندم وهو يضرب يد بالاخرى….
“والله انا غلطان كنت سبتك ليهم كان زمان
صورتك دلوقتي معروضة في صفحة الحوادث……..”
هتفت قمر بشراسة….
“بعد الشر عليا………ان شاء الله انت……”
لوى حمزة شفتيه ونظر لها بغرور…..
“عيب في حقي الدعوة دي….عشان احنا رجالة أوي…….وبعدين انا اخطف…..متخطفش……”
كانت تلك المرة تقف شهد بينهما عن بعد خطوة واحده تتابع مايحدث بعدم فهم مما دفعها
للسؤال…….
“انتوا بتقولوا إيه……حوادث ايه وخطف إيه….”
نظر لاخته ثم عاد لقمر التي أحمر وجهها
بغضب شديد……بينما تنظر اليه شزراً…..
“دا حوار قديم كده بيني وبين قمراية…….”
ثم القى نظرة اخيرة على قمر وابتعد….فسالته
شهد مهتمه…..
“رايح فين ياحمزة…….”
رد بوجوم دون النظر إليها…..
“هتزفت اعمل قهوة…….”
اقترحت شهد بحنية…… “استنا اعملهالك…….”
تابع حمزة خطواته للمطبخ قائلاً بتهكم…..
“مش عايز منك حاجة…. وقطمي معايا ها…… عشان
تبقي تخبي عليا وتستهيفيني كويس…….”
نادته شهد بأسى……. “ياحمزة اسمع……..”
لم يرد عليها بل دخل المطبخ متجاهلها……فقالت
قمر وهي تجلس على الاريكة بضيق…..
“سيبك منه اخوكي ده مجنون…… ولسانه
متبري منه…..”
اومات شهد براسها مضيفة
بمحبة…..
“بس طيب……. وبيخاف علينا…..”
في تلك الأوقات تحت كيان باب الشقة وهلت
عليهما بشقاوتها المعتادة…….
“ساموو عليكووووو…..”
لم ترد قمر وشهد بل ظلت ملامحهن واجمه واعينهما حانقة…….
فاقتربت كيان منهما وتوسطت احد المقاعد متأوهة بتعب وهي تقول…….
“كان يوم متعب أوي…..شهد طبختي إيه عشان انا جعانه……..”
لم ترد عليها شهد بل مطت شفتيها بضيق….فنظرت
كيان لقمر ووجهة الحديث لها…..
“طب ردي انتي يابنت عمتي……فيه اكل ولا
هنقضيها معلبات…….”
لم ترد كذلك قمر بل اشاحت بوجهها متاففه….
فصاحت كيان بغضب….
“في اي ياجدعان ليه قاعدت المطلقين دي…ماتردوا
عليا…..هو أبويا هنا…وانا مخدتش بالي من عربيته…”
اخبرتها قمر بوجوم…..
“حمزة اللي هنا…ولسه شادد مع شهد بالكلام…”
توسعت عينين كيان بحسرة….
“ينهار كحلي يعني هو مضايق……”
اومات قمر مؤكدة…… “على آخره……”
كانت ستبكي وهي تسأل اختها بحسرة…..
“عملتي اي ياشهد حرام عليكي دا انا كنت عيزاه
في موضوع مهم اوي…..”
سالتها شهد بضيق….. “موضوع إي ده……”
همست كيان لهن…… “أصلي راحه حفلة……”
توسعت عينا شهد وتشدقت….
“نعم….. حفلة ايه….احنا من امتى بنروح حفلات..دا احنا بنروح افراح بالعافية……”
“اديكي قولتي بنروح أفراح بالعافيه…الحفلة دي بقا
على شرف المحامي سليم الجندي…اللي شغاله عنده……”ثم تابعت بزهو وعينين تلمعان بحماسية…….
“أصلاً كسبنا قضية كبيرة أوي…وراجل صاحب القضية عامل حفلة وعزمني انا والاستاذ سليم
وانا هموت وروح…….”
برمت شهد شفتيها مصرحة……
“اتنيلي تروحي فين…….دا كان هيبلعني لما لقاني
وقفه مع عاصم تحت……”
هتفت كيان مبتهجة…..
“الله……. هو عاصم كان هنا……”
ردت شهد بارتباك…… “كان جاي في شغل……”
علقت كيان بغمزة ماكرة……
“من امتى في بينكم شغل……بقيتي بتخبي وتدراي ها…… وكاننا مش اخواتك….. ”
تاففت شهد بتململ…..
“بعدين بعدين هبقا احكيلك…..المهم انسي حوار الحفلة ده…….”
هتفت كيان بأنين متوسلة…….
“لا ونبي انا لازم اروح…..انا هموت وشوف الحفلات دي على الطبيعية…….انا طول عمري بشوفهم في المسلسلات ياشهد……”ثم استأنفت حديثها بانتشاء…..
“تعالي نتخيل اني روحت الحفلة دي…وقبلت فارس
احلامي…..واول ماشفني قال هي ده…..اللي هتحدى العالم عشانها……..”
استلمت قمر دفة الحديث قائلة باستهانه…..
“يتحدى العالم ؟!… اي الاوفر ده……مايجي
يتقدملك ونخلص……”
مطت كيان شفتيها بقرف وعقبت…..
“اسكتي انتي ياجاهلة….دا عشان مش بتابعي مسلسلات….. معندكيش حس مرهف……..”
قلبت قمر شفتيها
مغمغمة…. “مرهف؟!…. ربنا يشفيكي…….”
ثم مالت على شهد ناصحة إياها
بتوجس….
“اقسم بالله خايفه على عقلك منهم…حصني نفسك…….واحده عايشة دور السندريلا…والتاني
بيتعارك مع دبان وشه……”
زفرة كيان متذكرة….
“يااي فكرتوني……..هجبهاله إزاي……..”
احتدت نظرات شهد عليها….
“تجيبي إيه….اتلمي ياكيان مفيش حفلات ولا زفت…….”
نهضت كيان واوشكت على البكاء وهي
تقول….
“يووه بقا متكسروش بنفسي انا هموت وروح….
بس معنديش دريس حلو يليق على المكان اللي هنروحوا……..”
تطوعت قمر قائلة…….
“انا عندي فستان حلو اوي…ممكن اسلفهولك….”
نظرت كيان لجسد قمر بغيرة
وقالت بقرف……
“لا طبعاً انتي املى مني….فمش هينفع…..”
ارتفع حاجبي قمر بصدمة ونظرت لشهد التي كبحت ضحكتها بيدها مطرقه براسها أرضاً……
ففي الحقيقة اجسادهما تختلف…فـقمر طويلة القامة نحيف الجسد كعارضات الازياء الفاتنات…ام كيان فهي قصيرة القامة عنها قدّها مكتنز اكثر منها
بقليل……..
إشارة قمر على نفسها بعدم
استيعاب…..
“انا اللي مليانه برضو……”
اومات كيان ببرود…… “عندك اعتراض…….”
نهضت قمر من مكانها بترفع…بتلك البجامة
الانيقة التي تبرز نحافة جسدها……
“مش هدخل في نقاش مع واحده عاميه…..”
هاجت كيان واقفه تنوي العراك……
“مين دي اللي عامية…..لا بقولك إيه….دا انا شرشوحة……..”
وقفت شهد وتدخلت بينهما بحزم….
“ماتهدي ياكيان…اسكتي ياقمر…ايه هتمسكوا
في بعض……..”
هتفت قمر بضيق شديد…..
“انتي مش شايفه ردها ياشهد….مع اني مغلطش
انا قولت اساعدها…”
هدرت كيان بغل…..
“مستغني عن خدماتك ياحلووه……يبتاعت البقلاااااوة…….”
دفعت شهد اختها للخلف قليلاً…. “اعقلي ياكيان……”
قالت قمر ببرود….
“انا هروح أطفح شوية مية ابلع بيهم البوقين
الحمضانين دول…..”
برقة عينا كيان غضباً….
“بصي بتقول على كلامي حمضان إزاي……”
حاولت ابعد اختها عن طريقها وهي
تقول بشراسة…….
“سبيني ياشهد مش هضربها…هجبها من
شعرها بس……”
“ماتعقلي بقا يامجنونة………خلاص مشيت…..”
دفعتها شهد بقوة فوقعت كيان على الاريكة
خلفها…..
تاففت كيان مستغفرة وهي تلح
مجدداً….
“انا لازم أروح الحفلة.. ونبي ياشهد اتصرفي….”
“هعمل اي يعني……”
“غطي عليا……”
صاحت شهد محذرة……. “كياااان…….”
الحت كيان وهي تربت على صدرها
برجاء…….
“هي ساعة زمن واحده مش هتاخر والله
العظيم…..ونبي ياشهد غطي عليا المرادي بس….”
قالت شهد بتردد……
“هتعمليلي مشاكل مع حمزة وابوكي….كفاية حوار النهاردة……..”
قالت بابتزاز عاطفي متوسلة……
“ونبي… ونبي… ونبي ياشهد غطي عليا المرادي…. ورحمة أمك ياشيخه وغلوتها عندك……”
نظرت لها شهد بصمت… ثم قالت بتردد….
“سبيني أفكر…….”
اومات كيان براسها محاولة استعطاف
قلبها………
“فكري بس بالله عليكي ماتكسري بخاطري…..
انا عايزة أروح الحفلة دي أوي….. ”
…………………………………………………………..
دخلت المطبخ بملامح متهكمة….. فرات حمزة يقف
عند الموقد يمسح سطحه بتافف…..
فاقتربت منه على مهل تسأله…..
“في ايه؟…… وقعت إيه…..”
رد وهو منشغل بتنظيف سطح
الموقد….
“القهوة فارت……موتوا بعض ولا لسه؟.. ”
مطت قمر شفتيها قائلة ببراءة…..
“هي اللي قرشه ملحتي من أول يوم…. زيك بظبط……”
نظر لها حمزة وتشدق بغرور…..
“مفيش حد زيي…. وبعدين دي غيرة بنات
….متخصنيش….. ”
“طب وسع اما اعملك القهوة…….”اشارة له قمر
بأن يتنحى جانباً………فامتنع حمزة هاكماً…….
“مستغني عن خدماتك…. انا هعملها من تاني…..”
“طب هات ياحمزة ربنا يهديك…..” سحبت منه الركوة بجزع…..
ثم اتجهت الى الحوض لتغسلها وتعد القهوة
من جديد……
فنظر لها حمزة ساخراً…..
“انتي بتتعملي مع ابن اختك….. مالك……”
اتجهت قمر الى الموقد وقلبت شفتيها
ممتعضة….. “مالك انت…..”
بابتسامة جانبية سالها بخبث……
“انتي اللي مالك بتنكشيني ليه…. تكونيش
معجبة……”
مالت بوجهها اليه مشدوهة…..
“معجبة بيك انت؟!…. دي ابوخ نكته سمعتها….”
ابتسمت بسماجة……
اغتاظ من ردها فقال بسخط…
“الله…….دانتي بتقلي مني بقا……”
مطت شفتيها قاصفة…..
“مش القصد……. بس انا شيفاك اخ…….”
ضحك حمزة واجابها بصراحة….
“وانا شايفك واحد صاحبي….”
اغتاظت منه بشدة واحمر وجهها فقالت وهي تضع معلقة البُن في الركوة…….. “ظريف اوي……..”
ثم سالته باقتضاب…..
“سادة…….. ولا زيادة….”
شاملها بنظرة ذات مغزى………
“احبها على الريحة……..”
اومات برأسها وهي تضع الركوة أخيراً على عين الموقد………..
ثم وقفت تراقبها وبين الحين والآخر ثم
تنظر لحمزة بحنق مخمر بالقرف………..
فسند حمزة على حرف الرخامة وسحب من طبق الفاكهة المجاور ثمرة تفاح……. ثم أخذ منها
قضمها ومضغها امام بنيتاها الحانقة…..
“منورة ياقمراية……”
تنهدت بقلة صبر……… “بنورك…….”
بنظرة مستفزة عزم عليها…. “تاخدي تفاح…..”
عقدت ساعديها بحدة……. “مش عايزة…..”
مضغ التفاح على مهل….. “مش هديكي أصلا…….”
عندما راته ياكل تذكرت سبب مجيئها الى هنا
فقالت وهي تتجه الى المبرد….. “نسيت أشرب……..”
مالت قليلاً…….فنظر حمزة اليها بطريقة وقحة…
وعندما استدارت اليه فجأه….. التقطت موضع عيناه….التي عادت الى بنيتاها بنظرة باردة
وكانه لم يفعل شيء…..
اغلقت قمر باب المبرد بقوة….ثم اتجهت إليه
تنظر اليه بعينين متفاجئتين مما رأت…..
اي ده…….بقا……”
هز حمزة حاجباه بعدم فهم…… “اي بقا……”
جزت على اسنانها محذرة….. “عينك ياحمزة……..”
ابتسم بشقاوة غامزاً…… “اي عجبينك……”
واجهته بجرأه……. “انت بتبص فين……”
استنكر وهو يزيد من استفزازها…..
“مش واخد بالي بصيت فين……”
زفرة بضيق وهي تعود الى الركوة بوجهاً محمر
خجلا وحنقاً……..
فابتسم حمزة متلذذاً باستفزازها….فعدما يراها
تنولد داخله رغبة سخيفة لاثارة حنقها……فزاد
احراجها قائلاً وهو يعدل ياقة قميصة بزهو….
“انا بقول نوسع الهدوم شوية عشان معاكي
رجالة…… واخده بالك…… رجالة اوووي…..”
ارتبكت أكثر وهي تصب القهوة في
الفنجان….
“حط في عينك حصوة ملح واحترم نفسك…..”
مط حمزة شفتيها ساخراً……
“جملة ملهاش علاقة بالنص خالص… انتي اتوترتي ولا إيه……اوعي تكوني بتكسفي زي البنات… دا انا لسه بقول انك شبه واحد صاحبي…. بجح….. ”
وضعت الفنجان على الرخامة جواره متمتمه
بضيق…….. “انت مستفز……. انا غلطانه اني
بعملك قهوة…… طفحتها…….”
ارتفع حاجبه ذاهلاً…….
“اي طفحتها دي…… ماتلمي نفسك يازفته انتي….”
قالت بتبرم……. “بنادم قليل الأدب……….”
اقترب منها خطوة هاتفاً بغضب
عارم…….
“تحبي اوريكي قلة الأدب اللي على حق…..”
اهتزت حدقتاها قليلاً لكنها هتفت
بشجاعه……. “هتضربني ولا ايه…….”
بعينين شاخصتين عليها قال بجسارة…..
“انا مبضربش حريم…. بس ممكن بنظرة اكرهك
في نفسك………”
اوشكت على البكاء وهي تساله
بعصبية….
“انت بتكرهني كدا ليه…. انا عملتلك إيه……”
تافف بملل وهو يمد يده لطبق الفاكهة ثم
اخذ منه تفاحة ووضعها في يدها
قائلاً بفظاظة……
“انتي هتقلبيها درما….. خدي التفاحة دي ومشي
من هنا…. سبيني اشرب القهوة على روقان…..”
اتكات على التفاحة بين قبضتها ثم هتفت بشراسة……. “مش عايزة منك حاجة…….”
مسك ذراعها قبل ان تبتعد…….
“انتي راحه فين…….”
سحبت ذراعها من بين يده
بعنف….
“هروح اقعد مع شهد في حاجة……”
اقترح حمزة بصوتٍ مرح……
“طب ماتخليكي معايا اهو ندردش مع بعض… هو
انا مش ابن خالك ولا إيه…….”
مطت شفتيها وكانها تشم رائحة فأر ميت ثم
قالت على هذا الوضع……..
“الكلام معاك بيقفلني منك أكتر… فبلاش احسن…”
استدارت راحلة وقد نست التفاحة بين يدها…
فقال حمزة من خلفها بغلاظة……
“وانا هتحايل عليكي…. روحي قاعدي مع اللي يعجبك…….تطولي أصلا تكلمي معايا….. ”
ثم تذكر التفاحة فامرها بشكلاً طفولي…..
“هاتي التفاحة بتاعتي…… خسارة فيكي…..”
استدارت اليه والقت عليه نظرة حانقة ثم رمت التفاحة نحوه بقوة……… “اتهنى بيها……”
التقط حمزة التفاحة بمهارة قبل ان تضرب
وجهه فتمتم بغضب…..
“ياجزمة…… ”
ثم مسك فنجان القهوة مغمغماً
بضيق…..
“ناقص انا….قال قمر قال……أمر بستر… ”
………………………………………………………….
كان صباح اليوم مختلف بنسبة لها…… طوال
الطريق بداخل سيارة (بشير.) تنظر من النافذة
بشرود عقلها يألف قصصاً متنوعة عند الاصطدام
الآتي من ملاك السرايا….(إلهام..)…(عاصم…)
وباقي أفراد العائلة التي لم تتعرف عليهم بعض
قلبها يختلج في صدرها بعنف……كانت تود الانسحاب
ورفض طلب المرأة…. لكنها تكره الانحناء…الانحناء
امام صورتها في المرآة يكسرها يسخر منها……ينبذها
كما نبذها والدها طوال حياتها…….
اليوم يجب ان تكون أقوى مما سبق….ستواجه مخاوفها…..وتفعل ما طُلبا منها دون تقهقر……
وفي نهاية هذا عملها….ومهما تصادفنا مع ماضينا
يظل كعملة ولى زمن تعاملها……..وحتى الاحتفاظ
بِها يُعد لا شيء ، والماضي لن يعود عهده مهما صادفنا خلسةٍ ؟!…..
أوقف بشير السيارة خارج سرايا المماليك كما
تشبهها من أول يوم وقعت عينيها عليها….
فهذا البيت ليس فقط لانه ضخم وثميناً…بل
لانه عريق الفخامة كتراث المماليك…..لهُ كنية….
لهُ روح……لهُ صيت………يكفي التحف الموضوعه
في كل ركن ولوحات التاريخية المعلقة على الحوائط……من الوهلة الأولى ظنت انها دخلت معرض فني قديم التراث…الى ان اكتشفت ان الجدة(نصرة..)مولعة بالتحف الاثرية والفن الرفيع………ولا تفوت قطعة جديدة من
بازار (حكيم)…..
ودوماً عاصم يهديها ما تحب………
علمت هذا في خلال الحديث الذي دار بينهما
في اليوم المشئوم……..
أحبت كثيراً جلستهما….وشعرت بالالفه والدفئ…
لكن التعاسة تلاحقها اينما ذهبت…..فتاتي الرياح
بما لا تشتهي السفن…..وتنتهي مشاعرها بلطمة
كبرى………جعلتها ترقد على الفراش لمدة
ثلاثة أيام تناجي الموت……….
ترجلت من السيارة وسارت للداخل متخطيه البوابة الحديدة بعد ان سمح لهم الحارس…اتت هي والفتيات اللواتي سيقومنا بطهي معها كمية الطعام
الكبرى التي ستحضرها…….وكذلك اتى (بشير..)حتى
يقوم بادخال اغراضهما الخاص بطهي في مطبخ آل الصاوي…….
استقبلتهم (نصرة)بابتسامة بشوشة وهي ترتاح على
مقعدها المتحرك……….
“أهلا وسهلاً….نورتوا المكان……جايه في معادك مظبوط ياشهد……..”
اكتفت شهد بابتسامة بسيطه….فقالت السيدة مقترحة بلطف…….
“الساعة لسه ستة….احضرلكم فطار……..”
امتنعت شهد بابتسامة رقيقة…..
“لا احنا مش بنفطر دلوقتي….شويه كده بعد مانحضر……..”ثم وجهت حديثها للبنات من خلفها
“مش كده يابنات…….”
اومات الفتيات بهدوء….فنظرة لها نصرة بعتاب…
“اخص عليكي….سبيهم يفطروا وبعدين يشوفوا
شغلهم……..متبقيش بخيلة….. مصيري ازورك في مطعمك….. ”
توسعت البسمة حتى ظهر صفاء اسنانها البيضاء
فقالت بشهقة ناعمة…….
“ياخبر….. تنوريني ياحاجة…..بس والله احنا مش بنفطر دلوقتي……….وصدقيني انا مش شدة عليهم…..احنا كلنا بنفطر في وقت معين……
ممكن بس تعرفيني المطبخ فين….. عشان
نشوف شغلنا…… ”
تاففت نصرة مستاءة……
“صعبه اوي ياشهد….ماشي براحتك…. تعالوا ورايا….”
تحركت نصرة بمعقدها نحو احد الزوايا وتحرك خلفها الجميع ……ام شهد فتصلبة مكانها بعد ان داهمة عسليتاها عينين صقريتين تنظر لها من أعلى السلم الممتد بسطوة….. بغضب……بعتاب؟!…..
هذا الوسيم شامخ الطول وسيم الملامح من النوع
الذي تخشاه بشدة ويجذبك بنظرة…..رسمة عيناه
كالصقر……مهيباً…….والمهيب دوماً يكن المرء
حريص في غرامة !……..
أسبلت اهدابها وقلبها جن بين اضلعها….الرحمة
حتى رجفةٍ خائنة اصابتها عند رؤيته……
لماذا هو مهيباً ومؤثر عليها بهذا الشكل…..تكره تلك المشاعر التي تنتمي اليه وحده……….
بدأت تحرك ساقيها بخطى مستقيمة باتجاه الزاويا التي اتجه اليها الجميع لكنه اوقفها بعد خطوتين…
وقد تسمرت هي مكانها توليه ظهرها…..
“شــهــد……..”
(اشتقت لمناداتك لي بتلك الطريقة….)
اتسعت عينيها بصدمة….همساً داخليا اصابها في مقتلها……هل اشتاقت فعلاً ام انهُ وسواسٍ ؟!…….
استدارت إليه تواجه عينين راسختين أمام
نظراتها المهتزة قليلاً……
“خير في حاجة………ياستاذ عاصم……”
جز على اسنانه بغيظ ووقف أمامها…….وهيهات عند القرب……الامر يزاداد تعقيداً…..
عبق عطرها المسكر داعب انفه فاغمض عيناه لثانية رغم الغضب البادي عليه…….
توترت شهد من تلك الحركة فرجعت خطوة وارجعت
خصلة من غرتها بتوتر خلف اذنها ثم اعادت السؤال بوجل…..
“خير…….في حاجة…….”
عاد اليها بملامح صلبة ونظرات راسخة تأسرها
عمداً فتشقيها ظلماً………..
“يوم ماجتلك تحت البيت…….أخوكي جه و……”
قالت بهدوء…. “محصلش حاجة الموضوع عدى……..”
اوما براسه وهو يجدها تغلق الأحاديث
بينهما فقال مقتضباً……..
“كويس……….عرفتي تصرفي…….”
اومات براسها….. “أيوا………”
جرت عيناه عليها في لحظة خاطفة من أول ثوبها الربيعي المحتشم الطويل…حتى شعرها الأسود الناعم القصير والذي جمعته في كعكة أنيقة مع
الغرة المنسابة بدلال تخفي الجبهة البيضاء….. وحول اذنيها خصلات ناعمة متناثرة……..قد انتبه أخيراً لماذا تجعلهم بهذا الشكل الفوضوي…….كي تخفي السماعة الطبية عن الأعين……..
المه قلبه لأجلها فسألها تلقائيا وقلبه يحترق
في موضعه……..
“انتي كويسة……….”
نظرت اليه بحيرة ومع ذلك ردت بعفوية….. “الحمدلله….وانت كويس……..”
هز راسه بنفي….. “لا……”
فارتجف قلبها وعيناها الصافية تتفحصة
بقلق….
“ليه كده…..”
زفر وهو يرفع راسه للأعلى……
“وبتسالي كمان….أمرك عجيب…..”
همسة اليه بصوتٍ ضعيف مفعم بمشاعر جديدة تخصه وحدة……… “عاصم……..”
نظر لها بشوق وقد ذاب قلبه مع همسها….فسالته
بنفس البحة المتعبة لاعصابة رغم لذتها………
“عايز ايه بظبط……..”
نظر لها عاصم قليلاً وكاد ان ينطق بما يجش
بصدره……
لكن اخترق الهدوء صوت انثوي كخرير القطط
من خلفهما……
“أكيد عايزك تاخدي بالك من شغلك…..وتخلصي
قبل مالناس يجوا…….”
سبه بذيئه خرجت من بين شفتي عاصم فاتسعت عينا شهد بعدها بصدمة رغم امتقع وجهها بعد روية إلهام وتدخلها في الحديث بمنتهى الوقاحة………..
اقتربت إلهام منها ووقفت بينهما قائلة بود زائف
“نورتي المكان ياشهد…. خسارة المرة اللي فاتت
مقدرتش اتعرف عليكي….. اصلك مشيتي
بسرعة…..”
لم تبدي شهد اية مصافحة ودية بل هزت رأسها قائلة……… “كنت مستعجلة……أهلاً….. ”
اغتاظت الهام من اسلوبها الفظ معها….
“أهلا بيكي…. نورتي فيلا صابر الصاوي…….حمايا
وجد ابني يزن………”
ردت شهد باقتضاب….. “ااه منوره بصحابها……..”
وزعت الهام نظراتها الماكرة عليهما وقالت
لعاصم…….
“هو انت مش عندك شغل ياعاصم ولا إيه…..”
نظر لها عاصم نظرة تعبر عن غضبة ورد
ببرود
“لا أجازة……. يوم السنوية باخد أجازة….عشان
اقف مع الناس اللي هتخدم على الضيوف….. ”
لم تعقب إلهام بل عادت الى شهد تامرها
بتغطرس…..
“وانتي بقا ياشهد وقفه كده ليه….. مش وراكي
شغل ماتروحي عليه………”
“الهااااااام………”
صاح بها عاصم بقوة…جعل الهام تجفل وهي ترجع خطوة للخلف بصدمة قائلة بلؤم…..
“في اي ياعاصم….. مش المفروض تخلص شغلها
قبل مالوقت يعدي……”
اومات شهد قائلة بجمود…….
عندما ابتعدت شهد عنهم…. واجه عاصم الهام بنظرات حادة وهتف بصرامة محذراً…..
“أسمعي…..البيت ده مش بتاعك لوحدك…… انا اللي أأمر ونهي فيه…… انتي تدخلي في اللي ليكي فيه… زي إبنك… جوزك اللي هو عمي……اي حاجة تانيه في البيت ده تخصني انا….. سااامعه…….”
لم تهتز إلهام بل لوت شفتيها بتبرم…..
“واضح انها مش مجرد طباخة بنسبالك…..”
رد عاصم الرد القاطع قبل ان يبتعد…….
“كويس انك فهمتي…….وعلى أثاثه
اتعملي معاها………”
عندما ابتعد عاصم خرجاً من باب البيت حيثُ
الورشة……..اتجهت الهام الى السلم تصعده بخطوات متشنجة بينما الهاتف على اذنيها….وعندما اجاب المتصل…هاجت عليه صارخة………
“انتي فين ياغبية…. تجيلي دلوقتي حالاً….. تلبسي أحسن حاجة عندك وتيجي…..بسرعاااااه……”
اغلقت الهاتف بعنف وهي تغمغم بمنتهى
الغل…..
“انت اللي تأمر وتنهي فيه…. يومك أسود يامسعد
لم اشوفك يوم أسود ياسبع البرمبة……. هو اللي
يأمر وينهي……… وانا… انااااا إيه…….”
……………………………………………………………..
اصبحت الساعة تشير للثانية ظهراً ، ثمانية ساعات
من العمل المتواصل ومزال أمامهم الكثير حتى وقت الانتهاء…..
كانت الجدة نصرة تشرف عليهم كل ساعة تقريباً
وكل مرة تخرج منبهرة سواء من انضباط العاملات بفضل شهد الحازمة والحريصة على إخراج ماهو أفضل…او بطعم ورائحة الطعام الشهي…….والذي
كان يحمل طعم ورائحة مميزة….حتى المذاق
يذوب في الفم كالشهد من اللذة……..
الغريب ان( شهد) لا تتبع توابل معينة لتخبر من
ينبهر باكلها انها لديها الخلطة السرية كما يفعل كل من يشتهر بطهي……..لكن شهد تتبع شغفها…حبها
تسعى دوماً بأن تقدم مايليق بها وتفخر به امام
نفسها في المرآى !…..فإن تكن الاحترم والتقدير لذاتك قبل ان تسمعها من الآخرين فهذا من
شيم النجاح ؟!……
فمن يهتم لآراء الاخرين أولاً يفقد رضاه عن نفسه
مع الوقت………
أثناء انشغال (شهد) بطهي وبعد ان استأذنت الجدة
(نصرة…) بان تستريح قليلاً في غرفتها وتؤدي فريضتها……
دخلت إلهام بصحبة اختها تضحك ضحكة مستفزة وهي تقول……..
“صدقيني أول ماتشوفيها هتحبيها علطول….”
رفعت شهد عينيها على الهام ومن معها… أمرأه يافعة الانوثة والجمال بشعر كستاني طويل…أنيقة الثياب رغم جرأتها الواضحة في إنتقاء ملابسها……كذلك
عينيها زرقاويتين كعينا إلهام…….
بينهما شبه لا ينكر باستثناء لون الشعر…وحجم الجسد…..فيبدو ان تلك المرآة التي تقف جوارها
تعمل عارضة او ممثلة فهي تهتم بشكل جسدها
على نحوٍ صريح……
اشارة إلهام على شهد قائلة بنبرة غير مقروءة…..
“هي دي بقا ياستي الطباخة الجديدة….عاصم
جايبها بنفسه ومهتم بيها أوي…….”
اشتعلت عينا رُفيدة وهي تواجه شهد بنظرات عدائية
استقبلتها شهد بهدوء ظاهري فهي لا تعرف هوايتها
بعد…….
عندما رات إلهام بتادل النظرات يزداد خطورة
القت آخر شرارة نار في حديثها……
“احب اعرفك ياشهد…دي روفيدة أختي و مرات عاصم الصاوي…..”
احتاج الأمر لدقيقتين حتى تستوعب الصفة التي
تمتلكها تلك المرآة كستانية الشعر…….مغوية
القوام…..شبيهة إلهام……….
زوجة من ؟!….
وكأن إلهام قرأت افكارها فانتشلتها من الحيرة مؤكدة…….
“مرات عاصم روفيدة…..سلمي عليها وقفة كدا ليه……”
مدت شهد يدها لها قائلة بقوة تحسد عليها
وبسمة مغتصبة خرجت من تحت شفاه
متحجرة……
“أهلا يامدام روفيدة……. تحبي اعمل حاجة
معينة للضيوف……..”
لم تصافحها رُفيدة بل تركت كفها معلق وهي
تخبرها ببرود……..
“الحاجة الوحيدة اللي اتمناها…..انك تخلصي
شغلك بسرعة……. عشان تلحقي تروحي……”
سحبت شهد يدها شاعرة بالغضب والحرج في
ان وآحد
فقد فهمت مغزى حديثها… لكنها لم تعتب عليها… عليها ان تعتب وتصب كامل غضبها على من
يسير واثق الخطى نحوها مولع بمقابلتها
وملح في التحدث معها عبر الهاتف… وكانه
أعذب لم يسبق له الزواج…….
جزت على اسنانها وهي تتركهما وتعود لعملها بينما
خلود تنظر لما يحدث بعدم رضا……
ام إلهام فنظرة الى اختها بمكر فبادلتها الاخرى
بغيرة وهي تنظر نحو شهد بغضب أسود……..
فمن تلك التي لا تضاهيه جمالاً وفتون ويقع بها
عاصم…. لن يحدث… ولن تسمح له… حتى ان اضطرت لاذلال نفسها اليه من جديد !!…….
…………………………………………………………….
وقفت جوار شجرة بقلب الحديقة…وردة على اتصال
شقيقها الذي يستشيط غضباً بسبب ذهابها لهذا البيت
ومتابعة العمل به رغم رفضه……..
ظلت تخبره برفق قائلة بهمساً…..
“ياحبيبي أهدى اسمعني بس………”
قد كان عاصم على وشك الاقتراب منها…..لكن عند
تلك الجملة توقف عابس الوجه……
فشعرت شهد اثناء المكالمة انها تحت المراقبة لذا
استدارت إليه…..وعندما ابصرته اشتعلت عيناها
وهي تغلق الهاتف مع اخيها قائلة….
“هكلمك تاني ياحمزة…… هكلمك تاني……..”
لانت ملامح عاصم وتنفس بارتياح دون ان
تلاحظ…….
وضعت شهد الهاتف في جيبها والقت نظرة باردة عليه وكادت ان ترحل…لكنه اوقفها بذراعٍ ممتد
امامها….جعلها تتراجع خطوتين تنظر إليه بشراسة
تلك الشراسة والتوهج في عسليتاها…يذكرها باليوم
الذي غضبة منه لمجرد انهُ نسبها إليه…..
ماذا فعل لتنظر اليه بكل هذا الغضب……
“عايز إيه……..”
صوتها الحاد الفظ أكد ان هناك ما يسوء……..
سالها وعيناه تداهمها….
“في اي ياشهد مالك…….”
عقدت ذراعيها امام صدرها وعيناها
تشتعلان….
“وبتسأل كمان؟!…… لا ولا حاجة سلمتك…….”
“شهد انا مبحبش الطريقه دي……”احتد نظرات عاصم بشكلاً مخيف محذراً….
ومع ذلك لم تهابة بل قالت بسخط…..
“وانا مالي تحب ولا تكره……دي حاجة تخص مراتك……”
تذوق الكلمة مشدوهاً……. “مراتي؟!….”
اومات براسها وهي ترمقه بعينيها كالسهام
الحادة…….
“اه روفيدة….معقول مش فاكر انك متجوز…..”
ضيق عاصم عيناه في خطٍ مستقيم
سائلاً…..
“مين قالك اني متجوز روفيدة……”
بمنتهى البرود اجابة…. “هي قالتلي……..”
هز راسه بتساؤل……. “هي جت……”
قطبة شهد مابين حاجبيها بعدم فهم….فقال
عاصم موضحاً….
“انا فعلاً كنت متجوزها بس طلقتها من فترة…من قبل حتى ماشوفك بشهور…….”
رمشت بعينيها عدة مرات بعدم استيعاب….. ثم
سألت باستنكر….
“ولما هو كده….. ليه مقولتليش……..”
رد بوجوم وهو يأسر عينيها…..
“انتي مكنتيش مهتمه تسالي عن اي حاجة تخصني……رغم اني اديتك الفرصة…..”
تاففت بغضب….فقال عاصم بحنان
مراضياً إياها…….
“ممكن تهدي……..قولتلك مش متجوز…….”
نظرة اليه بوجه ممتقع…. “انا مش مضايقه……..”
ابتسم عاصم قائلاً بعبث…..
“تحبي تشوفي نفسك في المراية عاملة إزاي…..”
فكت ترابط ساعديها وهي ترجع خصلاتها
خلف اذنيها واجمة…….
“انا بس مبحبش حد يكدب عليا…..”
رد عاصم بثبات……
“بس انا مكدبتش انتي اللي مسألتيش…..”
اتسعت عينا شهد بتعجب……
“ودي حاجة مستنيا سؤال ؟!…….”
نظر لها عاصم بقوة وسالها باستفهام…..
“يعني انت عندك مشكلة اني مطلق……ولا عندك
مشكلة اني مطلعتش متجوز………”
“الاتنين……..كنت أتمنى اكون أول واحده في حياتك……”قالتها بعفوية وهي تنظر أمامها
بانزعاج…….
فتهللت اسارير وجه عاصم….وضحك
قائلاً برضا تام……..
“الله أكبر……..واي كمان………”
أحمر وجهها واسبلت اهدابها وهي توبخ نفسها
على هذا الرد الغبي…. فبررت بـ
“انت فهمت غلط انا قصدي……..”
“قصدك إيه انا سامع……”
عندما توقفت العبارة على لسانها دفعها عاصم للمتابعة وهو يحاول ان يجاريها في الحديث…. فاخيراً تكلمت من ارهقة قلبه وعقله طوال
الفترة السابقة في بعدها…..
نظرة له شهد وتوترت قليلاً لتقول برقة
بصوتها الموسيقي الرائع……..
“ممكن متبصليش كده……..ابعد عينك دي…..”
“حاضر أهوه…..قصدك اي بقا…….”نظر للجهة
الاخرى وهو مصر على ان تتابع حديثها…..
فعند تلك الحركة فلتة منها ضحكة تقطر شهد
من ثغرها الوردي….مما جعل عيناه تعود اليها
ويضيع في سحر الإبتسامة معقباً…….
“ايوا كده خلي الشمس تنور………”
تلاشت الضحكة تدريجياً وهي تنظر اليه
بصمت…فتبدلا النظرات قليلاً حتى قال
معاتباً بمحبة……
“انتي عارفه انك مزعلاني صح………”
عند ذكر تلك النقطة انقلب وجهها وحاولت الهروب كعادتها…….. “انا هروح أكمل شغلي…….”
اوقفها عاصم بمسكه بسيطه من اطراف اصابعها
فسبحت يدها بحرج……فسالها هو عابساً…
“قلبتي وشك ليه ياشهد ماكنا ماشيين كويس……”
“عشان عندي شغل…….”
سالها عاصم بجدية……
“انتي بتتهربي مني ليه ياشهد……فهميني… ”
اخبرته شهد بتردد….
“عشان انا…….مش بفكر في الجواز دلوقتي…..”
“حصلتلك إزاي……”
اخترق السؤال اذنيها…فنظرة اليه فوجدته يشير بعيناه بهدوء على اذنها اليمنى……فبلعت ريقها
وظلت تحدق به بصمت…..
فسالها برفق……
“مولوده بيها……..ولا حادثة…….”
قالت ببساطه مؤلمة على قلبها….. “حادثة………”
سالها بحاجب معقود….. “إزاي………”
وكان الحدث يتكرر امام عينيها الشاردة….
صوت الصراخ…… الصفعات المؤلمة…والسبات البذئية…….التوسل لقلب انتزعت منه الإنسانية
الدم على الأرض….رائحة المخدر الطبي…..رائحة العمليات….وخزة الحقن وطعم الادوية السيء..
وجوه الأطباء…وشفقة الممرضات على حالها…
بكاء والدتها بحرقة…وكسرة اخيها أمامها………
“ساكته ليه ياشهد ردي عليا…….”
افاقت من شرودها تسأله…. “وليه عايز تعرف……..”
“لانك بقيتي تهميني…….”قالها من صميم
قلبه مستشعراً بكل حرف بها……
فخطت مبتعدة عنه بقلبٍ يرفرف مع نسيم الهواء
حولهم…… “انا اتاخرت عليهم أوي…….”
اوقفها عاصم بلهفة…….. “شهد لازم نتكلم…….”
“بعدين ياعاصم……..بعدين………”قالتها وهي تسرع
الخطى لداخل هاربة من هذا الشعور المرهق رغم
حلاوة مذاقة !!…………
من أعلى مبنى الفيلا تحديداً في شرفة الغرفة الخاصة بالهام….
كانت تقف الهام في شرفة غرفتها كانت تتابع مايحدث من بعيد بدون ان تسمع شيء مجرد
رؤية لهفة عاصم على الطاهية تؤكد دون وضع
مجالا للشك انه مغرم بها بشدة !……
كانت كذلك تتابع مايحدث رُفيدة أختها التي كانت تحترق الآن على صفيح ساخن من شدة الغيرة والغل………
ابتسمت إلهام هازئة وقالت بتقريع……
“شوفتي….ملهوف عليها إزاي………شوفتي آخرة
عميلك السودة…….”
هتفت رفيدة وهي تصك على اسنانها
بغيرة……
“مش وقت الكلام دي يالهام…انا عايزة اعرف
مين البنت دي اصلها وفصلها عايزة اعرف كل
حاجة عنها……”
ضربة إلهام على سور الشرفة وهي تقول
بفحيح سام كالافاعي…..
“قريب………قريب أوي هنعرف كل حاجة عنها……..وساعتها هعرف اضربها منين…..”
…………………………………………………………..
قد بدأت الناس تهل في الخيم الكبيرة التي تم
نصبها في حديقة البيت……..وبدأ الكل يعمل
على قدمٍ وساق….حتى يقدموا افضل ماعندهم
للضيوف…..والذين كانوا ابساط الناس واكثرهم
رضا………..
تعبت جداً جداً….وضغطت على نفسها فوق تحملها..
لدرجة انها اتخذت مقعداً وجلست عليه وهي تئن
بوجع من ظهرها وساقيها وذراعها………
مالت عليها خلود قائلة برفق…..
“ارتاحي شويه ياشهد…احنا قربنا نخلص……”
اومات شهد مستسلمة وهي تقول……
“انا دماغي هتفرقع ياخلود…….معكيش حاجة للصداع…… ”
“لا هعملك كوباية شاي هتظبط معاكي……”قالتها خلود وهي تتجه للموقد…..
فدخل عاصم في تلك الأوقات قائلاً بهدوء…..
“دي اخر صنية تطلعيها ياخلود….خلاص الناس
مشت ومعدش فيه غير كام واحد……”
اومات خلود وهي تتنفس الصعداء هي ومعظم الفتيات الواقفين في المطبخ منذ الصباح…..
ام شهد فنزعت سماعتها الطبية شاعرها بالصداع
يتفاقم داخل راسها……….
فسألها عاصم بقلق وهو يتخذ مقعداً جوارها…..
“مالك ياشهد……..”
فركت باصابعها مابين حاجبيها قائلة…
“الصداع هيفرتك دماغي….مش قادرة………معاك
حاجة للصداع………..”
اقترح عاصم بهدوء…..
“خليني اقيس ضغطك الأول يمكن يكون واطي عشان كده مصدعه……….”
هزت راسها بنفي قائلة بتعب……
“الصداع بسب السماعة عشان بحطها طول
اليوم في ودني……….”
“مش مضطرة تعملي كده….مش ودنك التانية
سليمة…….”كان يسالها بحرصٍ حتى لا تُسيء
الفهم……..
فقالت شهد بإبتسامة باهته…..
“بودن واحده مش هقدر اسمع كويس ولا احدد
إتجاه الصوت……. بودن واحده مش هسمعك في
الدوشه……انا سمعاك كويس عشان مفيش
غيرك اللي بيتكلم…….الموضوع صعب شوية… ”
اخرج تنهيدة ثقيلة…. “انتي اللي مصعباه……..”
أسبلت اهدابها وهي تفهم مغزى حديثه….
فقال هو ناهضاً من مكانه…..
“هجيب جهاز الضغط عشان اقسلك ضغطك…اهو اطمن برضو……..”
نظرة شهد الى ابتعاده مشدوهة…فنظر الفتيات لبعضهن بشقاوة وانطلقت ضحكاتهن بعدها واحدة تلو الأخرى حتى خلود عقبت بمزاح……..
“حنين اوي المعلم عاصم………وطلع بيقيس
الضغط كمان………”
كشرت شهد عن أسنانها قائلة
بحزم…..
“اتلمي ياخلود….وشوفي شغلك…….”
كبحت خلود ضحكاتها وهي تشير للفتيات بعينيها بان يتابعوا العمل………
عاد عاصم وبيده جهاز الضغط…… عاد جالساً في مقعده وهو يخبرها بهدوء….
“هاتي ذراعك…….”
فعلت كالمنومة مغناطيسيّاً…… فظل يضغط هو على تلك الكرة المطاطية حتى انسحب الهواء وضغطت
تلك القطعة الملفوفة على ذراعها بقوة….. فنظر هو
للمؤشر……. قائلاً بعد لحظات…
“ضغطك مظبوط………”
ابتسمت وقد ذابت عينيها من فرط
حنانه….فقالت…..
“قولتلك من السماعة…….”
اوما براسه شاعراً بصدره يحترق شفقة وحزن
لأجلها………فسالته هي بإبتسامة رقيقة….
“امتى اتعلمت تقيس الضغط……..”
رد وهو يحل وثاق ذراعها…….
“من زمان….جدي كان مريض بيه…والحاجة نصرة
من بعده………”
سالته وهي ترفع ذراعها لعندها…..
“وتعلمته عشانهم……”
اخبرها بلهجة رجولية ذات مغزى…..
“ما عشان اللي بنحبهم بنتعلم اي حاجة…بس
هم يطلبوا……..”
اخترق الهدوء ضحكات الفتيات الصغيرات
من حولهما…..فنظر عاصم لهن بتوجس
ثم نظر لشهد التي إبتسمت بدورها قائلة
بخجل صارخ…….
“كده ضحكتهم علينا……..”
صحح هو بإبتسامة دافئة…….
“معانا مش علينا…….هروح اجبلك حاجة للصداع..
وارتاحي شوية….خلاص اليلة خلصت…….”
فابتعد عنها بخطى واثقة تشع شموخ ووقار
وفي رحيلة قد سرق جزءاً من قلبها غير قابل
للعودة وحتى ان طالبة به في المستقبل
القريب ؟!…..
…………………………………………………………….
انتهى اليوم وقد ودعها بعيناه خارج باب البيت
بعدما استقلّت بسيارة بشير هي وباقي
الفتيات……..
كان يود توصيلها لكنها رفضت….واصرت ان تذهب معهم متحججه بالاجرة التي ستعطيها لهم الآن….
حجة حتى تتهرب منه أكثر……لكنه لن ييأس سيحاول مرة واثنين حتى تلين……فتلك الواجهة
الصلبة ماهو الى حاجز وهمي تحيط به نفسها…
عندما دخل البيت بعد مغادرتها استقبلته الجدة بابتسامة مرحبة وهي تفصح باعجاب…..
“انا حبيت شهد اوي ياعاصم ماشاء الله عليها
بنت جدعه وهادية واكلها حلو ونضيفه…بسم
الله ماشاء الله عليها مفيش بعد كده……ولا
غلطه بجد……. ”
ابتسم ابتسامة لم تلامس عيناه
ليقول بصوتٍ رخيم………
“كويس انها عجبتك……..وفرتي عليا كتير….”
ضحكت نصرة بلؤم……
“عارفه…… عنيك فضحاك من أول مرة جت هنا….”
ابتسم عاصم ساخراً…..
“أمال هي ليه مش واخده بالها……”
لم تمحى ابتسامتها وهي تسأله
بجدية….
“وانت ليه مقولتلهاش……لسه عايش في فترة التلميحات…….”
هرب عاصم من الحديث…..
“مش بظبط……….المهم انها عجباكي……”
ضحكت الجدة بخبث…… “وعجباك………”
غير مجرى الحديث قائلاً بخشونة……
“أجلي الكلام في الموضوع ده…وقوليلي اي رأيك
في اليوم……..مفيش حد مشي جعان وكما ادتلهم منابهم من الدبيحة …….ها راضية… ”
اومات براسها برضا تام….
“راضيه يابني ربنا يسعد أيامك ويفرحك……..”
سالها وعيناه تنظر للسلم الممتد…..
“هو يزن فين صحيح مظهرش من الصبح…..
خلع بدري…… ”
اخبرته نصرة بهدوء….
“يزن طلع من الجامعه على واحد صاحبه……
بيقولوا بيذكروا سوا……..”
ثم تذكرت شيءٍ هام فأخرجت من محفظتها
الصغيرة……..
“صحيح نسيت اديك دول……”
نظر عاصم للمال بحاجب معقود…..
“اي دول ياحاجة…….”
اجابة نصرة……..
“لم اديت لشهد بقيت فلوسها شالت منهم دول….وقالت انهم تمن إيجار المطعم……”
قطب عاصم عن جبينه حانقاً…..
“وليه خدتيهم منها ياحاجة………”
قالت نصرة بقلة حيلة…..
“هو انا لحقت يابني…. هي ادتهملي من هنا ومشت من هنا………”
أغمض عاصم عيناه بجزع شاعراً بالدماء تفور في عروقة……….
لكل باب مغلق مفتاح واحد ، إلا بابك انتِ كثرة مفاتيحُ ، ومع ذلك لم أحصل على واحداً منهم !..
…………………………………………………………….
كانت تنحني على سطح المكتب تدرس احد القضايا
الهامة والتي كلفها بها استاذها……
تحسست رقبتها بيدها بتعب وهي تعود من جديد وتقرأ محضر القضية….متاففه بنزق…..
“حسبي الله ونعم وكيل…اي القضية اللي مش باين
منها لا أول ولا اخر دي……..”
ثم نظرت نحو مكتب سليم المغلق داعيه
عليه…….
“منك لله….مفيش مرة كلفتني بمهمة سهله
لازم تكون عويصة زيك……انا حسى انه
بينتقم مني…….”رمقت الملف بنظرة
باكية وولولت قائلة……..
“ماهو انا برضو مكنش ينفع اطلع محامية
من الأول……مالها فنون جميلة……..”
فتح باب المكتب في تلك اللحظات وخرج منه سليم
فادعت الانشغال التام في ملف القضية…بل وأيضاً
ادعت انها تكتب عدة ملاحظات في دفترها……
أقترب منها سليم ووقف جوارها…فشتت تفكيرها
في لحظة مما جعلها ترفع عينيها عليه قائلة
بتوجس…….
“خير ياستاذ…….”
التقط سليم عينيها في نظرة طويلة سائلاً…
“خلصتي شغلك…….”
انزلقت في مقعدها قليلاً وقالت بتردد……
“هو انا لسه بحاول احلها……هو حضرتك مستعجل……”
نظر لها بغرابة….. “مستعجل على إيه…….”
“القضية…”اشارة على الملف امامها…..
فهز سليم راسه قائلاً بجدية…..
“مش ده قصدي……..انا كنت نازل كمان شوية اشتري بدلة جديدة للحفلة….فقولت اخدك معايا……”
تبدلت ملامحها للدهشة….. “تاخدني؟!……ليه…..”
قال بملامح رصينة……
“تنقيها معايا….اصل انا مش شاطر اوي في
الحاجات دي……”
بعد رده نظرت كيان سريعاً الى الحلة الانيقة التي
يرتديها ثم قالت متعجبة……
“مش شاطر ؟!….. سبحان الله….حضرتك اشيك راجل انا قابلته….سواء في لبس البدل او الكاجول….بجد ذوقك حلو…..او ممكن يكون
ذوق خطيبتك…..طالما بتقول كده….. ”
كان يود ان يخبرها انه لا يحبذ مرافقة النساء عند
اشتراء شيءٍ يخصه……لكنه صمت…..فهو حتى
الان لا يعرف لماذا يريد اصطحابها هي….بل
ويعرض عليها هذا متحججاً………
“مش هنتأخر ياكيان….نص ساعة ها قولتي
إيه……”
قالت بعفوية محببة للنفس……
“مفيش مشكلة ياستاذ….انا بحب اساعد…ويارب
ذوقنا يكون واحد…..عشان نتفق بسرعة…….”
كانت تقصد الحلة لكن عقله تشتت قليلاً امام
جملتها حتى لاحظت هي ماتفوهت به
فقالت ببراءة…..
“انا قصدي البدلة اللي هتشتريها…….”
ظل سليم ينظر اليها بصمت وعيناه تجري على
حنايا وجهها حتى ارتبكت واسبلت جفنيها هاربة
مدعية الانشغال في الملف…….
لذا ابتعد سليم عن المكتب قائلاً……
“نص ساعة….و هننزل……..”
عندما دخل المكتب واغلق الباب عليه…وضعت
كيان يدها على صدرها متنفسة الصعداء….وهي
تشعر بمشاعر خطرة تستوطن عذرية قلبها……
بعد ساعة تقريباً…..
ترجلت من سيارته الى أحد محلات الملابس الفخمة……وهو برفقتها….
دلفت الى محل الملابس من الباب الزجاجي الامع
وبدأت عيناها تدور في المكان بانبهار……وهي ترى
قسم خاص بالنساء على أحد الجوانب…وقسم
بداخل للرجال….بينما تُعرض الملابس الفخمة
على هياكل مجسمه……..
ابتسمت كيان وهي ترصد بعينيها كل ركن وكل
قطعة هنا…….لم تحظى يوماً بدخول محلات
من هذا المستوى…..كل ملابسها واغراضها الخاصة
من محلات شعبية عادية جداً لا تمت للانبهار والسعادة بصلة………
أشار لها سليم على ركن الملابس الرجالي….
فاتجهت معه…وبدأت رحلت البحث…وأول شيء اخذته يداها كانت حلة سوداء فخمة قريبة من
ذوق سليم في الملابس….لكنها أيضاً تحمل طابع
مختلف بعض شيء مما يجعل على الحلة بصمة
كيان الخاصة وهذا ماكان يريده منذ البداية؟!…..
اخذها سليم منها ودلف الى حجرة تبديل
الملابس…..
فركضت كيان الى أحد الاركان الخاصة بملابس النساء….وبدأت تتفحص هذا وتلمس ذاك…وعلى
شفتيها ابتسامة جميلة……
حتى انها بدأت تجرب احد فساتين السهرة امام المرآه الكبيرة تضعهم فوق جسدها وتظل تستدير
يمينا ويساراً حتى تراهم عليها…..وظلت هكذا لفترة….
“لو في حاجة عجباكي شوري عليها وانا اجبهالك………”
اخترق للحظاتها الخاصة صوته….فارتبكت وهي تلقي
الفستان أرضا…وكانها تتخلص من سلاح الجريمة…
ثم بلعت ريقها قائلة بحرج……
“لا مش حلو……انا كنت ناويه اشتريه بس
لونه مش قد كده…….”
قطع سليم المسافة بينهما قائلا وعيناه تدور
على الملابس المعلقة جواره……..
“بسيطه شوفي حاجة تانيه……..تحبي انقي
معاكي حاجة على ذوقي….. ”
رفضت بشدة….. “لا مش عايزة……..”
اخبرها برفق…… “متقلقيش…….انا هدفع…….”
قالت كيان بكبرياء…..
“ومين قال اني عايزة حضرتك تدفع…..الفكرة اني عندي دريس في البيت ولسه جديد……”
“زيادة الخير خيرين……مقولتيش حاجة عن البدلة
يعني……..”سألها بنظرة عابسة…..
فابتسمت كيان وقد انتبهت أخيراً للحلة التي كانت في غاية الروعة عليه وكانها صممة اليه خصيصاً
حتى تلائمه هو دون غيره…….
“حلوة أوي……بس ناقص حاجة بسيطة……”
ابتعدت كيان عنه ثم عادت بعد دقائق بربطة عنق
ملائمة….ثم اعطاتها له قائلة……
“دي هتليق اوي معاها……”
وضعها سليم حول عنقه….ثم أخفق عدت مرات
وهو يربطها………حتى انتبهت كيان إليه فقالت
متطوعه….
“عنك ياستاذ…..شكلك مش بتعرف تربطها…”
لانت شفتيه في ابتسامة ماكرة…..يبدوا ان اليوم
يوم الكذب العالمي…..فكم مرة كذب وادعى
عكس شخصه…..حتى يحظى بوقتاً بسيط معها
دون ان يثير الشك داخلها………
حافظت على مسافة بينهما….ثم اعطت كل تركيزها على ربطة العنق….بينما هو ضائع في النظر اليها
عن قرب عن تفاصيلها…..وجنتيها الممتلئتين
عينيها الفيروزيتان المضيئتان….بشرتها البيضاء الناصعة وكانها متشربة من الحليب الطازج….
شعرها البندقي المموج أحياناً عندما تكون صاحبته في مذاق سيء لا يسمح بمسك مكواة الشعر………
حتى رائحة عطرها مميزة ناعمة خفيفة على الانف ورغم ذلك لا تنسى وان شممت افضل العطور
واقواها تظل الناعمة الخفيفة الأفضل دون
منازع……..كالياسمين……
عندما انتهت ابعدت يدها قائلة بإبتسامة
جميلة…..
“ها ياستاذ اي رأيك…….”
اوما براسه راضياً…ثم اتجه الى بعض الفساتين المعلقة جوارهما…….يبحث فيهم قائلاً……
“شابووو ياعصفورة………ممكن نشوف حاجة
ليكي بقا……..”
رفضت كيان بتعنت…….
“قولتلك مش عايزه ياستاذ….أصلا مفيش حاجة عجباني……..”
حاول ان يمحو الحرج بينهما فاقترح
برفق………….”اي رأيك تعتبريها مكافأة…..”
تعجبت كيان….. “مكافأة ؟!……مكافأة ليه….. ”
“عشان انتي محامية شاطره…. وساعدتيني كتير
الفترة اللي فاتت فانا لازم اكفأك…….ها هتختاري إيه……. ”
كان يتحدث بجدية قصوى……حتى تصدقه لكنها ايضا هتفت بتردد…….
“مش عايزة…….”
تافف سليم مزمجراً…..
“كياااان……انجزي مش عايزني نتأخر اكتر من كده……اختاري….تحبي اساعدك……..”نظر للملابس
بحيرة محاولاً الاختيار منهم……
فاتجهت كيان سريعاً واخذت فستان
بعينه قائلة بحرج……
“لا يعني انا هختار ده…….”
انعقد حاجبي سليم معلقاً بمكر……
“هو مش ده اللي قولتي لونه مش قد كده…..”
نظرت للفستان ثم لعينا سليم وقد أحمر وجهها
امامه وهي تقول…. “بجد….طب اشوف غيره……..”
هز سليم رأسه مستاءاً منها…..
“ادخلي قسيه ياكيان……على ماروح اغير البدلة… ”
دخلت كيان حجرة تبديل الملابس وهي تقفز من السعادة محتضنه الفستان بسعادة أكبر…….
انتظر سليم بالخارج وقد أرسل مع العاملة حذاء
أنيق بكعب عالٍ……… اختاره لها بعد ان سالها
عن مقاس قدميها……
مل سليم من كثرة الإنتظار فجلس على أحد
المقاعد ومسك هاتفه يعبث فيه حتى تنتهي….
ولم تمر الدقائق الى وسمع كعب حذاءها يقرع على
ارضية المحل…..فرفع عيناه تلقائيّا الى مصدر
الصوت ليجدها……
كيف لهذا الجمال ان يكون حراً طليق دون ان يُنسب
لأحد !!……..امرأة فاتنة بروح طفلة شقية عفوية تحب بصدق… وتكره أيضاً بصدق……..معبرة….. واضحة…..لا تشبه أحد……
كانت ترتدي فستان سهرة طويل يكشف عن نصف
ذراعيها….كشمير اللون………..مطبع من الاعلى حتى الخصر بورود من التل……..ثم من الأسفل ينزل
باتساع من الحرير………كان جميل عليها يلائمها
بشدة فقد رسم قدّها المميز باحترافيه دون ان
يبرز مفاتنها بشكلاً مبالغ فيه…….حتى كعب الحذاء التي ترتديها كان يشبه حذاء السندريلا….فكان قمري اللون يلمع بانافة…….
قالت كيان بحرج وهي تلمس اطرف تنورة الثوب
بيدها…….
“حلو ياستاذ………”
نهض سليم من مكانه وعيناه مزالت تجري على ثوبها
باعجاب شديد…..حتى قال بعد لحظات من التأمل
“يجنن ياعصفورة………لايق عليكي أوي………”
قطعت كيان اللحظة المميزة داخله وهي تقول
بتزمر….
“اي حكاية عصفورة دي….شايفني بنقل الكلام…”
ضحك سليم… ضحك بشدة….ضحكة ليس اوانها
أبداً مما جعلها تنظر اليه بتزمر عاقدة ساعديها
امام صدرها بتشنج……..
بعدها بدأت تتلاشى ضحكته بتدريج ثم صرح
من منظورة هو بمنتهى الشاعرية…….
“بتشبهي العصافير ياكيان في رقتهم وجمالهم…”
لم يبدو عليها انها لمست شيءٍ شاعري في الجملة
فقالت ممتعضة…….
“شكراً…..بس بلاش عصفورة دي….حساها شتيمه..
خليها كيان أحسن…….”
اوما برأسه موافقاً…….
“ماشي ياكيان…..ادخلي غيري يلا عشان نحاسب..”
لامست كيان اطراف تنورة الفستان مجدداً…..
“يعني بجد حلو عليا……”
اوما سليم بحرارة……. “جداً….جداً……جداً……”
قالت كيان كذلك وهي تنظر للحذاء
الناصع…
“الهيلز كمان حلو أوي…..عجبني لونه….كل حاجة
عجباني بصراحه كله……. عن إذنك…. ”
عند ابتعادها قفز صوتٍ داخله دون
سابق إنذار…….
(انتي كمان كل حاجة فيكي عجباني…..)
تجهم وجهه نافراً من ما وصل اليه تفكيرة…… فعاد للهاتف مجدداً يراسل ايتن ويطلب منها ان يتناولا
العشاء اليوم في أحد المطاعم الفخمة…..فوافقت ايتن بصيحة حماسية…..محددة معه سريعاً الساعة والمكان…….
………………………………………………………………
يوم الحفل والذي كان يقارب الرابعة عصراً…..
قد اتت العمل ككل يوم…. بملابس عملية عادية واتت
بثوب الحفلة والحذاء في حقيبتها… قررت ان ترتدي ثوب الحفلة هنا في الحمام… بدلاً من الذهاب الى المنزل…… خوفاً من اي تصادم بينها وبين اخيها
حتى لا ينتج من خلفه شجار……يؤدي الى منعها
من النزول…….
قررت ان تتوخى الحذر…..ولا تجازف…. فهي متلهفة
بشدة لذهاب لهذا الحفل التي لم تراه الا من خلال
شاشة هاتفها……..
عند أقترب الساعة من الموعد المحدد….
خرجت من الحمام بكامل اناقتها… بثوب الكشمير
ذات وردة التل الجميلة وحريره الامع….. وقد رفعت
شعرها بلفة انيقة للخلف… ووضعت بعض الزينة المتقنة…. والتي تلائم بشرتها البيضاء وحنايا ملامحها المشعة بلطف….والطاقة الحماسية
التي تُضيئ فيروزيتيها……..
خرج سليم كذلك من مكتبه وكأن متأنق بالحلة التي اختارتها له….. كان الوضع بنسبة لسليم عادياً.. فهو
يبدل ملابسة دوماً في غرفة مكتبه التي يتخذها
عملاً واستراحة أيضاً….. واحيانا يبيت فيها كما
راته منذ أيام…….
عندما ابصرته كيان تبدلت نظراتها لاخرى هائمة حالمة، لأول مرة تخص بها رجل…. لطالما كانت
تسخر من أصدقاء الجامعة…. من الفتيات
المائعات التي تتغزل في كل ماينتمي
لذكر !!….
اما هي فلم يلفت أحد انظارها إلا هو….هذا لا ينتمي للوسامة بصلة…انه الوسامة بعينيها…هو العنفوان
والجاذبية والرجولة المجسمة عليه…….
اسبلت اهدابها…..وتلك الخفقة الخائنة شتت عقلها
للحظات تتسأل عن ان كانت لهفتها بالفعل لرؤية
حفلة مرفهة ام لانها ستكون برفقة رجلاً وسيم
ورائع كـ(سليم الجندي….)المحامي الفظ في عملة
والغير رحيم اطلاقاً بها……..ام على النحو الخاص
فهو ليس سيء بل حنون….كوالده التي اغرمت
به من أول لقاء كأب تتمناه لها ولشقيقيها !…
لو كان مصطفى الجندي والدها اين ستكون هي وشهد وحمزة ياترى….. تتوقع كانوا الان أسعد
البشر واكثرهم استقامة…….
“كيان…….”
الخفقة الثانية كانت قوية على صدرها… فقد نداها
بصوتٍ حار يشع ذهولاً……… فرفعت راسها اليه وكما توقعت….. نظرة مشدوهة متوهجة في عيناه….
وكانه لأول مرة يراها جميلة……
عفواً عند تلك النقطة تحولت ملامحها من شابة خجولة يابسة النظرات لـ…..لفتاة سواقية فظة
تسيء الظن…….
“انا حلوة طول عمري……”
فغر سليم شفتيه وهز راسه مستفهماً….
“نعم……. بتقولي إيه؟!……”
مطت شفتيها قائلة بتحذلق…….
“اصلا انا عارفه انك هتقول اني حلوة…. فقولت
أسبق وقول اني حلوة طول عمري… الرك على النظر……..”
قال سليم واجماً…… “قصدك اني مبشوفش…….”
نظرت كيان لاظافرها بغرور…….
“معرفش…. بس في النهاية الحلاوة حلاوة آلروح…….”
مط شفتيه بقرف متغاظ منها……
“بظبط….. فانا شايف انك عادية زي كل يوم…. فمكنتش هقول حاجة أصلا…..اتفضلي قدامي…”
نظرت اليه بدهشة…. “اي الاسلوب ده استاذ…”
زفر بنفاذ صبر مشيراً على باب الخروج……
“ده اللي يليق بيكي……..قدامي….. ”
قلبت شفتيها وهي تنزل على درج السلم… يبدوا انها
افسدت اللحظة بعدة كلمات سخيفة….لكن حمداً
لله انها فسدة فهي لن تتحمل خفقة اخرى من
هذا الغبي……
بعد لحظات اوقف سليم سيارته الفارهة امام فندق
فخم…مقيم بداخله الحفل……
ترجلت كيان من السيارة برفقة سليم…ثم سارا جوار بعضهما الى مكان الحفل بعد ان تكلف احد عمال الفندق بتوصيلهما……..
كانت تقفز داخلياً بسعادة وهي ترى الحفل الراقي
الاضاءة المميزة الديكور المنسق……موسيقى
أوبرا الرائعة والتي تنبعث في المكان تعطي انطباع رفيع عن الضيوف….. والذين عبارة عن بشر
يلمعان……..من شدة الرخاء على وجوههم
من اناقة الملابس ذات الماركات الغالية
من بواهظ المجوهرات والحلي التي
يتأنقوا بها……من الحقائب والاحذية التي
تكلفهم مَبَالغ مُبالغ بها……..
حانت من سليم نظرة على وجه كيان الشارد في ملكوت آخر……..فمالى عليها قليلا متسائلاً….
“مالك مسهمه كده ليه….الحفلة مش عجباكي….”
فاقت كيان من شرودها تنظر إليه بإبتسامة
حلوة………
“حلوة أوي…….دي أحلى من اللي في المسلسلات
الكوري…….”
تافف ضاحكاً……
“يادي الكوري….انزلي على أرض الواقع شوية
وركزي معايا…..مبسوطه……..”
خفقة ثلاثة أكثر حرارة والم جعلتها تنظر اليه جافلة للحظات حتى…. حتى اومات براسها ببطئ فقال سليم بابتسامة جذابة فتنتها….
“ده اللي انا عايزة……..”
اتى في تلك اللحظات وفيق المقيم للحفل والذي سلم على سليم بحفاوة….
“اهلا اهلا ياسليم بيه……..نورت الحفلة…..”
بادله سليم السلام….. “منوره بحضرتك……”
قال وفيق وهو يوزع نظراته الخبيثة عليهما…
“كنت هزعل اوي لو مجتش….بس واضح ان كيان ليها تأثير عليك……نورتي الحفلة ياستاذة…..”
أحمر وجه كيان تلقائياً وهي تهز راسها
شاكرة……
“شكراً يا وفيق بيه…. الحفلة حلوة أوي……”
اوما وفيق مبتسماً برخاء….
“دا عشان انتم بس موجودين انا عايزكم تنبسطو
وتاخدوا راحتكم…. الحفلة على شرفكم….. عن اذنكم……..”
عندما ابتعد الرجل…زمت كيان شفتيها وهي
تدور بحدقتاها حول المكان…….
“انا عطشانه أو….. هو مفيش مايه هنا…..”
اشار سليم بعيناه على احد الزوايا…..
“الركن ده بيقدم مشروبات روحي شوفي انتي
عايزا إيه………”
انتبهت كيان لم يشير اليه فقالت وهي تدير راسها نحوه……. “مش هتيجي معايا…..”
قال ببساطه وهو يشير مجدداً لاحد النساء
صارخات الجمال…….
“عيني عليكي متقلقيش….. في وكيلة هنا… بيبني وبينه قضيه…. وبتشاورلي……”
حانت من كيان نظرة سريعة مقيمة لتلك الوكيلة
التي كانت مزينة كعروسة المولد بثوب
أزرق قصير……همهمت بتقزز…..
“ممم والله طيب…..بس خد في بالك شكلها
معجبه أوي……. ”
طاف بعيناه في فيروزيتاها قائلاً
بتسلية… “انتي شايفه كده…….”
“باين عليها…….عن إذنك…….” اومات براسها بملامح جامدة ثم استدارت مبتعدة لهذا الركن الذي يقدم المشروبات الباردة…
ثم اتجه هو الى تلك الوكيلة والتي استقبلته بابتسامة لعوبة…..وعينيها هائمة في الوسامة
والرجولة المشعة منه……
وقفت كيان عند الطاولة الممتدة ثم قالت
للنادل…
“ينفع كوباية ماية…….”
اوما لها النادل وقدم كوب الماء…..ثم ارتشفت منه كيان دفعة واحده………اتت شابة ووقفت جوارها
وطلبت مشروب له اسم غريب فسالتها كيان بعفوية……..
“هو اللي انتي طلبتيه ده عصير…….”
ابتسمت الفتاة ضاحكة بلؤم….
“تقريباً…….تحبي تجربي…….”
سالتها كيان ببراءة…..
“يعني هي مش خمرة……”
ضحكة الفتاة ضحكة رقيعة ثم إجابة بنفي….
“خمرة؟!…. خالص….دا عصير تفاح….تجربي……”
اومات كيان بانتشاء…. “آآه بحب انا عصير التفاح….”
ابتسمت الفتاة بلؤم…….. “هيعجبك خاالص…..”
ثم اشارة للنادل قائلة…….
“لو سمحت خليهم إتنين…….”
ثم وجهة الحديث لكيان…. “انتي اسمك ايه بقا……”
اجابة كيان بفتور….. “كيان…… وانتي……”
قالت الفتاة بميوعة…..
“هاندا………انتي كنت دخله مع سليم الجندي….”
اومات كيان برأسها…..
“اه…… مانا شغاله معاه في نفس المكتب…..”
همهمت الأخرى باعجاب وهي تلقي عليه نظرة عن بعد……. “ممم….واي رأيك في الشغل معاه…..”
ردت كيان ممتعضة…… “عادي زي اي شغل…….”
اتت المشروبات فقدم النادل كوبا لكيان وكان عسلي
اللون كمشروب التفاح بالفعل………فقالت هاندا وهي ترتشف من كوبها باستمتاع……..
“اشربي هيعجبك أوي……”
مسكت كيان الكوب واخذت رشفة على مهل…. كان
يحمل طعم التفاح فعلاً لكن هناك شيءٍ غريب لسع
لسانها…….وكانها تشرب ماء مكوي…….فابتعدت
الكوب عنها وهي تخرج لسانها بتقزز……
“مزز كدا ليه……”
ضحكت هاندا وهي تشرب كوبها بمنتهى
البساطه…..
“طبيعي…..عصير التفاج مزز….انتي أول مرة
تشربي ولا إيه………”
هزت كيان راسها مضيفة…. “لا مش أول مرة……”
مسكت هاندا كوبها وقبل ان تذهب قالت
بمكر…….
“دا عشان مستورد بس….بس متكتريش منه…. شاووو ياكتكوته……. ”
زمت كيان شفتيها ممتعضة وهي تمسك الكوب
بين يداها….
“كتكوته…..انتي كتكوته.. وسليم عصفورة……”
ارتشفت ما في الكوب دفعة واحدة بتلذذ
وقد اعتادت لسعته على لسانها……..
عندما انهت الكوب قالت للنادل
مجدداً…..
“لو سمحت ينفع تجبلي من ده تاني……”
ثم استدارت خلفها تنظر الى سليم فوجدت مزال
غارق في الحديث مع المرأه المغوية فضحكت
وهي تهز راسها يائسة…
“كلهم عثمان الدسوقي……كلهم… ”
بعد ان انهى سليم الحديث مع المرأه وقد تخلص منها باعجوبة بداء يبحث بعيناه عن كيان…..
فوجدها مزالت تقف عند ركن المشروبات عقد حاجباه وهو يقترب منها…فكانت وقفتها غير
متوزانه تترنح قليلاً…….
أسرع الخطى نحوها وهو يدعي ان يكون استنتاجة
خاطئ……لكن عندما ادارها اليه وراى وجهها اليابس
وضحكتها الهازلة…علم انها ثملة……فاغمض عينيه شاتماً….
ضحكت كيان وهي تقترب منه بجرأة لم يتوقعها
منها……
“أخيراً خلصت مع السفيرة عزيزة بتاعتك…..”
جز سليم على اسنانه سائلاً إياها
بغضب…..
“انتي شربتي إيه ياكيان…….”
بدأت تضحك مع كل جملة قائلة وراسها تترنح
قليلاً بينما عيناها تفتحهما باعجوبة……
“عصير تفاح…..بس شكلة طلع خمرة….شكل هاندا دي كمان غيرانه عليك……اصلها سألتني عنك…..هو انت بتعمل اي في الستات ياسليم…..استنى انت ساحر صح……..”اشارة له باصبعها ضاحكة بقوة……
فابعد اصبعها عن وجهه وهو يوجه حديثة للنادل
الذي يتابع مايحدث بصمت……
“انت شربتها اي يابني…….”
جفل النادل وهو يقول بارتياع…..
“هي اللي طلبت ياباشا………مشروب ***.. ”
شتم سليم مجدداً وهو يمسكها من ذراعيها قبل ان تقع……ثم اشار للنادل كي يحضر مقعداً سريعاً…..
ففعل النادل…وجلست كيان على المقعد في أحد الزوايا البعيدة عن الأنظار…..ضرب على جنتيها
الناعمة بخفة قائلاً…
“كيان فوقي………اي اللي هببتي ده……”
فتحت عينيها وهي تقول بغضب…..
“متمديش ايدك عليا……انت مفكرني عبيطه…..
انت وهو متفرقوش حاجة عن بعض…….”
سالها سليم مشدوهاً….. “هو مين ده…….”
قالت بعيون تترقرق بدموع……
“عثمان الدسوقي….كان ندل وخاين زيك كده….عايز
الاتنين في حياته….واحده تكون ام ولاده وتانيه تكون عشقته…….”
وكانها صفعته على حين غرة…فارتد براسه للخلف ذاهلاً بملامح متصلبة……..
اومات براسها وهي في حالة من اللاوعي…..
متابعة…….
“انا واخده بالي كويس اوي…..من اللي بتعملوا…انت
بتحاول تأثر عليا….نظراتك اهتمامك….غيرتك ومراقبتك للاستوري بتاعي…..بتحط لايك أزرق
ليه…..اللون الازرق بيعصبني……”
اخفت وجهها في كفيها باكية بشدة….باكية بقهر
بغضب بحزن بيأس……
فلامس سليم كتفها وربت عليه قائلا بحنان
ورفق…..
“اهدي ياكيان…..كفاية عياط….أهدي……”
ابعدت كفيها عن وجهها وهي تهتف بحرقة
من أعماق قلبها…….
“انا بكرهوا…..هو اللي موتها…….الحب بيقتلنا….انا
بكره الحب…وبكره الرجالة و بكره الجواز….مستحيل
اتجوز…..مستحيل أسلم نفسي لراجل…..كلكم اندال
طفسين خاينين…..انا مش هكون كريمة…ومستحيل
أكون الهام……لأ انا مش عايزة أكون واحده منهم…
لأ….. ”
بكت أكثر حتى اغمضت عينيها تاركة الحرية
لشهقاتها……المه قلبه بشدة بينما صدره يشتعل
كأتون ملتهب…..مع كل حقيقة تخرج من لسان يهذى…..وعقل يعمل بلا وعي……تصب داخله
شعور من الخساسة فهو من أوصل لها دون
قصد هذا الشعور ؟!…..
“خلاص بلاش حب ولا جواز………اهدي….وكفاية عياط…… ”
قالت وهي تفتح عينيها الحمروان بصعوبة…..
“انا خايفة……انا حسى انه هيموتني في يوم زيها
او هيأذيني زي مآذى شهد….أو هيرميني في شارع
زي مابيعمل مع حمزة…….هو بيكرهنا ليه…وليه
كريمة قبلت من الأول تكون تحت رحمته….”
نزعت يداها من يد سليم قائلة بغضب
عارم…….
“وليه انت عايز تكون زيه…..ليه متكملش في
حياتك مع خطبتك…..ليه…….”
نظر لها سليم بصمت…فبادلته النظرة بضياع ثم
انتفضت ناهضة بقوة………وهي تصيح بجنون….
“انا عايزة أروح…….لازم أروح وقولوا في وشه اني بكرهه وان هو اللي قتلها وحرمنا منها…..لازم يموت
زيها…….”
مسك سليم ذراعها بقوة هاتفاً بنفاذ
صبر…..”كيان اهدي……..أهدي”
بيدها الحرة مسكت يده القابضة على ذراعها وتوسلت له وهي تبكي بقهر……
“سليم……سليم متبقاش زيه……بلاش ياسليم…”
نبضات قلبه وصلت للعنان….بينما رجفة لذيذة
تغلغلت جسده…..وسلبت قلبه معها…..بينما
عيناه ذابت خاضعة لفيروزيتاها الراجية….
نادته مجدداً بصوت أملس وهي تقترب منه
بوداعه……”سليم……….”
سحبها لاحضانه بجنون وهو يدفن وجهه في
كتفها هامساً بتعب……..
“اهدي ياكيان……أهدي وكفاية……..كفاية عشان خاطري…… ”
……………………………………………………………
كيف لنا ان نبدأ وقد سقطت الأقنعة وتعرياً امام
من نحب………حقائق غير مشرفة…. ومشاعر غير
متوزانة…….انكشفت امامنا فأما ان ندعي العمى
او تبصر بصيرتنا ونصلح ما يمكن إصلاحة…..
سمع صوت تقيؤها يتزايد كل دقيقة…..خلف باب حمام المكتب………فقد عاد بها لهنا واعطاها
أحد الاقراص الازمة حتى تبدأ في التقيؤ
ويبطل مفعول الخمر من جسدها…….
ساعة بأكملها تختفي خلف باب الحمام يسمع تاوهها
وتقيؤها ولا يقوى على الاقتراب…..اصبته أليوم
في صميم قلبه……..فأصبح حائراً…..هل يغضب
منها ام يحزن عليها……
كيف يكن والدها بهذه القسوة…..وكيف يوصلها لهذه الحالة….انها من كثرة الكره……تنوي قتلة؟!….
كيف لرجلا مثله ان يكره فتاه جميلة ككيان……
الم ينظر لعينيها يوماً ليرا كم هي بحاجة
اليه ؟!….
رأى احتياجها كثيراً لكنه لم يقدر على اشباعه..فمن
هو ليغمرها بتلك المشاعر…….ومن هي لتاخذ منه ماينقصها……..
هو غير مؤهل لتلك المهمة…..ولن يقبل ان يشبع
احتياجها رجلا غيرة ؟!….
خرجت كيان من الباب بعد لحظات بوجهاً شاحب
قليلاً وهي تجفف وجهها المبلل بالمنديل الورقي….
انتفض من مكانه واقترب منها…….سائلاً بلهفة…
“بقيتي احسن……..”
اومات براسها متزنة اكثر من السابق بكثير…لكن
مزال أثر الكحول عليها……تارك آثار جانبية كصداع
مزمن واعصاب مرتخية……ووجهاً شاحب وكانها
تصارع الموت……..قالت بصعوبة وهي تشيح
عينيها عنه…..
“ينفع أروح……..”
أشار له سليم على المقعد وهو يقول
بهدوء….
“ينفع…..بس قعدي شوية ارتاحي…….”
قالت باصرار وهي تهرب من عيناه
الثاقبة……
“لا انا عايزة أروح انا اتأخرت……..”
هتف هو بهدوء….. “احنا لسه بعد المغرب…….”
“انا كان المفروض اكون قبل المغرب في البيت….”
استدارت بضيق وهي تقول تلك الكلمات….
فاوقفها هو بحزم……
“انتي عارفه انك غلطي صح….”تقدم سليم منها
ووقف امامها يداهم عينيها بنظرات معاتبة
غاضبة……..
” خيبتي املي فيكي ياكيان……”
اهتزت حدقتيها وهربت من عيناه قائلة بغصة مختنقة…….. “الكلام اللي قولته……”
قاطعها بصلابة وبعينين غير متهاونتين….
“انا مش بتكلم عن اللي قولتيه….انا بتكلم عن اللي شربتيه….ووصلنا لهنا……..”
ازدردت كيان ريقها بحرج ولا تعرف بماذا
تجيب…..
فتابع هو مستنكراً فعلتها المخزية……
“إزاي بنت محترمة وعقله وفهمه زيك….تشرب
حاجة زي دي….حتى لو اضحك عليكي زي ماكنتي بتقولي….محستيش من أول مرة شربتيه انه مش عصير تفاح وان فيه حاجه غلط…….”
رفعت عينين مجهدتين اليه…..فسالها
بحدة……..
“ليه عملتي كده كنتي حبى تجربي……..”
ارتبكت بشدة وقالت متلعثمة…….
“انا مش كده ياسـلـ……..ياستاذ….انا غلطانه فعلاً
بس……….”
توقفت فازداد قسوة عليها سائلاً…… “بس إيه……”
وضعت يدها على راسها قائلة بتعب…..
“ينفع أروح…. الصداع هيفرتك دماغي….أرجوك…”
زفر سليم وهو يميل على ظهر المقعد وسحب سترته ثم ارتداها………. “يلا عشان اوصلك…..”
رفضت بضعف….. “ملوش لازمه….”
احتدت نظراته عليها قائلاً بخشونة……
“مش هسيبك تروحي لوحدك وانتي كده…..”
قالت بحماقة…….. “هاخد تاكسي……”
طوال الطريق لم يتحدثا…ظلا صامتاً محرجاً من بعضهما….ويبدو انهما فعلوا ما يسيء… فظلا واجما متصلبا الوجوه….متحجرا النظرات وكانهما عادوا من عزاء شخصٍ عزيز ذهب ولن يعود………
نزلت كيان من سيارة سليم على أول الشارع كما طلبت منه…….ثم سارت في الشارع ذات الاعمدة المنيرة على الجانبين……والعمارات الشاهقة……
ونسيم الهواء البارد يداعب شعرها الذي انحل
من عقدته وارتاح على ظهرها……
كانت سيارة سليم تقف في أول الشارع بالعرض
وقد خرج سليم منها واستند بظهره على الجانب
المطل على الشارع وعيناه تلاحقها من تسير بخطوات متزنة أمامه…..من تسير ومعها
جزءاً من قلبه يحاول استعادته منها لكن دون جدوى….تظل تستحوذ عليه حتى أصبح
ملكا حصرياً لها وحدها ؟!…..
فتحت باب الشقة بالمفتاح…. فوجدت حمزة وشهد وقمر يجلسا في الردهة ينتظرونها..
بلعت ريقها وهي ترى عينا حمزة مشتعلة بالغضب عند رؤيتها وملامحه متصلبة لا تعبر عن شيءٍ….
قالت بصعوبة وهي تتقدم منهم
بوجل…..
“سلام عليكم……”
قطع حمزة المسافات بينهما ووقف امامها يواجهها بعيناه الضارية سائلاً إياها بهدوء ماقبل
العاصفة.. “كنتي فين……”
قالت بغصة مختنقة…….
“في المكتب….كان عندنا شغل كتير و… ”
“وكمان كدابة….” صوت الصفعة التي تلقتها على وجنتها اخترقت الصمت من حولهم..
متنساش ان الرواية موجودة كاملة في قناة التلجرام والواتساب
للانضمام لجروب الواتساب اضغط هنا
↚
قطع حمزة المسافات بينهما ووقف امامها يواجهها بعيناه الضارية سائلاً إياها بهدوء ماقبل
العاصفة….. “كنتي فين……”
قالت بغصة مختنقة…….
“في المكتب……كان عندنا شغل كتير و… ”
“وكمان كدابة……..”
صوت الصفعة التي تلقتها على وجنتها اخترقت الصمت من حولهما فتسمرت الفتيات بصدمة متسعين الأعين……حتى هرولت شهد نحو اختها شاهقة بخوف عليها……تخبئها في احضانها خوفاً من
بطش اخيها مجدداً……كذلك اقتربت قمر تقف
جوار كيان تدعمها وهي ترمق حمزة بازدراء…
فمن قال انه لا يضرب النساء…يصفع اخته
بمنتهى القسوة معرضها للمهانة أمامهم………..
صاح حمزة غاضباً وهو يقلب عيناه
بصرامة بين شقيقتيه……
“أختك اللي اتفاقتي معاها تغطي عليكي… لم
اتأخرتي قالت انك روحتي عيد ميلاد واحده صاحبتك………الكلام ده صح….ولا بتداري
عليكي في حاجة تانيه……..”
نظرت كيان لشهد مستفسرة بعينيها فأومات شهد برأسها في الخفاء…. فعادت كيان لعينا اخيها
العاصفة واكدت ويدها مزالت تخفي وجنتها
الملتهبة والتي رسم عليها اصابعه ببراعة……
“أيوا…….”
سالها بضراوة غير متهاون…..
“وليه مقولتليش……..مش مالي عينك…….”
تلجلجت وهي تقول…….
“مكنتش هترضى عشان صاحبتي عملى الحفلة
في فندق…….”
رفع حاجباه بعضبٍ هائل…..
“فقررتي تروحي من ورايا مش كده……”
لم ترد وكذلك فعلت شهد….اما قمر فظلت تتابع
بصمت فكان غضبه مهيباً قد لجمها…..
صاح حمزة مقهوراً من افعالهن المستجدة عليه….
فلم يكونوا متمردين هكذا عليه….لماذا الجام
فلت من بين يداه وأصبحت كل فرسة منهن جامحة متمردة تتحداه دون حديث…..تفعل دون الرجوع
اليه……..وكأنهما احرار ولم يكونوا يوماً الأقرب
لبعضهم…….
“مفيش حد فيكم مقدرني…..اختي الكبيرة العاقلة مشت اللي في دماغها وراحت اشتغلت في بيت عاصم الصاوي….والتانيه رجعالي من حفلة في
فندق….والكبيرة بداري عليها وبتكدب عليا…في اي تاني مخبينوا عني…….انا ***بنسبلكم…..صح…..”
ابعدت شهد اختها عنها برفق واقتربت من اخيها
محاولة تهدأته…….
“حمزة………أهدى….عشان خاطري……احنا غلطنا… بس صدقني للضروره أحكام…….واحنا مش بنعمل حاجة غلط….. اختك راحت عيد ميلاد صاحبتها ورجعت الساعة تمانية……..مفهاش حاجة….. ”
ابتسم هازئاً….
“مفهاش حاجة صح…..”ثم نظر الى كيان بقسوة
واقترب منها بملامح متصلبة ثم قبض على
ذراعها هاتفاً بفحيح مهيباً……..بينما عيناه
تقدح شراراً نحوها……..
” بعد كده الخروج ليكي انتي بذات هيكون بحساب…..وبنسبة لشغلك…..انا اللي هوصلك وهجيبك منه……معنتيش هتخرجي تاني غير معايا….وهترجعي برضو معايا….. سااامعه…..”
لكزها في كتفها بقوة…
حاولت كيان التملص من بين قبضته القوية
وهي تئن متألمة……..
“ساامعه حاضر………ساامعه…….”
القى عليها نظرة مزدية ثم دفعها بعيداً
عنه…..
“غوري في داهية على اوضتك……..مش عايز
اشوف وشك……. ”
بالفعل اتجهت الى غرفتها الخاصة واغلقت الباب عليها متجاهلة مبيت قمر بها….فهي تريدها اليوم
حتى لا ينكشف أمرها امام اختها وتعرف ماذا
حدث في الحفلة……وماذا شربت………
ضربت كيان على وجنتيها وهي تسب نفسها
بأقذع الشتائم……فبسبب غباءها……جعلت
الجميع ينظر لها بازدراء….. ويضعها في
خانة الشك…….قد خيبة امال الجميع
وهي اولهم………
……………………………………………………………
توقفت عن الذهاب للمكتب لمدة أسبوع……مكتفية
بالانعزال في غرفتها…..وعدم التحدث مع حمزة
الذي مزال منزعج منها يتجاهل وجودها….
كانت تصر شهد كل صباح عليها ان تذهب الى المكتب وتباشر عملها…..فهي في السابق سعت
لها بشدة مستغلية معرفتها ببعض الزبائن الأثرياء
حتى تجلب لها منهن وسيطاً يُمكنها من دخول
مكتب (سليم الجندي….) والعمل معه…..
لكن رغم الحاح شهد كانت كيان تتحجج بتعب…….أتصل بها سليم خلال الاسبوع اكثر من مرة….وكل مرة ترد بحجة جديدة هروباً من مواجهته بعد هذايانها المخزي في الحفل….
لا تتذكر بضبط ماقالته لكنها تعرف انها قالت أشياء
تكره التحدث بها بينها حتى وبين نفسها ؟!…
في صباح يوماً جديد قررت الذهاب الى المكتب وحضرت أمس ورقة الاستقالة واخفتها في
حقيبتها…..لم تخبر أحد بهذا القرار……حتى لا تكثر
الشكوك والاسئلة حولها……فمن الغبي الذي يستقيل من مكتب مشهور ، ويفر من محامي ناجح
كسليم الجندي………
لها أسبابها الخاصة……وهي تريد ان تلحق نفسها قبل
ان تنغرس أكثر به……..ويستحوذ هو عليها….. كحالة
مع كل أمرأه تقع عينيها عليه………
أوصلها حمزة بسيارته امام العمارة القابع بها المكتب……ولم يتحدث كلمة واحدة طوال
الطريق….وحتى عندما ترجلت من السيارة
متجهة الى المصعد واستقلت به… انطلق هو
بسيارته بعنف معبرٍ….
بداخل المصعد تجمعة غمامة من الدموع في
مقلتاها محجبة عنها الرؤية فانحنت براسها
منهزمة تجش من البكاء وحلقها يموج بحزنٍ
مرير ، كوردة مائلة……أهمل الجميع وجودها
في موسم الربيع ؟!……
…………………………………………………………..
أطرقت على باب مكتبة فسمح لها بالدخول وهو جالس خلف مكتبة ينتظرها بعينين ثاقبتين متلهفتين لرؤيتها…….فلأول مرة منذ ان توظفة هنا ان تبتعد
عنه بهذا القدر…..فكم أشتاق…….وكم مولع برؤيتها
الآن…..
عندما ابصرها واصبحت تحت سطوة عيناه عقد
حاجباه وهو يراها كم كانت باهتة النظرات….حزينة
الملامح…….بعينين حمراوين……..وجسد هزيل من
الحزن……….
لم يتحرك من مكانه بل انتظر….أنتظرها بصبر السبعة
أيام الماضية دونها…..
اقتربت كيان منه بخطوات مستقيمة…..حتى وقفت
امام المكتب وانحنت تضع امامه تلك الورقة البيضاء المطوية…….
وقد خانتها عيناها عند تلك الانحاءه ونظرت اليه عن قرب…..فرأت عيناه كانت تنتظرها وألف قصائد من العتاب تسايرها……..فبلعت ريقها بتوتر وهي تستقيم
واقفة………
نظر سليم للورقة سائلاً اياها دون ان تحيد عيناه عنها…….
“اي دا ياكيان……..”
قالت بشجاعة…… “استقالتي يا استاذ………”
نظر لها بقوة ورمش بعيناه متسائلاً….
فتمسكت بتلك الجسارة داخلها وهي تواجهه
خزيها بقوة……..
“مينفعش افضل بعد اللي حصل…. أرجوك ياستاذ
اقبل استقالتي…….”
اتقصد العناق ؟!…. هذا العناق الذي لا ينتمي للحميمية بصلة بل كان احتواء…. ظن انها بحاجة
أليه ففعلة في لحظة تهور منه….. لكن بعد ان أرتاح على كتفها علم انه هو الظمأءٍ لهذا الدفء الانثوي
….والاحتواء الفطري التي تتمتع به……
يقسم داخله انه لم يستشعر يوماً في احضان ايتن
بهذه المشاعر النادرة، بل كان كل ملامسة بينهما تنقلب لرغبة اجساد جامحة…….
مسك سليم الورقة ودون ان يفتحها قطعها امام
عينيها الحزينتين التي اتسعت بعد ثواني بذهولاً
هاتفه…….
“اي اللي بتعملوا دا يا استاذ………”
قال وعيناه تكتسحان ككلماته…
“كيان….انا نسيت اللي حصل في الحفلة…ولازم
انتي كمان تنسيه………”
اسبلت اهدابها مذعنة بينما قالت بحرج
شديد…
“اكدب عليك لو قولتلك اني هقدر انسى…وهكون كدابة اكتر لو قولت اني فاكرة كل حاجة حصلت…..”
ثم اخرجت تنهيدة ثقيلة على صدرها
وقالت بحرج……
“بس مينفعش اكمل ياستاذ كده أحسن……”
لانت نظراته قليلاً قائلاً من اعماقة….
“انا محتاجك ياكيان…….”
رفعت وجهها اكثر مشدوهة…..فانتبه هو
لتلك الجملة العفوية و التي تحمل معنى
واحد فقط……فصحح مغمغماً……
“محتاجك في المكتب…….والاستقالة مرفوضة…”
هزت كيان راسها وهي تقول
بوجوم….
“يا استاذ اسمعني……..”
قاطعها سليم بخشونة هاتفاً…..
“أنسي اللي حصل ياكيان…..وخليكي……اتفقنا…..”
رفضت عرضة السخي بصرامة…..
“انا مصممة على الاستقالة….انا اسفة مش هقدر اكمل هنا……..”
زم سليم شفتيه متعجباً بينما قال
بعنجهية…..
“مفيش حد عاقل يرفض يشتغل معايا……”
قالت بجزع…..
“قدرني مجنونة…….واقبل استقالتي…….”
سالها سليم بفظاظة…..
“طالما اعصابك تعبانه اوي كده…..اي اللي جابك…”
إجابة بنظرة باردة…..
“عشان اقدم استقالتي اللي انت قطعتها…..”
“هو ده بس اللي جابك……”سالها ببحة خاصة اوصلت الرجفة لجسدها فتلجلجت سائلة
“تقصد إيه…….”
هز راسه نافراً…… “ولا حاجة…….”ثم مسك احد الملفات وادعى الانشغال بها وهو يقول بحزم….
“اعتبريني موافق على الاستقالة مبدايا…..لحد
ماجيب محامية شاطرة او سكرتيرة تشيل الشغل
مكانك……..”
سالته بتردد… “والموضوع ده هيطول يا استاذ…..”
مط سليم شفتيه بعدم إهتمام…..
“على حسب…ممكن شهر…. اتنين….لحد مالاقي….”
قالت كيان سريعاً….
“مش هينفع يااستاذ….انا اخري الشهر ده وهمشي….”
رفع عيناه عليها بقوة…..
“شكلك شوفتي مكان جديد……”
اومات برأسها مجيبة ببساطه….
“أيوا بصراحة….هشتغل مع نائل زميلي….في مكتب المحامي خليل السواح……….”
نهض عن مقعده وتخطى المسافة بينهما… قائلاً بملامح تنذر بالشر…..
“آآه نائل……..قولتيلي……هو انتوا بتكلموا……”
ترجعت كيان تلقائياً للخلف وهي ترمش بعينيها
عدة مرات متوجسة من هجومة المفاجئ……..
“ودا يخصك في ايه يا استاذ…….”
وقف مكانه بعد ردها وأشار على الباب بنفاذ
صبر…. “على مكتبك ياكيان……..”
قالت بأسلوب استفزه اكثر من السابق….
“تمام بس انا اخري معاك الشهر ده……وهمشي..
فحاول تلحق تجيب حد يشيل الشغل مكاني….”
اشار لها مجدداً بتحذير فهو أصبح على حافة التهور… “على مكتبك ياكيان….على مكتبك…..”
لوحت بيدها بتمرد…. “انت بتزعق كدا ليه……”
قطع المسافة بينهما فواجهها بعينين عاصفتين
بينما صدره تضخم من شدة الغضب والغيرة……
هتف من بين اسنانه المطبق عليها بقوة….
” متستفزنيش كيان……”
نظرت اليه بخوف بينما صدرها كان يرتفع
وينخفض من شدة الانفعال….
“بستفزك بأيه مش فاهمة……..”
مالى عليها براسه صارخاً باسمها بسطوة
مفجعة… “كــيــااااااان……..”
فاغمضت عينيها مرتعبة منه….هامسة بضعف….
“آسفه…..آسفة خلاص……..”
لم يحتاج الأمر منه أكثر من دقيقتين حتى
انسحب ثم اولاها ظهره قائلاً بصوتٍ متحشرج
من شدة الانفعال….. “اخرجي….اخرجي ياكيان…….”
اومات براسها بخوف وهي تركض على الباب المفتوح لتجد نفسها ترتطم بشاب ذات عطر
قوي ….رفعت فيروزيتاها عليه…لتجده
يبتسم لها قائلاً بعبث…..
“خدي بالك ياقطة……..”
استدارت تنظر الى سليم العاصف فوجدته يشير
لها بعيناه ان تخرج….ففعلت متجاهلة الرد على
هذا الزج……
استقبله سليم بملامح
واجمة…..
“خير ياشادي اي اللي جابك……”
دخل شادي المكتب وتخطاه ثم جلس على
الاريكة بصلف قائلاً بسماجة……..
“اي الاستقبال ده… دا انا أول مرة حتى اجي
مكتبك……..”
رد سليم بملل وهو يمسح على وجهه
بكفه….
“جاي لي ياشادي….. أخلص عشان عندي شغل
في المحكمة كمان نص ساعة……..”
ابتسم شادي بعبث قائلاً بلهجة لعوبة…..
“اوكي… روح المحكمة وخلص شغلك وانا هستناك
هنا…. مش السكرتيرة هتفضل برضو هنا…..”
جز سليم على اسنانه والغضب يتفاقم داخله
كمن يحترق على صفيح ساخن……
“شادي…. كيان محامية تحت التدريب وبتروح معايا
المشاوير اللي زي دي……. انت بقا عايزة إيه…..”
رد شادي بابتسامة سميكة……
“انا جايلك في قضية كبيرة تخص والد واحد صاحبي…. وانا بصرحة شكرت فيك وقولت انك الوحيد اللي هطلعه من القضية دي…..”
جلس سليم على المقعد المجاور للاريكة متسائلا ببرود….. “نوعها اي القضية دي……”
رد شادي ببساطه……. “مخدرات……”
أفصح سليم برفضٍ تام……
“انا مبشتغلش في قضايا مشبوهة…..انا محامي وليه اسمي….دور على غيري ياشادي……”
“مفيش مشكلة….القضايا كتير…..وانا لازم انفعك…
مش يمكن اكون السبب في اني اشهر المحاميه
القمر اللي قاعده برا دي……..”كان غليظ بطريقة استفزت سليم اكثر من الازم مما جعله يهدر بنفاذ صبر عليه…
“شادي…..كيان خط أحمر…….”
ضحك شادي بلؤم وهو يقول
ساخراً….
“غريبه……ايتن خط أحمر….. وكيان خط أحمر….
هو انت كل الستات اللي حوليك خط أحمر ولا
إيه….أرحم ياسليم….احنا كمان لينا نفس ندوق…”
اندفع الغضب داخله دفعة واحده فسحبه
من ياقة قميصة وجذبة إليه قائلاً بصوتٍ
أشبه بزئير الأسد…….
“انت عارف لولا انك في مكتبي…..انا كنت عملت فيك إيه………”
اهتزت حدقتي شادي بخوف ولم يقدر على السؤال فتابع سليم بعينين غاضبتين…مستهينتين……
“حظك حلو اني خايف على شكلي وسمعتي قدام
الناس….اخرج برا…….برا……….”
دفعه بقوة بعيداً عنه….فعدل شادي قميصة متوعدا
له…….بينما هدر سليم ينادي عليها بقوة…..
“كيااااان……..”
اتت كيان مهرولة بقلبٍ مزعور…ووقفت امامه
شاحبة الوجه بوجل…….
فاشار لها بان تجلب له أحد كتب القانون من
المكتبه الواقفة جوارها..ففعلت بحاجب معقود
وفم فاغر….كل هذا الصراخ لأجل كتاب !!….
بينما على الناحية الأخرى أشار هو لشادي بصرامة
بأن يخرج……بعد ان ضمن تواجدها امام عيناه…..
……………………………………………………………
كانت تسير في شارع الصاوي في طريقها للمطعم
بعد ان جلبت بعض المنتجات الغذائية التي ستحتاجها أليوم……
واثناء طريقها انتبهت لمشادة كلامية بين سيدة عجوزة بائعة خضار على الرصيف وبين المدعو (مرعي…)
تاففت في سرها مستغفرة الله ثم أسبلت
هدابها متجاهلة الأمر……….
لكن بكاء السيدة أوجاع قلبها واشعل الدماء في عروقها…خصوصاً وسيدة تبكي وتقسم بانها ليس
معها إلا ثمن الخبز لصغارها…..
والمدعو (مرعي..)يهددها بمنتهى الجحود بان يلقى فرشتها خارج الشارع ويمنعها من الدخول لهنا
وكاننا عودنا لزمن النبوت وفتوة الحي…والافتراء
على الغلابة أصبح من شيم القوة والسلطة لديهم……..
جزت على اسنانها وهي تعود ادراجها إليه….ثم
وقفت امامه تسأله بهدوء…..
“في اي بتزعق للست كدا ليه….مابراحة دي قد أمك……”
لوح مرعي لشهد بيده وهو يرمقها شزراً…..
“ماتخليكي في حالك ياست شهد……وبلاش تدخلي نفسك في مشاكل انتي في غنى عنها……”
بكت السيدة العجوز والتي ترتدي عباءة سوداء ووشاح رأس مماثل لها….كانت نحيفة الجسد قصيرة القامة……. التجعيد تملئ وجه شاب من كثرة الهموم والفقر……..
صرخ مرعي فيها قائلاً باسلوب بذيئ…
“ما تبطلي كهن يامرا….ودفعي اللي عليكي ماهي مش تكيه ابوكم…….المكان اللي واقفه فيها يخصني
وانا خليتك تقفي فيه تسترزقي وانا كمان استرزق
هتبوقي وتتكهني….قسما بالله اجبلك الخضار دا
كله على الأرض…….وهتدفعي برضو…. ”
قالت السيدة باكية وهي تمد له يدها
بمبلغ زهيد….
“والله يابني ما جمعت اللي دول…….”
نظر للأوراق المهترية بيدها ثم صاح
بجحود…
“يعمل اي دول….. دا ميجبوش علبة سجاير….”
قالت السيدة بحسرة وهي تنظر لفرشتها….
“وانت شايفني فرشة ووقفه بأيه يابني….دا
خس وجرجير وكزبرة…..ابوس إيدك يتاخد دول
يا تفوت النهاردة وانا والله هجبلك فلوسك
بكرة…….”
“بقا كده؟!…. يبقا انتي بقا اللي جبتيه لنفسك…….”
مالى مرعي على الخضار ينوي طرحه أرضا…..لكن شهد وقفت امامه تمنع الخراب ببسالة وبنظرة
حاسمة…….
“استنى…….انا هديك الفلوس………”
توقف مرعي وهو ينظر اليها بحاجب
مرفوع…
“قد القول….. ولا اي كلام……..”
زفرة شهد بقرف وهي تسأله بحنق
شديد….
“اخلص عايز كام…….”
اخبرها بالمبالغ الذي يريده فاخرجت من محفظتها عدة أوراق مالية واعطاتها له قائلة بازدراء…..
“اتفضل وياريت تبعد عن الست وتسبها تسترزق.. خلي في عينك حصوة ملح ياخي………”
ابتسم من زاوية واحدة قائلاً بجشاعة….
“عنيه ليكي ياست شهد انتي تأمري….بس شكل الآشية بقت معدن….والبلية لعبت معاكي…..”
ارتدت شهد القناع الحازم وهي تقول
بصرامة…….
“ميخصكش………ورينا عرض كتافك……”
“ماشي مصيرنا نتقابل تاني…هنروح من بعض فين……..”قالها وهو يبتعد عن ابصارها بمنتهى
الثقة والغرور…….يمشي مشيت المفتخر
بذنوبة…….
مسحت السيدة دموعها ونظرت لشهد بامتنان..
“كتر خيرك يابنتي…….ان شآء الله لما أبيع
الخضار دا هردهملك………”
“سيبك من دا كله…وقوليلي اي الخضار الأخضر
الحلو ده…..شكله صابح…..”قالتها شهد وهي
تنحني على الخضرة لتاخذ ما تريده…..
قالت السيدة وهي تجلس امام
فرشتها البسيطه…..
“أيوا والله بجيبوا كل يوم صابح…….”
أخذت شهد ما تحتاجة ثم استقامت واقفه
تقول….. “طب انا هاخد دول…حسابهم كام…….”
ضربت السيدة على صدرها شاهقة…..
“ياخبر…..بعد اللي عملتيه…..مش عايزة حاجة دول
عشانك ولو انهم أقل بكتير من اللي دفعتيه……”
قالت شهد بامتناع وهي تخرج من محفظتها
عدة ورقات مالية…….
“لا طبعاً الشغل شغل….خدي دول…….”
اخذتهم منه السيدة باستحياء…..
“بس دول اكتر من تمن الخضار…….”
اهدتها شهد إبتسامة رقيقة…..
“بتمنهم…….صباحك ورد………”
ابتعدت فدعت لها السيدة بمحبة…….
“صباحك فل وياسمين…..ربنا يجبر بخاطرك ربنا يسعدك….وينصرك على مين يعديكي……..”
عندما وصلت المطعم دخلت المطبخ سريعاً ووضعت
الاكياس على الرخامة بعصبية…..
فنظرت لها خلود بتعجب…..
“مالك جايه قلبه بوزك كدا ليه……..في حاجه حصلت……”
رفعت شهد شعرها للأعلى بعنف….
“الزفت اللي اسمه مرعي…مش ناوي يجبها لبر…”
سالتها خلود بتعجب…….
“ماله ومالك….ماهو بياخد اللي هو عاوزه….
عايزة اي تاني…”
تحركت شفتي شهد بشراسة…..
“ماهو عشان بياخد اللي هو عاوزة سايق فيها…”
مطت خلود شفتيها بعدم فهم…. “عملك إيه؟…..”
هزت شهد راسها وهي تسرد الموقف
ممتعضة الشفاة…
“مش انا ياخلود…قعد يرزاي في ست غلبانه فرشة بشوية جرجير في الشارع…راسه والف سيف يرمي حاجتها في الشارع…….قال ايه مدفعتش تمن وقفتها…. “برقة شهد بعينيها بشراسة
مضيفة…….
“وهو مال اهل….. مالك الشارع واحنا منعرفش…..”
سالته خلود بحذر….. “اوعي تكوني ادخلتي……”
اومات شهد برأسها ببسالة……
“طبعاً ادخلت…..الست صعبت عليا…مقدرتش امشي
وسيبها مذلولة لكلب زي ده….خصوصاً اني اقدر اساعدها………”
عقبت خلود بسخرية……
“وطبعاً خدتي البطولة ورحتي دفعتي الفلوس
من جيبك…….”
تعجبت شهد من هذا التعقيب المعاتب في
نفس الوقت……..
“امال عايزاني اعمل اي ياخلود…ست غلبانه هيرمي
فرشتها في الشارع….هو احنا قلبنا بقا حجر كدا ليه……”
قالت خلود بالامبالاة…..
“الحياة بقت صعبة وكله بقا بياكل في كله….”
انحنت شهد بكفها على الرخامة تقول
مفكرة بجدية…….
“مش مبرر…….انا عايزه احكي لعاصم على اللي بيحصل اهو يتصرف هو وكبار الشارع…ويلموا
الواد ده…….حرام اللي بيحصل ده والله..طب
احنا معانا ندفع غيرنا مش معاه يعمل إيه…….”
اجابتها خلود باستهانه…..
“ميعملش حاجة يشوفله مكان تاني يفرش فيه….”
هزت شهد راسها مستهجنة……
“اهو نظام نفسي نفسي ده….هو اللي مخلي واحد
زي ده يتنطط علينا….لو كلنا حطينا ايدينا في ايدينا
بعض هيحرم يبلطج علينا……”
حذرتها خلود قائلة بالهجة خطِرة…….
“شهد احنا مش عايزين مشاكل خافي على اكل عيشك….واياكي تقولي حاجة لعاصم….الدنيا هتولع
في الشارع من تاني…وانتي أول واحده هتتاخدي في رجلين لانك فتنتي عليه……اتقي شر مرعي دا
ابن حرام وملوش عزيز ولا غالي………”
اصرت شهد بعناد…..
“انا برضو مش هرتاح غير لما اجيب مناخيره
الأرض انا مش عجبني اللي بيحصل ده….دا ظلم……”
زفرة خلود مستغفرة ثم اخبرتها بقلة
صبر……..
“مين بيرضى الظلم ياشهد…محدش راضي عن عمايله المهببه…. بس اللي زي دول لو وقفتي قصادهم قولي على روحك يارحمن يارحيم….”
قالت شهد بشجاعة….
“ومين قالك اني خايفه منه…….”
قالت خلود بوجوم……
“بلاش تخافي على نفسك…خافي على اكل عيشك…
عليا وعلى جوزي والبنات الصغيرة اللي شغاله معاكي
خافي على أخوكي……..”
عند تلك النقطة تاففت شهد منزعجة وهي تغلق جفنيها لثانيتين ثم نظرة اليها قائلة بجزع….
“اقفلي على السيرة دي ياخلود…….وخلينا نركز
في شغلنا…….”
تنفسة خلود الصعداء وهي تخبرها بنبرة
عادية……
“عين العقل……… اسمعي بقا … في خمس اوردرات اتصله ورا بعض……. عايزين اي بقا ياستي…….
…………………………………………………………..
كانت تتنقل بين طاولة وأخرى توصل الطلبات
لزبائن المطعم………..
كانت تتحرك بحيوية ترتدي تنورة طويلةٍ سوداء
وكنزة صيفية انيقة وفوقها المريول……….ترفع
شعرها للأعلى بفوضوية محببة للأعين بينما
تتناثر الغرة بنعومة وتغطي جبهتها بدلالٍ…..
كان يذيع الراديو حينها أغنية رائعة تتماشى بشدة
مع نشاط حركاتها المبهجة………
(سألته هل داء الولع كان الجواب صدّه
ساق الدلال ساق الدلع مفاتيح هواه صدّوا
ومشيت أوشوش في الودع ولا جاني ليه ردّه
اللي فتح باب الوجع واجب عليه ردّه…)
( يالا ويا لالا ويا لالا يالا ويالا لِلّي
يالا ويا لالا ويا لالا يالا ويالا لِلّي…)
وضعت شهد الاطباق وهي تلقي ابتسامة مشرقة لزبائنها….فدخل من باب المطعم عاصم..والذي كان
عابس الوجه يستحلف لها بان يقتص منها كل
ما تفعله به………وخصوصاً الحيرة في فهمها….
رفعت عسليتاها عليه وعندما ابصرته خفق قلبها
بشدة وهي تخصه بإبتسامة دافئة مشرقة ملكاً له واحدُ…..سرعان ما تبدل حالة ولان قلبه اليها ولوهلة نسى مالشيء الذي كان يغضبهُ منها منذ لحظات…….
هل تلك الجميلة صاحبة العيون العسلية المتلألأة
تستحق عناء العتاب….يالك من جلف؟!……
دوى صوت المذياع من جديد والعيون متعانقة
بألق عاطفياً…………بينما القلوب تحترق
صَبَابَة…..
(بعيونه بضرب مية مثل أول ما بيطلّوا
دَوقّته من طعم الغَزَل دوقّني من ذلّه
وبحبه أنا مهما حصل طب مين بقي يقول له
ماهو لو حبيبك كان عسل متخلّصوش كلّه….)
ظلت واقفه جانباً بانتظاره حتى قطع المسافات هو بخطى ثابته نحوها….وعندما وقف امامه نظر لها
بضيق……
“اي اللي عملتي امبارح دا ياشهد…….”
تاملت ملامحه العابسة ولحيته الحالكة….
وعيناه المظلم بالدفء ؟!….فبلعت ريقها وهي
تبحث عن صوتها امام هيبة حضوره………
“طب صباح الخير الأول….مالك مضايق كدا ليه….”
رد قاطعاً…….. “منك…..”
رمشت جافلة للحظات……. “انا ؟!…. لي كده…….”
اغمض عيناه زافراً ثم عاد اليها كاظم
الغيظ………
“اي حكاية فلوس الايجار اللي ادتيه للحاجة….هو مش الشغل دا بينا….بدخلي الحاجة نصرة فيه
ليه….”
قالت شهد مختصرة…..
“ببساطه لانك مش راضي تاخد فلوس الإيجار……”
رفع حاجب ضارياً…… “تقومي تدهولها……..”
بملامح ثابته اوضحة وجهة نظرها…..
“الشغل شغل ياعاصم….وطالما انا متحرجتش وخدت حقي بعد ماليوم خلص….انت كمان متتحرجش تاخد مني إيجار المطعم……..”
زمجر عاصم….. “حد قالك اني محتاج…….”
بهت وجهها في لحظة وسالته……
“قصدك اننا اللي محتاجة…عشان كده خدت حقي..”
قال بثبات انفعاليّ…..”انت لسه قايله حقك…….”
ردت بصلابة……”وفلوس الايجار حقك انت كمان…….”
تافف عاصم بحنق شديد…..
“انا تعبت معاكي مبقتش فهمك ياشــهــد……”
خفق قلبها بشدة مع سماع اسمها بايقاع يطرب
مشاعرها……..
ومع ذلك عقدة ساعديها امام صدرها وبدت في
أوج الهدوء وهي تخبره…..
“انا اللي مش فاهمه اي اللي مضايقك……مفهاش حاجة خالص لو اتعملنا في الشغل كده…..ملهاش
علاقة باي حاجة في دماغك…….”
سالها متزمراً……. “واي هو اللي في دماغي…….”
بعفوية إجابة…….. “انا……”
نظر لها بقوة وقد اشتعلت وجنتيها بعد ردها السخيف……لكنه لم يمهل عقلها فرصةٍ للتبرير فأكد بنظرة مهيمنة……..”كويس انك عارفة…….”
رمشت عدت مرات وهي تهرب من عيناه القوية ولكن ازدادت سلطة نظراته عليها فسالته بنبرة مهتزة…..
“بتبصلي كدا ليه…….”
رد بلهجة خطِرة….. “عايز اتكلم معاكي……..”
نظرة للمطعم الذي يعج بالزبائن والتي بدأت تركز معاهما بعد تعابير وجوههما ونظراتهما المعبرة كذلك…..
“ينفع اخر النهار بعد الشغل……”
هز عاصم راسه غير مرحب بالفكرة……
“اخوكي هيكون هنا…ولي عايز اكلمك فيه مش عايز
حد يسمعه غيرنا….على الاقل دلوقتي……”
سيطر الفضول عليها لذا قالت مقترحة…
“تحب نتكلم دلوقتي…….”
رفض قائلاً بخشونة…….
“هعدي عليكي كمان ساعة…..في نفس المكان اللي
بنتقابل فيه…….”
قالت سريعا…… “هسبقك على هناك……….”
اوما لها بالموافقة وهو يتعمق في كهرمان
عينيها……..ثم اخبره بعيون مداعبة…….
“صحيح………صباحك زي الشهد……ياشـهـد…….”
ابتعد مغادراً المكان تارك قلبها يشتعل في حضورة
ويحترق في بعاده…….فأين الخلاص منك ياسيدي..
……………………………………………………………..
جلست على أحد الصخور الحجرية الموجوده على سطح البحر من ناحية اليابسة……..
مدت يدها في الماء وحركتها على مهل وهي شاردة في جمال الكون….وابداع الخالق……..والماء يداعب
يديها ويعانقها على مهل………..
بينما الجلوس امام زُرقة المياء يصفي ذهنها ويريح
بالها قليلاً وكانها في مكانها المناسب……….اغمضت عينيها تاركه احساسها يعلو فوق السحب…..وصورة الوسيم ذات الحضور المهيب والاهتمام الحاني….. ونظراته الدافئة نحوها…. تحرك مشاعرها الى المجهول…….
تستشعر انها تغرق معه….ومع ذلك سعيدة….بل لولا
انها نست كيف تعبر عن سعادتها لكانت فعلت….
انها نست كيف تكون السعادة…..لكنها تشعر بها معه…
وحتى ان فشلت في التعبير عن مايجول بخاطرها
هي تشعر انها تلامس نجمة من السماء معه…..
لكن الماضي….والدها ….إلهام…..الانتكاسات الكبرى التي حصلت من خلفهما…….كيف ستتخطاها….
هي وشقيقيها………
وحالياً….. شقيقة الهام رُفيدة طليقة عاصم……كيف
ستتخطى هذا الأمر…..وقد رأت في عينيها بصورة
صريحة انها لا تنوي خيراً……..
وماذا عن خطط المستقبل…..احلامها…ما تطمع اليه وتود الوصل له…الاستقلال…. البعد عن كنف الرجال من جبروة وجحود وقسوة تظلل قلوبهم………..
اين ذهبت…..المشاعر تأرجح قرارتها يميناً ويساراً
وأصبحت ضائعة……. مشتته………تاركه نفسها
للاحداث تحركها دون ان تبدي قراراً قاطعاً
بها…..
“اتأخرت عليكي…..”
اتى صوت عاصم ليطفئ نيران افكارها….ويشعل نيران مشاعرها…….فنظرة اليه بصمت وعادت تتلبسها
تلك المرأه الكارهة للحياة ، الفظة مع بني آدم….
“خير كنت عايزني في إيه…….”
انعقد حاجبي عاصم سريعاً معقبا
بارتياب…
“سؤال بس…… هو انتي ملبوسة…….”
“إيه……”اتسعت عينا شهد نحوه
بصدمة….فاكد هو بوجوم…..
“انتي مش طبيعيه ياشهد…….مش طبيعية…..”
احتدت نظراتها عليه….. “قصدك اني مجنونة…..”
رد بفظاظة عليها….
“ياريت كانوا جلستين كهربا فوقوكي…..”
“انا ماشية……” تزمرت بمنتهى الانفعال وكادت ان تنهض من مكانها…..لولا يد عاصم التي قبضة على
معصمها تمنع تحركها بينما هو يخبرها بعنف
ونظرات متوهجة………
“قعدي هنا……….اسمعي ياللي لحد دلوقتي مش
فاهم فيكي غير أسمك……كلك كلكيع ومش مفهومه
ومع ذلك عجباني…..إزاي بقا معرفش…تقريباً الواحد قُرب الاربعين مخه بيسيح ………زي مابيقوله كده شاب وخاب…..وانا شِبت وخِبت….وعايز اتجوزك…..
يامجنونة…..”
تسمرت مكانها كتمثال مجسم لا تبدي اية ردة فعل…
فقط حدقتيها تهتز باتساع جفنيها أكثر… تنظر اليه بعينين غير مستوعبتين… غاضبتين…مرتبكتين
وعندما طالت نظراتها الممزوجة بمشاعر عديدة
سألها ببطئ……بينما عيناه تجري على تعابير
وجهها الصريح…….
“بتصيلي كدا ليه…….. موافقة…….”
هزت راسها بسرعة… “لا…….”
لم يبدو عليه الانزعاج من ردها المتسرع وكانه
فهم حالة العِته التي تزورها بين الحين
والآخر…….
“كنت متأكد انك هتقوليها…… قلبك حجر…. لا
ليه ؟!……”
حاولت ان تتجازو حالة الذهول التي تلبستها
تلك……وقد عادت الى رشدها بتدريج…
فاطرقت براسها قائلة……..
“عاصم…….. انا مش مستعده للجواز…….”
رد هو ببساطه…. “ولا أنا………”
رفعت عينيها عليه بصدمة ممزوجة بسوء
الظن…… “يعني إيه……..”
فهم مغزى نظراتها وسؤالها المرتاب فقال
بجدية…….
“اي النظرة دي…. اكيد عايزك في الحلال… بس انا قصدي نعمل فترة خطوبة… ونتعرف فيها اكتر على بعض……. ونقرب المسافات بينا…… ”
سالته جافلة……. “خطوبة؟!…….”
اوما براسه متسائلاً…. “أيوا………. ساكته ليه……..”
نظرة اليه مستفسرة…. “طب والمطعم؟……..”
سالها بحيرة…… “ماله المطعم ؟!!…….”
قالت شهد بجدية شديدة…..
“انا مش هسيب شغلي في المطعم ياعاصم… العقد
لمدة سنة…….”
ضيق عيناه في خطٍ مستقيم….. “يعني إيه……”
قالت بمنتهى العملية……
“يعني دي خطوبة…. فترة تعارف…. احتمال كبير نفشل…. فبلاش توقف اكل عيشي…. انا مصدقت
عملت زبون في المكان…….”
انزعج جداً من تعلقها بهذا الأمر فقال
بوجوم…….
“وشكلي قدام الناس ياشهد…. يرضيكي……”
هزت راسها بغير استيعاب وكانه صفعها على
حين غرة….
“قصدك إيه…… انت مستعر مني ومن شغلي…..”
اكفهر وجه عاصم وقال مستنكراً……
“اي العبط ده… لو مستعر منك هبقا عايز اتجوزك ليه……..اعقليها ياشهد… انا ليا اسمي في سوق والشارع كله… عارف مين هو عاصم الصاوي… ”
عقدت ساعديها امام صدرها…متصلبة الرأي….
“شغلي ميعبكش ياعاصم…. ودا شرط أساسي
قبل ما أرد عليك…….”
ابتسم ساخراً وهو ينظر لها بانفعال
مكبوت….
“ويترى لو ربنا وفقنا…… واتجوزنا….. هتفضلي
برضو شغاله في المطعم…….”
نظرة اليه بطرف عينيها قائلة……
“لم يجي وقتها…….واطمنلك………”
انزعج جداً من ردها فعلق واجماً……
“مش فاهم……. انتي مش حسى بحاجة ناحيتي…”
خفق قلبها بشدة…..فحلت وثاق ذراعيها حول
صدرها…..فوضعت كفيها على ساقيها وبدأت
تفركهم في بعضهما بتوتر بينما وجهها مشعٍ
خجل من نوع آخر……….
“شــهــد………”فنادها عاصم وهو يمسك كفها لأول مرة بطريقة خاصة……فعندما تمكن منه بدأ يحرك أصابعه على ظهر يدها الناعم مداعباً اياها بحركة دائرية حانية….
ارتجف جسدها من تلك المسة الحانية والرجفة
وصلت عبر لمسة يده فابتسم هو…..وهو يحارب
معها حتى يلتقي بكنفة الامن……عينيها……..
حاولت سحب يدها وهي تهمس بضعف استوطن
فؤادها……بلمسة…… وهمسة منه…..
“عـاصـم…….”
فنظرت اليه وقد خضعت لتوهج عيناه النابضة بمشاعر عنيفة جميعها تصب على قلبها فتزداد
الأمور صعوبة معها……..همس عاصم بصوتٍ
أجش بينما يدهُ تلمس ظهر كفها بشكلاً
عاطفي….
“انا دايب ياشهد…..دايب فيكي…. من أول مرة وقعت عيني عليكي وانتي خطفاني…….معقول مش حسى
بحاجة ناحيتي…….”
اين طوق النجاة الان….تقسم انها تحتبر معه أشياء
لم تفكر فيها يوماً طوال سنوات عمرها…….
كيف تسمح لهُ بمسك يدها هكذا…. بل كيف تترك نفسها تسمع اعتراف يُرهق قلبها نبضاً…….يُشغل
عقلها ليلاً……ويُسهر عينيها حتى الصباح………
سحبت يدها بقوة وهي تهرب منها ناهضة
من مكانها….. “عـاصم……..انا اتاخرت… ”
وقفا على الصخور معاً يمنعها عن الرحيل
قائلاً بلهفة…..
“استني ياشهد قولي انك موافقة……….”
ترددت بصدق امام لهفة
عيناه…..
“مش عارفه…. اديني فرصة…….”
اخبرها عاصم بتفهم…..
“فكري في فترة الخطوبة ومديها زي مانتي عايزة..
لحد ماتطمني…..”
تلاقت اعينهما مجدداً فاضاف بحسم….
“هستنا ردك بليل………”
رمشت بعينيها عدت مرات وقالت
بنفي مرتبكة……..
“عاصم الموضيع اللي زي…. مش بتتاخد بالسرعة دي…….”
قال بتململ وهو يرجع خصلات شعره
للخلف….
“عايزة قد ايه عشان تفكري…….”
مطت شفتيها مفكرة…… “شهر مثلاً……..”
رفع حاجباه مصدوماً…..ليرد عليها هازئاً……..
“شهر؟!!….. وليه الاستعجال ده…. ماتردي عليا السنة
الجايه……”
اومات براسها ببرود…… “زي ماتحب…….”
“متستفزنيش ياشـهـد…….”جز على اسنانه بقلة
صبر معها…..لذا قالت هي بتبرم…….
“كمان اسبوعين كده كويس……..”
هز راسه بتزمت وقال بصلابة…….
“لا…….خير الأمور الوسط…… يومين بظبط وهكلمك……. وهعرف ردك النهائية وفي اليومين
دول هبعد عنك خالص… عشان متقوليش اني
بأثر عليكي……. فكري براحتك… وردي عليا برضو براحتك…. بس مش اسبوعين كفاية يومين….. اتفقنا……..”
اومات برأسها…. “اتفقنا………يلا نرجع شغلنا…. ”
“خلينا قعدين شوية….. ربع ساعة كمان…….”أشار لها بان تجلس….فسالته بحيرة
“وليه بقا؟……”
“يمكن لانك هتغيبي عن عيني يومين بحالهم…”
رغم جمال المعنى المتخفي خلف جملته إلا انه
كان عابساً…..متجهم النظرات…….
مما جعلها تطاوعه وتجلس قائلة
بمناغشة…
“تعرف انك شاطر أوي في الكلام…….”
جلس جوارها ورد بوقاحة دون النظر
لعينيها…. “وفي الأفعال كمان……..”
احمرت وجنتيها سريعاً وتغاضيت عن التعليق…
فنظر هو لها بطرف عيناه…..ثم لانت ملامحه
وتغزل بها قائلاً…….
“بتبقي حلوة اوي لما بتكسفي فجأه….ولما
بتضحكي على غافلة…….خليكي كده أحلى
بكتير……. من….”
نظرت اليه مستفسرة…… “من إيه…..”
عاد لجمال عينيها يأسرها قائلاً……
“انتي عارفه…. لما بتسرحي وتقلبي من غير سبب
بترمي كلمتين دبش…… وبتهربي……..”
سالته بلهجة مريرة……
“ومين قالك اني بقلب من غير سبب…….”
رد رداً قاطعاً…..
“بكرة اعرف السبب واعلجه…….”
ابتسمت ساخرة…. “ملوش علاج……….”
اشار على نفسه بغرورٍ……
“عند العبد لله……… كل حاجة موجودة…….”
نظرت امامها للبحر…. بملامح باهته
كروحها…….
“حلوه الثقة دي…….. بس انت هتتعب بسرعة وهتمشي في اقرب وقت……”
رد بثقة أكبر وعيناه لا تفارق جانب
وجهها….
“أكيد يوم ما همشي هتكوني معايا….على كتافي..”
مطت شفتيها يائسة…… “دا انت مصمم بقا……”
رد بصبرٍ أكبر….
“بالي طويل……. ومصمم أوي……..”
قالت بنبرة واهية… “هتتعب……..”
رد بثقة غير منتهية….. “مصيري أتعود…….”
اومات برأسها مضيفة بأسى….. “هتزهق……..”
تغزل في عسليتاها البراقة
قائلاً….
“قدام العيون الحلوة دي…. مظنش…..”
ببسمة لم تصل لعينيها قالت
بحزن….. “مع الايام هتمل مني………”
“مع الأيام هتعلق بيكي أكتر……..”أكد بنظرة صادقة
تعبر لها عن الكثير…..فاطرقت برأسها حينها هاربة
فناداها عاصم كما تحب وكما هو يفضل متكأ على الأحرف الثلاثة وكانما يتذوقهما لأول مرة على لسانه……….
“شـهـد…….”
نظرت اليه بقلبٍ نابض بالوجع…..فسالها هو حائراً
من أمرها……… “انتي خايفه من إيه…….”
(خايفة أحبك………)
لم تقدر على ان تتفوه بها….أكبر مخاوفها ان تقع
في الحب……….وهو يجذبها كالمغناطيس لأكبر مخاوفها……دون اي رأفة بحالها………
عندما طال صمتها……حاول عاصم بث الطمأنينة بقلبها المرتاع……. فقال على مهل…..
“سبيها بظروفها…. انا معاكي للآخر……..”
……………………………………………………………..
كانت تتمايل أمامه باغواء على أوتار شعبية صاخبة
بينما هو يجلس يستريح على الاريكة ويأكل من حبات العنب بين يده بتلذذ بينما عيناه الشهوانية
تلاحق مفاتنها المهتزة بانتشاء……
اما هي فكانت تسعى لاغواءه بكل الطرق….. فربما تمكنة من قلبه ولامست نقاط ضعفة ثم تضمن
بعدها جزءاً من املاكه !…..
هذهِ هي اهدافها في العلاقة….. بعض الضمانات المادية فأذا مل منها يوماً والقاها خارج محيطه
تجد ما يعولها من بعده………
صدح جرس الباب في تلك الأوقات أوقف
لحظاتهما الخاصة……. فحلت مهجة الوشاح من
حول خصرها……قائلة بميوعة…….
“الباب بيخبط ياسيد الرجالة…….”
هتف عثمان وهو يتحسس صدره بحرارة….
“سيبك منه وتعالي…….”
ابتسمت بمراوغة….. قائلة بدلال….
“اجي فين هنا؟!…. على الكنبة……”
“تغيير يابت…. تعالي…….”سحبها لاحضانه ومالى حتى يقبلها لكن الطارق ازداد الحاحاً…. فتركها
عثمان على مضض متاففاً بنزق…..
” وبعدين بقا في وجع الدماغ ده……دي اكيد واحده من الجيران اللي فتحالهم الشقة على البحري…… ”
هزت مهجة راسها مرتعده…..
“لا ونبي ياخويا…. دا انا قاطعتهم كلهم عشان
خاطرك….”
سالها بملامح شيطانية……. “أمال مين……”
“هروح اشوف روق ياسيد الرجالة…. ثواني وجايه……..”قالتها برجاء وهي تبتعد عنه……
وقبل وصولها للباب غمغمت بحنق…..
“منك لله ياللي على الباب… هطفش الراجل
مني…..”
فتحت الباب بتجهم….. ناوية افتعال المشاكل مع هذا
الضيف الغير مرغوب به الآن………
شل لسانها وجفلت متفحصة تلك السيدة الانيقة
التي تقف على اعتاب بيتها…… امرأة شقراء
الشعر….ترتدي طاقم كلاسيكي انيق وتقف امامها باستعلاء…… جميلة الملامح لكن عينيها الزرقاء كالجمر المشتعل تلقي نظرات نارية عدائية عليها
بدون سبب وجيه…..
عندما ذأبت الصدمة من على وجه مهجة……
سألتها باستفهام…..
“خير ياهانم…….عايزة حاجة…….”
بمنتهى العجرفة دفعتها المرأة من امامها ودخلت الشقة بخطوات متشنجة ثم وقفت في الردهة…….تنادي بعزم مافيها هائجة بجنون………
“عثماااان…….عثماااان…….”
اغلقت مهجة الباب بقوة واتجهت اليها صارخة
فيها بغضب……..
“هو اي اصله ده…….هي وكالة من غير بواب….”
زمت المرأة شفتيها مشمئزة……
“اركني على جنب…مبقاش غير الخدامين كمان اللي هتكلم معايا…….”
اتسعت عينا مهجة بغضب وسريعاً فتحت ذراعيها الاثنين شاهقة……..
“خدامين….خدامين مين ياعووووووومر…..دا انا مرات سيدك وسيد الناس كلها….مرات عثمان الدسوقي على سن ورمح……..”
لم يرف لها جفن وكأن هذه الأمور اعتادت
سماعها عنه… فمن يوم ان تركته وهو يلهو في
اجساد النساء حتى ينساها…..وهذا يرضي
غرورها…. قالت بتعالي مهينة إياها……
“مراته ؟!….يااي……ذوقه بقا بلدي أوي……”
“ماتحترمي نفسك ياوليه….هو محدش مالي عينك ولا إيه………”صاحت مهجة بنفاذ صبر وهي على وشك صفعها….
لكن نداء عثمان القوي اوقف تلك المهزلة……
“مهجة………”
لم تنظر اليه المرأه بل انتظرت بفارغ الصبر ان
تتبخر تلك الخرقاء حتى تبدأ بالتحدث معه على انفراد…..
اتجهت اليه مهجة تشتكي…….
“كويس انك جيت ياسي عثمان……الست دي داخله
كده من غير لا إحم ولا دستور…….لا وبتهزقني…”
أمرها عثمان بنظرة مهيبة….
“ادخلي على اوضتك يامهجة….ومتطلعيش منها…….غير بأمر مني…”
تعجبت مهجة من رده فقالت….
“بس ياسي عثمان……….”
بتر جملتها وهو يرمقها
شزراً ….
“مهجة…..مش هعيد الكلمة مرتين…..”
ارتعدت داخلين لذا قالت
مذعنة……
“انت تأمر ياسيد الناس……..اومرك……”
دلفت غرفتها واغلقت الباب عليها….فنظر عثمان
للمرأة من أول رأسها حتى اخمص قدميها…..
تلك المرأة التي اشتهاها قبل سبعة وعشرون عاماً
ومزال يشتهي قربها وكأن المشاعر مزالت وليدة
داخله لم تتلاشى بعد……
تلك المرأة التي اشتهاها بشدة….ترك كل شيءٍ لاجلها
زوجته أولاده….وضع كل شيءٍ تحت اقدامها….لكنها
لم تقدم تنازل واحداً ليكونوا معاً……..
كانت أنانية وحقيرة معه….ولم تكتفي بذلك بل تابعت
حياتها وتزوجت من غيره……..الأكثر سلطه ومالاً….
تلك المرأة التي اشتهاها بشدة… مزال يسعى للوصول اليها انتقاماً وحباً……وها قد اتت
بعد ان القى الطُعم لها !!…….
“متغيرتيش كتير يا إلهام…. لسه زي مانتي….”
نظرت الهام اليه فوجدته ينظر لجسدها بوقاحة
فابتسمت بغرور قائلة ببرود…..
“بس انت بقا عجزت اوي…. لا وكمان ذوقك بقا بلدي…….”
ابتسم عثمان بسماجة……. “غيرانه…….”
رفعت انفها بترفع……
“دا كان زمان…. دلوقتي انا الهانم إلهام…. مراة مسعد الصاوي……..”
ضحك هازئاً……
“آه فكرتيني…. وياترى جوزك عارف انك جيالي شقتي…”
احتدت زُرقة عينيها فقالت بتهكم….
“انا مش جايه للي في دماغك….. انا عيزاك
في موضوع مهم…… موضوع يخص شهد بنتك…
اللي رميتها في سكتي عشان تخطف…. جوز
اختي عاصم الصاوي ابن اخو جوزي ياعثمان..”
اقترح عثمان بهدوء شديد….وكان الخبر
قديم بنسبة له……….
“يبقا نتكلم جوا…….. عشان الحيطان ليها ودان…”
اتجهت إلهام بمنتهى العصبية الى الغرفة الذي أشار عليها…..بينما على الناحية الأخرى لحقت بهم
(مُهجة) ترهف السمع من خلف الباب المغلق
بحرصٍ شديد….
……………………………………………………………
عندما جلست على الاريكة نظرة اليه بعينين تقدحان
شرراً……..وهتفت بصرامة قصوى….
“بنتك تبعد عن عاصم…..سامع……”
لوى شفتيه بابتسامة بذيئة….. “والمقابل……”
احتدت النظرات وهي تهتف بشراسة من بين
أسنانها……..
“ااه دا انتوا طبخنها سوا بقا…….يعني مش صدفة
ان الطباخة تبقا بنتك أنت……..”
تحسس عثمان ركبته قائلاً بثقة….
“مفيش حاجة تفوتني يا إلهام…….وشهد من أول
يوم دخلت فيها الشارع وانا على علم بكل حاجة
بتحصل معاها….”
حركت راسها متشدقة……. “يعني إيه…..”
رد عثمان بابتسامة متشفية……
“يعني انا رميت الطُعم….وابن أخو جوزك كله……
ودا اللي خلاكي تجيلي برجلك… ”
اضطرب جسدها لوهلة وهي تساله بشك….
“انت عايز إيه بظبط…….”
رد رداً قاطعاً بملامح قاتمة…….. “عايزك……”
رجعت براسها للخلف بعينين متفاجئتين من
جرأته….. “انت اتجننت…….انا متجوزه……”
رد عثمان بالامبالاة…..
“ومالوا اطلقي……ونتجوز……..”
اشارة عليه ذاهلة……..”اتجوزك…….”ثم تشدقت ضاحكة بسخرية سوداء………..
“والله دي أحلى نكته سمعتها…….اسيب كله الهيلمان
ده…..واتجوزك….دا انا أبقى واحده مبفهمش
….انسى….. “قالت آخر كلمة بحاجب مرفوع
بتحدي………
فهز عثمان راسه مجيباً ببرود جمدها…..
“ومالوا…….يبقا انا كمان هشاركك في الهيلمان ده…وهفضل ليكي زي اللقمة في الزور انا وبنتي….”
بصيحة متهورة صرحت…….
“يبقا هحكي لعاصم على كل حاجة وهقلب المعبد
على دماغكم……..”
أومأ عثمان براسه بثباتٍ وفي أوج الهدوء
اقترح بفطنةٍ………
“ساعتها لما يسألك عرفتي منين ابقي قوليلوا روحت
شقة حبيبي القديم……وعرفت منه…. اللي بيخطط
ليه هو وبنته……..”
نهضت من مكانها صارخة بجنون… “عثماااااان…..”
قفز من مكانه هو أيضاً يواجهها بجسارة….
“الهاااام……….متلعبيش بنار….وفكري كويس…انا عايزك في الحلال…..وهسامحك على كل حاجة
عملتيها معايا زمان….قولتي إيه…….”
هاجت الهام بعينين عاصفتين……
“انت جرا لمخك حاجة……..بقولك انا متجوزه
ومخلفة منه….يزن….اللى كمان كام سنة هيكون
دكتور قد الدنيا…….يزن وريث عيلة الصاوي……”
رد عثمان ببرود…….
“وعاصم…..جوز بنتي كبير عيلة الصاوي..بعد سبع
البرومبة جوزك……..”
ضحكة بسخرية وتشدقت بلؤم……
“قوام كده خليته جوز بنتك….أفرض بيتسلى بيها……ومش ناوي على جواز…….”
اظلمت عينا عثمان ورغم ذلك رد ببرود…..
“لا من ناحية دي اطمني…….انا عارف كويس بنتي
هتعمل إيه معاه……….”
اشاحت بوجهها للناحية الأخرى
متاففه بجزع….
“واضح ان الكلام معاك….ممنوش فايدة……”
لمعة عينا عثمان بنشوة وهو ينظر لوجهها
الغاضب واقترح بخساسة……
“فكري….باشارة منك……بكلمة واحده هوقف الجوازه…..وممكن بكلمة تانيه….امضي على عقد
جوازهم………”
تلونت شفتيها بإبتسامة حاقدة…..
“لعبتها صح ياعثمان…….”
اوما لها عثمان بزهوٍ…….
“مش كده مين يصدق…ان اللي بعدتنا عن بعض
زمان تقربنا دلوقتي……..”
“بتحلم…..انا لحمي مُر ياعثمان….وبنتك مش هتسلم مني……….”دوى صوتها كالرعد اجفله لبرهة……….
لكنه رد بصوتٍ كالجليد المسنن غير
مبالي…..
“ومالوا……….راحت شهد….تيجي كيان….هو انا مقولتلكيش ان عندي بنت تانيه…..غير شهد…”
نظرة له الهام بعدم تصديق….وكأنها لم تفعلها
مع أختها من قبل !!……
“وكلهم……عملهم طُعم عشان توصل للانت عايزوا..”
رفع عثمان قبضةٍ مضمومة أمامه بشدة قائلاً
بسطوة مرعبة…….
“كلهم…..كلهم تحت ايدي…. احركهم زي مانا عايز….احركهم لصلحي……لصلحي انا يا إلهام…….”
لوهلة خافت منه……فقد تحولت ملامحه الغير مبالية
لملامح شيطانية مرعبة…..تلبسه شيطان يعرف ماذا يريد……وماذا سيفعل مع عبيدُ !…………أولادهُ هم عبيدُ….هكذا أوضح الحديث…….مجرد عبيد يأمرهم
فيطيعوا……..
………………………………………………………………
كان يقف في الشرفة يستند على السور بكفه الصلب بينما باليد الاخرى يمسك السجارة بين أصابعه…
ينفث منها بمنتهى الشراهة وكأنه يتصارع معها….
مزال منزعج غاضب ، يحترق صدره كمرجل
ناري ، اعصابه تلفت…. وأصبح على غير هدى
يشعر ان العالم كله يحاربهُ…والده…. شقيقتيه
…العمل……الحبيبة السابقة…..والتي اتضح
مع الوقت انها كذبة كبيرة عاشها لعامين
وأكثر……..
زفر الدخان الرمادي في الهواء فخرج يتراقص امام
عيناه المظلمة……..
مزال يلوم نفسه على تلك الصفعة الذي القاها على صدغ كيان……للحظة تهيأ اليه انه أصبح نسخة مصغرة من (عثمان الدسوقي….)النسخة الاشد
قسوة وصعوبة…….التي تشربة من كل ماهو
سيء وسوداوي !….
لم يكن هكذآ….. لكن خوفه عليها قادة لتلك الفعلة
وصفعها على حين غرة…. وحينها نزلت الصفعة
على قلبه كسوط حاداً….. فقد رأى في عينيها…… شيءٍ من الذنب….. من الكذب…….من الإعتذار….من الندم….. اختلطت نظراتها نحوه بعد تلك الصفعة بمشاعر عديدة ومع ذلك لم يفهم أياً منهم…….كان كالمغيب وهو يدفعها بعيداً عنه حتى تتقِ شره
الآن….
دخلت قمر الى الشرفة تحمل صنية عليها قدحان
من القهوة……..ثم سعلت فجأه بعدما سحبت الى رئتاها كمية كبيرة من دخان السجار……….
فنظر لها حمزة بانزعاج فلا ينقصه وجودها الآن….
نظرة له قمر بضيق قائلة بتبرم……
“اتقي الله…….وبطل القرف اللي بتشربه ده…
الواحد شم الريحة بس اتخنق……”
رمى السجارة خارج الشرفة متاففاً
بجزع….
“قمر…….انا مش فايقلك……اطلعي من دماغي….”
وضعت الصنية جانباً على السور….وقالت
بوجوم…….
“الله……..مالك كاني بتمسح فيك…..جيبالك
قهوة انا غلطانه……..”
رد حمزة بفظاظة وهو ينظر للجهة
الأخرى…
“ااه غلطانه………خديها ومشي…….”
نظرة له بعدم تصديق…..ثم تقدمت منه بتلك العباءة البيتي الانيقة…..وبشعرها الأسود المتراقص على ظهرها بدلال……….بملامحها الانثوية الرقيقة
والتي تحمل جاذبية ليس لها مثيل…….
وقفت جواره ونظرة للشارع بالاسفل قائلة
بسخرية……
“يخربيتك متربي عشر مرات……مش عارفة
بصراحة اودي الأدب والأخلاق والذوق بتاعك
ده فين….لا بجد تتحسد……لازم ابخرك……”
لوى حمزة شفتيه معقباً…. “اي خفة الدم دي………”
مدت يدها واخذت قدح القهوة ثم قدمتها
إليه بابتسامة صفراء…..
“من بعض ماعندكم……خد القهوة……”
جز حمزة على اسنانه وهو ينظر لوجه القدح البني بين اصابعها البيضاء النحيلة ، والذي ينافس لونه بنيتاها الداكنة والتي تحدق به الان منتظرة…
فارة الدماء في عروقه بشكلاً مبالغ
فيه……
“مش عايز يابنتي…..انتي مابتفهميش……اطلعي
من دماغي عشان انا على أخري……….”
مطت قمر شفتيها بأسى قائلة بمسكنة أنثوية
لها تأثير فعال…….
“انا مده ايدي ياحمزة……..وعملهالك بنفسي…معقول
هتكسر بخاطري………”
رمش بعيناه بعدم تصديق….فقد تغيرت نظرتها
ونبرة صوتها في لحظة للحمل الوديع…مما جعله
ياخذهُ منها على مضض غير قادر على
كسر خاطرها……
“لا وإحنا نقدر نكسر بخاطر قمراية…….”
ابتسمت قمر بسعادة……واشرق صدرها فجأه وهي تشاركه الجلسة….احتست القهوة جواره…..تنظر
للسماء وللمباني الاماميه المحيطه بهم……والهواء يضرب وجهها ممزوج بنكهة البحر المميزة……….
تحب موقع الشقة جداً….فهو قريب من البحر ربما
لا ترى البحر بشكلاً مباشر لكن تشتشعره…..بصوت أمواجه الثائرة ليلاً مع الرياح الشديدة التي تمر عليهم بعد ان تمتزج برائحة البحر…….
بعد لحظتين من الصمت نظرة له قمر وقالت
بصوتٍ هادئ…… “بقولك يا حمزة……”
قاطعها بفظاظته المعتادة أمراً…..
“هشش….انا بحب اشرب القهوة بهدوء…..هترغي..
خدي القهوة بتاعتك ومشي…….”
توسعت عينيها بدهشة وتبدد الهدوء على
ملامحها الى امتعاض….فغمغمت بقرف وهي
تشيح بوجهها بعيداً عنه…..
“استغفر آلله العظيم…..اتكتمنا………أطفح وانت ساكت……..”
نظر لها حمزة بزهول….تلك الفتاة تطاول عليه بشكلاً
يستفزة ومع ذلك أحياناً يتغاضى عن الرد عليها…ولا يعرف لماذا………
هتف بصوتٍ متوعداً بالشر……
“أطفح ؟!…….والمصحف ارميها في وشك متستفزنيش………”
نظرت اليه قمر بنفاذ صبر….
“اعملها كده…… وانا افتح دماغك…….”
زهل حمزة من ردها……. فالوقع هو ليس مهذباً
أبداً….ويجيد الرد بأقذع الكلمات…….بل لديه
قاموس من الشتائم المتعارف عليها والغير متعارف……لكنه سيكبح غضبة ويعض على
لسانه فلا يصح الرد على النساء بأسلوبٍ
مماثل او أشد وطأة……
“اي يابت ده……..”
زمت شفتيها متعجبة…..
“اي عايز تكلم ومحدش يرد عليك…….”
هز راسه زافراً….. “والله انا غلطان…….غلطان………”
لوحت قمر بكفها بملل شديد….
“مش هنخلص بقا من السيرة دي……..”
قال حمزة باستفزاز……..
“دا هيفضل جميل متعلق في رقابتك ليوم الدين…”
قالت قمر بتهكم…….. “مصيري ارده……..”
هز رأسه ساخراً……..”آآه اما نشوف……..”
اخرجت قمر تنهيدة ثقيلة وهي تسأله
بحرصٍ….
“هو انت لسه مكلمتش كيان…….”
ظنت انه سيرد بفظاظة كالعادة…..لكنه اجابها
وهو يحتسي القهوة على مضض……
“لا……..”
عاتبتها قمر برفق……..
“على فكرة مش مستاهله كل اللي انت عملته ده…
فيها اي يعني…..لو راحت عيد ميلاد صاحبتها….ما
هي قالت لشهد وعرفتها………”
فالحقيقة هي من اقترحت على شهد تلك الفكرة
بان تخبرهُ بان كيان في حفلة ميلاد أحد اصدقائها
…فإن كان علم حقيقة الحفل….وذهابها برفقة محاميها في المكتب…لكان منعها من الخروج من البيت مدى الحياة…….وكانت خسرت عملها في هذا المكتب للأبد…..
فالحقيقة هي لا تشكك في أخلاق كيان او نوعية
تلك الحفلة…….لكن الرجال لهم حسابات أخرى
تختلف عنا كنساء……وكثيراً يسيئون الظن…..
بل ويختلقوا قصصٍ عدة……ومن خلفها
يشددواً الحصار على من يخصهم……….
قال حمزة بحنق شديد…….
“فيها انها مقلتليش……إزاي عايزاني اعدي
الموضوع عادي كده…. وكان محصلش حاجة…..”
بررت لها قمر……. “أكيد خافت انك متوفقش…….”
اوما حمزة بمنتهى العصبية قائلاً بحدة…..
“لا كنت هوافق….كنت هوديها وهجبها بنفسي…لكن هي حبت تبقا براحتها………”
أسبلت قمر اهدابها ثم قالت بشفقة
نحوها…
“اهي عرفت غلطها….وبعدين انت برضو…..مديت
ايدك عليها قدمنا…….ودا كان اكبر عقاب ليها….”
لم يرد حمزة بل ظلت ملامحه مظلمة
متحجرة….
فسالته قمر بتردد….. “مش هتصلحها……”
أشاح بوجهه مكفهراً….. “بعدين……بعدين… ”
صمتا معاً وقد انتهى الحديث هنا…..حتى
رغب هو في مناكفتها قليلاً فنظر الى العباءة
التي ترتديها…….بدأت ترتدي أشياءٍ واسعة
بعد ان نبهها للأمر من باب المزاح…..فالحقيقية
كان الأمر مزحة سخيفها للاستفزاز فقط…..فهي
لم تجذبة بأي شكلاً كان………
عادية هي…..ككل من عبروا حياته….من
أول لقاء وهو يراها كالعابرين الذين سبقوها
اليه ورحلوا مع الوقت كما ستفعل هي يوماً…
“حلوة العباية عليكي…..عقبال الحجاب……”
تغضنت زوايا شفتيها مجيبة عليه
بنظرة باردة….
“ربنا يهديني………. ويهديك……”
نظر لها حمزة بمشاكسة….
“وانتي شيفاني متعفرت……..مالك……”
نظرة له باستفسار مقلدة صوته…… “مالي……..”
نظر لها بغرور قائلاً بزهو……
“شكلك معجبه بيه…….قولي متكسفيش… ”
لاحت الدهشة على وجه قمر فقالت
مستنكرة……..
“يسلام……اي الثقة دي……..اي اللي يثبت اني
معجبه بيك…….”
قال غامزاً بوقاحة……
“عنيكي……..هتكليني بيهم…….”
ارتبكت قمر قليلاً…ثم قالت هازئة….
“والله…….بجد صعبان عليا….واخد في نفسك
قلم….”
غمز حمزة مجدداً مضيفاً بعنجهةٍ….
“اخرسي…….دا انا مفيش مني اتنين……”
لم ترد بل مالت بوجهها للناحية الآخرى
تخفي ارتكبها….فمد حمزة يده ومسك
ذقنها يديرها اليه مناغشاً إياها…….
“بصيلي…… بذمتك في زيي….. ”
بنظرة مدققة سارت بنيتاها على قسمات
وجهه……عيناه العسلية القاتمة في لمعانهما
ترى بريق من الاجرام….وآخر من الشقاوة…
بريق يخطف كل شيءٍ في طريقة……ولا يكتفي أبداً !!…ملامحه الرجولية الخشنة……..ولحية السوداء النابته……شعره الاسود الناعم من شدة نعومته تهبط بعض الخصل الرفيعة على جبهته فيزداد وسامة……
ضربة يده بقوة وادعت التجهم…..
“أبعد ايدك دي…….مفيش زيك بس فيه
أحلى منك……”
ابتسم حمزة وكانه حصل على إجابة ترضي
غرورة….
“يعني انا حلو……..اديكي اعترفتي…….”
قالت بغضب زائف….
“مغرور آوي……..هات الفنجان………”
اعطاها القدح قائلاً باقتضاب…..
“خدي……… القهوة كان طعمها وحش أصلا….”
مطت شفتيها هازئة قبل ان
ترحل…..
“عشان كده شربتها كلها…….ياحرام…. ”
عندما تركته ودخلت الصالون…ضحك حمزة وأرجع
خصلات شعره للخف….مستنشق الهواء بعمقاً…وهو
ينظر للشارع بالاسفل………
ليرى آخر شيءٍ يتمنى ان يراه الآن……
رأى نجلاء تستقل سيارة سامح بعد ان فتح لها الباب
بإبتسامة واسعة فبادلته هي بضحكة رنانة……
أغمض حمزة عيناه بقوة وتقلصت ملامحه بشدة
وقد تضخم صدره بمشاعر سوداوية يشوبها
الغضب قبض على يداه بقوة جبرية محاولاً معها
تمالك اعصابة…..حتى رحلت السيارة في تلك
اللحظة التالية….فشعر بان انفاسه تغادر معها…
……………………………………………………………
دلف من باب المنزل عصراً في وقت تناول الغداء…..
وعندما دخل شقة والديه بحث بعيناه عنها…..
تهرب منه منذ أيام……بالنهار تجلس في شقة والديه
كما اتفق معها وفي المساء تنعزل في غرفتها…
أصبح لا يراها إلا صدف……
سحب نفساً حار لرئتاه……. من يوم ان قبلها وضمها الى صدره وهو يشعر بنارٍ مستعارة تشتعل على ذكر اسمها فقط………و أن تلاقى بسوداويتاها الشقيتين
ينقلب حالة رأسٍ على عقب…….
كيف تسللت اليه بتلك السرعة… كانت دوماً في عيناه ابنة العم الصغيرة المدلله والتي في طرفت عين أصبحت امرأته !… امرأة متفجرة بالانوثة والشقاوة…..أمرأه بمذاق آلورد…….شهيه لأبعد حد……
كيف كانت في احضانه ذائبة كالهلام….رائعة في احضانه تعطي دون ان يطلب……
كانت عديمة الخبر نعم…. لكن كان رضاها وتناغمها
معه يفوق الوصف……..كانت ضائعة ضياع مقبول
في احضانه……..
حتى هو ضاع في تفصيلها المغوية…..مذاق شفتيها الفاتنة أثملة……أثملة لدرجة انه أنقض عليها أكثر كالاسد الجائع دون تفكير…. فاوقعها على الفراش ينهم من شفتيها وعنقها بجموح يفوق الوصف………
ومع ذلك كانت هي معه كقطعة السكر الذأبة أمام
نار أفعاله…..
فيزيد جموحة وتنفجر هي رغباتها معه….وفي
غفلة اللذة انتزعت نفسها من احضانه وهربت
بجبن تاركة النار المشتعلة تتغذى عليه وحدة……..
يومها تمدد على الفراش وحيداً ينفث في سجارته بعصبية شديدة ونار الرغبة تكوي جسده….وفي
منتصف الليل حينما فقد الأمل في خروجها من الغرفة نام على الفراش الذي جمعهما سوياً في لحظات حميمية لأول مرة…وللعجب كان الفراش
متشرب من عطرها الوردي………
كان الأمر وقتها بنسبة له مزعج…..لكن بعدما زال غضبه نام على الفراش يشتم عطرها المحبب
وهو يعناق الوسادة والغطاء كمراهق صغير عاد
للتو من موعد غرامي؟!……..
“واقف كدا ليه ياسلطان………”
فاق من شروده ورفع عيناه على أمه التي خرجت للتو من المطبخ وتفاجئت بوجوده…..
لانت ملامحه وتبسم لأمه ابتسامة دافئة
مشاكساً إياها….
“مفيش حمدالله على السلامة ياحنون……انا
واقع من الجوع على فكرة…… ”
ربتت على كتفه بمحبة قائلة……
“الاكل جاهز…….ابوك بس بيصلي العصر جواه….
صليت ولا لا……..”
اوما سلطان برأسه مجيباً…..
“دا سؤال…طبعاً صليت في الجامع……..بصي
جيبلك إيه…….”اخرج العلبة من الكيس الذي
يحمله منذ دخوله…….واخبرها غامزاً……
“كيلو مشاكل من الحلواني اللي بتحبيه…….”
نظرة امه للعلبة بفرحة…ومع ذلك لكزته في
كتفه موبخة اياه بلطف……..
“اي بتحبي دا ياواد ابوك يسمعك…….”
رفع سلطان حاجباه مدعي الدهشة وهو يميل
عليها بمناغشة…
“هو لسه عبدو بيغير عليك برضو ياجميل……”
ضحكت حنان بخجل والحب يشرق صدرها وكانها
شابة في العشرينات من عمرها….فالحقيقة قصة
حبهما اسطورية لأبعد حد…..فكان (عبد القادر) هو
ابن الجيران العابث الذي أوقعها في الهوى من أول يوم فتحت نافذة غرفتها على شرفة بيتهم……
وتتولى الأحداث ويقع في حبها في فترة الدراسة
ثم يتقدم لها بعد التخرج ويتزوجا……..ومن بعدها
ينجبا أربعة أولاد اكبرهم أميرة وسلطان….واصغرهما
ابنتين صغيرتين متزوجات في محافظة بعيدةٍ عنهما والزيارات دوماً تكون متباعدة…..
القريبة منهم هي الابنة الكبرى( أميرة) فهي تزوجت في( الساحة) لذلك هي وأولادها دوماً يتواجدوا هنا كمنزل ثاني لهم وهو كذلك بالفعل…..فحنان أمرأه حنونه تحب وتود جميع أولادها واحفادها…..
خرج والده من الغرفة قائلاً بمزاح……
“عبدو هيفضل يغير علطول……شيل ايدك من
عليها يا واد…………”
رفع سلطان عيناه على والده…..(عبد القادر)هناك
شبه كبير بينهم…….هو من يشبه والده بالجسد الضخم والطول الفارع…….ببعض الملامح الوسيمة لكن ملامحه هو أكثر خشونة وحدة ، ام والده
في على وجهه ترتسم البشاشة مثل طباعة فهو
سلسل المعاملة طيب المعاشرة عكسه تماماً……..
ربما هناك شبه كبير بينهم لكن طباعة هو لا تضاهي
أحد……فهو منفرد بطباعة الغليظة المتسلطه التي
لا تتحملها أنثى ؟!…..
أبعد سلطان يديه مدعي
الخوف….
“لمؤخذة ياحجيج مخدتش…….”
اقترب منه عبدالقادر واجماً…..
“انا عايز افهم حاجة…..هو انت مش اتجوزت….”
اوما سلطان براسه باعين عابسة….. “حصل…..”
تافف عبدالقادر بملل منه….
“طيب بتنطلنا ليه كل شوية…….”
ضحك سلطان بخبث وهو يفهم مقصد
والده….
“طبيعي ياحجيج انا ساكن فوق منك على فكرة…….وبعدين اديني بونسك انا والمدام….ولا انت عايز تستفرد بحنون…. لغيني بس انا ابنك برضو……”
لكزته حنان بحياء……. “بس ياواد عيب……..”
أحاط عبدالقادر بذراعه كتفيها قائلاً بمشاكسة
حلوة……..
“اي اللي عايبه ياحبيبتي…..أيوا انا عايز استفرد
بيكي…..”
ابعدت حنان ذراعه عنها قائلة
بتلعثم….
“جرالك إيه يابوا أميرة…… الواد……”
تجولت عينا سلطان مجدداً في الارجاء
سائلا بلهفة…….
“طب فين مراتي بقا…. عشان انا كمان عايز
استفرد بيها……”
قالت حنان برفق….
“فوق السطح بتاكل البط….. اطلعلها ياحبيبي.. وبالمرة قولها تنزل عشان تتغدوا….. انا هدخل
أسخن الأكل…….”
سالها عبد القادر قبل ان
ترحل…..
“عملتي السلطه ياحنون………”
قبل ان تدخل حنان الى المطبخ اجابته بابتسامة
شغوفة….
“لا تعالى اعملها انت…….. السلطلة من ايدك حاجة تانيه يا ابو أميرة…….”
أبتسم عبدالقادر بزهوٍ وأدار وجهه للناحية الأخرى
ليجد ابنه مزال يقف جواره…….فعندما ابصره
مط شفتيه ممتعضاً ليجد سلطان يقترح عليه
بخبثٍ…….
“مبلاش انت ياحجيج….. وسيبني انا اعملكم السلطه……”
امتنع عبدالقادر بوجوم……
“لا مش عايزين نتعبك وطلع شوف مراتك…وسبلي
انا السلطة……. ” استدار بعدها ذاهباً الى المطبخ خلف زوجته…..
فاوما سلطان براسه حاسداً والديه……
“ماشي ياحجيج……..واكلها ولعة…… ” ثم اتجه الى السلم وتخطى الدرج حتى يصل لامرأته
ومزال ماتبقى في الكيس بين يده…….
……………………………………………………………
عندما صعد أعلى السطح… بحث عنها بعيناه حتى
وجدها جالسه جوار عشة الدجاج الخشبية…….
وحولها بعض البطاط الصغيرات صفراء اللون تاكل
أمامها مصدره صوت بطبطة خفيضة لصغر
حجمها….
كانت داليدا مندمجة معهم جداً… لدرجة انها مسكت
واحده منهم وظلت تتحسس عنقها وظهرها بمداعبة لطيفة…..
لانت ملامح سلطان وهو يرى هذا المشهد فكم بدت لطيفة بريئة صغيرة…….
يذكره هذا المشهد بايام الصبى كانت هي فتاةٍ صغيرة بجديلة قصيرة على جنب….وفستان صغير رقيق……. تاتي لعندهم خلسة من خلف والديها
وتصعد على السطح لتلعب مع البط الصغير
وتظل تركض خلفه لساعات حتى تكسر أرجل الاغلبية منهم……فتصيح امه عليه حتى يصعد
وياتي بها قبل ان تنهي حياة الباقية منهم……
فياخذها عنوة عنها ويحملها على كتفه غصباً
فتبكي وتتحدث وهي فاقدة أول سنتين للبنيتين أماميتين……فتخرج الحروف مشوهة….
(تبني…..تبني ياتلطان……..العب مع البطة….)وكانت
تقصد…..(سبني…..سبني….ياسلطان……)
ضحك سلطان….ضحكة قوية عند تذكر تلك الفترة
في عمرها فكانت معظم الأحرف مشوهة ومضحكة
خصوصاً عندما تكون غاضبة وتتحدث بسرعة……
انتبهت داليدا اليه….فانتشرت الحمرة لوجنتيها وتوردت بشدة عند رؤياه…….
أصبح يربكها وجوده…..ويخيفها…..وتخجل بشدة عندما تتلاقى أعينهما…….فما حدث منذ أيام لا يفارق
عقلها لا ليلاً ولا نهاراً…….
ماحدث بينهما شيءٍ جميل لكن غريب….فهي لم تتوقع يوماً ان يكون بينهما قبلات حارة ولمسات جريئة…. حتى عندما تزوجا لم تتخيل يوماً ان
يحيا معاً كزوجين الأمر أشبه بمزحة……..مزحة ثقيلة……فكيف يحدث هذا مع من كانت تراه اخاها الكبير ؟!…
أخاكِ الكبير ؟!…
بالله عليكِ كيف تجرؤِ على نُطقها…كنتِ مسالمة معه
لدرجة تشيب شعر الرأس…….وكانكم زوجان منذ زمن بعيد كنتِ (كجيلاتين الكولا) يافتاة للينه وسهلت المضغ……
ضمك لاحضانه فانهارت اعصابك… امتزجت أنفاسه
بانفاسك فضاع المتبقي منكِ مع كل قبلة يدلل بها
شفتيكِ السخية ، احببتِ الدلال لدرجة انكِ تركتِ يده تسير باريحية على مفاتنك……وزاد جموحة عليكِ فاوقعك على الفراش وكنتِ في غاية السعادة والرضا منتظرة بحرارة الجولة الاكثر عمق وحميمية من ذلك……
اخاكِ الكبير ؟!….عفواً ولكن كيف كل تلك المشاعر
تكن لاخٍ كبير ؟!…….
سحبت الهواء لرئتيها باضطراب وهي تجلد نفسها مجدداً بعد استسلامها المخزي له منذ أيام….وكانها كانت تتلهف لهذا القرب اكثر منه ؟!….
نهضت من مكانها تنظر إليه وعقلها يفكر في الهروب…..أقترب سلطان منها بعينين
هادئتين…
“بتعملي اي ياداليدا……..”
زاد الاحمرار والتوتر بعد وقوفه امامها لكنها قالت
أخيراً وهي تهرب من النظر لعيناه…..
“بأكل البط…….”
اوما سلطان براسه بارتياح….
“الحمدلله انك بتأكليه مش بتجري وراه……”
عند تلك الذكرى تلونت شفتيها بابتسامة تشع حنين
لأيام الطفولة…. فكانت سفاحة صغيرة تلعب مع البط
بسادية حتى تنتهي حياة البعض منهم والاخر يكمل
المتبقي له أعرج……..
كم تشعر بذنب نحو ضحاياها من البط……حمداً لله
انها كبرت واصبحت تطعمهما بدلاً من ان تعذبهم…..
“دا كان زمان……. دلوقتي انا باكلهم……”
“كويس…… خدي…….”قدم لها الكيس…..
فاخذته منه ونظرة داخله
بفضول…..
“اي ده……شيبسي…… بالجبنة….” عادة لعيناه وقالت
بحرج………
“شكراً ياسلطان…”
عبست ملامحه قائلاً بمكر…. “شكراً حاف كده……”
فغرت شفتيها وخفق قلبها بخوف… “ها……”
راى شحوب وجهها فعقب بنبرة
مطمئنة….
“مالك وشك أصفر كدا ليه…. عايز بوسه هنا…”
اشار على خده…..فاهتزت حدقتاها بتردد
أكبر……
بينما قال سلطان وعيناه تأسرها……
“تيجي ننسى اليوم اللي فات ده وكانه مجاش….”
يكذب لن ينسى هذا اليوم أبداً فهذا أجمل شيءٍ
دافئ عاشه مع أمرأه وهي اخذت دور البطولة
أمامه فكيف ينسى ويتغافل عن البطولة المطلقة
التي خاضتها معه……
“ها اي رأيك…….”
اومات براسها وهي أيضاً تتشبث بالكذبة معه… مدعية نسيان الأمر……
فاشار سلطان على خده مجدداً منتظراً……فابتسمت
داليدا وهي تقفز عليه وتطبع قبلة سريعة على خده الخشن….
فشعر بنفحة من السعادة تضرب قلبه….فأبتسم على اثارها ونظر لعينيها المتلألأة…….
فابتعدت داليدا لأحد الأركان تستفرد بكيس البطاطا الكبير………فاقترب سلطان منها محاول
مشاكستها قائلاً……
“ماتجيبي واحدة يا دودا……”
نظرة له بطرف عينيها ثم هزت راسها
برفضٍ….
“لا هاكله لوحدي…….الكيس صغير أصلاً….”
فغر سلطان شفتيه مشدوهاً…
“صغير…… دا حجم عائلي يامفترية…….”
اومات براسها وهي تدس شريحة
منه بفمها….
“ماشي ماهو يدوبك يكفيني……”
رفع سلطان حاجبه هازئاً……
“يدوبك المرة الجاية هجبلك كرتونه بالحجم العائلي……”
قالت داليدا بإبتسامة
شقية….
“ساعتها انا بقا هديك واحدة……”
ضحك ساخراً……. “والله……”
“آآه…..”اومات برأسها وهي تضع شريحة من
البطاطا بفمها……..فخطف سلطان الكيس
منها في لحظة خاطفة راكضاً به للناحية
الأخرى……
انكمشت ملامح داليدا وكشرت عن انيابها بغضب وهي تركض خلفه……
“هات الكيس ياسلطان…..بتسرق في السن ده
مش عيب……”
قال سلطان بغلاظة…….
“مانا قولتلك هاتي واحده بذوق مش عاجبك…”
ضيقت عينيها وزفرة باهتياج متذكرة مضايقاتُ
القديمة لها…….. “من زمان وانت بتعمل كده……..”
أومأ براسه واستفزها قائلاً……
“كويس انك فكرة…….انك من زمان عينك فارغه…”
هزت راسها ببساطه مؤكدة وهي تحاول
إختطاف الكيس منه……
“اه انا عيني فارغه ملكش دعوة……هات الكيس…”
“لا…..”قالها وهو يدس شرائح البطاطا بفمه وهو ينظر اليها بعناد…..
فجزت على اسنانها وهي تمد يدها تحاول خطف الكيس مجدداً لكنه رفع ذراعه ببساطه لقصر قامة
طولها وقد اولاها ظهره قائلاً باستفزاز……
“انتي هبلة ولا إيه…….هتاخديه من ايدي……”
أحمر وجهها بشدة وهي تجن من حركاته تلك خصوصاً انه يأكل من الكيس غير مبالي بها….
وكانه اشتراه له……
لتكن في لحظة التالية وبدون تفكير يُحسب…تقفز على ظهره العريض محاولة إختطاف الكيس منه مزمجرة بحدة……
“هات الكيس كلته كله…… هات ياسلطان…….”
ضحك سلطان بشدة وهو يحاول التخلص منها
لكنها كانت متشبثه به بقوة تحيط عنقه بذراعها
تكاد تخنقه……
“يامجنونة خنقتيني انزلي…….”
قالت هائجة وهي مصممة على خطف
الكيس منه…..
“هات الكيس……..كلته كله….هات الكيس…..”
“هموت ياهبله……..انزلي…..”حاول سلطان فك
ذراعها من حول عنقه……..فصاحت هي
بتحدي…..
“هات الكيس الأول…….”
“اعوذ بالله خدي…….”اعطاه لها سلطان وهو يضحك
غير مصدق جنونها…….
كلما اغاظها بشيءٍ ولو بسيط تقفز فوقه هكذآ كالببغاء مزمجرة……..
“مينفعش الواحد يهزر معاكي…دانتي لاسعه….”
قلبت داليدا شفتيها بمقتاً….
“دا مش هزار دي رخامة……
” انا رخم ياداليدا……”رفع سلطان حاجباه وتبددت
ملامحه في لحظة….مما جعلها تقترب منه بشريحة
من البطاطا قائلة….
“افتح بؤك…….انا اللي هاكلك……”
“دا اي الحنية دي…. تتحسدي……..”فتح فمه فوضعتها في فمه مبتسمة له بدلال………
نظر سلطان لشفتاها التي تتحركان مع مضغ الشرائح المقرمشة فابعد عيناه عنها وهو يشير لأحد الأركان……….”تعالي نقعد هنا………”
لحقت به داليدا وجلست على أحد المقاعد جواره تأكل من شرائح البطاطا….وهي تنظر الى البطاط الصغيرات ياكلوا ويشربوا في أحد الزوايا القريبة منهما…….فعقبت بإبتسامة تقطر عسلاً………..
“حلو شكل البط أوي……..والفراخ كمان…….انا عرفت
مرات عمي بتحب التربية ليه…….”
نظر لها سلطان لبرهة ثم سالها
بفضول….
“وانتي بقا بتحبي إيه…….”
نظرة له وتفاجئت من سؤاله لكنها ردت بنظرات
حالمة……..
“انا…..انا بحب البحر اوي……..انا نفسي اتغدى في يوم على البحر………”
استغرب من طلبها….. “بس كده…….”
اضافت داليدا بعينين متلألئتين………
“واقضي اليوم كله على البحر…أجري ولعب ونزل المايه كمان…….”
قال سلطان ببساطه……
“نبقى نعملها في يوم انا وانتي….”
سألته بدهشة…… “بجد ياسلطان……”
هز راسه مؤكداً…
“أيوا نخرج سوا…….اي رأيك……”
هزت راسها بسعادة….. فهي اشتاقت للخروجات بشدة………. “موافقة طبعاً……”
“الغدى ياااااسلطان……..داليداااا…..”اتى صوت والدته من الأسفل تنادي عليهما بنفاذ صبر بعد ان تأخرا في النزول…….
ضرب سلطان على جبهته وهو ينهض من
مكانه متذكراً….
“نستيني……..أمي بتحضر الغدى تحت…وقالتلي انديلك……يلا عشان تحضري الأكل معاها…..على
ماطلع انا شقتنا أغير هدومي دي……”
نهضت داليدا بعده سائلة…..
“انت هتنزل تاني الورشة……”
أكد هو متعجباً من سؤالها…….
“آه…….زي كل يوم وهرجع بليل…….بتسألي ليه….”
يبدو ان الشوق غلبها…..فخرج السؤال
عفوي….لذا ارتبكت قليلاً وهي تخبره…..
“عادي….. سؤال عادي….انا هنزل انا بقا…….”
نزلت سريعاً قبل ان يوقفها فنظر هو لأثرها شاعراً
بقلبه يهفو معها أينما ذهبت…….
…………………………………………………………..
بعد عودته من الورشة…. في المساء……..
كان يجلس على الاريكة امام التلفاز يقلب بجهاز التحكم بملل…..حانت منه نظرة على الطاولة
ليجد أربعة اكواب من الشاي فارغة أمامه…
قد شربهم في خلال ساعة ونصف….حمل الاكواب وهو يجز على أسنانه من جديد…..واثناء ذهابة
للمطبخ نظر لغرفتها ليجد خطٍ من الاضاء يتسلل
من عقب الباب……يبدوا انها استيقظت أخيراً…
لماذا نامت اليوم مباكراً…..ام انها تدعي؟!….
وضع الاكواب على رخامة المطبخ ثم عاد وطرق الباب منادياً بخشونة…..
“داليدا…….عايز شاي……..”
مطت جسدها على الفراش للأمام بكسلاً وعلى شفتيها تلونت ابتسامة شقية……وقالت بخبث..
“وبنسبة للكوبيات اللي كانوا هتكسروا من شوية
وانت بتحطهم في المطبخ…….كانوا كوبيات ماية… ”
أكد بوجوم……. “آآه ماية………”
اتجهت داليدا الى باب غرفتها وفتحت إياه…ووقفت أمامه بمنامة قطنية رقيقة وشعر أسود ناعم كثيف منسدل على ظهرها……رمشت بعينيها عدت مرات
وهي تسأله بشك……
“ليه صاحي لحد دلوقتي……..”
نظر لها سلطان نظرة شاملة مدققة ثم سألها
باهتمام مستجد………
“انتي ليه نايمة دلوقتي….مش بتقولي انك بتنامي
سبعة الصبح……….”
هزة كتفيها مجيبه….”من الزهق نمت………”
أشاح بوجهه عنها قائلاً…..
“انا كمان زهقان…..بس مش عارف أنام……”
لمعة عينيها الشقية مقترحة……
“اي رأيك نتفرج على فيلم أجنبيّ…. رعب…..”
ادعى الاهتمام وهو يطوف على وجهها المشع
بعيناه… “تعرفي حاجة كويسة……..”
اومات براسها بحماسية مفرطة…..
“ياااه بالهبل……هخترلك حاجة على ذوقي هتعجبك…..بس هعملك شاي……وهعمل فشار
كمان اي رأيك….. ”
“ماشي……..هستناكي جوا……..”
اتجه الى الداخل بانتظارها…….وبالفعل بعد دقائق
قليلة توسطت الاريكة بجواره متمددة عليها معه
وفي حجرها طبق كبير من الفشار…..
أطفأت أنوار الشقة واكتفت بالاضاءة المنبعثة
من شاشة التلفاز الكبيرة والتي بدأت تعرض
فلماً مرعباً……..وقد ساعد الظلام المحيط
بهم الدخول في الأجواء والاندماج السريع…..
بنسبة لها……ام بنسبة له هو فكان ضائع في مراقبتها
عن قرب……لم يكن من محبي التفاصيل او مراقبة
أحد……لكن الأمر معها مختلف…….
يختلف لدرجة انه يرى التشويق الحقيقي بتلك العينين الشقيتين……..الاثارة في تلك الضحكة
الرنانة والتي اخرجتها الآن على غفلة مع أول
ظهور لصديق البطل الفكاهي……
المتعة هي مراقبتها بهذا الشكل……..هي منجذبة
الى الفيلم واحداثة وهو منجذب اليها والى تفاصيلها…..كلاهما راضياً بهذا القدر !………..
اثناء مشاهدة الفيلم ومراقبته لها…وجدها في أحد
المشاهد الحابسة للانفاس……ترجع ظهرها للخلف
منتفضة بخوف….وعندما ظهر الوحش من خلف
الظلام…….شهقت برعب والقت نفسها في احضانه
استغل سلطان تلك الفرصة فكم اشتاق لجسدها
بين ذراعيه…..ضمها بشدة وهو يهمس برفق….
“اهدي يادليدا……متخفيش……”
أغمضت داليدا عينيها براحة وهي ترتاح على كتفه
شاعره بالدفء يسري في عروقها……. وقلبها يخفق
بجنون……….لتجد سلطان يتحسس ظهرها
بحنان قائلاً بمزاح……..
” طلعتي جبانه وعملالي فيها قلبك جامد……..”
خرجت من احضانه مزمجرة……
“طبعاً قلبي جامد….. بس اتخضيت لم خرج من الضلمة……..”
نظرة داليدا لشاشة واتسعت عينيها برهبة….. “احيه…… دا كلها…….”
قال سلطان بلؤم وهو يفتح ذراعيه
لها في دعوة سخية…..
“تعالي في حضني قبل مايطلع يكلك انتي
كمان…”
ضحكت داليدا ولم تلبي دعوته بل قالت
بتردد……. “سلطان……..”
نظر لها مهتماً…. فقالت هي بحرج شديد…..
“انا آسفه…….”
سالها بعدم فهم…… “على إيه يادليدا…..”
بللت شفتيها امام عيناه ثم قالت بأسى…
“على السلسلة…… صدقني نسيت اشيل الصورة منها………”
“داليدا اتفرجي على الفيلم وانتي ساكته…..”
قاطعها سلطان بنبرة خشنة مهيبة….وقد
تبددت ملامح وجهه في لحظة وتحولت للحجر
الصلب…..ام عيناه فكانت قاسيتين منفعلتين
بشكلاً مبالغ مع ذكر السلسال…الذي ذكره
بالسبب الرئيسي الذي جمعهما كزوجين…..
شعرت داليدا بالاحباط وبغيمة من الحزن تعلو
رؤوسهما بعد اعتذارها السخيف والذي ليس
له اساسٍ من صحة……
هذا هذيان يا داليدا… فمن الغباء ان تذكري هذا
بينكم…..
الوضع حساس جداً…. ومزال هناك جدار يعزلكم
عن بعضكما ويبعدكما أكثر……. فكفاكِ تهور…. وتعقلِ…..
ظلا صامتين لنصف ساعة…..كلما نظرة اليه تجده
مثبت عيناه على الشاشة يشاهد بوجهاً مكفهرٍ
وتعابير صلبة غير مقروءة………
اغمضت عينيها تشتم نفسها للمرة المائة فهي تكره انقلابه عليها….. فعندما يغضب او يحزن منها
تشعر بعدم الارتياح وكان الحياة تخاصمها
معه !……
لا تعرف من أين اتتها الجرأة…. لكنها فعلت ماتشعر
انها بحاجة له…..
قد سحبت ذراعه بمنتهى البساطه واحاطت به خصرها من الخلف….. ثم اقتربت منه أكثر ومالت براسها على صدره العريض ترتاح في حضنة
ثم اغمضت عينيها هامسة ببراءة…….
“انا آسفه ياسلطان…… آسفه…..”
في اللحظة التالية من اعتذارها أغمض سلطان
عيناه….وهو يخرج نفساً متحشرج حارٍ…..
لم يبادلها العناق ولم يجد رداً على اعتذارها
الأهوج….
لكن هيهات قلبه وجسده كانوا متجاوبين معها
بكل جوارحهم….
لكنه تمالك اعصابة ولم يكشف عن ضعفه في قربها…..بل ظل صامتاً يتابع الفيلم بنفس الملامح المكفهرة المتحجرة……بينما داخلياً كان يهمس كل دقيقة بعذابٍ وهي ترتاح على صدره……
“الرحمة يا داليدا…….الرحمة يابنت عمي…..”
لقراءة الجزء الثاني 2 من رواية الحب اولا 💜👇
لقراءة الجزء الثالث 3 من رواية الحب اولا 💜👇
لقراءة الجزء الرابع 4 من رواية الحب اولا 💜👇